الرئيسية | الصحيفة | خدمات الإستضافة | مركز الملفات | الحركة الانتقالية | قوانين المنتدى | أعلن لدينا | اتصل بنا |

أفراح بن جدي - 0528861033 voiture d'occasion au Maroc
educpress
للتوصل بجديد الموقع أدخل بريدك الإلكتروني ثم فعل اشتراكك من علبة رسائلك :

فعاليات صيف 2011 على منتديات الأستاذ : مسابقة استوقفتني آية | ورشة : نحو مفهوم أمثل للزواج

العودة   منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد > منتديات التكوين المستمر > المنتدى العام للتكوين المستمر


المنتدى العام للتكوين المستمر فضاء عام يساعدكم على حسن الإستعداد للامتحانات المهنية كما يمدكم بمختلف مراجع التكوين المستمر ...

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 2009-11-30, 13:27 رقم المشاركة : 6
admin
الإدارة الأولـــى
 
الصورة الرمزية admin

 

إحصائية العضو








admin غير متواجد حالياً


وسام الرتبة الأولى في مسابقة طاكسي المنتدى لشهر يو

افتراضي رد: مواضيع الدكتور جميل حمداوي


علوم وتربية : من أجل نظرية تربوية جديدة ( البيداغوجيا الإبداعيــــة)
بواسطة د. جميل حمداوي في 17/09/2007 11:26:44 (86 القراء) مقالات أخرى لنفس الكاتب
من أجل نظرية تربوية جديدة ( البيداغوجيا الإبداعيــــة)

الدكتور جميل حمداوي


تمهيــــــد:

جرب المغرب بصفة خاصة والعالم العربي بصفة عامة عدة نظريات تربوية كنظريات التربية الحديثة ونظرية الأهداف السلوكية، ونظرية الكفايات، وبيداغوجيا المجزوءات.

ومازال البحث مستمرا لإيجاد نظريات تعليمية أخرى موجودة في الساحة التربوية الغربية من أجل تجريبها في مدارسنا ومؤسساتنا الوطنية قصد تطبيقها وممارستها رغبة في التحقق من نجاعتها وفعاليتها. والهدف من هذا البحث عن المستجدات التربوية النظرية والإجرائية هو تجديد الوضع البيداغوجي والديداكتيكي وإيجاد الحلول الممكنة للمشاكل التي يتخبط فيها تعليمنا من المستوى الابتدائي حتى المستوى الجامعي، و الذي أصبح يخرج أفواجا كثيرة من الطلبة الحاصلين على الشواهد العليا ، ولكن بدون قيمة ولا جدوى، إذ سرعان ما يجدون أنفسهم بعد التخرج عاطلين وبطالين بدون عمل وبدون كفاءة وظيفية تساعدهم على تدبير شؤون حياتهم على الرغم من حاجة المجتمع الماسة إليهم.

هذا ما دفع الكثير من الدول العربية ومنهم المغرب إلى استيراد النظريات التربوية الغربية التي وضعت وبلورت في سياق غربي لتكييفها مع الأوضاع المحلية واستنباتها بشكل تعسفي لايراعي خصوصياته ، ويحاول زرعها في تربة تأبى الاستجابة نظرا لاختلاف بيئة المصدر والمستورد الذي يرى في هذه النظرية المستنبة حلا سحريا لإنقاذ الوضع التعليمي المتدهور.

وندعو في هذه الدراسة المتواضعة إلى تطبيق نظرية جديدة سميناها بالنظرية الإبداعية أو البيداغوجيا الإبداعية. إذاً، ماهي هذه النظرية؟ وماهو سياقها الظرفي؟ وماهي غاياتها وأهدافها؟ وماهي مرجعياتها النظرية و مرتكزاتها المنهجية والتطبيقية؟

سياق النظرية التربوية الإبداعية:
من المعلوم أن هناك ثلاث مدارس بارزة في المنظومة التربوية العالمية، فهناك مدرسة تغير المجتمع كما هو الحال في اليابان، ومدرسة يغيرها المجتمع كما في دول العالم الثالث، ومدرسة تتغير بتغير المجتمع كما هو شأن المدرسة في الدول الغربية.

وإذا أردنا أن نعرف طبيعة المدرسة المغربية فهي مدرسة محافظة تهدف إلى تكوين مواطن صالح بمفهوم السلطة الحاكمة، يحافظ على قيم المجتمع وأعرافه وعاداته وتقاليده. ويعني هذا أن المدرسة المغربية تقوم بنفس الوظيفة الاجتماعية التي أشار إليها إميل دوركايم والتي تتمثل في التنشئة التربوية والتهذيبية وتوريث المتعلم نفس القيم الاجتماعية التي كانت عند آبائه وأجداده من أجل التكيف والتأقلم مع أوضاع المجتمع وقوانينه. أي تقوم المدرسة بإدماج الفرد داخل المجتمع وتسهر على تربيته عبر مؤسسات صغرى وكبرى من أجل الحفاظ على مكتسبات المجتمع. ومن هنا، فهذه المدرسة مؤسسة محافظة تكرس التخلف وتعطي المشروعية للطبقة الحاكمة لكي تستمر في السيطرة على السلطة دون التفكير في تغيير المجتمع من أجل اللحاق بالدول المتقدمة. وبالتالي، تنعدم عند هذه المدرسة الأهداف الوطنية الحقيقية التي تعمل على زرع الوطنية الصادقة في نفوس المواطنين و بناء الإنسان والاحتكام إلى احترام حقوقه وتمثل الديمقراطية والشورى و مبادئ الحريات الخاصة والعامة . وتفتقد هذه المدرسة كذلك الأهداف القومية التي تعمل على تطوير الأمة العربية والإسلامية وتسعى إلى تغيير أوضاعها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية.

ونستخلص من هذا أن المدرسة المغربية مدرسة متخلفة محافظة تكرس التبعية وتعمل على تكوين الورثة بمفهوم بيير بورديوP.Bourdieu كما يوضح ذلك في كتابه" الورثةLes Héritiers "، كما أن الأوضاع الاقتصادية والضغوطات الاجتماعية والمؤسسات الدولية الخارجية هي التي تغير المدرسة المغربية وتؤثر فيها سلبا.

ويمكن القول : إن المدرسة المغربية قطعت عدة أشواط وعرفت عدة أنماط في مسارها البيداغوجي والديداكتيكي، ويمكن حصرها في المسارات التالية:

المدرسة الاستعمارية التي ظهرت إبان الحماية من 1912م إلى 1956م ، وكانت تهدف إلى القضاء على الكتاتيب الدينية والجوامع القرآنية ومحو ثوابت الأمة المغربية والتشديد على الفصل بين البرابرة وإخوانهم العرب مع صدور الظهير البربري سنة 1930م، ومحاربة كل النزعات الثورية التحررية التي تسعى من أجل استقلال المغرب. وكانت هذه المدرسة تعمل أيضا على ضرب الوحدة الوطنية والطعن في اللغة العربية والتشكيك في الدين والقيم الإسلامية والهوية المغربية عن طريق محاولات التنصير وفرنسة المؤسسات التعليمية المعاصرة.
مرحلة التأسيس وبناء المدرسة الوطنية التي ظهرت بعد الاستقلال مباشرة بتطبيق المبادئ الأربعة، وهي: التعميم والتوحيد والتعريب والمغربة.
مرحلة الاستواء والعطاء والإنتاج إبان مرحلة السبعينيات من القرن العشرين ،إذ ساهمت المدرسة المغربية في تكوين جيل من الأطر المتميزة والمتفتحة التي عرفت بالإبداع والمساهمة الكبيرة في تحريك الاقتصاد المغربي وإغناء الثقافة العربية وإثراء الفكر الإنساني.
مرحلة النكوص والتراجع التي بدأت مع سياسة التقويم الهيكلي في منتصف ثمانينيات القرن العشرين، إذ تراجعت المدرسة المغربية عن جودتها الكمية والكيفية بسبب الأزمات التي كان يتخبط فيها المغرب سياسيا واقتصاديا وعسكريا واجتماعيا وثقافيا خاصة مع حرب الصحراء، بله عن الضغوطات الدولية الخارجية التي تتمظهر بكل وضوح في قرارات المؤسسات المالية كمؤسسة البنك العالمي ومؤسسة صندوق النقد الدولي.
مرحلة الإصلاح التربوي التي بدأت في أواخر التسعينيات من القرن الماضي وبداية الألفية الثالثة ، وقد استهدفت الدولة ضمن هذه المرحلة إنقاذ الوضع التربوي المغربي المتردي الذي أصبح لا ينسجم مع شروط ومعايير المدرسة الدولية؛ يسبب تراجع مستوى التلاميذ والطلبة وانعدام مصداقية الشواهد المغربية، ولاسيما شهادة البكالوريا التي تراجع مستواها العلمي الحقيقي. هذا ما جعل المسؤولين يفكرون في إصلاح التعليم عن طريق إيجاد "الميثاق الوطني للتربية والتكوين"، مع الاستفادة من بيداغوجيا المجزوءات وبيداغوجيا الكفايات ورفع شعار الجودة التربوية. و على الرغم من جدية وأهمية مبادئ" الميثاق الوطني للتربية والتكوين"، فلم تتحقق الجودة التي كانت تنادي بها وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر، إذ كانت الوزارة تشتغل على تحقيق الجودة الكمية على حساب الجودة الكيفية وهي الجودة الحقيقية و الجودة المطلوبة. ولهذا السبب، أفرزت الوزارة مؤسسات تعليمية متعثرة ماديا وماليا ومعنويا، تفتقد إلى الجودة العلمية و المشروعية البيداغوجية والمصداقية الأخلاقية. وبالتالي، انعدمت الثقة لدى المربين والأسر والإداريين في المدرسة المغربية التي أصبحت مدرسة لتفريخ العاطلين واليائسين من مستقبل البلاد. لذلك يختار الطلبة المتخرجون الهجرة السرية إلى الضفة الأخرى حلا لمشاكلهم وملاذا لوضع نهاية لحياتهم المأساوية داخل وطنهم الذي يعج بالمفارقات والتناقضات على جميع الأصعدة والمستويات.
وتستلزم كل هذه المراحل التي تؤرخ لتطور السياسة التعليمية والفلسفة التربوية إعادة النظر في النظام البيداغوجي المغربي والتفكير في فلسفات تربوية أخرى جديرة بإنقاذ المدرسة الوطنية من أزماتها ومشاكلها التي تتخبط فيها من أجل تحقيق جودة حقيقية وحداثة تقدمية تؤهل المغرب للحاق بمصاف الدول النامية أولا والدول المتقدمة ثانيا.

ومن النظريات التربوية التي نرى أنها كفيلة بإخراج المغرب من شرنقة التخلف والانحطاط نختار لكمأيها السادة القراء الفضلاء- النظرية التربوية الإبداعية. فماهو مفهوم هذه النظرية؟

مفهوم النظرية الإبداعية:
تشتق كلمة الإبداعية من فعل بدع وأبدع . فبدع الشيء" يبدعه بدعا وابتدعه - في " لسان العرب" لابن منظور- بمعنى أنشأه وبدأه. وبدع الركية: استنبطها وأحدثها. وركي بديع: حديثة الحفر، والبدعة: الحدث وما ابتدع من الدين بعد الإكمال. وفلان بدع في هذا الأمر أي أول لم يسبقه أحد. وأبدع وابتدع وتبدع: أتى ببدعة. والبديع: من أسماء الله تعالى. والبديع: بمعنى السقاء والحبل. والبديع: الزق الجديد والسقاء الجديد. وأبدعت الإبل كبركت في الطريق من هزال أو داء أو كلال.يقال:أبدعت به راحلته إذا ظلعت. ويقال أبدع فلان بفلان إذا قطع به وخذله ولم يقم بحاجته. وأبدعت حجة فلان أي بطلت حجته أي بطلت. وبدع يبدع فهو بديع إذا سمن. وأبدعوا به: ضربوه. وأبدع بالسفر وبالحج: عزم عليه".1

وتدل كلمة الإبداعية Créativité في القواميس الأجنبية على القدرة على الإبداع والاختراع والتجديد والإنشاء والتأليف والتكوين والتأسيس والإخراج والخلق. ومن أضداد الإبداع في هذه القواميس التقليد واللاوجود والهدم والتخريب والنقل والنفي.2

ويفهم من خلال هذه الدلالات اللغوية الاشتقاقية أن الإبداعية تدل على الخلق والاختراع والاكتشاف والتجديد والتحديث وتجاوز التقليد والمحاكاة إلى ماهو أصيل وبناء وهادف.

ومن هنا، فالإبداعية هو فعل الإنشاء وخلق أشياء جديدة وبلورة تصورات وأفكار ومشاريع أخاذة قائمة على اختراع مفاهيم جديدة وابتكار مناهج وطرائق حديثة في التعامل مع الظواهر المادية والمعنوية.

وتأخذ كلمة الإبداعية دلالات تختلف من حقل إلى آخر، فالإبداعية في التصور الديني هو خلق الله للعالم والإنسان من العدم، أي من لاشيء. ومن ثم، فكلمة الإبداعية ترادف الخلق والإيجاد وإنشاء الكون. بينما الإبداع في المجال الفقهي هو البدع والمستجدات التي لم يستوجبها الشرع، فكل بدعة ضالة وكل ضلالة في النار، وأصحاب البدع هم أصحاب المستحدثات.

أما في المجال العلمي، فتعني الإبداعية الاختراع والاكتشاف. بينما يقصد بها في مجال الأدب والفن والفلسفة خلق نظريات وتصورات فكرية ومبادئ نسقية جديدة منسجمة وغير متناقضة، وتأليف نصوص تمتاز بالحداثة والتجديد والانزياح والغرابة والخرق.

ويفهم من الإبداعية في مجال اللسانيات التوليدية التحويلية التي وضع أسسها النظرية والتطبيقية الأمريكي نوام شومسكي N.Chomsky خلق جمل لامتناهية العدد بواسطة قواعد متناهية العدد ، أو تغيير القواعد النحوية وتبديلها:" إن الإنسان ليس مالكا لدولاب اللغة فحسب، فعند التحدث لا يكتفي بإعادة الجمل، بل يخلق جملا جديدة ربما لم يسمعها قبل. وبالتالي، فالحديث ليس إعادة لجمل سمعت بل هو عملية إبداع ويبدو أن هذا هو المظهر الأساسي الموجود بالقوة.

يقول الفرنسي نيكولا رفيت Nicolas Ruvet:" إنه من الاستثنائي والنادر إعادة الجمل، فالإبداع المتفق مع نحو اللغة هو القاعدة في الاستعمال العادي للتحدث يوميا. والفكرة القائلة إن الإنسان يملك رصيدا لغويا، ذخيرة من البيانات يأخذ منها كلما استدعت الحاجة لذلك، إنما هي خرافة لاتمت بصلة إلى استعمال اللغة كما نلاحظه. ويميز شومسكي بين نوعين من الإبداع:

أ- إبداع يبدل القواعد النحوية وهو خاصية الموجود بالفعل.

ب- إبداع يمكننا من إيجاد عدد لامتناه من الجمل وهو ناتج عن تطبيق القواعد النحوية.هذا الإبداع يسمى إبداعا محكوما بالقواعد. ووجوده ممكن بطبيعة القوانين النحوية نفسها التي يمكن لها أن تتوالد إلى مالانهاية .

وعلى هذا المنوال، يصير الموجود بالقوة كمجموعة مكونة من عدد محدود من القوانين وقادرة على إنشاء عدد لا محدود من الجمل."3

مفهوم الإبداعية في مجال البيداغوجيا:
يقصد بالنظرية الإبداعية في مجال البيداغوجيا أن يكون المتعلم أو المتمدرس مبدعا قادرا على التأليف والإنتاج ومواجهة الوضعيات الصعبة المعقدة بما اكتسبه من تعلمات وخبرات معرفية ومنهجية. وتتمظهر الإبداعية في الاختراع والاكتشاف وتركيب ماهو آلي وتقني ، وتطوير ماهو موجود ومستورد من الأشياء وإخراجها في حلة جديدة وبطريقة أكثر إتقانا وجودة . ولابد أن يكون ماهو مطور قائما على البساطة والمرونة والفعالية التقنية والإلكترونية وسهولة الاستعمال.

وتستند الإبداعية إلى الذكاء وامتلاك الكفاءة والقدرات الذاتية التعلمية في مواجهة أسئلة الواقع الموضوعي عن طريق تشغيل ما درسه المتعلم واستوعبه في السنة الدراسية أو عبر امتداد الأسلاك الدراسية في التكيف مع الواقع والتأقلم معه إما محافظة وإما تغييرا.

وقد تعتمد الإبداعية على تحليل النصوص وتشريحها وتأويلها والقدرة على استنباط معانيها السطحية والثاوية في العمق، وقد تتجاوز الإبداعية هذا المفهوم التحليلي النصي إلى تقديم تصورات فكرية نسقية جديدة حول الإنسان والمعرفة والكون والقيم تضاف إلى الأفكار الفلسفية الموجودة في الساحة الثقافية.

ويمكن أن تكون الإبداعية هي تجريب نظريات وفرضيات علمية جديدة والإدلاء بأطروحات منهجية ومعرفية تسعف الإنسان أو الدولة على استثمارها للصالح العام.

ويمكن أن تكون الإبداعية في مجال الفن هو رسم لوحات تشكيلية ونحت مشخصات تنم عن تصورات حديثة أو إخراج فيلم أو مسلسل أو مسرحية فيها الكثير من الإضافات الفنية الجديدة.

ومن هنا، فالإبداعية نظرية تربوية تهدف إلى تربية التلميذ وتعويده على الخلق والإنتاج والإبداع والابتكار والاختراع والتجديد والتطوير والتركيب والتأليف بعد عمليات التدريب والتمرين والمحاكاة، وتمثل المعارف السابقة المخزنة في الذاكرة وتفتيقها أثناء مواجهة الوضعيات الجديدة في الواقع الميداني والنظري والافتراضي.

مرتكزات النظرية الإبداعية:
تتكئ النظرية الإبداعية التربوية على مجموعة من الأسس والمرتكزات ، ومن أهمها: السعي الدائم وراء التحديث والتجديد وتفادي التكرار واستنساخ ماهو موجود سلفا ، وتجنب أوهام الحداثة الأدونيسية، واعتماد حداثة حقيقية وظيفية بناءة وهادفة تنفع الإنسان في صيرورته التاريخية والاجتماعية. ولن تتحقق هذه الحداثة إلا بالتعلم الذاتي وتطبيق البيداغوجيا اللاتوجيهية أو المؤسساتية ودمقرطة الدولة وكل مؤسساتها التابعة لها. ويعني هذا أن البيداغوجيا الإبداعية لن تنجح في الدول التي تحتكم إلى القوة والحديد وتسن نظاما ديكتاتوريا مستبدا؛ لأن الثقافة الإبداعية هي ثقافة تغييرية راديكالية ضد أنظمة التسلط والقهر.

ولايمكن الحديث أيضا عن النظرية الإبداعية إلا إذا كان هناك تشجيع كبير لفلسفة التخطيط والبناء وإعادة البناء والاختراع والاكتشاف وتطوير القدرات الذاتية والمادية من أجل مواجهة كل التحديات .

ومن الشروط التي تستوجبها النظرية الإبداعية الاحتكام الدائم إلى الجودة الحقيقية كما وكيفا، والتي لايمكن الحصول عليها إلا بتخليق المتعلم والمواطن والمجتمع بصفة عامة. ويعد الإتقان من الشروط الأساسية لماهو إبداعي؛ لأن الإسلام حث على إتقان العمل وحرم الغش والربح الحرام.

ولابد من ضبط النفس أثناء التجريب والاختبار وتنفيذ المشاريع العلمية والتقنية، والتروي في إبداعاتنا على جميع الأصعدة والمستويات والقطاعات الإنتاجية، والاشتغال في فريق تربوي والانفتاح على المحيط العالمي قصد الاستفادة من تجارب الآخرين، والمساهمة بدورنا في خدمة الإنسان كيفما كان. ومن هنا، لابد أن يكون التعليم الإبداعي منفتحا على محيطه وفي خدمة التنمية المحلية والجهوية والوطنية والقومية والإنسانية.

وترفض النظرية الإبداعية التقليد والمحاكاة العمياء والاتكال على الآخرين واستيراد كل ماهو جاهز، واستبدال كل ذلك بالتخطيط المعقلن وإنتاج الأفكار والنظريات عن طريق التفكير في الحاضر والمستقبل، وتمثل التوجهات البرگماتية العملية المفيدة ، ولكن بشرط تخليقها لمصلحة الإنسان بصفة عامة.

هذا، وينبغي أن ينصب الإبداع على ما هو أدبي وفني وفكري وعلمي وتقني ومهني وصناعي في إطار نسق منسجم ومتناغم لتحقيق التنمية الحقيقية والتقدم والازدهار النافع لوطننا وأمتنا.

ومن المعلوم أن الدول الغربية لم تتقدم إلا بتشجيع الحريات الخاصة والعامة وإرساء الديمقراطية الحقيقية وتشجيع العمل وتحفيز العاملين ماديا ومعنويا. ومن ثم، تعتبر النظرية الإبداعية فكرة التشجيع والتحفيز وتقديم المكافآت المادية والرمزية من أهم مقومات البيداغوجيا العملية الحقيقية، ومن أهم أسس التربية المستقبلية القائمة على الاستكشاف والاختراع. .

المرجعيات النظرية التي تعتمد عليها البيداغوجيا الإبداعية:
تستوحي البيداغوجيا الإبداعية مرتكزاتها النظرية والتطبيقية من نظرية اللسانيات التوليدية التحويلية التي ركزت كثير على الإبداعية اللغوية على مستوى الإنجاز وتوليد الجمل اللامتناهية العدد من خلال قواعد نهائية ومحددة واستعمالها بشكل إبداعي متجدد. كما تعتمد النظرية الإبداعية على بيداغوجيا الأهداف والكفايات والمجزوءات ونظرية الجودة التربوية وتبني مبادئ التربية الحديثة والمعاصرة مع تمثل الفلسفة البرگماتية المخلقة وتنفيذ مقررات الحياة المدرسية والتنشيط التربوي.

ومن جهة أخرى، تستلهم هذه النظرية التجارب التربوية في الدول الغربية المتقدمة التي تربط المدرسة والتعليم بالممارسة العملية وسوق الشغل والبحث العلمي والاختراع الآلي، والتقني وتقرنه كذلك بالتنمية والتقدم والازدهار.

فلسفة البيداغوجيا الإبداعية وغاياتها:
تهدف البيداغوجيا الإبداعية إلى تكوين مواطن صالح يغير مجتمعه ويساهم في تطويره والرفع من مراتبه كما يساهم في الحفاظ على كينونة أمته ومقوماتها الدينية، ويسعى جاهدا من أجل تنميتها بشريا وماديا وحمايتها من المعتدين عن طريق الدفاع عنها بالنفس والنفيس، وإعداد القوة البشرية والعلمية والتقنية من أجل المجابهة والتحصين.

ويعني هذا أن البيداغوجيا الإبداعية نظرية تعمل على تكوين جيل من المتعلمين يمتلك العلم والتكنولوجيا والقدرات الكفائية في جميع التخصصات من أجل تسيير دفة المجتمع وتوجيهه الوجهة الحسنة والسليمة، مع تحلي هذا الجيل بالأخلاق الفاضلة التي تؤهله لخدمة المجتمع والوطن والأمة على حد سواء.

ومن أهداف البيداغوجيا الإبداعية العمل على خلق مدرسة عملية نشيطة يحس فيها التلميذ بالحرية والخلق والإبداع . وبالتالي، تتحول هذه المدرسة إلى ورشات تقنية ومقاولات صناعية ومختبرات علمية ومحترفات أدبية و قاعات فنية من أجل المساهمة في الاقتصاد الوطني والعالمي .

ولابد أن يتعود التلميذ في هذه المدرسة على التحكم في الآلة وتفكيكها وتركيبها وتطويرها ، واختراع آلات جديدة لتنمية الاقتصاد وتحديث الصناعة الوطنية على غرار المدارس الآسيوية في دول التينينات أو اليابان أو المدارس الغربية.

ولايمكن أن نخلق تلميذا مبدعا إلا إذا كانت الإدارة وهيئة التعليم والإشراف تتوخى التغيير والإبداع وتهوى التنشيط، ولها الرغبة الحقيقية في العمل الهادف المتنامي والقدرة على المساهمة في البناء والخلق والتطوير والتجديد من أجل تحقيق الأهداف الوطنية والقومية. ولا يمكن كذلك أن نحصل على هذه الشرائح المبدعة الراغبة في الخلق والتطوير والتحديث إلا إذا حسنا أوضاعها المادية والمالية وحفزناها معنويا وشجعناها، ووضعنا كل شخص في مكانه المناسب اعتمادا على معايير العمل والعلم مع إبعاد الترقية بالأقدمية والاختيار التي تسيء إلى الفلسفة الإبداعية وبيداغوجيا الخلق والتجديد.

الإجراء العملي للبيداغوجيا الإبداعية:
لتحقيق البيداغوجيا الإبداعية لابد من المرور بمراحل أساسية حسب مسار التعلم وتعاقب أسلاك المدرسة من المستوى الابتدائي حتى المستوى الجامعي.

تبدأ البيداغوجيا الإبداعية منهجيا بالتقليد والمحاكاة والتدريب والتمرين وتمثل ماهو جاهز سلفا في الأسلاك الدراسية الأولى بشكل مؤقت، لننتقل بعد ذلك إلى مرحلة التركيب وإعادة الإنتاج والتوليد والتجريب في الأسلاك الدراسية المتوالية، لننتقل بعد ذلك إلى مرحلة الإبداع والخلق والتجديد والتحديث والانزياح والاستقلال بتصورات ومشاريع علمية وتقنية وفنية وأدبية جديدة لها مواصفات الملكية القانونية والإبداعية. وتنتهي هذه المراحل بالتطبيق وإنجاز المشاريع الإبداعية إجرائيا وواقعيا في الميدان وربط ماهو نظري بالممارسة والتطبيق الفوري.

وعليه، تعتمد البيداغوجيا الإبداعية على المراحل التالية:

مرحلة التقليد والمحاكاة والتدريب؛
مرحلة التجريب والتركيب وإعادة البناء؛
مرحلة الخلق والإبداع والتجديد والتحديث؛
مرحلة التطبيق والإنجاز والممارسة الميدانية.
وتستلزم البيداغوجيا الإبداعية أثناء وضع المقررات والمناهج والبرامج الدراسية أن تحترم هذه المراحل والخطوات البيداغوجية والديداكتيكية. ولابد كذلك من تمثل مبادئ الحياة المدرسية وإيقاع التنشيط المدرسي وتغيير استعمالات الزمن لتواكب هذه النظرية وتأهيل الأطر التربوية والإدارية وأطر الإشراف لتكون في مستوى هذه النظرية البيداغوجية الجديدة.

وننبه المسؤولين عن قطاع التربية والتعليم أن هذه النظرية لايمكن أن تنجح إلا إذا شيدت مدارس الورشات والمختبرات والمحترفات، أي لابد أن تكون المدرسة نظرية وتطبيقية تجمع بين ماهو نظري وماهو مهني وعملي ، وتكون بمثابة ورشة تقنية ومختبر علمي وقاعة للفنون والآداب ومتحف لعرض المنتجات الفنية ومسبح لتعلم السباحة وقاعة للرياضة البدنية لخلق أجيال رياضية تساهم في رفع راية الوطن في أعالي السماء.

ومن هنا، فلابد أن يكون الإبداع شاملا ومترابطا ومتناسقا، ولابد أيضا من بناء مؤسسات تربوية خاصة بالمتفوقين والأذكياء والعباقرة كما هو الشأن في الدول الغربية وفي روسيا نظرا لما لهؤلاء من قدرات خارقة يمكن استغلالها في اختراع الأسلحة المتطورة وإنتاج النظريات العلمية والأدبية والتقنية من أجل تحقيق التقدم والازدهار.

وينبغي أن تكون المقررات الدراسية عبارة عن وضعيات مقلقة وصعبة ذات مصداقية عملية وعلمية وواقعية وذات أهداف مفيدة ونافعة في الحاضر والمستقبل.

خاتمــــة:

ويتضح لنا في الأخير بعد هذا العرض النظري الوجيز أن البيداغوجيا الإبداعية هي نظرية تهدف إلى بناء مستقبل تربوي حداثي قائم على الخلق والتطوير والإبداع والاكتشاف والخلق بعد المرور الضروري من مرحلة التقليد والمحاكاة والتدريب، وكل ذلك من أجل خلق مجتمع متنور كفء قادر على مواجهة التحديات الموضوعية والواقعية والدولية على جميع الأصعدة والمستويات والقطاعات الإنتاجية. بيد أن هذه النظرية التربوية الإبداعية لايمكن أن تحقق ثمارها المرجوة إلا في مجتمع العمل والحريات الخاصة والعامة والديمقراطية المتخلقة .

ولايمكن تطبيق هذه البيداغوجيا الجديدة إلا إذا أسسنا مدارس الورشات والمختبرات والمحترفات، وعودنا المتعلم/ المتمدرس على حب الآلة والفن والتجريب العلمي وتطبيق النظريات ، ودربناه على فعل التنشيط التخييلي والرياضي، وساعدناه على تمثل فلسفة المنافسة والتسابق والاختراع ، وفعلنا الفلسفة البرگماتية ذات التوجهات العملية والإنسانية والاستكشافية في الحاضر والمستقبل، وخلقناها دينيا وخلقيا من أجل بناء مجتمع إسلامي مزدهر، يساهم في التنمية العالمية عن طريق التصنيع وإنتاج النظريات واختراع المركبات الآلية وتحقيق الاكتفاء الذاتي وتصنيع الأسلحة المتطورة الحديثة لتأمين وطننا وأمتنا من العدوان الخارجي والحفاظ على كرامتنا وأنفتنا، بدلا من الذل والضيم اللذين نعيش فيهما اليوم من جراء تخلفنا وانحطاطنا وانبطاحنا التاريخي والخلقي.

ملاحظة:

جميل حمداوي، صندوق البريد 5021 أولاد ميمون، الناظور، المغرب.

[email protected]

www.jamilhamdaoui.net






    رد مع اقتباس
قديم 2009-11-30, 13:29 رقم المشاركة : 7
admin
الإدارة الأولـــى
 
الصورة الرمزية admin

 

إحصائية العضو








admin غير متواجد حالياً


وسام الرتبة الأولى في مسابقة طاكسي المنتدى لشهر يو

افتراضي رد: مواضيع الدكتور جميل حمداوي


علوم وتربية : التواصل اللفظي وغير اللفظي في المجال البيداغوجيوالديداكتيكي
بواسطةد. جميل حمداوي في 4/10/2007 6:35:42 (104 القراء) مقالات أخرى لنفس الكاتب
التواصل اللفظي وغير اللفظي في المجال البيداغوجيوالديداكتيكي

الدكتور جميل حمداوي

تمهيـــــد:

يذهب كثير منالدارسين إلى أن الدوال تدل وتتواصل بطريقة مباشرة وغير مباشرة، ومنها: اللغةوالعلامات والخطابات والأنساق و الإنسان وسائر الكائنات الموجودة في الطبيعة. ويعنيهذا أن كل شيء في عالمنا يحمل دلالة ووظيفة، وهذه الوظيفة قد تكون ذات مقصدية أوبدون مقصدية، ذات ميزة فردية أو جماعية، طبيعتها مادية أو معنوية. كما أن هذهالدوال التواصلية قد تكون لفظية أو غير لفظية، تعبر عن وعي أو عن غيروعي.


هذا، وأصبح التواصل اليوم عبارة عن تقنية إجرائية وأساسية في فهمالتفاعلات البشرية وتفسير النصوص والخبرات الإعلامية وكل طرائق الإرسالوالتبادل.

وتعد اللغة من أهم آليات التواصل و تقنيات التبليغ ونقل الخبراتوالمعارف والتعلمات من الأنا إلى الغير أو من المرسل إلى المخاطب. وهذه اللغة ذاتمستويين سلوكيين: لفظي وغير لفظي.

وقد استفادت مجموعة من العلوم والمعارفوالفنون من تقنيات التواصل من أجل أجرأة أهدافها السلوكية وتحقيق الغايات التيرسمتها على المدى القريب والمتوسط والبعيد. ومن بين هذه العلوم نستحضر: علمالبيداغوجيا والديداكتيك الذي يقوم بالأساس على التواصل الإنساني والتفاعلاتاللفظية وغير اللفظية.

ومن المعروف كذلك أن المؤسسة التربوية لايمكن أن تحققثمارها المرجوة ونتائجها الإيجابية إلا من خلال الاحتكام إلى مبدإ التواصلالبيداغوجي والديداكتيكي لتسهيل تبادل المعارف وتنمية العلاقات الوجدانية وتمتينالعلاقات التشاركية والتفاعلية سواء على مستوى الإدارة التربوية أم على مستوى الفصلالدراسي.

إذاً، ماهو التواصل لغة واصطلاحا؟ وما آلياته الإجرائية؟ وماهيالعلوم التي يستند إليها؟ وماهي أهم منظورات ونماذج التواصل؟ وماهو التواصل اللفظيو غير اللفظي؟ وكيف يتحقق هذا التواصل بنوعيه في المجال البيداغوجي والديداكتيكي؟هذه هي الأسئلة التي سوف نحاول الإجابة عنها في موضوعنا المتواضع هذا.

1.
مفهوم التواصل لغة واصطلاحا:

1.
التواصل لغة:

يفيد التواصل في اللغةالعربية الاقتران والاتصال والصلة والترابط والالتئام والجمع والإبلاغ والانتهاءوالإعلام. أما في اللغة الأجنبية فكلمة communication تعني إقامة علاقة وتراسلوترابط وإرسال وتبادل وإخبار وإعلام. وهذا يعني أن هناك تشابها في الدلالة والمعنىبين مفهوم التواصل العربي والتواصل الغربي.

2.
التواصل اصطلاحا:

يدلالتواصل في الاصطلاح على عملية نقل الأفكار والتجارب وتبادل المعارف والمشاعر بينالذوات والأفراد والجماعات، وقد يكون هذا التواصل ذاتيا شخصيا أو تواصلا غيريا، وقدينبني على الموافقة أو على المعارضة والاختلاف. ويفترض التواصل أيضا - باعتبارهنقلا وإعلاما- مرسلا ورسالة ومتقبلا وشفرة ، يتفق في تسنينها كل من المتكلموالمستقبل (المستمع)، وسياقا مرجعيا ومقصدية الرسالة. ويعرف شارل كولي Charles Cooley التواصل قائلا:" التواصل هو الميكانيزم الذي بواسطته توجد العلاقاتالإنسانية وتتطور. إنه يتضمن كل رموز الذهن مع وسائل تبليغها عبر المجال وتعزيزهافي الزمان. ويتضمن أيضا تعابير الوجه وهيئات الجسم والحركات ونبرة الصوت والكلماتوالكتابات والمطبوعات والقطارات والتلغراف والتلفون وكل ما يشمله آخر ما تم فيالاكتشافات في المكان والزمان"1.

يتبين لنا عبر هـذا التعريف أن التواصل هوجوهر العلاقات الإنسانية ومحقق تطورها. لذا، فالتواصل له وظيفتان من خلال هذاالتعريف: وظيفة معرفية: تتمثل في نقل الرموز الذهنية وتبليغها زمكانيا بوسائل لغويةوغير لغوية، ووظيفة تأثيرية وجدانية: تقوم على تمتين العلاقات الإنسانية وتفعيلهاعلى مستوى اللفظي وغير اللفظي.

وهناك من يعرف التواصل بأنه:" هو العمليةالتي بها يتفاعل المراسلون والمستقبلون للرسائل في سياقات اجتماعيةمعينة"2.

وللتواصل ثلاث وظائف بارزة يمكن إجمالها في:

1.
التبادل: Echange
2.
التبليغ:Transfert
3.
التأثير:Impact

ويعرف التواصل أيضابأنه هو: " تبادل المعلومات والرسائل اللغوية وغير اللغوية،سواء أكان هذا التبادلقصديا أم غير قصدي، بين الأفراد والجماعات".3 وبالتالي، لا يقتصر التواصل على ماهوذهني معرفي ، بل يتعداه إلى ماهو وجداني وماهو حسي حركي وآلي. أي إن التواصل:" ليسمجرد تبليغ المعلومات بطريقة خطية أحادية الاتجاه، ولكنه تبادل للأفكار والأحاسيسوالرسائل التي قد تفهم وقد لاتفهم بنفس الطريقة من طرف كل الأفراد المتواجدين فيوضعية تواصلية".4

ومن هنا، فالتواصل هو عبارة عن تفاعل بين مجموعة منالأفراد والجماعات يتم بينها تبادل المعارف الذهنية والمشاعر الوجدانية بطريقةلفظية وغير لفظية.

وتركز الصورة المجردة للتواصل على ثلاثة عواملأساسية:

1.
الموضوع: وهو الإعلام والإخبار؛
2.
الآلية: التي تتمثل فيالتفاعلات اللفظية وغير اللفظية؛

ج- الغائية: أي الهدف من التواصل ومقصديتهالبارزة( البعد المعرفي أو الوجداني أو الحركي).

وهكذا، يمكن القول: إنالاتصال أو التواصل عبارة عن عملية نقل واستقبال للمعلومات بين طرفين أو أكثر. ويستند هذا التواصل في سياقاته إلى التغذية الراجعة Feed Back عندما يحدث سوءالاستقبال أو الاستيعاب أو التشويش أو الانحراف الانزياحي.

2.
أنــــواعالتواصل:

يمكن الحديث عن أنواع عدة من التواصل الإنساني والآلي والسيميائي،فهناك التواصل البيولوجي والإعلامي والآلي والسيكولوجي والاجتماعي والسيميوطيقيوالفلسفي والبيداغوجي والاقتصادي... ويقول طلعت منصور في هدا الصدد:" إن وظيفةالاتصال تتسع لتشمل آفاقا أبعد . فكثير من الباحثين يتناولون الاتصال كوظيفةللثقافة وكوظيفة للتعليم والتعلم وكوظيفة للجماعات الاجتماعية وكوظيفة للعلاقات بينالمجتمعات، بل ويعتبرون الاتصال كوظيفة لنضج شخصية الفرد وغير ذلك من جوانب توظيفالاتصال"5.

ويرتبط التواصل بعدة علوم ومعارف يمكن حصرها في علم التدبيروالتسيير، والعلاقات العامة، والبيداغوجيا والديداكتيك، وعلم التسويق Marketing،وعلوم الإعلام والاتصال، والفلسفة، والسيميولوجيا.

وسنختار من هذه الأنواع: التواصل اللساني، والتواصل الفلسفي ، والتواصل اللسيميائي للحديث عنها مرجئين باقيالأنواع التواصلية الأخرى إلى فترات لاحقة إن شاء الله.

1.
التواصل منالمنظور اللساني:

يذهب مجموعة من اللسانيين إلى أن اللغة وظيفتها التواصلكفرديناند دو سوسير الذي يرى في كتابه " محاضرات في اللسانيات العامة" (1916) أناللغة نسق من العلامات والإشارات هدفها التواصل خاصة أثناء اتحاد الدال مع المدلولبنيويا أو تقاطع الصورة السمعية مع المفهوم الذهني. وهو نفس المفهوم الذي كان يرميإليه تقريبا ابن جني في كتابه " الخصائص" عندما عرف اللغة بأنها " أصوات يعبر بهاقوم عن أغراضهم".

ويعرف أندري مارتيني André Martinet اللغة بأنها عبارة عنتمفصل مزدوج وظيفتها التواصل. ويعني هذا أن اللغة يمكن تقسيمها إلى تمفصل أول وهوالمونيمات( الكلمات)، وبدورها تنقسم إلى فونيمات( أصوات) ومورفيمات( مقاطع صرفية) التي تشكل بدورها التمفصل الثاني. لكن الأصوات لايمكن تقسيمها إلى وحدات أخرى؛ لأنالصوت مقطع لا يتجزأ. وإذا جمعنا الفونيمات مع بعضها البعض كونا مونيمات، وإذاجمعنا الكلمات كونا جملا، والجمل تكون الفقرات والمتواليات، والفقرات تكون النص،ويكون النص- تأليفا واستبدالا- ما يسمى باللغة التي من أهدافها الأساسيةالتواصل.

ويذهب رومان جاكبسون إلى أن اللغة ذات بعد وظيفي، وأن لها ستةعناصر وست وظائف: المرسل وظيفته انفعالية، والمرسل إليه وظيفته تأثيرية، والرسالةوظيفتها جمالية، والمرجع وظيفته مرجعية، والقناة وظيفتها حفاظية، واللغة وظيفتهاوصفية. وهناك من يضيف الوظيفة السابعة وهي الوظيفة الأيقونية.

وإذا كانالوظيفيون يرون أن اللغة واضحة تؤدي وظيفة التواصل الشفاف بين المتكلم والمستمع،فإنأزوالد دوكرو Ducrot يرى خلاف ذلك أن اللغة ليست دائما لغة تواصل واضح وشفاف، بل هيلغة إضمار وغموض وإخفاء. ويعني هذا أن الفرد قد يوظف اللغة باعتبارها لعبة اجتماعيةللتمويه والتخفية وإضمار النوايا والمقاصد. ويكون هذا الإضمار اللغوي ناتجا عنأسباب دينية واجتماعية ونفسية وسياسية وأخلاقية. فمهرب المخدرات قد لا يستعمل اسممهرباته بطريقة مباشرة، بل يستعمل الرموز للإخفاء كأن يقول لصديقه: هل وصلت الحناءإلى هولندا؟ كما أن أسلوب الأمر في الشريعة الإسلامية يستعمل للوجوب والدعاءوالندب، وهذا يعني أن اللغة فيها أوجه دلالية عدة؛ مما يزيد من غموضها وعدمشفافيتها التواصلية.

ويذهب رولان بارت Roland Barthes بعيدا في تأويلاتهللغة الإنسانية، إذ اعتبر اللغة بعيدة عن التواصل، وجعلها لغة سلطة مصدرها السلطة. ويعني هذا أن الإنسان عبد للغة وحر في نفس الوقت. فالمتكلم عندما يتحدث لغة أجنبيةفهو خاضع لقواعدها وتراكيبها ولمنظومتها الثقافية، ولكنه في نفس الوقت يوظف هذهاللغة كيفما يشاء ويطوعها جماليا وفنيا. فاللغة الفرنسية استبدت كثيرا بالشعبالجزائري لمدة طويلة فأخضعته لقواعدها وسننها اللساني؛ وعلى الرغم من ذلك نجد بعضالأدباء الجزائريين بقدر ما هم خاضعون لهذه اللغة الأجنبية، يتخذونها سلاحا لهم بكلحرية للتنديد بالاستعمار الفرنسي ونقده والهجوم عليه وتطويع تلك اللغة وتعربيها. كما أن السلطة الحاكمة قد تفرض اللغة التي تناسبها على المجتمع لفرض سيطرتهاالسياسية والإيديولوجية، فبالقوة قد نفرض اللغة، كما أن اللغة هي التي تمنح السلطةالسياسية للفئة الحاكمة.

وهكذا، نستنتج أن اللغة قد تكون أداة للتواصلالشفاف كما يمكنها أن تكون لغة للإضمار والتمويه والإخفاء، كما يمكن أن تكون أداةللسلطة على حد سواء.

2.
التواصل من المنظور الفلسفي:

طرح مفهوم الأناوالغير في الخطاب الفلسفي كثيرا من الإشكاليات التي تنصب كلها في كيفية التعامل معالغير، وكيف يمكن للأنا النظر إلى الغير؟!

يذهب الفيلسوف الألماني هيجل إلىأن العلاقة بين الأنا والغير هي علاقة سلبية قائمة على الصراع الجدلي كما توضح ذلكنظريته المسماة بجدلية السيد والعبد. أما جان بول سارتر فيرى أن الغير ممر ووسيطضروري للأنا ، إلا أن الغير جحيم لا يطاق لأنه يشيء الذات أو الأنا. لهذا، يدعوسارتر إلى التعامل مع الغير بحذر وترقب وعدوان، وأنه يستحيل التعايش بين الأناوالغير أو التواصل بينهما ، مادام الغير يستلب حرية الأنا ويجمد إرادته. لذلك، قالقولته المشهورة: " أنا والآخرون إلى الجحيم".

بيد أن ميرلوبونتي رفض نظريةسارتر التجزيئية العقلانية، واعتبر أن العلاقة بين الأنا والغير إيجابية قائمة علىالاحترام والتكامل والتعاون والتواصل، وأساس هذا التواصل هواللغة. أما ماكس شيلرفيرى أن العلاقة بين الأنا والغير قائمة على التعاطف الوجداني والمشاركة العاطفيةالكلية مع الغير، ولا تقوم على التنافر أو البغض والكراهية. في حين يرى جيل دولوزأن العلاقة التواصلية بين الأنا والغير في المجال المعرفي البنيوي قائمة علىالتكامل الإدراكي.

3.
التواصل من المنظور السيميائي:

تندرج تحت إطارسيميولوجيا التواصل أبحاث كل من برييطوPrieto وجورج مونان Mounin وبويسنس Buyssens ومارتينيه Martinet وغيرهم. وهؤلاء جميعا يتفقون على أن العلامة السوسيرية تتشكل منوحدة ثلاثية وهي: الدال والمدلول والقصد. وهم يركزون كثيرا في أعمالهم على الوظيفةالتواصلية. ولاتختص هذه الوظيفة التواصلية بالرسالة اللسانية المنطوقة فحسب، بلتوجد في أنظمة غير لسانية أخرى كالإعلانات والشعارات والخرائط واللافتات والمجلاتوالنصوص المكتوبة وكل البيانات التي أنتجت لهدف التواصل. وتشكل كل الأنماط المذكورةعلامات، ومضامينها رسائل أو مرسلات MESSAGES.

وهكذا يقصي أنصار سيميولوجياالتواصل ذلك النوع من سيميولوجيا الدلالة التي تدرس البنيات التي تؤدي وظائف غيروظيفية كما لدى رولان بارت مثلا.

ونستشف من خلال أبحاث ورؤى مؤسسي هذاالاتجاه أنهم يميلون إلى دراسة أنساق العلامات ذات الوظيفة التواصلية.

وبناءعلى ذلك، فإن أفضل تناول حسب برييطو هو القول: " إن ما يميز الوظيفة التواصلية عنالوظيفة الدلالية حصرا هو القصدية التي تتجلى في الأولى لا في الثانية"6.

إنالسيميولوجيا حسب بويسنس عليها" أن تهتم بالوقائع القابلة للإدراك، المرتبطة بحالاتالوعي، والمصنوعة قصدا من أجل التعريف بحالات الوعي هذه. ومن أجل أن يتعرف الشاهدعلى وجهة التواصل في رأي بويسنس هو ما يكون موضوع السيميولوجيا"7.

وقد ساهمأنصار هذا الاتجاه في بلورة المشروع السوسيري القاضي بأن اللغة هي نظام للتواصل كمافعل كل من تروبوسكوي ومارتينيه وبرييطو، حيث اهتموا اهتماما بالغا بدراسة أنظمةالاتصال غير اللغوية وطرائق توظيفها كالإعلان وأرقام الحافلات... وغيرها منالأنظمة، بل تطور هذا الاتجاه أساسا بتطور علم الدلالة.

4-
أنمـــاطالتواصل:

ومن أنماط الاتصال الإنساني التواصل مع الذات والذي يكون عن طريقوعي الذات بوجودها وكينونتها وتحقيق إنيتها الأنطولوجية ووعيها الداخلي بالعالم،والتواصل بين الفرد والآخرين؛ لأن إدراك الآخر يساعد الفرد على إدراك ذاته،والتواصل بين الجماعات الاجتماعية الذي يسعى إلى تنمية الروح التشاركية و تفعيلالمبدإ التعاوني وتحقيق التعارف المثمر البناء.

ومن الأنماط التواصليةالأخرى نذكر: التواصل البشري، والتواصل الحيواني ، والتواصل الآلي ( السيبرينطيقا)،والتواصل الإعلامي ( تكنولوجيا الاتصال بصفة عامة).

5.
مفاهيم التواصلومكوناته الأساسية:

عند الحديث عن التواصل أو أثناء استعمال هذا المفهومبمثابة مقاربة تحليلية أو منهجية إجرائية في استقراء العلاقات التفاعلية أو قراءةالنصوص والخطابات أو فهم الروابط الذهنية والوجدانية والحركية وتفسير أنسقتهاالتبادلية، لابد من استحضار مجموعة من المفاهيم النظرية والعناصر الأساسيةالتطبيقية باعتبارها مكونات جوهرية في عملية التبادل والتفاعل والتأثير. وهذهالعناصر هي:

1.
زمنية التواصل temporalité؛
2.
المكانية أو المحلية localisation؛
3.
السنن أو لغة التواصل( التشفير والتفكيك)code؛
4.
السياقcontexte؛
5.
رهانات التواصلenjeux de communication ؛
6.
التواصلاللفظي( اللغة المنطوقة) والتواصل غير اللفظي(اللغة الجسدية والسيميائية) communication verbale et non verbale؛
7.
إرادة التواصل( بث الإرسالية قد تكونإرادية أو غير إرادية)volonté de communication؛
8.
الفيدباك أو التغذيةالراجعة، وذلك بتصحيح التواصل وتقويته وتدعيمه وإنهائهfeedback ؛
9.
شبكةالتواصل.Réseau le.

6-
نماذج من التواصل:

هناك كثير من نظرياتالتواصل التي حاولت مقاربة وفهم نظام التراسل والاتصال؛ لذلك من الصعب استقراء كلالنظريات التي تحدثت عن التواصل، بل سنكتفي ببعض النماذج التواصلية المعروفة قصدمعرفة التطورات التي لحقت هذه النظريات والعلاقات الموجودة بينها:

1.
النموذج الأول: النموذج السلوكي:

وضع هذا النموذج المحلل النفسي الأمريكيلازويلLasswell D . Harold سنة 1948 م، ويتضمن هذا النموذج مايلي:

من؟ ( المرسل)، يقول ماذا؟( الرسالة)، بأية وسيلة؟ ( وسيط)، لمن؟ ( المتلقي)، ولأي تأثير( أثر).

ويرتكز هذا النموذج على خمسة عناصر، وهي:المرسل و الرسالة والقناةوالمتلقي و الأثر.

ويمكن إدراج هذا النموذج ضمن المنظور السلوكي الذي انتشركثيرا في الولايات المتحدة الأمريكية، ويقوم على ثنائية المثير والاستجابة. ويتمظهرهذا المنظور بجلاء عندما يركز لازويل على الوظيفة التأثيرية، أي التأثير على المرسلإليه من أجل تغيير سلوكه إيجابا وسلبا.

ومن سلبيات هذا النظام أنه يجعلالمتقبل سلبيا في استهلاكه، ويمتاز منظوره بتملكه للسلطة في استعمال وسائل التأثيرالإشهاري في جذب المتلقي والتأثير عليه لصالح المرسل.

وللتمثيل: فالمدرس هوالمرسل، والتلميذ هو المتلقي، والرسالة ما يقوله المدرس من معرفة وتجربة، ثم الوسيطالذي يتمثل في القنوات اللغوية وغير اللغوية، والأثر هو تلك الأهداف التي ينويالمدرس تحقيقها عبر تأثيره في التلميذ.

2.
النموذج الثاني: النموذجالرياضي:

وضع هذا النموذج في سنة 1949م من قبل المهندس كلود شانون Claude Shannon والفيلسوف وارين وايڤر Waren Weaver. ويركز هذا التصور الرياضي على المرسلوالترميز والرسالة وفك الترميز والتلقي.

ويعتمد هذا النظام التواصلي علىعملية الترميز أو التشفير، فالمرسل هو الذي يمكن أن يتقمص دوره المدرس حيث يرسلرسالة معرفية وتربوية مسننة بلغة وقواعد ذات معايير قياسية أو سماعية يتفق عليهاالمرسل والمرسل إليه الذي يتمثل في التلميذ أو الطالب. فالمدرس يرسل خطابه التربويعبر قناة لغوية أو شبه لغوية أو غير لغوية نحو التلميذ/ الطالب الذي يتلقى الرسالة،ثم يفك شفرتها ليفهم رموزها عن طريق تأويلها واستضمار قواعدها.

يهدف هذاالنموذج إلى فهم الإرسال التلغرافي، وذلك بفهم عملية الإرسال من نقطة Aإلى B بوضوحدقيق دون إحداث أي انقطاع أو خلل في الإرسال بسبب التشويش. ويتلخص مبدأ هذا النظامبكل بساطة في:" يرسل مرسل شفرته المسننة إلى متلق يفك تلك الشفرة". ومن ثغرات هذاالنظام الخطي أنه لا يطبق في كل وضعيات التواصل، خاصة إذا تعدد المستقبلون، وانعدمالفهم الاجتماعي والسيكولوجي أثناء التفاعل التواصلي بين الذوات المفكرة، كما يبقىالمتقبل سلبيا في تسلمه للرسائل المشفرة.

3.
النموذج الثالث: النموذجالاجتماعي:

هو نموذج ريلي وريلي Riley &Riley الذي يعتمد على فهم طريقةانتماء الأفراد إلى الجماعات. فالمرسل هو المعتمد، والمستقبل هم الذين يودعون فيجماعات أولية اجتماعية مثل: العائلات والتجمعات والجماعات الصغيرة...

وهؤلاءالأفراد يتأثرون ويفكرون ويحكمون ويرون الأشياء بمنظار الجماعات التي ينتمون إليها،والتي بدورها تتطور في حضن السياق الاجتماعي الذي أفرزها. ويلاحظ أن هذا النموذجينتمي إلى علم الاجتماع ولاسيما إلى علم النفس الاجتماعي، حيث يرصد مختلف العلاقاتالنفسية والاجتماعية بين المتواصلين داخل السياق الاجتماعي. وهذا ما يجعل هذاالنظام يساهم في تأسيس علم تواصل الجماعة la communication de groupe.

ومنالمفاهيم التواصلية المهمة داخل هذا النظام نجد: مفهوم السياق الاجتماعي والانتماءإلى الجماعة.

4.
النموذج الرابع: النموذج اللساني:

إن الذي وضع هذاالنموذج اللساني الوظيفي هو رومان جاكبسون Roman Jackobson في سنة 1964 م , حينماانطلق من مسلمة جوهرية وهي أن التواصل هو الوظيفة الأساسية للغة، وارتأى أن للغةستة عناصر وهي: المرسل والرسالة والمرسل إليه والقناة والمرجع واللغة. ولكل عنصروظيفة خاصة: فالمرسل وظيفته انفعالية تعبيرية، والرسالة وظيفتها جمالية من خلالإسقاط محور الاستبدال على محور التركيب، والمرسل إليه وظيفته تأثيرية وانتباهية،والقناة وظيفتها حفاظية، والمرجع وظيفته مرجعية أو موضوعية، واللغة أو السننوظيفتها(ه) لغوية أو وصفية.

وهناك من يزيد الوظيفة السابعة للخطاب اللسانيوهي الوظيفة الأيقونية بعد ظهور كتابات جاك دريدا J . Derrida والسيميوطيقاالتواصلية.

ولتوضيح مفاهيم جاكبسون أكثر نعود إلى المجال التربويوالديداكتيكي للتمثيل والشرح. فقد قلنا سابقا إن من وظائف التواصل لدى رومانجاكبسون:

1.
الوظيفة المرجعية: يلتجئ المدرس هنا إلى الواقع أو المرجع لينقلللتلميذ أو الطالب معلومات وأخبارا تحيل على الواقع، أي تهيمن هنا المعارف الخارجيةوالمعارف التقريرية المرتبطة بمراجع وسجلات كالمرجع التاريخي والمرجع الأدبيوالمرجع اللساني والمرجع الجغرافي...
2.
الوظيفة التعبيرية:تتدخل في هذه الوظيفةذات المرسل وذلك من خلال انفعالاته وتعابيره الذاتية ومواقفه وميولاته الشخصيةوالإيديولوجية.
3.
الوظيفة التأثيرية: تنصب على المتلقي، ويهدف المرسل من ورائهاإلى التأثير على مواقف أو سلوكيات وأفكار المرسل إليه؛ لذلك يستعمل المدرس لغةالترغيب والترهيب والترشيد من أجل تغيير سلوك المتعلم.
4.
الوظيفة الشعرية أوالجمالية: إن الهدف من عملية التواصل هو البحث عما يجعل من الرسالة رسالة شعرية أوأجناسية جمالية، وذلك بالبحث عن الخصائص الشعرية والبويطيقية مثل: التركيز علىجمالية القصيدة الشعرية ومكوناتها الإنشائية والشكلانية.
5.
الوظيفة الحفاظية: إن التركيز على القناة يكون بلاشك من أجل تمديد التواصل والحفاظ عليه ، كأن يستعملالمدرس خطابا شبه لغوي أو لغوي أو حركي من أجل تمديد التواصل واستمراره بين المدرسوالتلاميذ/ الطلبة، وذلك باستعمال بعض المركبات التعبيرية التالية: ( أرجوكمانتبهوا إلى الدرس!)، ( انظروا هل فهمتم؟)، ( اسمع أنت!) الخ
6.
الوظيفةالميتالغوية أو الوصفية: يركز المدرس عبر هذه الوظيفة على شرح المصطلحات والمفاهيمالصعبة والشفرة المستعملة مثل شرح قواعد اللغة والكلمات الغامضة الموجودة في النصوالمفاهيم النقدية الموظفة أثناء الشرح.

وقد تأثر جاكبسون في هذه الخطاطةالتواصلية بأعمال فرديناند دوسوسيرFerdinand. De Saussure والفيلسوف المنطقي اللغويجون أوسطين John L. Austin.

5.
النموذج الخامس: النموذجالإعلامي:

يقوم هذا النموذج الإعلامي على توظيف التقنيات الإعلامية الجديدةكالحاسوب والإنترنت والذاكرة المنطقية المركزية في الحاسوب. ومن مرتكزات هذاالنموذج: خطوة الاتصال وخلق العلاقة الترابطيةhase de mise en contact/ connexion، و خطوة إرسال الرسائل؛ وخطوة الإغلاق phase de cl*ôture/déconnexion، أيإن هذا النموذج الإعلامي يستند إلى ثلاث مراحل أساسية: الشروع في الاتصال ،والتشغيل، وإيقاف التشغيل.

د- النموذج السادس: النموذج التربوي:

يتكئالتواصل التربوي على المرسل ( المدرس)، والرسالة ( المادة الدراسية)، والمتلقي ( التلميذ)، والقناة( التفاعلات اللفظية وغير اللفظية)، والوسائل الديداكتيكية ( المقرر والمنهاج ووسائل الإيضاح والوسائل السمعية البصرية...)، والمدخلات( الكفاياتوالأهداف)، والسياق( المكان والزمان والمجزوءات)، والمخرجات( تقويم المدخلات)،والفيدباك ( تصحيح التواصل وإزالة عمليات التشويش وسوء الفهم).

7.
التواصــــل اللفظــــي:

يشغل التواصل اللغوي الذي يكون بين الذوات المتكلمةوحدات فونيمية ومقطعية مورفيمية ومعجمية وتركيبية، أي يعتمد التواصل اللغوي علىأصوات ومقاطع وكلمات وجمل.

ويتم التواصل اللغوي عبر القناة الصوتية السمعية،أي يتكئ أساسا على اللغة الإنسانية، ويتحقق سمعيا وصوتيا. فاللغة المنطوقة لهامستوى لغوي هو عبارة عن نظام من العلامات الدالة ( علاقة الدال بالمدلول بالمفهومالسوسيري)، والتي هي نسق من الوحدات نسميها وحدات الخطاب.

وتتفق البنيويةوالتداولية على اعتبار اللغة وسيلة للتواصل على عكس التوليدية التحويلية بزعامةنوام شومسكي التي ترى أن اللغة ذات وظيفة تعبيرية، و تقر بأن التواصل ما هو إلاوظيفة إلى جانب وظائف أخرى قد تؤديها اللغة.

وترى المدرسة الوظيفية الأوربيةبشقيها: الشرقي والغربي أن اللغة الإنسانية وظيفتها التواصل، فأندري مارتيني يعرفاللغة كما قلنا سابقا على أنها تمفصل مزدوج وظيفتها الأساسية هي التواصل، ويعنيبالتمفصلين: المونيمات والفونيمات. وتذهب سيميولوجية التواصل إلى تبني وظيفةالمقصدية ، ويمثل هذا الاتجاه جورج مونان وبرييطو وبويسنس والمدرسة الوظيفية بصفةعامة.

فالذي يريد أن يدرس اللغة كأداة للتواصل ينبغي له أن يستند إلى علوملسانية كعلم الدلالة والسيميوطيقا والسيميولوجيا. ويقول نادر محمد سراج:" يتواصلمتكلمو لغة إنسانية معينة فيما بينهم بسهولة ويسر، وذلك مرده إلى أن كلا منهم يمتلكويستخدم في البيئة اللغوية عينها، نسق القواعد نفسه، الأمر الذي يتيح له سهولةاستقبال وإرسال وتحليل المرسلات اللغوية كافة، هذا ما يحدث مبدئيا عبر ما نسميه شكلالتواصل الكلامي Communication verbal وهو الشكل الأكثر انتشاراواستعمالا"8.

وكانت الوظيفة التواصلية في اللغة معروفة عند النحاة وعلماءاللغة العربية القدامى، فابن جني يقول في باب " القول على اللغة وما هي": أما حدها: فإنها أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم"9.

أما علماء اللغة، فقد عرضوابدورهم لموضوع وظيفة اللغة، فاتفق أغلبهم على أن وظيفتها هي التعبير والتواصلوالتفاهم، ويبرز في هدا المجال الألسني الفرنسي أندريه مارتيني الذي يؤكد- بدورهومن خلال كلامه عن اللغة الإنسانية باعتبارها مؤسسة من المؤسسات الإنسانية- أن هذهالأخيرة " إنما تنتج عن الحياة في المجتمع، وهذا هو تماما حال اللغة الإنسانية التيتدرك بشكل أساسي كأداة للتواصل".10 ويسير في هذا الاتجاه لسانيو التيار البراگماتيكڤان ديك وهاليداي.

ولقد حظي التواصل اللفظي باهتمام الباحثين ولاسيما فيالمجال البيداغوجي الذي اتخذ ميدانا تطبيقيا؛ لأن التلفظات اللغوية قادرة على تمثيلمجموع التفاعلات السلوكية العلاقات الموجودة بين المدرس والتلاميذ. وقد حاولدولاندشير وبايير أن يحللا السلوكات اللفظية في القسم من أجل معرفة التواصلالوجداني والمعرفي، وذلك في كتابهما القيم" كيف يعلم المدرسون: تحليل التفاعلاتاللفظية في القسم"11.

ومن الشبكات التي خصصت لتحليل التفاعلات اللفظية داخلالقسم هي شبكة فلاندرس Flanders Interaction Analysis Categories ، ويشار إليهاعادة ب(FIAC)، أي مراقي فلاندرس لتحليل التفاعلات اللفظية بين المدرسوالتلاميذ.

8.
التواصـــــل غير اللفـــظي:

تقوم القناة البصرية بدورأساسي في التواصل بصفة عامة والتواصل البيداغوجي بصفة خاصة. ذلك أن فعل التواصل بينمدرس وتلاميذ/طلبة لا يوظف فقط نسقا لغويا منطوقا فحسب، بل إنه يستعمل نظاما منالإشارات والحركات والإيماءات التي تندرج فيما نسميه بالتواصل غير اللفظي وهو:" مجموع الوسائل الاتصالية الموجودة لدى الأشخاص الأحياء والتي لا تستعمل اللغةالإنسانية أو مشتقاتها غير السمعية ( الكتابة، لغة الصم والبكم)"12.

وتستعمللفظة التواصل غير اللفظي للدلالة على " الحركات وهيئات وتوجهات الجسم وعلى خصوصياتجسدية طبيعية واصطناعية، بل على كيفية تنظيم الأشياء والتي بفضلها تبلغمعلومات"13.

وهكذا، فإن ملاحظة عادية لما يجري داخل الفصل الدراسي من سلوكاتغير لفظية بين المدرس والتلاميذ تشكل كنزا من المعلومات والمؤشرات على جوانبانفعالية ووجدانية، كما أنها تكشف عن المخفي والمستتر في كل علاقة إنسانية. ويقولفرويد:" من له عينان يرى بهما يعلم أن البشر لايمكن أن يخفوا أي سر، فالذي تصمتشفتاه يتكلم بأطراف أصابعه، إن كل هذه السموم تفضحه"14.

من هنا يساعدناالتواصل المرئي على تحديد الجوانب التالية:

*
تحديد المؤشرات الدالة عنالانفعالات والعلاقات الوجدانية بين المدرس والتلاميذ؛
*
تعزيز الخطاب اللغويوإغناء الرسالة عن طريق تدعيمها بالحركات ضمان استمرارية التواصل بين المدرسوالتلاميذ؛
*
يؤشر التواصل غير اللفظي على الهوية الثقافية للمتواصلين من خلالنظام الحركات والإشارات الجسدية.

وقد حدد هاريسون Harrisson بعض العناصرالتي تتصل بالتواصل غير اللفظي وحصرها في:

*
كل التعابير المنجزة بواسطةالجسد( حركات، ملامح...)، وتنتمي إلى شفرة الإنجاز؛
*
العلامات الثقافية كطريقةاللباس وتتمثل في الشفرة الاصطناعية؛
*
استعمال المجال والديكور وتمثل الشفرةالسياقية؛
*
الآثار التي تحدثها أصوات وألوان مثل: نظام إشارات المرور وهيالشفرة الوسيطة.15

3-
مستويات خطابية لابد منها:

هناك مجموعة منالآليات والمفاهيم الإجرائية التي ينبغي الاعتماد عليها في تحليل أنظمة التواصلوهي:

1.
العلامة: وهي في اللغة العلاقة بين الدال ( صورة صوتية) والمدلول( مفهوم ذهني)، فكل خطاب منطوق أو مكتوب هو نسق من العلاقات اللغوية. أما العلاماتغير اللغوية فهي نظام الإشارات غير المنطوقة كعلامات المرور أو المؤشرات والرموزالمرئية والملصقات والإشهار والصورة وغيرها.
2.
الأيقونة: وهي تمثيل محسوس لشيءقصد تبيان خصائصه وسماته مثل: صورة شخص أو خريطة بلد.
3.
المؤشر Indice: وهو مايخبر عن شيء مستتر كالدخان فهو مؤشر على النار إذا لم تكن مرئية، وعلامات الوجه قدتكون مؤشرا على فرح أو غضب أو حزن.
4.
الرمزSymbole: وهو كل علامة تشير إلى هويةشيء مثل: الحمامة رمز للسلام، و الميزان رمز للعدالة.

ولقد حظي التواصل غيراللفظي مؤخرا باهتمام كثير من الدارسين مع تطور اللسانيات والسميوطيقا وعلم النفسالاجتماعي حيث:" تزايد اهتمام المجتمع العلمي في السنوات الماضية بموضوع التواصلالإشاري أو التواصل غير الكلامي الذي أضحى ميدانا خصبا للحلقات والأبحاث والمؤلفات،فبالإضافة إلى آلاف المقالات وعشرات الكتب التي صدرت...، فقد نظمت مئات الحلقاتالدراسية التي خصصت لاستجلاء معالم هذا العلم المستجد ولإبراز مجالاته التطبيقيةالعملية"16.

إذاً، فالتواصل غير اللفظي هو تواصل بدون استخدام للغةالإنسانية أي بدون تحقق سمعي وصوتي. ومن ثم، فالحقبة المعاصرة" هي التي شهدت توسعمفهوم التواصل المتعدد القنوات من خلال أعمال وتأملات علماء العادات وعلماء الإنسانوعلماء الاجتماع إضافة إلى علماء النفس وأطباء الأمراض العقلية، وكان قد سبق لبعضعلماء الإنسان أن أكدوا على تعدد قنوات الاتصال في بداية القرن"17.

وعليه،فإن التواصل غير اللفظي مهم في تمتين العلاقات الإنسانية والبشرية ، ويساهم في كشفرضى الأفراد وانفعالاتهم داخل جماعات معينة، واستخلاص مميزاتهم الثقافية والحضاريةوتبيان مقوماتهم السلوكية والحركية في التعامل مع الأشياء والمواقف داخل سياقاتمعينة. بيد أن الخطاب الإشاري أو الحركي غير كاف لتأدية كل الرسائل بوضوح وشفافية،فلابد أن يعزز بالتفاعلات اللفظية التي تزيل كل إبهام وتشويش عن كل إرسالية غيرلفظية في مجال التواصل. ومن ثم، فالمعرفة الضمنية" بالدلالات الاجتماعية كنسق إشاريما ضرورية وأساسية لنجاح أية عملية تواصل إنساني، وبالرغم من ذلك، فإن التواصلالإشاري يبقى عرضة لسوء التفسير أو اللبس، وصولا إلى سوء التقدير، حتى أيضا، لأفرادالبيئة اللغوية الواحدة، وما يمكن استخلاصه كملاحظة أولية في هذا المجال هو أنه لايمكن للتواصل الإشاري أن يعتمد كقناة وحيدة وأساسية للتخاطب، بل يجب أن تكونالأولوية للغة المنطوقة التي تؤدي في أغلب الحالات والظروف إلى اتصال أوضح، وأكثردقة وأسرع دلالة، وبالتالي، إلى تفاهم أفضل"18.

ولقد ركز الباحثون فيدراساتهم وأبحاثهم كثيرا على التواصل اللفظي مهملين السلوكات غير اللفظية وشبهاللغوية:" وإذا كان التواصل اللفظي وغير الكلامي يشكلان إحدى سمات السلوك البشريفمن باب أولى أن نعيد إلى الأذهان أن الباحثين ركزوا جهودهم سابقا على الاعتناءبشكل أساسي بالجوانب الكلامية لهذا التواصل متجاهلين، وحسب التقليد، الرموز غيرالكلامية التي كانوا ينسبونها عادة للتنوع الصوتي( كيفية صوتية، تنغيم، وقفة) أولغير الصوتي( نظرة، تعبير وجهي، إشارات، وصفة الجسم وحركته)، بالرغم من تزايدالاهتمام الموجه إلى التحليل التحادثي(Indicatives) إما للقواعد الاجتماعية وإماللحالات النفسية للمرسل"19.

ومن هنا، فإن المقاربة الوظيفية لدور هذه الرموزغير الكلامية في التفاعل الاجتماعي هو " ما ينبغي التركيز عليه والسعي لإبرازه فيأية دراسة مستقبلية من هذا النوع، وإذا كان الكلام يشكل النشاط المركزي لنمطالتفاعل الإنساني الذي نسميه عادة بالتحادث، فإن الأهمية تكمن في اعتبار هذاالتحادث ورؤيته كظاهرة للاتصال المتعدد القنوات، والذي يشتمل على علائق متبنية جداللرموز كلامية كانت أم غير كلامية.

إن ما يجب أن نخلص إليه في هذه المقاربةالتي سعينا من خلالها أن أية دراسة للرموز غير الكلامية يجب أن لا يتم بشكل منعزل،كعزل القناة البصرية عن القناة السمعية، بل بالأحرى ينبغي إيلاء وظائف الأشكالالعام (Configurations) المتعددة القنوات للرموز أهمية كبرى نظرا لدورها المميز فيهذا المجال"20.

وعليه، يمكن للتواصل أن يتحقق" أيضا بواسطة أشكال تخاطبيةليست بالضرورة كلامية تحل أحيانا محل التواصل الكلامي، لا بل وتصاحبه أحيانا كثيرة. وهذه الأشكال الأخيرة التي تعرف بالتواصل غير الكلامي أو باسم اللغة اللامنطوقة أوغير اللفظية ليست حكرا على الإنسان، بل هي معروفة أيضا لدى الفصائل الحيوانية التييتصل بعضها ببعض عن طريق الأصوات والحركات والإشارات"21.

ويسمح التواصل غيراللفظي بفهم التحفيزات والتفاعلات الإنسانية. وقد كان هذا التواصل غير السلوكي وراءعدة بحوث مهمة تعتمد على تقنيات الفيديو وماكينوطوسكوب والحاسوب في مختلف التخصصاتمثل: علم النفس وعلم النفس الاجتماعي واللسانيات والسميوطيقا والأنتروبولوجياوالإثنولوجيا (علم العادات).

وقد وقع تقدم ملحوظ ومعتبر في هذه المجالات علىعكس البيداغوجيا التي هي بعيدة عن هذا المجال، ولم تخض غمار هذا البحث إلامؤخرا.

ولقد قدم علماء الإثنولوجيا أبحاثا مهمة في هذا الصدد، فحضور التواصلغير اللفظي يتجلى بشكل واضح في المسرح والميم والموضة والرقص والرسم والنقش والنحت،غير أن السلوكات غير اللفظية لم تثر انتباه المفكرين والباحثين قديما وحديثا علىالرغم من استعمالهم لها.

وإذا كانت الأنساق الدلالية تنقسم إلى قسمينكبيرين: أنساق دلالية طبيعية وأنساق دلالية اجتماعية، فإن الأنساق الدلاليةالاجتماعية تنقسم إلى أنساق دلالية اجتماعية لفظية وأنساق دلالية اجتماعية غيرلفظية، فالأنساق الدلالية الطبيعية هي تلك الأنساق التي توجد في حضن الطبيعة. ومنسمات هذه الأنساق أنها غير مؤسسية، فالإنسان هو الذي وظفها داخل مجال الدلائل وأسندإليها دلالات معينة، أما الأنساق الدلالية الاجتماعية فهي:" في نفس الآن الأنسنةوكل ما نتج عنها، أي إنها ما قبل التاريخ الإنساني والتاريخ الإنساني منظورا إليهمن زاوية السيميوطيقا العامة"22.

أما الأنساق الدلالية الاجتماعية، فهي تلكالأنساق التي تتميز بكونها مؤسسية وأنها أيضا من نتاج عمل الإنسان، وهي تتفرع إلىأنساق لفظية وغير لفظية. فاللفظية هي" تلك الأنساق التي لها لغات ولها خصوصياتهاالمتنوعة وإعدادات مثل: الأنواع السننية. وتقوم هذه الأنواع السننية على التمايزاتالتي يحدثها الإنسان في مادة الصوت"23.

ومن الواضح أن روسي لاندي" يقصي منهذا النوع من الأنساق اللغة الشعرية واللغات التقنية واللغة الطقوسية واللغاتالإيديولوجية المختلفة ولغة الرياضيات. وعلاوة على ذلك، فإن مفهوم الأنساق اللفظيةعنده لا يأخذ بعين الاعتبار تمايز بين ماهو منطوق وماهو مكتوب، فهذا المفهوميشملهما معا"24.

أما الأنساق الدلالية الاجتماعية غير اللفظية فهي تلك التي " لا تستعمل أنواعا سننية قائمة على أصوات بها، ولكنها تستعمل أنواعا سننية قائمةعلى أنماط أخرى من الأشياء، هاته الأشياء الأخرى التي يسميها بالأجسام هي إما أشياءتوجد قبليا في الطبيعة وإما أن الإنسان أنتجها لغايات أخرى، وإما أنها أنتجت لغرضأن تستعمل بوصفها دلائل، أو أنها استعملت باعتبارها دلائل في نفس الفعل الذي نتجتفيه"25.

وتتكون الأنساق غير اللفظية التي لها وظيفة تواصلية ممايلي:

1.
حركات الأجسام Kinesic وأوضاع الجسد Postural: مثل التواصلبالإشارات وتعابير الوجه وتعابير أخرى وأوضاع الجسد....
2.
الإشارات الدالة علىالقرب Proxémique: يتعلق باستعمال الإنسان للمجال المكاني؛
3.
التواصل اللمسيوالشمي والذوقي والبصري والسمعي إلى درجة نستطيع فيها إبعاد أنساق دلالية غير لفظيةأخرى قائمة أيضا على السمع والبصر؛
4.
التواصل الشيئي: هي الأنساق القائمة علىأشياء يروضها الإنسان وينتجها ويستعملها: ثياب وحلي وزخارف وأدوات مختلفة وآلاتبناء من كل نوع وموسيقا وفنون رمزية؛
5.
التواصل المؤسساتي: المقصود به كل أنواعالتنظيمات الاجتماعية وبالتحديد كل الأنساق المتصلة بروابط القرابة والطقوسوالأعراف والعادات والنظم القضائية والديانات والسوق الاقتصادي.26

ويمكنتقسيم هذه الأنساق إلى قسمين:

القسم الأول: عبارة عن أنساق دلالية عضويةتحيل على جسم الإنسان أي العضوية الإنسانية ‹ حركات الأجسام والموضعية والحواسالخمس›، أما القسم الثاني فيحتوي على أنساق دلالية أداتية، أي إن الإنسان يقومبسلوك بواسطة شيء، وهذه الأشياء خارجة عن العضوية الإنسانية.

وفي المقابل،يقسم السيميوطيقي الإيطالي أومبرطو إيكو Umberto Eco الأنساق الدلالية إلى ثمانيةعشر نسقا. وينطلق في هذا التصنيف من الأنساق التواصلية التي تبدو في الظاهر أكثرطبيعية وعفوية، أي أقل من خاصيتها الثقافية وصولا إلى العمليات الثقافية الأكثرتعقيدا. وهذه الأنساق هي:

1.
سيميوطيقا الحيوان: ويخص الأمر بالسلوكاتالمتصلة بالتواصل داخل الجماعات غير الإنسانية، وبالتالي، الجماعات غيرالثقافية؛
2.
العلاقات الشمية: كالعطور مثلا؛
3.
التواصل اللمسي: كالقبلةوالصفعة؛
4.
سنن الذوق: ويتعلق الأمر بممارسة الطبخ؛
5.
العلامات المصاحبةلما هو لساني Paralinguistique: كأنماط الأصوات في ارتباطها مع الجنس والسن والحالةالصحية... ومثل العلامات المصاحبة للغة كالكيفيات الصوتية ( علو الصوت ومراقبةالعملية النطقية...) وكالصوتيات ( الأمزجة الصوتية: الضحك والبكاءوالتنهدات)؛
6.
السيميوطيقا الطبية: وهي تبين لنا علاقة الأعراض بالمرض؛
7.
حركات الأجسام والإشارات الدالة على القرب: ويتعلق الأمر باللغات االإشاريةالحركيةGestuels ؛
8.
الأنواع السننية الموسيقية؛
9.
اللغات الرمزية أوالمشكلنة Formalisis: مثل الجبر والكيمياء وسنن الشفرةMorse؛
10.
اللغاتالمكتوبة والأبجديات المجهولة والأنواع السننية السرية؛
11.
اللغات الطبيعية: مثل اللغة العربية والفرنسية والإنجليزية والإسبانية؛
12.
التواصل المرئي: مثلالأنساق الخطية واللباس والإشهار؛
13.
نسق الأشياء: مثل المعمار وعامةالأشياء؛
14.
بنيات الحكي والسرد؛
15.
الأنواع السننية الثقافية: مثل آدابالسلوك والتراتبات والأساطير والمعتقدات الدينية القديمة؛
16.
الأنواع السننيةوالرسائل الجمالية: مثل علم النفس والإبداع الفني والعلاقات بين الأشكال الفنيةوالأشكال الطبيعية؛
17.
التواصل الجماهيري: مثل: علم النفس وعلم الاجتماعوالبيداغوجيا ومفعول الرواية البوليسية والأغنية؛
18.
الخطابة La rhéthorique.27

تلكم هي أهم الآليات التواصلية التي تتعلق بلسانيات التواصلاللفظي وغير اللفظي ، وهي أساسية في تفكيك الخطابات كيفما كانت وتركيبها منجديد.

9.
التواصل البيداغوجي والديداكتيكي:

1.
التواصلاللفظي:

تستند العملية الديداكتيكية الناجحة داخل الفصل الدراسي إلى تفعيلالحوار وتنشيط الدرس من خلال صياغة أسئلة ووضعيات متدرجة من البساطة نحو الصعوبة منأجل التحقق من الكفايات المسطرة والأهداف المرسومة من قبل المدرس والمنهاجالمدرسي.

وتتم عملية التواصل داخل الفصل الدراسي المغلق بين مرسل وهو المدرسومتلق وهو التلميذ المتعلم، فيقوم المدرس بتقديم المادة الدراسية وفق أهداف وكفاياتمحددة بدقة، وهذه الأهداف والكفايات قد تكون عامة أو نوعية أو خاصة أو إجرائية. ويقسم المدرس المادة الدراسية التي تعتبر في النموذج التواصلي عبارة عن رسالةتربوية إلى مراحل ووحدات دراسية وأنشطة تربوية مع احترام وحدة التمهيد ووحدة العرضووحدة الخاتمة، ويكون تقطيع المادة في انسجام كلي مع التقويم القبلي والتقويمالتكويني والتقويم التشخيصي.

هذا، ويوجه المدرس المادة الدراسية التي تكونجزءا من المقرر الدراسي أو المنهاج التعليمي إلى متعلم قد يكون صفحة بيضاء أو وارثالمجموعة من القدرات الفطرية الذهنية التي تؤهله للتعلم والاكتساب عبر مجموعة منالوسائل الديداكتيكية المادية والمعنوية كاستخدام الكتب والوثائق والوسائط السمعيةالبصرية والشروح المستفيضة والمذكرات الوزارية الخ.

ولا ينجح الدرسالديداكتيكي إلا إذا أخضع للتشخيص والتقويم والتغذية الراجعة Feed Back من أجل دعمالعملية التعليمية التعلمية، وتصحيح الأخطاء المنهجية وذلك بملء الفراغ الذي أثرسلبا على مستوى العملية الدراسية.

ويستهدف التواصل البيداغوجي الديداكتيكيفهم آليات نقل الخبرات والتعلمات والقيم والأنشطة الحركية من المدرس إلى المتعلموالعمل على تفسيرها وضبط طرائق التفاعل والتبادل والحوار. ويتخذ التواصل البيداغوجيتمظهرات ثلاثة:

1.
التواصل المعرفي:

التواصل المعرفي هو الذي يهدفإلى نقل واستقبال المعلومات، وهو تواصل يركز على الجوانب المعرفية ومراقيها، أوبتعبير آخر إنه يركز على الإنتاجية والمردودية. ويهدف هذا التواصل إلى نقل الخبراتوالتجارب إلى المتلقي وتعليمه طرائق التركيب والتطبيق والفهم والتحليل والتقويمبصفة عامة. إنه يهدف إلى تزويد المتلقي بالمعرفة والمعلومات الهادفة. ومن ثم، يقومهذا التواصل على تبادل الآراء ونقل المعارف وتجارب السلف إلى الخلف.

ويساهمالسلوك اللفظي وغير اللفظي في التواصل المعرفي إذا تم احترام شروط السيكولوجيا التيتحيط بالمتلقي أو يعيشها. فالرفع من الإنتاجية المعرفية لايتم إلا عبر سلوكات لفظيةديمقراطية تعتمد على روح المشاركة واللاتوجيهية والتسيير الذاتي والتفاعلالديناميكي البناء، وعبر سلوكات لفظية وغير لفظية مثل: حركات التنظيم والحركاتالديداكتيكية وحركات التقويم والتمجيد. وهكذا لايمكن عزل التواصل المعرفي عنالتواصل الوجداني إلا من باب المنهجية ليس إلا. وثمة صنافات بيداغوجية في مجالالتواصل المعرفي كصنافة بلوم Bloom التي تتمثل في المراقي التالية:

2.
المعرفة
3.
الفهم
4.
التطبيق
5.
التحليل
6.
التركيب
7.
التقييم.

2.
التواصل الوجداني:

إن من بين وظائف التواصل التأثير علىالمتلقي سلبا أو إيجابا" فهناك تواصل كلما أمكن لجهاز معين وبالأخص جهاز حي أن يؤثرعلى جهاز آخر بتغيير فعله انطلاقا من تبليغ إرسالية"28.

وبهذا المفهوم، يفيدالتواصل كل التأثيرات التي يمارسها نظام على آخر مثل: تلك العلاقة التي تنبني علىتطبيق أوامر وتعليمات أو ترديد إحداث تغيير في سلوك الآخر. وتعتبر السلوكية من أهمالتياراتالسيكولسانية التي ركزت على الوظيفة التأثيرية؛ لأن التواصل حسب المنظورالسلوكي يرتكز على مفهومي المثير والاستجابة. لذلك، يترك السلوك اللفظي أو غيراللفظي في وجدان المتلقي تأثيرات شعورية تكون لها انعكاسات إيجابية مثل: التعاونوالتماثل والاندماج، وانعكاسات سلبية مثل: التعارض والصراع والتنافس. ومن ثم،فالعمليات الإيجابية" أقوى أثرا وأبقى من العمليات السلبية، وإلا لما بقيتالمجتمعات الإنسانية أو تقدمت نحو الرقي والنهوض، فالصراع والعمليات السالبة عمومامجالها محدود، وكذلك أسلوبها؛ ذلك لأن الحياة تضطر الأفراد بمختلف مصالحهم أومواقفهم إلى أن يوافقوا أنفسهم بالآخرين وأن يتخلصوا من الصراع إلى الاندماج أوالتكيف مع البيئة"29.

ويقصد بالتواصل الوجداني في مجال البيداغوجيا اكتسابالميول والاتجاهات والقيم وتقدير جهود الآخرين، وذلك من خلال تفاعله مع المادةالمدروسة واكتسابه الخبرات بأنواعها المباشرة وغير المباشرة.

ولقد خصصللمجال الوجداني صنافات بيداغوجية، ومن بين المهتمين بهذا المجال " كراتهول Krathwol الذي خصص صنافة تتكون من خمسة مستويات ذات صلة وثيقة بالمواقف والقيموالاهتمامات والانفعالات والأحاسيس والتوافق والمعتقدات والاتجاهات: فكرية كانت أوخلقية. وهذه المستويات هي:

1.
التقبل
2.
الاستجابة
3.
الحكمالقيمي
4.
التنظيم
5.
التمييز بواسطة قيمة أو بواسطة منظومة منالقيم.

3 –
الجانب الحسي - الحركي:

يمكن الحديث عن التواصل الحركيوالحسي الذي يتناول ماهو غير معرفي ووجداني. ويتمظهر هذا التواصل في إطارالسبرينطيقا والآلية والمسرح الميمي والرياضة الحركية...

ويتضمن هذا التواصلفي المجال التربوي" مجموعة متسلسلة من الأهداف تعمل على تنمية المهارات الحركية،واستعمال العضلات والحركات الجسمية."30. ومن أهم صنافات هذا التواصل الحركي نجدصنافة هارو Harrow التي وضعها صاحبها سنة 1972 م. وتتكون هذه الصنافة من ست مراقأساسية، وهي:

1.
الحركات الارتكاسية
2.
الحركات الطبيعية الأساسية
3.
الاستعدادات الإدراكية
4.
الصفات البدنية
5.
المهارات الحركية لليد
6.
التواصل غير اللفظي.

وعليه، ينبني المنهاج الدراسي على تجميع مجموعة منالوحدات الدلالية والخبرات التعلمية في شكل معارف وميولات وجدانية وتداريب حركيةوأنشطة تطبيقية وأسئلة تكوينية في شكل وضعيات كفائية ينبغي أن يترجمها المدرسميدانيا داخل قاعة الدرس بواسطة حوارات في شكل أسئلة وأجوبة وتفاعلات لفظية كلاميةمندمجة في وحدات صوتية ومقطعية وكلمات وجمل تتسم بالاتساق والانسجام الدلاليوالتركيبي.

وقد يكون التواصل في المدرسة التقليدية تواصلا خطيا أحداديالجانب يتجه من المدرس نحو المتلقي، باعتبار أن المدرس يملك المعلومات الجاهزة، وأنالتلميذ صفحة بيضاء يجب أن تنقش ذاكرته بالمعلومات التي يزود بها المدرس التلميذ. وهنا يكون التلميذ مستمعا سلبيا لايحق له الحوار والنقاش والنقد والتفاعل معالمدرس، بل عليه أن يحفظ ويجتر المعلومات المخزنة في الذاكرة. وكل متعلم أخل بواجبهيتعرض للعقاب والرسوب. ومن ثم، يبدو هذا المدرس الذي يستخدم هذه الطريقة التقليديةمدرسا مستبدا يحتكر سلطة الكلام والعقاب والتأنيب وقتل كل فرص الحوار والتفاعلالتشاركي.

وفي المقابل، يمكن الحديث عن التواصل الفعال الذي يكون إما تواصلاعموديا وإما أفقيا وإما تواصلا دائريا وإما تواصلا شبه دائري. ويتكئ هذا التواصلالديمقراطي على الحوار بين التلاميذ فيما بينهم في إطار بيداغوجيا اللاتوجيهية أوالبيداغوجيا المؤسساتية أو البيداغوجيا الفارقية أو بيداغوجيا الكفايات والمجزوءاتأو البيداغوجيا الإبداعية.

ويتخلى المدرس في هذا التواصل الفعال عن سلطةالتلقين والتعليم واحتكار الكلام ليأخذ صفة المرشد والموجه، إذ يعتمد التلاميذ علىأنفسهم في إعداد الدروس في إطار التعلم الذاتي من أجل إيجاد الحلول الناجعة للإجابةعن كل الوضعيات السياقية التي يواجهونها في الواقع وسوق الشغل .

ويقومالتواصل في الطرق الفعالة على التعلم الذاتي و اللعب والحرية وتعلم الحياة من خلالالحياة، فضلا عن مبدإ الانسجام ومبدإ التبادل المستمر، ومبدإ الإدراك الشامل.31 ومنهنا ، فالتواصل البيداغوجي الفعال هو الذي بتسم بالحرية والتعبير والتبادلوالفعالية.32

ومن جهة أخرى، لن يكون التواصل اللفظي فعالا وناجحا على مستوىالكلام والكتابة إلا من خلال اعتماد أسلوب واضح ومتين ومتسق، واستعمال أسلوب حيمشوق ومثير يستفز المتعلم ويحركه ذهنيا ووجدانيا وحركيا من أجل الإجابة عن الأسئلةالمطروحة داخل الفصل الدراسي، واحترام البناء المنطقي في التواصل الحواري عبر تقسيمالمادة الدراسية بشكل متسلسل ومترابط زمنيا وسببيا مع اختيار القناة المناسبةلتوصيل المعارف والقيم ،وتنمية الأفكار بواسطة الخضوع لمجموعة من المتوالياتوالخطوات المتعاقبة والمتسلسلة في شكل وحدات وأنشطة متراكبة متسقةومنسجمة.

وينبغي أن يتفادى التواصل اللفظي كل الصعوبات والعوائق الباتولوجية ( المرضية) التي تحول دون تحقيق تواصل فعال قد تؤثر سلبا على عملية التراسل بينالمدرس والتلميذ. ونذكر من هذه الصعوبات: الضجيج والتشويش والتمركز على الذات وعدمالانفتاح على الغير، والصعوبات الدلالية الناتجة عن الرسالة المفعمة بالانزياحوالدلالات التضمينية التي تحمل دلالات شعرية موحية متعددة، وتشييء المتعلم وتحويلهإلى كائن سلبي مستلب، وإغفال تمثلات التلاميذ ؛ مما يجعل التواصل داخل الفصلمستحيلا، دون أن ننسى عوائق أخرى كانفصال التلميذ عن عالمه الداخلي والخارجي،وارتكان المدرس إلى الوثوقية والاستغلال، حيث يلتجئ المعلم إلى تقديم معلومات خاطئةللمتمدرس على أنها صحيحة ، يستغل بواسطتها سذاجة التلاميذ وعفويتهم البريئةباعتباره شخصا لايخطىء، ناهيك عن مجموعة من الأخطاء التي يرتكبها المدرس كاللحنوالتلعثم وارتكاب الأخطاء النحوية والصرفية، والمساهمة في خلق ضعف الثقة في النفسلدى المتمدرسين بسبب تسلطنه واستبداده داخل الفصل، ومنعه للحوار والمناقشات النقديةالبناءة.33

وإذا كان التواصل البيداغوجي يعتمد على ثلاث مرتكزات: المدرسوالمقرر والمتعلم، فلا ينبغي للمدرس أن يركز على نفسه على حساب المقرر والتلميذ ،أو يركز على المقرر على حساب التلميذ والمدرس، أو يركز على التلميذ مع التضحيةبالمقرر وبوجوده الهام داخل العملية الديداكتيكية.
ومن الذين اهتموا كثيرابالتواصل التربوي اللفظي نستحضر كلا من: بازل برنشتاين، ولابوف، وپيير بورديو،وپاسرون، وصوفي مواران، وأوليفيي روبول، وكوكولا، وباير، وطيط.

وعلى العموم،يستدعي التواصل التربوي اللفظي " قيام علاقة ثنائية أو جماعية. والتعلم الناجح هوالمبني على التفاعل والتبادل. ولذلك لايمكن أن نتصور عملية تعليمية- تعلمية ناجحة،ليس فيها تواصل وتفاعل. كما يمكن القول بأن التواصل التربوي داخل فصولنا الدراسية،يكون إما نازلا خطيا أحادي الاتجاه، يقوم على نقل المعلومات والمعارف من الأستاذإلى التلاميذ؛ الشيء الذي يتنافى مع التفاعل والتشارك والحوار؛ وإما تشاركيا يقومعلى حوارات أفقية وعمودية بين الأستاذ والتلاميذ، وبين التلاميذ أنفسهم. وقد تأثرأصحاب التواصل الأحادي، بمنظري الإعلام وبعض النماذج الديداكتيكية التي ترى أن عقلالتلميذ عبارة عن صفحة بيضاء تنطبع بالإحساس والتجربة...؛ أما أصحاب التواصلالتشاركي، فإنهم يستندون إلى نظرية العقل الماقبلي ؛ بمعنى أن التلميذ يتوفر علىأفكار قبلية سابقة على الإحساس والتجربة".34

وعلى أي حال، فالبيداغوجياالإبداعية لابد أن تستند إلى الحوار المتكافئ والتواصل المتعدد الاتجاهات من أجلخلق روح التعاون والشراكة والتشاركية والاندماج داخل فريق تربوي، وتعويد التلميذعلى تقبل الآخر في إطار فلسفة التعايش والتسامح. ولايمكن أن نخلق مجتمعا سويا يؤمنبالتعارف والانفتاح وضرورة التواصل إلا إذا طبقنا أسلوب الحوار في مدارسنا التربويةوفصولنا الدراسية.

2.
التواصل غير اللفظي:

لقد حظي السلوك اللفظيباهتمام الباحثين العرب بصفة عامة والمغاربة بصفة خاصة في المجال التربويوالديداكتيكي وأهملوا السلوكات غير اللفظية، وآن الأوان لإعادة النظر في السلوكاتغير اللفظية في علوم التربية لفهم التواصل في إطار العملية الديداكتيكية من جميعجوانبها ولاسيما الجانب السيكواجتماعي، أي الآثار المعرفية والوجدانية التي تحدثهماالسلوكات غير اللفظية لدى التلاميذ بالمدرسة العربية بصفة عامة والمغربية بصفةخاصة.

لذا على المؤطرين والمفتشين والأساتذة أن يعيروا انتباههم للحركاتالوظيفية والسلوكات غير اللفظية نظرا لأهميتها التربوية والتكميلية والتوضيحيةللسلوكات اللفظية، لأن الحركات المعبرة لم تعد قاصرة على تعويض اللغة الطبيعية، بلهي تكمل مهمتها وتوضحها عن طريق التشخيص والتجسيد. وقد تستقل بنفسها في كثير منالأحيان، ولكن من الأفضل ينبغي أن ينظر إلى هذه السلوكات غير اللفظية بمنظار بنيويكلي، أي كنسق متفاعل مع جميع السلوكات الأخرى.

وعليه، يستخدم كثير منالمدرسين سلوكات غير لفظية بطريقة قصدية أو غير قصدية دون إعارة أي اعتبار لها علىالرغم من أهميتها ووظيفتها الكبرى في أداء الخطاب التعليمي.

هذا، وللسلوكاتغير اللفظية تأثيرات سلبية وإيجابية على مستوى التواصل المعرفي والوجداني. ولمعرفةهذه السلوكات، لابد للمدرس من الاطلاع على أحدث النظريات في علم التواصل واللسانياتوالسيميوطيقا وعلم النفس وعلم الاجتماع ،وكذلك ضرورة الاستمرار في التكوين وإعادةالتكوين مع تجريب الآليات الحديثة في الملاحظة ومشاهدة السلوكات غير اللفظيةكاستخدامه للڤيديو والحاسوب والماكينوطوسكوب الخ...

و يلاحظ أن المدرس يوظففي قسمه أنواعا من الحركات، وكل حركة لها دلالتها ولها تأثيرها في عملية التواصل،وفي التأثير على المتلقي معرفيا ووجدانيا وحركيا. ومن بين هذه الحركات نستحضر: الحركات التعبيرية و الحركات الإشارية والحركات العلائقية المتمثلة في حركاتالتقويم وحركات التلويح باليدين واستخدام خطاب العيون في التأديب أو التعبير أوالتشخيص علاوة على الحركات التي تخص تنظيم القسم دون أن نغفل الحركات التي تتعلقبتنقلات المدرس داخل الفصل الدراسي، وكذلك الحركات الجانبية الزائدة وغير الوظيفيةكالنظر إلى ثيابه ولمس لحيته واللعب بشواربه.

ويبدو أن المدرس الناجح هوالذي يلقي درسه مستعينا بالسلوكات اللفظية وغير اللفظية بشكل متكامل دون فصلها عنبعضها البعض. ويشترط أن تكون هذه السلوكات وظيفية جدا ليكون لها تأثير فعال وإيجابيلدى التلاميذ على المستوى المعرفي ( الإنتاجية والمردودية)، وعلى المستوى الوجداني ( تمثل السلوكات الإيجابية: كالسلوك الهادئ والإحساس بالرضى والارتياح أو بالفرحوالسرور).

وعلى هذا الأساس لابد أن يكون للسلوكات غير اللفظية دور معتبر جدافي المجال التربوي داخل الفصل الدراسي، وينبغي للمتخصصين في علوم التربية أن يولوهاأهمية كبرى للأخذ بها والعمل بمقتضاها نظرا لجوانبها المهمة ولفعاليتها الكبيرة فيتحقيق الأهداف الإجرائية المسطرة وتفعيل الكفايات البيداغوجية المرسومة في بدايةالسنة الدراسية أو في بداية كل حصة أو مجزوءة دراسية، وعليهم أن يخصصوا لهذاالتواصل المعرفي والوجداني المؤدى بواسطة السلوك غير اللفظي حلقات وأبحاثا وندواتجادة لمدارسة هذا الموضوع والخروج بتوصيات وحلول موضوعية قد تخدم المدرس والتلميذعلى حد سواء.

وبناء على ماسبق، فإن البحث في التواصل غير اللفظي يثيرالانتباه على حد قول هنري ديوزيد Henri Dieuzeid إلى الأثر الذي تمارسه الوسائلالسمعية البصرية على التأثيرية والتي لاتسعى فقط إلى تطوير الاستقبالية لدىالتلاميذ ، بل تسعى أيضا إلى إيجاد وضعيات إدراكية جديدة".35

ومن المعلوم أنالمرء يتعلم:

* 1%
بواسطة الذوق؛
* 3.5 %
بواسطة الشم؛
* 1.5 %
بواسطةاللمس؛
* 11%
بواسطة السمع؛
* 83 %
بواسطة البصر.

ومن جهة أخرى فإنهيتذكر:

* 10%
مما يقرؤه؛
* 20%
مما يسمعه؛
* 30%
مما يراه؛
* 50%
مما يراه ويسمعه؛
* 20%
مما يقوله وهو يفعل شيئا.36

وبناء على هذهالمعطيات، فكل النسب المائوية تفرض على الباحث والمهتم إعادة النظر في العمليةالديداكتيكية بمدارسنا العربية بصفة عامة والمغربية بصفة خاصة بعد تطور علومالتربية واستعانتها بمناهج العلوم الأخرى، ناهيك عن تطور اللسانيات والسيميائياتاللتين اهتمتا بالعلامات البصرية والحركية و بالتواصل الذي يستند إلى الشفرةالحركية الجسدية كانت أو البصرية، وهذا ما يحتم علينا أن ندرج التواصل غير اللفظيفي شبكاتنا لمراقبة دروس التأطير والتكوين، وكذا الاستعانة به لتكملة نجاعة التواصلاللفظي؛ لإغناء العملية التربوية داخل المؤسسات التعليمية وإثارة انتباه الأساتذةوالمشرفين على التسيير التربوي ومراقبته إلى أهمية السلوكات غير اللفظية فيالمؤسسات التربوية التعليمية ، وأثرها وجدانيا ومعرفيا في نجاح العمليةالديداكتيكية بعدما أن أشبع السلوك اللفظي درسا وتمحيصا من قبل كثير من الباحثينأمثال: فلاندرس Flanders ، وليپيت Lippit ، ووايت White الخ...

ولقد أجريتعدة تجارب في الغرب من أجل معرفة آثار التواصل غير اللفظي والأدوار التي يقوم بها،والوسائل التي يمكن أن تقننه، وكانت هذه التجارب تجري خارج الميدان البيداغوجي ، أيفي البيولوجيا والإثنولوجيا وعلم النفس وعلم الاجتماع، وتم أخيرا نقله إلىالبيداغوجيا من أجل دراسة التفاعلات الإنسانية داخل القسم. ومن أهم الباحثين الذينخصصوا للتواصل غير اللفظي مكانة مهمة في أبحاثهم الباحثان: جيلبير دولاندشير Gilbert de Landsheere ، وأندري ديلشامبر André DEL Chambre المدرسان بجامعة لييجببلجيكا في كتابهما القيم( السلوكات غير اللفظية للمدرس/ Les comportements non verbaux de l'enseignant)37.

هذا، ويتمظهر التواصل غير اللفظي داخل الفصلالدراسي في توظيف الحركات المعبرة وتحويل القسم إلى محترف مسرحي يشخص فيه الأستاذالمادة الدراسية ويشاركه في ذلك التلميذ من أجل إثراء العمليةالديداكتيكية.

ويلاحظ أن المدرس داخل الفصل الدراسي يزاوج بين التواصلاللفظي والتواصل غير اللفظي من خلال تشغيل حركات تعبيرية وحركات إيقاعية وحركاتعلائقية ( حركات التنظيم، وحركات التقويم، وحركات الجسم العامة)، والحركات الزائدة،والحركات الخارجية( التنقلات ،) ، والحركات الديداكتيكية، ويستعين المدرس أيضابالميم والبانتوميم في تشخيص المادة الدراسية وتمثيل المواقف الدرامية .

وبالإضافة إلى الحركات، يستغل المدرس المكان والزمان في عملية التدريس، أييشغل التموضعية Proxémic في كل إمكانياتها العلائقية ، ويتحكم في المسافة التواصليةبينه وبين التلميذ قربا وبعدا. وقد تكون هذه المسافة التواصلية مسافة ود وحب وتقريبأو مسافة نفور وإقصاء وتغريب. زد على ذلك أن المدرس عليه أن يستغل جيدا حركات النظروالجسد أو ما يسمى باللغة الكينيسية لأداء درسه في أحسن أداء تربوي وديداكتيكي منخلال الجمع بين التلفظ اللغوي والتشخيص الكوليغرافيالجسدي.

خاتمــــــة:

إذا كان التواصل اللغوي اللفظي هو المهيمن داخلمؤسساتنا التعليمية خاصة في المناهج التربوية التلقينية التي تتمركز حول المدرسباعتباره صاحب السلطة والمعرفة في الحقل الديداكتيكي، فقد أصبح للتواصل غير اللفظيأهمية كبرى في الطرائق التربوية الفعالة وفي البيداغوجيا الإبداعية بعد تطور العلوماللسانية والسيميائية والنفسية والاجتماعية والإثنولوجية.

ومن هنا، صارالخطاب البيداغوجي المعاصر يهتم بالسلوكات غير اللفظية لكونها ذات أهمية كبرىلايمكن الانتقاص من قيمتها في المسار التواصلي معرفيا ووجدانيا ، وهي تساعدالسلوكات اللفظية على أداء أدوارها كاملة، وتوضح إرسالياتها الشفوية، حيث تخدمهامباشرة، وذلك عن طريق تجسيدها وتفسيرها وتنغيمها والتركيز عليها. لذا، فأثرها فيكثير من الأحيان يساعد على فهم جيد في إطار العملية الديداكتيكية، وهذا الأثر يختلفحسب الخصائص المعرفية والوجدانية للأفراد، وفي كثير من الأحيان نجد السلوكات غيراللفظية دوالا مستقلة، وخصوصا أنها تمثل بطريقة مباشرة أو عبر اصطلاح ثقافي الأشكالوالحركات والأفعال والخصائص والحالات.

هذا، وتنظم السلوكات غير اللفظية داخلالفصل الدراسي كثيرا من الأوامر والممنوعات والنفي والرفض والحث والإغراءوالاكتساب، وتعبر أيضا عن الانفعالات والهيئات.

وينبغي في الأخير أن تكونالسلوكات غير اللفظية سلوكات بيداغوجية وظيفية تخدم العملية الديداكتيكية بمدارسناالتربوية معرفيا ووجدانيا مثل: حركات التنظيم وحركات التحفيز وحركات التجسيد،والحركات الديداكتيكية المصاحبة للشرح والتفسير.






    رد مع اقتباس
قديم 2009-11-30, 13:31 رقم المشاركة : 8
admin
الإدارة الأولـــى
 
الصورة الرمزية admin

 

إحصائية العضو








admin غير متواجد حالياً


وسام الرتبة الأولى في مسابقة طاكسي المنتدى لشهر يو

افتراضي رد: مواضيع الدكتور جميل حمداوي


علوم وتربية : المســـرح المــــدرسي بالمغرب: التاريخ والببليوغرافيا
بواسطة د. جميل حمداوي في 4/09/2007 7:32:49 (82 القراء) مقالات أخرى لنفس الكاتب
المســـرح المــــدرسي بالمغرب: التاريخ والببليوغرافيا

الدكتور جميل حمداوي
[IMG]file:///C:/DOCUME%7E1/chnaiti/LOCALS%7E1/Temp/msohtml1/01/clip_image001.jpg[/IMG]

تمهيـــــد:

يركز معظم الباحثين والدارسين المغاربة أثناء حديثهم عن المسرح المغربي تنظيرا وتطبيقا ، تأريخا وتوثيقا، على مسرح الكبار أو مسرح الهواة

من خلال رصد تيماته الدلالية وتبيان خصائصه الفنية والشكلية وسماته الجمالية ومكوناته الفنية، أو يقفون عند الاتجاهات والمدارس والبيانات المسرحية من أجل مدارستها ونقدها وتقويمها ، أو ينبشون في الذاكرة المسرحية الفطرية اللاشعورية عبر الحفر في ترسبات التراث باحثين عن الأشكال اللعبية أو الظواهر التمثيلية للدفاع عن هوية مسرحية مغربية من أجل تأسيس المسرح العربي وتأصيله لمجابهة الاستلاب الحضاري الذي يفرضه علينا المسرح الغربي الأرسطي، مع رفض كل أشكال الذوبان في ذات الآخر ترجمة واقتباسا واستنباتا. وقلما تعرض هؤلاء المهتمون لظاهرة المسرح المدرسي بصفة خاصة أو مسرح الطفل بصفة عامة نظرا للصعوبات التي يطرحها المسرح التربوي على مستوى التوثيق والتنظير والكتابة الإبداعية والإخراج والسينوغرافيا، بله عما يستلزمه من دراية بمجال التدريس وإلمام بسيكولوجية الطفل والاطلاع على كل النظريات التربوية، مع التسلح بالمقاربات البيداغوجية والديداكتيكية أثناء الشروع في ملاحقة هذا المسرح التعليمي أو المدرسي دراسة وتأريخا وتقييما وتوجيها.

إذاً، ما هو المسرح المدرسي؟ وماهي بداياته الأولية والفعلية في الساحة الثقافية المغربية؟ وماهي أهدافه وغاياته؟ وماهي خصائص وشروط المسرح المدرسي؟ وماهي أهم الكتابات التي رصدت المسرح المدرسي في المغرب ؟

تلكم هي الأسئلة التي سوف نحاول الإجابة عنها في موضوعنا المتواضع هذا.

تعريف المسرح المدرسي:
يمكن الحديث عن ثلاثة مصطلحات متداخلة مع المسرح المدرسي وهي: المسرح الصفي، والمسرح التربوي أو التعليمي، ومسرح الأطفال.

إذا كان المسرح الصفي مقترنا بذلك التمثيل الذي يقدم داخل القسم أو الفصل من قبل التلاميذ أمام زملائهم وأمام مدرسهم باعتباره المنشط التربوي والمؤطر الفني، حيث يمسرحون بعض المشاهد الدرامية الموجودة داخل الكتاب المقرر أو ما يسمى أيضا بالمنهاج الدراسي ، فيتدربون ركحيا تحت إشراف المدرس على مقومات التمثيل السمعي والبصري في حصة المسرح المدرسي، أو يتلقون من موجههم الفني تقنيات التمثيل وطرائق اللعب المسرحي وكيفية خلق الإيهام الدرامي، فإن المسرح التربوي أو المسرح التعليمي مفهوم عام وفضفاض قد يندرج فيه كل مسرح يحمل رسالة تربوية وغاية تعليمية .

ونظرا لهذه الخاصية، يمكن أن ندرج ضمن هذا المسرح كل الأنواع المسرحية الأخرى التي تتعارض مع فضاء المؤسسة المدرسية كالمسرح الجامعي ومسرح الشباب ومسرح الأطفال، وهذه الأشكال كلها تستند في جوهرها إلى المنطلق التربوي والتعليمي والأخلاقي.

أما مسرح الطفل فهو أعم من المسرح المدرسي؛ لأنه يتجاوز فضاء المؤسسة التربوية التعليمية إلى فضاءات خارجية أكثر اتساعا لتقديم العروض الدرامية، وليس من الضروري أن يكون الساهرون على تدريب الأطفال من قطاع التربية الوطنية، وهذا ينطبق كذلك على الممثلين الذين يشخصون الأدوار داخل العروض المسرحية، إذ يمكن أن يكون هؤلاء من المتمدرسين ومن غير المتمدرسين، من داخل مؤسسة مدرسية أو من خارجها، على عكس المسرح المدرسي الذي يستوجب أن ينتمي جل أعضائه وأطرافه النشيطين إلى المؤسسة التربوية التعليمية ، فيشرف رجال التعليم أو رجال الإدارة والقائمون على التنشيط الفني على تدريب التلاميذ وتوجيههم وفق مقاييس بيداغوجية وديداكتيكية، ووفق شروط سيكولوجية ومبادئ سوسيولوجية و قواعد فنية.

ومن هنا، فالمسرح المدرسي مرتبط بفضاء المؤسسة التربوية التي تتمثل في الأرواض والمدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية والمدارس الحرة والخاصة. ويعني هذا أن المسرح المدرسي يمارس داخل الفصل الدراسي أو في قاعات العروض التي توجد داخل المؤسسة التعليمية، ويشرف عليه أساتذة ومدرسون ومربون، ويراعون في ذلك خصوصيات التلميذ ومبادئ التربية الحديثة ومستجدات علم النفس ونظريات علم النفس الاجتماعي.

ويميز الدكتور عبد الفتاح أبو معال بين المسرح المدرسي والمسرح الصفي أو مسرح القسم موضحا أن المسرح المدرسي يقتصر:" إما على الجمهور من أطفال المدرسة فقط، أو الأطفال ومعلميهم، أو قد يدعى الآباء والأمهات لحضور عرض المدرسة المسرحي الذي يقام بمناسبة معينة. أما المسرح الصفي فيعني عرض تمثيلي بسيط، بإشراف معلم المادة التعليمية. وذلك بهدف مساعدته على توضيح المواقف التعليمية التي يتعرض لها أثناء التدريس، وقد يكون ذلك موقفا تاريخيا أوعلميا أو أدبيا منوعا."1

ويعرف الأستاذ سالم أكويندي المسرح المدرسي بقوله في ندوة على هامش المهرجان الوطني الثاني للمسرح المدرسي بمراكش بين24 إلى 28 أبريل 1995م:" المسرح المدرسي مسرح تربوي تعليمي يتم في الوسط المدرسي سواء أكان مادة دراسية حيث يخضع لعملية التدريس، وهذا يتم داخل الحجرات الدراسية أم مادة تنشيطية حيث تحرر الممارسة المسرحية من طابع الدرس النظامي، وتشمل عملية التنشيط المسرحي التي تقوم بأدائها مجموعة من التلاميذ أو الفرق الزائرة للمدرسة. ويشمل مفهوم المسرح المدرسي كل الأنشطة المدرسية التي تحددها المدرسة. وبذلك، نميز في مفهوم المسرح المدرسي بين ممارستين مسرحيتين، ممارسة مسرحية تخضع للدرس الأكاديمي وممارسة تخضع للتنشيط والترفيه".

وعلى أي حال، فالمسرح المدرسي مسرح تربوي تعليمي يهدف إلى تهذيب المتعلم وترفيهه. وبالتالي، فهو موجه للتلاميذ و الأطفال الصغار، ويخاطب فيهم مداركهم الذهنية ومشاعرهم الوجدانية ويقوي فيهم جوانبهم الحسية- الحركية. أما فضاء هذا المسرح فهو المدرسة أو المؤسسة التربوية كيفما كانت طبيعتها القانونية: مؤسسة خاصة أم عامة.

ومن البديهيات المعروفة أن لهذا المسرح أبعادا وغايات ووظائف أساسية تتمثل في : الأبعاد اللغوية والأبعاد التربوية والأبعاد الاجتماعية والأبعاد النفسية.

بدايات المسرح المدرسي المغربي:
يمكن القول: إن المسرح المدرسي في المغرب ظهر أول مرة مع ظهور المدرسة الحديثة التي كانت تنهي موسمها الدراسي بتوزيع الجوائز في جو مدرسي احتفالي يتوج بتقديم مجموعة من الأنشطة الفنية الغنائية والمسرحية. دون أن ننسى أيضا بأن المدرس عندما يتعامل مع النصوص المسرحية المقررة في المنهاج السنوي داخل القسم كان يخضع النص للتمثيل أو يتمثل القواعد المسرحية وتقنيات الفن الدرامي أثناء التدريس وتخطيط العملية التعليمية -التعلمية ، وبذلك يصبح المسرح تقنية ديداكتيكية ومنهجية بيداغوجية وأداة علاجية نفسية تستخدم في تحرير عقد التلاميذ وتخليصهم من شرنقة الغرائز العدائية والأمراض النفسية كالانطواء والخوف والانكماش.

كما ساهمت الأعياد الدينية والوطنية في تنشيط الفعل المسرحي كعيد الاستقلال وعيد العرش وعيد المسيرة.

ويرجح أن تكون سنة 1923م أو سنة 1924م بداية انطلاق المسرح المدرسي في بداياته التكوينية حيث عرضت في هذه السنة مسرحية "صلاح الدين الأيوبي" من قبل قدماء تلاميذ مولاي إدريس الإسلامية بفاس. وقد كون هؤلاء التلاميذ بعد ذلك فرقا وجمعيات ثقافية في العديد من المدن المغربية كفاس وسلا والرباط والدار البيضاء ومراكش وتطوان وطنجة. وفي هذا الصدد يقول الدكتور حسن المنيعي:" في البداية، نلاحظ أن أول فرقة مسرحية كانت قد تشكلت بفاس على يد جماعة من طلبة المدارس الثانوية، وذلك سنة 1924م، إذ هناك من يؤكد أن بعض العرب المشارقة، الذين استوطنوا العاصمة، كانوا يشجعون الطلاب على تنظيم الجمعيات...

ومهما كانت مساهمة هؤلاء المشارقة أمرا واقعيا أو مشبوها فيه، فإن العديد من الملاحظين اتفقوا على أن ثانوية المولى إدريس بفاس كانت أولى قاعدة انطلقت منها التجربة المسرحية الأولى، ذلك لأن تلامذتها كانوا يعبأون أولا من طرف الفرق الأجنبية ، لتأدية بعض الأدوار، وثانيا لأن قدماء الثانوية بالذات كانوا يعبرون عن رغبتهم في إيجاد مسرح مغربي، فكان أن وصلوا إلى غايتهم بفضل ثقافتهم المزدوجة واستيعابهم للتقنيات التي اكتشفوها، عبر عروض الفرق الزائرة."2

ومن أهم الفرق والجمعيات المدرسية التي ساهمت في تفعيل المسرح المدرسي وبالضبط في مرحلتي الحماية الفرنسية ومرحلة الاستقلال نستحضر فرقة الطالب المغربي بمسرحيتها" لولا أبناء الفقراء لضاع العلم" سنة 1948م، وفرقة المدرسة القرآنية الأصيلية بمسرحياتها: " البنت المظلومة "سنة 1949م و" نحمي محمد" ، و" الفانوس السحري وعلاء الدين" من تأليف مجموعة من التلاميذ، وفرقة الطالب العربي بمسرحيتها "الفضيحة الكبرى" سنة 1959م، وجمعية تلاميذ ابن الخطيب بمسرحيتها" ملائكة الجحيم" لعبد القادر السحيمي سنة 1961م،وجمعية تلاميذ المدرسة الأمريكية بمسرحيتها "وراء الأفق" ليونيسكو.

ونلاحظ" من خلال عرض بعض المسرحيات الطفلية التي مسرحتها فرق مدرسية، والتي كانت الشعلة الوقادة في ازدهار الحركة المسرحية من سنة 1923 إلى سنة 1934 بعد صدور الرقابة واستمرارها من بعد، حتى حصول المغرب على استقلاله، بأن المجتمع المغربي قد أصابته حركية التغيير الشامل، بعد فترة وجيزة من عقد الحماية، ويبدو هذا من خلال الرحلات المتبادلة بين الشرق العربي والمغرب بزيارة الفرق المسرحية الشرقية وكانت أولها فرقة محمد عز الدين ، وفرقة فاطمة رشدي."3

وإذا نبشنا في الذاكرة المسرحية المغربية، فيمكن القول بأن بداية المسرح المدرسي قد ارتبط بسلطان الطلبة منذ قيام الدولة العلوية في القرن السابع عشر الميلادي مع تولية مولاي رشيد الحكم(1666-1672م). ويعد" مهرجان سلطان الطلبة( بتسكين اللام) احتفالا سنويا يحييه طلبة مدينة فاس احتفاء بمقدم الربيع ابتداء من النصف الثاني من شهر أبريل، ويجري في جو كرنڤالي تمتزج فيه الفرجة والنزهات على ضفاف وادي فاس. فعلى امتداد البصر، خارج الأسوار، ينصب الطلبة مخيمهم لمدة أسبوع في الهواء الطلق للاستمتاع بمباهج الربيع وخضرة المروج...

ومن أول وهلة يبدو أن الأمر لا يتعلق بفرجة شعبية تلقائية من النوع المألوف في أوساط الحرفيين وإنما باحتفال منظم يشترك فيه المثقفون ورجال المخزن، وبالفعل فإن تدخل المخزن يعتبر أحد أهم العناصر في هذا الاحتفال، وحضور السلطان شخصيا لهذا الحفل التنكري لا يمكن تفسيره سوى بتقليد عريق في القدم أو بالتزام سياسي تجاه الطلبة ينبغي إلقاء الضوء عليه.".4

وهكذا نستنتج أن المسرح المدرسي قديم في تكونه وتطوره، بل قد يكون أقدم من القرن السابع عشر الميلادي إذا راجعنا بكل نزاهة وموضوعية علمية صفحات تاريخ المسرح الأمازيغي في القديم إبان المرحلة اللاتينية. وقد توصلنا أيضا عبر هذه البدايات التاريخية الجنينية إلى أن المسرح المدرسي هو المنطلق الأساس الذي اعتمد عليه مسرح الطفل وأدب الطفل على حد سواء.

الانطلاقة الفعلية للمسرح المدرسي المغربي:
لم ينطلق المسرح المدرسي فعليا ورسميا في المغرب إلا في سنة 1987م، وذلك عندما قرر الإصلاح التربوي إدخال مادة المسرح في المنهاج الدراسي وتدريسها ضمن وحدة التربية والتفتح التكنولوجي في السنوات الثلاث الأولى من السلك الأول للتعليم الابتدائي ضمن الموسم الدراسي1987-1988م. وأقيم في هذا الموسم بالذات تدريب وطني في المسرح المدرسي تحت إشراف وزارة التربية الوطنية وتحت مسؤولية جمعية التعاون المدرسي وبتنسيق مع جمعية نادي كوميديا الفن بمراكش. وقد استفاد من هذا التكوين التربوي في مجال المسرح المدرسي عضو واحد عن كل نيابة من نيابات وزارة التربية الوطنية بالمغرب.

وفي سنة1991م، ستتأسس اللجنة الوطنية للمسرح المدرسي باعتبارها إطارا وطنيا سيهتم بتطوير المسرح المدرسي وتفعيله وترجمته نظريا واقعيا داخل فضاء المؤسسة التربوية المغربية.

وفي سنة 1993 م ، سينظم المهرجان الوطني الأول للمسرح المدرسي في نيابة سيدي عثمان بالدار البيضاء بمشاركة ثمان تعاونيات مدرسية تمثل كل واحدة منها جهة من الجهات السبع بالإضافة إلى تعاونية فرع النيابة المحتضنة. ولابد من الإشارة أن انعقاد هذا المهرجان سبقته تصفيات محلية وإقليمية وجهوية لمختلف نيابات وجهات المملكة، ومازالت المهرجانات الوطنية المتعلقة بالمسرح المدرسي متوالية إلى يومنا هذا.

وفي سنة 2007م، نظمت وزارة التربية الوطنية المهرجان الوطني الثامن للمسرح المدرسي للتعاونيات المدرسية ما بين 16 و23 ماي بمدينة الجديدة تحت شعار" المسرح المدرسي دعامة أساسية للارتقاء بالجودة "، بينما نظمت المهرجانات السابقة في كل من الدار البيضاء وفاس ومراكش والعيون وأكادير وآسفي وطنجة، وتلتها ندوات وورشات للتكوين والنقد والتنظير والتوجيه ، والتي خرجت بمجموعة من الاقتراحات والتوصيات قدمت للقطاع الوزاري المعني بالمسرح المدرسي وجمعيات التعاون المدرسي.

أهداف المسرح المدرسي وغاياته:
من المعلوم أن للمسرح المدرسي أهدافا وغايات كبرى شأن أية مادة دراسية تلقن في الصف الدراسي أو تعرض في المؤسسة التربوية في ساحة المدرسة أو في قاعة كبرى تتوفر عليها المؤسسة التعليمية.

ومن الغايات الكبرى التي يرمي إليها المسرح المدرسي هو تكوين المواطن الصالح الذي يخدم مدينته ووطنه وأمته. وتتفرع عن هذه الغاية الكبرى أهداف نوعية أخرى يستوجبها المسرح المدرسي، وهي على النحو التالي:

الأهــــداف المعرفيـــة:
يسعى المسرح المدرسي إلى تعليم التلميذ مبادئ اللغة وتزويده بمفاتيح القراءة وتعويده على التعبير ومواجهة الجمهور من تلامذة وإداريين ومدرسين وأولياء الأمور من أمهات وآباء. كما يطلع هذا المسرح التلميذ على عالم الدراما وتقنيات السينوغرافيا وطرائق التمثيل ومقوماته الفنية والجمالية. وينتج عن هذا أن التلميذ يكتسب معلومات كثيرة عن تاريخ المسرح وعمليات التدريب وكيفية التشخيص من خلال شروحات المدرس وتوضيحاته القيمة حول فوائد التمثيل و كيفية تمويه المتفرج بصحة التقمص وإقناعه بتمثل الشخصية. زد على ذلك أن التلميذ يتزود بمعارف كثيرة حول مواضيع المسرحيات والقضايا التي تطرحها، ولاسيما إذا كانت مسرحيات تاريخية ودينية واجتماعية، فيكون المتعلم على معرفة وافية بكل المضامين والمرامي والغايات التي ترمي إليها هذه الأعمال الدرامية. وبالتالي، يستطيع أن يميز بين المسرح التراجيدي والمسرح الكوميدي والمسرح التراجيدي كوميدي والمسرح الغنائي ومسرح مان وان شوMan one show .

هذا، ويمكن للتلميذ أن يسبر أغوار الإخراج المسرحي و يتعرف تقنيات الكتابة الإبداعية الدرامية، فيكتب بعد ذلك مسرحيات متنوعة حسب مستواه الثقافي بعد إلمامه بفن الإخراج ومستوياته الفنية وأدواته الجمالية التي تتمثل في السينوغرافيا وتشغيل الإضاءة واستخدام الماكياج والتفنن في الأزياء وتقطيع المسرحية إلى مشاهد ركحية واختيار الشخصيات المناسبة لكل دور مسرحي. ومن هنا، نسجل بأن المسرح حياة كبرى ومدرسة ثانية تضاهي المدرسة التعليمية الأولى.

الأهــــداف الوجـــدانية:
يهدف المسرح المدرسي إلى تهذيب أخلاق المتمدرس وتغيير ميولاته واتجاهاته الوجدانية وتصحيح سلوكه وتقويمه تقويما إيجابيا. لأن المسرح المدرسي فضاء لاكتساب الذوق الفني والجمالي والاسترواح عن النفس والابتعاد عن الخجل والقلق والخوف والتحرر من العقد والمكبوتات النفسية العدائية كالحقد والحسد والكراهية والعدوان وإضمار الشر للآخرين.

ويعود المسرح المدرسي المتعلم على الاندماج الاجتماعي وتمثل التربية الإسلامية الصحيحة، والتحلي بالتضامن والتآزر داخل مجتمع مصغر يعكس جدليا المجتمع المكبر.

ولمحاربة الانطواء والانكماش داخل الصف الدراسي ،لابد للمدرس أن يخرج التلميذ من عزلته النفسية عن طريق اللعب والتمثيل وممارسة المسرح المدرسي لتفادي كل الظواهر الأخلاقية والنفسية السلبية التي يمكن أن تؤثر على المتعلم بطريقة سلبية وعدوانية، قد تمتد آثارها إلى باقي تلاميذ الصف الدراسي.

وعلى أي حال، فللمسرح داخل الصف الدراسي أو داخل المؤسسة الدراسية وظائف إيجابية كبرى تتجلى بوضوح في تكوين شخصية التلميذ وتنميتها إيجابيا لكي تصبح في المستقبل شخصية سليمة وسوية متذوقة وراقية في مستواها السلوكي والذهني. ولابد أن يكون لهذا المسرح وظيفة التطهير عن طريق إثارة الخوف والشفقة للتأثير في الجمهور الصغير والكبير على حد سواء.

ج- الأهــــداف الحسيـــة الحركيــــة:

يعمد المسرح المدرسي إلى تدريب الممثل على رشاقة الجسم وسرعة الانتقال على الخشبة والقدرة على التواصل اللغوي والبصري، بله عن التمكن من تقنيات التمثيل الحركي واللعب على الركح بطريقة مرنة توحي بالشاعرية والرمزية عن طريق استخدام الميم والبانتوميم والحركات الهادفة والتموضع الجيد فوق الخشبة ولاسيما في المثلث الدرامي، أو التموضع فنيا وتواصليا في زاوية الملعب أو زاوية الحديقة ، والقدرة على تكسير الجدار الرابع والتحكم في تعابير الوجه واستخدام اليدين بطريقة معبرة ووظيفية.

ويمكن الاستعانة بطريقة ستاسلافسكي أو مايرخولد أو گروتوفسكي في تدريب الممثلين المتعلمين لتعويدهم على الارتجال وتشخيص الأدوار حركيا عن طريق المعايشة وتذكر التجارب الماضية أو تمثل تجاربهم الخارجية من أجل أداء أدوارهم في أحسن مايرام ضمن الإمكانيات التي تتوفر عليها المؤسسة على مستوى التجهيز والتأثيث. لذا، يستحسن تعويد الممثل الصغير على استخدام طاقته الصوتية والعضلية لتقديم فرجة درامية متكاملة من جميع الجوانب.

د- أهداف تربوية ولغوية ونفسية واجتماعية:

يحقق المسرح المدرسي عدة أهداف كبرى وهي مهمة في مجال الديداكتيك والبيداغوجيا، ونذكر هنا الأهداف التربوية والأهداف اللغوية والأهداف النفسية والأهداف الاجتماعية. ويعني هذا أن المسرح المدرسي الذي يعتمد على التلقائية واللاشكلية والذاتية واللعبية والتمثيل العفوي الفطري والارتجال والتخييل والانطلاق من نصوص مسرحية مقننة وغير مقننة يعمل على تحصيل أهداف تربوية وتعليمية متعددة ومتنوعة ، ويصبح المسرح - بالتالي - قناة بيداغوجية وأداة ديداكتيكية في التعامل مع التلميذ والتواصل معه. كما أن لهذا المسرح وظيفة أخلاقية تستند إلى تهذيب المتعلم وتغيير اتجاهاته السلوكية السلبية كما في مادة التربية الإسلامية التي يستلزم تدريسها مسرحة دروس المقرر أو المنهاج بطريقة حركية حية في شكل مشاهد حوارية أو قصصية. وهذه الطريقة القائمة على تلقين الدروس في شكل أدوار مسرحية ومشاهد درامية بلا ريب ناجحة بكل المقاييس التربوية إذا أردنا فعلا أن نزود التلميذ بمجموعة من القيم والخلال الفاضلة كالصدق والإحسان والتعاون والأمانة والأمر بالمعروف ، ونجنبه في المقابل بعض الصفات الذميمة التي يستهجنها الإسلام كالخيانة والكذب والنميمة والغيبة والسرقة....

أما البعد اللغوي للنشاط المسرحي والتدريب الدرامي، فيتمثل في تعويد التلميذ على القراءة الفصيحة البليغة مع تصحيح أخطائه والاعتماد على التعلم الذاتي وتشخيص المشاهد لغويا واكتساب فصاحة النطق وحسن الإصغاء والتعبير عن الانفعالات والمشاعر عن طريق التحكم في اللغة وفق مقاييس الصرف والنحو والتركيب التداولي الصحيح. لذالك، نعتبر القراءة الإيطالية خطوة منهجية ضرورية في تكوين المتمدرس وتدريبه على حفظ الدور واستيعابه جيدا.

ويهدف البعد الاجتماعي إلى خلق مواطن اجتماعي غيور على وطنه وأمته يشتغل في فريق منسجم ومتآلف بعيدا عن الضغائن والكراهية والحسد والميول السلبية. أي إن المسرح المدرسي فضاء اجتماعي وتربوي خلاق يسعى إلى تهذيب المتلقي اجتماعيا وأخلاقيا وتربويا، ويعمد إلى تنشئته وإصلاحه ليكون مواطنا اجتماعيا صالحا. أضف إلى ذلك أن للمسرح وظيفة نفسية علاجية في تحرير المتعلم من أمراضه النفسية ووساوسه الشريرة عبر المثيل واللعب والتخييل وتشخيص الأدوار المسرحية.

وقد أشاد علماء النفس بأهمية المسرح في العلاج النفسي مع أبحاث مورينو Morino منذ عام1946م ، حيث ساهم في تأسيس ما يسمى بالدراما النفسيةPsychodrame ، وقد أخذ بهذه التقنية العلاجية كل من سيغموند فرويد، ويونغ ، وأدلر، وكارل روجرزK.Rogerz.

خصائص المسرح المدرسي:
من المعروف أن الكتابة الطفلية صعبة، وهذا ينطبق كذلك على المسرح المدرسي الذي تختلف فئاته العمرية من مستوى دراسي إلى آخر. وبالتالي، تتعدد مستويات التلقي بتعدد المراحل الطفولية، فهناك مرحلة الخيال من 6 سنوات إلى 12 سنة ، ومرحلة المغامرة والبطولة من 13 سنة إلى 15 سنة، ومرحلة الاتجاهات والميول من 16 سنة إلى 18سنة. لذا، على دارس المسرح أو المربي أن يراعي هذه الاختلافات العمرية في مسار الطفولة وصيرورتها النفسية والاجتماعية ، ويستكنه قدراتها الذهنية وانفعالاتها الوجدانية وعطاءاتها الحسية الحركية.

ومن أهم مميزات وخصائص المسرح المدرسي اختيار نص مسرحي ملائم للفترة العمرية التي يمر منها المتعلم. إذ يستحسن في المراحل الأولى من سنوات التعليم الابتدائي تدريب المتعلمين على الحركة والتصويت والنطق وكيفية الإنشاد وترديد الأغاني الهادفة، ويتم كل ذلك عن طريق اللعب والتمثيل العفوي التلقائي عن سجية وفطرة. و يمكن أن يكون تأليف النص المسرحي فرديا من قبل المدرس أو التلميذ أو جماعيا يشارك فيه المدرس مع التلاميذ أو يكون نصا ارتجاليا أو نصا مأخوذا من المقرر أو المنهاج الدراسي. وبعد ذلك، يوزع المدرس الأدوار على التلاميذ عن طريق اللجوء إلى القراءة الإيطالية الأولى والثانية من أجل تحسين نطق المتدربين وتصحيح ما ارتكبوه من أخطاء نحوية ، وشرح ماغمض من الكلمات الصعبة، وتفسير مضامين المسرحية وسياقاتها النصية والخارجية. و بعد ذلك، ينتقي المربي الشخصيات المناسبة، ويختار الأزياء والملابس المناسبة التي تتلاءم مع الأدوار، واصطفاء الماكياج المساعد مع الاستعانة بالأقنعة والعمل على توظيف تراث المسرح العربي.

ولابد من اختيار النصوص المسرحية ذات الأبعاد التربوية والأخلاقية والمسرحيات الهادفة سواء أكانت تاريخية أم اجتماعية أم تربوية، أي علينا أن نختار نصا مسرحيا يخاطب عقل التلميذ ويهذب وجدانه ويحرر جسده من رواسب السكون والجمود. وتختلف عمليات الاختيار باختلاف المراحل العمرية للطفل أو التلميذ. ولكن القاسم المشترك بين الاختيارات العمرية هو أن يساعد النص المسرحي المنتقى التلميذ الممثل على التخييل والتواصل الحركي وإيصال الحوار إلى الآخرين بطريقة سليمة.

وإذا انتقلنا إلى عملية الإخراج، فمن الأفضل أن تكون اللوحات سريعة الإيقاع وسهلة ومرنة ذات حوارات بسيطة وواضحة. وينبغي أن تكون المشاهد قليلة، وألا تتعدى المسرحية فصلين حيث يعرض المشكل في الفصل الأول، ويحدد الحل مع النهاية في الفصل الثاني. ويمكن الاستغناء عن كثير من الآليات السمعية والبصرية الغالية الثمن، ونعوض ذلك بإمكانيات الممثل الصوتية والتنغيمية والجسدية على غرار المسرح الفقير لگروتوفسكي.

ويستحب أن يكسر المخرج الجدار الرابع، وأن يثير الجمهور بغرابة المشاهد واستعمال الفانطاستيك وأقنعة الحيوان وتشغيل الرمزية وتشويقهم عبر خطاب السخرية والنقد البناء من أجل كسب رضاهم الذي غالبا ما يتمظهر بكل جلاء في تصفيقاتهم وضحكاتهم المتتابعة وتشجيعاتهم وزغاريدهم وصفيرهم المتقطع داخل قاعة الأنشطة أو ساحة المدرسة.

ميادين المسرح المدرسي:
تتنوع فضاءات المسرح المدرسي بتنوع ميادينه التي تتحول إلى أمكنة للتلقين والتنشيط والتدريب واستعراض التلاميذ لإبداعاتهم ومنجزاتهم الفنية من أجل إظهار مواهبهم وقدراتهم الكفائية لكل الفاعلين التربويين والإداريين والاجتماعيين الذين يحضرون إلى المؤسسة الدراسية لزيارتها أو لتتبع أعمال المدرسة ومراقبة التلاميذ ولاسيما الآباء والأمهات و جمعيات أولياء الأمور.

ويمكن حصر فضاءات المسرح المدرسي في البنيات التالية: القسم والساحة وقاعة الأنشطة والجريدة المدرسية ( سبورة الإنتاجات). وهذه الميادين التربوية هي التي تحقق نجاح الحياة المدرسية وتفعلها ميدانيا عبر عمليات التنشيط والتعليم.

وعليه، يلتجئ المدرس داخل القسم إلى بعض التداريب الصوتية والحركية ، ويقطع مسرحيات المقرر إلى مشاهد وأدوار مبسطة،ويوزعها على التلاميذ المتمكنين ذوي المواهب المتميزة، ويحول قاعة القسم إلى ركح درامي وذلك بجمع المقاعد ووضعها في زاوية معينة أو استخدامها في عملية التدريب والتمثيل.

ومن المعروف أن تدريس مادة المؤلفات المسرحية بالثانوي بالمغرب يستلزم من الأستاذ أن يحول الدرس إلى عرض مسرحي بتوظيف القسم وتوزيعه إلى فضاءين: فضاء خاص بالخشبة الدرامية وفضاء خاص بالجمهور المتفرج.

ويمكن الاستعانة بالساحة المدرسية وبالضبط في الأعياد الوطنية والدينية، وأثناء توزيع الجوائز في نهاية السنة الدراسية ، تحول الساحة أو ملعب المدرسة إلى قاعة للاستعراض الدرامي أو إلى فضاء مسرحي قصد التدريب أو التمثيل. ومن الأفضل أن تبنى خشبة دائمة في ساحة المدرسة من الأحجار والإسمنت أو تستغل المقاعد الخشبية المهترئة في إعداد الركح، ويستحسن أن تكون مساحة المنصة" متوسطة ما بين20 و24 مترا مربعا، ولا يتجاوز ارتفاعها 60 سنتمترا. ويمكن استغلال هذه المنصة في العروض الفنية خلال الحفلات وسائر الأنشطة ."5

وتتوفر بعض المؤسسات على قاعة للأنشطة التربوية والفنية التي تسمح للمدرسين والتلاميذ بحسن استغلالها في تقديم المسرحيات المدرسية وتدريب النشء التربوي على اللعب الإيهامي والتمثيل وإعداد المسرحيات وتشخيصها فوق الخشبة.

وتتحول جدارية الإبداعات أو الجريدة المدرسية إلى فضاء للإنتاج المسرحي، حيث يعلق التلاميذ الموهوبون مسرحياتهم التي كتبوها داخل الصف الدراسي أو في منازلهم فيعرضونها مكتوبة أو مرقونة أو مطبوعة على السبورة أو تثبت على صفحة جدارية الجريدة ليطلع عليها التلاميذ والمدرسون ورجال الإدارة والشركاء الأجانب.

ومن ثم، فالقسم والساحة وقاعة الأنشطة والجريدة المدرسية هي فضاءات ممكنة لإثراء الفعل المسرحي وتقديم أنواع من الفرجة سواء أكانت سمعية أم بصرية .

ببليوغرافيا المسرح المدرسي:
من أول وهلة، يبدو أن كتب المسرح المدرسي قليلة في المغرب على حد اعتقادنا بالمقارنة مع المقالات التي تناولتنه في الصحف والمجلات والدوريات الورقية والمواقع الرقمية المغربية.

وإليكم هذه الببليوغرافيا التقريبية التي تجمع مكتبة المسرح المدرسي ،وقد استبعدنا كل ما يتعلق بمسرح الطفل لما له من خصوصيات تميزه وتفرده عن المسرح المدرسي:

كــتــــب عن المسرح المدرسي:
أكويندي سالم: المسرح المدرسي، آسفي، فرع جمعية تنمية التعاون المدرسي، 1989م؛
الزبير مهداد: المسرح المدرسي، جمعية تنمية التعاون المدرسي، نيابة وزارة التربية الوطنية، الناظور، ط1 ، 1997م؛
وزارة التربية الوطنية المغربية: أهداف وتوجيهات تربوية، السنة الأولى من التعليم الأساسي، الرباط، مطبعة المعارف، 1987م؛
جماعة من المؤلفين: تدبير النشاط التربوي، الدار البيضاء، مطبعة النجاح الجديدة، 1996م؛
محمد صابر: الطفل والفضاء المسرحي، سلسلة التكوين التربوي، العدد8، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ط 1، 1998م؛
وزارة التربية الوطنية المغربية: المسرح المدرسي، كتاب المعلم، الطور الأول من التعليم الأساسي، الدار البيضاء؛
المقـــالات عن المسرح المدرسي:
عبد القادر عبابو: (السؤال الجوهري في مسرح الطفل، تصور أولي)، مجلة قضايا تربوية، عدد2/3 ، 1990م ، صص:53-61؛
سالم أكوينديالمسرح المدرسي: الفضاء، اللغة، الجسد)، مجلة آفاق ( التربوية) ، المغرب، العدد 11 سنة 1966م؛
سالم أكوينديالمسرح المدرسي في التعليم الابتدائي بالمغرب)، الدراسات النفسية والتربوية، المغرب، عدد 12 سنة 1991م، ص:39؛
سالم أكويندي المسرح المدرسي وعلاقته بالأنشطة التكميلية)، آفاق تربوية، المغرب، عدد7 ، سنة 1993م، ص:209؛
سالم أكويندي المسرح المدرسي في الوسط المدرسي)، الحوار المسرحي،المغرب، (2/2)، عدد:2 سنة 1994م، ص:8 ، وعدد3 ، سنة 1995م، ص:4؛
سالم أكويندي: (خصائص المسرح المدرسي)، مجلة المسرح المدرسي، المغرب،عدد 1 ، سنة 1997م، ص:10؛
سالم أكوينديتقرير موجز حول عمل اللجنة الوطنية للمسرح المدرسي)، مجلة لقاء، المغرب، عدد20، 1995م؛
المختار عنقا الإدريسي: ( المسرح والتنشيط)، مجلة آفاق ، المغرب،العدد11 ، سنة 1996م؛
جمعية التعاون المدرسي: ( المسرح المدرسي بين البرنامج التعليمي وأنشطة التعاونيات المدرسية)، مجلة المسرح المدرسي، الرباط، العدد1، أبريل 1997م؛
مصطفى رمضاني: ( الكائن والممكن في المسرح المدرسي بالمغرب)، الثقافة المغربية، عدد8، صص:77-86؛ ماي 1999م؛
حميد مستقر: ( الطفل والمسرح المدرسي)، جريدة العلم، ومجلة التريبة والتعليم،المغرب، السنة 5 ، العدد 16، صص:13-15؛
عثمان أشقرىوجهة نظر حول ندوة المحمدية للمسرح والتربية: حد الجد وحد اللعب)، جريدة الاتحاد الاشتراكي، المغرب، صص28-29، سنة 1989م؛
لحسن مادي ):المسرح كتقنية بيداغوجية داخل المدرسة : أبعادها التربوية)، مجلة التربية والتعليم، المغرب، السنة 15، العدد16، صص:30-33؛
غرنيط البوداليوظيفة المسرح المدرسي بين الكتابة والارتجال)، الحوار المدرسي،المغرب، عدد2 ، سنة 1994، ص:14؛
عبد الكريم حفصي قراءة في المهرجان السادس للمسرح المدرسي بنيابة بن مسيك)، مجلة المسرح المدرسي، المغرب،عدد:1 سنة 1997م، ص:42؛
أحمد الخراط: (عن المسرح التعليمي أتحدث)، الحوار المسرحي، المغرب،عدد 2 ، سنة 1994م صك18؛
التهامي الخليل المسرح المدرسي:خصوصيات وعوائق)، الحوار المدرسي، المغرب، عدد 1 ، سنة 1993م، ص:8؛
عبد الحكيم خياطي قراءة في مقال: المسرح المدرسي)، الحوار المسرحي، المغرب، عدد 3، سنة 1995م ، ص:14؛
الركبي أحمد العبديعلاقة المسرح بالتربية)، مجلة صدى التعاون،المغرب، عدد 13، 1976م، ص:19؛
بوشعيب لبنين: ( المسرح والتربية)، مجلة آفاق تربوية،المغرب، عدد 10، سنة 1995م، ص:131؛
بوشعيب لبنين: (الأدوار التربوية والنفسية للمسرح المدرسي)،جريدة بيان اليوم،المغرب، 10/05/1997م،ص:6؛
بوشعيب لبنين: ( المسرح المدرسي دعامة أساسية للمناهج الدراسية والتنشيط التربوي)، بيان اليوم، المغرب، 26/04/1997،ص:6؛
عبد العزيز منتوكالمسرح المدرسي)، الحوار المسرحي، المغرب،عدد1 ، 1993م، ص:3؛
مهداد الزبير المسرح المدرسي)، مجلة الثقافة العربية، عدد1 ، 1992م؛
الحسن النفالي اللجنة الوطنية للمسرح المدرسي)، مجلة المسرح المدرسي،المغرب، عدد:1 سنة 1997م، ص:22؛
أحمد هيبة المسرح المدرسي كواجهة جديدة)، الحوار الأكاديمي والجامعي، المغرب، عدد 11، ص:7؛
عبد الكريم برشيدتجربة المسرح المدرسي في تونس)، ملحق العلم الثقافي، المغرب، 16/07/1983م، ص:13؛
رشيد بناني هل هو مسرح مدرسي أم مواد مسرحية بالمدرسة)،جريدة العلم، المغرب،26 /08 /1992م؛
سعبد بوعطية: (دور المسرح التربوي في التعليم العام)، جريدة العلم، المغرب ، 08/03/1995، ص:8؛
جمعية التعاون المدرسي: ( ندوة حول المسرح المدرسي)،وزارة التربية الوطنية، الناظور، المغرب؛
جمعية التعاون المدرسي: ( المكتبة، بيبليوغرافيا المسرح التربوي)، وزارة التربية الوطنية نيابة الناظور، المغرب؛
محمد خشلة المسرح المدرسي ومسرح الطفل)، بيان اليوم، المغرب ، 10 /05/1997م، ص:6؛
محمد صابر المسرح المدرسي بين علم النفس وأهداف التربية)، جريدة الاتحاد الاشتراكي، المغرب، 05/02/1989م، ص:5؛
نجيب طلال المسرح المدرسي والآفاق)، بيان اليوم الثقافي، المغرب، 17/06/1992م، ص:12؛
حسن عيار: (مقدمة من اجل المسرح المدرسي)، جريدة العلم، المغرب، 23/04/1989م، ص:4؛
غياط عبد اللطيف: (بين مسرح الطفل والمسرح المدرسي)، بيان اليوم الثقافي، المغرب ، 09/08/1993م، ص:5؛
أحمد هيبة: (أي مسرح مدرسي يحتاج إليه الطفل)، جريدة العلم، المغرب، 26/03/1988م؛
محمد النبسي: ( حوار مع سالم أكويندي حول الآفاق المستقبلية للمسرح المدرسي)، جريدة الاتحاد الاشتراكي، المغرب ، 02/02/1997م؛
الزبير مهداد نحو مسرح مدرسي للطفل)، جريدة الصحراء المغربية، 22 و 23 و24/04/1979م؛
مصطفى معطوف: ( المسرح المدرسي)، جريدة العلم، المغرب ، 15/11/1995م، ص:8؛
محمد مسلك: (مسرح الطفل ودور المؤسسات التعليمية)، إضاءات تربوية، المغرب، عدد1، 1996م؛
ل.و.م.م (لجنة التتبع): ( المهرجان الوطني الثالث للمسرح المدرسي للتعاونيات)، جريدة بيان اليوم، المغرب، 17/05/1997م، ص:6.
خاتمـــــــة:

يتبين لنا من خلال هذا العرض الوجيز أن المسرح المدرسي أخص من مسرح الطفل، ويتماثل على مستوى المفهوم والتجربة مع المسرح الصفي و المسرح التعليمي و المسرح التربوي.

هذا، ويرتبط المسرح المدرسي بفضاء المؤسسة التربوية سواء أكانت عبارة عن روض للأطفال أو مدرسة ابتدائية أو مدرسة ثانوية. وبعد ذلك، ينتقل التلميذ من مرحلة المسرح المدرسي إلى مرحلة التعليم العالي ليجد نفسه بين رحاب مسرح الشباب أو مسرح الهواة أو المسرح الجامعي أو المسرح الاحترافي.

وإذا تصفحنا أوراق المسرح المدرسي في المغرب بدقة، فإنه قديم وحديث في نفس الوقت، إذ لم يفعل ميدانيا إلا في سنة 1987-1988م؛ ولكنه يمتد في جذوره إلى بداية الدولة العلوية، بل إلى تشكل الهوية الأمازيغية إبان الاحتلال الروماني لشمال أفريقيا.

ويحقق المسرح المدرسي عدة وظائف معرفية ووجدانية وحركية علاوة على أهداف لغوية ونفسية واجتماعية وتربوية.

وتتشكل فضاءات المسرح المدرسي من القسم والساحة وقاعة الأنشطة وجدارية الجريدة المدرسية. ويتسم المسرح المدرسي بالصعوبة والتعقيد؛ لأن الكتابة الدرامية الطفلية بالمؤسسة التربوية تتميز بخصوصيات نفسية وفنية وتربوية معقدة تتطلب من المربي أو المدرس أو المنشط التربوي الانطلاق منها أثناء كتابة النص المسرحي أو تدريب التلاميذ أو تنشيطهم.

وتدل البيبليوغرافيا المتواضعة التي بين أيدينا على قلة الكتب التي ألفت في مجال المسرح المدرسي بالمغرب، بيد أن المقالات في الدوريات والصحف والمجلات كثيرة نسبيا.

ملاحظـــة:

جميل حمداوي، صندوق البريد 5021 ن أولاد ميمون، الناظور، المغرب.

[email protected]

www.jamilhamdaoui.net






    رد مع اقتباس
قديم 2009-11-30, 13:31 رقم المشاركة : 9
admin
الإدارة الأولـــى
 
الصورة الرمزية admin

 

إحصائية العضو








admin غير متواجد حالياً


وسام الرتبة الأولى في مسابقة طاكسي المنتدى لشهر يو

افتراضي رد: مواضيع الدكتور جميل حمداوي


علوم وتربية : كيف ندرس اللغة الأمازيغية في المؤسسات التربوية المغربية ؟

بواسطة د. جميل حمداوي في 7/09/2007 4:12:22 (125 القراء) مقالات أخرى لنفس الكاتبكيف ندرس اللغة الأمازيغية في المؤسسات التربوية المغربية ؟

الدكتور جميل حمداوي

تمهيــــد:

من المعلوم أن اللغة الأمازيغية لغة قديمة بقدم حضارتها، وهي كذلك من الأبجديات الأصلية الضاربة في جذور التاريخ، و التي تفرعت عنها لغات عدة منها: اللغة البونيقية واللغة الطوارقية، واللغة الليبية. وتأثرت بها اللغة الفينيقية، واللغة الكنعانية، واللغة القرطاجنية، علاوة على اللغة اليونانية واللغة المصرية القديمة واللغة اللاتينية.

وتنتمي اللغة الأمازيغية إلى الفصيلة السامية الحامية إلى جانب المصرية والكوشيتية. وتعتمد هذه اللغة على خط تيفيناغ الذي يعود في امتداده إلى 3000 قبل الميلاد. وتتربع اللغة الأمازيغية على رقعة كبيرة في شمال أفريقيا تمتد من الحدود المصرية الليبية شرقا إلى المحيط الأطلسي غربا، ومن همبوري بنجيريا جنوبا إلى البحر الأبيض المتوسط شمالا. ويسمى السكان الذين يتحدثون الأمازيغية بالأمازيغيين أو البرابرة، وتسمى منطقتهم تامازغا.

وتعني كلمة الأمازيغي الإنسان الحر، بينما كلمة البربر بمثابة نعت أطلقه اليونانيون والرومان على الأمازيغيين الأفارقة باعتبارهم أجانب لايتقنون لغة هؤلاء الأسياد، ولا هؤلاء يفهمون لغة الأمازيغيين وكلامهم.

1- واقع اللغة الأمازيغية بالمدرسة المغربية:

من المعروف أن الأمازيغية كانت تدرس في المغرب إبان مرحلة الحماية ، والظهير البربري لسنة 1930م ، على الرغم من حمولاته العنصرية والاستعمارية ، مؤشر دال على اهتمام المستعمر بضرورة تدريس الأمازيغية في المغرب ليسهل التواصل مع أفراد المجتمع الأمازيغي الذي كان مشتتا في جبال الريف وجبال الأطلس المتوسط والأطلس الصغير والأطلس الكبير. ويحيل هذا على أن اللغة الأمازيغية كانت منتشرة في الجبال، بينما العربية في المقابل كانت لغة سائرة في السهول. ويعني هذا أن الأمازيغيين طوال تاريخهم كانوا مقاومين أشداء وأناسا مضطهدين يلتجئون إلى الجبال للاحتماء من المستعمر الدخيل.

وبعد كثرة الاحتجاجات الحزبية والجمعوية الأمازيغية في العقود الأخيرة من القرن العشرين التي كانت تنادي بإدماج الأمازيغية في المنظومة التعليمية، ارتأى الملك الحسن الثاني أن يستجيب لمطالب الشعب المغربي، فأعلن اعترافه الصادق بأهمية اللغة الأمازيغية وضرورة تدرسيها في المدرسة المغربية باعتبارها مكونا حقيقيا وجوهريا للهوية والحضارة المغربية وذلك في خطاب 20 غشت 1994م.

وبعد ذلك ، سيعترف المغرب رسميا بتدريس الأمازيغية مع الخطاب الملكي السامي الذي قدمه العاهل المغربي محمد السادس بأجدير إقليم خنيفرة بتاريخ17 أكتوبر 2001م، ليعقبه الانطلاق الفعلي لتدريس الأمازيغية مع الموسم الدراسي 2003- 2004 م.

وقد تعهدت وزارة التربية الوطنية في كتاب" الميثاق الوطني للتربية والتكوين" بتدريس اللغة الأمازيغية في تنسيق مع المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية،وستشرع في ذلك بطريقة تجريبية في المدرسة الابتدائية أولا، فالإعدادية ثانيا، ثم التعليم العالي ثالثا.

ولكن هذه الانطلاقة سرعان ما باءت بالفشل بتعثر المعهد في استصدار كتب المقررات التي كانت لاترى النور إلا في أواخر السنة الدراسية أو في أواسطها، كما وقع خلط في نوعية اللغة التي ستدرس بها الأمازيغية: هل سيتم التدريس بتاريفت أم بتاشلحيت أم بتامازيغت؟ بيد أن المعهد اختار اللغة المعيارية لتوحيد الألسن الأمازيغية المشتتة والمختلفة والمتباينة صوتيا ودلاليا.

وبعد ذلك، ظهر تقاعس كبير في تدريس اللغة الأمازيغية من قبل الوزارة الوصية عندما جعلت تدريس المادة اختياريا وتجريبيا في المدارس الابتدائية المغربية، فاستغل الأساتذة هذه الفرصة ، فرفضوا تدريسها لأسباب ذاتية وموضوعية، إضافة إلى كون التلاميذ غير الأمازيغيين ينفرون منها بسبب أو بدون سبب، كما أن المدرسين الذين أنيطت بهم مسؤولية تدريس هذه المادة لا يعرفون اللغة الأمازيغية ، ولم يتلقوا تدريبا في هذا الشأن ولا تأهيلا أكاديميا يخول لهم تدريسها، وهذا ينطبق كذلك على المفتشين والمكونين على حد سواء.

زد على ذلك، أن عملية تدريس الأمازيغية لم يصاحبها تأطير إيجابي وفعال للمفتشين والأساتذة نظرا لقلة الندوات والورشات التكوينية والتي لا يحضرها كل الأساتذة ؛ لأنها غالبا ما تعقد في العطل الدورية أو البينية أو بعد الانتهاء من مجزوءات السداسي الأول أو الثاني أو أثناء فترة الأعياد الوطنية أو الدينية.

ومن جهة أخرى، يركز المكونون الباحثون في تأطيرهم للأساتذة والمشرفين على المقاربة اللغوية أو اللسانية أو تعليم حروف تيفيناغ دون أن تكون مقاربة اللغة الأمازيغية مقاربة حضارية وثقافية شاملة.

ومما يزيد الطين بلة ، هو عدم اقتناع الأساتذة والمؤطرين وأولياء الأمور بأهمية اللغة الأمازيغية ؛ لأنها في رأيهم بدون حمولة ثقافية ولا حضارية. ولهم كامل الحق في أن يعتقدوا ما يعتقدون؛ لأننا- فعلا- نقدم لهم الأمازيغية في طبق فارغ أوفي "خبز حاف" بدون لحم أو مرق. أي نقدم لهم اللغة الأمازيغية بدون إرثها الحضاري والعلمي والأدبي والفني والثقافي. فنحن لم ندون بعد تراثنا، ولم نوثق المخطوطات التي وصلت إلينا، ولم نكتب بعد تاريخنا وحضارتنا، ولم ندرسها بشكل جيد من قبل لناشئتنا في الكتب الدراسية في مدارسنا الابتدائية والإعدادية والثانوية.

ولم يشمر المعهد الملكي بعد عن ساعده لينفض الغبار عن الحضارة الأمازيغية الثرية، وذلك بتشييد أكاديمية أمازيغية للبحث العلمي والتربوي تهتم بشؤون تدريس الأمازيغية، أو يسهر المعهد على إحداث شعب و مسالك تختص بتدريس اللغة الأمازيغية وحضارتها بطريقة علمية وأكاديمية، ويخصص لذلك ميزانية محترمة من أجل أن تكون النتائج مثمرة والأهداف محققة، دون الاعتماد الكلي على وزارة التربية الوطنية التي أثقل كاهلها بعدة مشاكل تعيقها عن تحقيق أهدافها وغاياتها الكبرى وشعارها البراق الذي ترفعه كل سنة تحت عنوان: "من أجل الارتقاء بالجودة التربوية والإدارية".

أما إذا اعتمدنا سياسة التقشف وشد الحزام، ونهجنا لغة الإقصاء والتهميش، وطرد الكفاءات الأمازيغية وتحييدها عن أدوارها الحقيقية في مجال التنمية اللغوية والثقافية، وابتعدنا عن سياسة التخطيط الممنهج الجيد، فإن الأمازيغية ستقبر بعد سنوات قليلة، وسيتخلى عنها الشعب المغربي على مستوى التفعيل الإداري والمؤسساتي والثقافي بطريقة تدريجية، وتنسى كما نسيت لغات أخرى تماثلها في وضعيتها اللسنية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والحضارية.

وهذا ما يلاحظ فعلا في الواقع وفي ميدان التربية والتعليم وفي الساحة الثقافية الأمازيغية، فقد تراجع إيقاع تدريس اللغة الأمازيغية من سنة إلى أخرى، وفقد المفكرون المتنورون والجمعيات المدنية والثقافية المصداقية في مؤسسة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وقل إقبال الأمازيغيين على هذا المعهد بسبب التنافر الكبير في وجهات النظر بين الإدارة و الأطراف المقابلة ، دون أن ننسى الهوة الفاصلة بين المعهد والريفيين الذين لا يستفيدون بشكل إيجابي من خدمات هذه المؤسسة الموجهة لساكنة الجنوب على وجه الخصوص ، والدليل على ذلك أن أغلب الموظفين والمثقفين يحسبون على سوس بالمقارنة مع الأطلس المتوسط ومنطقة الريف. كما أن عملية النشر لايستفيد منها الريفيون ، إذ لم يطبع لهم سوى كتاب واحد بالمقارنة مع طبع أكثر من ثمانين كتابا لمثقفي سوس.

ونلاحظ كذلك على مستوى الممارسة الميدانية إحساس المدرسين بالملل عندما تسند لهم حصة الأمازيغية؛ لانعدام الوسائل الديداكتيكية، وعدم حصولهم على تدريب كاف في مجال التلقين والتدريس، وعدم اقتناعهم بجدوى تدريس هذه اللغة المنبوذة المضطهدة في كل بلدان شمال أفريقيا. ونتج عن ذلك أن تراجعت الرغبة في الإقبال على هذه اللغة أو الدفاع عنها أو العمل على تفعيلها ميدانيا وثقافيا أوإثرائها بالندوات والمحاضرات. كما اختلطت الأمور التربوية بالقضايا السياسية، حتى عد تدريس الأمازيغية فعلا عنصريا وعرقيا يذكر المغاربة بالظهير البربري لسنة 1930م الذي كان يستهدف تفريق البرابرة عن إخوانهم العرب.

وهكذا نسجل رداءة الواقع التربوي والتعليمي في ما يخص تدريس اللغة الأمازيغية، وانعدام الجودة الكمية والكيفية على المستوى الديداكتيكي والبيداغوجي لعدم وجود سياسة تربوية سليمة يضعها المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في تنسيق مع وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر من أجل البحث عن الطرائق الكفيلة والسبل الناجعة لتدريس الأمازيغية في ظروف حسنة وبمناهج حديثة ومفيدة للمدرسة المغربية.

2- كيـــف نــدرس الأمازيغية ؟

عندما نريد أن نؤطر الأساتذة الذين سيسهرون على تدريس الأمازيغية أو نعد المفتشين الذين سيشرفون على تنفيذ المذكرات والقرارات الوزارية المتعلقة بتأطير أساتذة المادة وتفعيلها ميدانيا وتشخيص الواقع الديداكتيكي والبيداغوجي الذي يتم فيه تلقين هذه المادة، لابد أن نبدأ بتأهيلهم في مجال التاريخ والحضارة والفنون والآداب والعلوم. أي لا نشرع في تدريس الأمازيغية لسانيا ولغويا وكتابة إلا بعد أن نقدم لهؤلاء دروسا في تاريخ الأمازيغيين في العهد القديم والوسيط والحديث والمعاصر، ونذكرهم بأبطال المقاومة الأمازيغية مع استعراض حضارة البرابرة وحياتهم الاجتماعية والنفسية والخلقية، وسرد معارفهم وفنونهم وآدابهم شعرا ونثرا.

هذا، وبعد أن يتعرف الأساتذة والمفتشون حضارة الأمازيغيين في حصص كثيرة، ننتقل بهم إلى دراسة تاريخ تيفيناغ وتطور الخط والكتابة الأمازيغية، ودراسة اللغة الأمازيغية عبر مستويات لسانية تتمثل في: المستوى الصوتي والصواتي والتركيبي والتداولي والبلاغي.

ويمكن أن نستعين في هذا الصدد بمجموعة من المدارس اللسانية المختلفة التي تتجلى في البنيوية السوسيرية ، و البنيوية الوظيفية لأندري مارتيني، وگلوسيماتيكية هلمسليف، وتوزيعية السلوكيين كهوكيت وبلومفيلد وهاريس وسكينر، أو دراستها على ضوء النظرية التوليدية التحولية لنوام شومسكي، أو اعتماد المقاربة التداولية لڤان ديك وهاليداي، أو تمثل النحو التأليفي لگروس.

ويفضل أن يكون الباحثون المكونون ( بكسر الواو ) على اطلاع كبير على جميع الأبحاث و الرسائل والأطروحات التي كتبها المستمزغون أمثال: باسيه Basset، ولاووستLaoust ، وبيكار Picard، والأب دالي P.Dallet ، وأسپنيون Aspignon، وجوستينار Justinard، ولوبينياك Loubignac، والأب دي فوكو P. De Foucault، وكانتينكو Cantincau، وليونيل گالان Lionel Galand، وفيرديناند بينطوليلا Fernand Bentolila ، وڤيلمز Wilms، وباينون Bynon، وطوماس بانشون Penchoen ، وعبد المسيح Abdelmassih ، وجانيت هاريس Jeannette Harries ..... ، وما كتبه الباحثون الأمازيغيون الأفارقة في مجال لسانيات اللغة البربرية كما عند محمد سالم شاكر، وأحمد بوكوس،وأحمد أكواو، ومحمد الشامي، والقاضي قدور، وهباز بوجمعة، والطايفي ميلود، والجيلالي السايب، ومحمد كرسل، وباري الحسين، وبركو لحسن، والعواني آمنة، والمجاهد الحسين، ومحسن فاطمة، وأحساين لطيفة، وجواد حسن، والتودرتي أحمد ، وباري محماد، وبوخريص فاطمة، وشطاطو محمد، وعبد السلام خلفي، ولحسن ولحاج،ومحمد شفيق، ومحمد بلحرش ...

وعند ما ينتهي المكونون والأساتذة والمشرفون من استيعاب الأمازيغية حضارة وكتابة ولغة ، ننتقل بهم إلى تبيان طرائق التدريس على المستوى الديداكتيكي والبيداغوجي، فنحصرها في أربع مراحل أساسية:

مرحلة تدريس الأمازيغية صوتا وكتابة ، وذلك في المرحلة الابتدائية في سنواتها الأولى؛
ب- مرحلة تدريس الأمازيغية على مستوى تركيب الجملة والفقرة في المرحلة الابتدائية المتقدمة ؛

مرحلة تدريس الأمازيغية نصا وخطابا في المرحلة الابتدائية في سنواتها الأخيرة ، وكذلك في المرحلتين: الإعدادية والثانوية؛
د- مرحلة تدريس الأمازيغية في إطار موضوعات و قضايا وظواهر، وذلك في المرحلة الجامعية والأسلاك العليا.

ويمكن تدريس الأمازيغية إما بطريقة جزئية وإما بطريقة كلية ، وإما من زاوية وصفية وإما من زاوية تفسيرية، وإما بطريقة شكلية وإما بطريقة تستند إلى استكناه الدلالة والوظيفة.

ويستحسن أثناء تدريس الأمازيغية المزاوجة بين الدرس اللغوي والدرس البصري السيميولوجي، والانتقال في وضع المقررات الدراسية من مرحلة المحاكاة والتقليد إلى مرحلة التجاوز والإبداع، ومن الدرس النظري إلى الدرس التطبيقي التداولي الذي يحقق الوظيفة التواصلية في المجتمع. ويمكن أيضا الاستعانة بمجموعة من الكراسات التطبيقية والمؤلفات الموازية في مجال الشعر والقصة والرواية والنقد والسينما والمسرح، والاستفادة من الثورة الرقمية ومعطيات الإعلام الحديث.

وبما أن تدريس الأمازيغية حديث العهد في المغرب بالمقارنة مع اللغة العربية واللغات الأجنبية الأخرى، فلابد أن يصدر المعهد أو الوزارة المعنية مجلتين على الأقل تهدفان إلى تكوين المدرس والمفتش على حد سواء في مجال اللغة الأمازيغية وحضارتها ، الأولى تكون مجلة بيداغوجية ديداكتيكية تسعى إلى التعريف بالطرائق التربوية في تدريس الأمازيغية، أما المجلة الثانية فتهتم بالمجال الأمازيغي المعرفي والثقافي لتعريف القراء بالحمولة الثقافية والحضارية للغة الأمازيغية. ولابد من الإسراع لإصدار معجم لغوي أمازيغي معياري يحتوي على جميع المفردات، وحبذا لو كان هذا القاموس موسوعة أمازيغية كبيرة فيها جميع المواد المعرفية، ومفردات جميع لهجات الدول المغاربية الناطقة بالأمازيغية.

وإضافة إلى ماسبق، أقترح كذلك أن يعين مفتش متخصص في اللغة الأمازيغية إلى جانب أستاذ متمكن في المادة لكي تتحقق الجودة البيداغوجية الحقيقية في مدارسنا المغربية، و أن تدرس الأمازيغية في الجامعة المغربية بإحداث مسلك أو شعبة أو كرسي للغة الأمازيغية وآدابها وحضارتها، لكي يكون الإصلاح التربوي الجامعي إصلاحا عاما وشاملا ومتوازيا .

وأقترح في هذه الورقة المتواضعة مقررا نموذجيا لتدريس اللغة الأمازيغية في الجامعة المغربية على النحو التالي:

السنـــة الأولـــى من الإجازة:
اللغة الأمازيغية من منظور صواتي صوتي؛
النحو الأمازيغي؛
دروس عن كتابة تيفيناغ؛
تاريخ الأمازيغيين القديم؛
الحضارة الأمازيغية ؛
الشعر الأمازيغي القديم؛
الحكاية الشعبية الشفوية؛
المكتبة الأمازيغية؛
تدريس رواية " الحمار الذهبي " لأفولاي الأمازيغي؛
العروض الأمازيغي؛
السنة الثانية من الإجازة:
اللغة الأمازيغية من الناحية التركيبية؛
الحكاية الأمازيغية المدونة؛
النحو الأمازيغي؛
البلاغة الأمازيغية؛
تاريخ الأمازيغيين في العصر الوسيط؛
من أبطال المقاومة الأمازيغية؛
الشعر الأمازيغي الحديث؛
ذاكرة المسرح الأمازيغي؛
الرواية الأمازيغية؛
المكتبة الأمازيغية؛
الإجازة في اللغة الأمازيغية:
- اللغة الأمازيغية دلاليا وتداوليا؛

- الشعر الأمازيغي والمقاومة؛

- العروض الأمازيغي؛

- البلاغة الأمازيغية؛

- التاريخ الأمازيغي الحديث والمعاصر؛

- الشعر الأمازيغي الحديث والمعاصر؛

- المسرح الأمازيغي الحديث والمعاصر؛

- النقد الأدبي ومناهجه في تدريس الإبداع الأمازيغي،

- بحث الإجازة؛

- المكتبة الأمازيغية.

شهادة الماستر:
تدرس اللغة الأمازيغية في شكل تحليلات نصية تطبيقية، وفي شكل موضوعات و قضايا وظواهر أدبية وفنية وتاريخية واجتماعية ونفسية وقانونية وعلمية.

شهادة الدكتوراه:
ينجز الطالب أطروحته، تحت إشراف أستاذ متخصص في الأمازيغية، في ما درسه وتعمق فيه من ظواهر وقضايا وموضوعات إبان مرحلة الماستر أو إعداد الماجستير.

خاتمـــــة:

وفي الأخير، لن يتحقق نجاح تدريس الأمازيغية في المؤسسات التربوية المغربية إلا بعد دسترة اللغة الأمازيغية بصفة قانونية ورسمية، وأيضا إذا بذلنا مجهودات جبارة في جمع التراث الأمازيغي وتدوينه بسرعة ، وأعددنا الخطط والمناهج والخرائط المدرسية الكفيلة في مجال البيداغوجيا والديداكتيك للحصول على جودة تربوية أمازيغية كما وكيفا.

ولايمكن كذلك أن نقنع المدرسين والمفتشين بنجاعة اللغة الأمازيغية وقدرتها التواصلية التبليغية وقيمتها الحضارية إلا إذا أعطينا الأولوية للمقاربة المعرفية الثقافية في تدريس الأمازيغية قبل المقاربة اللغوية واللسانية.

ولا يمكن أيضا أن ينجح تدريس الأمازيغية إلا إذا أسندنا المادة للمدرسين الذين يتقنونها ، و كونا مفتشين متخصصين في المادة نفسها.

وينبغي للمسؤولين عن المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية أن ينزلوا إلى الميدان التربوي مع مسؤولي وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي ليعرفوا عن كثب معوقات تدريس اللغة الأمازيغية والمشاكل التي يتخبط فيها المدرسون والمفتشون على السواء ، وأن يكثروا من الورشات التكوينية والندوات الثقافية من أجل إعداد المدرسين والمشرفين إعدادا جيدا وتأهيلهم تأهيلا حسنا.






    رد مع اقتباس
قديم 2009-11-30, 13:32 رقم المشاركة : 10
admin
الإدارة الأولـــى
 
الصورة الرمزية admin

 

إحصائية العضو








admin غير متواجد حالياً


وسام الرتبة الأولى في مسابقة طاكسي المنتدى لشهر يو

افتراضي رد: مواضيع الدكتور جميل حمداوي


علوم وتربية : من أجــل ترقية تربـــوية جديــدة ( الترقية العلمية)
بواسطة د. جميل حمداوي في 18/09/2007 10:20:00 (99 القراء) مقالات أخرى لنفس الكاتب
من أجــل ترقية تربـــوية جديــدة ( الترقية العلمية)

الدكتور جميل حمداوي
[IMG]file:///C:/DOCUME%7E1/chnaiti/LOCALS%7E1/Temp/msohtml1/01/clip_image001.jpg[/IMG]
تمهــــيد:

من المعلوم أن الموظف في كل إدارة مهما كانت طبيعتها وخصائصها ومميزاتها لايمكن أن يتفانى في عمله ويقدم المزيد من الإنتاج والعطاء إذا لم يحفز ويشجع ماديا وماليا ومعنويا. ولايمكن أن تتحقق التنمية البشرية إلا بالاهتمام بالإنسان العامل الكادح وإعادة الاعتبار للموظف المجتهد الذي يؤدي واجبه وذلك بإجازته ماديا ومعنويا، والإشادة بعمله الذي يقدمه بإخلاص وإتقان، وتحفيزه على مواصلة نشاطه مع تعويضه ماليا بدون إبطاء ولا تماطل ولا تسويف.


ومن هنا، فكرت وزارة التربية الوطنية ووزارة الوظيفة العمومية في إحداث نظام للترقية من أجل مكافأة الموظف بصفة عامة ليواصل عمله واجتهاده من أجل إفادة المجتمع وخدمة الصالح العام. بيد أن هذه الترقية ليست دائما مؤشرا على الجودة والإخلاص في العمل وتحقيق الإنتاجية والمردودية وخاصة الترقية التي تسمى "الترقية بالأقدمية والاختيار". إذا، ماهي الترقية الحقيقية الفضلى لإنقاذ التعليم من المشاكل والأزمات التي يتخبط فيها؟

واقع الترقية في الميدان التربوي:
يمكن الحديث عن نوعين من الترقية في مجال التربية والتعليم، وهما: الترقية العادية والترقية الداخلية. فالترقية العادية هي الترقية من رتبة إلى أخرى داخل سلم معين، ومحك الترقي في هذا النوع من الترقية يعود إلى تقويم المفتش لعمل الأستاذ ومدى محافظته على الوثائق الرسمية وإعداد جذاذات المقرر أو المنهاج الدراسي وتفانيه في واجبه وإخلاصه في عمله وتقييم هندامه ومكانته الإشعاعية داخل المدرسة ، وتشخيص علاقته بزملائه المدرسين ورجال الإدارة.

أما الترقية الداخلية فتتمثل في الانتقال من سلم إلى آخر أو من درجة إلى أخرى. ويضم نظام الترقية الداخلية في التعليم المغربي إحدى عشر سلما بالإضافة إلى الدرجة الممتازة (خارج السلم).

ويحتوي كل سلم داخل جدول الترقية على عدد من الرتب والدرجات حسب كل سلك تعليمي معين( السلك الابتدائي، والسلك الإعدادي، والسلك الثانوي التأهيلي). وللتمثيل: يتوفر السلم 11 على درجتين: الدرجة الأولى والدرجة الممتازة، بينما السلم 10 يتوفر على ثلاث درجات: الدرجة الثانية والدرجة الأولى والدرجة الممتازة.

وإذا كان السلم 10 و11 يتوفران على 11 رتبة داخل جدول الترقية، فإن السلم 9 على العكس يحتوي على 10 رتب ، بينما لايضم خارج السلم سوى ست رتب أساسية.

وتتم الترقية في وزارة التربية الوطنية من سلم إلى آخر بواسطة الشهادة العلمية ( شهادة البكالوريا، وشهادة الدراسات العامة من الإجازة، وشهادة الإجازة، وشهادة الدراسات العليا المعمقة، وشهادة الدكتوراه) ، أو بواسطة الشهادة المهنية ( مركز تكوين المعلمين، والمركز التربوي الجهوي لأساتذة الإعدادي، والمدرسة العليا لأساتذة الثانوي التأهيلي، ومراكز التبريز...)، أو بواسطة الامتحانات المهنية السنوية أو عبر الأقدمية والاختيار حسب النسبة أو الگوطا التي تخصصها وزارة التربية الوطنية لهذه الترقية.

الترقية العلميـــة:
يمكن استساغة كل الترقيات التربوية وقبولها باستثناء الترقية بالأقدمية والترقية المهنية. فالترقية بالأقدمية لايقبلها العقل ولا المنطق، إذ كيف يمكن لمدرس لا يجتهد ولا يبحث ولا يعمل ولا يتفانى في عمله أن يرقى بالأقدمية والاختيار. إن هذا المعيار التقادمي يساعد المدرس - الذي يختار الإيقاع البطيء حلا للترقي والصعود إلى سلم ما- على التواكل والانتظار و قتل السنوات الكثيرة في ترقب الترقي الذي سيأتي ولا يأتي. كما يترتب عن هذا النوع من الترقي صفات مشينة وسلبية كالكسل والتهاون والتأخر في أداء الواجبات والعجز والفشل والانصراف عن البحث والقراءة والعزوف عن تتبع كل ماهو جديد. فكيف يعقل لمدرس يترقى بالأقدمية أن يرفع من مستوى التلاميذ ويعلي من ذكائهم إذا كان لايبحث عن معارف جديدة ومعلومات تفيد تلاميذه ؟! بل تراه يجتر كل سنة نفس الدروس والمواضيع التي تحويها المقررات الدراسية. وقد يتحول هذا المدرس مع الأيام إلى إنسان أمي وجاهل وشخص فارغ الذهن كصفحة بيضاء ؛ لأن المعارف والمعلومات تتطور بشكل سريع يصعب على المدرس الإحاطة بها و الإلمام بتلابيبها ، إذا كان لاينفتح على مستجدات التربية والعلوم والفنون والآداب ، أو يبحث بجدية في القضايا والظواهر التي تهم مجال اختصاصه.

ومن المعروف أن الأمية أنواع عدة، فهناك الأمية الأبجدية، والأمية الوظيفية، والأمية الإعلامية الرقمية. وإذا كان المدرس قد وجد حلا لأميته الأبجدية، فإنه مازال في المغرب يعاني من الأمية الوظيفية والأمية الإعلامية.

أما الترقية عن طريق الامتحانات المهنية فتتسم بالغش وانعدام المصداقية وتضييع الكثير من أموال الدولة وأوقات التلاميذ في إجراء هذه الامتحانات الشكلية التي لاتعبر عن حقيقة المدرس ومستواه المعرفي والعلمي. لذا، يجب إلغاؤها واستبدالها بالترقية العلمية. فما مفهوم هذه الترقية الجديدة ؟

الترقية العلمية:
نعني بالترقية العلمية صعود المدرس من سلم إلى آخر عن طريق الحصول على الشهادة العلمية أو اجتياز مباراة علمية بنجاح.

وإذا كانت الترقية بالشهادة العلمية مقبولة منطقيا عند عامة الناس، فإن الترقية بالمباراة تحتاج إلى توضيح وبيان.

وعليه، فالمباراة العلمية تستوجب إلغاء الامتحانات المهنية واستبدالها بترقية تستلزم من المدرس الذي يريد أن يترقى أن يعد بحثا علميا وصفيا أو تجريبيا تحت إشراف مفتش أو أستاذ مبرز أو أستاذ دكتور، ويستحسن أن يكون المشرف على البحث حاصلا على شهادة جامعية عليا لكي تتحقق الثمار المرجوة من البحث. وبالتالي، يعد المدرس بحثه في سنة أو سنتين أو ثلاث سنوات حسب طبيعة مدة الترقية الداخلية التي تلائمه. ويشترط أن يكون البحث الذي يعده بحثا جادا ووظيفيا يخدم مجال اختصاصه المهني أو العلمي يعتمد فيه على المصادر والمراجع والمقالات الصحفية والمواقع الرقمية باللغة العربية واللغات الأجنبية، أو يكون بحثا ميدانيا أو تطبيقيا أو إحصائيا.

وهنا نكون قد دفعنا المدرس للبحث وشراء الكتب والصحف والتعامل مع المواقع الرقمية الإلكترونية، وشجعنا الاقتصاد الوطني، وفعلنا عملية القراءة والكتابة والبحث والاطلاع بين أطر التعليم ورجال الإدارة. و يفترض أن تكون البحوث المنجزة بحجم محدد و مقنن، مطبوعة على الحاسوب بشكل جيد.

وبعد إنجاز البحث من قبل المدرس وقبوله من طرف المشرف للمناقشة بعد تقويمه وتصحيحه، تعد الوزارة أو النيابة التربوية التابعة لها لجنة تتكون من خمس مفتشين أو مبرزين أو دكاترة أو يختلط فيها كل هؤلاء الأعضاء تحت رئاسة واحد من هؤلاء له مكانة علمية وأدبية مشرفة.

وبعد مناقشة البحث المقدم من المدرس يجازى بشهادة السلم ويكافأ رمزيا لتتم بعد ذلك ترقيته ماديا إلى السلم المرغوب فيه. وتعد كل نقطة أقل من 10/20 موجبة للرسوب. ولكن يسمح للراسب أن ينجز بحثا آخر وفي موضوع آخر في فترة زمنية أخرى تقررها النيابة الوصية.

وما ينبغي التنبيه إليه أن على الوزارة المعنية بالترقية تنفيذ تعهداتها بدون تماطل ولا تسويف ولا تأخر في دفع تعويضات الموظف الناجح. وعلى اللجنة العلمية التي تختارها الإدارة التربوية كذلك أن تكون نزيهة مخلصة في واجباتها تخاف الله وتتقيه، وألا تنساق مع الإغراءات المادية وتستسلم للضغوطات وروابط الصداقة والقرابة وتدخلات الأطراف الواعدة أو المانحة.

خاتمـــة:

يتبين لنا مما سبق أن الترقية من أهم الأنظمة الإدارية لتقويم عمل المدرس ومكافأته على العمل الذي يقوم به من أجل الصالح العام، وينبغي أن يستفيد المدرس من هذه الترقية قبل أن يجف عرقه، أي لا ينبغي أن ينتظر المدرس ترقيته شهورا كثيرة وسنوات عدة حتى ييأس ويفقد الأمل وتنعدم ثقته في الوزارة بصفة خاصة والدولة بصفة عامة؛ لأن هذا سيؤثر سلبا على عمله ونفسيته ومردوديته داخل الفصل الدراسي. إذاً، علينا أن نكون عمليين في التعامل مع الموارد البشرية، وأن نحس بالأستاذ أو المدرس ونراعي ظروفه المادية والمالية ووضعيته الاعتبارية.

وقد آثرنا الترقية العلمية على حساب الترقية بالأقدمية والترقية المهنية لما لهما من سلبيات مؤثرة على سمعة القطاع التربوي وشرفه، لذا فضلنا أن تكون الترقية استعجالية في آثارها المادية والمعنوية، وأن تكون بواسطة الشواهد والمباريات العلمية التي يعتمد فيها البحث العلمي محكا للتقويم والتقييم والانتقاء والترقي.






    رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ببليوغرافية،مســــرح، الطفل، بالمغرب، الدكتور، جميل ،حمداوي


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are معطلة


مــــواقـــع صـــديــقــة مــــواقـــع مـــهــــمــــة خـــدمـــــات مـــهـــمـــة
إديــكـبـريــس تربويات
منتديات نوادي صحيفة الشرق التربوي
منتديات ملتقى الأجيال منتديات كاري كوم
مجلة المدرس شبكة مدارس المغرب
كراسات تربوية منتديات دفاتر حرة
وزارة التربية الوطنية مصلحة الموارد البشرية
المجلس الأعلى للتعليم الأقسام التحضيرية للمدارس العليا
مؤسسة محمد السادس لأسرة التعليم التضامن الجامعي المغربي
الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي التعاضدية العامة للتربية الوطنية
اطلع على وضعيتك الإدارية
احسب راتبك الشهري
احسب راتبك التقاعدي
وضعية ملفاتك لدى CNOPS
اطلع على نتائج الحركة الإنتقالية

منتديات الأستاذ

الساعة الآن 04:38 لوحة المفاتيح العربية Profvb en Alexa Profvb en Twitter Profvb en FaceBook xhtml validator css validator

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML
جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd