2012-05-24, 18:27
|
رقم المشاركة : 7 |
إحصائية
العضو | | | رد: القول بفناء النار كفر | الأدلة على بقاء النار وبطلان القول بفنائها: 1- كثرة الآيات القرآنية الكريمة التي تثبت صراحة خلود النار أو خلود أهلها فيها، والتي تبلغ (37) آية من القرآن الكريم؛ كقوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا} [الأحزاب: 65]، وقوله تعالى: {وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} [الجن: 23]. وهذا بخلاف الآيات التي في معنى الخلود أو تفيده كقوله تعالى {فلا يخفف عنهم العذاب} وغيرها من الآيات الكريمة كثير في هذا المعنى جدا، كما أن الآيات الدالة على خلود أهل الجنة بلغت نحو أربعين آية. وهذا الحد البالغ من الكثرة من الآيات المثبتة لبقاء النار وخلود أهلها فيها – كما يقول شيخ الإسلام التقي السبكي – ((يمنع من احتمال التأويل، ويوجب القطع بذلك، كما أن الآيات الدالة على البعث الجسماني لكثرتها يمتنع تأويلها، ومن أولها حكمنا بكفره بمقتضى العلم جملة، وإن كنت لا أطلق لساني بتكفير أحد معين...))(8). 2- كثرة الأحاديث الصحيحة المصرحة ببقاء النار ودوامها، ودوام الكفار فيها؛ كحديث أنس الذي روي في شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه قال صلى الله عليه وسلم: "فَأُخْرِجُهُمْ مِنَ النَّارِ فَأُدْخِلُهُمْ الجَنَّةَ فَمَا يَبْقَى فِي النَّارِ إِلا مَنْ حَبَسَهُ القُرْآنُ"، وكان قتادة يقول عند هذا "أَي: وَجَبَ عَلَيْهِ الخُلُودُ"(9)، وما رواه ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يُدْخِلُ اللهُ أهْلَ الجَنَّةِ الجَنَّةَ وَيُدْخِلُ أهْلَ النَّارِ النَّارَ ثُمَّ يَقُومُ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ فَيَقُولُ: يَا أهْلَ الجَنَّةِ لا مَوْتَ وَيَا أهْلَ النَّارِ لا مَوْتَ كُلٌّ خَالِدٌ فِيمَا هُوَ فِيهِ"(10). قال القرطبي: "وفي هذه الأحاديث التصريح بأن خلود أهل النار فيها لا إلى غاية أمد, وإقامتهم فيها على الدوام بلا موت ولا حياة نافعة ولا راحة, كما قال تعالى: {لا يُقْضَى عَلَيهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا} [فاطر: 36]، وقال تعالى: {كُلَّمَا أرَادُوا أنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا} [السجدة: 20]، قال: فمَنْ زَعَمَ أنهم يخرجون منها، وأنها تبقى خالية، أو أنها تفنَى وتزول فهو خارج عن مقتضى ما جاء به الرسولُ وأجمع عليه أهلُ السنة"(11). 3- نقل غير واحد من العلماء الإجماع على بقاء النار كابن حزم(12)، وابن تيمية نفسه في بعض كتبه(13)، والتقي السبكي(14)، والسعد التفتازاني(15)، والحافظ ابن حجر(16)، والسفاريني الحنبلي(17)، وغيرهم. 4- استدل القائلون بفناء النار ببعض أحاديث مرفوعة وآثار موقوفة، وعزوا إلى من رويت عنهم القول بفناء النار، مع كون هذه الآثار ليست بصريحة فيما نسبوه إليهم من القول بفنائها بل لا دلالة في بعضها على فناء النار الذي هو محل النزاع بوجه من الوجوه كما يقول الصنعاني، فالآثار الواردة في فناء النار عن بعض الصحابة، يتعين – كما يقول الشيخ الشنقيطي(18) - حملها على الطبقة التي كانت فيها عصاة المسلمين كما جزم به البغوي في تفسيره؛ لأنه يحصل به الجمع بين الأدلة، وإعمال الدليلين أولى من إلغاء أحدهما، وقد أطبق العلماء على وجوب الجمع إذا أمكن، أما ما نقل عن كثير من العلماء من الصحابة ومن بعدهم من أن النار تفنى وينقطع العذاب عن أهلها، فالآيات القرآنية تقتضي عدم صحته. فأهل السنة قد حملوا هذه الآثار على خروج الموحدين من النار، قال البغوي: "معناه عند أهل السنة - إن ثبت - ألا يبقى فيها أحدٌ من أهل الإيمان، وأما مواضع الكفار فممتلئة أبدًا". 5- وخلاصة القول في الإجابة عن الآثار التي وردت عن الصحابة هو ما قاله الشيخ الصنعاني بعد أن أوردها جميعا وناقش وجه الدلالة فيها، وبين المراد الصحيح منها، ثم قال: ((وبهذا تعرف أنه لا يصح نسبة القول بفناء النار وذهابها إلى ابن مسعود وأبي هريرة كما نسب هذا القول الذي نقل عنهما إلى عمر، بل هو الدليل على بقاء النار بعد خروج من يخرج منها من أهل التوحيد، فكيف يقول شيخ الإسلام في صدر المسألة إن القول بفناء النار نقل عن ابن مسعود وأبي هريرة وإنما مستنده في نسبة ذلك إليهما هذان الأثران اللذان هما بمراحل عن الدلالة على فناء النار وذهابها بعد صحتهما، فعرفت بطلان نسبة هذا القول إلى ابن مسعود وأبي هريرة كما عرفت بطلان نسبته إلى عمر... وبعد تحقيقك لما أسلفناه وإحاطتك علما بما سقناه تعلم أن هؤلاء الأربعة من الصحابة الذين هم عمر وابن مسعود وأبو هريرة وأبو سعيد الذين عين شيخ الإسلام أسماءهم من الصحابة في صدر المسألة وذكر أنه نقل عنهم القول بفناء النار وذهابها وتلاشيها هم بريئون من هذا القول ومن نسبته فناء النار إليهم براءة الذئب من دم ابن يعقوب، واستدل لهم بما ادعاه منسوبا إليهم بما لا مساس له بالدعوى كما عرفت وحينئذ يعلم أنه ليس معه في دعواه فناء النار أحد من الصحابة الذين عَيَّنهم))(19). وقال شيخ الإسلام السبكي - محقا - : ((معاذ الله، وأنا أبرئ السلف من ذلك، ولا أعتقد أن أحدا منهم قاله، وإنما روى عن بعضه كلمات تُتَأَوَّلُ كما تُتَأَوَّلُ المشكلات التي ترد، وتحمل على غير ظاهرها، فكما أن الآيات والأحاديث يقع فيها ما يجب تأويله، كذلك كلام العلماء يقع فيه ما يجب تأوله، ومن جاء إلى كلمات ترد عن السلف في ترغيب أو ترهيب أو غير ذلك، فأخذ بظاهرها وأثبتها أقوالا ضل وأضل، وليس ذلك من دأب العلماء، ودأب العلماء التنقير عن معنى الكلام والمراد به، وما انتهى إلينا عن قائله، فإذا تحققنا أن ذلك مذهبه واعتقاده نسبناه إليه، وأما بدون ذلك فلا، ولاسيما في مثل هذه العقائد التي المسلمون مطبقون فيها على شيء كيف يعمد إلى خلاف ما هم عليه، ينسبه إلى جلة المسلمين، وقدوة المؤمنين، ويجعلها مسألة خلاف كمسألة في باب الوضوء، ما أبعد من صنع هذا عن العلم والهدى، وهذه بدعة من أنحس البدع وأقبحها أضل الله من قالها على علم))(20). 6- وفى ضوء ما تقدم من تحرير مذهب الإمام ابن تيمية فى المسألة ، وأنه قائل بدوام خلود عذاب الكفار ما دامت النار ، وأن ذلك لا يقتضى دوام النار فى نفسها ، واختياره أن كل الآيات الواردة إنما هو فى إثبات خلود عذابهم ، لا فى بقاء النار ، ويترتب على هذا أن ما استدل به الجمهور تفصيلا على بقاء النار ، يصير خارج محل النزاع على مذهب ابن تيمية ، لاتفاق الكل - الجمهور ومن خالفهم - على دوام عذاب الكفار وخلودهم فى النار ، ويصير محل النزاع هو : أن هذه الآيات لا يلزم منها بقاء النار على رأى ابن تيمية ، ويلزم منها بقائها عند الجمهور ، وهو الصواب لأن الشارع بَيَّنَ فى نحو قوله تعالى {وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} [الجن: 23] أن محل عذابهم فى جهنم ، وأن عذابهم دائم لا يفنى ، فيلزم من دوام العذاب دوام محله ، والقاعدة المقررة التى يتفق عليها الجميع بما فيهم الشيخ ابن تيمية نفسه أنه ((يلزم من وجود الملزوم وجود اللازم ، ومن نفى اللازم نفى الملزوم)) (21) ، وخبر المولى عز وجل لا يجوز تخلفه ، فيصير التلازم الشرعى الذى أخبر به المولى تعالى مثله مثل التلازم العقلى لا ينفك ، ولا يجوز تخلفه عن الحصول والوقوع ، فالأصل فى السمعيات – كما يقول الإمام البيضاوى والأصفهانى – أنها أمور ممكنة أخبر الصادق عن وقوعها فيكون حقا ، مفيدا للعلم بوجودها(22) . وأيضا فإن المعنى الذى استنبطه ابن تيمية من هذه النصوص ، وهو أنها تفيد دوام العذاب ولا تفيد دوام النار ، وجعلها قاصرة على هذا يكر على معناها المتفق عليه – وهو خلود الكافرين ودوام عذابهم – بالبطلان ، والقاعدة أنه ((يجوز أن يستنبط من النص معنى يزيد على ما دل عليه وهذا هو القياس المعروف ، ويجوز أن يستنبط منه معنى يساويه وهو العلة القاصرة ومعنى يخصصه ، ولا يجوز أن يستنبط منه معنى يكر على أصله بالبطلان))(23) ، وما استنبطه من قصر المعنى على ما ذهب إليه يؤدى إلى عدم دوام عذابهم وعدم خلوده فَكَرَّ بذلك على معنى الآيات بالبطلان ، فدل على فساد هذا الرأى . أدلة القائلين بأن للنار أمدًا تنتهي إليه، ثم يُفْنِيها الله تعالَى، والجواب عليها(24): أولا: أدلتهم من القرآن الكريم: وقد استدلوا بثلاث آيات: 1- قول الله تعالى في سورة الأنعام: {قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلا مَا شَاءَ اللهُ} [128]. 2- وقوله تعالى في سورة هود: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [106- 107]. والجواب على استدلالهم بهاتين الآيتين: أنه ليس المراد بالاستثناء في الآيتين الإخراج، وإنما هو استثناء معلَّق بالمشيئة، فكأن الله سبحانه وتعالى يقول: "خالدين فيها خلودًا أبديًّا إن شاء ربُّك ذلك"؛ إذ كل شيء خاضع لمشيئة الله وإرادته، وكان من الجائز العقلي في مشيئته ألا يعذبهم، ولو عذبهم لا يخلدهم. فالمقصود من هذا الاستثناء في الآيتين إرشاد العباد إلى وجوب تفويض الأمور إليه سبحانه، وكذلك إعلامهم بأن كل شيء خاضع لإرادته ومشيئته، فهو الفاعل المختار الذي لا يجب عليه شيء ولا حق لأحد عليه، فليس هناك أمر واجب عليه وإنما هو مقتضى مشيئته وإرادته عز وجل. وليس المراد من هذا الاستثناء وأمثاله نفي خلودهم في النار؛ فإنه قد أخبرنا سبحانه في كتابه بخلود الكافرين خلودًا أبديًّا في النار. والاستثناء المعلَّق بالمشيئة قد استعمله الله في القرآن للدلالة على الثبوت والاستمرار، كقوله تعالى: {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلا مَا شَاءَ اللهُ} [الأعراف: 188]، والنكتة من استعماله الاستثناء إنما هو لبيان أن هذه الأمور الثابتة الدائمة كانت كذلك بمشيئة الله تعالى لا بطبيعتها في نفسها، ولو شاء الله تعالى أن يغيِّرها لفَعَل(25). والمراد من قوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ} التأبيد ونفي الانقطاع على منهاج قول العرب "لا أفعل كذا ما لاح كوكب" أو "وما أضاء الفجر" أو "وما اختلف الليل والنهار" إلى غير ذلك من كلمات التأبيد عندهم، فإن العرب إذا أرادت أن تصف الشيء بالدوام أبدًا قالت: "هذا دائم دوام السموات والأرض"، فخاطبهم سبحانه وتعالى بما يتعارفون به بينهم، وليس المقصود منه تعليق قرارهم فيها بدوام هذه السموات والأرض، فإن النصوص القاطعة دالة على تأبيد قرارهم فيها. ويجوز أن يحمل قوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ} على التعليق، والمراد بالسموات والأرض سموات الآخرة وأرضها، وهي دائمة للأبد، والدليل على أن للآخرة سمواتٍ وأرضًا قوله سبحانه: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ والسَّمَاوَاتِ} [إبراهيم: 48]، وقوله سبحانه: {وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ} [الزمر: 74]؛ ولأنه لابُدَّ لأهل الآخرة مما يقلهم ويظلهم، إما سماء يخلقها الله تعالى أو يظلهم العرش، وكل ما أظلك فهو سماء(26). وليس في قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لـمَا يُرِيدُ} دلالة على شيء من دعواهم، وإنما المراد من الآية: أنه إن شاء غير ذلك فَعَلَه، وإن شاء ذلك فَعَلَه، فما شاء من الأفعال كان، وما لم يشأ لم يكن. وجاء سبحانه بصيغة المبالغة "فعَّال" للإِشارة إلى أنه سبحانه لا يعجزه فِعْلُ أي فِعْل من الأفعال بأي وجهٍ من الوجوه. - وأما ما روي عن بعض الصحابة والسلف(27) في قوله تعالى:{إلا مَا شَاءَ رَبُّكَ} بأن الاستثناء في الآية جاء على كل وعيد في القرآن أتى بلفظ {خَالِدِينَ فِيهَا}، فأُخْرِج من الخلود كل مَن شاء لهم اللهُ عز وجل عدم البقاء في النار. فجوابه ما قاله العلامة السبكي: "قلت: إنْ صحَّت هذه الآثار حُمِلت على العصاة؛ لأن القرآن لم يرد فيه خروج العصاة من النار صريحًا، إنما ورد في السنة بالشفاعة، فالمراد بهذه الآثار موافقة القرآن للسنة في ذلك، فإن السلف كانوا شديدي الخوف ولم يجدوا في القرآن خروجَ الموحدين من النار، وكانوا يخافون الخلود كما تقوله المعتزلة". 3- وقوله تعالى في سورة النبأ: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا} [23]. - قوله "الأحقاب" يدل على أنه لا خلود فيها؛ إذ الأبدي وهو ما لا نهاية له لا يُقَدَّر بزمان، ولا يقال فيه "هو باق أحقابًا"، وقد قيل: إن الحقب ثمانون سنة، والسنة ثلاثمائة وستون يوما، واليوم كألف سنة مما تعدون. فيرى ابن تيمية – على ما نقل عنه ابن القيم والصنعانى - أفاد مفهوم الأحقاب أنه لا خلود فيها إذ الأبدي لا يقدر بزمان وأما دلالتها على أن المخبر عنهم باللبث أحقابا هم الكفار فلقوله فيهم إنهم كانوا لا يرجون حسابا وكذبوا بآياتنا كذابا وهذه صفات الكفار(28). وقالوا إن المخبَر عنهم باللبث "أحقابا" هم الكفار بقوله تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَابًا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا} [النبأ: 27- 28]، وهذه صفات الكفار(29). - والجواب: إن قوله "لابثين فيها أحقابا" متعلِّق بما بعده وهو قوله تعالى: {لا يَذُوقُونَ فِيْهَا بَرْدًا وَلا شَرَابًا إِلا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا} [النبأ: 24- 25]، أي: لابثين فيها أحقابا في حال كونهم لا يذوقون فيها بردًا ولا شرابًا إلا حميمًا وغساقًا، فإذا انقضت تلك الأحقابُ عذِّبوا بأنواع أخَر من أنواع العذاب غير الحميم والغساق؛ ويدل لهذا تصريحه تعالى بأنهم يعذبون بأنواع أخر من أنواع العذاب غير الحميم والغساق في سورة ص: {هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ} [57- 58](30). - وقد نقل الإمام تقي الدين السبكي عن أكثر العلماء قولهم إن هذه الأحقاب لا تنقضي أبدًا، فأنه كلما مضى حقب جاء بعده حقب آخر(31). ويقول العلامة الطاهر بن عاشور: "فجاءت هذه الآية على المعروف الشائع في الكلام كناية به عن الدوام دون انتهاء، وليس فيه دلالة على أن لهذا اللبث نهايةً حتى يحتاج إلى دعوى نسخ ذلك بآيات الخلود وهو وَهْمٌ؛ لأن الأخبار لا تنسخ، أو يحتاج إلى جعل الآية لعصاة المؤمنين، فإن ذلك ليس من شأن القرآن المكي الأول؛ إذ قد كان المؤمنون أيامئذ صالحين مخلصين مجدين في أعمالهم"(32). وأجاب الصنعانى على كلام ابن تيمية السابق بقوله: ((والعجب من استدلاله بصدر الآية، وذهوله عما عقب به من قوله {فلن نزيدكم إلا عذابا}، فإن المراد لن نزيدكم بعد لبثكم أحقابا إلا عذابا، ضرورة أنهم معذبون حين لبثهم فيها أحقابا لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا إلا حميما وغساقا، فزيادة العذاب بعد الأحقاب بل خص تعالى الزيادة على العذاب، وأنه تعالى لا يزيدهم بعد لبث الأحقاب إلا عذابا، فانتفى مفهوم العذاب الذي أفاده الجمع الذي جعله ابن تيمية دليلا على فناء النار وعدم أبديتها، مع أنه استدلال بمفهوم العدد وهو من أضعف المفاهيم على هذه المسألة المعظَّمة الذى لا يعتمد عليه محقق، وكيف يُجْعَلُ أقوى من التأبيد المصرح به في عدة آيات من آيات وعيد أهل النار، فلو عارض مفهوم العدد منطوق التأبيد لكان الحكم للمنطوق اتفاقا))(33). | |
| |