2015-02-12, 15:10
|
رقم المشاركة : 18 |
إحصائية
العضو | | | رد: ملف كامل عن علم المناعة :جهاز المناعة في جسم الإنسان | كيف يتنامى الجهاز المناعي؟ تحدد إشارات وراثية وبيئية مصير الخلايا المناعية أثناء تمايزها إلى عدد كبير من السلالات الوظيفية التي تتعرف المستضدات الغريبة وتقاوم الغزاة. <L.I.وايزمان> ـ <D.M.كوپر> تتأهب الخلية البائية لمغادرة مكان إنتاجها في نقي العظم ودخول الوعاء الدموي. وتنضج الخلايا المناعية في التوتة ونقي العظم، لتجوب بعدها في الجسم والأعضاء اللمفانية كالطحال والعقد اللمفية. هذه المنظومة الكبيرة المدهشة من الخلايا ذات التآثر (التفاعل) البارع deftly interacting cells ـ والتي تحمي الجسم من الميكروبات (الأحياء المجهرية) والڤيروسات الغازية ـ تنحدر من عدد قليل من الخلايا الطليعية precursorcells، التي تبدأ في الظهور نحو الأسبوع التاسع من الإخصاب conception. ومنذ تلك اللحظة تبدأ الخلايا المناعية حلقة متكررة من التنامي المستمر. إن الخلايا الجذعية stem cells التي يعتمد عليها جهاز المناعة immunesystem، توالد نفسها لتعطي العديد من السلالات (الأنسال) lineages، مثل الخلايا البائية B cells والبلعميات macrophages والخلايا التائية القاتلة killer T cells والخلايا التائية المساعدة helper والخلايا التائية الالتهابية inflammatory، وغيرها. والخلايا المناعية ليست معزولة في حيز واحد، أو تنتظم على هيئة عضو واحد؛ فبدلا من ذلك، فإنها توجد على هيئة كيانات لها قدرة كامنة على الحركة، وغير مرتبطة بالخلايا الأخرى، وهذه الخاصية ليست حاسمة فقط لوظيفتها، وإنما هي هبة للباحثين، حيث يمكنهم عزل الخلايا المناعية بصورة نقية نسبيا، وفي مراحل تمايزها كافة. وهكذا يمكن للذين يجرون التجارب أن يحددوا خصائص الخلايا، ويبنوا «أشجار نسبها» أو سلالاتها. وتخدم المعلومات المستقاة بهذه الطريقة علماء البيولوجيا الذين يحاولون فهم الموضوع الرئيس المتمثل بكيفية تنامي الخلايا وتمايزها، تلك السيرورة (الحَدَث) التي تبدأ بالبيضة المُخْصَبَة وتبلغ ذروتها في كائنٍ حيٍّ بالغٍ شديدِ التعقيد. والأهم من ذلك على المدى القريب، هو أن هذه المعرفة تتيح احتمالات علاج الأمراض العديدة التي يمكن أن تنشأ إما عن فشل خلايا المناعة في أن تتنامى تناميًّا سويًّا في الجنين، أو عن انحرافها عن طراز النمو الخاص بها لاحقًا في أثناء الحياة. يكاد الفهم الحالي لكيفية تنامي المكونات المتنوعة للجهاز المناعي يتناقص كليًّا تقريبًا مع معتقدات الباحثين قبل ثلاثة عقود فقط. فنحن نعلم اليوم بأن جميع الخلايا المناعية تنشأ عن عدد محدود من الخلايا السليفةprogenitor في نقي (نخاع) العظم والتوتة thymus. لقد اعتقد العلماء في فترة ما قبل الستينات، بأن الخلايا المناعية المختلفة التي يتطلبها حدوث الاستجابة المناعية إنما تُنتَج موضعيًّا في الأعضاء اللمفانية lymphoid organs: مثل الطحال spleen، والزائدة appendix، والعقد اللمفية lymph nodes المنتشرة في مختلف أنحاء الجسم. وقد أخذ هذا الاعتقاد يتغير بتأثير التجارب المجراة على الحيوانات، والملاحظات السريرية حول الخلل الوظيفي dysfunction في الجهاز المناعي. ولربما كان إلقاء القنبلتين الذريتين على هيروشيما وناگازاكي، واحدا من أقدم الأحداث المحورية التي أدت إلى تشكل النظريات الحديثة حول أصل خلايا المناعة. فقد مات في الأيام 10 إلى 15 التي تلت الانفجارين، الكثير ممن تعرضوا للإشعاعات، بسبب النزف الداخلي internal bleeding أو الخَمَج(1)infection. إن التجارب التي أجريت على الحيوانات لاستكشاف ما حصل لهؤلاء المصابين، أظهرت أن تشعيع irradiation كامل الجسم يقتل الخلايا المولدة للذراري في الأعضاء المشكلة للدم وفي الأعضاء اللمفانية. ومن دون الخلايا المسؤولة عن تجلط الدم clotting أو عن مقاومة الغزاة يموت الجسم. وقد وجد الباحثون أنه يمكن معالجة متلازمة الإشعاع radiation syndrome بحقن كمية صغيرة من خلايا نقي العظم المأخوذة من مانحٍ (متبرع) مثيل وراثيًّا genetically identical donor. ودلت التجارب اللاحقة على أن الدم بأكمله وكذلك جهاز المناعة لدى الفئران التي شُفيت من الإشعاع، إنما اشتقا من خلايا المانحين. ويمكن لجزء من نقي العظم الذي أعيد بناؤه في هذه الفئران المعالَجة بالإشعاع، أن تُنقذ بدورها فئرانا أخرى تعرضت للإشعاع. وكان من الواضح أن نقي العظم يحتوي على خلايا قادرة في آن واحد على التمايز إلى السلالات المختلفة لخلايا الدم، وعلى استيلاد نفسها. لقد اكتشف علماء المناعة في وقت مبكر جدا، أن بعض خلايا نقي العظم قادرة على إعطاء نتاجات progeny ذات أنماط خلوية متنوعة ـ إنما ليس بالضرورة الأنماط كلها. ويمكن تعريف هذه الخلايا الآباء بخصائصها الفردية، وكذلك بسمات سلالاتها (تسمى الخلايا كلها المتحدرة عن خلية طليعية واحدة بالنسيلة clone). ويستطيع الباحثون إنماء خلايا تنتمي لنسائل متنوعة في مزارع للحصول، في كل مرحلة من مراحل التمايز، على عدد من الخلايا كافٍ للتحليل. وفي عام 1961 اكتشف كل من <A.E.ماك كالوش> و <E.J.تيل> (من معهد أونتاريو للسرطان في تورنتو) دليلا على أن خلية واحدة من النوع المناسب تستطيع ـ نظريا ـ إعادة بناء الجملة الدموية بأكملها. إذ قاما بحقن خلايا نقي (نخاع) العظم في فئران مشعَّعة، ولاحظا ظهور انتفاخات متعددة على طحال الكثير من هذه الفئران. لقد احتوى كل من هذه الانتفاخات على عدد من الأنماط الخلوية المتميزة، وأثبت هذان الباحثان وزملاؤهما أن الخلايا كلها الموجودة في انتفاخ معين تحدرت من سليفة progenitor واحدة. واقترحا وجود مجموعة من خلايا نادرة نسبيا ـ الخلايا الجذعية المكونة للدم hematopoietic ـ تستطيع أن تتوالد، وبوسعها أيضا أن تولد أنماط خلايا الدم الأخرى كافة. وتلا اكتشاف الدور الحاسم لخلايا نقي العظم اكتشافٌ لا يقل عنه أهمية، ألا وهو دور التوتة. حيث عَرَّض استئصال هذه الغدة عند الفئران الوليدة تنامي الخلايا اللمفاوية lymphocytes للخطر في أنحاء الجسم كافة [الخلايا اللمفاوية هي خلايا دم بيض، تهاجم البكتيريا (الجراثيم) وغيرها من المواد الغريبة]. كما عانت الفئران ـ التي أزيلت منها التوتة ـ عوزًا مناعيا وخيمًا استمر طوال حياتها. وفي مجموعة تجارب أخرى مهمة، قام الباحثون باستئصال عضو لمفاني يدعى جراب فابريشيوس bursa ofFabricius من الدجاج (يقوم الجراب في الدجاج بالدور نفسه الذي يقوم به نقي العظم في الإنسان)، إلا أن اللمفاويات المتأثرة هذه المرة كانت من سلالة مغايرة لتلك التي تأثرت باستئصال التوتة، فقد توقف هنا إنتاج الخلايا اللمفاوية التي تنضج لتصبح خلايا پَلْزَمِيّة (پلزميات) plasma cells تنتج الأضداد؛ ونتيجة لذلك فقد أظهر هذا الدجاج المعالج نمطا مختلفا من العوز المناعي. وقدمت الملاحظاتُ السريرية الدلائلَ التكميلية على وجود نوعين متميزين من السلالات اللمفانية، ففي بعض الأطفال نمت التوتة نموًّا سويًّا، في حين كان هناك خلل وظيفي في نقي العظم. ومع أنه كانت هناك خلايا لمفاوية في النسج المحيطية peripheral tissues لهؤلاء الأطفال، غير أنهم كانوا يعانون عوزًا ولاديا في الخلايا الپلزمية. وعلى النقيض من ذلك، فإن الأطفال المولودين من دون توتة، ولكن لديهم نقي عظمٍ سوي، أنتجوا خلايا پلزمية على الرغم من أن عدد الخلايا اللمفاوية كان ضئيلا. كما كشفت الدراسات على الخباثات اللمفانية lymphoid maligancies عن طراز التنامي نفسه. فقد وُجد أن الكثير من الأورام اللمفانية في الفئران يبدأ نشأته في التوتة، وأن استئصال التوتة باكرا يمنع نشوء الأورام اللمفية في أي مكان آخر. وفي الوقت نفسه أدى استئصال جراب فابريشيوس عند الدجاج إلى شفاء نوع آخر من الأورام اللمفية. وعلى ما يبدو فإن لكل من هذين العضوين اللمفانيين وظائف أساسية متميزة، فكل واحد منهما مسؤول عن صنف مختلف من الخلايا المناعية. تبدأ سلالات الخلايا المناعية وخلايا الدم جميعها من الخلية الجذعية. إن الخلايا الجذعية التي تتمايز لتعطي خلايا بائية تقطن في نقي العظم. أما تلك التي تنتج الخلايا التائية فتقطن في التوتة. وبحلول أواخر الستينات صار من الجلي أن الخلايا الجذعية تنتج مجموعتين رئيستين من سلالات اللمفاويات (إضافة إلى خلايا الدم الأخرى). تتكون المجموعة الأولى من الخلايا البائية، وهي تنشأ في نقي العظم وتنتج الأضداد التي تترابط بالبروتينات الغريبة واسمة إياها كي تهاجمها خلايا أخرى. وتعمل البائيات ضد العوامل الممرضة الموجودة خارج الخلايا كالبكتيريا. أما المجموعة الثانية، أي الخلايا التائية، فتتمايز في التوتة وتتعامل مع العوامل الممرضة الموجودة داخل الخلايا كالڤيروسات، وذلك إضافة إلى الطفيليات داخل الخلايا كعصيات التدرن السلي tuberculosis. كما أن الخلايا التائية تفرز أيضا جزيئات تعرف باسم اللِّمفوكينات lymphokines التي توجّه فاعلية الخلايا البائية والخلايا التائية الأخرى، وكذلك فاعلية أقسام أخرى من جهاز المناعة. يهاجر كلا النوعين من اللمفاويات حال تشكله إلى الطحال والعقد اللمفية والنسج اللمفانية المعوية. ويمكنها هناك أن تصادف المستضد antigen، الذي هو الإشارات (الشارات) الجزيئية للبكتيريا والڤيروسات الغازية، وتستدعى للشروع في العمل. وتجول اللمفاويات باستمرار خلال أجهزة الجسم الوعائية واللمفية، لتتوقف توقفًا دوريًّا في الأعضاء اللمفانية أثناء قيامها بدوريات البحث عن المستضدات الغريبة. ومع أن وجود الخلايا الجذعية قد ثبت للمرة الأولى في عام 1961، فإن الباحثين لم يحرزوا إلا تقدما قليلا في تعرف أمثلة حقيقية من هذه الخلايا حتى بداية الثمانينات. ففي ذلك الزمن تمكن علماء البيولوجيا من استنباط مقايسات (فحوصات) نوعية للخلايا البائية والتائية والطليعات النِّقْيانِيّة myeloid precursors. فتمكنوا حينئذ من عزل خلايا نقي العظم لتحديد أي البروتينات السطحية موجودة وأيها غائبة على خلايا خاصة منسِّلة (مشكّلة للنسائل) clone-forming. وفي واحد من مختبراتنا (مختبر وايزمان)، وجد العلماء سليفات الخلايا البائية والتائية وغيرها من خلايا الدم في الفئران، وذلك في جزء ضئيل فقط من التعداد الكلي لخلايا نقي العظم، أي ما يعادل تقريبا خلية واحدة من بين كل 2000 خلية. وتبيّن لاحقا أن هذه الخلايا هي الخلايا الجذعية. يتبع | التوقيع | أيها المساء ...كم أنت هادئ | |
| |