الرئيسية | الصحيفة | خدمات الإستضافة | مركز الملفات | الحركة الانتقالية | قوانين المنتدى | أعلن لدينا | اتصل بنا |

أفراح بن جدي - 0528861033 voiture d'occasion au Maroc
educpress
للتوصل بجديد الموقع أدخل بريدك الإلكتروني ثم فعل اشتراكك من علبة رسائلك :

فعاليات صيف 2011 على منتديات الأستاذ : مسابقة استوقفتني آية | ورشة : نحو مفهوم أمثل للزواج

العودة   منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد > المنتديات الــــتــــربـــــويــــة الــــعــــــامــــة > منتدى المكتبة التربوية العامة > المواضيع التربوية


إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 2014-03-16, 16:10 رقم المشاركة : 51
خادم المنتدى
مدير التواصــل
 
الصورة الرمزية خادم المنتدى

 

إحصائية العضو








خادم المنتدى غير متواجد حالياً


وسام المشاركة السيرة 1438ه

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

العضو المميز لشهر فبراير

افتراضي رد: مقالات تربوية


كيف نطور مهارات التفكير عند التلاميذ ؟

لا أحد يجادل في الدور الحيوي الذي ينبغي أن تلعبه التربية في تزويد التلاميذ بالعدة اللازمة لمواجهة مستلزمات العصر و ربح الرهانات الكبرى التي يطرحها ، و لن تكون عناصر هذه العدة مقتصرة فقط على اكتساب المعرفة و مراكمتها و مواكبة ما يستجد فيها :، فالمعرفة وحدها أصبحت غير كافية، بل إن أهم عنصر من هذه العدة لن يكون سوى مهارات التفكير فبفضل هذه المهارات (المهارات الأساسية، استراتيجيات التفكير، المهارات الميتاذهنية يصبح التلاميذ قادرين على اكتساب و تقييم و إنتاج المعارف بنوع من الاستقلالية . لكن السؤال المطروح هو كيف الوصول إلى ذلك ؟ لكي يصل المدرس (ة) لهذا الهدف ، فان الوسائل لا تعوزه ، انها عديدة و بسيطة نسبيا و سهلة التطبيق يستطيع استعمالها في دروسه لاستدراج التلاميذ إلى تطوير مهاراتهم الفكرية .


سنحاول في هذه المقالة تقديم تركيب لمختلف الاستراتيجيات المقترحة في هذا المجال و التي هي عبارة عن خلاصة أشغال بحوث اهتمت بهذا الموضوع ، و سيكون المعيار الأساسي في اختيار استراتيجية أو استبعادها هو مدى إمكانية تطبيقها بسهولة في مختلف الدروس و من طرف أغلبية المدرسين و بأقل تكلفة ممكنة ، وبالتالي فإن الاستراتيجيات التي ستقدم في هذا الإطار هي بسيطة نسبيا و سهلة التنفيذ .

يجدر بنا منهجيا ، قبل إبراز هذه الاستراتيجيات الإجابة عن السؤالين التاليين :

1- لماذا يعتبر تعليم مهارات التفكيرللتلاميذ ضروريا؟

2- ماذا نقصد بمهارات التفكير؟


1 – لقد أصبح تعليم مهارات التفكير خلال العشر سنوات الأخيرة أحد أهم رهانات عالم التربية ، ففي مجتمع يتسم بوفرة و غزارة المعلومات ، و في إطار عصر تتغير و تتطور فيه المعارف و المعطيات بوثيرة سريعة جدا لم يعد ممكنا التغاضي عن بذل الجهد لكي يكتسب تلامذتنا مهارات تتعلق بالتفكير النقدي ، و بحل المشكلات ، و بتطوير نوع من الاستقلالية .

إن هذه المهارات ضرورية للمشاركة في الحياة الديموقراطية ، و مواجهة كل أشكال التضليل و التعتيم ومصادرة حرية الرأي و التعبير ، ونبذ كل مظاهر التطرف و اللاتسامح ، إنها تجعل التلميذ مواطنا مسؤولا يسهم في المجتمع التكنولوجي كعامل منتج ، كما أنها تؤدي إلى الاطمئنان النفسي للأفراد و تضمن لهم حظوظا كثيرة في النجاح . و بالرغم من كل هذا فإن التقارير و الأبحاث التي اشتغلت على المهارات الفكرية للتلاميذ في السنة النهائية من التعليم الثانوي بينت أنه من الممكن أن يتردد فرد ما على المدرسة لمدة 12 أو 13 سنة دون أن يحصل لديه أي تطور في كفايات التفكير .

هذه المهارات لا تتطور تلقائيا كنتاج ثانوي أو فرعي لاكتساب المعارف ، و لهذا يجدر بنا أن نبحث عن الكيفية او الكيفيات الملائمة و الجيدة لتنميتها والارتقاء بها عند التلميذ . لقد كان الاتجاه السائد هو اعتماد دروس يكون موضوعها الرئيس هو هذه المهارات ، إلا أننا نعتقد أن عملية امتلاك هذه المهارات يمكن أن تتم في إطار كل درس من المنهاج مهما كان مستوى المادة المدرسة والأسباب التالية تؤكد هذا الاعتقاد :

1- لكي يكون لمهارات التفكير معنى ينبغي أن تستمد و أن تطبق في علاقة مع مضمون هادف ، وبعبارة أخرى لا وجود لتفكير من مستوى عال إلا بوجود مضمون غني و معقد .

2- إن هذه المهارات لا تنتقل من مادة إلى أخرى إلا عندما يتيح التحكم فيها تطبيقا فعليا لها في مجالات أخرى ، و كمثال على ذلك فإن تعلم حل مشكلات رياضية لا يساعد بالضرورة على حل مشكلات في علم النفس أو في التنظيم الإداري .

5- إن التعلم هو إعادة صياغة أو مراجعة الشيمات Schèmes المعرفية للتلميذ وهو يتضمن مسلسلا لمعالجة المعلومة التي تتصل بمعارفه السابقة من جهة و بمهارات التفكير من جهة ثانية ، ووفق هذا المنظور فالمعرفة و التفكير لا يتعارضان و من تم وجب تدريسهما بطريقة تلازمية .

تصبح للمدرس ، بناء على هذا ، مسؤولية مزدوجة تتمثل في نقل المعرفة إلى التلاميذ وإكسابهم مجموعة من المهارات التي ستساعدهم على استعمال هذه المعارف بطريقة جيدة ومفيدة.

2- عندما نتحدث عن مهارات التفكير فان الأمر يتعلق بالعمليات التالية : الفهم ، التطبيق ، التقرير ، النقد ......إلخ . إن هذه العمليات يستعملها التلاميذ كلما تعاملوا مع مضمون معين (أحداث ، مفاهيم ،مبادئ ...) وهي مهارات ذهنية من مستوى عال ، أي أنها عمليات تتجاوز استذكار معلومات معينة أو تطبيقا آليا لبعض القواعد .

يتم التمييز عادة بين ثلاثة أنواع كبرى من المهارات :

- المهارات الأساسية

- استراتيجيات التفكير

- المهارات الميتا ذهنية habiletés métacognétives

تستخدم المهارات الاساسية في معالجة المعلومة من حيث : تركيبها أو تأويلها أو تطبيقها أو تحليلها أو تقديمها أو الاستدلال عليها ... إلخ.

أما استراتيجيات التفكير فهي تشكل القاعدة نفسها لعملية التفكير ، و هي مكونة من مجموعة من العمليات التي ينبغي أن تنجز عبر حصص و تتطلب قدرا كبيرا من التنسيق : كحل المشكلات أو اتخاذ قرار أو التفكير النقدي ... إلخ .

وتتيح المهارات الميتا ذهنية تدبير ومراقبة النوع الأول والثاني ، وتتضمن عمليات كالتخطيط والمراقبة وتقييم مسلسل التفكير .

نستخلص مما سبق أن تعليمنا ينبغي أن يكون مصاغا و مقدما بطريقة لا تشجع فقط على أن يتملك التلميذ المهارات الفكرية الأساسية و استراتيجيات التفكير ، بل و تشجع كذلك على تطوير المهارات الميتا ذهنية .

إن BEYER (1987) يرى أنه لابد من العمل على تنمية الاستعدادات و الاتجاهات التي تعتبر ركيزة لهذه المهارات و منها :

- تقبل الالتباس

- احترام الحقيقة و الحجج

- التشكك و الفضول

أما VIKERSON )1988( فيقترح تطوير بعض الاتجاهات كالنزاهة الفكرية ، و احترام الرأي المخالف والتفكير قبل بداية العمل ، و حب الاستطلاع .

- استراتيجيات تطوير مهارات التفكير :

ما هي إذن الاستراتيجيات البيداغوجية التي يمكن اتباعها في درس ما بغية تحفيز تطوير هذه المهاراتو الاستعدادات ؟

يمكن التمييز بصفة عامة بين استراتيجيتين كبيرتين هما :

6- الاستراتيجيات التي تشجع تطبيق مهارات التفكير .

7- الاستراتيجيات التي تشجع تعلم هذه المهارات بطريقة غير مباشرة .

تسعى المجموعة الأولى من الاستراتيجيات إلى خلق محيط بيداغوجي يدفع التلاميذ إلى التفكير و يهتم باستعمال المضمون أكثر مما يهتم باكتسابه .

أما المجموعة الثانية فهي تهدف إلى تعليم هذه المهارات بطريقة متلازمة مع تعلم المعارف و الاتجاهات التي ترتكز عليها

2- الاستراتيجيات التي تشجع تطبيق مهارات التفكير .


1.1- وثيرة عمل تتيح للتلاميذ فرصة التفكير

تتبنى هذه الاستراتيجيات وتيرة عمل من شأنها أن تتيح للتلاميذ الفرصة للتفكير. فإذا أردنا من المتعلمين أن يفكروا وأن يتساءلوا فعلينا أن نمنحهم الوقت الكافي لذلك ، وهذا يتطلب تقليصا في عدد المواد والمهام المطلوبة ، والاهتمام بالاستغلال الفعال و النشيط للمعارف المتعلمة. غالبا ما يتم التركيز على المضمون ، ويعتقد بعض المدرسين خاطئين بأن جودة درس ما مشروطة بكمية المواد التي يحتويها ، إلا أن الواقع يؤكد أنه كلما كان الدرس أو المنهاج مكتنزا ، كلما مال التلاميذ إلى حفظ المعلومات دون إمعان التفكير فيها، أو التساؤل حول طبيعة ما هم بصدد تعلمه .

1.2 - سيادة مناخ ملائم للتفكير

من جهة ثانية تقترح هذه الاستراتيجيات سيادة مناخ ملائم للتفكير داخل الفصل يسمح من خلال تثبيته و المحافظة عليه ، على مساعدة التلاميذ على التفكير و طرح الأسئلة ، و ليتحقق هذا لابد و أن يعبر كل تلميذ عن أفكاره دون خوف من الإهانة أو التحقير ، و أن يتم الاعتراف لكل فرد في جماعة الفصل بالحق في الخطأ .

في هذا الإطار يصبح القسم مختبرا تمارس فيه تمارين التفكير بأمان ، يساعد عليها السلوك المحفز الذي يصدر عن المدرس عندما يبدي اهتماما و احتراما لما يفكر فيه التلاميذ عندما يعطي قيمة واضحة لأعمال البحث التي ينجزونها ، ويدعم بكل الأشكال جميع التصرفات التي تسير في نفس المنحى .


1.3 - نوعية الأسئلة المطروحة

لقد سجل الكثير من الباحثين الأهمية التي تكتسبها نوعية الأسئلة المطروحة في القسم و التي يجب أن تكون مستفزة للتفكير و مثيرة للحكم النقدي أكثر مما تهدف إلى تذكر المعلومات أو التأكد من استيعاب المادة المدرسة .

إن أسئلة من المستوى العالي هي التي بإمكانها أن تدفع التلميذ إلى معالجة المعلومة التي سبق أن تعلمها من أجل خلق أو دعم جواب منطقي و متناسق. و لهذا و لكي تعطي قيمة أكبر لمهارات التفكير يتوجب ان تطرح أسئلة تشغل أنشطة ذهنية معقدة لدى التلاميذ ( المقارنة، التحليل، الاستنتاج، التنبؤ..الخ).

تستحق هذه الفكرة المتعلقة بالأسئلة اهتماما كبيرا ذلك أن الأبحاث التي اشتغلت على هذا الموضوع أبرزت أن النمط الغالب على أسئلة المدرسين هو التذكر و سرد الأحداث والوقائع في حين لا تشكل الأسئلة التي تساعد على التفكير سوى نسبة ضئيلة.

وإذا كان طرح أسئلة تساعد على التفكير و الحكم النقدي عاملا مهما في تنمية قدرات التفكير عند المتعلم فإن كيفية الأجوبة المقدمة إليهم من طرف المدرسين تبدو هي كذلك أساسية. لقد لاحظ أحد الباحثين بأن هذه الكيفية تشكل عاملا من عوامل المحيط التربوي التي تؤثر كثيرا على الارتقاء بالمهارات الفكرية، فكلما كانت أجوبة المدرس تشجع الإعداد الذهني كلما أدى ذلك إلى تنمية التفكير. لتحقيق هذا يستلزم منح التلاميذ الوقت الكافي لأن هناك علاقة بين المهلة المخصصة للإجابة والإعداد الذهني الذي ينكب عليه التلميذ.

إن أجوبة المدرس يجب أن تساعد على التفكير لا أن تكون بمثابة إقرار بسيط لجواب التلميذ لأن المدرس بذلك سيوقف مسلسل التفكير لديه.

يوصي بعض الباحثين في هذا المجال بالامتناع عن نقد ردود التلاميذ إيجابا أو سلبا، و بالإنصات إليهم و تقبل أفكارهم ومساعدتهم على مواصلة تفكيرهم بواسطة أسئلة توضيحية ، إن أجوبة المدرس يجب أن تستهدف تنمية عمليتي التحليل و التخصيص بحيث نطلب من المتعلم أن يعطي مثالا يفسر به أقواله، و أن يأتي بعناصر أخرى لإغناء جوابه الأول.


1.4 - إثارة النقاش و تبادل الآراء

إن فحصا للمناهج التي تروم تنمية المهارات و القدرات الفكرية يبين بأنها تؤكد على المشاركة والاستكشاف النشيطين للتلميذ، و تقترح مشاكل و تمارين تستهدف إثارة النقاش وتبادل الآراء. إن المناقشة حسب بعض الباحثين هي المقوم الأساسي لكل بيداغوجية تسعى إلى تنمية أساليب و مهارات التفكير عند التلاميذ.

فالتفاعل عبر المناقشة مع المدرس و مع الزملاء يشكل أداة قوية للنمو الذهني فهو يتيح استعمال عمليات فكرية متنوعة في مواجهة طرائق تفكير أخرى سواء تعلق الأمر بالشكل أو بالمضمون . هكذا سنفهم لماذا يوصى الباحثون في مجال التربية بتبني طرق بيداغوجية تحث على المناقشة و تستبعد العرض و الاستظهار . على المدرس إذن ، أن يفتتح درسه بأسئلة أو عرض مشاكل تؤدي إلى مناقشات و تبادلات للآراء داخل مجموعات كبيرة أو فرق عمل صغيرة .

ينبغي التمييز بين المناقشة كطريقة بيداغوجية و بين الاستظهار حيث يكون التفاعل متمركزا حول المدرس الذي يقوم بدور المراقب . فهو يطرح الأسئلة و يدعم أجوبة التلاميذ . إن المناقشة تتم عكس ذلك في إطار مجموعة يتداول فيها التلاميذ في مواضيع لم يسبق لهم أن تعرفوا عليها .


1.5 - التقييم

إن المهام المدرسية التي يقوم التلاميذ بإنجازها توجه تعلمهم بشكل مباشر ، إنها تحدد المعلومات التي سيتعلمونها ، كما أنها تحدد العمليات الذهنية التي سيستخدمونها في هذا التعلم : استذكار ، تركيب ، تحليل ، استدلال ... إلخ . و بما أنهم يميلون في الغالب إلى الاهتمام فقط بالأشياء التي يتم تقييمها ، يبدو ضروريا أن ينصب التقييم كذلك على مهارات التفكير .

يجب أن تكون الأعمال التي يطالب المتعلمون بإنجازها في إطار درس معين ، محفزة على التفكير و أن تؤدي إلى اللجوء إلى عمليات عقلية معقدة تدريجيا . و هو نفس ما يمكن أن يحصل في أسئلة الامتحانات إذ عليها أن تتجاوز المستوى البسيط للتذكر أو التعرف على المعلومات لتحث التلميذ على تطوير و مفصلة أفكاره .

3- الإستراتيجيات المساعدة على تعلم مهارات التفكير .

إن الاستراتيجيات التي سبق ذكرها تشكل وسائل أو شروطا من شأنها المساعدة على تطبيق المهارات الفكرية . و هي مع ذلك غير كافية بالنسبة للبعض الذي يرى أنه لابد من المرور إلى تعليم مباشر لهذه المهارات .

1-2 - التعليم المباشر :

يرى BEYER (1987) أنه يتوجب التدريس المباشر لهذه المهارات شأنها في ذلك شأن المعلومات والاتجاهات التي تدعمها ، و ما يمكن القيام به هو توزيعها إلى عناصر بسيطة و تعليمها للتلاميذ من خلال توفير مناسبات للتطبيق .

أما PERKINS (1987) فيقترح أن يتم تعليم التلاميذ تاكتيكات أو استراتيجيات تتيح توجيه و إسناد عمليات عقلية مختلفة ، وهو ما يسميه "إطارات للتفكير " هذه الإطارات هي في حقيقتها معلومات تسمح للشخص بتنظيم و بنينة آلياته الفكرية .

يمكن لإطارات التفكير هذه أن تشمل مواضيع و عمليات متنوعة : كيفية تلخيص نص ، كيفية نقد الأفكار الواردة فيه ، طريقة كتابة نص ، كيفية صياغة فرضية ... إلخ . فعلى المدرسين أن يحددوا ويصفوا بشكل جلي مختلف إطارات التفكير التي يمكنها أن تكون مفيدة و أن توفر للتلاميذ فرص وضعها موضع التطبيق في التمارين المختلفة . إن هذا الأمر قد تكون له محاسن أخرى على مستوى عملية التحويل (transfert) و هي صعوبة أساسية في تعليم مهارات التفكير .


2-2 - النمذجة

يؤكد العديد من الباحثين على أهمية التأثير الذي يمارسه المدرس باعتباره نموذجا ، فعن طريق سلوكاته يبرهن عن الكيفية التي تنجز بها مختلف العمليات الذهنية التي يرغب في تنميتها لدى المتعلمين ، كما يستطيع أن يدعم ذلك عبر الأمثلة الملموسة التي يقوم بها . في هذا الاتجاه يقترح في الغالب القيام بنوع معين من التفكير و هو التفكير بصوت مرتفع بحيث يعبر المدرس بالوصف الكلامي عن العمليات الفكرية التي هو بصدد إنجازها ويفسرها عندما تقتضي الضرورة ذلك . بهذه الوسيلة يتمكن التلاميذ من ملاحظة وفهم مختلف المراحل والعمليات المتدخلة في الاستدلال على حل مشكلة ما .

2-2 - التمركز حول الميتاذهنية

يؤكد COSTA (1981-1985) أن تطوير السلوك الذكي عند التلاميذ يرتبط تحقيقه بمدى ما تحققه الاستراتيجيات التربوية من تنمية للمهارات الميتاذهنية ، أي القدرة على تحديد ما يعرفه المتعلمون وما لا يعرفونه ن والقدرة على امتلاك مهارة تخطيط استراتيجيات لإنتاج المعلومة التي يحتاجونها والوعي الواضح بالاستراتيجيات والمراحل التي يستعملونها لحل المشاكل ، والقدرة على تقييم فعالية تفكيرهم .

إن تعليم التفكير هو في الحقيقة تعليم كيفية التفكير بطريقة واعية و مقصودة . و للوصول إلى هذا الهدف يتوجب على المدرسين إعادة مركزة تلاميذهم حول الآليات الفكرية التي يستعملونها كأن يساءلوهم مثلا عن المراحل التي يعتزمون قطعها من أجل تحقيق مهمة ما ، ودعوتهم للحديث عن الاستراتيجيات التي استعانوا بها لتجاوز مشكل معين و مطالبتهم بشرح طبيعة برهنتهم .


خلاصة :

ما يمكن استنتاجه مما سبق هو أن أغلبية الاستراتيجيات السالفة الذكر سهلة التطبيق داخل كل درس وفي كل المواد الملقنة . إنها مرتبطة ارتباطا وثيقا فيما بينها بحيث يصعب فصل بعضها عن البعض الآخر . إن الأمر يتعلق في الواقع عن "مقاربة متمحورة حول تطوير المهارات الفكرية"الشيء الذي يجعل من هذه الاستراتيجيات عبارة عن أبعاد متداخلة تحدد إجرائية هذه المقاربة .
الطاهر حنون *


* المدرسة العليا للأساتذة / المحمدية


10/20/2011 الاتحاد الاشتراكي - الملحق التربوي





    رد مع اقتباس
قديم 2014-03-16, 16:13 رقم المشاركة : 52
خادم المنتدى
مدير التواصــل
 
الصورة الرمزية خادم المنتدى

 

إحصائية العضو








خادم المنتدى غير متواجد حالياً


وسام المشاركة السيرة 1438ه

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

العضو المميز لشهر فبراير

افتراضي رد: مقالات تربوية


المدرسة المغربية وأوهام خطاب تكافؤ الفرص

كاتب المقالة: محمد الصدوقي


تاريخيا في زمن الأنوار والنهضة الأروبية،أُحدثت المدرسة العمومية من أجل دمقرطةالتربية والتعليم،حسب قيم ومبادئ المساواة وتكافؤ الفرص بين كافة المواطنينفي الولوج إلى الخدمات التعليمية العمومية،ومن اجل توحيد المجتمع حسب قيمواحدة ومشتركة(قيم الأنوار والنهضة).لكن ،مع مرور السنين، أصبحت بعض المجتمعات تتراجع عن المكتسبات الحقيقيةللنموذج الأصلي للمدرسة: مدرسة-الأنوار،وذلك في توحيد وتقدم الفردوالمجتمعات،مما جعل وظيفة المدرسة في المساواة والتوحيد وتكافؤ الفرص بينأبناء الوطن الواحد موضع تراجع وشك وتساؤل.فهل مجتمعنا(دولتنا) عبرالمدرسة المغربية،يوفر ويحقق مبدأ تكافؤ الفرص أمامكل أبناء المغاربة في الاستفادة من الخدمات التعليمية الجيدة والحديثة ومنالتأهيل الناجع للإندماج الإيجابي والمواطن في سلالم الرقي الاجتماعي؟زمن الاستعمار الفرنسي للمغرب،لاحظ»المسيو هاردي»(مدير التعليم الذي أقامتهالحماية الفرنسية بالمغرب) أن»سكان المغرب طوائف ثلاث:المسلمون واليهودوالأروبيون،ولكل طائفة ثقافتها الخاصة وتعليمها الخاص...بالنسبة للمغاربةالمسلمين يلاحظ انهم يشكلون ثلاث طبقات متمايزة:طبقة النخبة،وهي متعلمةمثقفة نسبيا وتتكون من رجال المخزن(جهاز الدولة) والعلماء وكبار التجاروالأعيان.وطبقة جماهير المدن الجاهلة و المحرومة،وطبقة جماهير الباديةالمنعزلة المبعثرة.وبعد تحليل وضعية هذه الطبقات،يقول:وهكذا نحن ملزمونبالفصل بين تعليم خاص بالنخبة الاجتماعية،وتعليم لعموم الشعب.الاول يفتح فيوجه أرستقراطية مثقفة في الجملة،...إن التعليم الذي سيقدم لأبناء هذهالنخبة الاجتماعية تعليم طبقي يهدف الى تكوينها تكوينا منظما في ميادينالإدارة والتجارة،وهي الميادين التي اختص بها الاعيان المغاربة.أما النوعالثاني ،وهو التعليم الخاص بالجماهير الفقيرة والجاهلة جهلا عميقا،فيتنوعبتنوع الوسط الاقتصادي،في المدن يوجه التعليم نحو المهن اليدوية...وإلىالحرف الخاصة بالفن الأهلي.أما في البادية فيوجه نحو الفلاحة...وأما فيالمدن الشاطئية فسيوجه نحو الصيد البحري والملاحة.أما عن المواد العامةالتي ستتخلل هذا التعليم الطبقي فهي اللغة الفرنسية التي بواسطتها»سنتمكنمن ربط تلامذتنا بفرنسا» «(محمد عابد الجابري،التعليم في المغرب العربي،دارالنشر المغربية،1989).من خلال ما سيق نرى أنه انطلاقا من اعتبارات طبقية وعرقية وعنصرية و مجاليةعرف المغرب في عهد الحماية أنواعا غير متكافئة من المدارس: المدارسالأوربية،المدارس اليهودية،والمدارس العصرية،والمدارس البربريةالفرنسية.هذا التمايز والتمييز بين المدارس(وأنواع التعليم المُقدمفيها)،مع الأسف الديمقراطي والمواطناتي،نجده يستمر في المغرب الحديثوالمعاصر(وإن كان بأشكال أخرى غير تلك التي خلقتها الفترة الاستعمارية)،حيثنجد:مدارس النخبة(مدارس البعثاث والتي يلتحق بها أبناء الأعيانوالأرستقراطية المغربية والمدارس العليا،والمدارس الخصوصية...)، المدارسالعمومية(مدارس الأحياء الشعبية،ومدارس الأحياء الراقية،ومدارس الوسطالقروي)؛بمعنى أن أطفال المغرب لا تُقدم لهم نفس الحظوظ التعليمية،ونفسالفرص التأهيلية للمواقع والأدوار المجتمعية على سلم الحراك والرقيالاجتماعييين.و عليه،ومنذ الاستقلال،ورغم رزمانة الإصلاحات الكثيرة للتعليمالمغربي،ما زال المغرب التربوي بعيدا(ولو بنسب مختلفة) عن تحقيق مبدأتكافؤ الفرص التعليمية بين أبنائه، سواء من خلال تحقيق المبادئ الأربعة (خصوصا مبادئ التوحيد،التعريب،التعميم)التي أقرتها «اللجنة الملكية لإصلاحالتعليم»منذ سنة 1957 ،و التي حاولت بواسطتها توحيد المغاربة عبرالمدرسة،أومن خلال تعليم جيد وحديث لكل المغاربة.فكيف ذلك؟
1-
التوحيد وتكافؤ الفرص: مبدأ توحيد التعليم يجب أن يعني أساسا إخضاع جميعأطفال المغاربة إلى تعليم موحد من حيث البرامج والمناهج والطرق والكتبوالظروف التربوية،ومن حيث مواصفات التلميذ/ة المغربي والمشروع المجتمعيالواحد الذي يُبنى ويُخطط على أساسه نظام التربية والتكوين.لكن هل واقعالمدرسة المغربية والسياسات التربوية المتعاقبة(منذ الاستقلال إلى الآن) عملت على تكريس مبدأ توحيد التعليم، لتكون كذلك الفرص متكافئة وموحدة أمامكل المغاربة ؟رصد الواقع العيني للمدرسة المغربية،وبعيدا عن الخطابات والسياساتالرسمية،يجعلنا أمام مدارس متعددة(وليس مدرسة مغربية واحدة)،من حيث البرامجوالمناهج والكتب ومواصفات التخرج:مدارس عمومية/مدارس خصوصية،مدارسعصرية/مدارس تقليدية دينية،مدارس التعليم العام/مدارس مهنية...إن طبيعةوخصوصية كل مدرسة من هذه المدارس تجعلنا أمام مواصفات تخرج مختلفة للأطفالالمتمدرسين،وتجعل فرص وحظوظ كل واحد في هذه المدارس مختلفة على سلم الرقيالاجتماعي والدراسي والتموقع الطبقي المجتمعي ،إذ أنها تعكس موضوعياخصوصيات وإمكانيات الانتماء الطبقي والاجتماعي والمجالي لهؤلاء الأطفالالمتمدرسين،وبالتالي تُحدد مسبقا مسارهم الدراسي،ومواقعهم وأدوارهم المهنيةوالطبقية المتمايزة في المجتمع.إن تعدد المدارس بالمغرب هو تعدد طبقينخبوي وايديولوجي ،وهو بذلك يضرب في العمق مبدأ تكافؤ الفرص والمساواة أمامكل المغاربة .
2-
التعريب وتكافؤ الفرص:هنا ندخل في صلب إشكالية السياسة اللغويةبالمغرب،ومشكلة لغات التعليم؛إن كان المغرب التعليمي بُعيد الاستقلال قدربح نسبيا رهان تعريب التعليم(خصوصا الابتدائي والثانوي) أمام إرادة تحكمالمستعمر الفرنسي في التعليم المغربي،إلا أن السياسات والإصلاحات التعليميةالمتعاقبة لم تستطع ان تحسم في مسألة الاختيارات اللغوية بكيفية موضوعيةوبيداغوجية،تراعي المصلحة الفضلى للمتعلمين والمصالح الحيويةللوطن.الاختيار اللغوي في التعليم يعكس في عمقه صراعا ومصالح سياسيةوإيديولوجية بالدرجة الأولى،داخلية وخارجية: الفرنكفونية/القوميةالعربية،العربوفونية/الامازيغية،الفرنكفونية/الانجلوساكسونية....هكذا تجدالمدرسة المغربية غارقة في واقع تعدد لغوي متضارب المرجعيات والقيموالايديولوجيات والمصالح:عربية،أمازيغية،فرنسية،إنجليزية...أغلب الموادالدراسية للتعليم الابتدائي والثانوي مُعربة(بالاضافة إلى المواد المستقلةلتعلم الأمازيغية والفرنسية والإنجليزية) وخاصة الرياضيات والموادالعلمية،وهنا تكمن المعضلة وضرب مبدأ تكفؤ الفرص أمام المغاربة،حيث فيالمرحلة الجامعية أغلب المواد العلمية مُفرنسة،مما يهدد نجاعة المسارالدراسي والمهني للمعربين.إنه لمن باب العبث وعدم المسؤلية الوطنية أنيستمر هذا التناقض والشرخ اللغوي بين التعليم الجامعي والأساسي،والذي يذهبضحيته خاصة أبناء الفقراء والطبقة الكادحة،أبناء المدرسة العمومية المعربةأساسا.والحل ليس هو فرنسة التعليم كما يدعو إلى ذلك المدافعون على المصالحالفرانكفونية في المغرب وتحت مبررات واهية ولا علمية؛الحل هو جعل اللغةالعربية لغة رسمية بالفعل،من خلال تعريب المحيط التداولي المغربي(الإداريوالإعلامي والإقتصادي والعلاقات العامة...) ،و تعريب كل أسلاك التعليموتعزيز تعلم اللغة الأجنبية الأكثر برغماتية وواقعية في عصرنا هذا:لغةالعلم و الاعلاميات والتواصل الاقتصادي والتجاري والعالمي الأكثرتداولا،ألا وهي اللغة الانجليزية وليس الفرنسية التي تفرضها نخبة قليلة( قدتكون تابعة أو مستقلة) على كل المغاربة.أما مسألة تعليم اللغة الامازيغية داخل مدارسنا،فالكل يعرف انها مسألةإرضاء او توافق ايديولوجيي وسياسي بالدرجة الأولى،أكثر مما هي ضرورةبيداغوجية وبرغماتية؛ورغم أن الكل يدعي او يدعو إلى قيم المواطنة والحداثةوالإنسية...إلا أن جل نخبنا(وخاصة الأمازيغية الضاغطة) لا زالت تقليدية فيبنياتها العقلية العميقة،ولازالت تحمل في لاوعيها النفسي والمعرفي مخلفاتالصراعات الإثنية والعنصرية القروسطية،ولم تستطع إحداث قطائع إبستيميةوتاريخية في تمثلاتها للذات والهوية ولمفهوم الصراع:الهوية ليست معطىميتافزيقي مطلق،الهوية هي معطى تاريخي نسبي؛تحدده وتصنع معاييره وخصوصياتهجماعة إنسانية ما في زمكان معين وفي نسق صراعي معين...وعليه،ونحن في القرنالواحد والعشرين،يجب أن نحدد هويتنا(أو على الأقل تجديدها) من خلال قيمالإنسية والمواطنة،وليس من خلال القيم اللغوية واللإثنية التقليدية؛ما يحددالجوهر الوجودي للفرد هو كينونته الإنسانية أساسا،وما يحدد جوهر الجماعةالآن(وليس كما في العصور الغابرة) ،هو كونها جماعة إنسانيةووطنية؛وعليه،فهويتنا الفردية والجماعية يجب أن تتحدد أساسا من خلال قيمالمواطنة والإنسية،وصراعنا المشترك كمواطنين(هنا والآن) هو صراع من أجلحقوق المواطنة والإنسان،ومن اجل الديمقراطية والعدل والكرامة والتوزيعالعادل لثروات البلاد ومحاربة التمييز الطبقي والمجالي ،ومن أجل التنميةوالتقدم والحداثة...إن تدريس اللغة الأمازيغية(المعيارية) في مدارسنا المغربية هو نوع من هدرالوقت والجهد والمال (أرجو ألا أُفهم خطأ أنني ضد الأمازيغية لأني أحترمهاوأفتخر بها كمغربي):اولا الامازيغية المُدرسة هي معيارية لا تساعد علىالتواصل الناجع مع اللغات الامازيغية الطبيعية،فمع من سيتواصل”أمازغيوالمدارس” بلغتهم المعيارية هذه؟وهل ستفيدهم هذه اللغة في مسارهم الدراسيوالمهني؟هل هي لغة العلم؟هل هي لغة الإعلاميات؟هل هي لغة التجارة والاقتصادوالتواصل الإقليمي والعالمي؟بل هل هي لغةالمحيط المغربي نفسه؟لنكن،صرحاء وموضوعيين،وبعيدا عن النفاق السياسي والديماغوجيةالإيديولوجية،نعم لتدرييس الثقافة والحضارة الامازيغية بمدارسنا،كإرثإنساني ووطني لتاريخنا المغربي المشترك،وذلك لمعرفتها والاعتزاز بها كمكونمن مكونات ذاتنا الثقافية،إما كلغة ،فيمكن تدريسها كتخصص في السلكالجامعي،وذلك لأهداف وظيفية وعملية(للبحث العلمي في اللغات والثقافةالامازيغية،أو من أجل الترجمة لضرورات عملية في الإدارات والقضاء...لمساعدةمن لا يتكلمون العربية او الدارجة العربية تواصليا).لكن يجب تدريس اللغاتالأمازيغية الطبيعية نفسها: تشلحيت ،تسوسيت،ترفيت لتكون لها وظيفية تواصليةواقعية وعلمية حقيقية.كذلك يجب القطع مع تدريس اللغة الفرنسية في مدارسنا المغربية،وذلك ليس فقطلأن تدريس اللغة الفرنسية هو تقليد استعماري وتبعي لازال قائما فيتعليمنا،يجب القطع معه نفسيا على الأقل(وقد كانت لهذه اللغة سابقا ادوارإيجابية لا تنكر في تحديث المجتمع المغربي،هذه حقيقة تاريخية)،بل لأنها لمتعد اللغة الوظيفية المناسبة في عصرنا هذا.إن تكافؤ الفرص اللغوي بين أبناء المغاربة،وبعيدا عن أي نزوعاتتعصبية،وباعتماد منطق براغماتي ووطني صرف،يقتضي توحيد لغة التعلم منالابتدائي إلى الجامعي،وذلك من خلال تعريب كل أسلاك التعليم،وتعلمالانجليزية كلغة عالمية تفرض نفسها كلغة للعلم والاعلامايات والتواصلوالاقتصاد...
3-
التعميم وتكافؤ الفرص:أظن أن التعليم المغربي حقق نتائج جد مهمة منذالاستقلال إلى الآن في تعميم التعليم بين أبناء المغرب من الجنسين، وتحقيقمبدأ تكافؤ الفرص في الولوج إلى الخدمات التعليمية.فحاليا،حسب ماصرحت بهوزارة التربية الوطنية مؤخرا في بلاغها الصحافي مع بداية الموسم الدراسيالحالي(2011/2012) وصل مؤشر التعميم بالابتدائي (6-11سنة)إلى97.50%وبالثانوي الإعدادي(12-14سنة) إلى 79.1%.هذه النتائجالكمية جد إيجابية .لكن هل تكافؤ الفرص هنا يكمن فقط في الولوج إلىالتعليم؟أظن أن الاهتمام الكمي فقط بتوسيع تكافؤ الفرص في الولوج إلى التعليم،دونالاهتمام بجودة وتحديث العرض والخدمات التربوية،يجعل مبدأ تكافؤ الفرص فيمهب الريح؛حيث نجد تدني وضعف الخدماتالتربوية(الإطعام،الإيواء،المنح،النقل،الصحة،الدعم الاجتماعي والنفسيوالبيداغوجي،ذوي الاحتياجات الخاصة)،تردي وعدم كفاية وتحديث جل البنياتوالتجهيزات التربوية،عدم كفاية وتأهيل الموارد البشرية، عدم جودة وفعاليةالطرق والبرامج والكتب المدرسية(طغيان الكم والتقليد على حساب الكيفوالتحديث)،ظروف مهنية غير سليمة(الاكتظاظ،الأقسام المشتركة،عدم الاستقراروالرضى المهني....).ورغم الميزانيات الضخمة التي خصصت للإصلاح التعليمي الأخير(الميثاقوالبرنامج الاستعجالي)،فإن نظامنا التعليمي مازال يعاني من مشاكله الهيكليةوالتاريخية(مما يتطلب إجراء افتحاص مسؤول حول مدى صدقية ونجاعة صرفميزانية التعليم في تحقيق الأهداف المسطرة في البرنامج الاستعجالي علىالأقل).وبعد ان حققنا أرقاما مهمة في مسألة التعميم الكمي لولوجالتعليم،فإننا لازلنا نراوح مكاننا في مسألة تعميم الجودة والتحديث علىمختلف مدارس المملكة،التي تعرف تدهورا وتمايزات في خدماتها وبنياتهاوتجهيزاتها التربوية،بين مدارس المجال الحضري والقروي،وبين مدارس الأحياءالراقية والشعبية،مخلفة وراءها ضحايا الهدر المدرسي،والفشل الدراسي،وتدنيالمستوى والنتائج...مما يجعل مبدأ تكافؤ الفرص موضع شك ومساءلة رغم مجهوداتالتعميم وصرف الميزانيات الضخمة.في الأخير، يمكن القول إن مسألة تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص بين أبناء المغاربةجميعا ليس مسألة تقنية وخطابية ليس إلا،إنها مسألة تتعلق بالتجسيد الواقعيوالعيني لمشروع مجتمع وإنسان مغربيين، يقوم على قيم حقوق الإنسان والمواطنة الموحدة،وقيم المساواة والعدل واحترام الكينونة الإنسانيةوالتعايش السلمي،وحق الجميع في المعرفة وكرامة العيش، حق الجميع في وطنواحد وموحد،وفي وطن نام ومتقدم ،يصنع خيراته الجميع،ويستفيد منها الجميععلى قدم المساواة،وبدون تمييزلغوي او إثني اوطبقي...ذلك هو الوطن والإنسانالذي نريد أن تصنعه وتبدعه لنا مدرستنا المغربية.هذه المدرسة التي نريدهاكذلك،مدرسة دينامية وحداثية،مدرسة صانعة للمستقبل،وليست مدرسة صانعة ومجترةللنسخ التقليدية للمعرفة والقيم والصراعات،مدرسة تنحاز للعلم وللإنسيةوالمواطنة أولا وأخيرا.
محمد الصدوقي
*باحث تربويالملحق التربوي - الاتحاد الاشتراكي





    رد مع اقتباس
قديم 2014-03-16, 16:17 رقم المشاركة : 53
خادم المنتدى
مدير التواصــل
 
الصورة الرمزية خادم المنتدى

 

إحصائية العضو








خادم المنتدى غير متواجد حالياً


وسام المشاركة السيرة 1438ه

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

العضو المميز لشهر فبراير

افتراضي رد: مقالات تربوية


الأنشطة التربوية المندمجة.. المفهوم والوظيفة


مـن الضروري أن نميّز في هذا الإطار بين مصطلحين يُستعمَلان في الحقل التربويعلى نحو متقارب، وقد يستعملان أحيانا بالمعنى نفسه: مفهوم الأنشطة المندمجةومفهوم الأنشطة الموازية.

يُعرّف معجم «علوم التربية» الأنشطة الموازية بكونها «تشمل الأنشطةالفنية والرياضية والثقافية والاستطلاعية التي يقوم بها التلاميذ على هامشالبرنامج الدراسي خارج المدرسةأو داخلها». فلفظة «هامش»، التي وردتفي التعريف أعلاه، تحيل على النظرة التي تمثلها الفاعلون التربويون إلىكل ماله علاقة بالأنشطة المُمارَسة خارج تلك المحددة في المنهاج الدراسي،إذ جرى تصور وظيفتها على أنها أنشطة لتزجية الوقت والتسلية وتفريغ الضغطالنفسي والجسدي الذي يُسبّبه البرنامج الدراسي. ورغم أهمية تلك الوظيفة،فإن هذا التصور لا يتضمن الأبعاد الوظيفية التي ينبغي أن تضطلع بها الأنشطةالمدرسية. وقد انتبه المُشرّع التربوي إلى قصور مثل هذا التصور واقترحمفهوم الأنشطة المندمجة، باعتباره بديلا يشمل في طيّاته تمثلا جديداووظيفيا لتلك الأنشطة.
وقد استُعمِل مفهوم الأنشطة المندمجة في دليل الحياة المدرسية، الصادر عنوزارة التربية الوطنية وتكوين الأطر والبحث العلمي في غشت 2008، وحُدِّدبوصفه «أنشطة تتكامل مع الأنشطة الفصلية بفضل مقاربة التدريس بالكفايات،تسعى إلى تحقيق أهداف المنهاج، وتعطي هامشا أكبرَ للمبادرات الفرديةوالجماعية التي تهتمّ أكثر بالواقع المحلي والجهوي»، فالأنشطة المندمجة،إذن، متمايزة عن مثيلتها الفصلية ومتكاملة معها، فإذا كانت الأخيرة تقع فيصلب المنهاج التربوي وتُنجَز بوساطة الكتب المدرسية المقررة وفي إطارالمجلس التعليمي، فإن الأنشطة المندمجة تساهم، من مستوى متوازِ وتحت إشرافالمجلس التربوي ومجلس التدبير، وفي تداخل تكاملي، في تحقيق الأهدافالمُسطَّرة ويمكن جرد أهم هذه الأهداف في ما يلي:

-التنمية الشمولية لشخصية المتعلم،

-العمل الجماعي التشاركي المشاركة الفعالة،

-تنويع طرائق التعلم ومتعة التعلم،

-التعلم الذاتي وبناء المعرفة،

-تفريق التعلمات (البيداغوجيا الفارقية)،

-الانطلاق من وضعية -مشكلة،

-تقويم التعلمات والانطلاق منها.

هذه بعض المرتكزات التي تقوم عليها الأنشطة الفصلية وتسعى الأنشطةالمندمجة إلى تكريسها أيضا، بالاستناد إلى تغيير الطرائق وتنويعها، ممايسمح بجانب مُهمّ من المرونة التي تكسر رتابة التفاعلات بين مكونات العمليةالتعليمية

-التعلمية وتدخلها في سيرورة من التشويق الفعال المرسخ لسلوك تربوي وديداكتيكي سليم.

وسواء تعلق الأمر بالأنشطة الفصلية أو المندمجة، فإنهما معا يندرجان ضمنتصور شمولي هو الحياة المدرسية، التي ترمي إلى جعل المدرسة صورة مُصغَّرةعن المجتمع، من خلال منظور إدماجي يضع المتعلم في وضعيات -مشكلة متنوعةتجعله مستعدا للمساهمة الفاعلة في الحياة ومحيطه الاجتماعي بشكل عام.

إذن، فالأنشطة المندمجة جزء من الحياة المدرسية، إذ هي إحدى آلياتها المهمةلمحاكاة الحياة المجتمعية ونسج علاقات معها واستحضارها في الممارسةالتربوية، وهي محاكاة ليست وظيفتها إعادة إنتاج الكائن من قيّم وسلوكاتمتواضع بشأنها، بل التأسيس لأخرى تتواءم مع الأهداف والمرامي والغاياتالكبرى التي تُحدّدها الجهات الوصيّة على القطاع، في ضوء ثوابت الأمةواستشرافاتها ومشاريعها المستقبلية، وتفرضها المستجدات التربوية المستحدثةوتعمل في تكامل مع الأنشطة الفصلية، التي تقع في صلب المنهاج الدراسي، وهيتسعى إلى تكريس التعلم الذاتي والعمل التشاركي عند المتعلم وإلى تربيته علىالقيّم الحقوقية والديمقراطية، وتُكسِب شخصيته مناعتها وقوتها الضرورية.. كل ذلك مع استحضار عامل المتعة الناجم عن تنويع التعلمات بتغيير فضاءاتهاوطرقها. كما أنها تلعب دور الأرضية التجريبية التي يمكن أن تساهم فيالارتقاء بمستوى التنشيط في الفصول الدراسية وتتبنى، بوصفها طرائقديداكتيكية، حين تثبت نجاعتها، لذلك اقترح المخطط الاستعجالي «تحويل بعضالأنشطة الفصلية الدراسية إلى أنشطة مندمجة يستدعي تنفيذُها فضاء مختلفاومتدخلين متعددين، بإعداد مجزوءات خاصة بكل محور، جهويا أو وطنيا، وتخصيصأحياز زمنية مناسبة لها في أفق تفعيل مقتضيات المخطط الاستعجالي في هذاالباب».

والهدف من ذلك هو التخفيف من استئثار الأنشطة الفصلية بمجمل الزمن المدرسي،مما يعيق تنويع التعليم وتغيير فضاءاته وفتحه على آفاق تربوية أخرى لهافائدة كبرى في السير بالعملية التعليمية -التعلمية، فالأنشطة المندمجة تسهمفي تكريس الجهوية وتجعل المتعلم يحسّ بانتمائه الجغرافي والمحلي وتحقق لهتواصلا ماديا مع محيطه.

غير أن عوامل عدة تعرقل تعميم هذه الأنشطة في المؤسسات التعليمية المغربية،منها ما هو مرتبط بالجانب التواصلي، التنظيمي البيداغوجي، والمادياللوجيستيكي، ومنها ما هو متجذر في التمثل السلبي لوظيفة هذه الأنشطة. وسنعرض في مقالة أخرى لبعض من هذه العوائق، مع اقتراح بعض الحلول الأولية

المستندة إلى دلائل مديرية المناهج والحياة المدرسية واقتراحات بعض الفاعلين التربويين.
عبدالرزاق المصباحي
أستاذ في التعليم الثانوي التأهيلي





    رد مع اقتباس
قديم 2014-03-16, 16:20 رقم المشاركة : 54
خادم المنتدى
مدير التواصــل
 
الصورة الرمزية خادم المنتدى

 

إحصائية العضو








خادم المنتدى غير متواجد حالياً


وسام المشاركة السيرة 1438ه

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

العضو المميز لشهر فبراير

افتراضي رد: مقالات تربوية


الطرائق الإدماجية وضعاف التلاميذ

يتنامى الحديث مؤخرا عن المقاربة بإدماج المكتسبات في الأوساط التربوية المغربيةبشكل ملفت للنظر، بجعلنا كمتتبعين للمسار التعليمي التعلمي خاصة وللشأنالتربوي التعليمي ببلادنا عامة، نضع أكثر من علامة استفهام حول القيمةالمضافة Plus-value التي أتت بها رياح التغيير البيداغوجي في فصل الإدماج؛بما ينطوي عليه هذا الفصل من إيجابيات وسلبيات واسعة الأمداد والأبعاد.منالمناسب، في هذا الصدد، ألا يغيب عن بالنا بأن المدرسة المغربية العموميةتشكل ذاتا موسومة بتناقضات صارخة لا نبو فيها ولا شذوذ؛ فإذا أجلت النظرمليا في مفارقاتها العديدة تستطيع أن تتخيل في غير عسر مدى الإكراهاتالأخطبوطية التي ماانفكت تشل حركية الإصلاح البيداغوجي ومعها تغتال روحإنجاح غاياته المثلى. يكفي أن نستحضر بضيم عميق إشكاليتي: "الاكتظاظ" ومايثوي خلفه من تعثرات مادية ومعنوية، و"القسم المشترك" بإكراهاته المشهورةالتي تسم العلاقة الديداكتيكية، وتقذف بمجهودات المدرسات والمدرسين في سلةالمهملات مهما جدّدُوا وجدّوا واجتهدوا! يكفي إذن أن نضع هاتين الإشكاليتينالعويصتين على الطاولة لنتلمس عن قرب علة جامعة عن هذه المثبطات التي أرختبظلالها على الممارسة البيداغوجية الفعلية داخل الفصول الدراسية، والأغربأنها إشكاليتان ما برحتا تفاصيلهما تُناقش في منتديات واسعة النطاق وعلىأصعدة رسمية ذات مصداقية عالية. والحقيقة أنهما تظلان إشكاليتين يجب ألانحيد عن استئصالهما إن أردنا فعلا إنقاذ المدرسة العمومية الغارقة في دوامةالتردي من الانفلات والضياع.منالجائز الاعتراف بجدوى بيداغوجيا الإدماج في إطارها النظري وفي مجالالتربية على وجه الدقة؛ وهو إطار محكم البناء علميا لا يرى منه الرائي إلاكل تفوق وإنصاف مدرسيين، وهو المأمول حاليا والهم الأول والغاية المثلى لكلنظام تربوي في جميع أصقاع المعمور. وبالفعل فبيداغوجيا الإدماج تعتبرمقاربة ديداكيتكية تسهم بشكل متكامل في تشييد القدرات وبناء الكفايات التيتجعل المتعلم(ة) ينخرط بسلاسة في المشروع المجتمعي، وبالتالي الانفلات منقبضة الأمية الوظيفية Analphabète fonctionnelle على حد تعبير كل من ( Carraher & Sotomayor ).إنما يهمنا في معرض حديثنا هو تبيان سلبيات توظيف الطرائق الإدماج داخلالفصول الدراسية بخاصة عندما نربطها عضويا بضعاف التلاميذ. نعلم علم اليقينأن المتعلم(ة) هو الفاعل الأساس في سيرورة الإدماج، وإذا لم يتوصل هذاالمتعلم(ة) إلى الإدماج، لا يمكنه الذهاب أكثر من إرجاع معارف أو حل تمارينبسيطة. ومن خلال هذا المنظار، فالمدرس(ة) يجد صعوبة في تفعيل مقتضياتبيداغوجيا الإدماج من تدبير للوضعيات الإدماجية خلال أسبوعي الإدماج مرورابتدبير خطة بناء الدروس خلا فترة إرساء الموارد، فيجنح به التفكير المملوالتدبير القاصر والكفاية المهنية الفتية أو الكلاسيكية إلى تجاوز التعلماتاللحظية والمرور على جناح السرعة إلى مرحلة الإدماج. مما يزيد الهوةاتساعا بين المدرسة التي غالبا ما تواصل عملية تقطير لمعارف لحظيةوالوضعيات التي يفترض فيها-على لسان الدكتور عبد الكريم غريب- تهيئالتلاميذ لها.إننالا نجانب الصواب في القول بأن المدرس(ة) وهو في مواجهة الجماعة الصفيةبشكل مستمر، يجد نفسه أمام فئتين متضاربتين مستهدفتين من خلال فعل إكسابالتعلمات داخل الفضاء المدرسي؛ فئة التلاميذ الضعاف على كثرتهم وفئةالتلاميذ المتفوقين على قلتهم، وفي هذا المقام يقول السوسيولوجي الفرنسي ( Bourdieu ): إن اللامبالاة بالاختلافات لا تتيح إلا ازدياد حدة هذهالأخيرة، إذ أن التلاميذ المحظوظين يتعلمون بشكل أسرع وأفضل من الآخرين،فليس من الغريب أن يتم إغفال التعلمات اللحظية من قبل المدرس(ة) المثقلبالهواجس التي تصنعها متاعب المهنة التي تأتيه على حين غرة تساوره يمنةتارة ويسرى طورا؛ منها ما هو ما يتعلق بظروف الاشتغال التي أسالت المداد فيعدد كبير من الجرائد والمجلات التي تعنى بشؤون التربية والتعليم، ومنها مايرتبط بنفسيته التي لا يعرفها إلا من ولج ساحة التعليم. وربما بهذا التصرفالحتمي من لدن المدرس(ة) في ضوء غياب تأطير فعلي ممارساتي وليس تفتيشاصوريا وثائقيا حصريا، سيستفيد بشكل أكبر التلاميذ ذوو مكتسبات عالية، وذلكلأنهم يتوفرون على أدوات فكرية تمكنهم من تحقيق "الإدماج". إلا أن ذلك يتمعلى حساب ضعاف التلاميذ أولئك الذين يعدمون هذه الأدوات. مما يجعل منأسبوعي الإدماج؛ باحة استراحة ليس إلا وفرصة مواتية لكي يستريح جسدالطفل/المتمدرس من حمل المحفظة المثقلة بكثرة الكتب المدرسية المختلفةالألوان والأشكال والمحتفظة بذات المحتوى ونفس الأهداف. وفرصة أيضاللمدرس(ة) من أجل تغيير روتين الدروس الاعتيادية الروتينية التي تحتاج إلىدقة بيداغوجية وتدبير زمني محدد.يبقىأسبوعا الإدماج سوقا مفتوحة أبوابها تباع فيه كل أنواع الوثائق الرسميةوغير الرسمية؛ وثائق يعدها الأستاذ على مضض ويوقها مدير المؤسسة.ففيغياب التأطير الإيجابي والمصاحبة والتوجيه الفعليين للمارسة البيداغوجيةيصعب الحديث عن إدماج حقيقي، وفي ضوء انعدام "كراسات الإدماج" التي غالباتسافر في رحلة محفوفة بالمخاطر، وعدم توافر دلائل الأستاذ يضطر المدرسينوالمدرسات إلى اللجوء إلى العوالم الافتراضية عبر النهل من المواقعالالكترونية أو الوقوف صفا صفا أمام الوراقات لاستنساخ ما يسعفهم في تخطيمحنة أسبوعي الإدماج المكلفة ماديا والقاهرة معنويا. وتحت مظلة التكويناتالقاصرة وغير مجدية والبعيدة كل البعد عن التطبيق الفعلي لمضامين بيداغوجياالإدماج والمتيحة للتنزيل الفعلي لطرق الإدماج والتمكن من أدواتالاشتغال.. يكون من الأغرب بل من المستحيل التحدث عن فعل إدماجي ناجح.
ذ/ جمال الحنصالي*
*باحث في علم التربية /إمنتانوت
الملف التربوي/الاتحاد الاشتراكي/15 دجنبر 2011





    رد مع اقتباس
قديم 2014-03-16, 16:25 رقم المشاركة : 55
خادم المنتدى
مدير التواصــل
 
الصورة الرمزية خادم المنتدى

 

إحصائية العضو








خادم المنتدى غير متواجد حالياً


وسام المشاركة السيرة 1438ه

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

العضو المميز لشهر فبراير

افتراضي رد: مقالات تربوية


الممارسة المهنية اليومية للمدرس بين الحياد والاستقطاب







استهلال :
الحادثة الأولى : وقعت في فرنسا سنة 2009 وتتلخص وقائعها في تقديم أستاذة تاريخ من أصل يهودي ، " كاترين فانتورا " ( Catherine Ventura ) مشروعا لإدارة معهد " هنري لوريتز " (lycée Henri – Loritz ) يهدف إلى تمكين 144 تلميذا من زيارة معسكرات إبادة اليهود(المحرقة ) ببولونيا ولكن المديرة لم توافق إلا على 80 تلميذا بعد أن اعتبرت العدد المقترح مشطا ويستدعي مصاريف باهظة ( السفر ، الإقامة التأمين ...). هذا القرار أثار حفيظة الأستاذة التي استغلت زيارة وزير التربية
للمؤسسةوحرضت تلاميذها على تنظيم احتجاج ، مما استدعى فتح تحقيق في الغرض انتهىإلى إدانة الأستاذة وإيقافها عن العمل لمدة أربعة أشهر بسبب إخلالها بواجبالحيادية ( la neutralité)[1] وسعيها المتعمد لاستغلال التلاميذ وغسل أدمغتهم عبر تخصيص الجزء الأكبر منوقتها لتنظيم الرحلات على حساب مكونات ومضامين البرنامج الأخرى.[2]
الحادثة الثانية:وقعت في فرنسا كذلك ( أكتوبر 2010 ) وأسالت كثيرا من الحبر[3] و تتلخص في عرض أحد أساتذة مادة التربية المدنية والقانونية والاجتماعية ( ECJS ) بمعهد "مانوسك " ( lycée de Manosque ) لشريط فيديو مناهض للإجهاض ( anti-avortement) مما أثار حفيظة بعض التلاميذ وأوليائهم [4] والذين سارعوا إلى تقديم شكوى بالأستاذ المذكور إلى السلط المعنية ، آلت إلى فتح تحقيق إداري في الموضوع وتركيز خلية إنصات وحوار داخل المؤسسة ، ليتقرر في النهاية إيقاف المدرس عن العمل لمدة أربعة أشهر كإجراء تأديبي احتياطي " لعرضه صورا صادمة للتلاميذ ". ومن جهتها عبرت الوزارة عن رفضها لما أقدم عليه الأستاذ واعتبرته خرقا صريحا لمبدأ الحياد ولاحترام ذات الإنسان عموما (le respect de la personne ).
الحادثة الثالثة:تونسية بامتياز وقد تمت سنة 2011 في أحد معاهد مدينة بنزرت ( معهد الطاهر الحداد ) حيث اتهم عدد من التلاميذ أستاذ العربية ( عبد الحميد الحولي ) بالتطاول على شخص الرسول صلى الله عليه وسلم (من خلال نعته بكونه زير نساء ويتحرش بالصغار ) ، مما أثار حفيظة الأهالي الذين نظموا وقفة احتجاجية أمام المندوبية الجهوية للتربية كما ندد عدد من الأئمة بسلوك المدرس الذي خضع للاستجواب وأنكر ما نسب إليه مدعيا أن ما صرح به للتلاميذ كان حول الزعيم الهندي غاندي .
قد تكون هذه الأحداث وغيرها مجرد وقائع منفصلة ومتباعدة في الزمان كما في المكان غير أن ذلك لا ينفي وجود خيط جامع بينها قد يحيلنا مباشرة إلى مواضيع وإشكاليات أكبر وأشد تعقيدا مثل : " العلاقة التربوية " وتحديدا علاقة المعلم بالمتعلم وما يتصل بها من صعوبات في مستوى النقل الديداكتيكي ( la transposition didactique) ، "وظائف المدرسة " ومدى حياديتها عن السيستام ( le système) وعما تمليه وسائل الضغط الاجتماعي ( les moyens de contrôle social) ، " الاتجاهات التربوية " وأساليب التعبير عنها[5] ، " ديـ - أنطولوجيا المهنة " وما تفرضه من أخلاقيات ، " الكفايات المهنية للمدرس " وما تقتضيه من مرجعية ( référenciel de compétences) ومتابعة ، الحرية والفضاء العام ...
من جهتنا سنعترف منذ البداية بصعوبة الإلمام بكل هذه المداخل التي يتقاطع فيها التربوي بالسياسي ، الديني بالمدني ، النفسي بالاجتماعي والبيداغوجي بالديداكتيكي. وبالتالي سنركز اهتمامنا في هذا الحيز المحدود على المقاربة التربوية لنسلط الضوء على مسألة بعينها هي تمهين ( professionnalisation) الممارسات اليومية للمدرس– وتحديدا مدرس التربية المدنية – من خلال النظر في جدلية الحياد والاستقطاب بكل أشكاله (الإيديولوجي، الديني ،السياسي والأخلاقي ). وإذا كنا سننطلق في عملنا هذا من التجربة التونسية أساسا ، فإن ذلك لن يحول دون الانفتاح على بعض التجارب الأخرى وخاصة في فرنسا قصد مزيد الفهم ، التموقع والمقارنة

المقدمــــة :

إن ما شهدته وتشهده بلادنا اليوم من حراك سياسي وفكري وما تعيشه من تجاذبات ثقافية وإيديولوجية انعكس بشكل أو بآخر على المدرسة تلك المؤسسة التي تحتضن داخل أسوارها فئات اجتماعية متنوعة في انتماءاتها وخلفياتها وتطلعاتها .
وهذا الأمر طبيعي في اعتقادنا إذا لم ننظر للمدرسة كمكان لتلقي العلوم ونيل المعارف فحسب بل كفضاء تربوي مفتوح للحوار، للتفاعل ، للعيش المشترك و لاكتساب القيم المجتمعية وبناء الأفكار والمواقف ..
ولعل هامش الحرية غير المسبوق الذي أتاحته ثورة 14 جانفي قد أثر بشكل أو بآخر على الفعل التربوي وعلى الفاعلين فيه . وهذا التأثير نلمسه أكثر وبوضوح عندما يقترن الفعل التربوي بفعل فكري- ثقافي ( عرض فلم " مدينة فارس " Persépolis على قناة نسمة ، عرض فلم " لا ربي لا سيدي " لنادية الفاني في قاعة أفريكا ) أو بحدث سياسي ( انتخابات المجلس الوطني التأسيسي الأخيرة ).[6]
ولعل خصوصية بعض المواد الاجتماعية وانفتاح مضامينها على قضايا الإنسان عامة وتحفزها الدائم لمواكبة المتغيرات وارتباطها العضوي ( rapport organique ) بالمنظومتين القانونية والسياسية للبلاد ، يجعلها الأكثر حساسية و تأثرا بما يجري من حولها والأقرب لرد الفعل لأنها من المواد الإنسانية العصية على التنميط وما يشوبه من ثبوتية ( fermeté) ورتابة ( monotonie) بل وجمود ( apathie) أحيانا .
وهذا الاستعداد الدائم للتطور واستيعاب الجديد لا نلمسه من خلال البرامج والكتب والتوجيهات الرسمية فحسب بل من خلال متغيرات أخرى كموقع المدرس والدور الذي يلعبه داخل الفصل . هذا المدرس - الإنسان قد يجد نفسه – عن قصد أو عن غير قصد – مدفوعا في اتجاه منزلقات عدة ليس أقلها فخ الذاتية ( subjectivité) والتموقع والكشف عن لونه السياسي وعن مواقفه الشخصية من بعض المسائل الخلافية مما يحوله من جهة محايدة ( partie neutre) إلى طرف من أطراف الخلاف أي من مرب منفتح على كل الرؤى والآراء إلى ملقن دغمائي ( l’information à sens unique) . وهذا إن دل على شيء فهو يدل على أن الحياد في تناول قضايا المادة ومضامينها اللصيقة جدا بالمسائل ذات البعد الفكري ، العقائدي والسياسي أمر عسير للغاية ويتطلب كفايات مهنية عالية وقدرة كبيرة على المناورة لا يتوفران للكل في ظل ضعف التكوين في هذا المجال وغياب ميثاق يحدد بدقة " إيتيقيا " ( éthique) المهنة وأخلاقياتها . ولعل ذلك ما قصده " سارج مسكوفيشي " ( Serge Moscovici) حينما قال : " إن ما يدرس لا يمكن بالمرة أن يتصف بالحياد ". (rien de ce qui est étudié n’est neutre froid ).
إذا كانت مختلف هذه الأفكار يمكن اختزالها في السؤال المركزي الذي طرحه من قبل الدكتور احمد شبشوب في كتابه " الأسس النظرية للتربية والتدريس ": ماذا ندرس ؟ لماذا ؟ وكيف ؟ ، فإننا سنتجاوز هذا المستوى لنطرح أسئلة أكثر عمقا واتصالا بالمدرس في ممارساته اليومية ، من قبيل البحث عن جدلية الحياد والاستقطاب (1)
وهل من واجب المدرس أن يكون محايدا ؟ ( 2) لننتهي إلى البحث عن آليات تمهين العمل التربوي (3).
1-في جدلية الحياد والاستقطاب :
جاء في قاموس المعاني أن الحياد ( neutralité) هو " عدم الميل إلى طرف من الأطراف والوقوف موقف العدل والإنصاف "[7] ، وقد تسرب معنى الحياد من المجال السياسي والقانوني[8] إلى المجالين العلمي والتربوي للدلالة على ترك الميل مع العواطف عند البحث في قضية من القضايا والوقوف منها موقف الإنصاف . أما الاستقطاب ( polarisation) فهو عبارة عن " تمش ينقسم بموجبه الرأي العام إلى طرفي نقيض"[9] (la polarisation est le processus par lequel l’opinion publique se divise et va vers les extrêmes) ، أي أنه في نهاية المطاف شكل من أشكال التحيز إلى جهة أو إيديولوجيا أو حتى مجرد فكرة . وهكذا فإن لفظ الحياد يضفي على الفعل شحنة سلبية إذ يدل على الامتناع عن القيام بالشيء على عكس الاستقطاب الذي يحمل دلالات إيجابية إذ يدل على القيام بالفعل ، غير أن هذا الفعل ينزع في نهاية المطاف إلى الذاتية ( subjectivité)على عكس الحيادية التي تؤشر غالبا للموضوعية ( objectivité) .
مدرسيا يقوم الخطاب التربوي على مسلمات أساسية في مقدمتها حيادية المعرفة وحياد من يدرسها ، غير أن الواقع يثبت لنا دوما العكس . لماذا ؟ لأن المدرسة نفسها كمؤسسة موكول إليها إعادة إنتاج قيم المجتمع ورموزه وأنساقه لا يمكن لها بأي حال من الأحوال أن تكون محايدة ، فهي تعمل باستمرار على " تنميط وقولبة وعي وإدراك الأفراد " على حد تعبير " بيير بورديو " ( Pierre Bordieu) ، من خلال تطبيع سلوكات الأفراد عبر سلطة الفعل البيداغوجي وفق ميكانيزمات تداولية ونسق من الدلالات وأنماط السلوك التي تحول المتعلم إلى متلقي يعمل على استدخال هذه المرجعيات وترجمتها على مستوى السلوك وبالتالي إعادة إحيائها وتسويقها من جديد . إن المعلم يملك سلطتي الكلام والفعل انطلاقا من مؤسسة تخول له مشروعية العمل التربوي الذي لا يعدو أن يكون عملا ترسيخيا هدفه إحداث تأهيل يتصل بالدوام لإنتاج تطبع تربوي ( habitus) يستبطن المبادئ التي ترسي تعسفا تربويا قادرا على الاستمرار بعد توقف النشاط الدراسي ، بحيث يعيش ضمنه الفاعل / الأستاذ وضعية التعالي والانغلاق التي يوفرها له فضاء المدرسة .
الحقيقة أن فكرة كون المدرسة أداة من أدوات الضبط الاجتماعي[10] لا ينفرد بها " بورديو " فحسب إذ نجد لها صدى في كتابات " إيفان إيليتش " ( Ivan Illich) الذي دعا في كتابه الشهير " مجتمع بلا مدارس " [11] إلى تخليص المجتمعات البشرية من المدارس بسبب تاثيراتها السلبية على قدرات الأفراد وحقهم في التفكير الحر بعيدا عن كل استقطاب فكري ، إيديولوجي أو سياسي نظرا لكونها مدارس تقليدية قائمة أساسا على التلقين . من جهته يتساءل" ألتوسير" ( Althusser) قائلا : " ماذا نتعلم في المدرسة ؟ إننا نتدرب على القواعد والقوانين السلوكية التي يجب على كل فرد احترامها .
وبصيغة اكثر عملية نقول إننا لا نستنسخ المهارات فحسب بل وكذلك خضوع الأفراد إلى الإيديولوجية المسيطرة على المجتمع "[12]. وصيغة الوجوب التي يتحدث عنها " ألتوسير" تحيلنا على معنى " العنف الرمزي " الذي هو عبارة عن إيماءات و اكراهات لفظية قد تمرر عبر وسائل ناعمة ولينة ويتقبلها المتلقي برضى واقتناع ، وحتى لو لم تستوعبها رواشمهم الإدراكية والفكرية ولم تستسغها عقولهم فإن بقية وسائل الضبط الأخرى ستتكفل بالمهمة .
إن هذا الموقف من المدرسة يجعل أكثر المدرسين حيادا أشدهم استقطابا ، بمعنى أنه كلما فكر في خدمة القيم والثوابت والممارسات الاجتماعية المرجعية التي تسوق لها البرامج الرسمية كلما خدم أهداف القائمين عليها باعتباره قد تحول إلى أداة استقطاب دون أن يشعر بذلك أحيانا إذ أن الحياد في التعليم أمر يكاد يكون مستحيلا ، إذ " لا يوجد تعليم محايد " كما يقول رجل التربية و المفكر البرازيلي " باولو فريري " ( Paulo Freire) فهو " إما للقهر أو للتحرير"، كما أن التعليم عملية سياسية بامتياز مثلما أن السياسة عملية تربوية."[13] في مقابل ذلك فإن كل من تمرد على القيم السائدة وتموقع خارج الأطر وسعى إلى فعل إيديولوجي مضاد سيجد نفسه في القطب المقابل لعملية الاستقطاب ، وهذا إن دل على شيء فهو يدل على أننا في حاجة ماسة إلى تربية " لا سلطوية " إن شئنا ( non directive) تترك المتعلم وشأنه في مواجهة القضايا المطروحة وبناء مواقفه وقناعاته بعيدا عن سلطة المعلم الضاغطة وفي منأى عن ضغط السلطة والقهر الذي تمارسه أجهزتها وأنساقها التعليمية .
2-هل من واجب المدرس أن يكون محايد ؟
اعتبارا لأهمية حيادية المدرس والمؤسسة التربوية عموما ، وبالنظر إلى طبيعة النظام اللائكية ( قانون 1905 ) [14]، خصص لها المشرع الفرنسي فصلا كاملا في الدستور هو المادة 24 التي سبقت الفصل الضامن لحرية الصحافة ، فالتعليم كمرفق عمومي ( service publique) يجب أن يدار بعيدا عن التجاذبات الفلسفية ، السياسية ، الدينية وحتى النقابية . وانسجاما مع مبدأ علوية الدستور ( le principe de la suprématie de la constitution) كرس القانون التوجيهي للتربية ( 10 /07 /1989 ) في فصله العاشر نفس هذا التوجه إذ أقر أن حرية التعبير يجب أن لا تتعارض مع مبدأي احترام التعددية والحياد ، كما أن ممارسة هذه الحريات يجب أن لا تهدد الأنشطة التعلمية . وقد أول القضاء الفرنسي هذه المواد تأويلا ضيقا ومنع استغلال المعاهد لتنظيم اجتماعات ذات طابع سياسي حتى لو تمت خلال أوقات الفراغ ودون مشاركة أطراف أجنبية عن المعهد وتحت رقابة لجنة عينها مجلس المؤسسة [15]. في مقابل ذلك سمح مجلس الدولة لمدير أحد المعاهد بأن ينظم اجتماعا عاما خارج أوقات الدراسة وقع تخصيصه لمناقشة موضوع مدني اجتماعي في إطار ما يعرف بنوادي حقوق الإنسان . ونظرا إلى حساسية المسألة وتعقيداتها و إلى تفرع موضوع الحياد إلى مجالات عدة تشمل الجوانب السياسية والدينية والتجارية ، ونظرا إلى خصوصية المدرس كموظف عمومي وخصوصية قطاع التربية والتعليم الذي يبقى في حاجة إلى مساحة أكبر من الحرية فقد اضطر المشرع الفرنسي إلى إصدار عدة مناشير تؤطر لهذه المجالات وتنظمها ( 1963 ، 1967 ، 1989 ).
في تونس تبدو المسألة مختلفة تماما فلا دستور غرة جوان 1959 ولا القانون التوجيهي للتربية والتعليم المدرسي لسنة 2002 [16] قد نصا على مسألة الحيادية من عدمها ، وهو ما يدفعنا إلى تلمسها إما عبر تأويل واسع للمواد المتوفرة والتي تتعلق بالحريات وبالحقوق والواجبات [17] أو من خلال ما تشير إليه أخلاقيات المهنة و ما اصطلح على تسميته بالممارسات المهنية المرجعية للمدرس والتي تثمن في المعلم حرصه على " بناء علاقة مع التلاميذ عمادها النزاهة والموضوعية واحترام شخصية الطفل وحقوقه " ( الفصل 12 من القانون التوجيهي ). والواقع أن المشرع التونسي وإن لم يستعمل صراحة لفظ الحياد إلا أنه قصده من خلال مصطلحات مثل الاعتدال ، الموضوعية ، النزاهة ، تقبل النقد والرأي المخالف ... ولعل عدم الخوض في مسألة الحيادية لا يؤشر إلى فراغ دستوري أو قانوني باعتبار أن الفصل الأول من الدستور قد انحاز للهوية العربية الإسلامية للدولة ولم يتبن اللائكية كرديف للجمهورية مثلما فعلت ذلك فرنسا أو تركيا العلمانية . أما في مستوى الممارسة وفي إطار ما عرف بمقاومة التطرف والإرهاب وتجاوبا مع ما يحدث في فرنسا [18]وفي تناقض واضح مع ما سبق فإن ثنائية حياد / استقطاب لم تطفو على السطح إلا في مناسبات قليلة ارتبط جلها تقريبا بمواضيع لها علاقة بالدين الإسلامي وبمسألة الهوية عموما ونقصد بذلك ما عرف حينئذ باسم " الزي الطائفي " في إشارة إلى الحجاب أو الخمار ( المنشور 108 لسنة 1981 الصادر عن رئاسة الوزراء و المنشور 102 الصادر عن وزير التربية سنة 1996 )[19] . إن ما ذكرناه آنفا يوحي بأن للمسألة علاقة بحيز الحرية الذي كان متوفرا ، ولهذا فبمجرد اندلاع ثورة 14 جانفي واتساع هامش الحريات الفردية منها والجماعية وفي ظل التجاذبات القائمة بين مختلف التيارات السياسية طفت وبشدة مواضيع لها علاقة بثنائية الحياد والاستقطاب كمسألة الأدلجة والدمغجة والدعاية ويكفي أن نذكر بالمنشور الذي أصدرته وزارة التربية أسابيع قبل انطلاق الحملة الانتخابية المتعلقة بالمجلس التأسيسي والمحجر" للدعاية السياسية داخل الحرم المدرسي حتى يبقى في منأى عن كل مظاهر الاستقطاب " ، لنفهم كم الصراعات الإيديولوجية وحجم الاستقطاب السياسي والحزبي الذي أصبح متاحا في خضم الحراك الراهن .
ولعل تنامي بعض الظواهر التي باتت تشهدها مؤسساتنا التعليمية بما فيها المؤسسات الجامعية و سوء تمثل وتقدير حجم وحدود الحرية التي أصبحت متاحة للمدرس كما للتلميذ ، سيدفعان بسلطة الإشراف إلى تقنين المسألة ولو بقرارات إدارية في انتظار بلورة قانون توجيهي جديد يؤسس لآليات جديدة للعمل التربوي و يأخذ بعين الاعتبار كل المتغيرات التي شهدتها بلادنا من جانفي الماضي إلى اليوم .
3 - آليات تمهين العمل التربوي :
ظهر مصطلح التمهين في المجال التربوي في تسعينات القرن الماضي وذلك بانقلترا ، فكندا فالولايات المتحدة وصولا إلى فرنسا ضمن توجهات إيديولوجية حمالة لتصورات جديدة عن مجالي التكوين والتدريب وعن مرجعية الكفايات الخاصة بالمدرس وعن مكانته في المنظومة التربوية . ويتفق كل من " بيرينو " ( PH.Perrenould ) و" ألتات " ( Altet ) على أن مهنة المدرس وحرفيته في مجال التربية والتعليم لا بد أن تشمل بالضرورة عقلنة معارفه وممارساته المهنية في إطار مجموعة مرجعية يطلقون عليها اسم " الهوية المهنية " ( identité professionnelle )[20] ، وبهذا المعنى يتأسس مفهوم التمهين على مبدأين أساسيين هما الاستقلالية ( في قيادة القسم وفي بناء التعلمات وفي إثارة القضايا ونقاشها ) والمسؤولية ( تحمل تبعات اختياراته ).
ويجمع الكثير من المهتمين بالشأن التربوي أن تمهين ( professionnalisation) عمل المدرس والارتقاء بآدائه داخل الفصل لا يمكن أن يتم دون وجود ضوابط وشروط يصنفها علم الاجتماع الحديث إلى :
- كفايات مهنية ( compétences professionnelles) : تساعد على امتلاك المهنة.
- أخلاقيات مهنية ( éthiques professionnelles) : تقيد الانتساب إلى المهنة .
ويبدو أن مدرس الإنسانيات معني أكثر من غيره بهذه المرجعيات ( référentiels) لأنه في تفاعل يومي مع كم كبير من المعلومات والمواقف والسلوكيات المجتمعية التي تتطلب منه يقظة تامة و جاهزية للتعامل مع مختلف الأفكار والتوجهات الفلسفية والمذهبية والسياسية بشكل مفتوح ومنفتح على كل التيارات دون أن يتمركز أو يسقط في الخطابات الديماغوجية. فالأستاذ والكلام لـ " كزافييه غييو " ( Xavier Guyaux)[21] مطالب أولا وأخيرا بتقديم المعلومات الضرورية التي تسهم في تطوير شخصية التلميذ وتمكنه من فهم مختلف وجهات النظر المكونة للرأي ( l’opinion) ، كما عليه أن يضع خبراته وقدراته لمساعدة التلميذ على التفكير الحر والمسؤول وعلى احترام القيم الجماعية وقواعد العيش معا المؤسسة على مبادئ الاعتدال والتسامح وقبول الآخر ونبذ الإقصاء والعنف بكل أشكاله.. وعندئذ يمكن للمتعلم أن يكون فاعلا فيواجه منفردا مختلف القضايا و يبني مواقفه بعيدا عن سلطة المعلم الضاغطة
قد يكون الحياد إذا كفاية مهنية نوعية يستوجبها الفعل التربوي وترنو إليها عديد المواد ولكن بشرط أن يكون إيجابيا بمعنى أن يسمي الأشياء بمسمياتها وينتصر للقضايا العادلة و ينحاز للقيم الإنسانية و لا يحول دون الدفاع عن المشروع المجتمعي وإلا تحول إلى حياد كاريكاتوري غبي يسلب المدرس دوره كمرب وكقدوة ويجرده من إنسانيته . إن المعلم الذي يستسيغ البقاء في برجه العاجي بدعوى الحيادية و لا ينزل إلى أرض الواقع ليتفاعل مع هموم مجتمعه وقضاياه لا يصلح أن يكون مثقفا عضويا(l’intellectuel organique ) كما صوره " أنطونيو غرامشي " ( Antonio Gramsci) في منظومة تربوية " حوارية " ،" نقدية " بشر بها عالم الاجتماع الأمريكي " اريك فروم " ( Erich Seligmann Fromm) لتقوض نمطية التعليم البنكي (l’enseignement bancaire) [22] وتؤسس البديل.
في النهاية لا يسعنا إلا أن نقر بخطورة أن يقتنع المربون فعلا بحيادهم الذي ينزع عنهم أي توجه تربوي ويجعلهم يمتنعون عن خوض مهامهم الحقيقية . إن معلما كهذا ، يدعي الحياد و يرفض أن يقنع منظوريه بما يعتقد أنه عادل هو إنسان ميت وكائن مغيب يمتنع عن خوض رسالته التربوية [23] . وإن تربية تدعي الحياد ما هي في النهاية إلا جسما غريبا ، معزولا عن ثقافته وهويته وتجربته لأنها تتناول المعرفة والفكر وكأنهما مفصولان عن مكامن القوة ومسارات التاريخ . إنها تربية راضية بذاتها متواطئة أو خائنة لمهمتها التاريخية.
وحيد رحيم
متفقد المدارس الإعدادية والمعاهد

1.
جاء في التقرير أن الأستاذة كررت خلال المحادثة مع المتفقد العام لفظ (shoah ) العبرية 14 مرة للدلالة على معنى الإبادة الجماعية ( génocide ) في اللسان الفرنسي مما يشير إلى سعي الأستاذة إلى استقطاب تلاميذها في اتجاه معين و عدم التزامها بمبدأ الحياد .
.
أثار هذا القرار استياء الطائفة اليهودية التي سعت إلى إلغائه أمام المحكمة الإدارية مطالبة بتدخل سريع من وزير التربية أو من الرئيس نفسه[2]
3.
انظر على سبيل المثال صحيفة " ليفيقارو " (Le Figaro) الصادرة بتاريخ 24 – 11 – 2010 .
4.
وذلك عبر ما يعرف بـ LA FEDERATION DES CONSEILS DE PARENTS D’élèves( fcpe )
.
د موسى عبد الله عبد الحي ( دراسات في علم النفس ) – القاهرة 1983 .[5]
. 23
أكتوبر 2011 .[6]
.
المعنى اللغوي للحياد والمحيد والحيد والحيدان هو الميل عن الشيء والعدول عنه ( انظر لسان العرب لابن المنظور )[7]
9.
عرف مصطلح الحياد حديثا في عالم السياسة ( بعد الحربين العالميتين ) وهو يعني عدم التحيز إلى أحد المعسكرين المتنازعين ، كما يعني عدم التحزب . أما في المجال القانوني فهو يشير إلى ضرورة أن يقتصر دور القاضي على تلقي الأدلة المعروضة عليه ودراستها وتقدير قيمتها القانونية دون أن يأخذ منها موقفا معينا .
.
استقطاب يمين يسار مثلا .[9]
.
هذه الفكرة عبر عنها " إ. كانط " في كتابه ( مصنف التربية ) إذ يقول : " إن انعدام الانضباط لدى الفرد أخطر من انعدام الثقافة لديه "[10]
Illich Ivan ( Une société sans école ) ; ED – Seuil – 1970 .[11]
Althusser. L : ( Idéologie et appareils idéologiques de l’etat ) ; La pensée – Juin 1071 .[12]
.
باولو فريري ( نظرات في تربية المعذبين في الأرض ) ، ت مازن الحسيني – دار التنوير للنشر – ط 1 2002 .[13]
.
وقع التنصيص على مبدأ اللائكية في فرنسا في توطئة دستور 27 أكتوبر 1946 .[14]
.
هذه القرارات لا تنطبق على الأعوان والموظفين العموميين إلا أثناء ممارستهم لوظيفتهم . [15]
.
هو القانون عدد 80 – 2002 المؤرخ في 23 جويلية 2002 .[16]
.
انظر على سبيل المثال الباب الأول من القانون التوجيهي ( في رسالة التربية ووظائف المدرسة ) وخاصة الفصول 3 ، 8 ، 9 .[17]
.
انظر أزمة الحجاب في فرنسا التي انطلقت منذ أكتوبر 1981 على إثر طرد ثلاث بنات من المدارس الإعدادية الفرنسية بسبب الحجاب.[18]
.
يمنع هذا المنشور التونسيات من ارتداء الحجاب خصوصا في المؤسسات الإدارية والتعليمية ليشمل تطبيقه فيما بعد المؤسسات الخاصة .[19]
.
تتشكل هذه الهوية مما يبنيه الفرد من تصور لذاته في ضوء علاقته بمهنته ، بمسؤولياته ، بزملائه ، بمنظوريه وبكل الأطراف المنتمين للمهنة[20]
Xavier Guyaux ( L’enseignant doit – il étre neutre ? – bruxelles 2010 .[21]
.
استعمل " باولو فريري " هذا المصطلح للدلالة على النظام التعليمي الذي ينظر للمتعلم كمستودع فارغ يملؤه المعلم .[22]
23.
فريري، باولو ( التربية للمقهورين والطريق للتحرير ) ترجمة: مرزوق حلبي، القدس : معهد الدراسات ( 2005 ) ، ص 84.
أنفاس بريس 25/12/2011





    رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are معطلة


مــــواقـــع صـــديــقــة مــــواقـــع مـــهــــمــــة خـــدمـــــات مـــهـــمـــة
إديــكـبـريــس تربويات
منتديات نوادي صحيفة الشرق التربوي
منتديات ملتقى الأجيال منتديات كاري كوم
مجلة المدرس شبكة مدارس المغرب
كراسات تربوية منتديات دفاتر حرة
وزارة التربية الوطنية مصلحة الموارد البشرية
المجلس الأعلى للتعليم الأقسام التحضيرية للمدارس العليا
مؤسسة محمد السادس لأسرة التعليم التضامن الجامعي المغربي
الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي التعاضدية العامة للتربية الوطنية
اطلع على وضعيتك الإدارية
احسب راتبك الشهري
احسب راتبك التقاعدي
وضعية ملفاتك لدى CNOPS
اطلع على نتائج الحركة الإنتقالية

منتديات الأستاذ

الساعة الآن 11:57 لوحة المفاتيح العربية Profvb en Alexa Profvb en Twitter Profvb en FaceBook xhtml validator css validator

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML
جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd