الرئيسية | الصحيفة | خدمات الإستضافة | مركز الملفات | الحركة الانتقالية | قوانين المنتدى | أعلن لدينا | اتصل بنا |

أفراح بن جدي - 0528861033 voiture d'occasion au Maroc
educpress
للتوصل بجديد الموقع أدخل بريدك الإلكتروني ثم فعل اشتراكك من علبة رسائلك :

فعاليات صيف 2011 على منتديات الأستاذ : مسابقة استوقفتني آية | ورشة : نحو مفهوم أمثل للزواج

العودة   منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد > المنتديات العامة والشاملة > المنتدى الإسلامي > الدعاء والأذكار



إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 2013-08-18, 07:47 رقم المشاركة : 126
بالتوفيق
مشرف منتدى التعليم الثانوي التأهيلي
 
الصورة الرمزية بالتوفيق

 

إحصائية العضو







بالتوفيق غير متواجد حالياً


وسام الرتبة الثانية  في مسابقة القرآن الكريم

المرتبة الأولى في مسابقة صور وألغاز

وسام المرتبة الأولى للمسابقة الرمضانية الكبرى 2015

بالتوفيق

افتراضي رد: أدعية الحج


مقال 3 حول الشفاعة:



* ما يدل على جواز طلب الشفاعة
يمكن الاستدلال على جواز هذا الطلب بوجوه كثيرة نشير إلى بعضها:
الاَوّل: انّ حقيقة الشفاعة ليست إلاّ دعاء النبي والولي في حق المذنب، وإذا كانت هذه حقيقته في جميع المواقف أو في بعضها فلا مانع من طلبها من الصالحين، لاَنّ غاية هذا الطلب هو طلب الدعاء، فلو قال القائل: «يا وجيهاً عند اللّه اشفع لنا عند اللّه» يكون معناه: ادع لنا عند ربك، فهل يرتاب في جواز ذلك مسلم؟
ولست أراك تشك في أنّ طلب الدعاء هو نفس الاستشفاع، وانّ حقيقة الشفاعة هي الدعاء، ولاَجل ذلك نرى انّ العلاّمة نظام الدين النيسابوري، صاحب التفسير الكبير ينقل في تفسير قوله سبحانه : (مَنْ يَشْفَعُ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها)
()عن مقاتل قوله: الشفاعة إلى اللّه انّما هي دعوة المسلم.()
وقال الاِمام الرازي في تفسير قوله سبحانه : (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرشَ وَمَنْ حَولَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُوَْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذينَ آمَنُوا ربَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَالْجَحيمِ)() انّ هذه الآية تدل على حصول الشفاعة للمذنبين، والاستغفار طلب المغفرة، والمغفرة لا تذكر إلاّ في إسقاط العقاب، أمّا طلب النفع الزائد فانّه لا يسمّى استغفاراً، وقال: قوله تعالى: (ويستغفرون للذين آمنوا) يدل على أنّهم يستغفرون لكل أهل الاِيمان، فإذا دللنا على أنّ صاحب الكبيرة موَمن وجب دخوله تحت هذه الشفاعة .()
وهذه الجمل تفيد أنّ الاِمام الرازي جعل قول الملائكة في حق الموَمنين والتائبين من أقسام الشفاعة، وفسر قوله: (فاغفر للذين تابوا) بالشفاعة وهذا دليل واضح على أنّ الدعاء في حق الموَمن، شفاعة في حقه، وطلبه منه طلب الشفاعة منه، ويوضح ذلك ويوَيده ما رواه مسلم في صحيحه عن النبي: «ما من ميت يصلّي عليه أُمّة من المسلمين يبلغون مائة كلّهم يشفعون له إلاّ شفّعوا فيه».(5)
وفسّـر الشارح قوله - صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم - : «يشفعون له» بقوله: أي يدعون له، كما فسر قوله - صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم - : «إلاّ شفّعوا فيه» بقوله: أي قبلت شفاعتهم.

وروي أيضاً عن عبد اللّه بن عباس أنّه قال: سمعت رسول اللّه صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم يقول: «ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون باللّه شيئاً إلاّ شفّعهم اللّه فيه»()أي قبلت شفاعتهم في حق ذلك الميت فيغفر له.
وعلى ذلك فلا وجه لمنع الاستشفاع من الصالحين إذا كان مآله إلى طلب الدعاء، ولو كان للشفاعة معنى آخر من التصرف التكويني في قلوب المذنبين، وتصفيتهم في البرزخ، ومواقف القيامة فهو أمر عقلي لا يتوجه إليه إلاّ الاَوحدي من الناس، فكل من يطلب من النبي الشفاعة لا يقصد منه إلاّ المعنى الرائج.
الثاني: انّ الاَحاديث الاِسلامية وسيرة المسلمين تكشفان عن جواز هذا الطلب، ووجوده في زمن النبي - صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم - ، فقد روى الترمذي في صحيحه عن أنس قوله: سألت النبي أن يشفع لي يوم القيامة، فقال: «أنا فاعل»، قال: قلت: يا رسول اللّه فأين أطلبك؟ فقال: «اطلبني أوّل ما تطلبني على الصراط» .()
فإنّ السائل يطلب بصفاء ذهنه، وسلامة فطرته من النبي الاَعظم، الشفاعة من دون أن يخطر بباله أنّ في هذا الطلب نوع عبادة للنبي صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم كما زعمه الوهابيون.
وهذا سواد بن قارب، أحد أصحاب النبي - صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم - يقول مخاطباً إياه:
فكن لي شفيعاً يوم لا ذو شفاعةبمغن فتيلا عن سواد بن قارب(3) وروى أصحاب السير والتاريخ، انّ رجلاً من قبيلة حمير عرف أنه سيولد في أرض مكة نبي الاِسلام الاَعظم - صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم - ، ولمّا خاف أن لا يدركه، كتب رسالة وسلّمها لاَحد أقاربه حتى يسلّمها إلى النبي صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم حينما يبعث، وممّا جاء في تلك الرسالة قوله: «وإن لم أدركك فاشفع لي يوم القيامة ولا تنسني» .()ولما وصلت الرسالة إلى يد النبي - صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم - قال: «مرحباً بتبّع الاَخ الصالح» فإنّ توصيف طالب الشفاعة من النبي - صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم - بالاَخ الصالح، أوضح دليل على أنّه أمر لا يصادم أُصول التوحيد.
وروي أنّ أعرابياً قال للنبي - صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم - : جهدت الاَنفس، وجاع العيال، وهلك المال، فادع اللّه لنا، فإنّا نستشفع باللّه عليك، وبك على اللّه، فسبح رسول اللّه - صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم - حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه وقال: «ويحك أنّ اللّه لا يستشفع به على أحد من خلقه، شأن اللّه أعظم من ذلك» .(2) وأنت إذا تدبرت في الرواية ترى أنّ النبي صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم أقرّه على شيء وأنكر عليه شيئاً آخر، أقرّه على قوله: إنّا نستشفع بك على اللّه، وأنكر عليه: نستشفع باللّه عليك، لاَنّ الشافع يسأل المشفوع إليه، والعبد يسأل ربه، ويستشفع إليه، والرب تعالى لا يسأل العبد، ولا يستشفع به.
وروى المفيد عن ابن عباس أنّ أمير الموَمنين - عليه السلام - لما غسّل النبي - صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم - وكفّنه، كشف عن وجهه وقال: «بأبي أنت وأُمي طبت حياً وطبت ميتاً ... اذكرنا عند ربك» .(3)
وروي أنّه لما توفي النبي - صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم - أقبل أبو بكر فكشف عن وجهه، ثم أكبّ عليه فقبّله، وقال: بأبي أنت وأُمي طبت حياً وميتاً، اذكرنا يا محمد عند ربك ولنكن من بالك .(4)
وهذا استشفاع من النبي - صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم - في دار الدنيا بعد موته.


ونقل عن شرح المواهب للزرقاني انّ الداعي إذا قال: اللّهم إنّي استشفع إليك بنبيك يا نبي الرحمة اشفع لي عند ربك، استجيب له .(1)
وقد روى الجمهور في أدب الزائر إنّه إذا جاء لزيارة النبي صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم يقول: جئناك لقضاء حقّك، والاستشفاع بك، فليس لنا يا رسول اللّه شفيع غيرك، فاستغفر لنا واشفع لنا .( الغدير: 5|124 ـ 127، وقد نقله عن جمع لا يستهان بعدتهم.)
كل هذه النصوص تدل على أنّ طلب الشفاعة من النبي صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم كان أمراً جائزاً ورائجاً، وذلك لاَنّهم يرونه مثل طلب الدعاء منه، ولا فرق بينها وبينه إلاّ في اللفظ، وقد عرفت صحة إطلاق لفظ الشفاعة على الدعاء والاستشفاع على طلب الدعاء حتى أنّ صحيح البخاري عقد بابين بهذين العنوانين:
إذا استشفعوا ليستسقى لهم لم يردهم.
إذا استشفع المشركون بالمسلمين عند القحط.
فنرى أنّ البخاري يطلق لفظ الشفاعة والاستشفاع على الدعاء وطلبه من الاِمام في العام المجدب من دون أن يخطر بباله أنّ هذا التعبير غير صحيح.
وعلى الجملة انّ طلب الشفاعة من النبي - صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم - داخل فيما ورد من الآيات التالية:
(وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللّهَ تَوّاباً رَحِيماً) .(3)
(قالُوا يا أَبانَا اسْتَغْفِر لَنا ذُنُوبَنا إِنّا كُنّا خاطِئينَ*قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبّي) .(4)
وقوله سبحانه: (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُم وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ) .(1)
فكلّما يدل على جواز طلب الدعاء من الموَمن الصالح يمكن الاستدلال به على صحة ذلك.
وقد عقد الكاتب محمد نسيب الرفاعي موَسس الدعوة السلفية والمدافع القوي عن الوهابية باباً تحت عنوان: «توسل الموَمن إلى اللّه تعالى بدعاء أخيه الموَمن له». واستدل بالقرآن والسنّة الصحيحة، فإذا كان ذلك جائزاً فلم لا يجوز طلب الشفاعة من النبي وآله بعد كون الجميع مصداقاً لطلب الدعاء.
وليعلم أنّ البحث هنا مركّز على طلب الشفاعة من الاَخيار، وأمّا التوسل بذواتهم أو بمقامهم أو غير ذلك فخارج عن موضوع بحثنا، وقد أفردنا لجواز تلك التوسلات رسالة مفردة أشبعنا الكلام فيها قرآناً وحديثاً، وقد طبعت وانتشرت.
وإذا وقفت على ذلك فهلمّ معي إلى ما لفّقه القوم وزعموه دلائل قاطعة على حرمة طلب الشفاعة من الاَولياء، ونحن ننقلها واحداً بعد واحد على سبيل الاِجمال، وقد أتينا ببعض الكلام في الجزء الاَوّل من هذه الموسوعة .(2)
* ما استدل به على حرمة طلب الشفاعة
استدل القائلون بحرمة طلب الشفاعة بوجوه:
1. انّ طلب الشفاعة من الشفعاء عبادة لهم وهي موجبة للشرك، أي الشرك في العبادة، فإنّك إذا قلت يا محمد اشفع لنا عند اللّه، فقد عبدته بدعائك، والدعاء مخ العبادة، فيجب عليك أن تقول: اللّهم اجعلنا ممن تناله شفاعة محمد - صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم - .
والجواب عن هذا الاستدلال واضح كل الوضوح بعد الوقوف على ما أوردناه من قبل، حيث قلنا: إنّ حقيقة العبادة ليست مطلق الدعاء، ولا مطلق الخضوع، ولا مطلق طلب الحاجة، بل هو عبارة عن الدعاء أو الخضوع أمام من يعتقد بإلوهيته وربوبيته وانّه الفاعل المختار والمتصرف بلا منازع في الاَُمور التي ترجع إلى اللّه سبحانه.
وإن شئت قلت: العبادة هي الخضوع عن اعتقاد بإلوهية المسوَول وربوبيته واستقلاله في ذاته أو في فعله.
وبعبارة ثالثة: العبادة هي الخضوع اللفظي أو العملي أمام من يعتقد بأنّه يملك شأناً من شوَون وجوده وحياته وعاجله وآجله.
إلى غير ذلك من التعابير التي توضح لنا مفهوم العبادة وحقيقتها.
فمن الغريب أن نفسر العبادة بمطلق الخضوع أو الخضوع النهائي وإن كان غير صادر عن الاعتقاد بإلوهية المدعو وربوبيته وإلاّ يلزم أن يكون خضوع الملائكة أمام آدم، وخضوع الاِنسان أمام والديه من الشرك الواضح.
وما ورد في الحديث من أنّ الدعاء مخ العبادة، فليس المراد منه مطلق الدعاء، بل المراد دعاء اللّه مخ العبادة، وما ورد في الروايات من أنّه: من أصغى إلى ناطق فقد عبده، فإن كان ينطق عن اللّه فقد عبد اللّه، وان كان ينطق عن غير اللّه فقد عبد غير اللّه.()فليس المراد من العبادة هنا: العبادة المصطلحة، بل استعيرت في المقام لمن يجعل نفسه تحت اختيار الناطق.

وعلى ذلك فطلب الشفاعة إنّما يعد عبادة للشفيع إذا كان مقروناً بالاعتقاد بإلوهيته وربوبيته وانّه مالك لمقام الشفاعة. أو مفوض إليه، يتصرف فيها كيف يشاء، وأما إذا كان الطلب مقروناً باعتقاد أنّه عبد من عباد اللّه الصالحين يتصرف بإذنه سبحانه للشفاعة، وارتضائه للمشفوع له، فلا يعد عبادة للمدعو، بل يكون وزانه وزان سائر الطلبات من المخلوقين، فلا تعد عبادة بل طلباً محضاً غاية الاَمر لو كان المدعو قادراً على المطلوب يكون الدعاء أمراً صحيحاً عقلاً، وإلاّ فيكون أمراً لغواً فلو تردّى الاِنسان وسقط في قعر البئر وطلب العون من الواقف عند البئر القادر على نجدته وإنقاذه، يعد الطلب أمراً صحيحاً ولو طلبه من الاَحجار المنضودة حول البئر يكون الدعاء والطلب منها لغواً مع كون الدعاء والطلب هذا غير مقترن بشيء من الاِلوهية والربوبية في حق الواقف عند البئر، ولا الاَحجار المنضودة حوله.
هذا من جانب، ومن جانب آخر نرى أنّه سبحانه حثّ على ابتغاء الوسيلة وقال: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ)(1)ومن المعلوم انّ المراد من الوسيلة ليست الاَسباب الدنيوية الموصلة للاِنسان إلى غاياته المادية، إذ ليس هذا أمراً خفياً على الاِنسان حتى يحثّه عليه القرآن كما أنّه ليس من الاَُمور التي يكسل عنها الاِنسان حتى يحض عليه ،بل المراد: التوسل بالاَسباب الموصلة إلى الاَُمور المعنوية ومن المعلوم إنّ أحد الاَسباب هو التوسل بدعاء الاَخ الموَمن، والولي الصالح، وعلى ذلك فيرجع طلب الشفاعة إلى طلب الدعاء، الذي اتفق المسلمون قاطبة على جوازه.
وإن شئت قلت إنّه سبحانه يقول: (وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلاّمَنْ شَهِدَ بِالحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) .(2)
ومن الواضح إنّ جملة (إلاّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ) تدل على أنّ الطائفة الموحدة للّه تملك الشفاعة بإذنه سبحانه، وعندئذ فلماذا لا يصح طلبها ممن يملك الشفاعة بإذنه؟ غاية الاَمر إنّ الطالب لو كان في عداد من ارتضاه سبحانه نفعه الاستشفاع وإلاّ فلا، ومن العجب قول محمد بن عبد الوهاب: «إنّ اللّه أعطى النبي الشفاعة ونهاك عن هذا وقال: (فلا تدعوا مع اللّه أحداً) وأيضاً الشفاعة أُعطيها غير النبي فصح أنّ الملائكة والاَولياء يشفعون فإن قلت: اللّه أعطاهم الشفاعة، وأطلبها منهم، رجعت [عندئذ] إلى عبادة الصالحين، التي ذكرها اللّه تعالى في كتابه »(1) إذ هذه الكلمة من العجائب فإنّه إذا أعطاه اللّه سبحانه الشفاعة فكيف يمنع طلبها منه؟! وهذا بمنزلة من ملّك أحداً شيئاً ليستفيد منه الآخرون ولكن منع الآخرين عن طلبه منه، فهذا لو كان صحيحاً عقلاً فهو غير متعارف عرفاً.
أضف إليه انّه في أي آية وأي حديث منع طلب الشفاعة عنهم. وتصور انّ طلبها عبادة قد عرفت الاِجابة عنها، وانّ العبادة عبارة عن الطلب اللفظي أو الخضوع العملي عمن يعتقد بنحو من الاَنحاء بإلوهيته وربوبيته، وذلك الاعتقاد لا ينفك عن الاعتقاد في استقلال المطلوب منه ذاتاً وفعلاً، وكونه متصرفاً في الاَُمور الاِلهية تصرفاً بلا منازع، وليس هذا الاعتقاد موجوداً في الاستشفاعات المتعارفة بين المسلمين.
2. انّ طلب الشفاعة يشبه عمل عبدة الاَصنام في طلبهم الشفاعة من آلهتهم الكاذبة الباطلة وقد حكى القرآن ذلك العمل منهم، قال سبحانه: (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هوَلاءِ شُفَعاوَنا عِنْدَ اللّهِ)(2) وعلى ذلك فالاستشفاع من غيره سبحانه عبادة لهذا الغير.
والجواب عن هذا بيّن أيضاً، فانّك إذا أمعنت النظر في مفاد الآية لا تجد فيها أيّة دلالة على أنّ شركهم كان لاَجل الاستشفاع بالاَصنام وكان هذا هو المحقق لشركهم وجعلهم في عداد المشركين، وإليك توضيح ذلك فنقول:
إنّ المشركين كانوا يقومون بعملين: (العبادة) ويدل عليه (ويعبدون ...) و (طلب الشفاعة) ويدل عليه: (ويقولون ...) وكان علة اتصافهم بالشرك هو الاَوّل لا الثاني، ولو كان الاستشفاع بالاَصنام عبادة لها بالحقيقة، لما كان هناك مبرر للاِتيان بجملة أُخرى، أعني قوله: (ويقولون هوَلاء شفعاوَنا) بعد قوله: (ويعبدون ...) إذ لا فائدة لهذا التكرار، وتوهم انّ الجملة الثانية توضيح للاَُولى خلاف الظاهر، فإنّ عطف الجملة الثانية على الاَولى يدل على المغايرة بينهما إذ لا دلالة للآية على أنّ الاستشفاع بالاَصنام كان عبادة فضلاً عن كون الاستشفاع بالاَولياء المقربين عبادة لهم.
نعم ثبت بأدلّة أُخرى (لا من الآية) بأنّ طلب الاستشفاع بالاَصنام يعد عبادة لهم وذلك لما قلنا من أنّ المشركين كانوا يعتقدون بإلوهيتها وربوبيتها واستقلالها في الاَفعال .()
3. طلب الحاجة من غيره سبحانه حرام، فإنّ ذلك دعاء لغير اللّه وهو حرام قال سبحانه: (فَلا تَدْعُوا مَعَ اللّهِ أَحَداً)()وإذا كانت الشفاعة ثابتة لاَوليائه وكان طلب الحاجة من غيره حراماً فالجمع بين الاَمرين يتحقق بانحصار جواز طلبها عن اللّه سبحانه خاصة، ويوضح ذلك قوله سبحانه: (ادعُونِي أستجِب لَكُم إنّ الّذِينَ يَستَكْبِرُونَ عَن عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنّمَ دَاخِرِين)()، فقد عبر عن العبادة في الآية بلفظ الدعوة في صدرها وبلفظ العبادة في ذيلها، وهذا يكشف عن وحدة التعبيرين في المعنى، وقد مر قوله - صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم - : «الدعاء مخ العبادة».
والجواب بوجوه: أوّلاً: أنّ المراد من الدعاء في قوله تعالى: (فلا تدعوا مع اللّه أحداً) ليس مطلق دعوة الغير بل الدعوة الخاصة المحدودة المرادفة للعبادة، ويدل عليه قوله سبحانه في نفس هذه الآية (وانّ المساجد للّه) .
وعلى ذلك فيكون المراد من النهي عن دعوة الغير هو الدعوة الخاصة المقترنة بالاعتقاد بكون المدعو ذا اختيار تام في التصرف في الكون وفي شأن من شوَونه سبحانه.
فإذا كان طلب الشفاعة مقترناً بهذه العقيدة يعد عبادة للمشفوع إليه. وإلاّ فيكون طلب الحاجة كسائر الطلبات من غيره سبحانه الذي لا يشك ذو مسكة في عدم كونها عبادة.
وثانياً: أنّ المنهي عنه هو دعوة الغير بجعله في رتبته سبحانه كما يفصح عنه قوله: (مع اللّه) وعلى ذلك فالمنهي هو دعوة الغير، وجعله مع اللّه، لا ما إذا دعا الغير معتقداً بأنّه عبد من عباده لا يملك لنفسه ولا لغيره ضراً ولا نفعاً ولا حياة ولا بعثاً ولا نشوراً إلاّ بما يملكه من اللّه سبحانه ويتفضّل عليه بإذنه ويقدر عليه بمشيئته، فعند ذاك فالطلب منه بهذا الوصف يرجع إلى اللّه سبحانه، وبذلك يظهر أنّ ما تدل عليه الآيات القرآنية من أنّ طلب الحاجة من الاَصنام كان شركاً في العبادة، فلاَجل انّ المدعو عند الداعي كان إلهاً أو رباً مستقلاً في شأن من شوَون وجوده أو فعله قال سبحانه: ( وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ)() وقال سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ تدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ)(). ترى أنّه سبحانه يستنكر دعاءهم بقوله: (لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون) وقوله: (عباد أمثالكم) مذكّر بأنّ عقيدتهم في حق هوَلاء عقيدة كاذبة وباطلة، فإنّ الاَصنام لا تستطيع نصر أحد، وهذا يكشف عن أنّ الداعين كانوا من جانب النقيض من تلك العقيدة، وكانوا يعتقدون بتملّك الاَصنام لنصرهم وقضاء حوائجهم من عند أنفسهم.
وثالثاً: أنّ الدعاء ليس مرادفاً للعبادة وما ورد في الآية والحديث من تفسير الدعاء بالعبادة في ذيلهما لا يدل على ما يرتئيه المستدل، فإنّ المراد من الدعاء فيهما قسم خاص منه، وهو الدعاء المقترن باعتقاد الاِلوهية في المدعو والربوبية في المطلوب منه كما عرفت.
4. الشفاعة حق مختص باللّه سبحانه لا يملكه غيره وعلى ذلك فطلبها من غير مالكها أمر غير صحيح، قال سبحانه: (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ شُفَعاءَ قُلْ أَوَ لَوْ كانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ قُلْ للّهِ الشَّفاعَةُ جَميعاً) .()
والجواب: انّ المراد من قوله سبحانه: (قل للّه الشفاعة جميعاً) ليس انّه سبحانه هو الشفيع دون غيره، إذ من الواضح انّه سبحانه لا يشفع عند غيره، بل المراد انّ المالك لمقام الشفاعة هو سبحانه وانّه لا يشفع أحد في حق أحد إلاّ بإذنه للشفيع وارتضائه للمشفوع له، ولكن هذا المقام ثابت للّه سبحانه بالاَصالة والاستقلال ولغيره بالاكتساب والاِجازة، قال سبحانه: (وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلاّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)() فالآية صريحة في أنّ من شهد بالحق يملك الشفاعة ولكن تمليكاً منه سبحانه وفي طول ملكه. وعلى ذلك فالآية أجنبية عن طلب الشفاعة من الاَولياء الصالحين الذين شهدوا بالحق وملكوا الشفاعة، وأُجيزوا في أمرها في حق من ارتضاهم لها.
هذا وكما أنّ الشفاعة التشريعية مختصة باللّه سبحانه وانّه المالك لها بالاَصالة وانّما يملكها الغير بإذن منه، هكذا الشفاعة في عالم التكوين وعالم العلل والمعاليل والاَسباب والمسببات، قال سبحانه: (اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمواتِ وَالاََرضَ وَما بَيْنَهما في سِتَّةِ أَيّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِىٍّ وَلا شَفيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ)() والمراد من الشفيع في الآية هو الشفيع في عالم التكوين بقرينة انّ البحث يدور حول خلق السماوات والاَرض ثم الاستواء على العرش ويعود معنى الآية إلى أنّ الاَسباب والمسببات الخارجية إذا كان بعضها شفيعاً لبعض في تتميم الاَثر (كالسحاب والمطر والشمس والقمر وغيرها شفعاء للنبات) فموجد الاَسباب وأجزائها هو الشفيع بالحقيقة التي يتم نقصها ويقيم صلبها فانّه سبحانه هو الشفيع بالحقيقة لا شفيع غيره .()
وإن شئت قلت: إنّ الآية بصدد نقد عقيدة المشركين حيث كانوا يعتقدون بأنّ الاَصنام والاَوثان تملك الشفاعة، فأراد سبحانه أن يوقظ شعورهم بأنّ مالكية الاَصنام لها فرع كونها ذا عقل وشعور حتى يمكن أن تستفيد من هذا الحق في شأن الشفعاء، وتلك الآلهة لا تعقل ولا تشعر شيئاً، كما يدل عليه قوله سبحانه: (قل أوَلَوْ كانوا لا يملكون شيئاً ولا يعقلون قل للّه الشفاعة جميعاً) .
5. طلب الشفاعة من الميت أمر باطل، ولعل هذا آخر سهم في كنانتهم فجعلوا طلب الشفاعة من أوليائه الصالحين أمراً لغواً، لاَنّهم أموات غير أحياء لا يسمعون ولا يعقلون.

والاستدلال باطل من وجوه:
أمّا أوّلاً: فلاَنّ البراهين الفلسفية قد أثبتت تجرد النفس الاِنسانية وبقاءها بعد مفارقة الروح البدن، وقد أثبت الفلاسفة ذلك بأدلة كثيرة لا مجال لذكرها في هذه الصفحات، وقد جئنا ببعضها في ما حرّرناه حول الروح في رسالة خاصة، ولعلّنا نقوم ببيانها عند البحث عن المعاد في القرآن الكريم.
وثانياً: أنّ الآيات صريحة في أنّ المقتولين في سبيل اللّه أحياء يرزقون قال سبحانه: (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا في سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ* فَرِحينَ بِما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاّ خَوْفٌ عَليْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ )(1) وهل يجد الوهابي مبرراً لتأويل الآية مع هذه الصراحة التي لا تتصور فوقها صراحة حيث أخبرت الآية عن حياتهم ورزقهم عند ربّهم وما يحل بهم من الاَفراح وما يقدمون عليه من الاستبشار بالذين لم يلحقوا بهم، وما يتفوّهون به في حقهم بقولهم كما يحكيه سبحانه: (ألاّ خوف عليهم ولا هم يحزنون) .
وعلى ذلك فلو كان الشفيع أحد الشهداء في سبيل اللّه تعالى، فهل يكون هذا الطلب لغواً؟!
وثالثاً: أنّ القرآن يعد النبي شهيداً على الاَُمم جمعاء، ويقول سبحانه: (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هوَلاءِ شَهِيداً)(2) فالآية تصرّح بأنّ النبي - صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم - شاهد على الشهود الذين يشهدون على أُممهم، فإذا كان النبي - صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم - شاهداً على الاَمم جمعاء أو على شهودهم فهل تعقل الشهادة بدون الحياة، أو بدون الاطّلاع على ما تجري بينهم من الاَُمور من الكفر والاِيمان والطاعة والعصيان؟!
ولا يصح لك أن تفسر شهادة النبي بشهادته على معاصريه ومن زامنوه، وذلك لاَنّه سبحانه عدّ النبي شاهداً في عداد كونه مبشراً ونذيراً، وهل يتصوّر أحد أن يختص الوصفان الاَخيران بمن كان يعاصره النبي؟! كلا لا، فإذن لا وجه لتخصيص كونه شاهداً بالاَُمّة المعاصرة للنبي.
فعند ذلك يكون طلب الشفاعة من النبي الاَكرم الذي هو حي بنص القرآن أمراً صحيحاً معقولاً، وأنت إذا لاحظت الآيات القرآنية تقف على أنّها تصرح بامتداد حياة الاِنسان إلى ما بعد موته، يقول سبحانه في حق الكافرين: (حَتّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلاّ إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) .()فهذه الآية تصرح بامتداد الحياة الاِنسانية إلى عالم البرزخ، وانّ هذا وعاء للاِنسان يعذّب فيها من يعذّب وينعّم فيها من ينعّم، أما التنعّم فقد عرفت التصريح به في الآية الواردة في حق الشهداء، وأمّا العقوبة فيقول سبحانه: (النّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَونَ أَشَدَّ الْعَذابِ) .()
وهناك آيات أُخر تدل على امتداد الحياة إلى ما بعد الموت نرجىَ نقلها إلى مكانها الخاص بل هناك آيات تدل بصراحة على ارتباطهم بنا، وارتباط بعضنا من ذوي النفوس القوية بهم.
وأمّا الاَحاديث الواردة في هذا المورد فحدث عنها ولا حرج، وقد روى المحدّثون قول النبي - صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم - : «ما من أحد يسلّم عليّ إلاّ رد اللّه روحي حتى أرد عليه السلام» .() كما نقلوا قوله: «إنّ للّه ملائكة سياحين في الاَرض يبلّغوني من أُمّتي السلام» .(2)
وفي الختام نرى أنّه سبحانه يسلم على أنبيائه في آيات كثيرة، ويقول: (سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمينَ) (سَلامٌ عَلى إِبْراهيمَ) (سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ) (سَلامٌ عَلى آلِ ياسِينَ) و(سَلامٌ عَلى الْمُرْسَلينَ) .()
كما يأمرنا بالتسليم على نبيه والصلوات عليه ويقول بصريح القول: (إِنَّ اللّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيّ يا أَيُّها الَّذينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِِوَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)()، فلو كان الاَنبياء والاَولياء أمواتاً غير شاعرين بهذه التسليمات والصلوات، فأي فائدة في التسليم عليهم، وفي أمر الموَمنين بالصلوات والسلام على النبي - صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم - ؟ والمسلمون أجمع يسلمون على النبي في صلواتهم بلفظ الخطاب، ويقولون: السلام عليك أيها النبي ورحمة اللّه وبركاته، وحمل ذلك على الشعار الاَجوف والتحية الجوفاء، أمر لا يجترىَ عليه من له إلمام بالقرآن والحديث.
6. انّ القرآن يصرح بوضوح انّ الموتى لا يسمعون ولا يبصرون قال سبحانه: (إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمُوتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوا مُدْبِرينَ)(5) فالآية تعرّف المشركين بأنّهم أموات ويشبههم بها، ومن المعلوم أنّ صحة التشبيه تتوقف على وجود وجه الشبه في المشبه به بوجه أقوى وليس وجه الشبه إلاّ أنّهم لا يسمعون، فعند ذلك تصبح النتيجة: انّ الاَموات مطلقاً غير قابلين للاِفهام ويدل على ذلك أيضاً قوله سبحانه: (إِنَّ اللّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ)(1)، والاستدلال بالآيتين على نسق واحد.
والجواب أوّلاً: أنّ الآية تنفي السماع والاِفهام عن الاَموات المدفونين في القبور، فإنّهم أصبحوا بعد الموت كالجماد لا يفهمون ولا يسمعون، وهذا غير القول بأنّ الاَرواح المفارقة عن هذه الاَبدان غير قابلة للاِفهام ولا للاِسماع والآيتان دالتان على عدم إمكان إسماع الاَموات والمدفونين في القبور، ولا تدلان على عدم إمكان تفهيم الاَرواح المفارقة عن الاَبدان، العائشة في البرزخ عند ربهم كما دلت عليه الآيات السابقة.
ومن المعلوم أنّ خطاب الزائر النبي بقوله: يا محمد اشفع لنا عند اللّه، لا يشير إلى جسده المطهر، بل إلى روحه الزكية الحية العائشة عند ربّها، إلى غير ذلك من الصفات التي يضفيها عليه القرآن الكريم وعلى سائر الشهداء.
والشاهد على ذلك انّا نرى: انّ المسلمين مع وقوفهم على هذه الآيات وتلاوتهم لها كانوا يتوجهون إلى النبي - صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم - بعد وفاته حيث روى الطبراني في الكبير عن عثمان بن حنيف انّ رجلاً كان يختلف إلى عثمان بن عفان، في حاجة له، وكان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته، فلقى ابن حنيف فشكا إليه ذلك، فقال له ابن حنيف: ائت الميضاة، فتوضأ، ثم ائت المسجد فصل ركعتين، ثم قل: اللّهم إنّي أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد نبي الرحمة، يا محمد إنـّي أتوجه بك إلى ربك أن تقضي حاجتي، وتذكر حاجتك، فانطلق الرجل فصنع ما قال، ثم أتى باب عثمان فجاءه البواب حتى أخذ بيده، فأُدخل على عثمان فأجلسه معه على الطنفسة فقال: حاجتك؟ فذكر حاجته وقضى له، ثم قال له: ما ذكرت حاجتك حتى كانت الساعة، وقال:ما كانت لك من حاجة فاذكرها، ثم إنّ الرجل خرج من عنده، فلقي ابن حنيف، فقال له: جزاك اللّه خيراً، ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت إلي حتى كلّمته فيّ، فقال ابن حنيف: واللّه ما كلّمته، ولكن شهدت رسول اللّه، وأتاه ضرير فشكا إليه ذهاب بصره، فقال له النبي صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم:« إن شئت دعوت أو تصبر»، فقال: يا رسول اللّه، انّه ليس لي قائد وقد شق علي، فقال له النبي: «ائت الميضاة، فتوضأ، ثم صل ركعتين، ثم ادع بهذه الدعوات»، قال ابن حنيف: فواللّه ما تفرّقنا وطال بنا الحديث حتى دخل علينا الرجل، كأنّه لم يكن به ضر .()
وثانياً: أنّ الاستدلال بالآيتين على ما يرتئيه المستدل غفلة عمّـا تهدف إليه الآيتان، فإنّ الآيتين في مقام بيان أمر آخر، وهو انّ المراد من الاِسماع هنا هو الهداية، وهي تتصور على قسمين: هداية مستقلة، وهداية معتمدة على إذنه سبحانه، والآيتان بصدد بيان انّ النبي غير قادر على القسم الاَوّل من الهدايتين، بل هي من خصائصه سبحانه وإنّما المقدور له هو الهداية المعتمدة على إذنه تعالى، ويدل على ذلك نفس الآية الواردة في سورة فاطر حيث يقول: (وَما يَسْتَوِي الاََعْمى وَالْبَصيرُ وَلاَ الظُّلُماتُ وَلاَ النُّورُ* وَلاَ الظِّلُّ وَلاَ الْحَرُورُ* وَما يَسْتَوِي الاََحْياءُوَلاَالاََمْواتُ إِنَّ اللّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ* إِنْ أَنْتَ إِلاّ نَذِيرٌ) .()
والمستدل أخذ بالجملة الوسطى، أعني قوله: (وما أنت بمسمع من في القبور) وغفل أو تغافل عن الجملتين الحافّتين بها، فإنّك إذا لاحظت قوله: (انّ اللّه يسمع من يشاء) تقف على أنّ المراد من قوله: (وما أنت بمسمع من في القبور) هو نفي الاِسماع أو الهداية المستقلة من دون مشيئته سبحانه، فكأنّه يقول: لست أيّها النبي بقادر على الهداية بل الهادي هو اللّه سبحانه، ولاَجل ذلك يعود فيصف النبي في الجملة الاَخيرة بأنّه «ليس إلاّ نذير» لا المتصرف في عالم الوجود مستقلاً ومعتمداً على إرادته.
والحاصل: انّ كون الآية بصدد بيان أنّ النبي ليس بقادر على إسماع الموتى وهدايتهم، شيء، وكونها بصدد أنّ النبي لا يقدر على الهداية والاِسماع مستقلاً ومعتمداً على إرادة نفسه، شيء آخر، والآية بصدد الاَمر الثاني لا الاَوّل، والذي يفيد المستدل هو الاَوّل، ويدل على ذلك قوله سبحانه: (لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ)() وقال سبحانه: (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ)() وقال سبحانه: (وَاللّهُ يَقُولُ الْحَقّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبيلَ)() فهذه الآيات قرينة على أنّ الغاية التي تهدف إليها تلك الآية هو سلب استقلال النبي بأمر الهداية وإسماعهم وان كان يقدر على ذلك بإذنه، بقرينة قوله سبحانه: (إِنْ تُسْمِعُ إِلاّ مَنْ يُوَْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ)()، وقال سبحانه: (وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا)() بل يصفه سبحانه بقوله: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ)() وبذلك تحصل انّ استدلال المستدل غفلة عن هدف الآية.
وإن شئت قلت: إنّ الظاهر من الآيات انّ النبي الاَعظم صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم كان حريصاً على هداية الناس وكان راغباً في إسعادهم كما يحكي عنه قوله تعالى: (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ)()، وقال تعالى: (وَما أَكْثَرُ النّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُوَمِنينَ)(1) وقال سبحانه: (ليسَ لكَ مِنَ الاََمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ)() وقال سبحانه: (لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلاّ يَكُونُو مُوَْمِنينَ)(3) ،كل هذه الآيات تشهد على إصرار النبي وعلاقته بهداية أُمّته، وعلى ذلك فيكون المراد من الآيات الناظرة إلى ما يطلبه النبي في أمر الاَُمّة، هو نفي كون النبي قائماً بذلك الاَمر على وجه الاستقلال، وعلى نحو الاِطلاق، سواء أشاء اللّه أم لم يشأ، بل انّما تنفذ إرادته وعلاقته بهدايتهم إذا وقعت في إطار إرادته سبحانه ومشيئته من غير فرق في ذلك بين الموتى والاَحياء، بإسماع الموتى وهداية الاَحياء.
وبذلك يظهر ما تهدف إليه آية سورة النمل، فإنّ المقصود من قوله: (إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوا مُدْبِرينَ)(4)هو انّك لا تقوم بإسماع الميت الواقعي، أو ميت الاَحياء كالمشركين والمنافقين مستقلاً، وإنّما المقدور لك هو ما تعلّقت مشيئته سبحانه بهدايتهم، ولاَجل ذلك يقول: (وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلاّ مَنْ يُوَْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ).()





    رد مع اقتباس
قديم 2013-08-18, 07:57 رقم المشاركة : 127
بالتوفيق
مشرف منتدى التعليم الثانوي التأهيلي
 
الصورة الرمزية بالتوفيق

 

إحصائية العضو







بالتوفيق غير متواجد حالياً


وسام الرتبة الثانية  في مسابقة القرآن الكريم

المرتبة الأولى في مسابقة صور وألغاز

وسام المرتبة الأولى للمسابقة الرمضانية الكبرى 2015

بالتوفيق

افتراضي رد: أدعية الحج


مقال 4 حول الشفاعة:

أسئلة حول طلب الشفاعة

قد اتّضح أنّ طلب الشفاعة بمعنى طلب الدعاء، ليس ممّا يرتاب في جوازه مؤمن واع، عارفٌ بالكتاب والسنّة،نعم ربما تُثار هنا شبهات أو أسئلة يجب رفعها أو الإجابة عليها وليست الأسئلة مطروحة على صعيد واحد ولأجل ذلك نذكر كلّ واحد بعنوان يُعرّف مغزاه، والجميع يرجع إلى طلب الدعاء من الشفيع بعد رحيله بعد تجويزه في حياته.
السؤال الأول: الشفيع ميّت كيف يُطلبُ منه الدُعاء؟
إنّ طلب الشفاعة وإن كان طلب الدعاء لكنّه لا جدوى فيه لكون الشفيع بعد الموت لا يستطيع أن يقوم بالدعاء.
على هامش السؤال
السؤال جدير بالدراسة والتحليل، وهو عالق على ذهن لفيف من الناس فهم يناجون في أنفسهم كيف يُطلَب الدُعاء والشفاعة من النبي الأكرم وهو ميّت لا يستطيع على إجابة طلب الطالب؟
أولا: إنّ الرجوع إلى القرآن المجيد، واستنطاقه في هذا المجال يوقفنا على جليّة الحال، وهو يعترف بموتهم مادياً لا موتهم على الإطلاق، بل يصرّح بحياة لفيف من الناس الذين انتقلوا من هذه الدنيا إلى الدار الآخرة من صالح وطالح، وسعيد وشقيٍّ، وها نحن نتلو على القارئ الكريم قسماً منها ليقف على أنّ الموت، أمرٌ نسبي، وليس بمطلق، ولو صار بدن الإنسان جماداً، ليس معناه بطلانه وانعدام شخصيته وليس الموت إلاّ انتقالا من دار إلى دار، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة وإليك لفيفاً من الآيات:
1 ـ قال سبحانه: {ولا تحسبنّ الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون * فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم أن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون} (آل عمران/169 ـ 170).
والآية صريحة في المقصود، صراحةً لا تتصوّر فوقها صراحة، حيث أخبرت الآية عن حياتهم ورزقهم عند ربهم وتبشيرهم لمن لم يلحقوا بهم، وما يتفوهون به في حقهم بقولهم: {ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون}.
وعلى ذلك فلو كان الشفيع أحد الشهداء في سبيل الله تعالى فهل يكون هذا المطلب لغواً؟!
2 ـ إنّ القرآن يعدّ النبي شهيداً على الأُمم جمعاء، ويقول سبحانه: {فكيف إذا جئنا من كل أُمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً} (النساء/41).
فالآية تصرّح بأنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) شاهد على الشهود الذين يشهدون على أُممهم فإذا كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) شاهداً على الأُمم جمعاء، أو على شهودهم فهل تعقل الشهادة بدون الحياة، وبدون الاطلاع على ما تجري فيهم من الأُمور من الكفر والإيمان والطاعة والعصيان؟!
ولا يصح لك أن تفسّر شهادة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بشهادته على معاصريه فقط، وذلك لأنّه سبحانه عدّ النبي شاهداً في عداد كونه مبشّراً ونذيراً، وهل يتصوّر أحدٌ أن يختص الوصفان الأخيران بمن كان يعاصر النبي؟!
كلاّ. فإذن لا وجه لتخصيص كونِهِ شاهداً على الأُمة المعاصرة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
3 ـ الآيات القرآنية صريحة في امتداد حياة الإنسان إلى ما بعد موته، يقول سبحانه في حقّ الكافرين: {حتى إذا جاء أحدهم الموت قال ربّ ارجعون * لعلّي أعمل صالحاً فيما تركت كلاّ إنّها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون} (المؤمنون/99 ـ 100).
فهذه الآية تصرّح بامتداد الحياة الإنسانية إلى عالم البرزخ، وإنّ هذا العالم وعاءٌ للإنسان يعذّب فيها مَن يُعذّب وينعَّم فيها من ينعَّم.
أمّا التنعُّم فقد عرفت التصريح به في الآية الواردة في حقّ الشهداء.
وأمّا العقوبة، فيقول سبحانه: {النار يعرضون عليها غدوّاً وعشيّاً ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشدّ العذاب} (غافر/46).
4 ـ هذا هو الذكر الحكيم ينقل بياناً عن الرجل الذي جاء من أقصى المدينة، وأيّد رسل المسيح، فلمّا قتل خوطب باللفظ التالي: {قيل ادخل الجنة} فأجاب بعد دخوله الجنة: {يا ليت قومي يعلمون * بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين} (يس/26 ـ 27) إلى غير ذلك من الآيات الدالة على امتداد الحياة، واستشعار لفيف من عباد الله لما يجري هنا وهناك، غير أنّا لا نَسمع بيانَهم ولا نفهم خِطابهم، وهم سامعون، عارفون بإذن الله سبحانه.
ثانياً: إنّ الأحاديث الواردة في هذا المورد فوق الحصر فحدِّث عنها ولا حرج، وقد روى المحدِّثون عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): " ما من أحد يسلّم عليّ إلاّ ردّ الله روحي حتى أردّ عليه السلام "(1) كما نَقَلوا قوله: " إنّ لله ملائكةً سيّاحين في الأرض يبلّغوني من أُمتي السلام "(2).
ثالثاً: نرى أنّه سبحانه يسلم على أنبيائه في آيات كثيرة، ويقول: {سلامٌ على نوح في العالمين ـ سلام على إبراهيم ـ سلام على موسى وهارون ـ سلام على آل ياسين ـ وسلام على المرسلين}(الصافات/79، 109، 120، 130، 181).
كما يأمرنا بالتسليم على نبيّه والصلوات عليه ويقول بصريح القول: {إنّ الله وملائكته يصلّون على النبي يا أيّها الذين آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليماً} (الأحزاب/56)، فلو كان الأنبياء والأولياء أمواتاً غير شاعرين لهذه التسليمات والصلوات فأيّ فائدة في التسليم عليهم وفي أمر المؤمنين في الصلاة، بالسلامِ على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ والمسلمون أجمع يسلّمون على النبي في صلواتهم بلفظِ الخطاب، ويقولون: السلامُ عليك أيّها النبي ورحمة الله وبركاته، وحَمْلُ ذلك على الشعارِ الأجوف والتحية الجوفاء، أمرٌ لا يجترئ عليه من له إلمامٌ بالقرآن والحديث.
السؤال الثاني: الشفيع ميّت وهو لا يسمع؟
هذا هو السؤال الثاني الذي ربّما يُطرَح في المقام، وهو أيضاً جديرٌ بالدراسة، ولكنّه في التحقيق صورةٌ صغيرة من السؤال السابق، فالتركيز ـ هنا ـ على خصوص عدم السماع، ولكنّه في السابق على معنىً أعم وهو عدم الاستطاعة على شيء سماعاً كان أو غيره.
ونقول: ربما يقال: ظاهر الذكر الحكيم على أنّ الموتى لا يسمعون، حيث شبّه المشركين بهم. ووجه الشبه هو عدم السماع. قال: {إنّك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصمّ الدعاء إذا ولّوا مدبرين}(النمل/80)، فالآية تصف المشركين بأنّهم أموات وتشبِّهُهُم بها، ومن المعلوم أنّ صحة التشبيه تتوقّف على وجود وجه الشبه في المشبَّه به بوجه أقوىً وليس وجه الشبه إلاّ أنّهم لا يسمَعون، فعند ذلك تُصبح النتيجة: إنّ
الأموات مطلقاً غير قابلين للإفهام ويدل على ذلك أيضاً قوله سبحانه: {إنّ الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور} (فاطر/22).
ووجه الدلالة في الآيتين واحد.
على هامش السؤال
القرآن الكريم منزّه عن التناقض والاختلاف وكيف لا يكون كذلك وهو يقول: {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً} (النساء/82) وهو يصرّح في غير واحد من آياته على أنّ الأنبياء كانوا يكلّمون الموتى ويخاطبونهم. ونلمس ذلك بوضوح في قصتي صالح وشعيب.
أمّا الأُولى: فالقرآن يحكي خطابَه لقومه ـ بعد هلاكهم وأخذهم الرجفة ـ ويقول: {فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين * فتولّى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبّون الناصحين} (الأعراف/78 ـ 79).
أمعن النظر في قوله: {فتولّى} حيث تصدَّر بالفاء الدالة على الترتيب: أي بعدما عمّهم الهلاك أعرض صالح بوجهه عنهم وخاطبهم بقوله: يا قوم...
أمّا الثانية فهو أيضاً قرينة الأُولى ونظيرتها قال سبحانه: {فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين * الذين كذبوا شعيباً كأن لم يغنوا فيها الذين كذّبوا شعيباً كانوا هم الخاسرين * فتولّى عنهم وقال يا
قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم فكيف آسى على قوم كافرين} (الأعراف/91 ـ 93).
إنّ الأُوليين من الآيات صريحتان في نزول البلاء عليهم وإبادتهم وإهلاكهم جميعاً ـ فبعد ذلك ـ يخاطبهم نبيُّهم شعيب معرِضاً بوجهه عنهم، مشعراً بالتبرّي ويقول: يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي... وليس لنا، ولا لغيرنا تأويل القرآن لأخذ موقف مسبَّق في الموضوع، بل يجب عرض الرأي عليه لا عرض القرآن على الفكر الإنساني.
ونكتفي من الآيات بما تلوناه عليك وهناك آيات أُخرى موحدة في المضمون نترك نقلها للاختصار.
السنّة لا تتفق مع عدم السماع
إنّ السنّة الكريمة، عدل القرآن، يُحتَجُّ بها كما يُحتجّ به، فقد أخذت موقف الإيجاب فهي لا تتفق مع عدم السماع وإليك نزراً يسيراً منها:
1 ـ ما أنتم بأسمعَ منهم
هذه الكلمة ألقاها النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما كان بمقربة من قتلى قريش، وكان يكلّمهم ولمّا اعترض عليه بعض أصحابه بقوله: " كيف تكلّمهم وهم قوم موتى " أجابه بقوله: " ما أنتم بأسمع منهم " وإليك التفصيل:
لقد انتهت معركة بدر بانتصار عظيم في جانب المسلمين وهزيمة نكراء في جانب المشركين. فقد غادر المشركون ساحة القتال هاربين صوب مكة مخلّفين وراءهم سبعين قتيلا من صناديدهم وساداتهم وفتيانهم الشجعان وسبعين أسيراً.
ولمّا أمر النبي بإلقاء قتلى المشركين في القليب وقفَ رسولُ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عند القليب وأخذ يخاطب القتلى واحداً واحداً ويقول:
" يا أهلَ القليب، يا عتبة بن ربيعة، ويا شيبة بن ربيعة، ويا أُمية بن خلف، ويا أبا جهل (وهكذا عدّ من كان منهم في القليب) هل وجدتم ما وعدَكم ربّكم حقاً، فإنّي قد وجدت ما وعدَني ربّي حقاً ".
فقال له بعض أصحابه: يا رسول الله أتنادي قوماً موتى؟
فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): " وما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولكنّهم لا يستطيعون أن يجيبوني ".
وكتب ابن هشام يقول: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: " يا أهل القليب بئس عشيرة النبيّ كنتم لِنبيّكم كذَّبتموني وصدّقني الناسُ، وأخرجتُموني وآواني الناس، وقاتلتُموني ونصرني الناس، (ثم قال هل وجدتُم ما وعدكم ربي حقاً؟ "(1).
وقد أنشد حسان قصيدة بائيّةٌ رائعة حول وقعة بدر الكبرى يشير في بعض أبياتها إلى هذه الحقيقة، أعني قصة القليب إذ يقول:

يناديهمْ رسولُ الله لمّا قذَفناهم كباكبَ في القليب

ألم تجِدوا كلامي كان حقاً وأمـرُ الله يـأخـذ بالقـلوب؟
فما نَطقوا ولو نَطقوا لقالوا صدقتَ وكنتَ ذا رأي مصيب!


على أنّه لا توجد عبارة أشد صراحة ممّا قاله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في المقام، حيث قال: " ما أنتم بأسمع منهم ".
وليس ثمة بيان أكثر إيضاحاً وأشد تقريراً لهذه الحقيقة من مخاطبة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لواحد واحد من أهل القليب، ومناداتهم بأسمائهم وتكليمهم كما لو كانوا على قيد الحياة.
فلا يحق لأيّ مسلم مؤمن بالرسالة والرسول، أن يسارع إلى إنكار هذه القضية التاريخية الإسلامية المسلّمة، ويبادر قبل التحقيق ويقول: إنّ هذه القضية غير صحيحة، لأنّها لا تنطبق مع الموازين العقلية المادية المحدودة.
وقد نقلنا هنا نصَّ هذا الحوار، لكي يرى المسلمون الناطقون باللغة العربية كيف أنّ حديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يصرّح بهذه الحقيقة، بحيث لا توجد مثلها عبارة في الصراحة، والدلالة على هذه الحقيقة.
روى الحافظ الطبراني عن الصحابي الجليل عثمان بن حنيف: أنّ رجلا كان يختلف إلى عثمان بن عفان في حاجة له، وكان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته، فلقى ابنَ حنيف فشكى إليه ذلك، فقال له ابنُ حنيف: إئت الميضأة، فتوظأ ثم ائتِ المسجد فصلِّ ركعتين، ثم قل: اللّهمّ إنّي أسألك وأتوجّه إليك بنبيّنا محمد نبيّ الرحمة، يا محمد إنّي أتوجّه بك إلى ربّك أن تقضي حاجتي، وتذكر حاجتك.
فانطلق الرجل فصنع ما قال، ثم أتى باب عثمان فجاءَه البوّاب حتى أخذ بيده، فأُدخِلَ على عثمان فأجلسه معه على الطنفسة فقال: حاجتك؟ فذكر حاجته وقضى له، ثم قال له: ما ذكرتُ حاجتك حتى كانت الساعة، وقال: ما كانت لك من حاجة فاذكرها، ثم إنّ الرجل خرج من عنده فلقى ابن حنيف فقال له: جزاك الله خيراً، ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت إليّ حتى كلّمتَه فيّ.
فقال ابن حنيف: والله ما كلّمته، ولكن شهدتُ رسول الله، وأتاه ضرير فشكى إليه ذهاب بصره، فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): إن شئت دعوتُ أو تصبر، فقال: يا رسول الله إنّه ليس لي قائدٌ وقد شقّ عليّ، فقال له النبي: ائت الميضأة فتوضّأْ ثم صلّ ركعتين ثم ادعُ بهذه الدَعَوات. قال ابنُ حنيف: فو اللهِ ما تفرَّقْنا وطال بنا الحديثُ حتى دَخَلَ علينا الرجلُ كأنّه لم يكن به ضر).
وقال الترمذي: هذا حديث حقٌّ حسنٌ صحيحٌ.
وقال ابن ماجة: هذا حديثٌ صحيحٌ.
وقال الرفاعي: لا شك أنّ هذا الحديث صحيحٌ ومشهورٌ(1).
تفسير الآيتين
إلى هنا اتّضح الأمر وإنّ هناك إسماعاً وسماعاً ومخاطِباً وخطاباً، وإفهاماً وفهماً، فعند ذلك تصل النوبة إلى تفسير الآيتين، علماً منّا ومن كل مسلم، بأنّه لا اختلاف في القرآن ولا تعارض بين آياته فنقول:
قال سبحانه: {فإنّك لا تسمع الموتى...} (الروم/52).
وقال تعالى: {وما أنت بمسمع من في القبور} (فاطر/22).
فالآيتان صريحتان في امتناع إسماع الموتى.
والجواب على هذا واضح: فإنّ هاتين الآيتين ناظرتان إلى الأجساد الموجودة في القبور، فإنّها هي التي لا تسمع، ولا تعي، والاتصال لا يكون بيننا وبين هذه الأجساد، بل يتحقّق بيننا وبين الأرواح الطاهرة والنفوس الزكية الباقية الخالدة، وإن تبعثر الجسدُ وتناثرت أجزاؤه فالأرواح هي التي يُسلَّم ويُصلّى عليها وهي التي تَسمع وتردُّ.
وأمّا الحضور عند المراقد التي تضم الأجساد والأبدان فلأجل أنّه يبعث على التوجه إلى صاحب تلك الأجساد ويكون أدعى إلى تذكّر خصاله، وصفاته، وإلاّ فإنّ الارتباط بهم، والسلام عليهم يمكن حتى
ولو من مكان ناء وبلد بعيد، كما تصرّح بعض أحاديث الصلاة على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
وبعبارة ثانية: إنّ الآية تنفي السماع والإفهام عن الأموات المدفونين في القبور، فإنّهم أصبحوا بعد الموت كالجماد لا يفهمون ولا يسمعون، وهذا غير القول بأنّ الأرواح المفارقة عن هذه الأبدان غير قابلة للإفهام ولا للإسماع. والآيتان دالّتان على عدم إمكان إسماع الأموات والمدفونين في القبور، ولا تدلاّن على عدم إمكانية تفهيم الأرواح المفارقة عن الأبدان، العائشة في البرزخ عند ربّهم كما دلّت عليه الآيات السابقة.
ومن المعلوم أنّ خطاب الزائر للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله: يا محمد اشفَعْ لنا عند الله، لا يشير إلى جَسَده المطهَّر، بل إلى روحه الزكية الحية العائشة عند ربّها إلى غير ذلك من الصفاتِ التي يضفيها عليه القرآن الكريم وعلى سائر الشهداء. حتى إنّ النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)وإن وقف عند أجساد أهل القليب لكن التكلّم مع أرواحهم، والوقوف عنده، لأجل تخصيص خطابه بهم وإفهامه لغيرهم من الحاضرين.
تحقيق رائع حول الآيتين
هناك تحقيق رائع حول الآيتين، لا يقف عليه إلاّ الذي كرّس عمره في تفسير القرآن. وإليك بيانه: إنّ الآيتين في مقام بيانِ أمر آخر وهو أنّ المراد من الإسماع هنا هو الهداية وهي تتصوَّر على قسمين: هداية مستقلة، وهداية معتمدة على إذنه سبحانه، والآيتان بصدد بيان أنّ النبي غير قادر على القسم الأوّل من الهدايتين، بل هي من خصائصه سبحانه، وإنّما المقدور له هو الهداية المعتمدة على إذنه تعالى، ويدل على ذلك نفس الآية الواردة في سورة فاطر حيث يقول:{وما يستوي الأعمى والبصير * ولا الظلمات ولا النور * ولا الظل ولا الحرور * وما يستوي الأحياء ولا الأموات * إنّ الله يُسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور * إن أنت إلاّ نذير} (1).
وإذا قارنتَ قولَه: {وما أنت بمسمع من في القبور} مع قوله: {إنّ الله يسمع من يشاء} تقف على أنّ المراد من قوله: {وما أنت بمسمع من في القبور} هو نفي الإسماع أو الهداية المستقلّة من دون مشيئته سبحانه، فكأنّه يقول: لستَ أيّها النبي بقادر على الهداية، بل الهادي هو الله سبحانه، ولأجل ذلك يعود فيصف النبي في الجملة الأخيرة بأنّه: {ليس إلاّ نذير} لا المتصرف في عالم الوجود مستقلا ومعتمداً على إرادته.
وبعبارة ثانية: إنّ كون الآية بصدد بيان أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ليس بقادر على إسماع الموتى وهدايتهم مطلقاً، شيء، وكونها بصدد أنّ النبي لا يقدر على الهداية والإسماع مستقلاّ ومعتمداً على إرادة نفسه، شيءٌ آخر. والآية بصدد بيان الأمر الثاني لا الأوّل. ويدل على ذلك قوله سبحانه: {ليس عليك هداهم ولكنّ الله يهدي من يشاء} (البقرة/272). وقال سبحانه: {إنّك لا تهدي من أحببت ولكنّ الله يهدي من يشاء} (القصص/56)، وقال سبحانه: {والله يقول الحق وهو يهدي السبيل} (الأحزاب/4).
فهذه الآيات تؤكد الغاية التي تهدف إليها تلك الآية (أي نفي استقلال النبي بأمر الهداية وإسماعهم) وإن كان يقدر على ذلك بإذنه بقرينة قوله سبحانه: {إن تسمع إلاّ من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون}(النمل/81 والروم/53) وقوله سبحانه: {وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا} (السجدة/24)، بل يصفه سبحانه بقوله: {وإنّك لتهدي إلى صراط مستقيم} (الشورى/52) وبذلك يظهر أنّ المستدل أغفل هدف الآية.
والتدبر في الآيات يوحي أنّ النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) كان حريصاً على هداية الناس وكان راغباً في إسعادهم كما يحكي عنه قوله تعالى: {إنّك لا تهدي من أحببت ولكنّ الله يهدي من يشاء} (القصص/56) وقال تعالى: {وما أكثر الناس ولو حرصتَ بمؤمنين} (يوسف/103) وقال سبحانه: {ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم} (آل عمران/128) وقال سبحانه:{لعلّك باخعٌ نفسك ألاّ يكونوا مؤمنين} (الشعراء/3).
كل هذه الآيات تؤكد إلحاح النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وحرصه على هداية أُمته، وعلى ذلك فيكون المراد من الآيات التي توحي طلب النبي في أمر الأُمة، هو نفي كون النبي قائماً بذلك الأمر على وجه الاستقلال، وعلى نحو الإطلاق، سواء شاء الله أم لم يشأ. بل إنّما تتحقق إرادته وعلاقته بهدايتهم إذا وقعت في إطار إرادته، سبحانه ومشيئته من غير فرق في ذلك بين الموتى والأحياء، بإسماع الموتى وهداية الأحياء.
وبذلك يظهر ما تهدف إليه آية سورة النمل فإنّ المقصود من قوله: {إنّك لا تسمِعُ الموتى ولا تسمِعُ الصمَّ الدعاءَ إذا ولَّوا مدبرين} (النمل/80) هو أنّك لا تقوم بإسماع الميت الواقعي، أو ميّت الأحياء كالمشركين والمنافقين مستقلاّ، وإنّما المقدور لك هو ما تعلّقت مشيئته سبحانه بهدايتهم، ولأجل ذلك يقول: {وما أنت بهادي العمى عن ضلالتهم إن تسمع إلاّ من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون} (النمل/81).
فلو تعلّقت مشيئته تهدي من يشاء وتسمع من يشاء من دون فرق بين المؤمن والكافر، والحي والميت.
السؤال الثالث: الشفاعة فعل الله
الشفاعة فعل الله سبحانه، ولا يُطلب فعلُه من غيره، قال سبحانه: {قل لله الشفاعة جميعاً له ملك السموات والأرض ثم إليه ترجعون} (الزمر/44).
فاذا كانت الشفاعة مملوكة لله وهو المالك لها، فكيف يُطلَب ما يرجع إليه من غيره؟
على هامش السؤال
لا شك أنّ الشفاعة لله كما هو صريح الآية وما يرجع إليه سبحانه لا يُطلَب من غيره. مثلا إنّ الرزق والإحياء والإماتة له لا تُطلَب من عباده. غير أنّ المهم تشخيص ما يرجع إليه سبحانه، وتمييزه ما أعطاه لعباده الصالحين.
إنّ الشفاعة المطلقة ملك لله سبحانه، فلا شفيع ولا مشفوع له، بلا إذنه ورضاه فهو الذي يسنُّ الشفاعة ويأذن للشافع، ويبعث المذنب إلى باب الشافع ليستغفر له، إلى غير ذلك من الخصوصيات. فلا يملك الشفاعة بهذا المعنى إلاّ هو، وبذلك يردّ القرآن على المشركين الذين كانوا يزعمون أنّ أربابهم يملكون الشفاعة المطلقة فالشفاعة بهذا المعنى غير مسؤولة ولا مطلوبة من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
والمسؤول والمطلوب من النبي والصالحين هو الشفاعة المرخّصة المحدّدة، من الله سبحانه، أي ما رخّص لهم في أن يشفعوا ويطلبوا لعباده الغفران، فمثل هذه الشفاعة المرخّصة المأذونة ليست له لأنّه سبحانه فوق كل شيء، لا يَستأذن ولا يُؤذن ولا يُحدّد فعله.
وبعبارة واضحة: المراد من قوله سبحانه: {قل لله الشفاعة جميعاً} ليس أنّه سبحانه هو الشفيع دون غيره، إذ من الواضح أنّه سبحانه لا يشفع عند غيره، بل المراد أنّ المالك لمقام الشفاعة هو سبحانه وأنّه لا يشفع أحد في حقّ أحد إلاّ بإذنه للشفيع وارتضائه للمشفوع له، ولكن هذا المقام ثابت لله سبحانه بالأصالة والاستقلال، ولغيره بالاكتساب والاجازة، قال سبحانه: {ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلاّ من شهد بالحق وهم يعلمون} (الزخرف/86).
فالآية صريحة في أنّ من شهد بالحق يملك الشفاعة ولكن تمليكاً منه سبحانه وفي طول ملكه.
وعلى ذلك فالآية أجنبية عن طلب الشفاعة من الأولياء الصالحين الذين شهدوا بالحق وملكوا الشفاعة، وأُجيزوا في أمرها في حقّ من ارتضاهم لها.
وأنت أيّها الأخ المتحرر من كل رأي مسبق، إذا لاحظتَ ما ذكرته سابقاً في تفسير الآية، يتضح لك، أنّ طلب الشفاعة من الصالحين، ليس طلبَ فعله سبحانه من غيره.
السؤال الرابع: طلب الشفاعة يشبه عمل المشركين
إنّ طلب الشفاعة يشبه عمل عَبَدة الأصنام في طلبهم الشفاعة من آلهتهم الكاذبة الباطلة، وقد حكى القرآن ذاك العمل منهم، قال سبحانه: {ويعبدون من دون الله ما لا يضرّهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله} (يونس/18) وعلى ذلك فالاستشفاع من غيره سبحانه عبادة لهذا الغير.
على هامش السؤال
ما كنت أفكّر أيّها الأخ أن تغتر بظواهر الأعمال وتقضي بالبساطة والسذاجة، مع أن القرآن أمر بالتدبّر والتفكّر والدقّة في مصادر الأعمال وجذورها، لا بالاغترار بظاهرها.
فالفرق واضحٌ بين عمل المسلم والمشرك لأنّك إذا أمعنتَ النظر في مضمون الآية تقف على أنّ المشركين كانوا يقومون بعملين:
1 ـ عبادة الآلهة ويدل قوله عليه: {ويعبدون...}.
2 ـ طلب الشفاعة ويدل عليه: {ويقولون...}.
وكان علّة اتّصافهم بالشرك هو الأوّل لا الثاني، إذ لو كان الاستشفاع بالأصنام عبادة لها بالحقيقة، لما كان هناك مبرّرٌ للإتيان بجملة أُخرى، أعني قوله: {ويقولون هؤلاء شفعاؤُنا} بعد قوله: {ويعبدون...} إذ لا فائدة لهذا التكرار، وتوهم أنّ الجملة الثانية توضيحٌ للأُولى خلاف الظاهر، فإنّ عطف الجملة الثانية على الأُولى يدل على المغايرة بينهما.
إذاً لا دلالة للآية على أنّ الاستشفاع بالأصنام كان عبادة، فضلا عن كون الاستشفاع بالأولياء المقربين عبادة لهم.
وهناك فرق واضح بين طلب شفاعة الموحِّد من أفضل الخليقة ـ عليه أفضل التحية ـ وطلب شفاعة المشرك، حيث إنّ الأول يطلب الشفاعة منه بما أنّه عبدٌ صالح أذِنَه سبحانه ليشفع في عباده تحت شرائط خاصة، بخلاف المشرك فإنّه يطلب الشفاعة منه، بما أنّه ربّ يملك الشفاعة يعطيها من يشاء ويمنعها عمّن يشاء. أفيصح عطفُ أحدهما على الآخر والحكم بوحدتهما جوهراً وحقيقة؟!
كيف يصح لمسلم واع اتخاذ المشابهة دليلا على الحكم، فلو صح ذلك لزم عليه الحكم بتحريم أعمال الحج والعمرة فانّها مشابهة لأعمال المشركين، أمام أربابهم وآلهتهم.
{إنّ في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السّمع وهو شهيد}.





    رد مع اقتباس
قديم 2013-08-18, 11:39 رقم المشاركة : 128
خالد السوسي
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية خالد السوسي

 

إحصائية العضو








خالد السوسي غير متواجد حالياً


وسام المنظم في مسابقة القران الكريم

مشارك في مسابقة صور وألغاز

وسام المشاركةفي المسابقة الرمضانية الكبرى 2015

وسام المنظم مسابقة الأستاذ الرمضانية

مسابقة كان خلقه القران1

وسام المرتبة الأولى في مسابقة المصطلحات

وسام المرتبة الأولى في مسابقة ألغاز رمضان

وسام المشاركة في مسابقة التصوير الفوتوغرافي

وسام المركز الأول في مسابقة استوقفتني آية

وسام مشارك في دورة حفظ سورة البقرة

افتراضي رد: أدعية الحج




أخي الطيب بالتوفيق

مانقلته لنا ليس بحجة مطلقا على جواز التوسل بالأموات و طلب الشفاعة منهم

فلو كان خيرا لسبقنا إليه افضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم صحابته رضوان الله عنهم وقد كانوا اشد الناس منا حرصا على الخير


كما أنك قدمت مقالا حول الشفاعة للمسمى جعفر السبحاني ينسف إجماع أهل السنة حول مسألة الشفاعة والتوسل بالأموات

هل تعلم من يكون هذا الشخص حتى تنقل له ؟


هو من الشيعة وما أدراك ما الشيعة وما أدراك ماكرههم للسنة وبغضهم لها

هؤلاء قوم لايتورعون في الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم






التوقيع


جميع من عاش في القرون الثلاثة المفضلة لم يحتفل بالمولد
فلم نحتفل نحن ؟ هل نحن أعلم و أفقه منهم ؟
و لماذا غاب هذا الخير عنهم وعلمه من جاء بعدهم ؟
و لماذا لا يتحدث الناس عن يوم وفاته الذي كان يوم 12 ربيع الأول ؟
أغلب الناس الذين يحتفلون لسان حالهم :
بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون
بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون
من كان مستنا فليستن بمن سبق...
اللهم أمتنا على السنة..


    رد مع اقتباس
قديم 2013-08-18, 11:41 رقم المشاركة : 129
خالد السوسي
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية خالد السوسي

 

إحصائية العضو








خالد السوسي غير متواجد حالياً


وسام المنظم في مسابقة القران الكريم

مشارك في مسابقة صور وألغاز

وسام المشاركةفي المسابقة الرمضانية الكبرى 2015

وسام المنظم مسابقة الأستاذ الرمضانية

مسابقة كان خلقه القران1

وسام المرتبة الأولى في مسابقة المصطلحات

وسام المرتبة الأولى في مسابقة ألغاز رمضان

وسام المشاركة في مسابقة التصوير الفوتوغرافي

وسام المركز الأول في مسابقة استوقفتني آية

وسام مشارك في دورة حفظ سورة البقرة

افتراضي رد: أدعية الحج






أما مسألة الشفاعة والاستدلال بقوله تعالى : ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك...الاية

فلم يقل به أحد من اهل العلم أن من ظلم نفسه يأتي قبر الرسول صلى الله عليه وسلم ليستغفر له ..


كما أنك لو تأملت الآية جيدا ستجد أن ضمير أنهم يعود على ما قبله وهم المنافقون ...ثم اذا أتممت الآية فستجد ان المسألة تتعلق بحياته صلى الله عليه وسلم :

فلاوربك لايومنون حتى يحكموك في ماشجر بينهم



ومسألة أخرى فحرف إذ يدل على الماضي وليس على الحاضر أو المستقبل

ومسألة مهمة

أن الصحابة رضوان الله عنهم لم يقولوا بمافهمه السبحاني وغيره من الصوفية من الآية وهو عليه الصلاة والسلام أحب الناس إليهم

و لو فهموه لأخبرونا به ولفعلوه وهم من اشد الناس حرصا على فعل الخير وتمسكا بالسنة وفهما لكلام الله جل جلاله..فلماذا لم يفعلوا ذلك وهم من اشد الناس حبا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؟


و أهم مسألة في هذه الاية والتي لا ينتبه اليها من يبيح التوسل بالأموات مسألة طلب المغفرة من الله أولا

فقد أغفلوا الاستغفار وطلب المغفرة ممن يملك المغفرة جل جلاله وذهبوا الى من هو دونه

فهم قد هجروا العمل بالاية .. فلم يستغفروا الله فلو استغفروه لغفر لهم

ولكنهم يأتون إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم ويسألونه المغفرة !!!!

وهذا لم يأمر الله به ولم يأمر به رسوله صلى الله عليه وسلم

ولو كان خيرا لما أخفاه عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي يوحى إليه وهو الذي أمره الله بتبليغ ما أرسل إليه

و الله أعلم

بارك الله فيكم و أحسن إليكم ووفقكم لكل خير









التوقيع


جميع من عاش في القرون الثلاثة المفضلة لم يحتفل بالمولد
فلم نحتفل نحن ؟ هل نحن أعلم و أفقه منهم ؟
و لماذا غاب هذا الخير عنهم وعلمه من جاء بعدهم ؟
و لماذا لا يتحدث الناس عن يوم وفاته الذي كان يوم 12 ربيع الأول ؟
أغلب الناس الذين يحتفلون لسان حالهم :
بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون
بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون
من كان مستنا فليستن بمن سبق...
اللهم أمتنا على السنة..


    رد مع اقتباس
قديم 2013-08-18, 13:32 رقم المشاركة : 130
بالتوفيق
مشرف منتدى التعليم الثانوي التأهيلي
 
الصورة الرمزية بالتوفيق

 

إحصائية العضو







بالتوفيق غير متواجد حالياً


وسام الرتبة الثانية  في مسابقة القرآن الكريم

المرتبة الأولى في مسابقة صور وألغاز

وسام المرتبة الأولى للمسابقة الرمضانية الكبرى 2015

بالتوفيق

افتراضي رد: أدعية الحج


أخي الفاضل
لقد طال النقاش و استطال
و لم يفسد الود و المودة القائمة
بعد موضوع الأدعية و التي أدرجت أسانيد معظمها و ذكّرت بأنها غير ملزمة و إنما هي معينة و خير زاد للحاج
ولجنا موضوع الشفاعة و قدمت أحاديث صحيحة في صحيح البخاري تثبتها ثم بقي هل يتم الدعاء بها بعد موت رسول الله صلى الله عليه و سلم و هنا:
لقد أدرجت لكم أربع مقالات لأربع علماء مختلفي المشارب و المذاهب تبين أصل هذا الإشكال المحدث
و فيها أجوبة مفصلة لكل تساؤلاتكم الأخيرة و التي قبلها
و هذه المقالات تتطلب قراءة متأنية مستقصية لأنها طويلة و تحليلها عميق.
و لا داعي للاهتمام بالشخص بل بما يقول، فأتمنى أن تراجعوا المقالات.



فشخصيا أسمي ابن تيمية بشيخ الإسلام
و أسمي أبا حامد الغزالي بالإمام و حجة الإسلام
و أسمي العقاد بالعبقري
و أسمي أبا بكر بالصديق رضي الله عنه
و أسمي عمر بالفاروق رضي الله عنه
و أسمي عثمان بذي النورين رضي الله عنه
و أسمي علي بأمير المؤمنين كرم الله وجهه و الحسن و الحسين بحفيدي الرسول عليهم السلام
و أسمي مالك رضي الله عنه بالإمام عالم المدينة
فإذا كان لكم توجه يميل لرأي شيخ الإسلام بن تيمية في الموضوع، فهو توجه نحترمه، لكن هناك آلاف و آلاف من العلماء يخالفونه الرأي و لهم حجتهم و لا ينبغي انتقاصهم و هناك مذاهب أخرى لا تتفق معه لا ينبغي انتقاصها، و مذهبنا الذي هو مذهب بلادنا مذهب الإمام مالك رضي الله عنه يقرّ الشفاعة و قد أدرجت حديثا للإمام مالك في أحد المقالات الأربع يشير لذلك.
إن كل حاج لبيت الله الحرام يجد أقواما و أقوام: موحدون و مسلمون يتعبدون الله بأشكال مختلفة التفاصيل، و بأدعية مختلفة التعابير و الأسانيد، خاشعون باكون ضارعون يطلبون رضوان الله و أن يتقبل أعمالهم، لهم لغات مختلفة و أجناس مختلفة و أعراف مختلفة و مذاهبهم مختلفة بل قد يقولون لك إن مذهبهم مثلا هو الشافعية فتجدهم مختلفين عن شافعية مصر إلى غير ذلك من التفريعات، فلا ننكر ما يقومون به بل نعذرهم و نتفهم إمكانية صحة ما يقومون به رغم اقتناعنا بما نقوم به.
فالدين يُسر و واسع
و هناك مثال آخر مفيد و مفاجئ رغم أنه بعيد عن هذا الموضوع
و هو صيام ست من شوال
نحن في المغرب، و حسب المذهب المتبع عندنا لا يقر هذه الأيام، و لم يدرج أجدادنا على صيامها
و مثال آخر هو الدعاء جهرا في الصلاة كما في أدعية القنوت و التراويح، ليست في مذهبنا
بل قد وفدت علينا هذه العادة في العقود الأخيرة من المشرق من مذهبهم.
فاستقصوا في الأمر و ستجدون ما أقول صحيحا
و رغم ذلك كثير منا دأب على صيامها و لا مشكل في ذلك. و كثير منا يدعو جهرا و لا مشكل في ذلك.

سيدي لقد أثرتم موضوعا شائكا مركبا صعبا أدخلتموني فيه بالرغم عني، و قد أوضحت و فسرت ما وسعني ذلك، و قد أخذ مني ذلك ساعات طويلة من البحث و التقصي
فأستسمحكم في أنني سأكتفي بهذا القدر
و لكم واسع النظر
تقبلوا تقديري و احترامي و مودتي





آخر تعديل بالتوفيق يوم 2013-08-18 في 21:05.
    رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are معطلة


مــــواقـــع صـــديــقــة مــــواقـــع مـــهــــمــــة خـــدمـــــات مـــهـــمـــة
إديــكـبـريــس تربويات
منتديات نوادي صحيفة الشرق التربوي
منتديات ملتقى الأجيال منتديات كاري كوم
مجلة المدرس شبكة مدارس المغرب
كراسات تربوية منتديات دفاتر حرة
وزارة التربية الوطنية مصلحة الموارد البشرية
المجلس الأعلى للتعليم الأقسام التحضيرية للمدارس العليا
مؤسسة محمد السادس لأسرة التعليم التضامن الجامعي المغربي
الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي التعاضدية العامة للتربية الوطنية
اطلع على وضعيتك الإدارية
احسب راتبك الشهري
احسب راتبك التقاعدي
وضعية ملفاتك لدى CNOPS
اطلع على نتائج الحركة الإنتقالية

منتديات الأستاذ

الساعة الآن 10:43 لوحة المفاتيح العربية Profvb en Alexa Profvb en Twitter Profvb en FaceBook xhtml validator css validator

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML
جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd