الرئيسية | الصحيفة | خدمات الإستضافة | مركز الملفات | الحركة الانتقالية | قوانين المنتدى | أعلن لدينا | اتصل بنا |

أفراح بن جدي - 0528861033 voiture d'occasion au Maroc
educpress
للتوصل بجديد الموقع أدخل بريدك الإلكتروني ثم فعل اشتراكك من علبة رسائلك :

فعاليات صيف 2011 على منتديات الأستاذ : مسابقة استوقفتني آية | ورشة : نحو مفهوم أمثل للزواج

العودة   منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد > منتديات الثقافة والآداب والعلوم > منتدى الثقافة والفنون والعلوم الإنسانية > الفلسفة العامة والفكر الإسلامي > علم الاجتماع


إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 2012-04-29, 21:09 رقم المشاركة : 1
رشدية جابرية
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية رشدية جابرية

 

إحصائية العضو







رشدية جابرية غير متواجد حالياً


وسام المشاركة في دورة HTML

وسام مشارك في دورة حفظ سورة البقرة

a7 النظر الإبستمولوجي ضرورته ومعناه.



الابستمولوجيا ـ باللفظ وبالمعنى التقني للكلمة ـ لم تظهر إلا في القرن التاسع عشر. ففي فرنسا، قبل ظهور ملحق القاموس المصور عام 1906 بقليل، كان هذا المفهوم قد بدأ يتكون في موسوعة جان لورون دالمبير (1717-1773) Jean Le Rond D’Alembert، حيث ظهرت بعض المعاني الجديدة. وفي النصف الأول من القرن 19م سيظهر كتاب أوجست كونت A. Comte "دروس في الفلسفة الوضعية"، أعطى فيه نظرية للعلم قائمة على تصنيف جديد للعلوم. وفيه سيدخل علم الاجتماع بديلا لكل الدراسات الفلسفية، ويقول: علينا أن نخلق علما جديدا يبحث في العلاقات بين هذه العلوم، وكيف يمكن خلق التركيب الذي يربط بعضها ببعض، وهو العلم الذي سيحمل اسم فلسفة العلوم: وهو فرع علمي جديد مهمته وصف المعارف العلمية وتصنيفها، وبيان موقع العلم في صنافة العلوم، ووظيفته في علاقته بالعلوم الأخرى. فالتخصصات العلمية لا ينبغي أن تبقى مشتتة يتلاعب بها الفلاسفة المشتغلون بالميتافيزيقا، بل ينبغي أن يوجد فرع علمي أعلى يدرس التعميمات العلمية، فيحدد روح كل تخصص علمي ومبادئه، ويكشف عن العلاقات بينها، ويستخرج المبادئ العامة المشتركة بينها. إذن، فالإبستمولوجيا من حيث هي فلسفة للعلوم تقوم بخطوتين: الأولى: وصفية: وصف العلم وتصنيفه، والثانية تركيبية: وظيفة العلوم وعلاقتها فيما بينها.
تيار كونت الوضعي طوره بعد ذلك إرنست ماخ في ألمانيا في نهاية ق 19، وفي هذه المرحلة إلى حدود ق20 كانت العلوم الطبيعية تعيش أزمة: أزمة الأسس[2]، وهي أزمة تهم اليقين العلمي في ذاته حيث تمت زعزعة اليقينيات العلمية السائدة، وبدأنا نشهد تيارات ونظريات مختلفة داخل المجال العلمي مما وضع فكرة اليقين والثبات في الحقائق العلمية موضع شك.
هذه الأزمات أدت إلى تطوير الإبستمولوجيا مع بداية القرن 20 حيث سيكتمل المعنى التقني للإبستمولوجيا وسيظهر في ملحق القاموس المصور في 1906: "الدراسة الوصفية التحليلية والنقدية للمعرفة العلمية"[3].
ثم شهد هذا المصطلح انتشارا كبيرا من فرنسا إلى بريطانيا وألمانيا وظهر أعلام آخرون انشغلوا به أكثر، منهم: بيير دوهيم P. Duhem الذي اشتهر ببحوثه الأصيلة في الفيزياء النظرية وكتاباته المهمة في تاريخ العلوم وفلسفتها[4]. إلى جانب كونه مستشرقا كتب في (مصادر الفلسفة الإسلامية) قولا مهما، وبرتراند راسلB. Russel، الذي ألف مع وايت هيد A. N. Whitehead كتاب (مبادئ الرياضيات) Principia Mathematica بين 1900 و1911، وهو قول فلسفي في الرياضيات، وهنري بوانكاري H. Poincaré الذي يقف على عتبة إنشاء المصطلح بالمعنى الجديد[5]، وليون برانشفيك L. Brunschvicg الذي اشتغل بالأسس النفسية للمعرفة العلمية[6]، وهي زاوية مهمة من النظر الابستمولوجي: كيف يفكر العالم؟ لماذا اختار هذه الطريقة في الكتابة والتصنيف؟ هل هناك مؤثرات نفسية في كل ذلك؟ وهو نظر سيطوره غاستون باشلار G. Bachelard شيخ الإبستمولوجيا الفرنسية حتى مطلع الستينيات من القرن الماضي رابطا بين التحليل والنقد في عمل الابستمولوجي.
تحت خاصية التحليل يدخل: تحليل لغة العلم. وقد تصدرت له المدرسة التحليلية الأنجلوسكسونية، وهيمنت على فلسفة العلم فترة مهمة. ولكن مفهوم التحليل ـ بما في ذلك التحليل اللغوي نفسه ـ أوسع بكثير مما أخذت به تلك المدرسة[7]. وثمة بعد ذلك التحليل النفسي الباشلاري للمعرفة العلمية، الذي يجتهد في البحث عن العوائق الإبستمولوجية ودورها في عمل العالم خاصة وفي تاريخ العلوم عامة.
وأما النقد فيتفرع إلى عملين أساسين:
عمل تاريخي: وهنا سيصبح تاريخ العلوم أحد الميادين المهمة في الدراسة الإبستمولوجية، لأن بعض المراحل قد تلغي مسائل مهمة في المراحل السابقة. مما دفع إلى تجديد النظر في مشاكل العلوم وأخطائها، حيث أصبح الخطأ عنصرا أساسيا في العلم. وإنما المقصود بالخطأ: ذلك الخطأ البنيوي الداخل في بنية العلم[8]، أعني: موضوع العلم (أي: المادة العلمية والمفاهيم العلمية)، ومنهجيته أو مناهجه، ونتائجه ونظرياته.
ومن الأمور المثارة في هذا الجانب: المرحلية أو التحقيب في العلم، فالأخطاء قد تؤدي إلى انقلابات وثورات في العلم تفضي إلى تغييرات في مسار العلم: (في النظرة إلى الموضوع والمناهج والنظريات). وهذه فكرة لغاستون باشلار، الذي كان أول من أثار مفهوم القطيعة الإبستمولوجية في العلم[9]. ثم سال مداد كثير في موضوع القطيعة والتراكم، أو الانفصال والاتصال في تاريخ العلوم خاصة، وفي النظر الابستمولوجي للمعرفة العلمية عامة. وخاصة بعد استعمال طوماس كون T. Kuhn مفهوم الثورات أو الانقلابات في الأنساق والتقاليد العلمية التي سماها بالبراديغمات. وصار حصاد النظر الابستمولوجي للمعرفة العلمية غنيا بالأسئلة التي ينبغي على كل علم أن يواجهها في ذاته: سواء على مستوى الموضوعات والمفاهيم، أو على مستوى المناهج والأساليب، أو على مستوى النظريات وطبيعة اليقين العلمي. وكذا الأسئلة التي ينبغي على كل علم أن يواجهها في علاقته بغيره: تصنيفا وترتيبا، أو تكاملا وتفاعلا.
عموما، فإن مصطلح فلسفة العلوم من حيث هو ضميمة اصطلاحية: يعني الاشتغال على نتائج المعرفة العلمية على عدة أنحاء متراتبة، فتكون:
1: تركيبا، فيقتصر عليه: وذلك بتصنيف العلوم وإنجاز دراسات أو اعتبارات تمثل درجة رفيعة من العمومية، وتنزع إلى رد كل نظام معرفي إلى عدد قليل من المبادئ الموجهة، كما رأى أوجست كونت A. Comte (1798-1857م)[10].
2: أو تحليلا منطقيا للغة العلم، وهو نوع آخر من القراءة الأمبريقية للعلم، قامت به المدرسة الوضعية المنطقية التي تزعمها أعلام كبار، أمثال رودولف كارناب R. Carnap وهانس ريشنباخ H. Reichenbach وكارل هامبل Carl Hempel وإرنست نيجل E. Nagel وآرثر باب Arthur Pap وغيرهم[11].
3: أو بحثا وصفيا وتاريخيا ونقديا للمعرفة العلمية، من حيث الأسس العلمية العامة، أو من حيث الموضوعات والمناهج والنماذج النظرية الخاصة. كما يرى غاستون باشلار G. Bachelard (1884 - 1962) والإبستمولوجيون مثله. وهذه هي فلسفة العلوم من حيث هي إبستمولوجيا Epistémologie كما يعرفها لالاند A. Lalande بقوله: إنها: "الدرس النقدي لمبادئ مختلف العلوم وفرضياتها ونتائجها، الرامي إلى تحديد أصلها المنطقي، وقيمتها ومداها الموضوعي"[12].

[1] ـ من مقال: العلوم الإسلامية ومدخل الإبستمولوجيا وتاريخ العلوم للدكتور إدريس نغش الجابري، مجلة الدليل العدد الأول.
[2] ـ أعني الأسس هي تقوم عليها مناهج العلوم ونظرياتها: كالبديهيات والمسلمات والتعريفات في النسق الرياضي الأقليدي. وهي أزمة عمت كل العلوم: الفزيائية والرياضية...
[3] ـ لالاند يستعمل لفظ مبادئ العلم وفرضياته، كما سننقل عنه في هامش لاحق.
[4] ـ وخاصة كتابه: النظرية الفيزيائية: موضوعها وتركيبها La Théorie Physique: son objet, sa structure وكتاب: نظام العالم Le système du monde. وكان إلى جانب ذلك مستشرقا له كتاب (مصادر الفلسفة الإسلامية) ترجمه أبو يعرب المرزوقي.
[5] ـ وقد ألف كتبا كثيرة من أهمها كتاب (الخواطر الأخيرة) Dernières Pensées كتبه في آخر سني عمره وضمنه نظرات مهمة في فلسفة العلم.
[6] ـ وهو ـ بخلاف تيار ماخ وكونت الوضعي ـ ذو نزعة مثالية نقدية، له كتبات مهمة في فلسفة العلوم، منها (مراحل الفلسفة الرياضية) Les étapes de la philosophie mathématique (1912) و(الخبرة الإنسانية عن العلية الفيزيائية) L’Expérience humaine de la Causalité Physique (1922).
[7] ـ فقد تكون الدراسة المصطلحية ـ مثلا ـ زاوية نظر إبستمولوجية مهمة، نظرا لعنايتها بالتعريفات والمفاهيم. فالمفهوم هو أعلى مستويات التجريد في العلم وتعريفه عملية صعبة مركبة من عدة خطوات استقرائية وتحليلية وتركيبية ومقارنة..
[8] ـ الخطأ قد يبدو في جزئية وأفراد، ولكن إذا كان مرتبطا ببنية العلم، وكانت له وظيفة في تطوير تاريخ هذا العلم، فهذا هو المهم من زاوية النظر الابستمولوجية.
[9] ـ فمفهوم القطيعة مرتبط بالمرحلة: فالقطيعة هي هوة سحيقة بين مرحلتين كبيرتين من تاريخ العلم، تختلفان في أسسهما ومناهجهما ونظرياتهما العلمية.
[10] ـ ينظر:
Comte, A. cours de philosophie positive, Préface de E. Littré,Paris, 1864, Tome 1, 1ère leçon, p. 16-18
ولذلك سماها كونت بالفلسفة العامة (ينظر الدرس 57 من المجلد 6 من المرجع نفسه).
[11] ـ ينظر الكتاب الجامع لكثير من مواقف هؤلاء الأعلام: "قراءات في فلسفة العلوم"، تحرير باروخ برودي، ترجمة نجيب الحصادي، دار النهضة بيروت، 1997، وكما بين آرثر باب: فإن الفلسفة التحليلية صنفان: منطق عام للعلم أو مناهج البحث العلمي، وفلسفات العلوم المتخصصة، وهي تعنى بالصعوبات المفهومية التي تتعلق بعلوم لعينها. ينظر: مقدمة في فلسفة العلم: آرثر باب، ترجمة: نجيب الحصادي، نشر اللجنة الشعبية العامة للثقافة والإعلان، ليبيا، ط1، 2006، ص 12-11.
[12] ـ لالاند، أندري: موسوعة لالانـد الفلسفيـة، تعريب خليل أحمد خليـل، منشورات عويدات، بيروت ـ باريس، ط 2، 2001، ج 1، ص 357. ويلاحظ بلانشي صعوبة الفصل بين اللفظين بسبب قابلية مصطلح فلسفة العلوم للتمدد والانكماش، ففي البداية كانت تعني ربط هذا العلم بالعالم وبالمجتمع، أو ربط العلم بمجموع القيم الإنسانية التي يوجد فيها، أو استثمار نتائج العلم في مجال فلسفة الطبيعة، أوالتحليل المنطقي للغة العلم. ينظر:
Blanché, R. L'épistémologie, PUF, Paris, 1972, p 16








: منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد https://www.profvb.com/vb/showthread.php?p=554849
التوقيع

"لا شيء يعتم الرؤية ويوقع في التيه الوجداني والضلال الفكري كالأسئلة المزيفة. الأسئلة المزيفة هي، كأسئلة الأطفال، أسئلة تطرح مشاكل مزيفة يعيشها الوعي على أنها مشاكل حقيقية"
محمد عابد الجابري
    رد مع اقتباس
قديم 2012-04-30, 14:35 رقم المشاركة : 2
tagnaouite
أستـــــاذ(ة) مــــاسي
 
الصورة الرمزية tagnaouite

 

إحصائية العضو








tagnaouite غير متواجد حالياً


العضو المميز لشهر فبراير

افتراضي رد: النظر الإبستمولوجي ضرورته ومعناه.


شكرا لك أختي الفاضلة على هذا البحث المهم والراقي علميا ، وتعزيزا وتمديدا أضيف إلى بحثكم القيم مايلي :

إذا كانت الابستمولوجيا تقوم على التعرف إلى آليات تكوين العلم الحديث وأسسه وأبعاده المعرفية و القيمية..، فإن هناك تداخلا بين الابستمولوجيا وعلم المناهج و العلوم الإنسانية..كما أن هناك صلات ضمنية أو صريحة تربطها بالفلسفة كما يقول روبر بلانشاي في كتابه عن الابستمولوجيا.
و لأن الابستمولوجيا تفكير بالعلم؛ فإنها تدخل في "ما بعد العلم" وربما كانت علاقة الإبستمولوجيا بنظرية المعرفة – مبدئيا - علاقة نوع بجنس؛ إذ تقتصر الإبستمولوجيا على المعرفة العلمية وحدها.

وربما أفلتت شيئاً فشيئاً من الفلاسفة؛ لتصبح في أيدي العلماء.. وربما امتدت في منطقة وسطى بين العلم والفلسفة متوسعةً على الجانبين؛ فهي ـ أساسا - دراسةٌ عقدية لمبادئ مختلف العلماء وفرضياتها ونتائجها وبقدر ما يتولد التفكير الإبستمولوجي من عوائق العمل العلمي؛ فإنه يظل قريباً من هذا العمل بما فيه من خصوصية..



ولهذا سنعرف بالابستمولوجيا قبل وبالروابط التي تصل الابستمولوجيا بكل من الفلسفة و العلم.







تعريف الابستمولوجيا



يعرف المعجم الفلسفي - الصادر سنة 1983 عن مجمع اللغة العربية لجمهورية مصر العربية - الابستمولوجيا بأنها دراسة نقدية لمبادئ العلوم المختلفة، وفروضها، ونتائجها، وتهدف إلى تحديد أصلها المنطقي و قيمتها الموضوعية. وتطلق في اللغة الانجليزية على نظرية المعرفة بوجه عام. يقول رونز:"الابستمولوجيا أحد فروع الفلسفة الذي يبحث في أصل المعرفة، وتكوينها، ومناهجها و صحتها".



ويبدو أن الكلمة كانت مستعملة للمرة الأولى عام 1906 (ملحق اللاروس المصوّر) ومنسوخة عن اللفظة الإنجليزية التي قد يكون ابتكرها جميس ف. فيريه، الفيلسوف الإيقوسي، في كتابه مجموعة مبادئ الميتافيزيقا (1854). ولكن المعنى الأنغلوساكسوني هو معنى "نظرية المعرفة بصورة عامة" أكثر مما هو "نظرية العلم"؛ أما اللفظة الإيطالية المقابلة فهي، على العكس، متخصّصة على وجه الدقة بفلسفة العلم وتدلّ، بهذه الصفة، على جزء من أجزاء أو نظرية المعرفة. ومصطلح "فلسفة العلوم" الفرنسي، يستخدم مرادفاً للإبستمولوجيا استخداماً شائعاً.


ومن المناسب أن نعترف بثلاث مناطق حدودية للإبستيمولوجيا:
- تاريخ وعلم اجتماع العلوم: اللذين تجاورهما من حيث أنها تتّخذ العلم موضوعاً، العلم في واقعه المشخّص والمحدّد من الناحية التاريخية.
- المنطق الصرف: التابع لها لأنه يصف أشكال البناء العلمي.
- النظرية العامة للمعرفة: التي تحدّدها الإبستيمولوجيا بوصفها بحثاً في أسس العلم.
وتاريخ بروز الإبستيمولوجيا، بوصفها فرع معرفة خاص، هو تاريخ علاقاتها مع هذه الميادين الثلاثة.


ويمكننا القول إن الفلاسفة اهتمّوا بالعلوم، حتى القرن التاسع عشر، دون أن تكون الإبستيمولوجيا مطروحة بعد في مجال البحث: ففرانسيس بيكون، و ليبنز، و كانت، هم الذين أسهموا، بهذا الصدد أكبر إسهام في منح فلسفة العلوم نظاماً أساسياً. وفلسفة أوغست كونت الوضعية هي التي دشّنت الإبستيمولوجياً.




الابستمولوجيا بين الفلسفة و العلم



لعل ما حققته علوم الطبيعة من نجاحات باهرة سيما في مجالي الفيزياء والكيمياء كان مدعاة للتراجع الحاصل في مضمار الفلسفة بعد أن كانت هذه الأخيرة أماً للعلوم والمحدد لها في النظام العام للفكر الإنساني .. لكن ـ منذ القرن التاسع عشر ـ طفقت تلك العلوم تنفصل عن أمّها حتى قال أوغيست كونت :" آن الأوان لنحد من غرور الفلسفة " ، وحجم عملها وأناط بها فقط مسؤولية تنظيم العلوم وتنسيق نتائجها .. غير أن تلك المهمة ما برحت تنحسر بعد أن استبدل الانجلوسكسونيون الفلسفة بالمنطق واطمأنوا إلى تقليده تلك المهمة.



يمكن القول إن استقلال العلوم عن الفلسفة نجم عن اعتماد تلك العلوم على الرياضيات التي لا تحتاج إلى علل ما ورائية لكي تكون يقينية.. بخلاف ما كان ما يظنه أرسطو من "إن حقيقة الموجودات تكمن في عللها القصوى" .




من هنا ميز كانت بين الأحكام الرياضية والأحكام الماورائية وأسبغ المشروعية على الأولى فيما وصم الثانية بالسببية في تكوين أوهام العقل ، وبقول آخر فان العلوم تهتم بالكيفية التي تجري بها الأحداث لا بأسبابها وعللها القصوى التي هي مركز البحث الفلسفي المبني دائما على السؤال : لماذا ؟



كانت الابستمولوجيا في الماضي تعرف بكونها خطابا فلسفيا حول العلم أي مجرد كلام حول أصول العلم ونتائجه، فيما صار معناها بعد انفصال العلوم عن الفلسفة إلى خطاب علمي حول العلم أو دراسة علمية للعلم أو تسمى علم العلوم.
فيما خلصت النظرة العلمية الجديدة إلى إسباغ معنى أكثر جدوى على الابستمولوجيا عندما وسمتها بأنها بحث نقدي في مبادئ العلوم وأصولها وأهدافها وعلاقتها بالإنسان والمجتمع والطبيعة .. لكننا يجب أن نستدرك فيما إذا اعتبرنا الابستمولوجيا ـ كنظرية منطقية تضبط أسس وقواعد علم ما ـ هي ذاتها علم ، لأنها والحال هذه تحتاج بدورها إلى نظرية أخرى تضبط أسسها وقواعدها وهكذا دواليك .. الأمر الذي يمنعنا من دراسة العلوم بذات رموزها وقواعدها لان محاولاتنا هذه تضطرنا إلى تجاوز أسس ذلك العلم للإحاطة بالظروف والمشكلات الناجمة عنه .




فالعالم يبقى عالما ما دام ينتج فرضيات ويجري تجاربه لغرض التأكد من صحتها ، لكنه يصبح ابستمولوجيا عندما يتساءل عن تأثير هذه الفرضيات وتجاربها على تصوراتنا للواقع والحقيقة .. لذلك تجاوز اينشتاين "..ممارسته الفنية للفيزياء ليتساءل عن مدى إدراكها للواقع ، وعن سر نجاعتها".



فالابستمولوجيا ليست فلسفة إذا أردنا بها تلك الأفكار الفضفاضة والتصورات الفخمة التي يقصد منها تبرير نظرية ما مثل نظرية "المثل" لأفلاطون .. ولكنها فلسفة إذا نظرنا إليها على أنها "تفكير جدي ينبع من المشكلات الحقيقية التي تطرحها العلوم والتي تمس الإنسان ومكانته في الطبيعة والمجتمع".



إن أهم مشكل في الابستمولوجيا الحديثة هو أنها تطرح إشكالية علاقة العلوم بالواقع - الواقع الذي نحس به تلقائياً -، فقديما كانت العلوم فروعا للفلسفة التي تعد "صناعة الصناعات وحكمة الحكم" كما عند أرسطو الذي أخضعها إلى منطقه ، واعتقد بأنه منطق قار و أن علومه بالتالي قارة ومطلقة.



فقد بني المنطق الأرسطي على مبادئ ثلاث هي مبدأ الهوية ومبدأ عدم التناقض والمبدأ الثالث المرفوع والتي اعتقد بأنها تعصم العقل من الخطأ .. ولعل من نافلة القول إن التجربة اليومية والعلاقة التلقائية بالواقع تؤيد هذه المبادئ .. لذلك فقد اخذ الناس شرقا وغربا بأفكار أرسطو وعلومه واعتبروها حقائق مطلقة ، فقد سماه العرب 'الحكيم أرسطو' ولقبوه 'المعلم الأول'، كما كان يعتبر مقياس الحقيقة إبان العصور الوسطى في الفلسفة المدرسية المسيحية التي سعت إلى عقلنة اللاهوت المسيحي .. بيد أنها انتهت أخيرا إلى حالة من الجمود والتحجر العقلي والتخبط الفكري مما حدا بعلماء عصر النهضة والعصور التالية إلى الإعراض عنها وإرساء أسس العلوم الطبيعية على العقل والمشاهدة الحسية والتجارب العلمية ، وهذا ما عرف بالنظرة العلمية القديمة التي تطورت لاحقا إلى مذهب مادي صارم يؤمن بأزلية المادة ويرفض كل ما هو غيبي ويبنى على أساس علل الضرورة والصدفة .. ثم انتهت هذه النظرة إلى الإلحاد والاستهتار بالقيم الروحية والأخلاقية وفسرت السلوك تفسيرا غريزيا فسيولوجيا .



وفي مطلع القرن العشرين برزت إلى الوجود نظرة علمية جديدة كان من المع روادها آباء الفيزياء الحديثة كاينشتاين و بور وغيرهم ، وأجمعت آراء هؤلاء العلماء على أن الكون قد بدأ في لحظة محددة من الزمن، فثبت بما لا يدع مجالا للشك أن المادة ليست أزلية ، وآمنوا بعقل أزلي الوجود يدبر هذا الكون واسع الأرجاء ويرعى شؤونه .. ثم جاء جيل آخر من العلماء انتهوا من أبحاثهم إلى أن الإنسان مكون من عنصري الجسد الفاني والروح الخالدة.



وأخيرا ظهرت حركة جديدة في علم النفس تؤمن بالقيم الأخلاقية والجمالية والجوانب الروحية والفكرية والنفسية .



وهكذا يتبين أن النظريات العلمية الجديدة ترفض الدراسات الأرسطية وتتحفظ على النظرة العلمية المادية ، و أن فحوى النظرة الجديدة هو دراسة المشكلات الابستمولوجية الأساسية .. القائمة على العلاقة بين النظريات العلمية بالواقع المحسوس ، وسر نجاعة تلك العلوم .. وحدود التفسير العلمي والكشف عن حقيقة تلك العلوم .. وأهدافها وموقع الإنسان والمجتمع في كل ذلك الخضم المتلاطم .



وختاما، يمكن أن نخلص إلى أن الابستمولوجيا ربما انشطرت علمية و فلسفية و داخلية و خارجية..، فإذا كانت الداخلية تأتي تحت أقدام العالم نتيجة مشكلات تطرح داخل علمه بالذات؛ فإن الخارجية تأتي غاية حاكمة لا محكومة تكتسب أهمية نظرية باعتبارها غاية، و ليست مجرد وسيلة؛ لتقترب من الفلسفة أكثر.





التوقيع

محمد الزاكي ( tagnaouite)

    رد مع اقتباس
قديم 2012-05-01, 16:14 رقم المشاركة : 3
رشدية جابرية
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية رشدية جابرية

 

إحصائية العضو







رشدية جابرية غير متواجد حالياً


وسام المشاركة في دورة HTML

وسام مشارك في دورة حفظ سورة البقرة

a7 رد: النظر الإبستمولوجي ضرورته ومعناه.


"وختاما، يمكن أن نخلص إلى أن الابستمولوجيا ربما انشطرت علمية و فلسفية و داخلية و خارجية..، فإذا كانت الداخلية تأتي تحت أقدام العالم نتيجة مشكلات تطرح داخل علمه بالذات؛ فإن الخارجية تأتي غاية حاكمة لا محكومة تكتسب أهمية نظرية باعتبارها غاية، و ليست مجرد وسيلة؛ لتقترب من الفلسفة أكثر."

شكرا جزيلا ّأخ محمد على الرد النوعي المتميز وعلى الإضافة القيمة المغنية للمقال، خصوصا الفقرة الأخيرة منها.

الابستمولوجيا ارتقت بالعلوم المحضة إلى مرتبة الشك والنقد المفضي إلى التطور وإلغاء اليقين القطعي بالمسلمات العلمية وهي نقلة نوعية للتقدم العلمي في إطار حركية النفي ونفي النفي التي تضمن حراكا فكريا حقيقيا، وبقدر ما ارتقت الابستمولوجيا بالعلوم المحضة بقدر ما أنزلت الفلسفة من برجها العاجي إلى مصاف التحليل العقلاني المضبوط بقوانين المنهج العلمي وهي بهذا أيضا - أقصد الابستمولوجيا - تكون قد دشنت خطوة مهمة في مأسسة البحث في العلوم الإنسانية و ضبطه وفق قوانين علمية تضمن الموضوعية وفصل ذات العالم عن الموضوع المدروس ، بل و تحرير المعرفة من أي تلوين إيديولوجي.
شكرا مجددا على تدخلك القيم الذي سكب حبر الفكر على هذه الصفحات.
تحياتي وتقديري.





التوقيع

"لا شيء يعتم الرؤية ويوقع في التيه الوجداني والضلال الفكري كالأسئلة المزيفة. الأسئلة المزيفة هي، كأسئلة الأطفال، أسئلة تطرح مشاكل مزيفة يعيشها الوعي على أنها مشاكل حقيقية"
محمد عابد الجابري
    رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are معطلة


مــــواقـــع صـــديــقــة مــــواقـــع مـــهــــمــــة خـــدمـــــات مـــهـــمـــة
إديــكـبـريــس تربويات
منتديات نوادي صحيفة الشرق التربوي
منتديات ملتقى الأجيال منتديات كاري كوم
مجلة المدرس شبكة مدارس المغرب
كراسات تربوية منتديات دفاتر حرة
وزارة التربية الوطنية مصلحة الموارد البشرية
المجلس الأعلى للتعليم الأقسام التحضيرية للمدارس العليا
مؤسسة محمد السادس لأسرة التعليم التضامن الجامعي المغربي
الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي التعاضدية العامة للتربية الوطنية
اطلع على وضعيتك الإدارية
احسب راتبك الشهري
احسب راتبك التقاعدي
وضعية ملفاتك لدى CNOPS
اطلع على نتائج الحركة الإنتقالية

منتديات الأستاذ

الساعة الآن 04:07 لوحة المفاتيح العربية Profvb en Alexa Profvb en Twitter Profvb en FaceBook xhtml validator css validator

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML
جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd