2012-03-28, 20:56
|
رقم المشاركة : 3 |
إحصائية
العضو | | | رد: السياسي والفلسفي: جدلية الاتصال والانفصال. | إن هذا التعريف يستلزم فهما خاصا لعلاقة التنظير بالواقع، بمعنى موقف معينا من طبيعة الممارسة النظرية وبالتالي موقفا من علاقة النظرية بالممارسة فإذا كان الفعل الفلسفي مجرد نظرية ممارسة النظريات فمعنى هذا أن النظرية شأنها ممارستها الخاصة وبالتالي فهي معزولة عن الواقع المعيش وهي بهذا المعنى لا تعدو أن تكون ممارسة فكرية لذاتها لا لموضوع واقعي، وبذلك تفقد كنظرية في الممارسة كل علاقاتها بشروط إنتاجها الموضوعية. قد لا ينكشف البعد الإشكالي لعلاقة النظرية بالممارسة إلا في سياق تاريخي أكثر خصوبة على المستوى العيني والملموس وهو علاقة الفلسفي بالسياسي، فالفلسفة كنزوع فكري إلى نقد المعطى التاريخي قصد تجريده من تمظهراته السطحية ومواضيع المكرورة والسياسي كنزوع فكري إلى تطويع المعطى وجعله يستجيب لكرونولوجية الحدث وحتمية تحققه وخلفيات تحقيقه يطرحان بحدة وبعمق جميع الإشكالات المحيطة بجدلية الثنائية( النظرية/ الممارسة) .وهل يصح أصلا الحديث عن تاريخ الفلسفة إذا نحن تجاهلنا تاريخ الأفكار السياسية التي ساهمت بشكل فعال في إنارة السؤال الفلسفي الذي كان له بدوره أثر فعال في مأسسة الفكرة السياسية وشحنها نظريا بهواجس الذات العارفة وأشكال قلقها الديني والسياسي والعلمي الذي ينتاب وعيها ولا وعيها في فترة معينة وكذا نظرتها للذات وللآخر ثم جهازها المعرفي ومخيالها الجمعي. و من ثم فإن سبر واستنطاق خلفيات المفهوم الفلسفي يستلزم على المستوى المنهجي ( مستوى النقد والتحليل الموضوعي) تقصي لحظات القلق في اتصالها المختلف بهذه النواحي. و إذا كان هذا الجواب الذي يختزن شروطه التاريخية و يخطط آفاق تجاوزه في نفس الوقت ينتمي لزاما إلى محيط اجتماعي محدد، فهو إذن ليس موقفا فكريا معزولا عن مختلف المواقف التي تجد داخل حقول معرفية مغايرة، ولا يمكن لاحد أن ينكر بأن علاقة المفهوم الفلسفي بغيره من المفاهيم مسألة شديدة التعقيد يستلزم استقصاؤها سبرا عميقا و متواصلا. وإذا كان مفروغا منه أن المفهوم الفلسفي لا يسائل المعطى الخام في حد ذاته بقدر ما يسائل شكله المفارق - وفي هذه الحالة يتحقق إلى حد ما الانفصال عن السياسي والتجرد من الصبغة الإيديولوجية للبحث/ المعطى - فذلك (أي مساءلة المعطى المفارق) ليس إنكارا منه للواقع، كما قد تقنعنا بذلك دعوى وضعية، وإنما هي امتداد مفاهيمي في تجلياته المختلفة و سبر ابستمولوجي لأشكاله التاريخية الممكنة والمفترضة. إن مجال احتمال التحقق أو اللاتحقق مجال الأشكال الأفقية التي قد ترتفع أحيانا كثيرة عن السيرورة الزمنية للوعي كما يمارس ذاته في الواقع وكما يتحقق في الزمان و المكان هو بالتحديد - أي مجال احتمال التحقق أو اللاتحقق - مجال حركة المفوهم النظري في الفلسفة و الذي " يفتح الطريق نحوسلسلة لا نهائية من التحولات التي توحي فيه بالممكنات - على حدا التعبير الدقيق ل lucien Sebag في كتابه الماركسية والبنائية (7). و إذا كان التحليل المنهجي لطبيعة المفهوم الفلسفي يحيل على فرضية أساس تعتبر المفهوم النظري - على المستوى الابستمولوجي - فضاء تقاطع لأصناف الوعي الإيديولوجي والوعي العيمي، فإن هذا لا يعني بالضرورة الترابط الحتمي بين المحتوى الإيديولوجي والمحتوى العلمي لكل كتابة فلسفية تتضمن مفهوما نظريا، إلا أن هذا الانفصال هو الآخر لا ينكشف بسهولة ولا يصل درجة الجاهزية. كما لا يعني بالضرورة استنفاد جهد كبير في تقصي الخلفيات الايديولوجية لكل مفهوم نظري فلسفي مستجد في الفلسفة، وإلا صار هذا الجهد استقصاءا متعمدا مصطنعا يوقع القارئ عن وعي أو غير وعي في فخ القراءة الذاتية المسقطة لذات القارئ وانتمائه ويلقي بظلاله على المفهوم الفلسفي أو الكتابة الفلسفية وهو ما يعتبر تحيزا مسبقا ورفضا استباقيا لا واعيا لما يتضمنه المفهوم الفلسفي او الكتابة الفلسفية وهو ما يحيد عن أسس القراءة الموضوعية و معايير النقد العلمي البناء المحقق لسيرورة التقدم في إطار حركية النفي ونفي النفي.(8) و (9). إن المفهوم الفلسفي الناتج عن بحث علمي حثيث وسبر ابستمولوجي حقيقي يستعمل في تحليله أدوات المنطق الرياضي و المنهجين الوصفي والتجريبي هو مفهوم نظري يحقق نسبة عالية من الانفصال عن المعطى الايديولوجي حتى وإن أملته - أي هذا المفهوم - حاجة تاريخية أو قلق اجتماعي معين، إنه في هذه الحالة - أي المفهوم - ناتج عن قلق اجتماعي لكنه في نفس الوقت متجاوز له ولخلفياته التي يختزنها، إنه من الصعوبة بمكان الحديث عن مفهوم نظري إيديولوجي خالص أو مفهوم علمي خالص، لكن بالإمكان التحدث عن تحقق نسبة عالية من الانفصال بين السياسي والفلسفي ، بين الإيديولوجي والمعرفي في مفهوم نظري او كتابة فلسفية معينة كما هو الشأن بالنسبة لكتابات محمد عابد الجابري. ( المعطيات التاريخية والجغرافية في كتابات محمد عابدالجابري لا تحدث قطيعة بين المشرق والمغرب كما هو متداول بقدر ما تراعي بأمانة علمية معطيات تاريخية و جغرافية واقعية لم يختلقها الجابري بل هي واردة كظروف مادية واقعة في الزمان والمكان) إنه مما لا شك فيه وجود حدود فاصلة بين المحتوى الإيديولوجي والعلمي لمفهوم نظري معين وبالتالي وجود نسبة كبيرة من التجرد من الإيديولوجي إلا أن هذا الفصل لا يصل حد الانكشاف والجاهزية والقابلية للملاحظة. إن مشروع الفصل بين الايديولوجي والعلمي أمر غاية في الدقة والصعوبة وهو ما حاول Louis Althusser القيام به في الوقت الذي كان منهمكا في دراسة الجديد النظري في فكر كارل ماركس. -يتبع- | التوقيع | "لا شيء يعتم الرؤية ويوقع في التيه الوجداني والضلال الفكري كالأسئلة المزيفة. الأسئلة المزيفة هي، كأسئلة الأطفال، أسئلة تطرح مشاكل مزيفة يعيشها الوعي على أنها مشاكل حقيقية" محمد عابد الجابري | |
| |