منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد

منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد (https://www.profvb.com/vb/)
-   علم الفلسلفة (https://www.profvb.com/vb/f357.html)
-   -   السياسي والفلسفي: جدلية الاتصال والانفصال. بقلم :شلا زموري. (https://www.profvb.com/vb/t95097.html)

رشدية جابرية 2012-03-14 11:11

السياسي والفلسفي: جدلية الاتصال والانفصال. بقلم :شلا زموري.
 
إن الفكر الفلسفي كما هو على مرور التاريخ ليس مفهوما فكريا معزولا عن الحياة اليومية، رغم أنه - أي المفهوم الفلسفي - كنتاج للفكر يرتقي في مراتب التجريد ويرتفع عن الزمان والمكان كشرطين أساسيين لحركية الآن والمكان مجردة من الحدث كمضمون.


إن ما تبدو عليه الفلسفة ظاهريا كتنظير للحقيقة الإنسانية هو كونها ترصد واقعا خاصا بما يبدو في عقول الفلاسفة، بحيث يظهر التنظير الفلسفي كما لو أنه يفقد كل ارتباطاته الموضوعية بفضاء معيشي تؤطره - عبر حركية التاريخ - جدلية الزمان والمكان. إلا أن التحليل النقدي الجذري لمضمون المقولات والمفاهيم المتداولة بين الفلاسفة ولمواقفهم النظرية يبرهن أن هذه الأخيرة ليست مجرد تنظيرات مغرقة في التجريد، بل هي محصلة لتراكمات معرفية سيرورية و عصارة تجارب إنسانية على مدى التاريخ، و تختزن أصنافا و مراقي متعددة للوعي الجماعي واللاشعور التاريخي و الأفعال المستضمرة.(1)


منذ العصر اليوناني المشرق عصر الحوارات والمنتديات الفلسفية تداخل الهاجس الفلسفي بالهاجس السياسي تداخلا فرضته العلاقة العضوية الوطيدة بين الفعل السياسي والفعل النظري المؤطر له، أو بمعنى آخر بين الفعل السياسي كتطبيق واقعي للفعل النظري التقديري للمواقف، وبين الفعل النظري كناقد للفعل السياسي السابق الحدوث . إن هذه الحركة الجدلية القائمة على فعل نظري مؤطر وفعل سياسي ناتج عنه ثم فعل نظري ناقد للتطبيق تجعل من الصعب حصر التداخل بين السياسي والفلسفي ، و استقصاء الحدود الموضوعية وتمييزها عن القراءة أو التلوين الإيديولوجي للكتابات وتأثر كل منهما بالآخر وتأثيره فيه (2) ، إن كليهما شرط لحدوث الآخر، وكلاهما نتاج لهذا الشرط أو ذاك: إن السياسي في العصر اليوناني أصبح بحكم هذا الارتباط الجدلي أداة تفاعل حيوي بين النظرية ومحيطها الاجتماعي الذي عج آنذاك بأسئلة الما وراء الطبيعة والأسطورة؛ ولربما كان هذا الارتباط الجدلي بين السياسي والفلسفي أحد المبررات التي سندت وما زالت تسند موقف محترفي القراءة الإيديولوجية للكتابات الفلسفية ( القراءات المؤدلِجة لأبحاث محمد عابد الجابري على سبيل المثال لا الحصر) غير أن التأطير النظري في الفلسفة - على العكس من ذلك تماما - لا يمكنه أن يختزل تجرده وبحثه عن الموضوعية في انعكاسات مكشوفة أو مضمرة لقناعة إيديولوجية معينة أو انتماء سياسي يطفو على سطح الكتابة الفلسفية متجاهلا عمقها الابستيمي العلمي والمجرد. ذلك أن الدراسة الموضوعية المشروطة بشروط البحث لموقف أو ظاهرة معينة تخضع لمجموعة من الشروط تبلغ حد المفارقة الواضحة، بحيث يصعب تحديد العوامل الرئيسية الموضوعية للدراسة كأداة، و للمضمون كموقف ثقافي ونتاج إنساني بالدرجة الأولى.


لا يمكن للفلسفي في جميع الأحوال أن يكون مجردا من شروط إنتاجه الذاتية كحاجة تحكمت فيها ظرفية محكومة باللاوعي الجمعي، بل إنه يظل خاضعا لها ولجزء من تمظهراتها اللامادية، ولكنه في نفس الوقت ليس انعكاسا مرآويا لأي خلفية إيديولوجية معينة، لأنه - أي الفكر الفلسفي - كوعي أولا، محاولة موضوعية رصينة للتأثير في هذه الشروط ذاتها، كمبادرة لتجاوزها و الارتقاء بها من مجرد تنظير فلسفي إلى تحليل ابستيمي يمتد خارج هذه الشروط وينفصل عنها في محاولة لدراستها دراسة علمية موضوعية.
إن الفعل الفلسفي كفعل نظري ينتمي إلى الجدلية التاريخية للأفكار لا يعد حدثا تاريخيا فحسب بل هو حدث مفاهيمي أيضا. فالتنظير الفلسفي بحكم طبيعته الخاصة، و رغم كونه موقفا محددا من حاضر تاريخي محدد ، يعبر بالأساس - أي التنظير الفلسفي - عن موقف من الماضي والمستقبل أيضا، إنه بمعنى آخر ناتج عن الزمان والمكان في حركيتهما المفاهيمية الخصبة. وبهذا المعنى وفي هذا السياق على وجه التحديد، فإن تاريخ الفلسفة، كتاريخ لمجموعة من المفاهيم التي نتداولها في عصور مختلفة وحقول معرفية متنوعة لا يمكن أن يسجن في شرطيته التاريخية وخلفيته النفسية أو الايديولوجية الخاصة، لأنه ليس تاريخا جامدا للمفاهيم، وعلاقاتها المتبادلة، بل هو في الدرجة الأولى حركية امتداد مفاهيمي يتجاوز حدود العلم و يتجاوز الزمان والمكان في شرطيتهما المقيدة بال"آن" وال"هنا".(3)
إن قوة المفهوم الفلسفي لا تعود لتاريخيته الخاصة، ولا تعود لخلفية ايديولوجية معينة، بمعنى أنه لا يقاس بدرجة جدته أو قدمه ولا بدرجة الانتاجات المؤطرة له بمعيار التصنيفات المختلفة للعصور والحضارات و أنماط الخلفيات السياسية. إن قوة مفهوم فلسفي معين ليست نتيجة حتمية لكونه وليد العصر اليوناني أو عصر الأنوار او الأزمنة الحديثة والمعاصرة، بل نتيجة لكونه مرتكزا على مراجع وتنظيرات تمليها حاجة الإحاطة الموضوعية بكل المراجع أكثر مما تمليها رغبة المنظر في تلوين كتابته إيديولوجيا وهي - أي الإحاطة الموضوعية - ترتقي بالفعل الفلسفي إلى مصاف الدراسة الابستمولوجية البحثة.
بعبارة أخرى، إن قوة المفهوم الفلسفي هي بالضبط معاييره المنهجية العلمية التي تتيح له تجاوز كل تصنيف سياسي للعلم، هي القوة التي تجعله قادرا باستمرار على الكشف عن استعداداته السيرورية في التأقلم مع ظروف نظرية مختلفة عن تلك التي ولد وترعرع فيها ( تأصيل مفهوم العقل العربي ، مفهوم المثقف في الحضارة العربية) (4). وهي أيضا استعداده للانتقال من حقل معرفي إلى آخر ومواكبة المستجدات المحتملة للسياق النظري الجديد الذي صار ينتمي إليه.
إن الجواب الفلسفي كجواب علمي او ثقافي عن إشكال تاريخي معين لا يقبل التجزيئ أو القراءة الإيديولوجية المختزلة، ففي عمقه الذي يتخذ شكل امتداد مفاهيمي متعدد المعنى، وفي حياديته العلمية التي تنفصل عن شروط الانتاج تكمن قوته و دلالته النظرية في الحركية التاريخية للأفكار.
إن ما يميز أساسا الفكر الفلسفي في عموميته، والبحث الابستيمي في خصوصيته- كمكون أصيل من مكوناته- هو كونه - أي الفكر الفلسفي - ليس مجرد أجوبة / أشلاء لا نسق يجمعها بل هو نسق كلي يجمع الأجوبة الأكثر تنافرا عن الأسئلة الأكثر تشعبا وتباينا.
- يتبع-

شلا زموري

رشدية جابرية 2012-03-16 16:21

رد: السياسي والفلسفي: جدلية الاتصال والانفصال.
 
السياسي والفلسفي: جدلية الاتصال والانفصال. - الجزء الثاني-

إن ما يميز أساسا الفكر الفلسفي الحقيقي هو كونه ليس مجرد أجوبة / أشلاء لا روح فيها ولا نسق يجمعها بل هو أساس نسق كلي يجمع الأجوبة الأكثر تنافرا عن الأسئلة الأكثر تشعبا وتباينا.
و في هذا السياق بالتحديد، فإن الجواب الفلسفي كموقف ثقافي يختزن أقوى التجارب الإنسناية المتشعبة و المعيشة على مستوى الوعي و اللاوعي. فنحن نعثر في اعماق الجواب - بطريقة مبهمة أو واضحة - على كل أصناف الهاجس الثقافي والاجتماعي و السياسي الذي يعتري وعي و لا وعي عصر معين من خلال جهازه المعرفي و مخياله الجماعي الذي يؤطر نظرته للذات و للآخر وللعالم.
ولذلك فإن أي استنطاق أو استكشاف لخلفيات الموقف يستلزم على المستوى المنهجي: مستوى النقد والتحليل تتبع لحظات هذا الهاجس - أي الهاجس الثقافي والاجتماعي والسياسي - في اتصاله بمختلف جوانب هذا الجواب، وبما أن هذا الجواب - الذي يختزن تاريخه ويرسم آفاق تجاوزه في نفس الوقت - ينتمي بالضرورة إلى محيط اجتماعي معين، فهو ليس موقفا فكريا معزولا عن مختلف المواقف التي تنمو داخل حقول معرفية مغايرة، لكنه محاولة جادة ومضنية للانفصال عن شروط إنتاج سابقة و بالتالي نقدها بعين موضوعية فاحصة بانفصال شبه تام للذات عن الموضوع المدروس، وبحياد عن كل فكر استباقي يحدد نتائجها وفق خلفية المفكر و اسقاطاته الذاتية. وفي هذا الصدد تحقق انجازات المفكر محمد عابد الجابري انفصالا حقيقيا بين الموضوع من جهة ( مؤلفاته) وبين الذات العارفة من جهة أخرى( المؤلف و انتماؤه) ، تحقق انفصالا حقيقيا مسكونا بقلق تجاوز الشروط التاريخية والنظرية لعصر معين والتحرر من التأثير الغربي والاختراق الثقافي لتحرير العقل العربي من التحزب الماضوي اللاواعي منه خصوصا، والتكرار اللاواعي لنفس الشروط النظرية الملونة إيديولوجيا للإنتاجات والدراسات الفكرية، تحرير العقل العربي تحريرا واعيا من عقدة الإنتاج الغربي، وتفكيك البداهات التي تحنط الفكر في ظروف إنتاج غربية تختلف تماما الإختلاف عن ظروف التاريخ العربي تنظيرا وإنجازا.


لا يمكن لأحد أن ينكر أن علاقة المفهوم الفلسفي بغيره من المفاهيم - بغض النظر عن معانيه أو خلفياته الايديولوجية - مسألة بالغة التعقيد وتحتاج مقاربتها لمجهودات متواصلة. وإذا كان أمرا لا شك فيه أن المفهوم الفلسفي لا يسائل المعطى في حد ذاته بقدر ما يسائل شكله المفارق، فذلك ليس نفيا منه للواقع كما قد تقر بذلك دعوى وضعية، و إنما هي - أي مساءلته لشكله المفارق - انتشار مفاهيمي في تجلياته المتنوعة والمعقدة، ورصد ابستمولوجي عميق لأشكاله التاريخية الممكنة والمفترضة.
إن مجال المحتمل واللامتحقق، مجال الأشكال الأفقية التي لا تعكس بالأساس الحركية الكرونولوجية للإدارك كما يمارس ذاته في الواقع، وكما يتحقق في الزمان والمكان هو بالتحديد مستوى حركية المفهوم في الفلسفة، إنه حسب مقولة lucien sebagمفهوم يفتح الطريق نحو سلسلة لا متناهية من التحولات التي توحي فيه بالممكنات.
وبناءا على هذه المقاربة المنهجية لصيغة الفعل الفلسفي فإن فرضيتها الأساس هي: أن المفهوم النظري في الفلسفة يشكل على المستوى الابستمولوجي فضاء التقاء لكل أنواع الوعي الإيديولوجي والوعي العلمي، ونحن نعتقد أنه من الصعوبة بمكان الحديث عن مفهوم نظري إيديولجي خالص أو مفهوم نظري علمي خالص.


هناك مما لا شك فيه حدود فاصلة بين المحتوى الايديولوجي والمحتوى العلمي للمفهوم النظري، إلا أن هذا الفصل لا يصل درجة البداهة والجاهزية ولا ينكشف بسهولة. وحتى اذا حاولنا القيام بهذا الفصل بشكل مشروع ونعزل بناءا على ذلك المفهوم الايديولوجي عن ما هو علمي، وهو ما قام به Louis althosser في الوقت الذي كان فيه منهمكا في دراسة الجديد النظري في فكر ماركس، فإن هذا الفصل يقود أحيانا إلى عواقب معكوسة لا على مستوى النظرية فقط، بل على مستوى التطبيق أيضا. فألتوسير وهو يدعونا إلى تخطيط حد فاصل بين العلمي والإيديولوجي في المفهوم النظري(5) تجاهل بشكل واضح أنه لكي تصح هذه العملية عليه أن يرتكز لا على المحاكمة المفهوم النظري في حد ذاته وإنما على ظبط السياق الإيديولوجي الذي يتحرك في إطاره تطبيق هذا المفهوم. وما دام ألتوسير يتصور المفهوم النظري لا من خلال شروطه التاريخية بل مجردا منها فإن الفلسفة في نظره لا تعدو أن تكون مجرد نظرية ممارسة النظريات(6).
- يتبع -

رشدية جابرية 2012-03-28 20:56

رد: السياسي والفلسفي: جدلية الاتصال والانفصال.
 
إن هذا التعريف يستلزم فهما خاصا لعلاقة التنظير بالواقع، بمعنى موقف معينا من طبيعة الممارسة النظرية وبالتالي موقفا من علاقة النظرية بالممارسة فإذا كان الفعل الفلسفي مجرد نظرية ممارسة النظريات فمعنى هذا أن النظرية شأنها ممارستها الخاصة وبالتالي فهي معزولة عن الواقع المعيش وهي بهذا المعنى لا تعدو أن تكون ممارسة فكرية لذاتها لا لموضوع واقعي، وبذلك تفقد كنظرية في الممارسة كل علاقاتها بشروط إنتاجها الموضوعية.




قد لا ينكشف البعد الإشكالي لعلاقة النظرية بالممارسة إلا في سياق تاريخي أكثر خصوبة على المستوى العيني والملموس وهو علاقة الفلسفي بالسياسي، فالفلسفة كنزوع فكري إلى نقد المعطى التاريخي قصد تجريده من تمظهراته السطحية ومواضيع المكرورة والسياسي كنزوع فكري إلى تطويع المعطى وجعله يستجيب لكرونولوجية الحدث وحتمية تحققه وخلفيات تحقيقه يطرحان بحدة وبعمق جميع الإشكالات المحيطة بجدلية الثنائية( النظرية/ الممارسة) .وهل يصح أصلا الحديث عن تاريخ الفلسفة إذا نحن تجاهلنا تاريخ الأفكار السياسية التي ساهمت بشكل فعال في إنارة السؤال الفلسفي الذي كان له بدوره أثر فعال في مأسسة الفكرة السياسية وشحنها نظريا بهواجس الذات العارفة وأشكال قلقها الديني والسياسي والعلمي الذي ينتاب وعيها ولا وعيها في فترة معينة وكذا نظرتها للذات وللآخر ثم جهازها المعرفي ومخيالها الجمعي. و من ثم فإن سبر واستنطاق خلفيات المفهوم الفلسفي يستلزم على المستوى المنهجي ( مستوى النقد والتحليل الموضوعي) تقصي لحظات القلق في اتصالها المختلف بهذه النواحي.


و إذا كان هذا الجواب الذي يختزن شروطه التاريخية و يخطط آفاق تجاوزه في نفس الوقت ينتمي لزاما إلى محيط اجتماعي محدد، فهو إذن ليس موقفا فكريا معزولا عن مختلف المواقف التي تجد داخل حقول معرفية مغايرة، ولا يمكن لاحد أن ينكر بأن علاقة المفهوم الفلسفي بغيره من المفاهيم مسألة شديدة التعقيد يستلزم استقصاؤها سبرا عميقا و متواصلا.
وإذا كان مفروغا منه أن المفهوم الفلسفي لا يسائل المعطى الخام في حد ذاته بقدر ما يسائل شكله المفارق - وفي هذه الحالة يتحقق إلى حد ما الانفصال عن السياسي والتجرد من الصبغة الإيديولوجية للبحث/ المعطى - فذلك (أي مساءلة المعطى المفارق) ليس إنكارا منه للواقع، كما قد تقنعنا بذلك دعوى وضعية، وإنما هي امتداد مفاهيمي في تجلياته المختلفة و سبر ابستمولوجي لأشكاله التاريخية الممكنة والمفترضة.


إن مجال احتمال التحقق أو اللاتحقق مجال الأشكال الأفقية التي قد ترتفع أحيانا كثيرة عن السيرورة الزمنية للوعي كما يمارس ذاته في الواقع وكما يتحقق في الزمان و المكان هو بالتحديد - أي مجال احتمال التحقق أو اللاتحقق - مجال حركة المفوهم النظري في الفلسفة و الذي " يفتح الطريق نحوسلسلة لا نهائية من التحولات التي توحي فيه بالممكنات - على حدا التعبير الدقيق ل lucien Sebag في كتابه الماركسية والبنائية (7).
و إذا كان التحليل المنهجي لطبيعة المفهوم الفلسفي يحيل على فرضية أساس تعتبر المفهوم النظري - على المستوى الابستمولوجي - فضاء تقاطع لأصناف الوعي الإيديولوجي والوعي العيمي، فإن هذا لا يعني بالضرورة الترابط الحتمي بين المحتوى الإيديولوجي والمحتوى العلمي لكل كتابة فلسفية تتضمن مفهوما نظريا، إلا أن هذا الانفصال هو الآخر لا ينكشف بسهولة ولا يصل درجة الجاهزية. كما لا يعني بالضرورة استنفاد جهد كبير في تقصي الخلفيات الايديولوجية لكل مفهوم نظري فلسفي مستجد في الفلسفة، وإلا صار هذا الجهد استقصاءا متعمدا مصطنعا يوقع القارئ عن وعي أو غير وعي في فخ القراءة الذاتية المسقطة لذات القارئ وانتمائه ويلقي بظلاله على المفهوم الفلسفي أو الكتابة الفلسفية وهو ما يعتبر تحيزا مسبقا ورفضا استباقيا لا واعيا لما يتضمنه المفهوم الفلسفي او الكتابة الفلسفية وهو ما يحيد عن أسس القراءة الموضوعية و معايير النقد العلمي البناء المحقق لسيرورة التقدم في إطار حركية النفي ونفي النفي.(8) و (9).
إن المفهوم الفلسفي الناتج عن بحث علمي حثيث وسبر ابستمولوجي حقيقي يستعمل في تحليله أدوات المنطق الرياضي و المنهجين الوصفي والتجريبي هو مفهوم نظري يحقق نسبة عالية من الانفصال عن المعطى الايديولوجي حتى وإن أملته - أي هذا المفهوم - حاجة تاريخية أو قلق اجتماعي معين، إنه في هذه الحالة - أي المفهوم - ناتج عن قلق اجتماعي لكنه في نفس الوقت متجاوز له ولخلفياته التي يختزنها، إنه من الصعوبة بمكان الحديث عن مفهوم نظري إيديولوجي خالص أو مفهوم علمي خالص، لكن بالإمكان التحدث عن تحقق نسبة عالية من الانفصال بين السياسي والفلسفي ، بين الإيديولوجي والمعرفي في مفهوم نظري او كتابة فلسفية معينة كما هو الشأن بالنسبة لكتابات محمد عابد الجابري. ( المعطيات التاريخية والجغرافية في كتابات محمد عابدالجابري لا تحدث قطيعة بين المشرق والمغرب كما هو متداول بقدر ما تراعي بأمانة علمية معطيات تاريخية و جغرافية واقعية لم يختلقها الجابري بل هي واردة كظروف مادية واقعة في الزمان والمكان)


إنه مما لا شك فيه وجود حدود فاصلة بين المحتوى الإيديولوجي والعلمي لمفهوم نظري معين وبالتالي وجود نسبة كبيرة من التجرد من الإيديولوجي إلا أن هذا الفصل لا يصل حد الانكشاف والجاهزية والقابلية للملاحظة.
إن مشروع الفصل بين الايديولوجي والعلمي أمر غاية في الدقة والصعوبة وهو ما حاول Louis Althusser القيام به في الوقت الذي كان منهمكا في دراسة الجديد النظري في فكر كارل ماركس.
-يتبع-

فصبر جميل 2012-03-28 22:01

رد: السياسي والفلسفي: جدلية الاتصال والانفصال. بقلم :شلا زموري
 
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على أشرف المرسلين
سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام

شكرا لك أختي على هذا البحر الشاسع من المعلومات الفلسفية القيمة

بوركت

رشدية جابرية 2012-03-29 19:37

رد: السياسي والفلسفي: جدلية الاتصال والانفصال. بقلم :شلا زموري
 
لك جزيل الشكر" فصبر جميل" على مرورك الطيب وشكرك، المساهمة هي في الحقيقية مقال مطول متسلسل يدرس إشكالية واحدة.
قراءة ممتعة.
تحياتي.


الساعة الآن 18:09

جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd