عرض مشاركة واحدة
قديم 2012-03-16, 16:21 رقم المشاركة : 2
رشدية جابرية
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية رشدية جابرية

 

إحصائية العضو







رشدية جابرية غير متواجد حالياً


وسام المشاركة في دورة HTML

وسام مشارك في دورة حفظ سورة البقرة

افتراضي رد: السياسي والفلسفي: جدلية الاتصال والانفصال.


السياسي والفلسفي: جدلية الاتصال والانفصال. - الجزء الثاني-

إن ما يميز أساسا الفكر الفلسفي الحقيقي هو كونه ليس مجرد أجوبة / أشلاء لا روح فيها ولا نسق يجمعها بل هو أساس نسق كلي يجمع الأجوبة الأكثر تنافرا عن الأسئلة الأكثر تشعبا وتباينا.
و في هذا السياق بالتحديد، فإن الجواب الفلسفي كموقف ثقافي يختزن أقوى التجارب الإنسناية المتشعبة و المعيشة على مستوى الوعي و اللاوعي. فنحن نعثر في اعماق الجواب - بطريقة مبهمة أو واضحة - على كل أصناف الهاجس الثقافي والاجتماعي و السياسي الذي يعتري وعي و لا وعي عصر معين من خلال جهازه المعرفي و مخياله الجماعي الذي يؤطر نظرته للذات و للآخر وللعالم.
ولذلك فإن أي استنطاق أو استكشاف لخلفيات الموقف يستلزم على المستوى المنهجي: مستوى النقد والتحليل تتبع لحظات هذا الهاجس - أي الهاجس الثقافي والاجتماعي والسياسي - في اتصاله بمختلف جوانب هذا الجواب، وبما أن هذا الجواب - الذي يختزن تاريخه ويرسم آفاق تجاوزه في نفس الوقت - ينتمي بالضرورة إلى محيط اجتماعي معين، فهو ليس موقفا فكريا معزولا عن مختلف المواقف التي تنمو داخل حقول معرفية مغايرة، لكنه محاولة جادة ومضنية للانفصال عن شروط إنتاج سابقة و بالتالي نقدها بعين موضوعية فاحصة بانفصال شبه تام للذات عن الموضوع المدروس، وبحياد عن كل فكر استباقي يحدد نتائجها وفق خلفية المفكر و اسقاطاته الذاتية. وفي هذا الصدد تحقق انجازات المفكر محمد عابد الجابري انفصالا حقيقيا بين الموضوع من جهة ( مؤلفاته) وبين الذات العارفة من جهة أخرى( المؤلف و انتماؤه) ، تحقق انفصالا حقيقيا مسكونا بقلق تجاوز الشروط التاريخية والنظرية لعصر معين والتحرر من التأثير الغربي والاختراق الثقافي لتحرير العقل العربي من التحزب الماضوي اللاواعي منه خصوصا، والتكرار اللاواعي لنفس الشروط النظرية الملونة إيديولوجيا للإنتاجات والدراسات الفكرية، تحرير العقل العربي تحريرا واعيا من عقدة الإنتاج الغربي، وتفكيك البداهات التي تحنط الفكر في ظروف إنتاج غربية تختلف تماما الإختلاف عن ظروف التاريخ العربي تنظيرا وإنجازا.


لا يمكن لأحد أن ينكر أن علاقة المفهوم الفلسفي بغيره من المفاهيم - بغض النظر عن معانيه أو خلفياته الايديولوجية - مسألة بالغة التعقيد وتحتاج مقاربتها لمجهودات متواصلة. وإذا كان أمرا لا شك فيه أن المفهوم الفلسفي لا يسائل المعطى في حد ذاته بقدر ما يسائل شكله المفارق، فذلك ليس نفيا منه للواقع كما قد تقر بذلك دعوى وضعية، و إنما هي - أي مساءلته لشكله المفارق - انتشار مفاهيمي في تجلياته المتنوعة والمعقدة، ورصد ابستمولوجي عميق لأشكاله التاريخية الممكنة والمفترضة.
إن مجال المحتمل واللامتحقق، مجال الأشكال الأفقية التي لا تعكس بالأساس الحركية الكرونولوجية للإدارك كما يمارس ذاته في الواقع، وكما يتحقق في الزمان والمكان هو بالتحديد مستوى حركية المفهوم في الفلسفة، إنه حسب مقولة lucien sebagمفهوم يفتح الطريق نحو سلسلة لا متناهية من التحولات التي توحي فيه بالممكنات.
وبناءا على هذه المقاربة المنهجية لصيغة الفعل الفلسفي فإن فرضيتها الأساس هي: أن المفهوم النظري في الفلسفة يشكل على المستوى الابستمولوجي فضاء التقاء لكل أنواع الوعي الإيديولوجي والوعي العلمي، ونحن نعتقد أنه من الصعوبة بمكان الحديث عن مفهوم نظري إيديولجي خالص أو مفهوم نظري علمي خالص.


هناك مما لا شك فيه حدود فاصلة بين المحتوى الايديولوجي والمحتوى العلمي للمفهوم النظري، إلا أن هذا الفصل لا يصل درجة البداهة والجاهزية ولا ينكشف بسهولة. وحتى اذا حاولنا القيام بهذا الفصل بشكل مشروع ونعزل بناءا على ذلك المفهوم الايديولوجي عن ما هو علمي، وهو ما قام به Louis althosser في الوقت الذي كان فيه منهمكا في دراسة الجديد النظري في فكر ماركس، فإن هذا الفصل يقود أحيانا إلى عواقب معكوسة لا على مستوى النظرية فقط، بل على مستوى التطبيق أيضا. فألتوسير وهو يدعونا إلى تخطيط حد فاصل بين العلمي والإيديولوجي في المفهوم النظري(5) تجاهل بشكل واضح أنه لكي تصح هذه العملية عليه أن يرتكز لا على المحاكمة المفهوم النظري في حد ذاته وإنما على ظبط السياق الإيديولوجي الذي يتحرك في إطاره تطبيق هذا المفهوم. وما دام ألتوسير يتصور المفهوم النظري لا من خلال شروطه التاريخية بل مجردا منها فإن الفلسفة في نظره لا تعدو أن تكون مجرد نظرية ممارسة النظريات(6).
- يتبع -





التوقيع

"لا شيء يعتم الرؤية ويوقع في التيه الوجداني والضلال الفكري كالأسئلة المزيفة. الأسئلة المزيفة هي، كأسئلة الأطفال، أسئلة تطرح مشاكل مزيفة يعيشها الوعي على أنها مشاكل حقيقية"
محمد عابد الجابري
    رد مع اقتباس