2010-09-28, 07:35
|
رقم المشاركة : 4 |
إحصائية
العضو | | | رد: شبهات مهترئة و ردود قاصمة | من الشبهات التي يثيرها ويرددها كثيراً الطاعنون في الصحابة رضي الله عنهم حديث الحوض. فقد روى البخاري عن أنس بن مالك ا عن النبي ص قال: «ليرِدنّ عليّ ناسٌ من أصحابي الحوض، حتى عرفْتُهُمُ اخْتُلِجوا دوني فأقول: أُصيحابي، فيقول: لا تَدْري ما أحدثوا بعدك»([1]). وعن أبي حازم عن سهل بن سعد ا قال: قال النبي ص: «إني فرطكم على الحوض، من مرَّ عليَّ شرب، ومن شرب لم يظمأ أبداً، ليردنّ عليَّ أقوامٌ أعرفهم ويعرفونني، ثم يُحال بيني وبينهم. قال أبو حازم: فسمعني النعمان بن أبي عياش فقال: هكذا سمعت من سهل؟ فقلت: نعم. فقال: أشهَدُ على أبي سعيد الخدري لسمعتُهُ وهو يزيد فيها: فأقول: إنهم مني. فيُقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. فأقول: سحقاً سحقاً لمن غيّر بعدي»([2]). وعن أسماء بنت أبي بكر ل قالت: قال النبي ص: «إنّي على الحوض حتى أنظر مَنْ يَرِد عليّ منكم، وسيؤخذ ناسٌ دوني، فأقول: يا ربّ! منّي ومن أُمتي؟ فيُقال: هل شعرت ما عملوا بعدك؟ والله ما بَرِحوا يرجعون على أعقابهم. فكان ابن أبي مُليكة يقول: اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو نُفتن عن ديننا»([3]). وفي رواية ابن مسعود ا: «وليُرفَعَنّ رِجال منكم»([4]). وفي أخرى: «يرد عليّ يوم القيامة رهطٌ من أصحابي، فيُجلون عن الحوض»([5]) وفي ثالثة: «فإذا زُمرةٌ حتى إذا عرفتهم»([6]). وفي رواية ابن المُسَيّب عن أصحاب النبي ص: «يَرِد على الحوض رجال من أصحابي فيُحلؤون عنه»([7]). وغيرها من ألفاظ. فقال أصحاب الشبهات: أن المتمعن في هذه الآحاديث العديدة التي أخرجها علماء أهل السنة في صحاحهم ومسانيدهم، لا يتطرق إليه الشك في أن أكثر الصحابة قد بدلوا وغيروا، بل ارتدوا على أدبارهم بعده صلى الله عليه وآله وسلم، إلا القليل الذي عبر عنه بهمل النعم، ولا يمكن بأي حال من الأحوال حمل هذه الآحاديث على القسم الثالث: وهم المنافقون لأن النص يقول: فأقول أصحابي، ولأن المنافقين لم يبدلوا بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وإلا فأصبح المنافق بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مؤمناً». ردود العلماء على هذه الشبهة ولكن قبل بيان ردود العلماء على هذه الشبهة لا بد من بيان موجز عن مفهوم ومعني الصحبة. تعريف الصحابي: الصاحب في اللغة : اسم فاعل من صحب يصحب فهو صاحب ، ويقال في الجمع : أصحاب وأصاحيب وصحب وصحبة وصُحبان - بالضم - وصَحابة – بالفتح - وصِحابة - بالكسر-[8] وعرفاً : هو من طالت صحبته وكثرت ملازمته على سبيل الإتباع.[9] و اصطلاحاً كما عند جمهور المحدثين : هو من لقي النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقظة ، مؤمناً به ، بعد بعثته ، حال حياته ، ومات على الإيمان .[10] شرح التعريف : قولنا من لقي النبي صلى الله عليه وآله وسلم : هو جنس في التعريف ، ويدخل فيه :- من طالت مجالسته ، مثل :- أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ، وغيرهم ممن لازم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، رضي الله عنهم أجمعين . أو قصرت ، مثل :- الوافدين عليه صلى الله عليه وآله وسلم ، كضمام بن ثعلبة - ، وغيرهم ممن لم يمكث مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا قليلاً .[11] أو رآه ولم يجالسه ، مثل :- بعض الأعراب الذين شهدوا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم حجة الوداع ، فإنهم رأوه ولم يجالسوه ، كأبي الطفيل عامر بن واثلة.[12] ويدخل فيه : من روى عنه حديثاً ، مثل :- مهران مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.[13] ومن روى حديثين ، مثل :- عبد الله بن حنظلة الغسيل.[14] أو أكثر ، مثل :- أبي هريرة ، وابن عمر ، وابن عباس ، وغيرهم من مكثري الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . أو لم يرو شيئاً أصلاً ، مثل :- كعبد الرحمن بن الحنبل.[15] ويدخل فيه من غزا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم غزوة ، مثل :- كخبيب بن عدي.[16] أو غزوتين ، مثل :- مليل بن وبرة الأنصاري.[17] أو أكثر ، مثل :- البراء بن عازب ، وسعد بن مالك - أبو سعيد الخدري - وغيرهما من مشاهير الصحابة رضي الله عنهم.[18] أو لم يغزو مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصلاً ، مثل :- حسان بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه . ويدخل فيه الذكور والإناث . أما البالغون منهم ، فباتفاق أهل الحديث . أما غير البالغين ، فيدخل فيهم المميزين ، مثل :- سبطا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : سيدنا الحسن ، وأخوه الحسين ، وعبد الله بن الزبير ، وغيرهم . وغير المميزين ، مثل :- محمد بن أبي بكر الصديق.[19] ، ومحمد بن ثابت[20]، فقد حنكه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بريقه وسماه محمداً ، وغيرهم ممن حنكه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ودعا له ولم يكن مميزاً . كما يدخل فيهم أيضاً ، الجن والملائكة . أما الجن : فإنهم يدخلون في مفهوم الصحابة على القول الصحيح ، وهو الذي رجحه الحافظ بن حجر .[21] وذلك مثل :- زوبعة ، وسمهج أو سمحج ، وعمرو بن جابر ، ومالك بن مهلهل ، وشاصر ، وماصر ، ومنشي ، وحس ، ومس ، غيرهم.[22] وأما الملائكة : فاختلف في دخولهم في مفهوم الصحبة ، فقد ذهب جماعة منهم إلى أنه كان مبعوثاً لهم ، ومرسلاً إليهم ، وقد لقيه بعضهم وهم مؤمنون به ، فثبتت لهم الصحبة ، وممن جرى على هذا القول : الإمام السيوطي [23]. ورجحه القاضي شرف الدين البارزي وتقي الدين السبكي والإمام الحافظ ابن كثير ، وأثبت بعض الأصوليين فيه الإجماع[24]. ويخرج من الصحبة بقولنا من لقي :- من آمن به ولم يره كأصحمة النجاشي وزيد بن وهب وأبي مسلم الخولاني وغيرهم .[25] وإنما آثرنا التعبير بقولنا من لقي النبي صلى الله عليه وآله وسلم على قولنا من رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ليدخل في الصحابة مثل عبد الله بن أم مكتوم ، فهو ممن ثبت لقاؤه بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وإن لم يره ، لأنه كان ضريراً . وقولنا يقظة : فصل خرج به من لقي النبي صلى الله عليه وآله وسلم في منامه ، فإنه ليس بصحابي، كما جزم به البلقيني ، والحافظ ابن حجر في فتح الباري ، والسخاوي في فتح المغيث. [26] وقولنا مؤمناً به : فصل يخرج به من لقيه كافراً به ، فإنه لا يعد من الصحابة سواء أكان من المشركين أم من المجوس أم من أهل الكتاب - اليهود والنصارى - وسواء بقي على كفره مثل أبي جهل وأبي لهب وغيرهما من الكفرة والمشركين ، أم آمن بعد انتقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الرفيق الأعلى كرسول قيصر .[27] كما يدخل بهذا الفصل من لقيه مؤمناً به ثم ارتد ، وعاد إلى إيمانه في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولقيه مرة أخرى . وهذا يدخل في مفهوم الصحبة باللقاء الثاني بلا خلاف بين العلماء ، وذلك مثل : عبد الله بن سعد بن أبي السرح.[28] ويدخل فيه أيضاً : من لقيه مؤمناً به ثم ارتد ، وعاد إلى إيمانه في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ولم يلقه مرة أخرى ، أو عاد بعد انتقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الرفيق الأعلى ، كما قال ذلك ابن حجر[29] ، مثل :- قرّة بن هبيرة [30] - ، والأشعث بن قيس[31] ، وعطارد بن حاجب التميمي.[32] كما يدخل فيه أيضاً : من آمن بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم ارتد واستمر على ردته حتى الموت ، مثل : عبيد الله بن جحش ، الذي هاجر إلى الحبشة وهناك تنصر ومات على نصرانيته ، وربيعة بن أمية الجمحي ، فإنه ارتد في خلافة عمر حيث فرّ إلى بلاد الروم ، فلحق بهم وتنصر ، وابن خطل الذي ارتد وقتل على ردته يوم فتح مكة، غير أن هذا سيخرج فيما بعد من مفهوم الصحابة بالقيد الأخير .[33] وقولنا بعد بعثته : فصل آخر خرج به من لقيه مؤمناً به قبل بعثته صلى الله عليه وآله وسلم ، مثل: زيد بن عمرو بن نفيل ، وجرجيس بن عبد القيس المعروف ببحيرا الراهب ، فقد عرفه وهو ذاهب إلى الشام وآمن به قبل بعثته . فإن هؤلاء لا يدخلون في مفهوم الصحابة ، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، لم يكن مبعوثاً حين أمنوا به وصدقوه . [34] وعلى هذا : فما مثّل به البعض هنا بورقة بن نوفل غير صحيح ، لأنه قد لقي النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وآمن به بعد أن بعث صلى الله عليه وآله وسلم ، وجاءه الوحي ، ولهذا فقد جزم ابن الصلاح بثبوت صحبته.[35] وقولنا حال حياته : فصل آخر خرج به من لقيه يقظة مؤمناً به بعد انتقاله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الرفيق الأعلى ،[36] مثل : أبي ذؤيب الهذلي الشاعر، فقد رآه وهو مسجى ، قبل أن يدفن صلى الله عليه وآله وسلم. [37] وقولنا : ومات على الإيمان : هو فصل آخر خرج به من لقيه مؤمناً به ، ثم ارتد واستمر على ردته ، حتى الموت ، وقد تقدمت أمثلته . هذا بالنسبة لتعريف الصحابي عند جمهور المحدثين ، أما تعريف الصحابي عند جمهور الفقهاء والأصوليين فهو: من لقي النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقظة مؤمناً به ، بعد بعثته ، حال حياته ، وطالت صحبته وكثر لقائه به ، على سبيل التبع له ، والأخذ عنه ، وإن لم يرو عنه شيئاً ، ومات على الإيمان . شرح التعريف : قولهم : من لقي النبي .. الخ : تقدم شرح ذلك وبيان ما فيه ، في تعريف الصحابي عند جمهور المحدثين . وقولهم : طالت صحبته :- أي أن يكون الصحابي قد جالس النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولقيه كثيراً. وقد اختلف العلماء في المدة التي يقال فيها طالت صحبته ، فمنهم من حددها بسنة فأكثر ، وعليه ابن المسيب ، كما نقله عنه الشوكاني ، وابن الهمام والآلوسي وغيرهم . [38] ومنهم من حددها بستة أشهر فأكثر ، كما نقله عن بعض العلماء صاحب التيسير والشوكاني والآلوسي وغيرهم . [39] وقد رد على هذين القولين بما ذكره حيث قال : ولا وجه لهذين القولين ، لاستلزامهما خروج جماعة من الصحابة الذين رووا عنه ولم يبقوا لديه إلا دون ذلك ، وأيضاً لا يدل عليهما دليل من لغة ولا شرع . [40] ومنهم من رأى أنها لا تحدد بمقدار ، وإنما هي تطول بحيث يطلق عليها اسم الصحبة عرفاً . و هذا هو القول الراجح والأصح عندهم ، وإليه ذهب الجمهور منهم . وقولهم : على سبيل التبع له والأخذ عنه :- هذا قيد إنما جيء به في الحقيقة لبيان الواقع ، لأن من طالت صحبته للنبي صلى الله عليه وآله وسلم عرفاً لا يكون إلا على سبيل المتابعة له والأخذ عنه ، ولا يصح أن يكون قيداً له مفهوم ، إذ لا نعلم أن هناك من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من طالت صحبته للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يكن متابعاً له ، آخذاً عنه . وقولهم : وإن لم يرو عنه شيئاً :- اختلف جمهور أهل الفقه والأصول في ذلك ، فمنهم من يشترط لثبوت الصحبة ثبوت الرواية عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، مثل الشوكاني والسيوطي وغيرهما.[41] ومنهم من ذهب إلى أنه لا يشترط لثبوت الصحبة ثبوت الرواية عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، مثل القاضي أبي يعلى الفراء والآمدي والسبكي في جمع الجوامع وغيرهم . [42] والقول الراجح هو القول الثاني ؛ لأن القول باشتراط الرواية لتحقق مفهوم الصحبة يؤدي إلى خروج كثير من الصحابة الذين لم تحفظ لهم رواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، مع اتفاق العلماء الذين ترجموا للصحابة على عدهم فيهم . وقد تقدمت الأمثلة على ذلك في تعريف الصحابي عند جمهور المحدثين . ومن خلال ما ذكرت نستطيع أن نقول الآن بأن التعريف الراجح للصحابي هو ما ذهب إليه جمهور المحدثين ، وذلك لسلامة أدلتهم وخلوها من الانتقاد . والله أعلم . طريق إثبات الصحبة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم .. نقول وبالله التوفيق : هناك طريقتين لإثبات الصحبة :- الطريقة الأولى : إثبات الصحبة بالنص – أي بالخبر – وتحته أنواع :- 1- القرآن الكريم : وذلك مثل قوله تعالى{ إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا} - التوبة/40 . فهذا النص يثبت صحبة سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، حيث استقر الإجماع بأن المعني بالصاحب في هذه الآية هو أبو بكر رضي الله عنه .[43] 2 - الخبر المتواتر : وذلك كما في صحبة العشرة المبشرين بالجنة ، فقد تواترت الأخبار بثبوت صحبتهم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .[44] 3 - الخبر المشهور ، كما في صحبة عكاشة بن محصن وأبي هريرة وابن عمر وأبي سعيد الخدري وأبي موسى الأشعري وغيرهم الكثير ممن لا يرتاب مسلم في إثبات الصحبة لهم .[45] 4 - الخبر الآحاد : ويدخل تحته أربع طرق :- أ - رواية أحد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بطريق الرؤية أو السماع ، مع معاصرته للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ، كأن يقول أحد التابعين : أخبرني فلان أنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول ، أو رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يفعل كذا ، كقول الزهري فيما رواه البخاري في فتح مكة من صحيحه.[46] ب - إخبار الصحابي عن نفسه أنه صحابي ، وقد افترق العلماء في هذا الطريق إلى أربع مذاهب : المذهب الأول : أنه يقبل قوله مطلقاً من غير شرط ، وجرى على ذلك ابن عبد البر كما نقله السخاوي.[47] المذهب الثاني : أنه يقبل قوله بشرطين :- الأول : أن يكون ذلك بعد ثبوت عدالته . الثاني : أن يكون بعد ثبوت معاصرته للنبي صلى الله عليه وآله وسلم . وممن جرى على ذلك وجزم به : جمهور علماء الأصول والحديث .[48] والعلة في صحة قبول إخباره عن نفسه أنه صحابي ، أنه لو أخبر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبلنا روايته ، فلأن نقبل خبره عن نفسه أنه صحابي من باب أولى .[49] والمعاصرة التي اشترطوها في إثبات الصحبة هي : المعاصرة الممكنة شرعاً ، وإنما تكون المعاصرة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ممكنة شرعاً إذا ادعى الصحبة في حدود مائة وعشر سنين من هجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة ، كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر[50]، وذلك لما صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال في آخر حياته لأصحابه : أرأيتكم ليلتكم هذه ، فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد – يقصد من أصحابه - .[51] ومن هنا يتبين أن من ادعى الصحبة وكانت المعاصرة غير ممكنة ، فإنه لا يقبل قوله ويعتبر في ذلك من الكذابين .[52] المذهب الثالث : عدم قبول إنه صحابي ، وجرى على هذا القول ابن القطان كما نقل عنه ذلك الشوكاني [53]، وبه قال أبو عبد الله الصيرمي من الحنفية ، كما ذكره ابن النجار[54]. وأيضاً ممن يرى ذلك الإمام البلقيني [55]، وغيرهم . وعللوا ذلك : أنه متهم بأنه يدعي رتبة عالية يثبتها لنفسه ، وهي منصب الصحابة ، والإنسان مجبول على طلبها قصداً للشرف .[56] المذهب الرابع : قالوا بالتفصيل في ذلك ، فمن ادعى الصحبة القصيرة قبل منه ، لأنها مما يتعذر إثباتها بالنقل ، إذ ربما لا يحضره حاله اجتماعه بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ، أو رؤيته له أحد ، ومن ادعى الصحبة الطويلة وكثرة التردد في السفر والحضر ، فلا يقبل منه ذلك ؛ لأن مثل ذلك يشاهد وينقل ويشتهر ، فلا تثبت صحبته بقوله ، كما قال بذلك السخاوي. [57] ج - قول أحد الصحابة بصحبة آخر : و هو إما أن يكون بالتصريح ، كأن يقول الصحابي : إن فلاناً صحابي ، أو من الأصحاب ، أو ممن صحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم . وإما أن يكون بطريق اللزوم ، كأن يقول : كنت أنا وفلان عند النبي ، أو سمع معي هذا الحديث فلان من النبي ، أو دخلت أنا وفلان على النبي صلى الله عليه وآله وسلم . غير أن هذا الطريق الأخير إنما يثبت فيه الصحبة إذا عرف إسلام المذكور في تلك الحالة ، كما قال السخاوي[58]. ومثلوا ذلك بصحبة حمحمة بن أبي حمحمة الدوسي الذي مات بأصبهان ، فشهد له أبو موسى الأشعري.[59] و يعلل لقبول قول الصحابي في آخر أنه صحابي : بأن الصحابي عدل فإن صح لناأن نقبل قوله حين يخبر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فلأن نقبل قوله حين يخبر أن فلاناً صحابي من باب أولى . د - إخبار أحد التابعين الموثقين عند أهل الحديث بأن فلاناً صحابي : اختلف العلماء من المحدثين والأصوليين في ذلك ، فذهب جماعة منهم إلى قبول قوله ، ومنهم الإمام السخاوي، والحافظ ابن حجر، وغيرهم .[60] و ذهب جماعة آخرون إلى أنه لا يقبل قوله ، ولا يثبت به صحبة من أخبر عنه ، وممن ذهب إلى ذلك بعض شراح اللمع على ما ذكره الإمام السخاوي.[61] وكانت حجتهم في هذا النفي أن التزكية إذا صدرت من مزك واحد غير مقبولة ، بل لابد فيها من اثنين ، لأن التزكية تلحق بالشهادة ، فكما أن الشهادة لا تصح ولا تتحقق إلا بمتعدد اثنين فأكثر ، فكذلك التزكية لا تقبل إلا من اثنين فأكثر ، ولأن اشترط التعدد في المزكي أولى وأحوط من الإفراد ، إذ فيه زيادة ثقة .[62] والقول الراجح إن شاء الله : هو في ما ذهب إليه أصحاب القول الأول من قبول تزكية التابعي الواحد : أن فلاناً صحابي . وقد أجابوا عما ذكره النافون بما يلي :- 1 - إن التزكية تتنزل منزلة الحكم ، فلا يشترط فيها العدد ، بخلاف الشهادة فإنها تكون عند الحكم فلا بد فيها من العدد ، فلا يصح إلحاق التزكية بالشهادة .[63] 2 - إن التزكية إن كانت صادرة عن اجتهاد المزكي فهي بمنزلة الحكم ، وحينئذ لا يشترط التعدد في المزكي ، لأنه بمنزلة الحكم . 3 - أن المزكي يكتفى فيه بواحد ، لأنه بمثابة الخبر ، وكما يصح قبول خبر الواحد ، فكذلك يقبل قول المزكي ، لأنه بمنزلته .[64] 4 - أن اعتبار الواحد في الجرح والتعديل أصل متفق عليه ، واعتبار ضم قول غيره إليه يستدعي دليلاً والأصل عدمه .[65] 5 - ينبغي القول بعدم اشتراط التعدد في المزكي ، لأن اشتراط التعدد قد يؤدي إلى تضييع بعض الأحكام ، فكان عدم التعدد أولى وأحوط .[66] الطريق الثاني : إثبات الصحبة بعلامة من العلامات : العلامة الأولى : أن يكون من يدّعي الصحبة قد تولى في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم عزوة من غزواته ، وذلك لأنه عليه الصلاة والسلام لم يؤمّر على عزوة من غزواته إلا من كان من أصحابه .[67] العلامة الثانية : أن يكون المدعي صحبته ممن أمّره أحد الخلفاء الراشدين على إحدى المغازي في حروب الردة والفتوح .[68] العلامة الثالثة : أن يكون المدعي صحبته قد ثبت أن له ابناً حنكه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، أو مسح على رأسه ، أو دعا له ، فإنه كان لا يولد لأحد مولود إلا أتى به النبي صلى الله عليه وآله وسلم فدعا له ، كما أخرجه الحاكم عن عبدالرحمن بن عوف على ما ذكره الحافظ ابن حجر في الإصابة (1/9) .[69] العلامة الرابعة : أن يكون من يدعي صحبته ممن كان بمكة أو الطائف سنة عشر من الهجرة ، إذ من المعلوم عند المحدثين أن كل من كان بمكة أو الطائف سنة عشر قد أسلم وحج مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم حجة الوداع ، فيكون من الصحابة .[70] ، وفي هذه العلامة نظر ؛ لأنه وإن سلّم بإسلامهم جميعاً ، فإنه لا يسلّم بأن جميعهم حجوا معه صلى الله عليه وآله وسلم . العلامة الخامسة : أن يكون من يدعي صحبته من الأوس أو الخزرج الذين كانوا بالمدينة على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقد ثبت أنهم دخلوا في الإسلام جميعاً ، ولم يثبت عن أحد منهم أنه ارتد عن الإسلام[71] .[72] إذا عرفت هذا فيكون الكلام في حديث الحوض. لا شك في صحة روايات الحوض، فقد رواها عشرات الصحابة رضي الله عنهم، وللعلماء في تأويل هذه الروايات أقوال ليس منها أنهم أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، منها: أنه كيف يجوز أن يرضى الله -عزوجل- عن أقوام ويحمدهم، ويضرب لهم مثلاً في التوراة والإنجيل، وهو يعلم أنهم يرتدون على أعقابهم بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا أن يقولوا: إنه لم يعلم وهذا هو شر الكافرين». وقالوا : لم يرتد من الصحابة أحد، وإنما ارتد قوم من جفاة العرب، ممن لانصرة له في الدين، وذلك لا يوجب قدحاً في الصحابة المشهورين، ويدل قوله: (أصيحابي) على قلة عددهم».[73] وليس كل من ورد الحوض. وجاء في رواية أخرى بلفظ ( رهط ) فعن أبي هريرة أنه كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (( يرد علي يوم القيامة ( رهط ) من أصحابي فيجلون عن الحوض فأقول: يارب أصحابي. فيقول: أنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك، إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقري )) والرهط كما هو معلوم ما دون العشرة من الرجال. ومنها: إنا لا نسلم أن المراد بالأصحاب ماهو المعلوم في عرفنا، فالصحبة إسم جنس ليس له حد في الشرع ولا في اللغة، والعرف فيها مختلف والنبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يقيد الصحبة بقيد ولا قدّرها بقدْرٍ بل علّق الحكم بمطلقها ولا مطلق لها إلا الرؤية. بل المراد بهم مطلق المؤمنين به صلى الله عليه وآله وسلم المتبعين له، وهذا كما يقال لمقلدي أبي حنيفة أصحاب أبي حنيفة، ولمقلدي الشافعي أصحاب الشافعي، وهكذا وإن لم يكن هناك رؤية واجتماع، وكذا يقول الرجل للماضين الموافقين له في المذهب أصحابنا، مع أنه بينه وبينهم عدة من السنين، ومعرفتة صلى الله عليه وآله وسلم لهم مع عدم رؤيتهم في الدنيا بسبب أمارات تلوح عليهم... ولو سلمنا أن المراد بهم ما هو المعلوم في العرف، فهم الذين ارتدوا من الأعراب على عهد الصديق، وقوله: أصحابي أصحابي، لظن أنهم لم يرتدوا كما يُؤْذِن به ما قيل في جوابه: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. فإن قلت: إن (رجالاً) في الحديث كما يحتمل أن يراد منه من ذكرت من مرتدي الأعراب، يحتمل أن يراد ما زعمه الطاعنون في الصحابة؟ أجيب: إن ما ورد في حقهم من الآيات والآحاديث وأقوال الأئمة مانع من إرادة ما زعمه هؤلاء». وإذا ثبت هذا فاعلم أن العلماء قد اختلفوا في أولئك المذادين عن حوض النبي صلى الله عليه وآله وسلم -كما في الأحاديث- بعد اتفاقهم أن الصحابة –رضي الله عنهم- غير مرادين بذلك. قال النووي في شرح بعض روايات الحديث عند قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (هل تدري ما أحدثوا بعدك): «هذا مما اختلف العلماء في المراد به على أقوال: أحدها: أن المراد به المنافقون والمرتدون، فيجوز أن يحشروا بالغرة والتحجيل، فيناديهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم للسيما التي عليهم، فيقال: ليس هؤلاء مما وعدت بهم، إن هؤلاء بدلوا بعدك: أي لم يموتوا على ما ظهر من إسلامهم. وما من شكٍّ أن المنافقين ليسوا بحالٍ من أقسام الصحابة ولكن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ذكرهم وذكر المرتدين في بعض روايات الحديث ( بأصيحابي ) أو ب( من صاحبني ) لأنهم صحبوه ورأوه في الدنيا وذلك تصغيراً لهم وتحقيراً لا تعظيماً ولا يقول ذلك لأصحابه من المهاجرين والأنصار الذين كانت لهم رواياته في حقهم بصيغة الإجلال والتقدير والتعظيم والتكريم. وذلك أن المنافقين كانوا يظهرون الإسلام للنبي صلى الله عليه وآله وسلم كما قال الله جل وعلا { إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ 1 } .. وقد يقول قائل إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يعرف المنافقين فنقول نعم كان يعرف بعضهم ولم يكن يعرفهم كلهم ولذلك قال الله تبارك وتعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم { وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ } فبين أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يعلم جميع المنافقين وكان يظن أن أولئك من أصحابه وليسوا كذلك بل هم من المنافقين . وهناك جواب ثالث وهو أن المعنى كل من صحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولو لم يتابعه , وإن كان النبي يعلم ذلك كعبد الله بن أبي بن سلول وهو كما هو معلوم رأس المنافقين وهو الذي قال : لإن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل , وهو الذي قال ما مثلنا ومثل محمد وأصحابه إلا كما قال الأول سمن كلبك يأكلك . فهذا سماه النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أصحابه فيكون هذا هو المقصود ولذلك إن تعريف الصحابة بأنه كل من لقي النبي مؤمناً به ومات على ذلك تعريف متأخر وأما كلام العرب كل من صحب الرجل فهو من أصحابه مسلماً أو غير مسلم متبع له أو غير متبع هذا أمر آخر . ولذلك لما قال عبد الله بن أبي بن سلول كلمته الخبيثة ( ليخرجن الأعز منها الأذل ) قام عمر إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما بلغته هذه الكلمة قال : يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق , فقال صلى الله عليه وآله وسلم : (لا يا عمر لا يقول الناس إن محمد يقتل أصحابه ) , فسماه من أصحابه صلوات الله وسلامه عليه وهو رأس المنافقين , فهو غير داخل فالذين نحن نسميهم صحابة رضي الله عنهم وأرضاهم . والثاني: أن المراد من كان في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم ارتد بعده فيناديهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وإن لم يكن عليهم سيما الوضوء، لما كان يعرفه صلى الله عليه وآله وسلم في حياته من إسلامهم، فيقال: ارتدوا بعدك. يقول الفضل الطبرسـي ( وهـو من أكابر علماء الشيعة ) في تفسيره ( مجمع البيان ) عند تفسير قولـه تعـالى { فأما الذين اسودت وجـوههم أكفرتم بعد إيمانكم } ...اختلف فيمن عنوا به على أقوال فذكر أربعة أقوال وذكر في آخرها أنهم أهل البدع والأهـواء مـن هـذه الأمـة ثم استدل على ذلك من حديث ( الارتداد ) فقال (( ورابعها أنهم أهل البدع والأهواء من هذه الأمة عن علي (عليه السلام) ومثله عن قتادة أنهم الذين كفروا بالارتداد، ويروى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال والذي نفسي بيده ليردن على الحوض ممن صحبني أقوام حتي إذا رأيتهم اختلجوا دوني فلأقولن أصحابي أصحابي أصحابي فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعد إيمانهم ارتدوا على أعقابهم القهقري، ذكره الثعلبي في تفسيره فقال أبو أمامة الباهلي: هم الخوارج ويروي عن النبي أنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية...))[74]. والثالث: أن المراد به أصحاب المعاصي والكبائر الذين ماتوا على التوحيد، وأصحاب البدع الذين لم يخرجوا ببدعتهم عن الإسلام، وعلى هذا لا يقطع لهؤلاء الذين يذادون بالنار، يجوز أن يذادوا عقوبة لهم، ثم يرحمهم الله عزوجل فيدخلهم الجنة بغير عذاب». ونقل هذه الأقوال، أو قريباً منها، القرطبي، وابن حجر -رحمهما الله تعالى-. قلت: ولا يمتنع أن يكون أولئك المذادون عن الحوض هم من مجموع تلك الأصناف المذكورة، فإن الروايات محتملة لكل هذا، ففي بعضها يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأقول: (أصحابي) أو (أصيحابي -بالتصغير-)، وفي بعضها يقول: (سيؤخذ أناس من دوني فأقول ياربي مني ومن أمتي) وفي بعضها يقول: (ليردن عليّ أقوام أعرفهم ويعرفوني)، وظاهر ذلك أن المذادين ليسوا طائفة واحدة. وهذا هو الذي تقتضيه الحكمة، فإن العقوبات في الشرع تكون بحسب الذنوب، فيجتمع في العقوبة الواحدة كل من استوجبها من أصحاب ذلك الذنب. كما روى عن طائفة من الصحابة منهم عمر وابن عباس -رضي الله عنهما- في تفسير قوله تعالى: {احشروا الذين ظلموا وأزواجهم}: قالوا: (أشباههم يجئ أصحاب الزنا مع أصحاب الزنا، وأصحاب الربا مع أصحاب الربا، وأصحاب الخمر مع أصحاب الخمر)، وإذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد بين أن سبب الذود عن الحوض هو الارتداد كما في قوله: (إنهم ارتدوا على أدبارهم)، أو الإحداث في الدين، كما في قوله: (إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك)(، فمقتضى ذلك هو أن يُذاد عن الحوض كل مرتد عن الدين سواء أكان ممن ارتد بعد موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الأعراب، أو من كان بعد ذلك، يشاركهم في هذا أهل الإحداث وهم المبتدعة. وهذا هو ظاهر قول بعض أهل العلم. قال ابن عبد البر: «كل من أحدث في الدين فهو من المطرودين عن الحوض، كالخوارج، والروافض، وسائر أصحاب الأهواء، قال: وكذلك الظلمة المسرفون في الجور وطمس الحق، والمعلنون بالكبائر، قال: وكل هؤلاء يخاف عليهم أن يكونوا ممن عنوا بهذا الخبر والله أعلم».( وقال القرطبي في التذكرة: «قال علماؤنا -رحمة الله عليهم أجمعين- فكل من ارتد عن دين الله، أو أحدث فيه ما لا يرضاه، ولم يأذن به الله، فهو من المطرودين عن الحوض المبعدين عنه، وأشدهم طرداً من خالف جماعة المسلمين وفارق سبيلهم، كالخوارج على اختلاف فرقها، والروافض على تباين ضلالها، والمعتزلة على أصناف أهوائهاء، فهؤلاء كلهم مبدلون). وإذا ما تقرر هذا ظهرت براءة الصحابة من كل ما يرميهم به أعدائهم فالذود عن الحوض إنماهو بسبب الردة أو الإحداث في الدين، والصحابة من أبعد الناس عن ذلك، بل هم أعداء المرتدين الذين قاتلوهم وحاربوهم في أصعب الظروف وأحرجها بعد موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ماروى الطبري في تأريخه بسنده عن عروة بن الزبير عن أبيه قال: (قد ارتدت العرب إما عامة وإما خاصة في كل قبيلة، ونجم النفاق، واشرأبت اليهود والنصارى والمسلمون كالغنم في الليلة المطيرة الشاتية، لفقد نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم وقلتهم وكثرة عدوهم). ومع هذا تصدى أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم لهؤلاء المرتدين وقاتلوهم قتالاً عظيماً وناجزوهم حتى أظهرهم الله عليهم فعاد للدين من أهل الردة من عاد، وقتل منهم من قتل، وعاد للإسلام عزه وقوته وهيبته على أيدي الصحابة -رضي الله عنهم- وجزاهم عن الإسلام خير الجزاء. يقول سعد القمي : وارتد قوم فرجعوا عن الإسلام، ودعت بنو حنيفة إلى نبوة مسيلمة، وقد كان ادعى النبوة في حياة رسول الله ص فبعث أبو بكر إليهم الخيول عليها خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي، فقاتلهم وقُتل من قُتل ورجع من رجع منهم إلى أبي بكر فسمّوا أهل الردة)([75]). ويقول الإمام علي عن إمساكه عن بيعة الخليفة الراشد أبي بكر في بادئ الأمر ثم مبايعته له ومؤازرته له وللصحابة في دحر المرتدين: «فأمسكت يدي حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام، يدعون إلى محق دين محمد ص، فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى ثلماً أو هدماً تكون المصيبة به عليّ أعظم من فوت ولايتكم التي إنما هي متاع أيام قلائل..»([76]). ويقول: «فمشيت عند ذلك إلى أبي بكر فبايعته، ونهضت في تلك الأحداث حتى زاغ الباطل وزهق، وكانت كلمة الله هي العليا ولو كره الكافرون، فتولى أبو بكر تلك الأمور فيسّر وسدد وقارب واقتصد، فصحبته مناصحاً وأطعته فيما أطاع الله فيه جاهداً». وهذه المواقف العظيمة للصحابة من أهل الردة وأهل البدع، من أكبر الشواهد الظاهرة على صدق تدينهم، وقوة إيمانهم، وحسن بلائهم في الدين، وجهادهم أعداءه بعد موت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، حتى أقام الله بهم السنة وقمع البدع، الأمر الذي يظهر به كذبهم في رميهم لهم بالردة والإحداث في الدين، والذود عن حوض النبي صلى الله عليه وآله وسلم. بل هم أولى الناس بحوض نبيهم لحسن صحبتهم له في حياته، وقيامهم بأمر الدين بعد وفاته. ولا يشكل على هذا قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (ليردن عليّ ناس من أصحابي الحوض حتى إذا عرفتهم اختلجوا دوني)(19) فهؤلاء هم من مات النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهم على دينه، ثم ارتدوا بعد ذلك، كما ارتدت كثير من قبائل العرب بعد موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فهؤلاء في علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أصحابه، لأنه مات وهم على دينه، ثم ارتدوا بعد وفاته ولذا يقال له: (إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك)، وفي بعض الروايات: (إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقري)(20) فظاهر أن هذا في حق المرتدين بعد موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وأين أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذين قاموا بأمر الدين بعد نبيهم خير قيام، فقاتلوا المرتدين، وجاهدوا الكفار والمنافقين، وفتحوا بذلك الأمصار، حتى عم دين الله كثيراً من الأمصار، من أولئك المنقلبين على أدبارهم. وهؤلاء المرتدون لا يدخلون عند أهل السنة في الصحابة، ولا يشملهم مصطلح (الصحبة) إذا ما أطلق. فالصحابي كما عرفه العلماء المحققون: «من لقي النبي صلى الله عليه وآله وسلم مؤمناً به ومات على الإسلام». وأما قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم) والإحتجاج به على تكفير الصحابة إلا القليل منهم فلا حجة له فيه، لأن الضمير في قوله (منهم) إنما يرجع على أولئك القوم الذين يدنون من الحوض ثم يذادون عنه، فلا يخلص منهم إليه إلا القليل وهذا ظاهر من سياق الحديث فإن نصه: (بينما أنا قائم فإذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال: هلَمّ فقلت أين؟ قال: إلى النار والله، قلت: وما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقري، ثم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، فقال: هلم، قلت: أين؟ قال: إلى النار والله، قلت: ما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقري، فلا أراه يخلص منهم إلا مثل هَمَل النعم). فليس في الحديث للصحابة ذكر وإنما ذكر زمراً من الرجال يذادون من دون الحوض ثم لا يصل إليه منهم إلا القليل. قال ابن حجر في شرح الحديث عند قوله: (فلا أراه يخلص منهم إلا مثل هَمَل النعم) «يعني من هؤلاء الذين دنوا من الحوض وكادوا يردونه فصدوا عنه... والمعنى لا يرده منهم إلا القليل لأن الهَمَل في الإبل قليل بالنسبة لغيره». وأما القول أن في الحديث أنه عرفهم ليس بالضرورة أنه عرفهم بأعيانهم بل بمميزات خاصة كما يوضحها الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال (( ترد عليَّ أمتي الحوض وأنا أذود الناس عنه كما يذود الرجل إبل الرجل عن إبله، قالوا: يا نبي الله أتعرفنا؟ قال: نعم لكم سيما ليست لأحد غيركم تردون عليّ غراً محجلين من آثار الوضوء. وليُصدَّن عني طائفة منكم فلا يصلون، فأقول: يارب هؤلاء من أصحابي فيجبني ملك فيقول: وهل تدري ما أحدثوا بعدك؟)) فهذا الحديث يفيد أن أهل الأهواء والنفاق يحشرون بالغرة والتحجيل وقوله ( منكم ) الميم ميم الجمع وهذا يعني أنهم يحشرون جميعاً بنفس سيما المؤمنين كما في حديث الصراط في قوله صلى الله عليه وآله وسلم ((....وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها.. )) فدل على أنهم يحشرون مع المؤمنين. وأخيراً لو قال أحد النواصب وهم الذين يبغضون آل البيت رضي الله عنهم وقال أن هؤلاء الذين إرتدو وهؤلاء الذين يذادون عن الحوض هم علي والحسن والحسين كيف تردون عليهم ؟؟! الرد عليهم بأن نقول لهم ليسوا من هؤلاء بل هؤلاء جاءت فيهم فضائل .. فنقول أبو بكر وعمر وعثمان وأبو عبيدة جاءت فيهم فضائل فما الذي يخرج علياً ويدخل أبا بكر وعمر !! فالقصد إذاً أن حديث الحوض لا يشمل أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم . ([1]) رواه البخاري برقم (6582) واللفظ له، ومسلم برقم (2304). ([2]) رواه البخاري برقم (6585). ([3]) رواه البخاري برقم (6593) واللفظ له، ومسلم برقم (2293). ([4]) رواه البخاري برقم (6576). ([5]) رواه البخاري برقم (6585). ([6]) رواه البخاري برقم (6587). ([7]) رواه البخاري برقم (6586). [8] - لسان العرب ( 7/286) [9] - جامع الأصول لابن الأثير (1/74 ) [10] - أنظر : فتح المغيث (4/74) وما بعدها ، والباعث الحثيث (ص 169و172) هامش رقم (1) ودفاع عن السنة (ص108) والإصابة (1/6) وغيرها من الكتب ، ومن مجموع ما ذكره هؤلاء العلماء وغيرهم صغت هذا التعريف . [11] - أنظر : الاستيعاب (2/751) وأسد الغابة (3/57) - ، ومالك بن الحويرث - أنظر : الإصابة (5/719- 720)- ، وعثمان ابن أبي العاص - أنظر : أسد الغابة (3/579) والإصابة (4/451- 452) - ، ووائل بن حجر - أنظر : الاستيعاب (4/1562- 1563) وأسد الغابة (5/435) [12] - أنظر : الإصابة (3/605) والاستيعاب (4/1696) ، وأسد الغابة (3/145) - ، وأبي جحيفة وهب بن عبد الله - أنظر : الإصابة (6/626) [13] - أنظر : الإصابة (6/232) وأسد الغابة (5/281) - ، وحسان بن ثابت - أنظر : الإصابة (2/62- 64) وأسد الغابة (2/5- 7 ) ، وسهل بن حنيف - أنظر : الإصابة (3/198) وأسد الغابة (2/470) [14] - أنظر : الإصابة (4/65- 67) وأسد الغابة ( 3/218) - ، وحمزة بن عبد المطلب - أنظر : الإصابة (2/121- 123) والاستيعاب (1/369- 375) - ، وشرحبيل بن حسنة - أنظر : الإصابة (3/328- 329) [15] - أنظر : أسد الغابة (3/439) والاستيعاب (2/828) - ، وثمامة بن عدي - أنظر : الإصابة (1/410) والاستيعاب (1/213) - ، وزياد بن حنظلة التميمي - أنظر : الاستيعاب (2/531) [16] - أنظر : الإصابة (2/262- 264) وأسد الغابة (2/120- 122) - ، وأنس بن النضر- أنظر : الإصابة (1/132- 133) وأسد الغابة (1/155- 156). [17] - الإصابة (6/382) والاستيعاب (4/1484) - ، وعبد الله بن عمرو بن حرام - أنظر : الإصابة (4/189- 190) - ، وعتبة بن فرقد السلمي - أنظر : الإصابة (4/439- 440) وأسد الغابة (3/567) [18] - الإصابة (1/278- 279) وأسد الغابة (1/205- 206) [19] - الإصابة (6/245- 246) وأسد الغابة (5/102- 103) [20] - أسد الغابة (5/83) [21] - انظر : الفتح (7/ 7 ) [22] - روض الأنف (2/304) وإرشاد الساري (5/306) [23] - الحبائك في معرفة أخبار الملائك (ص211) [24] - المواهب اللدنية (7/28) [25] - أنظر : محاضرات في علوم الحديث (ص37- 40). [26] - محاسن الاصطلاح (ص423) ، والحافظ ابن حجر في فتح الباري (7/ 7 ) ، والسخاوي في فتح المغيث (4/81) . [27] - فتح المغيث (4/ 82 ) . [28] - الإصابة (4/109- 111 ) [29] - في نزهة النظر (ص109 ) [30] - الإصابة (5/437- 440) [31] - الإصابة (1/87 –90 ) [32] - الإصابة (4/507- 509) [33] - الإصابة (1/7 ) ، ومحاضرات في علوم الحديث (ص39 ) [34] - الزرقاني على المواهب (7/27) ومحاضرات في علوم الحديث (ص39 ) [35] - الزرقاني على المواهب (7/27) [36] - فتح الباري (7/7 ) والإصابة (1/7- 8 ) وفتح المغيث (4/80 ) [37] - - أنظر : الإصابة (2/364 ) [38] - إرشاد الفحول، للشوكاني، ( ص 70) ، التحرير، لابن الهمام (3/66)، الآلوسي في أجوبته العراقية (ص 9). [39] - المصادر السابقة. [40] - إرشاد الفحول، للشوكاني، (ص70) [41] - إرشاد الفحول (ص70)، تدريب الراوي (2/112). [42] - العدة، للقاضي أبي يعلى الفراء، (ص3/989)، الإحكام، للآمدي، (1/275)، جمع الجوامع، للسبكي، (2/179). [43] - تفسير الرازي (16/65) . [44] - راجع الحديث في سنن الترمذي (3/311- 312) . [45] - راجع دراسات تاريخية في رجال الحديث (ص 39). [46] - راجع صحيح البخاري كتاب المغازي (3/64) . ومن الذين قالوا بهذه الطريقة ابن كثير في الباعث الحثيث (ص190) والسخاوي في فتح المغيث (3/97) . [47] - فتح المغيث (3/99) [48] - راجع : شرح الكوكب المنير لابن النجار (2/479) ، والمختصر في أصول الفقه لابن اللحام (ص89) وجمع الجوامع للسبكي (2/167) وشرح الألفية للعراقي (3/11) وابن حجر في الإصابة (1/8) والسخاوي في فتح المغيث (3/97) وغيرهم الكثير . [49] - راجع شرح الكوكب المنير لابن النجار (2/479). [50] - في الإصابة (1/8 ) [51] - البخاري (1/33- 34) ومسلم برقم (1965) . [52] - راجع الأمثلة على من ادعى أنه صحابي وظهر كذبه : الإصابة (1/9) ومحاضرات في علوم الحديث (1/138- 139) ودراسات تاريخية (ص46) . [53] - إرشاد الفحول (ص71) [54] - شرح الكوكب المنير (2/479) [55] - محاسن الاصطلاح (ص427) [56] - راجع : البلبل (ص 62) وشرح مختصر الروضة (2/13) وتيسير التحرير ( 3/67) وغيرهم الكثير . [57] - فتح المغيث (3/98- 99) [58] - فتح المغيث (3/96) [59] - ذكر أخبار أصبهان لأبي نعيم (1/71) والإصابة (1/355) وأسد الغابة (2/58- 59) . [60] - فتح المغيث، للسخاوي، (3/96)، الإصابةن لالحافظ ابن حجر (1/8). [61] - فتح المغيث (3/99) . [62] - راجع تيسير التحرير (3/58) . [63] - نزهة النظر (ص134) . [64] - شرح الألفية للعراقي (1/295) . [65] - الإحكام للآمدي (1/271) . [66] - تيسير التحرير (3/58) . [67] - انظر : محاضرات في علوم الحديث (1/140) والمختصر في علم رجال الأثر (ص 27) . [68] - الإصابة (1/9) . [69] - وانظر صحيح مسلم (1/237) . [70] - الإصابة (1/9) ومحاضرات في علوم الحديث (1/139) [71] - الإصابة (1/8) ومحاضرات في علوم الحديث (1/139) . [72] - مفهوم عدالة الصحابة، لأبي عبدالله الذهبي [73] - ولفظ أصيحابي .. مذكور في كتب الإمامية: أنظر مثلاً: دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية - الشيخ المنتظري - ج 1 /47 ، مصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) - الميرجهاني - ج 1 /164 ، الأمالي - الشيخ المفيد 38(ه) ، عوالي اللئالي - ابن أبي جمهور الأحسائي - ج 1 /59 ، الصوارم المهرقة - الشهيد نور الله التستري 10 ، بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 8 /27 ، 28 /22 ، 29 /566 ، الغدير - الشيخ الأميني - ج 3 /408 ، أحاديث أم المؤمنين عائشة - السيد مرتضى العسكري - ج 2 /28 ، أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي 433 ، 436 ، معالم المدرستين - السيد مرتضى العسكري - ج 1 /99 ، العدد القوية - علي بن يوسف الحلي 198 ، سبل الهدى والرشاد - الصالحي الشامي - ج 10 /96 ، النصائح الكافية - محمد بن عقيل 164 ، تقوية الإيمان - محمد بن عقيل 61 ، تقريب المعارف - أبو الصلاح الحلبي 395 ، شرح إحقاق الحق - السيد المرعشي - ج 18 /37 ، آيات الغدير - مركز المصطفى (ص) 26 ، الانتصار - العاملي - ج 8 /220 ، الصحابة في القرآن والسنة والتاريخ - مركز الرسالة 70 ، العترة والصحابة في السنة - محمد حياة الأنصاري - ج 2 /7 ، المنتخب من الصحاح الستة - محمد حياة الأنصاري 76 ، تنزيه الشيعة الإثني عشرية عن الشبهات الواهية - أبو طالب التجليل التبريزي - ج 1 /219 ، 2 /587 ، رسائل ومقالات - الشيخ جعفر السبحاني 206 ، كذبوا على الشيعة - السيد محمد الرضي الرضوي 159 ، مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج 50 /119 ، وركبت السفينة - مروان خليفات 600 ، فلك النجاة في الإمامة والصلاة - علي محمد فتح الدين الحنفي 64 ، الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب 407 [74] - تفسير مجمع البيان - الشيخ الطبرسي - ج 2 /360 ، تفسير نور الثقلين - الشيخ الحويزي - ج 1 /382 ([75]) المقالات والفرق لسعد القمي (ص 4). ([76]) رسائل المرتضى (3/ 21 الهامش) نهج البلاغة (3/119) الغارات (1/ 305- 306 الهامش)، بحار الأنوار للمجلسي (28/ 186 هامش)، المعجم الموضوعي لنهج البلاغة (104/ 381، 383) موسوعة أحاديث أهل البيت: (5/102، 11/6) ميزان الحكمة للريشهري (1/ 132). | |
| |