عرض مشاركة واحدة
قديم 2010-09-28, 07:41 رقم المشاركة : 5
عمر أبو صهيب
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية عمر أبو صهيب

 

إحصائية العضو








عمر أبو صهيب غير متواجد حالياً


وسام المشارك

وسام منضم مسابقة المقدم

الوسام الذهبي

وسام المشاركة

وسام المشاركة في دورة HTML

وسام المشاركة

وسام حفظ سورة الكهف

وسام المركز الاول في مسابقة التصوير الفوتوغرافي

وسام المركز الثاني في مسابقة استوقفتني آية

وسام مشارك في دورة حفظ سورة البقرة

افتراضي رد: شبهات مهترئة و ردود قاصمة


سَرِيةُ أسامَةَ بنُ زَيد رضي الله عنه

تقول الشبهة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جهز جيشاً لغزو الروم قبل وفاته بيومين، وأمّر على هذه السرية: أسامة بن زيد بن حارثة، وعمره ثمانية عشر عاماً، وقد عبأ صلى الله عليه وآله وسلم في هذه السرية وجوه المهاجرين والأنصار، كأبي بكر وعمر، وأبي عبيده، وغيرهم من كبار الصحابة المشهورين، فطعن قوم منهم في تأمير أسامة، وقالوا: كيف يؤمر علينا شاب لا نبات بعارضيه، وقد طعنوا من قبل في تأمير أبيه، وقد قالوا في ذلك وأكثروا النقد، حتى غضب صلى الله عليه وآله وسلم غضباً شديداً مما سمع من طعنهم وانتقادهم، فخرج معصّب الرأس محموماً، يتهادى بين رجلين ورجلاه تخطان في الأرض، من شدة ما به من لغوب، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس ما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأمير أسامة، ولئن طعنتم في تأميري أسامة فقد طعنتم في تأميري أبيه من قبله، وأيم الله إنه كان خليقاً بالإمارة، وإن ابنه من بعده لخليق بها».
وقالوا: وإذا أردنا أن نتمعن في هذه القضية، فإننا سنجد عمر من أبرز عناصرها، إذ أنه هو الذي جاء بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الخليفة أبي بكر وطلب منه أن يعزل أسامة ويبد له بغيره. فقال أبو بكر: ثكلتك أمك يا ابن الخطاب، أتأمرني أن أعزله وقد ولاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم».
ردود العلماء على هذه الشبهة
منها أن دعوى معارضة الصحابة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم في تأمير أسامة معارضة صريحة: فمن أظهر الكذب، الذي ترده الأخبار الصحيحة.
والثابت في هذه الحادثة أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في مرضه الذي توفي فيه أمر أصحابه بالمسير إلى تخوم البلقاء من الشام، والإغارة على أهل مؤته، حيث قتل زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبدالله بن رواحه الذين كانوا أمراء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على غزوة مؤته المعروفة، فلما تجهز الصحابة لما أمرهم به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جعل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أسامة بن زيد أميراً عليهم، وقال له: سر إلى موضع مقتل أبيك، فأوطئهم الخيل وأغر صباحاً على أُبْنى[1] وحرّق عليهم، وأسرع المسير تسبق الخبر، إن ظفرك الله بهم، فأقل اللبث فيهم، فتكلم في تأمير أسامة قوم منهم عياش بن أبي ربيعة المخزومي، فرد عليه عمر وأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم[2] فخطب وقال: (إن تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل، وايم الله إن كان لخليقاً للإمارة وإن كان من أحب الناس إليّ وإن هذا لمن أحب الناس إليّ بعده).[3]
فظاهر أن من تكلم في إمارة أسامة كانوا أفراداً من الصحابة وليس كل الصحابة، وكانوا بذلك مجتهدين في ما قالوا لأنهم خشوا أن يضعف عن الإمارة لصغر سنه، ومع هذا فقد أنكر عليهم عمر وأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبرهم إنه جدير بالإمارة فما يعرف أن أحداً منهم تكلم فيه بعد ذلك.
فأي لوم على الصحابة -رضي الله عنهم- بقول أفراد منهم أنكره عليهم بعضهم، ثم نهاهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فانتهوا.
ومنها دعوى أنهم رضي الله عنهم تباطؤوا في الخروج مع أسامة حتى مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلم يحصل شيء من ذلك بل إن الصحابة بادروا بالاستعداد للقتال، وأعدوا العدة لذلك، فقد نقل ابن هشام والطبري بسنده عن ابن إسحاق قال: «بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أسامة بن زيد بن حارثة إلى الشام وأمره أن يوطئ تخوم البلقاء والداروم من أرض فلسطين،فتجهزالناس وأوعب مع أسامة المهاجرون الأولون».‏[4]
وفي الطبقات لابن سعد: «وعسكر بالجرف فلم يبق أحد من وجوه المهاجرين الأولين والأنصار، إلا انتدب في تلك الغزوة».‏[5]
فكان الصحابة قد تهيؤوا للخروج مع أسامة، وخرج بهم وعسكر بالجرف استعداداً للانطلاق، لكن الذي حصل بعد ذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اشتد عليه المرض فجاءه أسامة وقاليارسول الله قد أصبحت ضعيفاً وأرجوا أن يكون الله قد عافاك فأذن لي فأمكث حتى يشفيك الله، فإني إن خرجت وأنت علىهذه الحالة خرجت وفي نفسي منك قرحة وأكره أن أسأل عنك الناس، فسكت عنه رسول الله.[6]
فكان أسامة هو الذي طلب من النبي صلى الله عليه وآله وسلم التأخر في الخروج حتى يطمئن على رسول صلى الله عليه وآله وسلم فأذن له الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولو أراد أسامة الخروج ما تأخر عنه أحد ممن كان تحت إمرته.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «ولا امتنع أحد من أصحاب أسامة من الخروج معه لو خرج، بل كان أسامة هو الذي توقف في الخروج لما خاف أن يموت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: كيف أذهب وأنت هكذا، أسأل عنك الركبان؟ فأذن له النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المقام، ولو عزم على أسامة في الذهاب لأطاعه، ولو ذهب أسامة لم يتخلف عنه أحد ممن كان معه وقد ذهب جميعهم معه بعد موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يتخلف عنه أحد بغير إذنه».[7]
ثم إن أسامة بقي معسكراً في الجرف ينتظر شفاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى إذا كان يوم الإثنين أصبح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مفيقاً فدخل عليه أسامة، فقال له الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: (أغد على بركة الله، فودعه أسامة وخرج إلى معسكره، فأمر الناس بالرحيل، فبينما هو يريد الركوب إذ رسول أمه أم أيمن قد جاءه يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يموت فأقبل وأقبل معه عمر وأبو عبيدة، فانتهوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يموت فتوفي عليه الصلاة والسلام).[8]
فهذا هو حقيقة ما حصل، ولم يكن تأخر خروج أسامة إلا بطلب منه أذن له فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، على أنه لم يكن بين أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه بالتهيؤ للغزو، ووفاته إلا ستة عشر يوماً، فقد كان ندبه أصحابه لذلك يوم الاثنين لأربع ليال بقين من صفر سنة إحدى عشرة، وعين أسامة أميراً على الجيش في اليوم الثاني.
فلما كان يوم الأربعاء بدئ برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المرض فما زال مريضاً حتى توفاه الله يوم الاثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول[9]، ومعلوم أن هذه المدة ليست طويلة في تجهيز جيش في مثل ذلك الوقت على أن الصحابة كانوا قد استعدوا وتهيؤوا للخروج قبل هذه المدة بكثير لولا استئذان أسامة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في تأخير الخروج، فقد ثبت أن أسامة قد خرج بالجيش وعسكر في الجرف يوم الخميس أي بعد ثلاثة أيام من أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالتهيؤ للقتال.[10]
وبهذا تبطل دعوى القول في تثاقل الصحابة عن الخروج بل إن هذا يدل على سرعة امتثالهم -رضي الله عنهم- لأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذلك بتجهيزهم جيشاً كهذا قيل: إن قوامه ثلاثة آلاف مقاتل[11] بكل ما يحتاج إليه من مؤونة وعتاد في خلال ثلاثة أيام على ماهم فيه من فاقة وفقر وحاجة فرضي الله عنهم جميعاً، وجزاهم على جهادهم، وحسن بلائهم في الإسلام، خير ما جازى به المحسنين.
ومنها القول بأنه كان في جيش أسامه أبو بكر وعمر، بتعيين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لهما ثم تثاقلا عن الخروج معه.
فجوابه: أنه لم يثبت أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أمر أبا بكر وعمر أن يلتحقا بجيش أسامة، بل ولا أمر غيرهما بذلك، إذ لم يكن من عادته إذا أراد أن يجهز سرية أو غزوة أن يعين من يخرج فيها باسمائهم، وإنما كان يندب أصحابه لذلك ندباً عاماً، ثم إذا اجتمع عنده من يقوم بهم الغرض عين لهم أميراً منهم.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم تكن من عادته في سراياه، بل ولا في مغازيه، أن يعين كل من يخرج معه في الغزو بأسمائهم ولكن يندب الناس ندباً عاماً مطلقاً، فتارة يعلمون منه أنه لم يأمر كل أحد بالخروج معه ولكن ندبهم إلى ذلك، كما في غزوة الغابة، وتارة يأمر الناس بصفة كما أمر في غزوة بدر أن يخرج من حضر ظهره فلم يخرج معه كثير من المسلمين، وكما أمر في غزوة السويق بعد (أحد) أن لا يخرج معه إلا من شهد أحداً، وتارة يستنفرهم نفيراً عاماً،ولايأذن لأحد في التخلف كما في غزوة تبوك...
ولما أمّر أسامة بن زيد بعد مقتل أبيه، فأرسله إلى ناحية العدو الذين قتلوا أباه لما رآه في ذلك من المصلحة، ندب الناس معه فانتدب معه من رغب في الغزو، وروي أن عمر كان ممن انتدب معه لا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عين عمر ولا غير عمر».[12]
فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يعين أحداً باسمه، للالتحاق بجيش أسامة، وإنما دعا أصحابه إلى ذلك فالتحق بالجيش كبار المهاجرين والأنصار.
وكان من بين هؤلاء عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كما نص على ذلك المؤرخون[13]، وثبت أنه فيمن خرج في معسكر أسامة بالجرف، ثم عاد للمدينة مع أسامة، لما بلغه
احتضار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كما تقدم بذلك النقل عن ابن سعد.
ثم إن عمر -رضي الله عنه- بقي مكتتباً في جيش أسامة فلما استخلف أبو بكر وأمر بمسير الجيش استأذن أبو بكر أسامة أن يأذن لعمر بالبقاء معه لحاجته إليه.
قال الواقدي: «ومشى أبو بكر-رضي الله عنه- إلى أسامة في بيته، وكلمه أن يترك عمر، ففعل أسامة وجعل يقول له: أذنت ونفسك طيبة؟ فقال أسامة: نعم».‎‎[14]
ويذكر الطبري أن أبابكر قال لأسامة لما شيعه في خروجه بالجيش: (إن رأيت أن تعينني بعمر فافعل فأذن له).[15]
كما نص على هذا غير واحد من المؤرخين والمحققين.[16]
فثبت بهذا أن التحاق عمر بجيش أسامة كان برغبته واختياره، وأن خروجه منه كان بطلب الخليفة، وإذن الأمير فأي لوم على عمر -رضي الله عنه- في ذلك.
وأما أبو بكر فالذي عليه أكثر المؤرخين: أنه لم يكن في جيش أسامة أصلاً، فإنهم سموا من التحق بجيش أسامة من كبار الصحابة، ولم يذكروا فيهم أبا بكر.
قال الواقدي ضمن حديثه عن غزوة أسامة: «فلم يبق أحد من المهاجرين الأولين إلا انتدب في تلك الغزوة: عمر بن الخطاب، وأبو عبيدة بن الجراح، وسعد بن أبي وقاص، وأبو الأعور سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل...».‎‎[17]
وقال الطبري: «ضرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل وفاته بعثاً على أهل المدينة ومن حولهم، وفيهم عمر بن الخطاب، وأمر عليهم أسامة بن زيد».[18]
وقال الذهبي ضمن ترجمة أسامة: «استعمله النبي صلى الله عليه وآله وسلم على جيش لغزو الشام، وفي الجيش عمر والكبار».[19]
فلم يذكر هؤلاء المؤرخون أبا بكر في جيش أسامة، وذكروا بعض كبار الصحابة كعمر، وأبي عبيدة، وسعد وغيرهم، ولو كان أبو بكر في الجيش لكان ذكره أولى وأشهر. وإنما عدّ أبا بكر في جيش أسامة: ابن سعد قال: «فلم يبق أحد من وجوه المهاجرين الأولين والأنصار إلا انتدب في تلك الغزوة فيهم: أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وأبو عبيدة...».[20]
وإلى هذا ذهب ابن حجر في الفتح.[21]
وقال ابن كثير في سياق الموضوع: «وكان بينهم: عمر بن الخطاب، ويقال: أبوبكر فاستثناه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للصلاة».[22]
وقد جزم شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- بأن أبا بكر لم يكن في جيش أسامة ونقل اتفاق أهل العلم عليه.
قال:«وأبوبكر-رضي الله عنه- لم يكن في جيش أسامة باتفاق أهل العلم، لكن روي أن عمر كان فيهم، وكان عمر خارجاً مع أسامة، لكن طلب منه أبو بكر أن يأذن له في المقام عنده لحاجته إليه، فأذن له».[23]
وقال في موضع آخر : «وأما قوله إنه أمّر أسامة على الجيش الذي فيهم: أبو بكر، وعمر، فمن الكذب الذي يعرفه من له أدنى معرفة بالحديث، فإن أبا بكر لم يكن في ذلك الجيش، بل كان صلى الله عليه وآله وسلم يستخلفه في الصلاة من حين مرضه إلى أن مات. وأسامة قد روى أنه عقد له الراية قبل مرضه، ثم لما مرض أمر أبا بكر أن يصلي بالناس فصلى بهم إلى أن مات النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلو قُدر أنه أُمر بالخروج مع أسامة قبل المرض، لكان أمره بالصلاة تلك المدة، مع إذنه لأسامة أن يسافر في مرضه، موجباً لنسخ إمرة أسامة عنه، فكيف إذا لم يُؤمر عليه أسامة بحال».[24]
وبهذا يظهر أن أبا بكر لم يكن في جيش أسامة. وهو قول عامة المؤرخين إلا من شذ منهم، بل نقل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- اتفاق أهل العلم والحديث على هذا، لاشتغال أبي بكر -رضي الله عنه- بالصلاة بالناس في مرض النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
على أن من قال بالقول الآخر، لم يقل: إن أبا بكر بقي في جيش أسامة بعد أمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم له بالصلاة، فهذا لم يقل به أحد من أهل العلم، لما هو معلوم عندهم بالتواتر من اشتغال أبي بكر بإمامة الناس في مرض النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى مات، في حين أن الجيش كان معسكراً بالجرف، استعداداً للخروج. ولهذا ذكر ابن كثير أن من قال بدخول أبي بكر في جيش أسامة، ذكر أنه مستثني بأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم له بالصلاة. والروايات كثيرة التي تبين أن أبابكر كان يصلي بالمسلمين يوم وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأنه صلى الله عليه وآله وسلم كشف عن سترة الحجرة فرآهم صفوفا خلف أبي بكر، فكيف يكون في جيش أسامة إذاً؟!
وأما قوله: إن عمر كان من أبرز عناصر المعارضة، وهو الذي جاء بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أبي بكر، وطلب منه أن يعزل أسامة ويبدله بغيره.
فجوابه: أنه لم تكن هناك معارضة أصلاً حتى يكون لها عناصر بارزة أو غير بارزة، وإنما هذا أوهام وأكاذيب من الذين يحاولون عن طريقها التلبيس على ضعاف العقول بقصد الطعن في أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم والنيل منهم. والعبرة في هذا بصحة النقل فأين النقل؟
وأما قوله: إن عمر طلب من أبي بكر عزل أسامة فليس هذا رأي عمر وحده، بل رأى بعض الصحابة، وسبب هذا أنه لما مات النبي صلى الله عليه وآله وسلم ارتدت كثير من قبائل العرب، ونجم النفاق، وتربص الأعداء بالمسلمين من كل ناحية، وقد كان في جيش أسامة جل الصحابة وخيارهم، فخشى كبار الصحابة على المدينة بعد خروج الجيش منها أن يحيط بها الأعداء، وفيها خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأمهات المؤمنين، والنساء، والذراري، فأشاروا على أبي بكر أن يؤجل بعث أسامة حتى يستقر الحال، ويفرغ من قتال المرتدين، فلما أبى عليهم ذلك أشار عليه بعضهم أن يولي الجيش من هو أسن من أسامة، وأعرف بالحرب منه حرصاً منهم على سلامة الجيش في ذلك الوقت العصيب الذي يمرون به.
وبهذا جاءت الروايات:
فقد روى الطبري من حديث عروة عن أبيه قال: (لما بويع أبو بكر -رضي الله عنه- وجمع الأنصار في الأمر الذي افترقوا فيه، قال: ليتم بعث أسامة، وقد ارتدت العرب، إما عامة، وإما خاصة في كل قبيلة، ونجم النفاق وأشر أبت اليهود والنصارى، والمسلمون كالغنم في الليلة المطيرة الشاتية، لفقدهم نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم وقلتهم وكثرة عدوهم، فقال له الناس: إن هؤلاء جل المسلمين، والعرب -على ماترى- قد انتقضت بك، فليس ينبغي لك أن تفرق عنك جماعة المسلمين، فقال أبو بكر: والذي نفس أبي بكر بيده، لو ظننت أن السباع تخطفني لأنفذت بعث أسامة كما أمر به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولو لم يبق في القرى غيري لأنفذنه).[25]
وفي روايه للواقدي: «فلما بلغ العرب وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وارتد من ارتد عن الإسلام، قال أبو بكر -رضي الله عنه- لأسامة -رحمة الله عليه- أنفذ على وجهك الذي وجهك فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وأخذ الناس بالخروج وعسكروا في موضعهم الأول، وخرج بريده باللواء حتى انتهى إلى معسكرهم الأول فشق على كبار المهاجرين الأولين، ودخل على أبي بكر، عمر، وعثمان، وسعد بن أبي وقاص، وأبو عبيدة بن الجراح، وسعيد بن زيد، فقالوا ياخليفة رسول الله إن العرب قد انتقضت عليك من كل جانب وإنك لا تصنع بتفريق هذا الجيش المنتشر شيئاً، اجعلهم عُدة لأهل الردة ترمي بهم في نحورهم؟ وأخرى لا نأمن على أهل المدينة أن يغار عليها، وفيها الذراري والنساء، فلو استأنيت لغزو الروم حتى يضرب الإسلام بجرانه وتعود الردة إلى ما خرجوا منه، أو يفنيهم السيف، ثم تبعث أسامة حينئذ فنحن نأمن الروم أن تزحف إلينا؟ فلما استوعب أبو بكر -رضي الله عنه- منهم كلامهم قال: هل منكم أحد يريد أن يقول شيئاً؟ قالوا: لا قد سمعت مقالتنا، فقال: والذي نفسي بيده لو ظننت أن السباع تأكلني بالمدينة لأنفذت هذا البعث، ولا بدأت بأولى منه، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينزل عليه الوحي من السماء يقول: أنفذوا جيش أسامة).[26]
وفي رواية للطبري: أن هذا هو رأي أسامة نفسه، وهو الذي بعث عمر إلى أبي بكر بهذا وعلى هذا الرأى الأنصار أيضاً، وأنهم قالوا لعمر فإن أبى ذلك فليول الجيش أقدم سناً من أسامة، وهاهوذا نص الرواية من رواية الحسن البصري قال: (ضرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل وفاته بعثاً على أهل المدينة ومن حولهم، وفيهم عمر بن الخطاب وأمّر عليهم أسامة بن زيد، فلم يجاوز آخرهم الخندق، حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فوقف أسامة بالناس ثم قال لعمر: ارجع إلى خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاستأذنه يأذن لي أن أرجع بالناس، فإن معي وجوه الناس وحدَّهم، ولا آمن على خليفة رسول الله، وثقل رسول الله، وأثقال المسلمين أن يتخطفهم المشركون، وقالت الأنصار: فإن أبي إلا أن نمضي فأبلغه عنا، واطلب إليه أن يولي أمرنا رجلاً أقدم سناً من أسامة، فخرج عمر بأمر أسامة، وأتى أبا بكر فأخبره بما قال أسامة، فقال أبو بكر: لو خطفتنى الكلاب والذئاب، لم أرد قضاءً قضى به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. قال: فإن الأنصار أمروني أن أبلغك، وإنهم يطلبون إليك أن تولي أمرهم رجلاً أقدم سناً من أسامة، فوثب أبو بكر-وكان جالساً- فأخذ بلحية عمر، فقال له: ثكلتك أمك وعدمتك يابن الخطاب؟ استعمله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتأمرني أن أنزعه؟ فخرج عمر إلى الناس فقالوا له: ما صنعت؟ فقال: امضوا، ثكلتكم أمهاتكم؟ مالقيت في سببكم من خليفة رسول الله؟).[27]
فظاهر من هذا أن الذي حمل الصحابة على ما قالوا إنما هو النصح لدين الله، وشفقتهم على المسلمين، وأن القول بتأجيل خروج جيش أسامة، هو قول عامة الصحابة، بما فيهم أسامة، وذلك لشدة الظروف التي كانوا يمرون بها، نظراً لموت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما تبع ذلك من كثرة الارتداد، وشيوع النفاق، وتربص الأعداء، وطمعهم في المسلمين، في حين أن الجيش سيقطع مسافات بعيدة يخترق من خلالها كثيراً من أحياء العرب الذين لا يؤمن جانبهم، ويخشى من غدرهم وردتهم، مما حمل الأنصار أن يطلبوا من عمر -كما في رواية الطبري- أن يطلب من خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا ما عزم على مسيرة الجيش أن يولي إمرته من هو أسن من أسامة، فإنه كان شاباً عمره ثماني عشرة سنة[28]، وهذا لا مطعن فيه على أسامة، وإنما للسن أثره في الحكمة وسياسة الأمور، خصوصاً في تلك المرحلة الحرجة.
ومع هذا فقد صمم الصديق -رضي الله عنه- على تسيير الجيش بقيادة أسامة امتثالاً لأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وثقة بنصر الله، فسار الجيش إلى ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأغار على أهل تلك البلاد فقتل أسامة قاتل أبيه وغنموا منهم ورجع الجيش سالماً إلى المدينة.[29]
والصحابة على كل حال مجتهدون في شأن جيش أسامة سواء من رأى منهم تسيير الجيش، أو لم ير ذلك، أو رأى عزل أسامة، أو لم ير ذلك، فما أرادوا من ذلك إلا الخير، والنصح لدين الله والمسلمين، وهم أبعد ما يكونون على كل ما يرميهم به هؤلاء من التهم الباطلة الجائرة.
وختاماً لم يصح في قصة سرية أسامة حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : ( لعن الله من تخلف عن جيش أسامة ) فهذا كذب على النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
[1] - أُبْنَى: بوزن حُبْلى موضع بالشام من جهة البلقاء، معجم البلدان لياقوت الحموي 1/79.
[2] - انظر: تاريخ الطبري 3/184، وفتح الباري لابن حجر 8/152.
[3] - من قوله: إن تطعنوا... رواه البخاري في (كتاب المغاري، باب بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم أسامة) فتح الباري 2/152، ح4469، ومسلم: (كتاب فضائل الصحابة،باب فضائل زيد بن حارثة وأسامة بن زيد)4/1884، ح2426.
[4] - سيرة ابن هشام 4/1499، تاريخ الطبري 3/184.
[5] - الطبقات الكبرى لابن سعد 2/190.
[6] - نقلة شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة 5/488.
[7] - منهاج السنة 6/318- 319.
[8] - الطقبات الكبرى لابن سعد 2/191.
[9] - انظر: المصدر السابق 2/189- 191.
[10] - انظر: المصدر السابق.
[11] - انظر: كتاب المغازي للواقدي 3/1122، وفتح الباري لابن حجر 8/152.
[12] - منهاج السنة 4/277- 279.
[13] - انظر: المغازي للواقدي 3/1118، والطبقات الكبرى لابن سعد 2/190، وتاريخ الطبري 3/226، والبداية والنهاية 6/308، وسير أعلام النبلاء للذهبي 2/497.
[14] - المغازي للواقدي 3/1121- 1122.
[15] - تاريخ الطبري 3/226.
[16] - انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد 2/191، والبداية والنهاية لابن كثير 6/309، ومنهاج السنة لشيخ الإسلام ابن تيمية 5/448، 6/319.
[17] - المغازي 3/1118.
[18] - تاريخ الطبري 3/226.
[19] - سير اعلام النبلاء 2/497.
[20] - الطبقات الكبرى لابن سعد 2/190.
[21] - انظر: فتح الباري 8/152.
[22] - البداية والنهاية لابن كثير 6/308.
[23] - منهاج السنة 6/319.
[24] - المصدر نفسه 4/276- 277.
[25] - تاريخ الطبري 3/225، وأورد هذه الرواية ابن كثير أيضاً في البداية والنهاية 6/308.
[26] - المغازي للواقدي 3/1121.
[27] - تاريخ الطبري 3/226.
[28] - انظر: سير اعلام النبلاء للذهبي 2/500.
[29] - انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد 2/191.





التوقيع






    رد مع اقتباس