2012-05-24, 18:26
|
رقم المشاركة : 5 |
إحصائية
العضو | | | رد: القول بفناء النار كفر | هل صحيح أن هناك من العلماء من قال بفناء النار، وذهب إلى عدم خلودها وخلود أهلها فيها، وما رأى جماهير العلماء في هذا؟ الجواب هل قال ابن تيمية وابن القيم بفناء النار؟ شاعت نسبة القول بفناء النار وعدم بقائها إلى الإمامين تقي الدين ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، ومسلك ابن تيمية - فيما ذكره في رسالته التي أفردها في الموضوع، وفيما نقله عنه تلميذه ابن القيم - كالصريح في اختياره القول بفناء النار، حيث قرر أدلة القائلين بفنائها ونصره بحسب ما يراه ونافح عنه، وقرر أدلة القائلين بدوامها وانتقدها جميعا ولم يرتضها(1)، وهذا كالتصريح منه في هذا الموضع باختياره في المسألة، وهو ما فهمه عنه العلماء المعاصرون له فمن بعدهم، ولا ينازع في فهم كلامه هكذا من له أدنى خبرة بفهم كلام العلماء. فليس مسلك ابن تيمية – كما ظن بعضهم – هو مجرد عرض لآراء الناس في المسألة دون ترجيح، فيصير من الخطأ نسبة القول بفناء النار إليه، بل هو رجَّح أدلة القائلين بالفناء، وفند – بحسب رأيه - أدلة القائلين بالدوام وساقها مساق التمريض، فصار ذلك ترجيحا منه للقول بالفناء. ومن عباراته الدالة على أن اختياره هو القول بفناء النار: قوله في أثناء استدلاله للمسألة: ((وقد روى علماء السنة والحديث في ذلك (يعنى فنائها) آثارا عن الصحابة والتابعين مثل... وحينئذ فيُحَتّج على فنائها بالكتاب والسنة، وأقوال الصحابة، مع أن القائلين ببقائها ليس معهم كتاب، ولا سنة، ولا أقوال الصحابة...)) (2). وقال أيضا: ((والذين قطعوا بدوام النار، لهم أربع طرق: أحدها: ظن الإجماع فإن كثيرا من الناس يعتقد أن هذا مجمع عليه، ولا خلاف فيه بين السلف، وإن كان فيه خلاف حادث، فهو من أقوال أهل البدع... والثاني: أن القرآن قد دل على ذلك دلالة قطعية... والثالث: أن السنة المستفيضة أخبرت بخروج من في قلبه مثال ذرة من إيمان من النار دون الكفار، فإنهم لم يخرجوا...))، ثم أخذ في الرد على طرق من قطعوا بدوام النار فقال: ((فأما الإجماع فهو أولا: غير معلوم، فإن هذه المسائل لا يقطع فيها بإجماع، نعم قد يظن فيها الإجماع وذلك قبل أن يعرف النزاع، وقد عرف النزاع قديماً وحديثا، بل إلى الساعة لم أعلم أحدا من الصحابة قال: إنها لا تفنى، وإنما المنقول عنهم ضد ذلك ولكن التابعون نقل عنهم هذا وهذا. وأما القرآن، فالذي دل عليه (! كذا) وليس في القرآن ما يدل على أنها لا تفنى، بل الذي يدل عليه ظاهر القرآن أنهم خالدون فيها أبدا – ثم ذكر الآيات الدالة على خلودهم في النار ثم قال - فهذه النصوص وأمثالها في القرآن تبين أنهم خالدون في جهنم لا يموتون ولا يحيون... وهذا يقتضي خلودهم في جهنم - دار العذاب – ما دام ذلك العذاب باقيا، ولا يخرجون منها مع بقائها وبقاء عذابها، كما يخرج أهل التوحيد، فإن هؤلاء يخرجون منها بالشفاعة، وغير الشفاعة مع بقائها، كما يخرج ناس من الحبس الذي فيه العذاب مع بقاء الحبس والعذاب الذي فيه على من لم يخرج. وهكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح...))(3)، ثم أخذ في ذكر الأحاديث، فقد صرح ابن تيمية بحمل الآيات والأحاديث في الباب على أنها تقتضى خلود الكافرين فيها مدة بقائها ودوامها، ولا تقتضى دوامها نفسه. ثم شرع ابن تيمية بعد ذلك في تأسيس الفرق بين بقاء الجنة وبقاء النار، فقال: ((الفرق بين بقاء الجنة، والنار، شرعا، وعقلا، فأما شرعا، فمن وجوه: أحدها: أن الله أخبر ببقاء نعيم الجنة ودوامه، وأنه لا نفاد له ولا انقطاع في غير موضع من كتابه، كما أخبر أن أهل الجنة لا يخرجون منها، وأما النار وعذابها فلم يخبر ببقاء ذلك، بل أخبر أن أهلها لا يخرجون منها، وأما النار وعذابها فلم يخبر ببقاء ذلك، بل أخبر أن أهلها لا يخرجون منها. الثاني: أنه أخبر بما يدل على أنه ليس بمؤيد في عدة آيات. الثالث: أن النار لم يذكره فيها شيء يدل على الدوام. الرابع: أن النار قيدها بقوله: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً}، وقوله: {خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ}، وقوله: {مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ}، فهذه ثلاث آيات تقتضي قضية مؤقتة، أو معلقة على شرط، وذاك (يعنى دوام الجنة) دائم مطلق، ليس بمؤقت ولا معلق...))(4). فكل هذه العبارات واضحة في بيان اختياره، وأنه قائل بفناء النار، وأن هناك – عنده – فرق بين بقاء الجنة وبقاء النار شرعا وعقلا، وأن القرآن يدل على بقاء الجنة، وليس فيه ما يدل على بقاء النار، وأن ذلك لا ينافى خلود الكفار فيها الذي صرحت به الآيات والأحاديث، بل هم خالدون في النار مدة بقائها، هذا هو ما يحصل عندنا في تحرير مذهب ابن تيمية في المسألة، بناء على مجموع كلامه فيها. بطلان ما نسب إلى بعض السلف من القول بفناء النار: ومن جهة أخرى فإن تصوير المسألة على أن هناك من السلف من سبق إلى القول بذلك محل نظر وبحث، والتحقيق أن نسبة ذلك للسلف ليست صحيحة، فليس من السلف من صرح به، وإنما حكى الإمام ابن تيمية - ومن قلده - هذا القول ونسبه إلى بعض الصحابة كما سيأتي الكلام بالتفصيل، ولكن الألفاظ المنقولة عنهم لا تساعده على ما نسبه إليهم، فيصير نسبة هذا القول إليهم مجرد دعوى لم يقم الدليل على صحتها، ولا يَعْدُ الأمر أن يكون مجرد فهم من الإمام ابن تيمية لمعنى كلامهم، وليس هو صريح أقوالهم، بل الصحيح حمل كلامهم على ما يوافق عقيدة أهل السنة وإجماع الأمة على ما سيأتي تقريره، ويحصل من هذا أن تصوير المسألة على أن لابن تيمية سلف فيها ليس بصحيح، بل هو فهم ذلك عن بعض السلف بنفسه، وتفرد بنسبته إليهم، من ثم فتعضيد بعض الباحثين لموقفه بما حكاه هو نفسه لا يسانده المنهج العلمي السليم، الذي يوجب نقد النقول، والبحث في صحتها، وليس التسليم لها، والقاعدة المقررة (إن كنت ناقلا فالصحة، أو مدعيا فالدليل) ولم يصح نسبة هذا القول إلى أحد من السلف، ولا ثبت الدليل بدعوى ذلك عنهم كما سيأتي تحقيقه. القول الآخر المنقول عن ابن تيمية في المسألة: على أن كثيرا من المعجبين بآراء الإمام ابن تيمية، لم يستطيعوا أن يوافقوه على هذا الرأي، لكنهم اتبعوا في مناقشته من اللين واللطف وأدب الحوار ما ينبغي أن يكون منهجهم دائما في مناقشة كل من يخالفهم في الرأي وليس مع ابن تيمية فحسب، بل ينبغي أن يكون ذلك النهج الذي انتهجوه هو منهجنا جميعا عند اختلاف الاجتهاد، طالما أن الخلاف يدور فى إطار الأصول الشرعية ، وضوابط الاجتهاد الشرعى الصحيحة، دون طعن أو غمز أو لمز فى الخصم أو اتهامه فى عقيدته ودينه، فضلا عن تكفيره أو إخراجه من الملة . على أن للإمام ابن تيمية مواضع أخرى في بعض كتبه جرى فيها على ما أجمع عليه عند أهل السنة من القول ببقاء الجنة والنار ودوامهما، ومن ذلك قوله: ((وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها وسائر أهل السنة والجماعة على أن من المخلوقات ما لا يعدم ولا يفنى بالكلية كالجنة والنار والعرش وغير ذلك))، فنقل بنفسه – ما انتقده – من الاتفاق على ذلك(5). والغرض من بحث المسألة هو الرد على القول بفناء النار لعِظَمِ هذه المسألة وخطورتها ومخالفتها لعقيدة أهل السنة والجماعة، سواء أصح نسبتها لابن تيمية أم لا، وذلك نظرا لشيوع ما نُسب إليه وإلى تلميذه ابن القيم من أقوال وآراء وانتشار مؤلفاتهما بأيدي الناس، فيقع ذلك في أيدي من يطيق البحث العلمي ونقد ما يصح وما لا يصح من كلامهما، ومن لا يطيق ذلك فيسارع إلى اعتقاده ظنا صواب هذا الرأي وأنه اعتقاد السلف وأهل السنة، والحقيقة ليست كذلك. فإن لم يصح نسبة هذا القول لابن تيمية فبها ونعمة، ويكون متفقا في ذلك مع اعتقاد أهل السنة وهذا الذي نرجوه، وإن صحت النسبة إليه فقد اجتهد وأخطأ، وكل يؤخذ من كلامه ويرد. | |
| |