الرئيسية | الصحيفة | خدمات الإستضافة | مركز الملفات | الحركة الانتقالية | قوانين المنتدى | أعلن لدينا | اتصل بنا |

أفراح بن جدي - 0528861033 voiture d'occasion au Maroc
educpress
للتوصل بجديد الموقع أدخل بريدك الإلكتروني ثم فعل اشتراكك من علبة رسائلك :

فعاليات صيف 2011 على منتديات الأستاذ : مسابقة استوقفتني آية | ورشة : نحو مفهوم أمثل للزواج

العودة   منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد > منتديات الثقافة والآداب والعلوم > منتدى الثقافة والفنون والعلوم الإنسانية > الفكر و التاريخ و الحضارة


إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 2010-05-25, 13:51 رقم المشاركة : 1
رشدية جابرية
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية رشدية جابرية

 

إحصائية العضو







رشدية جابرية غير متواجد حالياً


وسام المشاركة في دورة HTML

وسام مشارك في دورة حفظ سورة البقرة

افتراضي العقلانية: جدل الفلسفة والدين- منقول للنقاش-



عادة ما يناقش مفهوم العقلانية في الساحة الفكرية تحت وطأة الجدل السياسي حول العلمانية والدين، حيث يحتكر الطرف العلماني الحديث باسم العقلانية، على حين يقف الطرف الذي يدافع عن الدور الفعال للدين في المجال العام بدوائره المختلفة موقف المتحفظ من العقلانية، إن لم يكن معاديا لها. وفي حين يرفع الفريق العلماني شعارات الاستنارة، ويتهم خصومه بالرجعية والظلامية والدوغمائية، بل والتمسك بالخرافة، يتهم الفريق المنافح عن الدين معارضيه بالاستهانة بالغيب والوحي، وتقديم العقل على النص، والرغبة في التحلل من القيم الأخلاقية والقواعد الشرعية.
هذا الجدل يحتاج لكسر حلقته المفرغة، ولن يتحقق هذا دون تعريف مفهوم العقلانية والقيام بعملية تحليل فلسفي عميق له، وهو ما سنسعى إليه هنا.
السياق الفلسفي
يمكن القول ابتداء بأن العقلانية ليست مذهبًا مغلقا يضم فريقا من الأنصار، مثلما الحال مع الماركسية أو الوجودية أو الليبرالية؛ بل هي نزعة ومنهج في التفكير ينحو إليه المفكرون والفلاسفة بل والفقهاء داخل منظوماتهم ومذاهبهم الفكرية أو الفلسفية أو الشرعية، مُولِين العقلَ مكانة محورية، سواء في نظرية المعرفة، أو في فهم العالم، أو -في حالة الفلسفة والفقه الإسلامي- في تحكيم الشرع والاجتهاد في فهم الوحي وتنزيله وتطبيق السنة، وتأصيل بعديهما الإنساني والاجتماعي فيما وراء سياقيهما التاريخيين.
فالعقلانية اقتراب فكري يعتبر العقلَ مركزيًّا في توليد المعرفة الصحيحة، ويتحدد معنى "العقلانية" بحسب المجال الذي تنطلق منه، سواء أكان: نظرية المعرفة، أم الدين، أم علم الأخلاق، أم المنطق، أم العلم الطبيعي والرياضي. ومع هذا يظل الاستخدامُ الأكثرُ شيوعًا للكلمة مرتبطا بنظرية المعرفة واقتراب التعامل مع الدين (وحيًا ونبوة) كمصدر للمعرفة.
وتعني العقلانية في مجال نظرية المعرفة ذلك المذهب الذي يرى أن المعرفة اليقينية لابد أن تكون كلية؛ بحيث تشمل القضية جميع الحالات الجزئية، وضرورية؛ بحيث تلزم النتائج عن المقدمات لزومًا ضروريًّا.
وترى العقلانيةُ الفلسفيةُ أن الكلية والضرورة، كصفتين منطقيتين للمعرفة الحقة، لا يمكن استنتاجهما من التجربة وحدها، وترى أيضا أن عمومية المعرفة الحقة تُستنتج من العقل نفسه؛ إما من التصورات المفطورة في العقل (مثل نظرية الأفكار الفطرية عند ديكارت)، أو من التصورات الموجودة في صورة الاستعدادات القبلية للعقل التي تمارس التجربةُ تأثيرَها المنبه على ظهورها، لكن سمتي الكلية المطلقة والضرورة المطلقة تُعطى لها قبل التجريب الواقعي، وأحكام العقل والصور القبلية مستقلة بشكل مطلق عن التجربة كما عند الفيلسوف الألماني كانط "Kant" (1724-1804م).
بهذا المعنى تقف "العقلانية" كفلسفة ومنهج في مواجهة "التجريبية" التي ترى أن المعرفة اليقينية تنبع من التجربة لا من العقل، وهكذا فإن تميز العقلانية يتمثل في كونها تنكر قضية أن الكلية والضرورة تنشآن من التجربة.
وأما فيما يتعلق بالموقف من الدين؛ فيشير وصف العقلانية إلى أصحاب رؤى متعددة وبالغة التفاوت بما يصعب معه -كما ذكرنا- اعتبارُهم مذهبا أو مدرسة فكرية متجانسة؛ فمنهم القائل بأن المذاهب الدينية ينبغي أن تختبر بمحك عقلي، أو يشير الوصف أحيانًا للقائلين بأنه لا يمكن الإيمان بخوارق الطبيعة، وهذا المعنى الأخير لا ينطبق على كل العقلانيين؛ لأن منهم من يقبل المعجزات ويسوغها عقلانيا؛ مثل الفيلسوف ليبنتز، وأيضًا يطلق وصف العقلانية على الذين يقبلون المعتقدات الدينية لكن بعد اختبارها اختبارا عقليًّا، كما يطلق على المؤمنين الذين يفسرون الدين في ضوء العقل، ويعتبرون أنهما لا ينفكان عن بعضهما البعض.
العقلانية إذا ليست ضد الدين بالضرورة، فهي تيار واسع ومتنوع المشارب ومتفاوت فيما ينطلق منه من مسلمات وينتهي إليه من نتائج. وعلى سبيل المثال اعتقد اثنان من الفلاسفة العقلانيين اعتقادات متناقضة تمامًا، وأخذ كل منهما موقفًا مختلفًا عن الآخر بالكلية بشأن علاقة الدين بالعقل، ففي حين رأى لوك "Locke" (1632-1704م) أن المبادئ الإلهية والأخلاقية قابلة لإقامة البرهان العقلي عليها، فإن هيوم "Hume" (1711-1776م)أنكر ذلك وقال بأنها غير قابلة للبرهنة.
وعليه يجب عدم الخلط بين العقلانية والتجريبية واختزالِهما معًا باعتبارهما يمثلان المذهب الوضعي بالمعنى الذي يقابل الغيبي أو الديني؛ إذ إن العقلانية تؤمن بأفكار عن الفطرة العقلية والرشد العام والمشترك في حده الأدنى بين الناس، وهي أفكار من قواعد وأسس التكليف في المنظور الشرعي، وعليها تنبني المسئولية الفردية عن التزام التوحيد، بل هي مناط العبودية والحساب. فالتصنيف أعقد من ثنائية الوضعي في مقابل الديني التي نجدها في معظم الكتابات الإسلامية السائدة، والتي قليلا ما تدرس المناهج الفلسفية أو تدرك تركيبها وتنوعها بالعمق الذي فهمها به السلف من الفقهاء أو الفلاسفة المسلمين؛ فقد أكد بعض علماء السلف على موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول مثل ابن تيمية، بينما انحرف بعضهم بالعقل في موقفه من الدين مثل أبي بكر الرازي.
وجدير بالذكر أن مصطلح العقلانية كان يستخدم في الفلسفة الغربية الحديثة لوصف الاتجاه المعارض للكهنوت المسيحي والدين، ولا يزال البعض يستخدم العقلانية –خطأ- فيعني بها التماثل مع العلمانية أو مع الإلحاد. لكن من وجهة نظر علمية بحتة، لا تعني العقلانية بالضرورة هذه المعاني المعادية للدين، بل إن فقهاء المسلمين تحدثوا عن التوفيق بين العقل والنقل قبل ظهور العلمانية الغربية وأطروحاتها العقلانية التي كان هدفها التشكيك في المعرفة الدينية وتهميش دور الكنيسة المعرفي ودعم التفكير العلمي الطبيعي والوضعي إبان عصر النهضة. ويمكن القول بأن موقف ابن تيمية في كتابه "درء تناقض العقل والنقل" دليل أن العقل الصريح والعقلانية الصريحة لا تدل في حد ذاتها على موقف معاد للدين، ودليل على موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول في الفقه الإسلامي.
وهذا لا ينفي أن بعض العقلانيين كانوا بوضوح ضد الدين، لكن لا شك أيضا أن البعض الآخر يؤمنون بالدين، ويضعون الله تعالى في قلب منظومتهم الفلسفية، ويؤمنون بالوحي ويسعون للتوفيق بين العقل والنقل بطرق مختلفة، بل نجد فلاسفة يذهبون إلى أن النهضتين الفكرية والمدنية والحضارة لا تقوم بدون الدين؛ فجيمس ميل "James mall" -والد جون ستيوارت ميل-، الذي كان من أقطاب التنوير في إسكتلندا، يؤكد على الربط بين العقل والدين من ناحية، والدين والمدنية والفضائل المدنية من ناحية أخرى، ونجد جون لوك يؤكد على أن من لا دين له لا أمانة له، ولا يمكن الوثوق به اجتماعيًّا، وغيرهم كثير.
وعلى أساس هذا التمييز بين الرؤى المختلفة سوف نتناول رؤى العقلانية، موضحين طبيعة الاختلافات بين المدافعين عنها.
تطور العقلانية ومقولاتها الأساسية
العقلانية تيار له تاريخ طويل، وهي موقف لقطاع كبير من المفكرين، ولها جذورها في الفكر الشرقي القديم، لا سيما في مصر والهند. وقد بدأت كتيار فلسفي في الفلسفة اليونانية، مع سقراط وأفلاطون. ولقد حاول بعض الفلاسفة المسلمين توظيف العقل للتعبير عن العقائد والأفكار الإسلامية وللدفاع عنها ضد مهاجميها، مثل الكندي والفارابي وابن سينا؛ الذين سعوا للتوفيق بين الدين الإسلامي والعقلانية اليونانية، وقد ذهب ابن رشد إلى أن العقل هو الأساس، وإذا ما وُجِد بينه وبين الوحي تعارض فإنه ينبغي تأويل الوحي بما يجعله متفقًا مع العقل.
وفي العصر الأوربي الوسيط كانت العقلانية تتحرك داخل الدين، واتخذت عقائدَه مسلماتٍ مطلقةٍ، وصار العقل خادما للاهوت المسيحي، سواء لاهوت الأرثوذكسية اليونانية أو لاهوت الكاثوليكية الرومانية، واعتُبر العقلُ أداةً للدين، مثلما هو الحال عند أوغسطين "Augustin" (354-430م)، وأنسلم "Anselme" (1033-1109م)، وتوما الأكويني "Aquinas" (1225-1274م)؛ حيث كانوا يوظفون الفكر الفلسفي في تبرير العقائد المسيحية، وفي الدفاع عنها ضد الشبهات والانتقادات.
وفي مطلع العصر الحديث، جاء ديكارت، الذي يعده الكثيرون أبا للعقلانية الحديثة لأنه -في نظرهم- انطلق من الفكر العقلاني الخالص كمقدمة أولى استنبط منها الحقائق اليقينية، لكن في رأينا أن القديس توما الأكويني قد سبق ديكارت في موقفه من الوحي المسيحي "Christian revelation" بوصفه مهيمنا على العقل.
وقد ذهب سبينوزا "Spinoza" (1632-1677م) إلى القول بمذهب وحدة الوجود؛ أي أن الله والعالم جوهر واحد، ووصل إلى ذلك بطريقته الاستنباطية العقلية الهندسية المعروفة عبر سلسلة من الاستدلالات. ومن العقلانيين في القرن السابع عشر: جولينكس "Geulincx" (1624-1669م)، ومالبرانش "Malebranche" (1638-1715م)، وغيرهما من صغار الديكاراتيين.
ومن أهم الفلاسفة العقلانيين في القرن السابع عشر الفيلسوف الألماني ليبنتز "Leibniz" (1646-1716م)، الذي ذهب إلى وجود توافق تام بين الحقيقة الدينية والحقيقة العقلية، ولا مجال عنده لأي نوع من التنافر بين كنهيهما؛ فالحقيقتان منسجمتان، لكن أسلوب التوصل إلى الحقيقة الدينية مغاير لأسلوب التوصل إلى الحقيقة العقلية؛ فالأسلوب الأول هو الوحي الخارق للأساليب الطبيعية، بينما الأسلوب الثاني هو الاكتساب العقلي المؤسس على طرق طبيعية. وهكذا ثمة طريقان أو أسلوبان، لكن الحقيقة واحدة، تأخذ تارة اسم الحقيقة الدينية تبعا لمنهج التوصل إليها، وتارة أخرى تأخذ اسم الحقيقة العقلية تبعا لمنهج التوصل إليها. وانطلاقا من هذا التوافق بين الحقيقتين يؤسس ليبنتز الإيمان على العقل، مع أنه في أحيان كثيرة يرفع الإيمان فوق العقل ويعتبر العقل عاجزا عن فهم العقائد الإيمانية.
وإذا انتقلنا إلى القرن الثامن عشر نجد هيوم، وهو نموذج من الفلاسفة الذين تناولوا بالنقد مفهوم الدين، وهو نموذج معاكس لديكارت، عقلانيٌ في مجال الدين، أما موقفه من نظرية المعرفة فمحل خلاف، ونكتفي هنا ببيان أن موقفه من الدين موقف نفي وإنكار لأي شكل من أشكال الدين!
وظهر في القرن نفسه الفيلسوف الألماني كانط الباحث عن منحًى للإيمان، وقد استطاع أن يطور مذهبًا فلسفيًّا في الإيمان الأخلاقي، وذلك على حساب إيمان الوحي الغيبي.
وفي القرن التاسع عشر اتخذت العقلانية شكل المثالية المطلقة عند الفيلسوف الألماني هيجل "Hegel" (1771-1834م)، حيث يذهب إلى أن الوجود في حقيقته روح تتطور في التاريخ تطورًا جدليًّا، وأن الروح اللانهائية أو الفكرة المطلقة غير المحدودة هي حقيقة الوجود وأساسه، وليس المادة. لذا فإنه وقف ضد الماديين الذين يعتبرون أن المادة أصل الوجود، فالمادة عنده ما هي إلا تجلٍّ من تجليات الروح. ويرى هيجل أن للكون روحًا واحدة تتجلى في عدة مراحل متتالية؛ حيث تنتقل الفكرة إلى نقيضها، ثم يتصارع النقيضان ويتفاعلان، فتنشأ فكرة جديدة مركبة من الفكرة ونقيضها، وتستمر الحركة، حيث تمر الفكرة الجديدة بالمراحل الثلاث السابقة نفسِها وهلم جرا. ومن هنا ففلسفة هيجل هي مذهب في وحدة الوجود.
وقد وحد هيجل بين موضوع الفلسفة وموضوع الدين، وهو المطلق أو اللامتناهي. لكن الاختلاف بينهما يكمن في شكل التعبير؛ فالفلسفة تعبر بطريقة فكرية مجردة، والدين يعبر بشكل مجازي، وبهذا تختلف الفلسفة عن الدين، رغم أن المضمون مشترك وموحد فيهما.
ونظرا لاختلاف العقلانيين في تصورهم لطبيعة العقل، ومن ثم اختلافهم في النتائج التي توصلوا إليها خصوصا بشأن الدين، فإن معالم وأسس العقلانية متنوعة، ولكن يمكن إجمالها على النحو التالي:
- أولوية المرجعية العقلية: الفكرة الأساسية المشتركة بين العقلانيين في نظرية المعرفة هي إنكار أن القوانين الموضوعية تستمد من الطبيعة، وأن استنباط شروط المعرفة اليقينية والمبادئ والبديهيات يكون من العقل وليس من الطبيعة.
- ارتباط مشكلة السببية بالعقل ارتباطًا جوهريًّا؛ لأن العقل في نهاية التحليل يرتد بنيويا إلى السببية. وقد انعكس هذا التصور للعقل على اللغات الأوربية؛ حيث نجد أن كلمة "Ratio" اللاتينية أو ما اشتق منها -مثل كلمة"Raison" الفرنسية و"Reason" الإنجليزية- تدل تارة على ملكة العقل، وتارة على علاقة السببية. ومن هنا فإن حديثنا عن السببية هو حديث عن العقلانية؛ لأن السببية بشرطيها الضرورية والكلية، تستنبط عند العقلانيين من العقل الإنساني لا من الطبيعة. وهذا الرأي الجوهري هو الثابت البنيوي الذي يميز كل الفلسفات العقلانية عن الفلسفات التجريبية المحضة التي ترى أن الروابط السببية والضرورة والكلية إنما توجد في القوانين الموضوعية للطبيعة الخارجية، مستقلة استقلالا تاما عن العقل الإنساني.
- الجدل بشأن خوارق الطبيعة أو المعجزات، وعلى سبيل المثال أنكر هيوم المعجزة، لأنها أمر خارق للطبيعة بقوله "لا يوجد دليل كافٍ على إثبات وقوع المعجزة، إلا ذلك الدليل الذي إذا ثبت بهتانه كان في حد ذاته أكثر إعجازا من الحادث الذي يحاول إثباته.. ولا يمكن البتة إقامة الدليل على معجزة بحيث تكون أساسا لنظام من الدين"، في حين قبلها البعض الآخر، وتوقف أمامها فريق ثالث بغير إنكار ولا إثبات.
مفهوم العقل في الشريعة
إذا أردنا مقارنة ومقاربة قضية العقل بين الفلسفة والشريعة وجب أن نفرق بدقة بين مفهوم العقل في الشرع، ومفهومه في نظرية المعرفة في المدارس الفلسفية.
فالإسلام لا يرفض العقلانية بكل أنواعها ومستوياتها؛ إنه يرفض فقط العقلانية الجذرية -أو العقلانية الأصولية إذا جاز التعبير-، والتي ترفض أي مصدر للمعرفة غير العقل. ويدعو إلى التعقل المبني على برهنة محكمة كمرحلة من مراحل التفكير من أجل الوصول إلى الحقيقة. ويتجلى هذا بوضوح في دعوة القرآن الكريم للتفكر، ومخاطبته لأهل العقول. والقرآن نفسه قد سلك طريقة البرهنة المباشرة؛ إذ إن القرآن هو الرسالة، وهو نفسه البرهان عليها من حيث كونه معجزا لا يمكن الإتيان بمثله، فهو برهان مباشر. كما أن القرآن يستخدم براهين جزئية على قضاياه الجزئية في كل مرة يطرح فيها قضية من هذا النوع، ويدعو المتلقي لفحص هذه البراهين على أسس عقلانية فحصا موضوعيا محايدا لدرجة توصل معها البعض إلى أن ثمة تشابها بين الاستدلالات القرآنية والاستدلالات المنطقية، كما ذهب الغزالي في كتابه "القسطاس المستقيم"، الذي بيّن فيه أن أصول القياس العقلي وأشكاله مستخدمةٌ في الاستدلال القرآني. ويذهب بعض الباحثين المعاصرين إلى القول بوجود تشابه بين المادة القرآنية وبين الفلسفة العقلية في انتهاج طريق البرهان، وفي هذا الصدد يقول عبد الله دراز: "إن أفضل ما يدل على التشابه بين المادة القرآنية بخاصة وبين الفلسفة، أن القرآن حين يعرض نظريته عن الحق وعن الفضيلة لا يكتفي دائما بأن يذكّر بهما العقل، ويثير أمرهما باستمرار أمام التفكر والتأمل، وإنما يتولى هو بنفسه التدليل على ما يقدم، ويتولى تسويغه".
ويطرح القرآن قضايا تستند إلى حجية العقل المنطقي؛ مثل إثبات أن الله تعالى واحد، ولو كان له شريك لفسدت السماوات والأرض، وهنا يرتب القرآن قضية شرطية. كما دعا القرآن الكريم إلى استخدام البرهان {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ}؛ فالعقل حجة وسند يعجز منكر القرآن عن استخدامه بشكل محكم ضد قضايا القرآن. وقد أبطل القرآن ادعاء بعض الفلسفات والأديان التي تقول بأن الإيمان ميدان بعيد عن العقل، ولا بد لمن يريد الإيمان أن يعطل عقله أو يتبع ما عليه الآباء والأجداد.
ولقد شدد القرآن على حجية العقل، وأشار إلى العقل والتدبر والتفكر بمترادفات مختلفة في عشرات المرات، ومن مترادفات العقل: الحِجر، ويسمى العقل حِجْرًا؛ لكونه يمنع صاحبه من ارتكاب ما يقبح وتضر عاقبته. وأيضا من أسماء العقل: النُهية، والجمع نُهًى.
وعند ابن منظور، النهى: العقل، يكون واحدا وجمعا، والنُّهية: العقل، سميت بذلك لأنها تنهى عن القبيح. وفلان ذو نهية أي ذو عقل ينتهي به عن القبائح ويدخل في المحاسن.
وقال بعض أهل اللغة: ذو النهية الذي ينتهي إلى رأيه وعقله. ومن مترادفات العقل في مختار الصحاح القلب، وهو كذلك في الاستخدام القرآني. ومن أسماء العقل الفؤاد، وقد يعبر عن القلب بالفؤاد. ويسمى العقل لبا؛ لأنه الذي يعلم الحق فيتبعه، فلا يكون للرجل لب حتى يستجيب للحق ويتبعه.
وقد أشار السرخسي في "الأصول" إلى أن العقل عبارة عن "الاختيار الذي يبني عليه المرء ما يأتي به وما يذر مما لا ينتهي إلى إدراكه سائر الحواس، فإن الفعل أو الترك لا يعتبر إلا لحكمة وعاقبة حميدة، والعاقبة الحميدة لا تتحقق فيما يأتي به الإنسان من فعل أو ترك له إلا بعد التأمل فيه بعقله، فمتى ظهرت أفعاله على سنن أفعال العقلاء كان ذلك دليلا لنا على أنه عاقل مميز، وأن فعله وقوله ليس يخلو عن حكمة وعاقبة حميدة. وقد قيل إن العقل أصل لكل علم، وكان بعض أهل العلم يسميه أم العلم، وقد أكثر الناس الخلاف فيه قبل الشرع وبعده".
وقد سعى الفلاسفة العقلانيون من المؤمنين للتوفيق بين الدين والعقل، مثل ابن رشد الذي يقول في كتابه "فصل المقال" ما نصه: "وكان الشرع قد ندب إلى اعتبار الموجودات، وحث على ذلك… فأما أن الشرع دعا إلى اعتبار الموجودات بالعقل، وتطلُّبِ معرفتها به، فذلك بَيّن في غير آية من كتاب الله تبارك وتعالى... وإذا تقرر أن الشرع قد أوجب النظر بالعقل في الموجودات واعتبارَها، وكان الاعتبار ليس شيئا أكثر من استنباط المجهول من المعلوم، واستخراجه منه.. وإذا كان الشرع قد حث على معرفة الله تعالى وسائر موجوداته بالبرهان، كان من الأفضل، أو الأمر الضروري، لمن أراد أن يعلم الله تبارك وتعالى وسائر الموجودات بالبرهان، أو أن يتقدم أولا فيعلم أنواع البراهين وشروطها".
وقد تنبه أهل السنة لمدى مخالفة فهم الفلاسفة اليونان لفهم الإسلام للعقل، ولا سيما ابن تيمية؛ حيث بيّن فساد آرائهم وسوء منطقهم، وقام بتفنيد هذا المنطق. والملفت للنظر أن المناطقة الغربيين المحدثين ساروا على طريق ابن تيمية نفسه في رفض المنطق الأرسطي. وقد بيّن ابن تيمية أنهم يصيبون في الحساب والطبيعة وكثير من علم الفلك، لكن فلاسفة المسلمين كما وصفهم "خير وأدق، وقلوبهم أعرف، وألسنتهم أنطق؛ وذلك لما عندهم من نور الإسلام".
وعلى الرغم من هذا الموقف الناقد بشدة للعقلانية اليونانية، فإن ابن تيمية بيّن أن الفلسفة ليست كلها ضلالا؛ فالفلاسفة الذين استناروا بنور النبوات، واستقلوا بالنظر العقلي دون تقليد أعمى للفلسفة اليونانية، أصوب رأيا وأدق قيلا، مثل أبي البركات البغدادي في كتابه "المعتبر في الحكمة"؛ فقد -كما وصفه ابن تيمية- "أثبت علم الرب بالجزئيات، ورد على سلفه ردا جيدا، وكذلك أثبت صفات الرب وأفعاله".
نقد وتقويم
إن أبرز انتقاد يمكن توجيهه إلى العقلانية كتيار في نظرية المعرفة أنها لم تنتبه إلى أهمية التجربة في تكوين المعرفة إلا مع الفيلسوف الألماني كانط. وقد بالغت في البحث عن اليقين خارج التجربة، وأغلب العقلانيين -لاسيما غير المعاصرين- نظروا إلى العقل باعتباره كيانا نهائيا ثابتا ومغلقا. ولا شك أن انغلاق العقل على ذاته يؤدي إلى الوقوع في الأوهام؛ إذ لابد من مصادر أخرى للمعرفة، مثل الواقع والطبيعة والوحي والعلم التجريبي والرياضي والبصيرة.
والثغرة الأساسية في موقف كثير من العقلانيين هي الاعتقاد في ثبات العقل وواحديته، وقد وقع أفلاطون وأرسطو وديكارت وسبينوزا وليبنتز وكانط في هذه الثغرة بإضفائهم الثبات المطلق على صورة العقل ومقولاته ومبادئه. وهذا التصور أثبتت نظرية المعرفة الحديثة قصورَه؛ لأن العقل كأية ظاهرة تاريخية قابل للتغير والتطور، وفى كل مرحلة تاريخية جديدة يتجاوز ذاته حيث يعيد بناءها بشكل جديد.
ومن الضروري ألا يتم تصنيف جميع العقلانيين في موقفهم من الدين في فئة واحدة؛ فالعقلانية تيار واسع ومتشعب، والمنتمون إليها لم ينتهوا إلى نتائج واحدة بشأن الدين؛ لأن العقلانية ليست بالضرورة ضد الدين -كما أسلفنا-؛ فهي تركيبة متنوعة تضم المؤمن وغير المؤمن، ومن ثم ينبغي الحكم عليهم فردا فردا وليس جملة واحدة.
واستخلاصا مما سبق نقول إن الإسلام يرفض العقلانية المتعصبة كما يعتنقها العلمانيون والملحدون وغيرهم، الذين جعلوا العقل معصوما لا يخطئ، والذين أنكروا الوحي وكافة المصادر المعرفية الأخرى. ويرفض كذلك موقف المسارعين برفض العقائد الدينية استنادا إلى عقل نسبي، أو الذين يؤولون العقيدة لتوافق آراء غير يقينية، أو الذين يعتبرون العقل هو الوسيلة الوحيدة لبلوغ الحقيقة المطلقة. وفي الوقت ذاته يرفض الإسلام موقف الذين لا يستخدمون عقولهم، مشبها إياهم بالأنعام، وذلك استنادا إلى أن العقل هو مناط الاستخلاف وميزة الإنسانية وسمة البشرية وأداة تحقق الاستخلاف.
قائمة مراجع مقترحة للباحثين
أولا المراجع الأجنبية:
- Academic American Encyclopedia, New Jersey, Arete, 1980.
- Cooper, D. E., World Philosophies, Oxford, Blackwell, 1996.
- Cottingham, A Descartes Dictionary, Oxford, Blackwell, 1994.
- Cottingham, J., Stoothoff, R. and Murdoch, D. (eds.), The philosophical Writings of Descartes, 2 vols, Cambridge, Cambridge University press, 1985.
- Davies, B., Philosophy of Religion: A Guide And Anthology. Oxford: Oxford University Press, 2000.
- Garrett, D., (Editor), The Cambridge Companion to Spinoza. Cambridge: Cambridge University Press, 1996.
- Hall, T.S.(ed.), Descartes, Treatise on Man, Cambridge, MA, Harvard University press, 1972.
- Hamlyn, D. W., Metaphysics. Cambridge: Cambridge University Press, 1984.
- Hegel, Lectures on the Philosophy of Religion, Lectures of 1827. Ed. P.C. Hodgson, tr. by R.F. Brown, P.C. Hodgson, and J.M. Stewart with the assistance of H.S. Havis, University of California Press, 1988.
- John Bowker (ed.), The Oxford Dictionary of World Religions, Oxford, Oxford University Press, 1997.
- Kant, Critique of Practical Reason, tr. by L. W. Beck, Indianapolis, Bobbs - Merrill, 1956.
- Kant, Critique of pure Reason, tr. by N.K. Smith, London, Macmillan, 1929. preface to 2th edition.
- Kant, Religion within the Limits of Reason Alone, tr., T. M. Greene and H. H. Hudson. Chicago, The Open Court Publishing Company (Ger. 1793), 1934.
- Leibniz, Theodicy, ed. by Austin Farrer, Trans, by E.M.Huggard, London, R outledge & Kegan Paul LTD. 1952.
- Magee B., Modern British Philosophy, London, 1971.
- Mahoney, M.S. (trans.) Descartes, The World, New York, Abaris, 1979.
- Moore, Some main problems of Philosophy, London, 1953.
- Rosenthal M. & Yudin, A dictionary of Philosophy, Moscow, Progress Publishers, 1967.
- Russell, B., Mysticism and Logic, London, Unwin Books, 1963.

ثانيا المراجع العربية والمعربة:
- ابن تيمية، درء تعارض العقل والنقل، تحقيق محمد رشاد سالم، الرياض، دار الكنوز الأدبية، 1391هـ.
- ابن تيمية، الرد على المنطقيين، مصدر بمقدمة سليمان الندوي، نشره عبد الصمد شرف الدين الكتبي، بمباي، المطبعة القيمة، 1949م.
- ابن تيمية، شرح العمدة، تحقيق د. سعود صالح العطيشان، الرياض، مكتبة العبيكان، 1413هـ.
- ابن تيمية، نقض المنطق، تحقيق محمد بن عبد الرازق حمزة، وسليمان بن عبد الرحمن الصنيع، القاهرة، مكتبة السنة المحمدية، 1951م.
- ابن رشد، فصل المقال فيما ما بين الشريعة والحكمة من الاتصال، تحقيق د. محمد عمارة، بيروت، المؤسسة العربية، 1981م، ط2.
- ابن قدامة، المغني، بيروت، دار الفكر، 1405هـ.
- البعلي الحنبلي، المطلع على أبواب الفقه، تحقيق محمد بشير الأدلبي، بيروت، المكتب الإسلامي، 1401هـ.
- إ.م.بوشنسكي، الفلسفة المعاصرة في أوربا، ترجمة د. عزت قرني، الكويت، عالم المعرفة، 1992م.
- إميل برهييه، تاريخ الفلسفة: الفلسفة الحديثة، ترجمة جورج طرابيشي، بيروت، دار الطليعة، 1987م.
- أندريه كريسون، تيارات الفكر الفلسفي: من القرون الوسطى حتى العصر الحديث، ترجمة نهاد رضا، بيروت، منشورات عويدات، الطبعة الثانية، 1982م.
- أندريه لالاند، موسوعة لالاند الفلسفية، ترجمة د.خليل أحمد خليل، بيروت، منشورات عويدات، 1996م.
- برتراند رسل، تاريخ الفلسفة الغربية: الكتاب الثالث، الفلسفة الحديثة، ترجمة محمد فتحي الشنيطي، القاهرة،

[QUOTE][- البعلي الحنبلي، المطلع على أبواب الفقه، تحقيق محمد بشير الأدلبي، بيروت، المكتب الإسلامي، 1401هـ.
- إ.م.بوشنسكي، الفلسفة المعاصرة في أوربا، ترجمة د. عزت قرني، الكويت، عالم المعرفة، 1992م.
- إميل برهييه، تاريخ الفلسفة: الفلسفة الحديثة، ترجمة جورج طرابيشي، بيروت، دار الطليعة، 1987م.
- أندريه كريسون، تيارات الفكر الفلسفي: من القرون الوسطى حتى العصر الحديث، ترجمة نهاد رضا، بيروت، منشورات عويدات، الطبعة الثانية، 1982م.
- أندريه لالاند، موسوعة لالاند الفلسفية، ترجمة د.خليل أحمد خليل، بيروت، منشورات عويدات، 1996م.
- برتراند رسل، تاريخ الفلسفة الغربية: الكتاب الثالث، الفلسفة الحديثة، ترجمة محمد فتحي الشنيطي، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1977م.
- برتراند رسل، حكمة الغرب، الكويت، عالم المعرفة، 1983م.
- بنروبي، مصادر وتيارات الفلسفة الفرنسية المعاصرة في فرنسا، ترجمة عبد الرحمن بدوي، القاهرة، دار النهضة المصرية ج1 سنة 1964م، ج2 سنة 1967م.
- جان لاكروا، نظرة شاملة على الفلسفة الفرنسية المعاصرة، ترجمة د. يحيى هويدي، دار المعرفة، القاهرة، 1975م.
- جورج طرابيشي، معجم الفلاسفة، بيروت، دار الطليعة، 1987م.
- ديكارت، التأملات في الفلسفة الأولى، ترجمة د. عثمان أمين، القاهرة، مكتبة الأنجلو المصرية، 1980م.
- ديكارت، مبادئ الفلسفة، ترجمة د. عثمان أمين، القاهرة، دار الثقافة للنشر والتوزيع، 1993م.
- السرخسي، الأصول، تحقيق أبي الوفا الأفغاني، بيروت، دار المعرفة، 1372هـ.
- عبد الرحمن بدوي، موسوعة الفلسفة، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1984م.
- عزمي إسلام، اتجاهات في الفلسفة المعاصرة، الكويت، وكالة المطبوعات، بدون تاريخ، ط1.
- القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، تحقيق أحمد عبد العليم البردوني، القاهرة، دار الشعب، 1372هـ، الطبعة الثانية.
- لينين، المادية والمذهب التجريبي النقدي: تعليقات نقدية على فلسفة رجعية، ترجمة فؤاد أيوب، دار دمشق، 1975م.
- مجمع اللغة العربية، المعجم الفلسفي، مصر، الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية، 1399هـ.
- محمد عبد الله دراز، دستور الأخلاق في القرآن، ترجمه عن الفرنسية عبد الصبور شاهين، الإسكندرية، دار المعرفة الجامعية، بدون تاريخ.
- محمد عثمان الخشت، أقنعة ديكارت العقلانية تتساقط، القاهرة، دار قباء، 1996م.
- محمد عثمان الخشت، الأديان: تأويل نقدي لفلسفة الدين عند هيجل، القاهرة، دار غريب، 1994م.
- محمد عثمان الخشت، الدين والميتافيزيقا في فلسفة هيوم، القاهرة، دار قباء، 1997م.
- محمد عثمان الخشت، العقل وما بعد الطبيعة، القاهرة، مكتبة ابن سينا، 1994م.
- محمد عثمان الخشت، فلسفة العقائد المسيحية: دراسة نقدية للاهوت ليبنتز، القاهرة دار قباء، 1999م./QUOTE]

عن موع بيبليواسلام






: منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد https://www.profvb.com/vb/showthread.php?p=146697
التوقيع

"لا شيء يعتم الرؤية ويوقع في التيه الوجداني والضلال الفكري كالأسئلة المزيفة. الأسئلة المزيفة هي، كأسئلة الأطفال، أسئلة تطرح مشاكل مزيفة يعيشها الوعي على أنها مشاكل حقيقية"
محمد عابد الجابري
آخر تعديل رشدية جابرية يوم 2010-05-25 في 13:53.
    رد مع اقتباس
قديم 2010-05-25, 21:57 رقم المشاركة : 2
yidir
أستـــــاذ(ة) متميز
إحصائية العضو







yidir غير متواجد حالياً


افتراضي رد: العقلانية: جدل الفلسفة والدين- منقول للنقاش-


ربما اعتماد العقلانية في الميدان الديني باعتبارها منهجا للتفكير قد لا يطرح أي إشكال مادمنا ملتزمين بتعاليم هذا الدين ولم نخرج عن نسق أفكاره وسعينا إلى الوصول إلى حقائقه أو ثوابته أو تفسيرها بحقائه أو ثوابته.
غير أن ما يبدو مثيرا للفضول في هذا الصدد هو أن الرفض أو التخوفات أو التحفظات التي يبديها أصحاب الدين حيال العقلانية يبدو أنها تنبعث من رفضهم أوخوفهم أو تحفظهم من وضع دينهم أمام محك حقائق غير ثوابت دينهم.






    رد مع اقتباس
قديم 2010-05-26, 15:12 رقم المشاركة : 3
رشدية جابرية
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية رشدية جابرية

 

إحصائية العضو







رشدية جابرية غير متواجد حالياً


وسام المشاركة في دورة HTML

وسام مشارك في دورة حفظ سورة البقرة

a7 رد: العقلانية: جدل الفلسفة والدين- منقول للنقاش-


اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة yidir مشاهدة المشاركة
ربما اعتماد العقلانية في الميدان الديني باعتبارها منهجا للتفكير قد لا يطرح أي إشكال مادمنا ملتزمين بتعاليم هذا الدين ولم نخرج عن نسق أفكاره وسعينا إلى الوصول إلى حقائقه أو ثوابته أو تفسيرها بحقائه أو ثوابته.
غير أن ما يبدو مثيرا للفضول في هذا الصدد هو أن الرفض أو التخوفات أو التحفظات التي يبديها أصحاب الدين حيال العقلانية يبدو أنها تنبعث من رفضهم أوخوفهم أو تحفظهم من وضع دينهم أمام محك حقائق غير ثوابت دينهم.


مشكور أخ ايدير على هذه المداخلة التي أحالت على مظهر من مظاهر الجدل العقيم حول مفهوم العقلانية.
إن الحلقة المفرغة التي يدور فيها النقاش حول المناداة بالعقلانية والرفض لها هي نتاج لتعصب الطرفين: المنادي بالعقلانية والرافض لها.
إن الطرف الأول يلحق العقلانية إلحاقا إجباريا بالعلمانية ويرفض أي تبييئ لمفهومها أو تجديد لها وفق معطيات كل أمة وظروفها التاريخية، أعطي مثالا على ذلك الاحتجاج المشرقي على البديل الذي طرحه الجابري للعلمانية - العقلانية والديمقراطية بدلا من العلمانية- في كتابه "الدين والدولة وتطبيق الشريعة"، لقد رفضت الفكرة تماما كما رفضت كل فكرة طرحها مفكرون آخرون غير الجابري، قد يفهم التشبت بالعلمانية في بلدان عرفت حروبا طائفية ، لكن ما لا يفهم هو نفي أي تجديد لها، ونفي أي توافق للعقلانية مع الدين إن الأمر في هذه الحالة أشبه بتصنيف ثنائي عقيم إما أن تكون علمانيا عقلانيا أو تكون أصوليا متطرفا، مع أن الفلسفة في عمق مبادئها تلغي التصنيف الثنائي المعتمد على إما أو إما.
إن العقلانية كخاصية إنسانية والمساءلة كأداة حقيقية لها تعني مساءلة أي موروث بشري بما فيه مفهوم العلمانية ،و أي تمسك أعمى بموروث يؤدي إلى رد فعل معاكس وهو ما جعل الرافضين للعقلانية يرفضونها رفضا قطعيا ليس لأنها تضع الموروث الديني على محك المساءلة فحسب ولك ن لأن المنادين بها ينطلقون من رد فعل أساسه الغاء كل مضمون للتوافق بين الدين والعقلانية، والغاء الدين نفسه بتأويل العلمانية تأويلا اورثوذكسيا تجاوزته حتى الدول العلمانية حاليا.
هذا من جهة، من جهة أخرى يتجلى اللا معقول في
الطرف الرافض للعقلانية كونه يبرر رفضه بشعارات كبيرة و فضفاضة مثل " الاسلام هو الحل" الاسلام متفوق على كل النظريات" وهذا قول يتجاوز التأمل العميق للدين الإسلامي ويضرب في عم خاصيته صلاحيته لكل زمان ومكان التي تجعله متضمنا للنظر العقلي، وتجعله مصدر للتفكير العقلاني واعادة التفكير العقلاني في أمور الحياة وأمور السياسة بما يتوافق مع كل عصر؛ إن ما يعطي للقرآن خاصيته هاته هو أنه عميق الأبعاد والدلالات ، أعطى الأسس العامة في كل شئ وترك للإنسان حرية الاجتهاد على ضوئها، ومن هذا المبدأ ذاته يمكن أن تتطور الشورى لتلتقي مع العلمانية في مجال السياسة والأمور الحياتية، تماما كما يمكن للعلمانية أن ترتقي بالمبادئ الاسلامية التي تلتقي فيها البشرية جمعاء كضمان حرية التعبد والأمان -الواردة في الشرع والواردة في وثيقة أبي بكر الصديق الخليفة الراشد، والواردة في قولة الفاروق عمر"متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتمه أحرارا؟"
لكن الإشكال المطروح دائما: هل نحن فعلا على استعداد لبذل جهد جذري في مراجعة المفاهيم ومراجعة الموروث الديني وليس الدين في جوهره الثابت؟ هل فعلا متمسكون بالنظر العقلي الذي دعا إليه الله في كتابه الكريم؟ وهل نستعمل مبادئ العقل ومبادئ الفلسفة حتى تجاه تراكماتنا الفلسفية السابقة؟
الآفة هي أن كل طرف بنى ضريحا على أفكاره وظل عليها عاكفا كما وجد عليها آباءه عاكفين.






التوقيع

"لا شيء يعتم الرؤية ويوقع في التيه الوجداني والضلال الفكري كالأسئلة المزيفة. الأسئلة المزيفة هي، كأسئلة الأطفال، أسئلة تطرح مشاكل مزيفة يعيشها الوعي على أنها مشاكل حقيقية"
محمد عابد الجابري
آخر تعديل رشدية جابرية يوم 2010-05-26 في 15:25.
    رد مع اقتباس
قديم 2010-05-26, 20:14 رقم المشاركة : 4
oustad
هيئة التشريع سابقا
مراقب عام سابقا
إحصائية العضو







oustad غير متواجد حالياً


افتراضي رد: العقلانية: جدل الفلسفة والدين- منقول للنقاش-


إن كل من يشتغل ذهنيّا بدون المنطق، كحاطب الليل.- الفارابي، إحياء علوم الدّين.

و الفلسفة الوضعية، تعتبر أن كل من يناقش أمور المتافيزيقا، يشبّه بالأعمى الذي يبحث عن قبّعة سوداء داخل حجرة مظلمة.

... لي عودة... إن شـــــــــــــــــــــــــــــــــــــاء الله.
مودتي.






التوقيع

هدية لسعيدة السعد، وفضيلة الفضل، ألف مبروك على الشفاء.
http://www.youtube.com/watch?v=g-i3X...eature=related

لِأَجْلِكِ الرُّشْدُ، شِعِرٌ جابِرُ *****عقْلٌ رَزانٌ، وفِكْرٌ عامِرُ.


صَدْعًا بِحَقٍّ، بِصَوْتٍ جاهِرُ *****صُبْحًا بِجِدٍّ، وَ ليْلًا ساهِرُ.

بِنْتُ الرّشيدِ ابنِ رُشْدَ سُلالةً*****أيْ، جودُ عِلْمٍ، حِجاجٌ باهِرُ.

~ La Femme est un homme amélioré ~
آخر تعديل oustad يوم 2010-05-26 في 20:53.
    رد مع اقتباس
قديم 2010-05-26, 20:20 رقم المشاركة : 5
yidir
أستـــــاذ(ة) متميز
إحصائية العضو







yidir غير متواجد حالياً


افتراضي رد: العقلانية: جدل الفلسفة والدين- منقول للنقاش-


ومما هو مثير أيضا في الموضوع أن رفض العقلانية في الحقل الديني قد يحمل تشكيكا في قدرة الدين على الصمود أمام مساءلات العقل الإنساني. وأن قبولها قد يقتضي ارتفاع الإنسان بمستواه المنهجي.






    رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
للنقاش- , منقول , العقلانية: , الفلسفة , دخل , والدين-


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are معطلة


مــــواقـــع صـــديــقــة مــــواقـــع مـــهــــمــــة خـــدمـــــات مـــهـــمـــة
إديــكـبـريــس تربويات
منتديات نوادي صحيفة الشرق التربوي
منتديات ملتقى الأجيال منتديات كاري كوم
مجلة المدرس شبكة مدارس المغرب
كراسات تربوية منتديات دفاتر حرة
وزارة التربية الوطنية مصلحة الموارد البشرية
المجلس الأعلى للتعليم الأقسام التحضيرية للمدارس العليا
مؤسسة محمد السادس لأسرة التعليم التضامن الجامعي المغربي
الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي التعاضدية العامة للتربية الوطنية
اطلع على وضعيتك الإدارية
احسب راتبك الشهري
احسب راتبك التقاعدي
وضعية ملفاتك لدى CNOPS
اطلع على نتائج الحركة الإنتقالية

منتديات الأستاذ

الساعة الآن 21:43 لوحة المفاتيح العربية Profvb en Alexa Profvb en Twitter Profvb en FaceBook xhtml validator css validator

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML
جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd