بسم الله الرحمن الرحيم
ما لي و للدُّنيا وليستْ ببُغْيَتي *** وَ لاَ مُنْتَهى قَصْدي ولستُ أَنا لها
ولستُ بميّالِ إِليها ولا إِلى *** رئاساتِها فتناً وقبْحاً لحالها
هي الدارُ دارُ الهمِّ والغمِّ والعَنا *** سريعٌ تقضِّيها قريبٌ زوالُها
مياسيرُها عُسْرٌ وحزنٌ سرورُها *** وأَرباحُها خسرٌ ونقصٌ كمالُها
إِذا أَضحكتْ أَبكتْ وإِن رامَ وصلَها *** غبيٌّ فيا سُرْعَ انقطاعِ وصالِها
فأَسأَلُ ربي أَنْ يحولَ بحوله *** وقُوَّتِهِ بيني وبين اغتيالِها
فيا طالبَ الدنيا الدنيئةِ جاهداً *** أَلا اطلبْ سواها إِنها لا وفا لها
فَكَمْ قَدْ رأَينا من حريصٍ ومشفقٍ *** عليها فلمْ يَظْفَرْ بِها أَن ينالَها
لَقَدْ جاء في آيِ الحديدِ ويُونسٍ *** وفي الكهفِ إِيضاحٌ بضربِ مثالِها
وَفي آلِ عمرانَ وسورةِ فاطرٍ *** وفي غافرٍ قد جاء تِبْيانُ حالِها
وَفي سورةِ الأَحقافِ أَعظمُ واعظٍ *** وكمْ من حديثٍ موجبٍ لاعتزالِه
لَقَدْ نظروا قومٌ بعينِ بصيرةٍ *** إِليها فلمْ تَغْرُرْهُمُ باختِيالها
أُولئك أَهلُ اللهِ حقّاً وحزبُه *** لهم جنةُ الفردوسِ إِرثاً ويا لها
ومالَ إِليها آخرونَ لِجَهْلِهِمْ *** فلمَّا اطمأَنُّوا أَرشَقَتْهُمْ نِبالُها
أولئك قومٌ آثروها فأَعقبوا *** بها الخِزْيَ في الأُخرى وذاقوا وَبالَها
ومالَ إِلَيْها آخَرونَ لِجَهْلِهِمْ *** فلمَّا اطْمَأَنُّو أَرْشَقَتْهُمْ نِبالُها
فَقُلْ للذينَ اسْتَعْذَبوها رُوَيْدَكُم *** سَيَنْقَلِبُ السُّمُّ النقيعُ زلالَها
لِيَلْهوا ويغترُّوا بها ما بدا لهُمْ *** ويوم توفَّى كلُّ نفسٍ بكَسْبِها
تَوَدُّ فداءً لو بَنيها ومالها *** وتأْخذُ إما باليمينِ كتابَها
إِذا أَحسنتْ أَو ضدَّ ذا بشِمالِها *** ويبدو لَدَيْها ما أْسَرَّتْ وأَعلنتْ
وما قدَّمَتْ من قولِها وفعالِها *** بأَيدي الكرامِ الكاتبينَ مسطرٌ
فلم يُغْنِ عنها عُذْرُها وجدالُها *** هنالك تدري ربحَها وخسارَها
وإِذ ذاك تَلْقى ما إليه مآلُها *** فإن تكُ من أَهل السعادةِ والتُّقى
فإِنَّ لها الحسنى بِحُسنِ فِعالِها *** تفوزُ بجنَّاتِ النعيمِ وحورِها
وتُحْبَرُ في روضاتِها وظلالِها *** وترزقُ ممَّا تَشْتَهي من نعيمِها
وتشربُ من تَسْنيمها وَزُلاَلِها *** وَإِنَّ لهم يومَ المزيدِ لموعداً
زيادة زُلْفى غيرُهُم لاَ ينالُها *** وجوهٌ إِلى وجهِ الإِلهِ نواظرُ
لقد طالَ ما بالدمعِ كانَ ابتلاؤها *** تجلى لها الربُّ الرحيمُ مسلِّماً
فيزدادُ من ذاك التَّجلِّي جمالُها *** بمقْعَدِ صدقٍ حبَّذا الجارُ ربُّهم
ودارِ خلودٍ لم يخافوا زوالَها *** فواكِهُها ممَّا تَلَذُّ عيونهُم
وتَطَّرِدُ الأَنهارُ بين خلالِها *** على سُرُرٍ موضونةٍ ثم فرشهم
كما قال فيه ربُّنا واصفاً لها *** بطائِنُها إِسْتَبْرَقٌ كيف ظَنُّكُم
ظواهِرُها لا مُنْتَهى لجمالِها *** وإِن تكنِ الأُخرى فويلٌ وحسرةٌ
ونارُ جحيمٍ ما أَشدَّ نَكالَها *** لهم تحتَهُم منها مهادٌ وفوقَهم
غواشٍ ومِنْ يحمومٍ ساء ظلالُها *** طعامُهُمُ الغسلينُ فيها وإِن سُقُوا
حميماً بهِ الأَمعاءُ كان انْحِلالُها *** أَمانِيُّهم فيها الهلاكُ وما لَهم
خروجٌ ولا موتٌ كما لا فنا لها *** مَحَلَّيْنِ قل للنفسِ ليس سواهما
لِتَكْسَبْ أَو فَلْتَسْكُتْ ما بدا لها *** فطوبى لنفسٍ جَوَّزَتْ وتَخَفَّفَتْ