الرئيسية | الصحيفة | خدمات الإستضافة | مركز الملفات | الحركة الانتقالية | قوانين المنتدى | أعلن لدينا | اتصل بنا |

أفراح بن جدي - 0528861033 voiture d'occasion au Maroc
educpress
للتوصل بجديد الموقع أدخل بريدك الإلكتروني ثم فعل اشتراكك من علبة رسائلك :

فعاليات صيف 2011 على منتديات الأستاذ : مسابقة استوقفتني آية | ورشة : نحو مفهوم أمثل للزواج

العودة   منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد > منتديات الثقافة والآداب والعلوم > منتدى الثقافة والفنون والعلوم الإنسانية > الفكر و التاريخ و الحضارة



إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 2016-06-22, 21:46 رقم المشاركة : 21
صانعة النهضة
مراقبة عامة
 
الصورة الرمزية صانعة النهضة

 

إحصائية العضو








صانعة النهضة غير متواجد حالياً


وسام التنظيم المميز السيرة 1438ه

مسابقة السيرة 5

وسام المنظمة

وسام منظم مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام الشخصية الفضية

وسام المشاركة في الدورة التكوينية مهارات الاتصال ا

وسام المطبخ المرتبة 1

وسام لجنة التحكيم

وسام العضو المميز

افتراضي رد: تاريخ بلاد الأندلس ..


جزيل الشكر أختي الزواوية على الإضافة القيمة

امتناني...









التوقيع

أيها المساء ...كم أنت هادئ

آخر تعديل صانعة النهضة يوم 2016-06-23 في 16:08.
    رد مع اقتباس
قديم 2016-06-23, 06:19 رقم المشاركة : 22
خادم المنتدى
مدير التواصــل
 
الصورة الرمزية خادم المنتدى

 

إحصائية العضو








خادم المنتدى غير متواجد حالياً


وسام المشاركة السيرة 1438ه

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

العضو المميز لشهر فبراير

افتراضي رد: تاريخ بلاد الأندلس ..


نشأة دولة الإسلام في الأندلس وسقوطها (711-1492م)
بقلم : الدكتور علي المنتصر الكتاني

دخل الإسلام إلى الأندلس من 92 إلى 95هـ (711 إلى 714م)، وأهلها في سخط عارم، ضد حكامها القوط النصارى الثلاثيين؛ بينما كان معظمهم تابع لمذاهب مسيحية موحدة، مضطهدة من طرف الكنيسة الحاكمة. وهكذا انضموا إلى الإسلام عن طواعية وحماس، لدرجة أن بعض المفكرين الأسبان المعاصرين نعتوا الفتح الإسلامي للأندلس، بثورة إسلامية في الغرب(1). وهكذا دخلت منطقة لاتقل مساحتها عن 700,000 كيلومتر مربع، دارالإسلام طواعيةً، تضم معظم شبه الجزيرة الأندلسية، سوى منطقة جبلية في الشمال الغربي، كما تضم قسمًا مهمًا من فرنسا، أو الأرض الكبيرة، كما سمّاها قدماء المسلمين؛ فتكوّن مع السنين شعب أندلسي جديد، مسلم العقيدة، عربي اللغة، له خصوصياته، متأصل في بلده. ولم يكن ذلك الفتح الإسلامي غزو أمة لأخرى، وإجبارها على دين ولغة، لم ترتضيهما؛ بل الشعب الأندلسي نفسه اختار الإسلام دينًا، والعربية لغةً حضارةً، ورحّب بالفاتحين المسلمين الأوائل ترحيب المقهور بالمنقد.
انضمّت الأندلس أول الفتح الإسلامي إلى ولاية المغرب في الدولة الإسلامية، وعاصمتها القيروان، (في تونس اليوم). ثم أصبحت ولايةً قائمةً بنفسها، وعاصمتها إشبيلية. ثم انفصلت الأندلس عن الدولة العباسية في المشرق سنة 138هـ (756م) تحت زعامة عبد الرحمن الداخل الأموي، الذي أسس دولةً أمويةً في الغرب، واتخذ قرطبة عاصمته. وصلت الأندلس الأموية أوجهًا أيام عبد الرحمن الناصر (300-350هـ موافق 912-961م)، لكن مساحتها نزلت إلى 440,000 كيلومترًا مربعًا بعد أن فقد المسلمون "أربونة" و"قرقشونة"، وكل الأرض الكبيرة، و"بمبلونة"، و"برشلونة"، و"برغش"، و"ليون"، و"أبيط"، وكل "جليقية"، و"سمورة"، وغيرها من مدن شمال غربي الجزيرة الأندلسية، تحت ضغط الفلول النصرانية، التي تنظمت في دويلات متحالفة ضد الوجود الإسلامي ودولته، أهمها "قشتالة"، و"نبارة"، و"ليون".
بدأ الضعف يسري في الدولة الأموية بعد وفاة المنصور ابن أبي عامر، حاجب هشام الثاني المؤيد حفيد الناصر، إلى أن انهارت سنة 422هـ (1021م) وانقرضت؛ فتجزأت الأندلس بين ملوك الطوائف، وصل عددهم إلى 23 ملكاً. فاغتنمت الدول النصرانية هذه التجزئة، وأخذت تحتلّ مدن الإسلام الواحدة تلو الأخرى، أهمها "طركونة"، و"براغة"، و"قلمرية"، و"مجريط"، وخاصةً "طليطلة" سنة 478هـ (1085م)؛ فاستنجد الأندلسيون بأميرالمسلمين بالمغرب يوسف بن تاشفين المرابطي، الذي استجاب لهم، وهزم النصارى في معركة الزلاقة، سنة 479هـ (1086م)، ثم قضى على ملوك الطوائف، وضم الأندلس إلى المغرب؛ لكن أرضًا شاسعةً بما فيها "طليطلة" ظلت تحت حكم النصارى، وتقلصت مساحة الأندلس الإسلامية إلى 250,000 كيلومترًا مربعًا.
ولما ضعفت الدولة المرابطية، تجزأت الأندلس مرةً ثانيةً إلى طوائف؛ فاستنجد الأندلسيون بالموحدين المغاربة، فأنجدوهم سنة 540هـ (1145م)، وضموا الأندلس للمغرب الموحدي، بعد أن ضاعت مناطق أخرى ومدن أهمها "سرقسطة" سنة 512هـ (1118م). ثم انهزمت الدولة الموحدية على يد النصارى في معركة العقاب سنة 609هـ (1212م)، فانقسمت المقاومة الشعبية ضد الجيوش النصرانية الغازية بين ابن هود، وابن الأحمر. لكن لم يستطع أحدهما إنقاذ قرطبة من السقوط في يد النصارى في 23/10/633هـ (29/6/1236م). وبعد وفاة ابن هود سنة 635هـ (1237م)، تابع ابن الأحمر مجهوده في توحيد الأندلس الإسلامية واتخذ "غرناطة" عاصمةً له.
ولم يتوقف الزحف النصراني على الأراضي الأندلسية بسقوط "قرطبة"؛ بل احتل الأراغونيون النصارى "بلنسية" سنة 626هـ (1238م) ثم "شاطبة" ومنطقتها. واستسلمت "مرسية"، آخر معاقل شرقي الأندلس، للنصارى القشتاليين سنة 640هـ (1243م)؛ فاستنجد الأندلسيون بالمغاربة، ولكن المغرب كان فريسة حروب أهلية، لم يتمكن معها من إنجادهم هذه المرة. ثم استنجدوا بالدولة الحفصية "بتونس" دون جدوى؛ فتابع ابن الأحمر مقاومته للنصارى، الذين حاصروا "غرناطة" نفسها سنة 643هـ (1244م). فآثر مضانعتهم، وقدم الطاعة لملك "قشتالة"، وقبل أن يؤدي له جزيةً سنويةً، وأن يكون حليفةً في كل حروبه، وأن يشهد اجتماع مجلس قشتالة النيابي. وسلم ابن الأحمر لقشتالة جيان ومنطقتها، ثم ساعدها على احتلال المناطق التي اعترفوا له بها، وأفظع ماحدث في ذلك، إعانته لها على غزو مدينة "إشبيلية" سنة 645هـ (1241م) ومنطقة غربي الأندلس(2).
وقضى ابن الأحمر، مؤسس الدولة النصرية، ما تبقى من حياته في توطيد مملكته وتنظيمها، وتوطين المهاجرين، إلى أن توفي سنة 671هـ (1272م) عن 76 سنةً. وقد تقلصت دولة الأندلس في أقل من قرن إلى 30,000 كيلومترًا مربعًا، وهي المناطق التي تضم اليوم ولايات مالقة وغرناطة والمرية، وأقسامًا من ولايات قادس وقرطبة وجيان. وهي مناطق جبلية غير قابلة للزراعة، جعلت منها العبقرية الأندلسية مركزًا حضاريًا لايضاهي، زراعةً، وصناعةً، ومناعةً.
أدت هذه الأحداث المأساوية إلى تغير جذري في الأمة الأندلسية؛ فكلما احتل النصارى أراض إسلاميةً، هاجرت الطبقة المثقفة، وأهل الصناعات والحرف، إلى ماتبقى من الأراضي الإسلامية في مملكة "غرناطة". وبقي عامة الشعب تحت حكم النصارى، وكان الأندلسيون يسمون المتخلفين عن الهجرة من المسلمين (بالمدجنين) وقد نظم هؤلاء أنفسهم في جماعات إسلامية؛ بينما أصبحوا أقليةً في عقر دارهم، إذ أتى الغزاة بمهاجرين نصارى لتعمير أراضيهم. وقد حافظ المدجنون على دينهم في ظروف صعبة تشبه العبودية. وضعفت مع السنين اللغة العربية بينهم، وأصبحوا يكتبون كتبهم ورسائلهم باللغة الأعجمية، وهي لغة قشتالية، أو كتلانية، أو أراغونية، مكتوبةً بالحروف العربية.
أما سكّان مملكة "غرناطة" فكان عددهم يساوي على صغر رقعتها، وعدد سكان ما تبقى من الجزيرة الأندلسية، وكانوا جميعًا مسلمين، إذ لم تبق بينهم أقليات نصرانية، كما أن اللغة الأعجمية اندثرت بينهم، وأصبحت اللغة العربية بلهجتها الأندلسية هي لغتهم الوحيدة. وأصبحت مملكة "غرناطة" ملجأ الأندلسيين المدجنين وغيرهم، تستقبل كل سنة عددًا كبيرًا منهم ومن المجاهدين المغاربة.
حاول نصارى قشتالة غدر غرناطة واحتلالها فور وفاة ابن الأحمر، الذي أوصى ابنه وولي عهده أبو عبد الله محمد الفقيه بالتشبث بالمغاربة والتحالف معهم. وكان المغرب قد استعاد شيئًا من قوته تحت الدولة المرينية. فاستنجد أبو عبد الله بالسلطان أبي يوسف المنصور، الذي انتقل من عاصمته فاس إلى الأندلس على رأس جيش مغربي كثيف وألحق بالنصارى أشنع الهزائم سنة 674هـ (1275م)، ثم انتقل مرةً ثانيةً سنة 677هـ (1278م)، وثالثةً سنة 678هـ، ورابعةً سنة 684هـ، حيث تُوفي بالجزيرة الخضراء. ولم يقاوم المغاربة النصارى فقط؛ بل غدر السلطان أبي عبد الله كذلك، وأسسوا مشيخة الغزاة في "غرناطة" برئاسة شيخ من بني مرين لتنظيم المتطوعين المغاربة.
وتابع السلطان أبو يعقوب سياسة والده، وواجه هو الآخر بصبر جيوش النصارى، وغدر السلطان النصري. فانتقل إلى الأندلس مدافعًا عنها سنة 690هـ. وتابع السلطان أبو عبد الله الفقيه جهاده ضد النصارى، بعد أن أفاق من غلطته، واستغفر عن زلاته إلى أن توفي سنة 701هـ (1302م) فاضطربت الدولة بعده، وتكالب عليها النصارى حتى كادوا أن يتغلبوا عليها.
وانتقل الحكم سنة 713هـ (1314م) إلى أبي الوليد اسماعيل من غير فرع ابن الأحمر، مؤسس الدولة. فوطد الدولة وأقر التحالف مع المغرب، وأراغون، ضد قشتالة، إلى أن أغتيل سنة 725هـ. فخلفه ولده أبو عبد الله محمد، الذي اُضْطُرّ إلى الاستنجاد بالمغاربة ضد النصارى، فجاز السلطان أبوالحسن المريني إلى الأندلس، ونجح في تحرير جبل طارق من يد النصارى سنة 733هـ (1333م). لكن السلطان أبو عبد الله اغتيل بعد هذا النصر، فخلفه أخوه أبو الحجاج يوسف، فأحسن السيرة، وكان من أشهر وزرائه لسان الدين ابن الخطيب. ولما شد عليه النصارى، استنجد بالسلطان أبي الحسن الذي أرسل جيشًا تحت قيادة ابنه أبي مالك سنة 740هـ، فانهزم وقتل. فانتقل السلطان المغربي بنفسه، فهزمه النصارى في موقعة نهر سلادو في جمادى الأولى سنة 741هـ (1740م)، فوقع معسكره في يد الأعداء، وذُبح أبناؤه. وكانت هذه آخر مرة جاز المغاربة فيها البحر إلى الأندلس. وابتدأ النصارى يحتلون المواقع الإسلامية الواحدة تلو الأخرى.
واضطربت أوضاع غرناطة بعد تلك الهزيمة؛ لكن مشاكل قشتالة الداخلية شغلتها عن الاستفادة من فوزها. وزاد الاضطراب بعد مقتل أبو الحجاج يوسف سنة 755هـ، إلى أن استقر الوضع لابنه أبو عبد الله الغني بالله بعد سنة 763هـ. فاجتهد في الدفاع الهجومي ضد قشتالة، والتعاهد مع المغرب وأراغون، والبناء والتشييد. وتابع ابنه أبو الحجاج يوسف سياسته. لكن بعد تولي انبه أبو عبد الله محمد بن يوسف سنة 797هـ (1394م)، ومن بعده يوسف بن يوسف، عادت قشتالة النصرانية إلى الإغارة على الأندلس التي قاومت دون مساندة ترجى من المغرب، حتى احتلت انتقيرة سنة 812هـ (1409م). وزادت الأوضاع سوءًا بعد أن خلف السلطان يوسف ابنه ابو عبد الله الأيسر سنة 820هـ (1417م)؛ فكثرت الثورات وتدخلت قشتالة في إضرامها. وفي سنة831هـ (1428م)، خُلِعَ السلطان الأيسر بعد أن عجز عن الدفاع عن وادي آش، ثم أعيد بعد فتن تدخلت فيها قشتالة وبنو سراج، إلى أن خلع سنة 845هـ (1441م) من طرف أبو عبد الله محمد الأحنف الذي رد غزوات النصارى إلى أن توفي سنة 863هـ (1458م)، وخلفه الأمير سعد بن محمد.
وفي هذه السنين المضطربة، المليئة فتنًا داخليةً، وحروبًا متواصلةً مع النصارى، استنزفت مملكة غرناطة قواها، وضاعت منها قلاع ومدن متعددة. وأدى تفكك الأسرة المالكة الكامل، وتشتت الطبقة المثقفة والحاكمة، وعدم ورع الكثير، من التعاون مع العدو النصراني القشتالي ضد خصمه المسلم، إلى سقوط غرناطة، بعد جهاد طويل متواصل دام قرابة القرنين. وهذه المرة توحدت القوى النصرانية في إرادتها للقضاء على الإسلام في الأندلس؛ بينما لم يتمكن المغيث المغربي من عبور البحر، خاصةً بعد أن احتل النصارى للمرة الثانية جبل طارق سنة 867هـ (1462م)، وأحكموا قبضتهم على المضيق.
ففي سنة 865هـ (1463م) ثار أبوالحسن علي على والده الأمير سعد وخلعه، ودخل في حروب مع أخيه أبو عبد الله محمد الزغل الذي استغاث بالقشتاليين. قانقسمت المملكة الصغيرة، إذ استقر الزغل في مقالة وما جاورها بمساندة القشتاليين، وبقي أبوالحسن في غرناطة؛ بينما توحدت مملكتا أراغون وقشتالة النصرانيتان بزواج فرديناند أراغون وايسابيلا قشتالة سنة 879هـ (1474م). وحاول أبوالحسن سنة 883هـ تجديد الهدنة مع قشتالة وأراغون المتحدثين، فوافق النصارى شرط أن يعترف بطاعتهم، ويؤدي الجزية لهم. وعند رفضه اشتعلت الحرب من جديد بين غرناطة والنصارى.
وكان أبوالحسن أسير ملذاته وهواه. فتزوج فتاةً نصرانيةً اسمها ثريا، وهي ابنة قائد قشتالي اسمه سانشودي سوليس، وولد منها سعد ونصر، وأهمل ابنة عمه وولديها منه أبي عبد الله محمد (الريشيكو) وأبي الحجاج يوسف، ثم اعتقلهم في برج قمارش بقصر الحمراء؛ فعندما فروا من السجن، اغتنم النصارى الفرصة لإشعال حرب أهلية بين أبي عبد الله ووالده، واحتلال المزيد من الأراضي الإسلامية. فأغاروا على حامة غرناطة في محرم سنة 887هـ (1482م) واحتلوها، ثم زحفوا على لوشة فردهم أبوالحسن، لكن أهل غرناطة عزلوه وبايعوا ابنه أبي عبد الله.
ثم هاجم النصارى الزغل في مالقة في صفر سنة 888هـ (1483م)؛ فهزمهم وردهم عنها. وحاول أبو عبد الله استرجاع بعض الحصون من يد النصارى؛ فوقع في قبضتهم خارج قلعة اللسانة. فاغتنم الملك فرناندو والملكة ايسابيلا تلك الفرصة لإذكاء الحرب الأهلية، بين أبي عبد الله وعمه الزغل، الذي بايعه أهل غرناطة بعد سقوط أبي عبد الله في الأسر. فوقع أبو عبد الله معهما معاهدةً سريةً يتعهد فيها بالولاء لهما، ودفع جزيةً سنويةً، وترك ابنه رهينةً لديهما، مقابل مساعدتهما له على استرجاع ملكه. فأفرجوا عنه في شوال سنة 890هـ (أوائل 9/1485م)، وتابعوا غزوهم لمدن وقرى مملكة غرناطة، أهمها مدينة رندة في 5/890هـ (4/1485م).
واشتعلت الحرب الأهلية في قاعدة غرناطة نفسها، يدعو فيها الزغل إلى الجهاد ضد النصارى؛ بينما يعتقد أبو عبد الله أن السلامة في المفاوضات السلمية، اتفق بعدها المتحاربان على اقتسام المملكة بينهما، يختص فيها أبو عبد الله بغرناطة ومالقة والمرية والمنكب، ويختص الزغل بالمناطق الشرقية؛ لكن النصارى تابعوا تقدمهم، فاحتلوا لوشة في 26/5/891هـ (5/1486م) وأسروا أبا عبد الله مرةً ثانيةً، ثم أطلقوا سراحه في شوال من نفس السنة، وأمدوه بالعدة والرجال ليحارب عمه. وركزوا بعد ذلك على احتلال الأراضي التي بيد الزغل المرابض في وادي آش، بينما تظاهروا بمسالمة الأراضي الموالية لأبي عبد الله. فاحتلوا بلش مالقة في 5/892هـ (4/1487م)، ثم مالقة في أواخر شعبان عام 892هـ (أغسطس عام 1487م) بعد مقاومة مستميتة. فأمر الطاغية باسترقاق جميع أهلها الذين نجوا من القتل. ثم احتل النصارى باقي أراضي الزغل، ودخلوا عاصمته، وادي آش، في أوائل 2/895هـ (30/12/1489م)، وهاجر الزغل إلى تلمسان بالجزائر.
ولم يبق على النصارى للقضاء على دولة الإسلام في الأندلس، سوى الاستيلاء على ما بيد أبي عبد الله. ففي أوائل 2/895هـ (1/1490م) أرسل فرناندو سفارةً إلى أبي عبد الله يطلب منه الاستسلام. وبعد رفضه، تهيأت غرناطة لحصار طويل، وخرج إليها الطاغية في جيش ضخم في ربيع سنة 895هـ (1490م) فهاجم مرج غرناطة؛ ولكن ثورة أهل البشرات وتحرير بعض معاقلها كأندرش، أرغمته على الرجوع. ثم عاد بجيش ضخم إلى حاضرة غرناطة ووصلها في 12/6/896هـ (23/4/1491م)، وبنى قربها مدينة "سانتافي"، ثم أحكم حولها الحصار. وبعد أن يئس الغرناطيون من إمكانية الدفاع، ابتدأت المفاوضات التي انتهت بتوقيع معاهدة الاستسلام بتاريخ 21/1/890هـ (25/11/1491م).
تضمنت هذه الوثيقة 27 مادةً، تحدد أولاها ضرورة تسليم غرناطة قبل 25/1/1492م للملكين الكاثوليكيين، وتضمن المواد الأخرى حقوق المسلمين الأندلسيين بعد دخولهم في حكم النصارى؛ واحترام دينهم وعاداتهم؛ وعدم مصادرة أسلحتهم؛ وعدم إجبارهم على وضع شارات خاصة؛ وعدم استخدامهم دون رغبتهم؛ واحترام مساجدهم وعلمائهم؛ وضمان الحكم بينهم بالشريعة الإسلامية؛ وضمان الأوقاف الإسلامية وإدارتها بيد فقهائهم؛ وعدم إرغام أحدمنهم على اعتناق النصرانية؛ والحفاظ على امتيازات قوادهم، الخ...
وقد ذيلت المعاهدة بتأكيد من الملكين الكاثوليكيين، ضامنين بدينهما وشرفهما القيام بكل ما يحتويه العقد. ثم ذيلت بتأكيد جديد موقع من ولي العهد، وسائر عظماء المملكة الأسبانية، باحترام المعاهدة من الآن وإلى الأبد. وفي نفس اليوم الذي وقعت فيه معاهدة تسليم غرناطة، أبرمت معاهدةً أخرى سريةً، يضمن فيها الطاغية وزوجه حقوق وامتيازات، ومنح السلطان أبي عبد الله وأفراد أسرته وحاشيته حق ملكية أبدية لمنطقة البشرات حول أندرش وعذرة، ومنحة قدرها ثلاثون ألف جنيه قشتالي، وأن يحتفظ بأملاك أبيه أبي الحسن، الخ...(3)
وقرر السلطان أبو عبد الله ورجاله تسليم غرناطة قبل التاريخ المتفق عليه، بعد أن خاف من غضب شعب غرناطة، فاتفق أن يكون التسليم بتاريخ 2/1/1492م. وهكذا سُلِّمَتْ الحاضرةُ الإسلامية بقصورها، وأرباضها، ومساجدها، وأسواقها، ومدارسها، وأهلها، للعدو الحاقد في يوم مشؤوم، وصفه القشتاليون في كتبهم وصفًا دقيقًا. واستلم الكاردينال مندوسة مفاتيح الحمراء من يد الوزير ابن كماشة. وكان أول عمل قام به الكاردينال عند دخول الحمراء هو نصب الصليب فوق أعلى أبراجها، ترتيل صلاة "الحمد" الكاثوليكية. وانتقل أبو عبد الله وأهله، بعد أن أكد ولاءه للملكين الكاثوليكيين، إلى أندرش حيث كان مقامه إلى حين.
وهكذا انقرضت دولة الإسلام في الأندلس، وابتدأت محنة الأندلسيين العظمى.
* * *
الهوامش:
(1)I. Olague “La Revolucion Islamica en Occidente”. Espana.
(2) محمد عبد الله عنان، "نهاية الأندلس"، القاهرة (مصر)، 1966م.
(3) محمد عبده حتاملة، "التنصير القسري لمسلمي الأندلس في عهد الملكين الكاثوليكيين"، عمان (الأردن)، عام 1980م .





آخر تعديل خادم المنتدى يوم 2016-06-23 في 17:49.
    رد مع اقتباس
قديم 2016-06-23, 15:50 رقم المشاركة : 23
صانعة النهضة
مراقبة عامة
 
الصورة الرمزية صانعة النهضة

 

إحصائية العضو








صانعة النهضة غير متواجد حالياً


وسام التنظيم المميز السيرة 1438ه

مسابقة السيرة 5

وسام المنظمة

وسام منظم مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام الشخصية الفضية

وسام المشاركة في الدورة التكوينية مهارات الاتصال ا

وسام المطبخ المرتبة 1

وسام لجنة التحكيم

وسام العضو المميز

افتراضي رد: تاريخ بلاد الأندلس ..



مختصر قصة الأندلس


كان الفتح الإسلامي لشبة الجزيرة الأيبيرية – إسبانيا والبرتغال – أمرًا طبيعيًا حسب الخطة التي اتبعها المسلمون أثناء فتوحاتهم وهي تأمين حدودهم ونشر دعوتهم، فبعد أن وصل تيار الفتح إلى شمال إفريقية، وبعد أن أرسى موسى بن نصير ومن معه كلمة الإسلام في الشمال الإفريقي، كانت الخطوة التالية الطبيعية هي فتح الأندلس[1].دخل الإسلام بلاد الأندلس من عام 92هـ واستمر حكم المسلمين بها إلى عام 897هـ وهي فترة طويلة شهدت أحيانًا قوة المسلمين وأحيانًا أخرى ضعف وتخاذل إلى أن سقط الحكم الإسلامي بتلك البلاد، وتعرف الأندلس بهذا الاسم نسبة إلي قبائل الفندال أو الوندال فسميت هذه البلاد بفانداليسيا ومع الأيام حُرّف إلى أندوليسيا فأندلس.
فكرة الفتح

تعود فكرة فتح الأندلس إلى أيام الخليفة الراشد عثمان بن عفان، فقد فكر عقبة بن نافع سنة 63هـ في اجتياز المضيق إلى إسبانيا[2]، ولكن التنفيذ الفعلي للفتح كان في زمن الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك، بعد أن نُوقِشَت خطة الفتح بينه وبين قائده على شمال إفريقية موسى بن نصير[3].
موسى بن نصير:

ولد موسى في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة 19هـ= 640م، بقرية يقال لها كفر متري – من قرى أرض الشام في جبل الجليل- ونشأ في وسط وثيق الصلة بأمور الحرب والجندية، فتوطدت صلته بقادة الفتح وأعلام الفكر الإسلامي، في دار الخلافة بالشام، وأخذ عن أبيه الجرأة والصراحة والورع، فظهرت عليه علامات الطموح ومؤهلات القيادة منذ نعومة أظفاره، وكانت نشأته مع أبناء الخلفاء الأمويين كمروان بن عبد الملك وبشر بن مروان من العوامل التي مهدت له طريق المستقبل[4].
بعد نقاش فكرة الفتح أرسل موسى بن نصير أحد ضباطه ويدعى طريف بن مالك المعافري على رأس قوة عسكرية إلى ساحل إسبانيا الجنوبي في مهمة استطلاعية وذلك في عام 91هـ= 710م فنزل طريف في جزيرة بالوماس، وأغار على المناطق المجاورة وأصاب سبيًا كثيرًا وعاد محملاً بالغنائم، وأقنعته هذه الحملة بضعف وسائل الدفاع الإسباني، بعد ذلك أرسل موسى بن نصير في عام 92هـ= 711م قوة عسكرية قوامها سبعة آلاف مقاتل بقيادة طارق بن زياد نائبه على طنجة[5].
طارق بن زياد:

من المعروف أن طارق مولى مغربي أمازيغي لموسى بن نصير، وهو أيضا من البربر الزناتيين أو النفزاويين، وقد أسلم والد طارق منذ أيام عقبة بن نافع الفهري[6].
وقد قيل إن طارق: طويل القامة، ضخم الهامة، أشقر اللون، وتنطبق هذه الصفات على عنصر البربر"[7].
وقد كان طارق بن زياد حسب الروايات الأدبية والنقدية شاعرًا؛ إذ أورد له المقَّرِي في كتابه (نفح الطيب) بعض الأبيات الشعرية نقلاً عن الحجاري في المسهب وابن اليسع في المغرب، وهي:
ركبنا سفينــــا بالمجاز مقيرا عسى أن يكون الله منا قد اشتـرى
نفوسا وأموالا وأهلا بجنة إذا ما اشتهينا الشيء فيها تيســــرا
ولسنا نبالي كيف سالت نفوسنا إذا نحن أدركنا الذي كان أجدرا[8]
عمليات الفتح

كان طارق عسكريًا ناجحًا وقائدًا ممتازًا، مخلصًا للإسلام، متحمسًا لنشره في بقاع الأرض؛ لذا بدأ طارق بالتجهز للعبور؛ فقام ببناء عدد كبير من السفن؛ ليتمكن من عبور المضيق الفاصل بين أفريقية وأوربا. عبر طارق بن زياد المضيق فنزل تجاه الجزيرة الخضراء، وسيطر على الجبل الذي حمل اسمه منذ ذلك الوقت، ثم تقدم حتى بلغ بحيرة خندة - غربي إسبانيا - وعلم بالحشود الضخمة التي حشدها لذريق ملك الأندلس، فطلب النجدة من موسى بن نصير، فأمده بخمسة آلاف جندي، والتقى الجيشان عند وادي لكة 92هـ= 711م وانتهت المعركة بانتصار المسلمين وتم القضاء على الجيش القوطي[9].
بعد ذلك توغَّل طارق بن زياد في البلاد ففتح قرطبة وطليطلة في أوائل عام 93هـ= 712م، ثم فتح شذونه والبيرة وغيرها من المدن؛ مما شجَّعه إلى أن يكتب إلى موسى بن نصير يخبره بما حقق من انتصارات، فشجع ذلك موسى بن نصير على العبور بنفسه إلى الأندلس في عام 93هـ= 712م، ففتح مدنًا كثيرة مثل قرمونة وإشبيلية ودخل ماردة صلحًا، وامتدت فتوحاته إلى برشلونة شرقًا وأربونا في الجوف وقادش في الجنوب، وجليقية في الشمال الغربي.
ثم اجتمع القائدان المسلمان في مدينة طلبيرة لتقويم ما تم إنجازه من خطة الفتح، وما سيتم فتحه في المستقبل، واشتركا معًا في فتح مدينة سرقسطة في إقليم أرغوان، واخترق موسى جبال البرينييه الفاصلة بين إسبانيا وفرنسا، فغزا ولاية سبتمانيا، وفتح قرقشونة وناربون، كما غزا وادي نهر الرون ووصل إلى مدينة ليون، في حين اجتاز طارق وادي الأبرو وغزا جليقية.
وتلقى في هذه الأثناء كل من موسى بن نصير وطارق بن زياد أمرًا من الخليفة بوقف العمليات العسكرية والعودة فورًا إلى دمشق – ربما كان ذلك خوفًا من الخليفة على المسلمين من كثرة التوغل في تلك البلاد- وعين الأول قبل مغادرته ابنه عبد العزيز حاكمًا على الأندلس نيابة عنه[10].
يتضح من خلال هذا العرض التاريخي لفتح المسلمين لبلاد الأندلس، أن المسلمين أتموا فتح بلاد الأندلس ولم يتجاوز عددهم الثلاثين ألفًا، وكان المسلمون يقومون بهذا الفتح ويعرفون أن أعدادهم أقل بكثير من عدوهم، لكنهم كانوا يتفوقون على ذلك بالإيمان القوي المتدفق، وكانوا مستعدين لكل تضحية مهما عزت لنصرة الإسلام[11].
ومن الأمور المهمة التي يجب الإشارة إليها أيضًا أن مهمة الفتح الإسلامي لا تنتهي أو تتوقف عند النصر الحربي، بل بعده تبدأ؛ وذلك ببيان الإسلام والدعوة إليه، وهي مهمة ما بعد الفتح على لسان الفاتحين وفي سلوكهم وتصرفهم[12].
وقد عاش الأندلس في ظل الحكم الإسلامي فترات من القوة، وفترات أخرى من الضعف.
عصور القوة في تاريخ الأندلس

1- فترة القوة في عهد الولاة
2- عهد الإمارة الأموية
3- عهد الخلافة الأموية
4- الدولة العامرية أو عصر سيطرة الوزراء
5- دولة المرابطين
6- دولة الموحدين
فترة القوة في عهد الولاة

عبد الرحمن الغافقي

عبد الرحمن بن عبد الله بن بشر بن الصارم الغافقى، كنيته أبو سعيد ولقب بأمير الأندلس والغافق قبيلة في اليمن ينسب إليها، رحل إلى إفريقية ثم وفد على سليمان بن عبد الملك في دمشق وعاد إلى المغرب فاتصل بموسى بن نصير وابنه عبد العزيز أيام إقامتهما في الأندلس، ولى قيادة الشاطئ الشرقي من الأندلس، وبعد مقتل السمح بن مالك أمير الجيوش انتقل إلى أربونة فانتخبه المسلمون فيها أميرًا وأقره والى إفريقية، ثم نشأ خلافًا بينه وبين عنبسة بن سحيم فعزل عبد الرحمن وولى عنبسة مكانه وصبر عبد الرحمن يغزو مع الغزاة، حتى ولاه هشام بن عبد الملك إمارة الأندلس سنة 112 هـ ليكون سابع الولاة عليها، وكان صالحًا حسن السيرة في ولايته[13].
استطاع عبد الرحمن الغافقي القضاء على النزاعات القبلية وتوحيد الجميع تحت رايته، فكان تجرده القبلي أحد أسباب النجاح الذي حققه فاحترمه الجميع واستطاع أن يجتاح بجيوشه وادي الرون إلى عمق فرنسا حتى نهر اللوار، إلا أن هُزِمَ وسقط شهيدًا في معركة بلاط الشهداء أمام شارل مارتل في 114هـ= 732م[14].
الإمارة الأموية فترة القوة والازدهار

عبد الرحمن الداخل (صقر قريش):

هو عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان مؤسس الدولة الأموية بالأندلس، بعد أن سقطت الخلافة الأموية على أيدي العباسين وأخذ الولاة العباسيون يتعقبون الأمويين ويقتلونهم، إلا أن عبد الرحمن بن معاوية استطاع الفرار منهم، واتجه إلى المغرب ومنها إلى الأندلس ليؤسس دولته هناك[15]، وقد لقب عبد الرحمن بن معاوية بالداخل لأنه أول من دخل الأندلس من بني أميه حاكمًا، وقد لقبه أبو جعفر المنصور بصقر قريش لبراعته وتوليه الحكم في الأندلس بعد أن كان هاربًا من أيدي العباسيين[16].
ومن الأمور المهمة التي يجب الإشارة إليها أن عبد الرحمن بن معاوية قد تربى في بيت الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك الذي كان عهده عهد ازدهار الدولة الأموية فكان قصره مدرسة للتعلم من كل المهارات والفنون فمنه تعلم عبد الرحمن[17].
استطاع عبد الرحمن الداخل القضاء على الثورات والصعوبات الداخلية التي واجهته، وأصبحت فترة حكمه من أقوى الفترات التي حكمت فيها الأندلس، فقد كان رجلاً موهوبًا جمع صفات كثيرة من الحزم والسياسة.
وقد تعرضت الأندلس أيام عبد الرحمن الداخل إلى محاولة قام بها شارلمان للاستيلاء على سرقسطة – أي الثغر الأعلى- ولكن لحسن الحظ أن الأندلس كان مجتمعًا تحت راية عبد الرحمن في ذلك الحين فتمكن من النجاة من ذلك الخطر[18].
بدء مرحلة الاستقرار:
تعتبر هذه الفترة فترة ازدهار وقوة بعد فترة الضعف التي مرت بها الأندلس في عهد الولاة والدليل على ذلك ما قام به عبد الرحمن بن معاوية من أعمال العمران فقد بدء في ببناء مسجد قرطبة عام 170هـ واستمر بناؤه سبع سنوات، بالإضافة إلى تجميل المدن وتشيد دارة سماها الرصافة في ظاهر قرطبة، وكان من ضمن ما غرسه فيها نخله أتى بها من الشام فأنشد فيها شعرًا يقول:
تبدت لنا وسط الرصافة نخلة تناءت بأرض الغرب عن بلد النخيل
فقلت شبيهي في التفرد والنوى وطول التنائي عن بني وعن أهلي
نشأت بأرض أنت فيها غريبة فمثلك في الإقصاء والمنتأى مثلي
سقتك غوادي المزن من صوبها الذي يسح ويستمري السماكين بالوبل[19]
هشام الأول (الرضا) 173- 180هـ

كان عادلاً متواضعًا ورعًا تقيًا، شهد عهده تحولاً مذهبيًا بشيوع مذهب الإمام مالك وتخلي الأندلسيين عن مذهب الإمام الأوزاعي الذي كان المذهب الرسمي حتى ذلك الحين، وقد نعمت الأندلس في عهده ببعض الهدوء بعد أن احتوى بطبعه الهادي كل الزعامات القبلية.
أما على الصعيد الخارجي، فقد اتجه هشام الأول نحو محاربة النصارى في الشمال مدفوعًا في ذلك بنزعته وحماسه الديني، فحارب الإسبان في ولاية إستورقة كما أرسل حملات صيفية ضد ولاية سبتمانيا في جنوب فرنسا، توفى عام 180هـ= 896م وخلفه ابنه الحكم الأول[20].
الحكم بن هشام 180-206هـ:

كان الحكم يحب حياة الترف والرياضة والصيد وكان من حوله حاشية متكبرة متعالية، وجندًا قاسيًا عنيفًا على الناس معظمه من الصقالبة.
ومن أشهر الأحداث التي وقعت في عهده موقعة الربض في 13 من رمضان 202هـ، وكان السبب فيها أن مجموعة من الفقراء والفقهاء خرجوا يطلبون العدالة لا الحكم، ولكن الحكم تعامل مع الثوار بشكل غير مسبوق في التاريخ الأندلسي فقام بحرق بيوت الثوار الذين اضطروا للعودة للنجاة بأهلهم فقام بقتل الكثير منهم وطرد الكثير منهم من الريف الجنوبي للأندلس.
وقد شغلت هذه الفتنة الحكم عن عدوه الصليبي شارلمان الذي أنتهز الفرصة واستطاع أن يستولي على برشلونة سنة 190هـ وأنشأ فيها ثغر أصبح بعد ذلك شوكة في جنب المسلمين.
وقد تمكن المرض من الحكم بن هشام بعد حادثة الربض، وتطاولت به العلة وحل به الندم وجعل يتمنى لو لم يتصرف مع أهل قرطبة على هذا النحو، حتى توفاه الله[21].
عبد الرحمن الثاني (الأوسط) 206-238هـ :

خلف عبد الرحمن الثاني أباه الحكم الأول في ظل أجواء هادئة، وعرف بالأوسط لأنه ثاني ثلاثة سموا بهذا الاسم، وهو لا يتفق مع أبيه في كثير من الصفات، إنه أقل تمسكًا بنظرية الحكم المطلق، وبالتالي فإن خلفيته الدينية كانت بارزه في البلاط، وانعكست شخصيته المثقفة والفقهية الواسعة، وما تمتع به من إحساس فني مرهف، وذوق اجتماعي رفيع على حياة الأندلس، ويعد عهده بداية الانتقال الحقيقي إلى الدولة بمفهومها المحدد كمؤسسة إدارية وثقافية وعسكرية متطورة[22].
وفي عهده بدأت مظاهر الحضارة والترف تظهر، فأنشأ الناس القصور الجميلة وأخذت قرطبة طريقها لتصير أجمل مدائن أوربا على الإطلاق، ولكن هذه حياة الأقلية أما حياة الأكثرية فكانوا يعيشون في رخاء نسبي، لأن البلد كان غنيًا وكان الناس مقبلين على العمل، والضرائب قليلة، وكان هناك ديوان المظالم مخصص للنظر في شكاوي الناس من أعمال رجال الدولة وتصرفاتهم[23].
التصدي لغارات النورمان:

كانوا يقبلون من البحر ويقومون بغارات على المسلمين، فاستطاع عبد الرحمن الأوسط التصدي لهم وأنشأ البحرية الأندلسية التي استطاعت السيطرة على الحوض الغربي للبحر المتوسط، واستولت على الجزائر الشرقية – البليار- وكان هناك أسطولين أسطول بالبحر المتوسط وأخر بالمحيط الأطلسي[24].
وتوفى عبد الرحمن الأوسط في 3 ربيع الثاني 238هـ= 852م بعد حكم دام إحدى وثلاثين سنة تعتبر من أزهر فترات التاريخ الأندلسي بما ساد قرطبة وكبار المدن ومراكز العمران من هدوء وما تمتعت به البلاد من رخاء ورفاهية، لأن عبد الرحمن ورجاله كانوا من أذكياء رجال الدولة الذين يؤمنون بأن رخاء الرعية أساس لثبات الحكم واستقرار أسس العدالة والنظام[25].

عهد الخلافة الأموية

عبد الرحمن الثالث (الناصر):

كان الناصر أميرًا حازمًا، وذكيًا عادلاً، وعاقلاً شجاعًا، محبًا للإصلاح وحريصًا عليه، قاد الجيوش بنفسه، فأنزل العصاة من حصونهم، لشجاعته وسياسته الحكيمة بالسيف أو بالسياسة الرشيدة التي اتبعها[26].
تولى الأمير عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله الحكم وهو في الحادية والعشرين من عمره، وقد تولى الحكم في ظروف صعبة إذ أن أعمامه كانوا أحق منه في تولي هذا الأمر، لكنهم زهدوا فيه بسبب التمزق والحالة التي وصلت إليها البلاد، في حين كان عبد الرحمن شابًا طموحًا فتعلقت آمال الجند به، وهكذا تولى الأمير عبد الرحمن الثالث عرش الإمارة في عام 300هـ= 912م، دون منازع مما أتاح له حرية الحركة للتصدي لمشكلات التي تعاني منها البلاد[27].
الأوضاع الداخلية:

أرسل عبد الرحمن الناصر منشور إلى كل أمير أو ملك من هؤلاء المتغلبين على النواحي، وفيه يعد ويتوعد ويمني ويحذر، فأيما رجل متغلب على ناحية من النواحي قدم ولاءه للحاكم الشرعي فإنه سيكون من المقربين، وسيحقق ما يبتغيه من مال وسلطان تحت راية الإمارة المركزية، ومن لم يفعل فينذره بحرب مدمرة[28].
واستطاع عبد الرحمن الناصر بعد إصدار هذا المنشور أن يقضي على جميع الثورات دون معاناة، أما الخصم الوحيد الذي كلف عبد الرحمن مشقة كبيرة فهو ابن حفصون غير أنه ضعف أمره وذهبت ريحه خصوصًا بعد أن أرتد عن الإسلام وتوفي في سنة 312هـ وكان أمره قد تفرق تمامًا ولم يصمد أولاده من بعد لعبد الرحمن وسقط حصنه المنيع ببشتر[29].
إحياء الخلافة الأموية:

بعد أن استتب الأمر لعبد الرحمن الناصر وجد أن اللقب الذي ورثه عن أسلافه وهو الأمير، لم يعد يسع لطموحه الكبير، ورأى أنه أحق بألقاب الخلافة، فاتخذ لنفسه لقب أمير المؤمنين، وتلقب بلقب الناصر لدين الله أمير المؤمنين وذلك في عام (316هـ=928م)، وقد شجعه على ذلك ضعف الخلافة العباسية، وقيام دولة فتية معادية في شمالي إفريقية وهي الدولة الفاطمية التي تطلعت لضم الأندلس، وأيضًا بعد قيام عبد الرحمن الناصر بإخضاع القوى الثائرة في الأندلس كان لابد من رفع مكانة الأمير السياسية والدينية وإعطاء قرطبة دورًا أكثر مركزية بحيث تشدد قبضتها على الأطراف، بالإضافة إلى رغبة الأندلسيين في أن يكون لهم خليفة[30].
أمّا على الصعيد الخارجي:

فلم يكن باستطاعة عبد الرحمن الناصر تجاهل النشاط الإسباني الواسع ضد أراضيه، وتجسد تصميمه على توجيه ضربه انتقامية للملك الليوني في عمق بلاده، وخاض من أجل ذلك حروبًا طويلة منذ عام 308هـ=920م وأحرز عدة انتصارات واستعاد عددًا من المواقع المهمة لاسيما أوسما وتطيلة، غير أن راميرو الثاني خليفة أردينو الثاني، أنزل به هزيمة في معركة جرت عند خندق مدينة شمنقة في 327هـ= 939م، ورغم ذلك لم تحدث هذه المعركة أي تغير في وضع الأراضي، كما أن استئناف العمليات العسكرية التقليدية من جانب الخلافة ضد ممالك الشمال في أعقاب الهزيمة، كان كافيًا لردع أي محاولة توسعية من جانب الأسبان[31].
إنجازات عبد الرحمن الناصر المدنية:

أنشأ عبد الرحمن الناصر مدينة الزهراء في سفح جبل العروس بالقرب من قرطبة، ووسع مسجد قرطبة الكبير، ولعل أبرز المنشآت التي أضيفت إليه تلك المنارة المذهبة التي سميت بمنارة الناصر.
وازدهرت الحياة الاقتصادية في عهد الناصر فامتلأت خزانة الدولة بالأموال المتحصله من التجارة والصناعة والزراعة، بالإضافة إلى ذلك بلغت العاصمة قمة التألق الثقافي والحضاري، فزخرت مكتباتها بآلاف المخطوطات النفسية، وغصت أروقة مساجدها وقصورها بالنخبة من العلماء والشعراء وبلغت النهضة العلمية مرحلة النضج[32].
ويروي المقري في نفح الطيب: "أنه وجد بخط الناصر –رحمه الله- أيام السرور التي صفت له دون تكدير، يوم كذا من شهر كذا من سنة كذا ويوم كذا من كذا، وعدت تلك الأيام فكانت أربعة عشر يومًا"[33].
وقد توفي عبد الرحمن الناصر في اليوم الثاني من رمضان سنة 350هـ=961م بعد أن أدى إلى الدولة الإسلامية هذه الأمجاد، ودفن في رياض قصر قرطبة[34].
الحكم بن عبد الرحمن (المستنصر بالله):

هو الحكم بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن محمد لقبه المستنصر بالله ولد سنة 302هـ=914م، تولى الخلافة سنة 350هـ= 961م[35]، وقد جاء المستنصر إلى الحكم ولديه تجربه في الشؤون الإدارية والعسكرية بما اكتسبها نتيجة مصاحبة والده، لكن دوره اقتصر في المحافظة على مكتسبات والده في الداخل، وحمايتها من غارات الأسبان في الخارج، فقد ظهر قويًا، حازمًا، لكنه أشتهر بأنه كان عالمًا أديبًا يقضي الكثير من الوقت في القراءة لكن دون أن يشغله ذلك عن القيام بأعباء الدولة[36].
أما عن فتوحاته فقد تعددت وكان من أعظم ما فتحه قلهرة من بلاد البشكنس على يد غالب بن عبد الرحمن[37].
بناء الدولة والاهتمام بالمعرفة:

كان المستنصر بالله مكملاً لدولة أبيه الناصر، فقد كان أبوه رجل دولة وحرب وسياسة وكان هو إلى جانب ذلك رجل علم وأدب وحضارة، فقد أنشأ في القصر مكتبة بني لها بناءًا خاصًا وأقام لها رجال المكتبات من مسجلين ومنظمين ومفهرسين حتى أصبحت أعظم مكتبة في العصور الوسطى، وقد قدر المؤرخون كتبها بنصف مليون مجلد[38].
واهتم المستنصر بالتعليم فبني عددًا من المدارس، وكانت جامعة قرطبة من أشهر جامعات العالم ومركزها المسجد الجامع، تدرس فيها مختلف أنواع العلوم والمعرفة[39].
وتوفى الحكم الثاني المستنصر في عام 366هـ= 977م[40].
الدولة العامرية أو عصر سيطرة الوزراء

هشام بن الحكم بن عبد الرحمن: ( 366هـ - 406هـ = 976م - 1013م )

هو هشام بن الحكم بن عبد الرحمن الناصر، تولى الخلافة وعمره لا يزيد عن عشر سنوات وأشتهر بلقب المؤيد بالله وانقسم رجال الدولة إلى قسمين:
- قسم العسكر ويرى في هشام طفلاً لا يصلح للإمارة ويرشحون عمه ( المغيرة ابن عبد الرحمن الناصر)
- وقسم الوزير المصحفي ومحمد بن أبي عامر ورجال الحكم المدنيين يرون استبقاء هشام في الحكم تقوية لنفوذهم واستئثارًا بالسلطة[41].
المنصور محمد بن أبي عامر:

برز في هذا الصراع محمد بن أبي عامر فقام بقتل المغيرة بن عبد الرحمن الناصر – كان المرشح للخلافة بعد أخيه الحكم- ثم انقلب على صديقه جعفر بن عثمان، وأصبح رئيسًا للوزراء، وظل ابن أبي عامر يدبر المكائد والمؤامرات حتى حجر على الخليفة هشام واستولى على الدولة.
وقد قام محمد بن أبي عامر في سنة 381هـ=991م بتعين ولده عبد الملك رئيسًا للوزراء وجعل أخاه عبد الرحمن وزيرًا، وفي سنة 386هـ = 996م اتخذ المنصور لنفسه لقب الملك[42].
جهاده ضد الممالك النصرانية:

واصل المنصور مسيرة خلفاء بني أمية في الأندلس فقد حكم بالعدل، وقام بغزو البلاد المسيحية فخرج إلى قشتلية غازيًا، ثم خرج إلى مدينة شنت ياقوت عاصمة غليسية، وأعظم المشاهد النصرانية الموجودة ببلاد الأندلس.
وفي سنة 387هـ= 997م دخل المنصور مدينة قورية، وكانت آخر غزوة غزاها المنصور في ربيع 392هـ= 1002م وقصد فيها برغش وقشتالة وقد أحتلهم المنصور وهزم جيشهم وعاش في أرض مملكة ليون[43].
كان محمد بن أبي عامر جزعًا على مستقبل إرثه الذي أقامه في أحضان الخلافة الأموية، مدركًا أن مكتسباته لن تعيش طويلاً بعد غيابه لأنها ارتبطت بشخصه وبمنجزاته، وتوفى في مدينة سالم أثناء عودته من غزوة لإقليم قشتالة عام 392هـ=1002م، إلا أن جهوده أفرزت في النهاية حكمًا وراثيًا، فخلفه ابنه الأكبر عبد الملك المظفر، وأصدر الخليفة كتابًا بتوليته الحجابة[44].
دولة المرابطين بالأندلس ( 484- 539هـ )

من المرابطون؟ من هؤلاء الذين يهدد بهم ابن عبّاد ألفونسو؟
المرابطون هم قبائل ينسبون إلى حمير، وأشهر هذه القبائل لمتونه وجدالة ولمطة، ومن لمتونه كان أمير المسلمين يوسف بن تاشفين، وقد دخلت هذه القبائل المغرب مع موسى بن نصير، وتوجَّهوا مع طارق بن زياد إلى طنجة، لكنهم أحبوا الانفراد فدخلوا الصحراء بالمغرب الأقصى واستوطنوها[45].
وفي سنة 448هـ حدث بينهم انبعاث ديني، وانبثق فيهم من يدعو إلى الجهاد في سبيل الله، وتسمَّى هؤلاء بالمرابطين، وقد تغلب هؤلاء المرابطون على المنطقة كلها من الجزائر إلى السنغال، وكانوا رجالاً من طابع طارق وأصحابه لا تنقصهم الشجاعة وليس للترف إليهم منفذ، وفي سنة 462هـ آل أمر المرابطين إلى يوسف بن تاشفين وكان رجلاً تقيًا حازمًا داهية مجربًا، فمد فتوحه في المغرب الأفريقي حتى دان له جميعه، واختط مدينة مراكش تحت جبال المصامدة، الذين هم أشد أهل المغرب قوة، فكانت مراكش عاصمة لدولة المرابطين ثم ملك سبته وطنجة وأصبح بذلك مطلاً على جنوب الأندلس، ودولته هي أقوى دولة بالمغرب ومن ثم استنجد به أهل الأندلس[46].
السلطان يوسف بن تاشفين أمير المرابطين:

هو أمير المسلمين، السلطان أبو يعقوب يوسف بن تاشفين اللمتوني، ويعرف بأمير المرابطين[47]، وقال عنه ابن الأثير: "أمير المسلمين يوسف بن تاشفين ملك المغرب والأندلس، وكان حسن السيرة خيرًا عادلاً، يميل إلى أهل العلم والدين، ويكرمهم ويحكِّمُهم في بلاده ويصدر عن آرائهم، وكان يحب العفو والصفح عن الذنوب العظام، وكان إذا وعظه أحدهم خشع عند استماع الموعظة، ولان قلبه لها، وظهر ذلك عليه"[48].
وقال عنه ابن خلكان: "كان حازمًا سائسًا للأمور، ضابطًا لمصالح مملكته، مؤثرًا لأهل الدين والعلم، كثير المشورة لهم"[49].
معركة الزلاقة

وافق يوسف بن تاشفين على تقديم المساعدة لأهل الأندلس واشترط أن يُمنَح الجزيرة الخضراء لتكون مركزًا لانطلاق جيوشه، بعد ذلك عبر يوسف بن تاشفين بجيوشه مضيق جبل طارق ونزل في الجزيرة الخضراء فنظم شؤونها وحصنها، ثم تابع تقدمه باتجاه إشبيلية.
كان ألفونسو السادس آنذاك يحاصر مدينة سرقسطة، وحينما علم بأنباء الزحف الإسلامي، رفع الحصار عنها وأسرع بجيوشه نحو جيوش المسلمين من المغاربة والأندلسيين، فالتقى بهم في شمال شرقي بطليوس عند سهل الزلاقة، وهناك دارت بين الطرفين معركة طاحنة في شهر رجب 479هـ أكتوبر عام 1086م، هزم فيها ألفونسو هزيمة شنعاء وجرح في المعركة واضطر إلى التراجع باتجاه الشمال مخليًا إقليم بلنسية.
والحقيقة أن انتصار المسلمين في الزلاقة كان له آثار كبيرة حيث أنقذ العالم الإسلامي في الأندلس من السقوط في يد النصارى، كما ثبت أقدام المرابطين فيها[50].
وبعد هذه المعركة رجع يوسف بن تاشفين إلى المغرب بعد أن ترك حامية مرابطية مكونه من ثلاث آلاف جندي بقيادة سير بن أبي بكر تساعد القوات الأندلسية في التصدي للهجمات الإسبانية التي بدأت تشن غاراتها على الأندلس انتقامًا لهزيمتها في الزلاقة[51].
بعد ذلك عاد الأندلسيون إلى سيرتهم الأولى بعد رحيل يوسف بن تاشفين، فاختلفوا فيما بينهم، وضايقوا القوة المغربية التي بقيت في الأندلس لحملها على ترك البلاد، وتجاوز الإسبان بعد عام ذيول هزيمتهم في الزلاقة بعد النجدات التي وفدت عليهم من فرنسا والبابوية فاستأنفوا عملياتهم العسكرية، واختاروا المناطق الأكثر ضعفًا في شرق الأندلس وهي بلنسية ومرسية ولورقة والمرية[52].
ونظرًا لخطورة الوضع قرر المعتمد الذهاب بنفسه إلى المغرب لطلب المساعدة من يوسف بن تاشفين، ووافق الزعيم المغربي على العبور مرة ثانية إلى الأندلس لإنقاذها من براثن الخطر النصراني، والسيطرة على ملوك الطوائف فعبر المضيق في عام 481هـ= 1088م، واستنفر الأندلسيين للجهاد.
وهاجم المسلمون حصن الليط الذي أقامه ألفونسو السادس، بين مرسية ولورقة، بعد معركة الزلاقة، غير أن تجددت الخلافات بين الأندلسيين وبخاصة بين المعتمد صاحب إشبيلية، والمعتصم صاحب المرية، حال دون فتح الحصن، وعاني يوسف بن تاشفين من هذه الخلافات ففقد ثقته بالأندلسيين، وعاد إلى المغرب عام 482هـ= 1089م وأخذ يستعد لعزل أمراء الأندلس، وضمها إلى المغرب[53].
ضم الأندلس إلى المغرب

عبر يوسف بن تاشفين المضيق للمرة الثالثة في عام 483هـ= 1090م دون طلب استغاثة، فسار مباشرة إلى طليطلة مجتاحًا أراضي قشتالة، لكنه فشل في اقتحامها، ولم يتقدم أحد من الزعماء الأندلسيين لمساعدته، ثم اتجه إلى غرناطة وبها الأمير عبد الله بن بلكين بن باديس بن زيري الصنهاجي، فدخلها بعد حصار، وضم مالقة، وقاومه المعتمد بن عباد، وترك ابن تاشفين القيادة لبعض قواده الذين استطاعوا الاستيلاء على الكثير من الأراضي الأندلسية.
وجد المعتمد بن عباد نفسه وحيدًا في مواجهة المرابطين مما جعله يستنجد بألفونسو السادس، لكن المساعدة العسكرية التي دفع بها إلى ميدان القتال لقيت هزيمة قاسية في معركة جرت على مقربة من حصن المدور، بعد ذلك بفترة وجيزة تمكن المرابطين من دخول المدينة في 22من رجب 484هـ= سبتمبر 1091م[54].
ولم يكن من الصعب بعد سقوط إشبيلية التي كانت أقوى دول الطوائف أن يضم المرابطون باقي أجزاء الأندلس، ولم ينجح بالاحتفاظ باستقلاله سوى المستعين أحمد بن هود صاحب سرقسطة، والذي كانت إمارته بمثابة شوكة في خاصرة النصارى الشماليين، ويبدو أن يوسف بن تاشفين أدرك مدى أهميتها العسكرية كخط دفاع أول أمام النصارى، وفي تكوين جبهة قوية للوقوف في وجههم، لذلك بقيت سرقسطة الإمارة الوحيدة التي لم يضمها المرابطون، وعبر يوسف بن تاشفين في عام 496هـ= 1102م إلى الأندلس لتنظيم شؤونها الإدارية، وأضحى هذان البلدان المغرب والأندلس يشكلان دوله واحدة عاصمتها مدينة مراكش التي بناها يوسف بن تاشفين[55].
وقد تُوُفي يوسف بن تاشفين في شهر محرم عام 500هـ = سبتمبر 1106م تاركًا لابنه أبي الحسن علي أقوى دولة عرفها الغرب الإسلامي حتى ذلك الحين[56].
علي بن يوسف بن تاشفين:

خلف يوسف ابنه علي وكان في الخامسة والثلاثين من عمره، وكان قد تدرب على شئون الحكم والحرب وسياسة الدولة في أيام أبيه، ولهذا فقد سار بأمور دولته سيرًا حثيثًا إلى الأمام، وسجل اسمه بين عظماء تاريخ المغرب الإسلامي، وكان إلى جانب ذلك شديد التدين حريصًا على الجهاد، منصرفًا إلى الدراسة ومجالسة الفقهاء[57].
واهتم علي بن يوسف بالدفاع عن بلاده وتصدى بشجاعة كبيرة لمحاربة النصارى في الأندلس، فأرسل خيرة رجاله وقواده إلى القتال واستشهد كثيرون منهم في ميدان القتال، وإذا كان أبوه قد كسب موقعة الزلاقة فقد كسب هو معارك اقيش 501هـ= 1116م وافراغة 528هـ = 1134م وفي هذه المعركة الأخيرة لقي ألفونسو المحارب ملك أرغون مصرعه بعد أن طال حكمه وكثر أذاه للمسلمين[58].
وبينما كان علي بن يوسف يواصل جهوده في المغرب والأندلس بدأ محمد بن تومرت المعروف بمهدي الموحدين دعايته ضد المرابطين واجتهد في تشويه سمعتهم واتهامهم بالمروق عن الدين والتجسيم وما إلى ذلك، وقد نجحت دعايته لأنه توجه بها إلى فريق من البرانس كانوا يتشوقون بدورهم إلى إنشاء دولة تضاهي ما وصلت إليه قبائل لمتونه ومسوفة وجدالة وغيرها من المجموعة الصنهاجية الصحراوية المرابطية[59].
توفى علي بن يوسف سنة 533هـ= 1138م فانتهت بوفاته فترة طويلة من الرخاء واستقرار الأحوال في الأندلس والمغرب، وكان قد تلقب مثل أبيه بلقب أمير المسلمين[60].
دولة الموحدين ( 539- 620هـ )

محمد بن تومرت:

من قبيلة مصمودة البربرية، ولكنه كان في الأصل من أحفاد العلويين الأدارسة الذين اندمجوا في البربر بعد سقوط دولتهم، فهو عربي الأصل، بربري النشأة، خرج طالبًا للعلم وتأثر بآراء بن حزم، ورحل إلى المشرق فلقي في بغداد أبا بكر الشاشي وأخذ عليه شيئًا من أًول الفقه وسمع الحديث على المبارك بن عبد الجبار، ثم عاد فمرَّ بالإسكندرية فحضر مجالس أبي بكر الطرطوشي، ثم ذهب إلى بلاد المغرب ومنها إلى أغمات، ولحق بالجبل وبدأ في دعوته[61].
أسس عبد الله محمد بن تومرت دعوته على أساس ديني قوامه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أساس قبلي وهو الصراع بين القبائل البربرية، قبيلة لمتونة (المرابطين)، وقبيلة هرغة من مصمودة (الموحدين)، واتخذ محمد بن تومرت حصن (تينملل) مقرًا له ولدعوته.
أما المرحلة الثانية لدولة الموحدين فكانت بقيادة عبد المؤمن بن علي 524- 543هـ والتي توجت بسقوط دولة المرابطين وقيام دولة الموحدين[62].
عبد المؤمن بن علي:

هو عبد المؤمن بن علي، سلطان المغرب، لقب بأمير المؤمنين، ذكر ابن العماد في شذرات الذهب أنه كان ملكًا عادلاً، سائسًا، عظيم الهيبة، عالي الهمة، متين الديانة، كثير المحاسن، قليل المِثل، وكان يقرأ كل يوم سُبُعًا من القرآن العظيم، ويجتنب لبس الحرير وكان يصوم الاثنين والخميس، ويهتم بالجهاد والنظر في الْمُلْك كأنما خُلق له، ولكنه كان سفّاكا لدماء من خالفه[63]!!
وذلك أمر غريب أن يجتمع التدين الظاهري مع سفك الدماء، ولكن هذه الدولة – دولة الموحدين – كانت دولة فاسدة العقيدة منذ مؤسسها ابن تومرت، ولم يصلح منها، ويسير على منهج الإسلام إلا أبا يعقوب يوسف المنصور بن عبد المؤمن هذا.
عاد مسلمو الأندلس يطلبون النجدة من الموحدين في شمال إفريقية كما طلبوها من قبل من المرابطين، فأرسل عبد المؤمن جيشًا سنة 539هـ فدخل الأندلس ولم يمض أكثر من خمس سنوات حتى صارت جميع بلاد المسلمين في الأندلس في يد الموحدين، ولكن الموحدين لم يفكروا في أن يجعلوا من الأندلس قاعدة لملكهم، بل أرسلوا نوابًا عنهم يحكمونها باسمهم، وبقيت قاعدة ملكهم مراكش[64].
تُوُفي الخليفة عبد المؤمن في 20من جُمَادى الآخرة 558هـ= 25مايو 1163م، وخَلَفَه ابنه أبو يعقوب يوسف.
أبو يعقوب يوسف المنصور:

يقول فيه يقول فيه ابن خلكان في كتابه وفيات الأعيان "وهو الذي أظهر أبهة ملكهم ورفع راية الجهاد ونصب ميزان العدل وبسط أحكام الناس على حقيقة الشرع ونظر في أمور الدين والورع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأقام الحدود حتى في أهله وعشيرته الأقربين كما أقامها في سائر الناس أجمعين، فاستقامت الأحوال في أيامه وعظمت الفتوحات"[65].
موقعة الأرك 591هـ

الأرك حصن على بعد عشرين كيلو مترًا إلى الشمال الغربي من قلعة رباح، على أحد فروع نهر وادي آنة، وهي نقطة الحدود بين قشتالة والأندلس، في حين تجهَّز ألفونسو الثامن ملك قشتالة للقاء الجيش الإسلامي وطلب العون من ملكي ليون وونبارة.
ونظم أبو يوسف يعقوب المنصور جيشه، ودارت المعركة وانتهى يوم الأرك بهزيمة النصارى على نحو مروع، وسقط منهم في القتال ثلاثون ألف قتيل، وغنم المسلمون معسكر الإسبان بجميع ما فيه من المتاع والمال، واقتحموا عقب الموقعة حصن الأرك، وقلعة رباح[66].
نتائج معركة الأرك:

ارتفاع الروح المعنوية لمسلمي الأندلس، وسقوط هيبة ملوك النصارى أمام مسلمي الأندلس، كما جعلت ملوك النصارى يسارعون في عقد المعاهدات مع المسلمين، وإيقاف الحروب والإذعان للشروط التي يضعها الموحدون، وأيضًا من النتائج المهمة أن انصاعت بعض قبائل المغرب التي كانت تفكر في الثورة على الموحدين[67].
عصور الضعف في تاريخ الأندلس

1- عهد الولاة
2- مرحلة التدهور في عهد الإمارة الأموية
3- مرحلة التدهور في الدولة العامرية
4- نهاية حكم الأمويين بالأندلس
5- عصر ملوك الطوائف
6- فترة الضعف في أواخر دولة المرابطين
7- فترة الضعف في أواخر دولة الموحدين
8- دولة بني الأحمر في مملكة غرناطة
9- حركة إزالة العالم الإسلامي
عهد الولاة

تولى عبد العزيز بن موسى بن نصير بعد والده ولكنه تعرض لحادثة اغتيال وكان ذلك بداية عهد مضطرب ومشوش كان من أبرز سماته عدم الاستقرار السياسي والتناقضات القبلية والعنصرية بين العرب أنفسهم ثم بينهم وبين البربر[68]، ومما يدل على التدهور الذي وصلت إليه البلاد في تلك الفترة من (95 – 138هـ) (714 – 755م) هو أن من تولى أمر الأندلس خلال تلك الفترة 22واليًا حكم واحد منهم مرتين[69].
تتابع الولاة على الأندلس بعد مقتل عبد العزيز بن موسى بن نصير، فتولى أيوب بن حبيب اللخمي لمدة ستة أشهر فقط، ثم عين الحر بن عبد الرحمن الثقفي الذي نقل العاصمة من إشبيلية إلى قرطبة، وأنهمك في قمع الفتن والثورات التي كانت ناشبة بين العرب والبربر ولكنه فشل في حل تلك النزاعات، وتولى بعده السمح بن مالك الخولاني وبادر إلى وضع حد للنزاعات وقام بالعديد من الإصلاحات، ولكنه استشهد في معركة مع الصليبيين بالقرب من تولوز عام 102هـ= 721م[70].
بعد ذلك تولى عنبسة بن سحيم الكلبي وقتل هو الأخر أثناء عودته من إحدى الغزوات في 107هـ=712م، وبعد وفاته عمت حالة من الاضطراب وفقدان الاستقرار البلاد في ظل تفاقم الخلافات بين القبائل، وتمرد البربر، وتفكك الجيش، وعاقب على الحكم ولاة معظمهم فرضته العصبية القبلية، ولم تنتهِ هذه الحالة المضطربة إلا بتعين عبد الرحمن الغافقي واليًا على الأندلس عام 113هـ=731م[71].
عبد الرحمن الغافقي وهزيمته في موقعة بلاط الشهداء

ما السبب في هزيمة عبد الرحمن الغافقي في موقعة بلاط الشهداء بعد تلك الانتصارات التي حققها؟
كان هناك عدة أسباب وراء هزيمة عبد الرحمن الغافقي، كان من تلك الأسباب بُعد الجيش الإسلامي عن بلاد الإسلام فكان على بعد 400كم تقريبًا شمال جبال ألبرت – تبعد 900كم عن قرطبة - بالإضافة إلى النزاعات التي كانت بين البربر وبين العرب وكان ذلك من أهم العوامل التي أدت إلى هزيمة المسلمين، بالإضافة إلى عوامل أخرى منها أن الوقت كان خريفًا وهو وقت سقوط المطر في تلك النواحي، بالإضافة إلى عامل آخر هام وهو انشغال المسلمين بالغنائم الكثيرة التي كانوا يحملونها نتيجة الفتوحات الكبيرة التي قاموا بها قبل الوصول إلى تلك الموقعة[72].
وكان من نتائج هذه المعركة أن توقف المد الإسلامي باتجاه قلب أوربا، وقضت على تصميمهم في اجتياح هذه القارة، وأقنعتهم بالاكتفاء بما حققوه من إنجازات فيما وراء البرينييه.
في المقابل بددت مخاوف الأوربيين من اجتياح إسلامي للقارة، وأنقذت النصرانية في أوربا الغربية من حكم إسلامي محتمل، وجعل هذا النصر من شارل مارتل بطل النصرانية الأول[73].
بعد ذلك تولى عدد من الولاة كانت الفتن والنزاعات القبلية أهم ما يميز عصرهم إلى أن وصلوا إلى يوسف بن عبد الرحمن الفهري آخر الولاة الذين حكموا الأندلس في هذا العهد، حيث سقطت في غضون ذلك الخلافة الأموية في دمشق، وتمكن أحد الأمراء الأمويين، وهو عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان، أن ينجو من المذابح التي نفذها العباسيون بحق الأمراء الأمويين، ويمم وجهه شطر المغرب ثم الأندلس ليدخلها ويؤسس الدولة الأموية فيها[74].
مرحلة التدهور في عهد الإمارة الأموية

تولى حكم الإمارة بعد وفاة عبد الرحمن الثاني أمراء ضعاف، فتمزقت الأندلس وتفجرت الثورات في أنحائها المختلفة، واستقل الثوار بحكم المناطق التي ثاروا فيها، وتقلص نفوذ بني أمية فاقتصر على قرطبة وضواحيها، وتعد المدة الزمنية بين أعوام ( 238-300هـ=852-912م ) مضطربة سياسيًا وعسكريًا، وتمثل انتكاسة للمنجزات الكبيرة التي تحققت على يد الأمراء الأوائل[75].
أمّا عن الأسباب المسئولة عن هذا الضعف والتدهور الذي وصلت إليه الأندلس في تلك الفترة فيكمن في عدم التجانس بين عناصر شعب الأندلسي؛ فرغم الرخاء الذي عم ربوع البلاد فإن المجتمع الأندلسي لم يكن متجانسًا، إنما تشكل من عدة شعوب متعددة خضعت للسيادة الأموية إما طوعًا أو كرهًا دون أن يجمعها قاسم مشترك، وعاشت في تنافر عنصري وديني، ولم يندمج بعضها ببعض[76].
ونتيجة لذلك كثرت الثورات فكون العرب دويلات أهمها دولة بني حجاج في أشبيلية من قبيلة لخم اليمنية، أما البربر فقد خلعوا طاعة أمراء بني أمية، وعادوا إلى القبائل واستقلوا بالولايات الغربية وجنوب البرتغال، واحتلوا مراكز عظيمة الشأن في الأندلس نفسه كمدينة جيان.
أمّا مولدو الأسبان فقد استولوا على ولاية الجرف في الزاوية الجنوبية الغربية من الأندلس، وملكوا عددًا كبيرًا من المدن والولايات المستقلة بالأندلس، وكان ابن حفصون أكثر هؤلاء قوة وبأسًا وظل يحكم ويمد نفوذه على البلاد حتى اقترب من قرطبة، وظل ابن حفصون في قوته حتى أعلن ارتداده عن الإسلام ليغري المستعربة بالانضمام إليه، ولكن جاء هذا وبالاً عليه؛ فقد انفضَّ من حوله المسلمون، ولم ينضم إليه النصارى، فضعف أمره وزالت دولته[77].





آخر تعديل خادم المنتدى يوم 2016-06-23 في 17:54.
    رد مع اقتباس
قديم 2016-06-23, 17:55 رقم المشاركة : 24
خادم المنتدى
مدير التواصــل
 
الصورة الرمزية خادم المنتدى

 

إحصائية العضو








خادم المنتدى غير متواجد حالياً


وسام المشاركة السيرة 1438ه

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

العضو المميز لشهر فبراير

افتراضي رد: تاريخ بلاد الأندلس ..


عهد الضعف في الدولة العامرية

عبد الملك المظفر الحاجب:

تولى عبد الملك المظفر الحجابة بعد موت أبيه محمد بن أبي عامر 392هـ= 1002م ولكنه لم يكن مؤهلاً لتخطي العقبات التي كان عليه أن يتخطاها، فلم يكن يملك موهبة القيادة كما كان والده، فقد كان واقعًا تحت تأثير رجاله، ومع ذلك فقد قام بسبع غزوات في بلاد الروم ففي سنة 393هـ= 1003م خرج في غزوته الأولى التي فتح فيها حصن يمقصر من ثغر برشلونة، وخرج في غزوة عام 395هـ =1005م إلى جليقية، وفي العام التالي إلى بنبلونة، وفي عام 397هـ= 1007م خرج إلى قشتلية وهي الغزوة المشهورة بغزوة النصر، وقد هزم النصارى في هذه الغزوة هزيمة عظيمة وعلى إثر هذه الغزوة سمي عبد الملك بالمظفر.
وتوفى عبد الملك وهو في الطريق لتنفيذ إحدى غزواته في الشمال سنة 399هـ=1008م[78].
عبد الرحمن بن المنصور:

كان مستهترًا محبًا للملذات طمع فيما لم يطمع فيه أبوه ولا أخوه، إذ طمع في السلطة الشرعية، وأراد أن يستأثر بما بقى للأمويين من رسوم الخلافة، فطلب من هشام أن يكتب له بولاية العهد، فأثار ذلك المرسوم المضريين الذين كبر عليهم أن ينتقل العرش إلى اليمنيين (القحطانين)، وأن تبتعد الخلافة عن قريش، فانبعثت العصبية العربية من جديد وانتهز الأمويون والمضريون فرصة غياب عبد الرحمن في الشمال وولوا رجلاً من أحفاد الناصر هو (محمد بن هشام بن عبد الجبار بن أمير المؤمنين الناصر) ولقبوه بالمهدي بالله.
ولما بلغت الأخبار عبد الرحمن رجع من الشمال، وكان كلما اقترب من قرطبة انفضَّ عنه جماعة من جيشه حتى صار في قلة من أصحابه، فاعترضه من خصومه معترض، فقبض عليه وحزَّ رأسه وحمله إلى المهدي وبموته انتهت دولة بن عامر[79].
الانهيار ونهاية حكم الأمويين بالأندلس: ( 399هـ- 422هـ )

تلاحقت الأحداث بعد ذلك سريعة ومذهلة، ومرَّت دولة الأمويين في الأندلس بأجواء عاصفة، ومشحونة بالصراعات الدموية بين عناصر الأسرة الحاكمة، حيث اعتلى منصب الخلافة عدد من الخلفاء لم يكن أحد منهم على مستوى الأحداث[80].
فقد تولى الأندلس في تلك الفترة عدد من الخلفاء الأمويين يزيد على عدد من تولوا طيلة القرون الثلاثة الماضية، وضاعت هيبة الخلافة وانقسمت البلاد مرة أخرى وبرزت العنصرية المقيتة بشكل واضح، ووصل الأمر إلى أن يستعين كل فريق على خصمه بنصارى الشمال الذين كانوا ينتهزون تلك الفرصة للحصول على الحصون نظير إجابتهم طلب النجدة.
وبعد تلك الأحوال التي وصلت إليها الأندلس كان الأمر الطبيعي المتوقع حدوثه أن تسقط الدولة الأموية بالأندلس، وقد حدث ذلك بالفعل بموت آخر خلفائها المعتمد بالله سنة 422هـ، وبموته أعلن الوزير أبو محمد بن جهور انتهاء الخلافة، لعدم وجود من يستحقها، وأنه سيحكم الدولة جماعة من الوزراء على نظام شبه جمهوري.
وبانتهاء هذه الفترة انقسمت البلاد إلى دويلات صغيرة، واستقل كل أمير بمقاطعته، وأعلن نفسه ملكًا عليها، ودخلت الأندلس في عصر جديد هو عصر ملوك الطوائف[81].
ولكن قبل الانتقال إلى عصر ملوك الطوائف كان لابد أن نعرف أولاً ما أسباب سقوط الخلافة الأموية في الأندلس؟
أسباب سقوط الخلافة الأموية في الأندلس

تكمن تلك الأسباب أولاً في غياب القائد والأداة القادرة على الحسم في الوقت المناسب: فالأندلس في هذه الفترة كانت بحاجة إلى أمثال عبد الرحمن الداخل الذي أسسها وإلى أمثال عبد الرحمن الناصر الذي بنى مجدها الحضاري.
ثانيًا: الفصل بين السلطة الروحية والسلطة الزمنية:

منذ تأسيس الدولة ظلَّ الأمير أو الخليفة يجمع السلطتين الزمنية والروحية حتى سيطر على الحكم الحاجب المنصور بن أبي عامر وأبناؤه، فانتزعوا السلطة الزمنية لأنفسهم وتركوا الخلافة مجرد رمز لا معنى له في الأصل، وكان هذا الفصل مقدمة لنهاية الخلافة.
ثالثًا: التركيبة الاجتماعية للأندلس:

كان أهل الأندلس أخلاطًا متنافرة من السكان بعضهم عرب وبعضهم بربر وبعضهم صقالبة، وبعضهم مولدون وبعضهم مستعربون أو يهود، وكان لزامًا على الحكم أن يصنع الحزم لأن الرغبة في الاستقلال تجعل هناك نوعًا من الحساسية.
رابعًا: الاستعانة بأمراء وملوك الممالك الإسبانية الشمالية:

أدَّى التنازع بين الأمراء إلى استعانة البعض بالنصارى مقابل التنازل عن بعض الحصون والمدن الحدودية وهذا بالتأكيد أدى إلى تفكك الدولة الأموية.
ومن المؤلم تصور الصرح الشامخ الذي بناه رجال أمثال عبد الرحمن الداخل والأوسط والثالث ورجل مثل المنصور بن أبي عامر، ينهار خلال بضع سنوات وذلك استجابة لسنة من سنن الله في الأرض : "وتلك الأيام نداولها بين الناس"، ويصبح الأندلس بعد ذلك دويلات وإمارات صغيرة وادعى كل حاكم من هؤلاء أنه ملك مقتدر بل أنهم جميعًا تلقبوا بألقاب تدل على سعة الملك وعظيم الشأن وهي لا تنم عن حقيقة حالهم، وقد وصف ابن رشيق حال الأندلس في ظل هذه الدويلات بقوله:
مما يُزَهِّدني في أرض أندلس أسماء معتضد فيها ومعتمد
ألقاب مملكة في غير موضعها كالهر يحكي انتفاخًا صولة الأسد[82]
عهد دول الطوائف ( 422-897هـ= 1031- 1086م )

لم تكد الخلافة الأموية تسقط حتى استقل كل بما امتلكته يده، فأصبح لكل مدينة أو مقاطعة أمير مستقل، فالبربر بالجنوب والصقالبة بالشرق، وأما البقية الباقية فقد ذهبت إلى أيدي محدثي النعم أو بعض الأسر القديمة، وقد حكم في هذه الفترة نحو عشرين أسرة مستقلة، في عشرين مدينة أو مقاطعة، ومن أشهر ملوك الطوائف:
- بنو عبَّاد بأشبيلية
- بنو حمود الأدارسة بمالقة والجزيرة
- بنو زيري بغرناطة
- بنو هود بسرقسطة.
- بنو ذي النون بطليطلة وهم أقوى هؤلاء الملوك[83].
وقد أحسن بعض هؤلاء الملوك، وإن كان أكثرهم عتاة جبارين، غير أنهم كانوا مثقفين محبين للعلم، وكانت قصورهم مثابة للشعراء والأدباء والعلماء، وقد عاش في هذه الفترة وفي بلاط هؤلاء الملوك كثير من العلماء الكبار والأدباء العظام ممن تفخر بهم الأندلس، كما كان من بين هؤلاء الملوك أنفسهم من كان عالمًا أديبًا شاعرًا.
المسلمون يدمرون أنفسهم بأنفسهم

كان ألفونسو السادس قد وحَّد تحت إمارته استوريا وليون وقشتالة، ورأى أن يستفيد من الفوضى في الأندلس، خاصة أن أكثر ملوك الطوائف كانوا يتقربون إلى ألفونسو بالعطايا والإتاوات، يطلبون حمايته، فكان ألفونسو يجمع منهم ما يعد به العدة للقضاء عليهم وهم لا يشعرون.
وكان ألفونسو ينتهز كل فرصة ليستولي على الحصون والقلاع، واحدة إثر الأخرى، حتى وثبة وثبة سنة 478هـ استولى فيها على طليطلة، ووضع حامية تزيد على أثنى عشر ألفًا في حصن ليط في وسط الأندلس، ومن هذا الحصن كانت تخرج جنوده لتغير وتنهب[84].
ومن الأمور التي تدعو إلى العزة في ذلك الوقت رغم الأحوال التي وصلت إليها الأندلس في عهد ملوك الطوائف، ذلك الموقف الذي قام به المتوكل بن الأفطس حاكم بطليوس ذلك الحاكم الوحيد الذي رفض أن يدفع الجزية إلى ملك قشتالة الذي أرسل إليه يهدده، ويطلب منه الجزية مقابل أن يتركه دون قتال، وردَّ عليه في رسالة قوية تدل على شجاعته وهذا نصها:
"وصل إلينا من عظيم الروم كتاب مدع في المقادير وأحكام العزيز القدير، يرعد ويبرق، ويجمع تارة ثم يفرق، ويلدد بجنوده الوافرة وأحواله المتظافرة، ولو علم أن لله جنودًا أعز بهم كلمة الإسلام وأظهر بهم دين نبينًا محمد عليه السلام أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون، بالتقوى يعرفون وفي التوبة يتضرعون، ولئن لمعت من خلف الروم بارقة فبإذن الله وليعلم المؤمنين وليميز الله الخبيث من الطيب ويعلم المنافقين"[85].
"أما تعييرك للمسلمين فيما وهي من أحوالهم فبالذنوب المركوبة، ولو اتفقت كلمتنا مع سائرنا من الأملاك علمت أي مصاب أذقناك كما كانت آباؤك تنجزعه فلم تزل تذيقها من الحمام ضروب الآلام شؤمًا تراه وتسمعه وإذا المال تتورعه، وبالأمس كانت قطيعة المنصور على سلفك أهدى ابنته إليه مع الذخائر التي كانت تفد كل عام عليه، وأما نحن إن قلت أعدادنا وعدم من المخلوقين استمدادنا فما بيننا وبينك بحر نخوضه ولا صعب نروضه إلا السيوف تشهد بحدها رقاب قومك وجلاد تبصره في ليلك ويومك، وبالله تعالى وملائكته المسومين نتقوى عليك ونستعين، ليس لنا سوى الله مطلب ولا لنا إلى غيره مهرب، وما تتربصون بنا إلا إحدى الحسنتين، نصر عليكم فيا لها من نعمة ومنة، أو شهادة في سبيل الله فيا لها من جنة، وفي الله العوض مما به هددت وفرج يفتر بما مددت ويقطع فيما أعددت"[86].
يئس ملوك الطوائف أن يتوحدوا، فتوجه نظرهم إلى دولة المرابطين بأفريقية، ولقد توجس بعض مشيري ابن عباد ملك أشبيلية وقرطبة من هذه الدعوة خيفة، ولكنه أسكتهم بقوله: "لأن أكون راعي جمال في صحراء أفريقية خير من أرعى الخنازير في قشتالة".
كان المعتمد بن عباد آخر ملوك بني عباد وكان عربيًا شاعرًا، ولكنه كان ذليلاً لألفونسو حيث كان يدفع له كغيره حتى طلب منه ألفونسو يومًا أن يسمح لزوجته أن تدخل جامع قرطبة لتلد فيه حسب إشارة القسيسين والأساقفة، فلم يتمالك ابن عباد نفسه فقتل حامل الرسالة لوقاحتها، وأمر به فصُلِبَ منكوسًا بقرطبة، وأمر بمن معه من الفرسان فقتلوا، وبلغ الخبر ألفونسو فأقسم ليغزونه بأشبيلية ، فأعدَّ ألفونسو لذلك جيشين زحف أحدهم إلى كورة باجة ثم أشبيلية، وقاد الجيش الثاني بنفسه ثم لحق به الجيش الأول، ونزل بهما أمام قصر ابن عباد على الضفة الأخرى من نهر الوادي الكبير، وكتب إلى ابن عباد يتهكم: "لقد كثر بطول مقامي في مجلسي الذباب، واشتد على الحر، فأتحفني من قصرك بمروحة أُرَوِّح بها على نفسي، وأطرد الذباب عن وجهي".
فوقع له ابن عباد على الرسالة بخطه قائلاً: "قرأت كتابك وفهمت خيلاءك وإعجابك، وسأنظر لك في مراوح من الجلود اللمطية في أيدي الجيوش المرابطية، تُرِيح منك لا تُرَوِّح عليك، إن شاء الله!"؛ فلما تُرْجِمَ لألفونسو توقيع ابن عباد في الجواب، أطرق إطراق من لم يخطر له ذلك ببالٍ.
وابن عباد يشير بالجلود اللمطية إلى الاستعانة بالمرابطين في شمال أفريقية[87].
تاشفين ونهاية دولة المرابطين

تاشفين بن علي (533 – 539 هـ = 1138- 1144م) ونهاية دولة المرابطين في المغرب والأندلس.
خلَّف علي بن يوسف مُلكًا عريضًا حافلاً بالمشاكل والمصاعب لابنه تاشفين، وكان شابًا حسن الاستعداد، ولكن الظروف التي تولى فيها كانت عسيرة تحتاج إلى رجل ذي تجربة أوسع، ثم إن محمد بن تومرت استعمل أساليب غاية في القسوة والبعد عن الأخلاق في محاربة المرابطين معتمدًا على قبائل أكبر وأَضخم من قبائلهم.
وقد اضطر المرابطون إلى توجيه كل قواهم إلى صراع الموحدين في المغرب دفاعًا عن كيانهم وبهذا حرم الأندلس من جهودهم فيه، والأغرب من ذلك قيام نفر من زعماء أهل الأندلس بالثورة على المرابطين حاسبين أن توقف النصارى عن مهاجمة البلاد الإسلامية سيستمر إذا غاب المرابطون فلم تنفعهم ثوراتهم وأسرعوا ببلادهم إلى الزوال.
وبعد تاشفين بن علي تولى ابنه إسحاق بن تاشفين وكان صبيًا، وفي أيامه تمكن عبد المؤمن بن علي أول خلفاء الموحدين من القضاء على دولة المرابطين ودخول مراكش فلم يدم حكم إسحاق أكثر من عام[88].
ولكن لماذا تسقط دولة مثل دولة المرابطين بعد أن وصلت إلى تلك القوة وأنقذت الأندلس مما كانت عليه؟
أسباب سقوط دولة المرابطين

1- ظهور روح الدعة والانغماس في الملذات والشهوات عند حكام المرابطين وأمرائهم في أواخر عصر علي بن يوسف، وكان للمجتمع الأندلسي تأثير لا ينكر في قادة وحكام دولة المرابطين الذين استجابوا لنزوات شهواتهم وانغمسوا في الحياة الدنيا، فتحقق قول الله تعالى: "وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا" [ الإسراء: 16].
2- ظهور السفور والاختلاط بين النساء والرجال، فقد بدأت دولة المرابطين في آخر عهد الأمير علي بن يوسف تفقد طهرها وصفاءها الذي اتصف به جيلهم الأول، مما جعل الرعية المسلمة تتذمر من هذا الانحراف والفساد، وتستجيب لدعوة محمد بن تومرت الذي أظهر نفسه للناس بالزاهد والناسك والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر.
3- انحراف نظام الحكم عن نظام الشورى إلى الوراثي الذي سبب نزاعًا عنيفًا على منصب ولاية العهد بين أولاد علي بن يوسف، كما تطلع مجموعة من الأمراء إلى منصب الأمير علي ونازعوه في سلطانه مما سبب تمزقًا داخليًا أدى إلى إضعاف الوحدة السياسية وإسقاط هيبة الدولة المرابطية.
4- الضيق الفكري الذي أصاب فقهاء المرابطين وحجرهم على أفكار الناس، ومحاولة إلزامهم بمذهب الإمام مالك وحده، وعملوا على منع بقية المذاهب السنية تعصبًا لمذهبهم، وكان لفقهاء المالكية نفوذ كبير مما جعلهم يوسعون تعصبهم وتحجرهم الفكري، بالإضافة إلى استغلال بعض الفقهاء نفوذهم من أجل جمع المال، وامتلاك الأراضي وعاشوا حياة البذخ والرفاهية المفرطة، وكان ذلك في إيجاد ردة فعل عنيفة عند أفراد المجتمع المرابطي.
وقد انبرى الشعراء في تصوير حال الفقهاء في تلك الفترة، فقال أبو جعفر أحمد بن محمد المعروف بابن البني:
أهل الربا لبستم ناموسكم كالذئب أدلج في الظلام العاتم
فملكتم الدنيا بمذهب مالك وقسمتم الأموال بابن القاسم
وركبتم شهب الدواب بأشهب وبأصبغ صبغت لكم في العالم
5- ومن أهم العوامل التي أسقطت دولة المرابطين فقدها لكثير من قياداتها وعلمائها العظام أمثال سير بن أبي بكر، ومحمد بن مزدلي، ومحمد بن فاطمة، ومحمد بن الحاج، وأبي إسحاق بن دانية، وأبي بكر بن واسينو، فمن لم يستشهد من كبار الدولة أدركه الموت الطبيعي، ولم يستطيع ذلك الجيل أن يغرس المبادئ والقيم لمن بعدهم.
6- أيضًا من الأمور التي أنهكت دولة المرابطين أنها مرت بأزمة اقتصادية حادة نتيجة لانحباس المطر عدة سنوات، وحلول الجفاف والقحط بالأندلس والمغرب، وزاد من حدة الأزمة الاقتصادية إن أسراب الجراد هاجمت ما بقى من الأخضر على وجه البلاد مما هيأ الظروف لانتشار مختلف الأوبئة بين كثير من السكان، ووقعت هذه الأزمة في الفترة الواقعة ما بين أعوام 524هـ- 530هـ.
7- ومن الأسباب الرئيسية في زوال دولة المرابطين صدامها المسلح مع جيوش الموحدين[89].
في سنة 609هـ أعلن الصليبيون حملة واسعة النطاق ضد المسلمين بالأندلس، فجاءهم المتطوعون من فرنسا وألمانيا وإنجلترا وإيطاليا، وقاد الناصر ابن المنصور بالله جيش المسلمين، وكان عدته كما تقول بعض الروايات حوالي نصف مليون من المحاربين، ولما لم يكن الناصر بارعًا في القيادة، فدارت الدائرة عليه وفقد معظم جيشه، بل إن هذه المعركة كانت نهاية لدولة الموحدين في الأندلس، فقد سقطت المدن الإسبانية مدينة إثر أخرى في يد الصليبين، وعم الشغب بين قبائل البربر في إفريقية، وتوالت وثبات المنافسين للموحدين فيها فتبددت قوتهم وطمع فيهم أمراء الأندلس، فأزاحوهم عن الأندلس سنة 633هـ وأعلن ابن هود نفسه حاكمًا لأكثر بلاد الجنوب، ولما قضى نحبه تحول حكم الأندلس إلى بني نصر أمراء غرناطة سنة 620هـ[90].
ولكن ما السبب وراء هزيمة المسلمين في هذه المعركة رغم ما وصلوا إليه من قوة؟
يكمن ذلك في عدة أسباب منها: الإعجاب بالكثرة، وكأن غزوة حنين تتكرر بعد حوالي ستة قرون في الأندلس، وأيضًا ضعف شخصية الناصر لدين الله كان من أهم أسباب الهزيمة، بالإضافة إلى إصرار ملك قشتالة على الانتقام من هزيمة الأرك، وأيضًا الثورات التي حدثت في المغرب مع بني غانية جعلت الموحدين ينفقون فيها نفائس أموالهم ويقدمون خيرة رجالهم[91].
أسباب سقوط دولة الموحدين

1- ظلمهم الفظيع للمرابطين وسفكهم للدماء واعتداؤهم على الأموال وسبيهم للنساء بدون وجه حق، فمضت فيهم سُنَّة الله في الظلم والظالمين.
2- من أسباب السقوط ثورة بني غانية وهم من بقايا المرابطين، حيث قامت هذه الثورة على أسس فكرية ناهضت الأسس التي قامت عليها دولة الموحدين.
3- ثورات الأعراب المتتالية؛ حيث إن قبائل بني سليم وبني هلال التي سكنت إفريقية والمغرب الأوسط وبعد ذلك المغرب الأقصى لا تنظر إلا لمصالحها، فأحيانًا تتحالف مع بني غانية ضد الموحدين وأحيانًا تخضع لدولة الموحدين.
4- ثورات الأندلس ضد دولة الموحدين: ومن أشهر هذه الثورات، ثورة محمد بن مردنيش الذي لم يتم القضاء عليه إلا بعد ربع قرن من تحالفه مع النصارى.
5- النزاع على الخلافة بين الموحدين ولم يستطيعوا أن يضعوا نظامًا ثابتًا لتولِّي الخلافة عندهم.
6- أيضًا من العوامل المسئولة عن سقوط الموحدين الترف والانغماس في الشهوات[92].
دولة بني الأحمر في مملكة غرناطة ( 620- 897هـ )

كانت مملكة غرناطة هي بقية ملك المسلمين في الأندلس بعد أن تمزق دولتهم، ووقوع أكثر المدن الكبرى في أيدي الصليبيين، وكان منشئ دولة بني الأحمر رجلاً عربيًا من بني نصر الدين – يقال إنهم ينتسبون إلى خزرج المدينة – ويدعى محمد بن يوسف، كان رجلاً شديد المراس ذا خلق كريم وكفاية نادرة، ولذلك لُقِّب بالشيخ اعترافًا له بالزعامة في بني النضير، ونظرًا للظروف التي كان المسلمون يمرون بها بالأندلس لم يكن بنو الأحمر يطمحون في أكثر من المحافظة على غرناطة، وقد كان ملوك غرناطة يطلبون المساعدة من بني مرين في المغرب ليساعدوهم في الحفاظ على ملكهم[93].
وبعد موت محمد الخامس توالى على عرش غرناطة عدد من ملوك بني الأحمر لم تكن لهم قوة أسلافهم ولا حذرهم ولا حيطتهم فعاشوا عيشة ترف ولهو، وفي الوقت الذي أخذ فيه الضعف يدب في أوصال غرناطة، بدأ النشاط والقوة تتجمع في إسبانيا المسيحية، فقد تزوج فرديناند ملك أراغون من إيزابيلا ملكة قشتالة واتحدت المملكتان ضد غرناطة.
وفي سنة 897هـ= 1492م أراد فرديناند أن يحسم الجولة فخرج بجيش قوامه 50.000 وحاصر المدينة، ولم يجد أبو عبد الله حاكم المدينة آنذاك بدًا من مفاوضة الصليبين، ولكن قائده موسى لم يرضَ بالتسليم للعدو، فلبس سلاحه وركب جواده، وغاص في الأعداء ضربًا وطعنًا حتى قتل غرقًا، مفضلاً ميتة كريمة عن حياة ذليلة[94].
شروط التسليم

كانت شروط التسليم سبعة وستين شرطًا، منها:
- تأمين المسلمين على أنفسهم وأهلهم وأموالهم
- وإبقاء الناس في أماكنهم ودورهم وعقارهم
- وإقامة شريعتهم على ما كانت عليه
- وأن تبقى المساجد كما كانت
- ولا يُقهَر أحد على ترك دينه
- وأن يسير المسلم في بلاد النصارى آمنًا على نفسه وماله
- وأن يطلق سراح أسرى المسلمين
- وأن يكون لهم الحق في الخروج إلى أفريقية بأموالهم وأولادهم متى شاءوا.
وافق المسلمون على هذه الشروط ولم يكن أمامهم خيار آخر، ووقف عبد الله في ثلة من فرسانه بسفح جبل الريحان فلما مر موكب فرديناند وإيزابيلا تقدم فسلم مفاتيح المدينة ووقف من بعيد يودع ملكًا ذهب ومجدًا ضاع فلما رأته أمه ( عائشة الحرة) يبكي؛ قالت: "ابكِ مثل النساء ملكًا مضاعًا لم تحافظ عليه مثل الرجال"، ثم هاجر أبو عبد الله إلى المغرب ونزل بفاس؛ حيث عاش هو وأبناؤه على سؤال المحسنين[95].
حركة إزالة الإسلام في الأندلس

لم تكن دموع أبي عبد الله آخر دموع سكبت بالأندلس بل تلتها دموع، ذلك أن النصارى ما لبثوا أن تنكروا لعهودهم ونقضوا الشروط، إلى أن آل الأمر إلى حملهم المسلمين على التنصير، فقد استصدرت المراسيم تخير المسلمين بين التنصير أو مغادرة البلاد؛ ففي 4 من محرم 907هـ صدر المرسوم الملكي بمنع وجود المسلمين في مملكة غرناطة، وحظر اتصال المسلمين بعضهم ببعض، ومن يخالف تلك الأوامر يكون جزاؤه الموت ومصادرة أملاكه.
في 13من رمضان 908هـ= 12من فبراير 1502م صدر المرسوم الذي يحتِّم على كل مسلم حر يبلغ الرابعة عشرة من عمره إن كان ذكرًا والثانية عشر من عمرها إن كانت أنثى مغادرة غرناطة قبل أول شهر مايو من العام نفسه، ولا يسمح لمن يريد الخروج التصرف في أمواله وممتلكاته، ولا يكون الخروج إلى شمال إفريقيا؛ لأنها بلد إسلامية.
في 19 من ربيع الأول سنة 920هـ= 12مارس سنة 1524م صدر الأمر البابوي بإجبار المسلمين على اعتناق الكاثوليكية، ومن أبي ذلك فعليه الخروج من إسبانيا خلال مدة معينة أو يصبح عبدًا رقيقً مدى الحياة، وفي ختام الأمر قرار يجعل كل المساجد كنائس، ورغم تنصُّر الكثيرين إلا أنهم لم يُترَكوا لحالهم، ولم يَسْلَموا من التعذيب والمطاردة.
وفي سنة 1007هـ= 1599م صدر المرسوم الملكي باسترقاق شباب المتنصِّرين والكهول منهم، ومصادرة أموالهم ونفيهم إلى خارج البلاد وأخذ الأطفال وإيداعهم المعاهد الدينية المسيحية ليتلقوا تربيتهم.
وفي 1018هـ=1609م صدر المرسوم الملكي بنفي كل المتنصرين إلى بلاد البربر خلال ثلاثة أيام من نشر القرار، وتم تقدير عدد المنفيين بعد ذلك بأكثر من مليون شخص.
وأخذ الأسبان يلفقون تهمًا غريبة لبقايا المسلمين وكان العقاب جاهزًا ومتشابهًا في كل الحالات: فمن الحرق إلى الجلد ومصادرة الممتلكات أو التشهير، ومن التهم التي كانت تُلَفَّق للمسلمين مثلاً: كثرة الاستحمام، أو تكفين الميت في ثياب جديدة، أو ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، أو اقتناء القرآن، أو إحراز أوراق أو كتب عربية، أو إنشاد أغاني عربية أو الامتناع عن أكل لحم الخنزير وشرب الخمر أو الوضوء والقيام إلى الصلاة أو الصيام[96].
ظلَّ الأندلس بعد ذلك شبه خالٍ من المسلمين، إلا من الآثار الإسلامية، والعمران غير المسبوق الذي تركه المسلمون ما يزال شاهدًا على التقدم الذي شهده الأندلس خلال الحكم الإسلامي، وما زالت إسبانيا المسيحية حاليًا تقتات على الدخل السياحي الكبير الذي تدرُّه تلك الآثار الإسلامية التي امتهن النصارى بعضها؛ فحوَّلوه إلى كنيسة، أو متحف.
لقد شُغِف العالم بما شيده المسلمون كمدينة الزهراء التي لم يُبْنَ مثلُها، وقصر الحمراء بغرناطة، والمسجد الكبير بقرطبة الذي شوهه ألفونسو عند دخوله قرطبة؛ فقد جعل في أحد مداخل المسجد كاتدرائية، وأمر بتعليق أجراس الكنائس على المآذن، والآن يُمنَع أن تقام فيه الصلاة ويصعب دخوله إلاّ بتذكرة مدفوعة الثمن!
وما زالت الصليبيون في الأندلس المفقود يحاولون تشويه التاريخ، ويكذبون على العالم كله؛ فقد شاهدنا جميعًا حفل افتتاح دورة الألعاب الأوليمبية بمدينة برشلونة الأسبانية عام 1992م، وقد أُقِيمت هناك عمدًا في الذكرى الخمسمائة لطرد المسلمين من الأندلس، ورأينا كيف صور النصارى الإسبان من خلال فقرات الحفل الفاتحين المسلمين؛ فقد صوروهم كشياطين وقوى شريرة ترتدي السواد تأتي في سفن من قلب الظلام؛ لتحاول فتح الأندلس؛ فيبرز لها من خلف الأسوار ملائكة ترتدي البياض تشير إلى الصليبيين المجرمين؛ فيهزموا قوى الشر – المسلمين – ويردوهم على أعقابهم.
لقد مرَّ الحفل على الكثيرين، ولم يفهموا المعنى المراد؛ وذلك لأننا في غيبة عن تاريخنا المجيد، وفي ذهول عن محاولة إعادة ذلك التاريخ؛ بالنهضة والعلم، وقبل ذلك وبعده بالتمسك بصحيح الإسلام.






    رد مع اقتباس
قديم 2016-06-23, 17:57 رقم المشاركة : 25
خادم المنتدى
مدير التواصــل
 
الصورة الرمزية خادم المنتدى

 

إحصائية العضو








خادم المنتدى غير متواجد حالياً


وسام المشاركة السيرة 1438ه

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

العضو المميز لشهر فبراير

افتراضي رد: تاريخ بلاد الأندلس ..




الأندلس من الفتح وحتى السقوط


–راغب لاسرجانى ـــ







أولا الفتح: عام 711 م
في عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك بين عامي (92 – 93 هـ)، أرسل موسى بن نصير القائد الشاب طارق بن زياد من طنجة مع جيش صغير من البربر والعرب يوم 30 أبريل عام 711، عبر المضيق الذي سمي على اسمه، ثم استطاع الانتصار على القوط الغربيين وقتل ملكهم لذريق في معركة جواداليتي “وادي لكة” في 19 يوليو 711. ضم جيش طارق بن زياد سبعة آلاف جندي انضم إليهم لاحقا خمسة آلاف بعث بهم موسى بن نصير بناء على طلب طارق بن زياد.
ثانيا : عصر الولاة
بعد انتهاء عهد الفتح يبدأ عهد جديد في تاريخ قصة الأندلس يُسمَّى عصر الولاة، الذي يبدأ من عام 95هـ=714م ويستمرُّ مدَّة اثنين وأربعين عامًا حيث ينتهي عام 138هـ=755م، وعهد الولاة يعني أنَّ حُكم الأندلس في هذه الفترة كان يتولاَّه رجل يتبع الحاكم العام للمسلمين، وهو الخليفة الأموي الموجود في دمشق في ذلك الوقت، وإذا نظرنا إلى عصر الولاة نرى أنه قد تعاقب فيه على حكم الأندلس اثنان وعشرون واليًا، أو عشرون واليًا تولَّى اثنان منهم مرتين؛ فيُصبح مجموع فترات حكم الأندلس اثنتين وعشرين فترة خلال اثنين وأربعين عامًا؛ أي أن كل والٍ حكم سنتين أو ثلاث سنوات فقط.
ولا شكَّ أن هذا التغيير المتتالي للحكام قد أثَّر تأثيرًا سلبيًّا على بلاد الأندلس، إلاَّ أن هذا التغيير في الواقع كان له ما يُبَرِّرُه؛ حيث كان هناك في بادئ الأمر كثيرٌ من الوُلاة الذين يُستَشْهَدون أثناء جهادهم في بلاد فرنسا، ثم جاءت مرحلة كان فيها كثيرٌ من الوُلاة يُغَيَّرون عن طريق المكائد والانقلابات والمؤامرات وما إلى ذلك، ومِنْ هنا نستطيع أن نُقَسِّم عهد الولاة بحسب طريقة الإدارة وطريقة الحكم إلى فترتين رئيستين مختلفتين تمامًا؛ حيث كانت الفترة الأولى فترة جهاد وفتوح وعظمة للإسلام والمسلمين، وتمتدُّ من بداية عهد الولاة من عام 95هـ=714م وحتى عام 123هـ=741م؛ أي: سبعة وعشرين عامًا
وكانت الفترة الثانية فترة ضعف ومؤامرات ومكائد وما إلى ذلك، واستمرَّت من عام 123هـ=741م وحتى عام 138هـ=755م؛ أي مدَّة خمس عشرة سنة.
يبقى أن نذكر أهم معارك هذه الفترة وهي معركة بلاط الشهداء (بواتييه) ، وقعت في 10 أكتوبر عام 732 م بين قوات المسلمين بقيادة عبد الرحمن الغافقي وقوات الإفرنج بقيادة تشارلز مارتل). هُزم المسلمون في هذه المعركة وقُتل قائدهم، وأَوقفت هذه الهزيمة الزحف الإسلامي تجاه قلب أوروبا وحفظت المسيحية كديانة سائدة فيها.
ثالثا : الدولة الأموية في الأندلس – المرحلة الأولى (الأمراء)
أسس السلالة عبد الرحمن الداخل بن معاوية بن هشام (756-708 م) من أحفاد الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك، وأحد القلائل الناجين من المذابح التي أقامها العباسيون للأمويين (750 م) فر إلى الأندلس ثم استولى على الحكم. عمل عبد الرحمن ثم ابنه هشام ثم حفيده الحكم على إرساء و تقوية دعائم الدولة الجديدة، قاموا بتوحيد أراضي الأندلس الإسلامية و حاربوا الممالك النصرانية في الشمال. عاشت الدولة مجدها الأول في عهد عبد الرحمن الأوسط، وعرفت البلاد ازدهار حركتي الآداب والعلوم وبلغت حالة متقدمة من التمدن، كما عُرف عن الأندلسيين أثناء ذلك العهد تمتعهم بثقافة وطبائع راقية. أصبحت دولة الأندلس مركزاً حضارياً كبيراً في غرب العالم الإسلامي.
عبدالرحمن بن معاوية (الداخل)
هو عبدالرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك ( – 788) الملقب بصقر قريش. حكم قرطبة من 756 إلى 788. جده الخليفة هشام بن عبد الملك عاشر الخلفاء الأمويين، ينتسب لجده أمية بن عبد شمس، و ولد في دمشق يتيما لا أم له و لا أب وفي صغره تنقل كثيرا من بلد لآخر للنجاة من عذاب العباسيين و الاستقرار في بلد آمن بعيدا عنهم فاستقر بمدينة سبتة بالمغرب .
تمكن عبدالرحمن الداخل من الهرب إلى أخواله في المغرب بعد خمس سنوات من التجول والتخفي عن عيون العباسيين الذين تمكنوا من القضاء على الدولة الأموية في المشرق. وكان الداخل يتصف بصفات جميلة وحسنة فكان طيب القلب، وعالما، وشاعرا، وشجاعا، وحازما، وحذرا، وكثير المشورة و أخيرا سريع النهضة فكل هذه الصفات أهلته ليكون قائدا متميزا تحكي عنه الأجيال. لقب عبدالرحمن بألقاب كثيرة فمنها صقر قريش الذي لقب به من قبل الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور ولقب بالداخل لأنه دخل الأندلس وبنى دولة فيها.
في سنة 132هـ و755م اقتحم الأندلس وقاتل العباسيين ثم من بعدها دخل قرطبة، وفي سنة 142هـ و 759م قاتل يوسف الفهري وهزمه شر هزيمة وقتل شارلمان ومات معاون شارلمان الصميل في السجن .
لقد أثر عبدالرحمن الداخل في عمران الأندلس وقضى على فتنها، ففي الازدهار الحضاري والعمراني بنى الرصافة في عاصمتها قرطبة، وزينها بالمباني الضخمة و الحدائق الجميلة الواسعة ومن أهم المباني هو جامع قرطبة الكبير الذي أكمل بنيانه ولده من بعده. توفى عبدالرحمن في قرطبة وقبره لا يزال هناك سنة 172هـ، بعدما حكم 34 سنة من الاستقرار و الرخاء.
ثالثا: الدولة الأموية في الأندلس – المرحلة الثانية (الخلافة)
تلت مرحلة الأمراء الأمويين مرحلة انقسمت فيها دولة الأمويين إلى أجزاء تولى كل منها حاكم مستقل. شجع حال الدولة حينذاك الممالك النصرانية في الشمال على القيام ومحاولة استعادة الأراضي التي دخلت تحت حكم الاسلام (بداية حركة الاسترداد). مع تولى عبد الرحمن الثالث استعادت البلاد وحدتها السياسية وقوتها العسكرية.
ومع بلوغ الدولة أوج قوتها وضعف الخلافة العباسية في المشرق اختار عبد الرحمن أن يتلقب بالخلافة، كما قام بشن حملات عسكرية على أطراف مملكته ليؤمن حدودها ويضعف الممالك النصرانية . واجه الفاطميين في شمال إفريقية واستطاع عن طريق أعوانه أن يضم المغرب (فاس: 923 م) وبلاد موريتانيا إلى دولته. كما قضى على دولة الأدارسة. عرفت البلاد أوجها الثقافي في عهد ابنه الحَكَم الذي استطاع أن يواصل سياسات أبيه.
بعد وفاة الحَكمَ تولى ابنه هشام (976-1013 م) والذي كان دون السن التي تؤهله القيام بأمور الحكم. وضع الأخير تحت وصاية الحاجب المنصور (978-1002 م. بعد سنة 1009 م دخلت الأندلس مرحلة الحروب الاهلية، كثر أدعياء السلطة مع دخول بني حمود العلويين السباق. سقط آخر الخلفاء الأمويين هشام المعتد (1027-1031م ) و دخلت الأندس بعدها عهد ملوك الطوائف.
من أشهر شخصيات الأندلس في هذا الحين:
عبد الرحمن الناصر لدين الله أو عبد الرحمن الثالث ثامن أمراء أمويي الأندلس، و أول من تسمى بأمير المؤمنين وخليفة المسلمين، تسمى بالخلافة لما رأى ما آلت إليه الخلافة العباسية من وهن، ويعتبر عصره من العصورالذهبية للأندلس واشتهرت قرطبة وجامعتها الشهيرة في زمانه بمنارة العلم والعلماء وامتد حكمه إلى خمسين عاماً. خلف جده عبد الله بعهد منه، وكان عمه المطرف قد قتل أباه ظلما، لأن أباه كان المرشح لولاية العهد، فأراد أن يزيحه ليظفر بها ولما علم جده عبد الله بما لحق أباه من ظلم جعل ولاية العهد إليه، وتولى تربيته ونال نصيبا كبيرا من رعايته، كان جزاء عمه القتل، فقد قتله أبوه عبد الله، بعد أن تأكد من براءة أخيه مما عزاه إليه. بويع عبد الرحمن بالخلافة بعد وفاة جده عبد الله سنة 300هـ ولم يكن قد تجاوز الثالثة والعشرين من عمره، فكان أول من بايعه بالإمارة أعمامه لحب جده له ولزهدهم بها، لما كان يحيط بها من أخطار. فقد كانت الأندلس مضطربة بالمخالفين ونيران المتغلبين، وقد تمكّن عبد الرحمن من إخماد تلك النيران، وخاض غمار حروب طويلة، فأخضع العصاة وصفا له الملك، وجدّد دولة الأندلس وأخضع حكامها لسلطانه. تلقّب بلقب الخلافة سنة 316هـ ، فجمع الناس وخطب فيهم وبين حق بني أمية بالخلافة وأنهم أسبق إليها من بني العباس، فبايعوه وتلقب (الناصر لدين الله) وتسمى بأمير المؤمنين، وجرى هذا اللقب من بعده، وكان أسلافه يخطب لهم بالإمارة فقط. أنشأ مدينة (الزهراء) سنة 325هـ وبنى فيها (قصر الزهراء). حمل إلى المدينة الرخام من أقطار الغرب، وأقام فيها أربعة آلاف وثلاثمائة سارية، وأهدى له ملك الفرنجة أربعين سارية من رخام. من أهم أعماله
• قضى على الفتن وثورات في ولايات الأندلس وأعادها إلى حكم الدولة الأموية.
• تمكن من هزيمة الجلادقة الإسبان القشتاليين والنفاريين والليونيين وردهم إلى ثغورهم.
• بنى مدينة الزهراء المدينة الملكية التي تعتبر رمز الحضارة الأندلسية.
محمد بن أبي عامر (938 – 8 أغسطس 1002)،
سياسي وفاتح مسلم أندلسي، أسس الدولة العامرية في الأندلس في خلافة هشام المؤيد بالله ولقب نفسه الحاجب المنصور. جاء من الجزيرة الخضراء “حصن طرّش” إلى قرطبة طالبا للعلم. وكان بداية عهدة أن استأجر دكانا قريبا من القصر واستطاع بذكائه ان يميل الرجال الصقالبة إليه وأن يكتب الرسائل والتهاني إلى رجال القصر فلمع اسمه وذكر عند صبح البشكنجية فقربته إليها وجعلته قائماً على أعمال ولدها هشام ثم تولى رئاسة الشرطة وخزانة الدولة في عهد المستنصر بالله الحكم لبلائه في غزوات الحكم في المغرب الأقصى. انتدب ليكون قائما على أملاك الأمير هشام بن الحكم بن عبد الرحمن الناصر، واستطاع بذكائه وحنكته أن يصل إلى سدة الحكم في الأندلس. فأخذ الوصاية على الأمير هشام، وأصبح في عهده حاجب الدولة، ثم المتصرف في كل شؤونها، ولقب نفسه بالملك المنصور.
أقام الدولة العامرية. وخاض عدة حروب. استولى على ليون وبطريوس ولشبونة وغيرها من بلاد الفرنجة وشمال الأندلس، توفي 392هـ، وتولى الحكم بعده ابنه عبد الملك بن محمد العامري وبعد وفاته سقطت الدولة العامرية. بسبب ثورة الأندلسيين في قرطبة وسائر الأندلس ضد العامريين لتسقط دولة بني عامر، ويبدأ عصر ملوك الطوائف.
رابعا : ملوك الطوائف في الأندلس
ملوك الطوائف ( 1023 – 1092 ) هي فترة تاريخية في الأندلس بدأت بحدود عام 422 هـ لما أعلن الوزير أبو الحزم بن جهور سقوط الدولة الأموية في الاندلس، مما حدا بكل أمير من أمراء الأندلس ببناء دويلة منفصلة، وتأسيس أسرة حاكمة من أهله وذويه.
في العقدين 1020، 1030 سقطت الخلافة بسبب ثورة البربر ونشوء ملوك الطوائف الذين قسموا الدولة إلى 22 دويلة، منهم غرناطة وأشبيلية والمرية وبلنسية وطليطلة وسرقسطة. وبينما ورثت تلك الدويلات ثراء الخلافة، إلا أن التناحر المستمر بين بعضها البعض جعل منهم فريسة لمسيحيي الشمال، ووصل الأمر إلى أن ملوك الطوائف كانوا يدفعون الجزية للملك ألفونسو السادس، وكانوا يستعينون به على إخوانهم.
كان هناك من يرفض هذه الأوضاع ولا يقبل أن يدفع الجزية للنصارى، مثل المتوكل بن الأفطس وكان يحكم مملكة بطليوس، و غيره ممن ينادون بالإصلاح مثل الفقيه ابن حزم، وابن عبدالبر، وابن حيان، وأبو الوليد الباجي، وغيرهم من أبناء الأندلس نفسها، ولكن كان من المستحيل جمع وتوحيد المسلمين من اثنتين وعشرين دولة في دولة واحدة بمجهودهم فقط.
لم يكن باقي الأمراء على شاكلة المتوكل بن الأفطس ولا على شاكلة العلماء، بل كان كل هدفهم هو الدنيا والتنافس بين بعضهم البعض والاستعانة بالنصارى، وكانت نتيجة هذا التخاذل هي سقوط طُلَيْطِلَة، أما النتيجة الثانية هي حصار إشبيلية.
ولكن حدث شيء يعطي الأمل في الإصلاح فبعد محاولة ألفونسو السادس حصار إشبيلية هدده المعتمد على الله بن عباد إن لم ينسحب سيستعين بالمرابطين، فانسحب على الفور. والمرابطون هم أبطال مجاهدون، لا يهابون الموت، أقاموا دولة إسلامية تربّعت على المغرب العربي وما تحته. اتفق بعض أمراء المسلمين مثل المعتمد على الله بن عباد والمتوكل بن الأفطس، وعبد الله بن بلقين صاحب غرناطة أن يرسلوا إلى دولة المرابطين، ويطلبوا منها أن تأتي للقضاء على النصارى، وكان هذا جزءًا من التوجه الشعبي العام لاستدعاء المرابطين لنصرتهم؛ فأرسلوا إلى يوسف بن تاشفين لكي يأتي ويحارب النصارى وأرسل بن عباد إلى ألفونسو قائلا: والله لئن لم ترجع لأروحنّ لك بمروحة من المرابطين وعندما حذره باقي ملوك الطوائف من بن تاشفين قال رعي الجمال لابن تاشفين في مراكش خير من رعي الخنازير لملك قشتالة.
ولقد تقدم زعيم المرابطين يوسف بن تاشفين فعبر البحر و(جبل طارق) لنجدة المسلمين في الأندلس، وحقق في (معركة الزلاقة) انتصارًا كبيرًا ساحقًا على النصارى، كان من أثره مدّ عمر الإسلام في الأندلس فترة أخرى من الزمن. ولقد تبين ليوسف بن تاشفين بعد ذلك أن ملوك الطوائف هؤلاء ليسوا أهلاً للبقاء في مراكز السلطة في الأندلس، وجاءته النداءات والفتاوى من العلماء كالغزالي بوجوب الاستيلاء على الأندلس، فاستولى على الأندلس وأعاد إليها وحدتها، وطرد هؤلاء الطائفيين الذين كانوا يخشون قدومه، ويفضل بعضهم النصارى عليه.وفي مدينة (أغمات) بالمغرب الأقصى عاش (ابن عباد) أشهر ملوك الطوائف بقية أيامه ذليلاً لا يجد ما يكفيه!!
ولقد نسي ملوك الطوائف هذه الحقائق؛ فنغَّص الله كل شيء عليهم حتى الموت، كما قال ابن صمادح الطائفي حاكم (المرية) وهو يحتضر ويسمع أصداء الهجوم على قصره، (فليبحث ملوك الطوائف في كل عصر عن الحياة، حتى لا يبحثوا ذات يوم عن الموت فلا يجدوه، وحتى لينغص الله عليهم كل شيء حتى الموت.. فتلك سُنَّة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا).
خامسا : المرابطون في الأندلس
المرابطون، اللمتونيون، الملثمون: سلالة بربرية حكمت في المغرب، موريتانيا، غرب الجزائر و الأندلس مابين أعوام 1056-1060 و حتى 1147 م. المقر: فاس: 1056-1086 م، مراكش منذ 1086 م.
يرجع أصل المرابطين إلى قبيلة لمتونة البربرية كما أن أصل التسمية يرجع إلى أتباع الحركة الإصلاحية التي أسسها عبد الله بن ياسين و الذي قاد حركة جهادية لنشر الدين و كان رجالها يلزمون الرباط بعد كل حملة من حملاتهم الجهادية، بدأت الحركة بنشر الدعوة في الجنوب -انطلاقا من موريتانيا- و أفلحوا في حمل بلاد غانا على الإسلام و من ثمة باقي مناطق الصحراء الغربية وأضحى ملوك غانا من المسلمين منذ ذلك الوقت حتى عندما انفصلوا عن دولة المرابطين، وأعلنوا تبعيتهم للخليفة العباسي في بغداد مباشرة.
قتل عبدالله بن ياسين في إحدى المعارك، وسار من بعده أبوبكر بن عمر الذي خلف يحيى بن عمر، وقد كان موفقًا في اختيار ابن عمه يوسف بن تاشفين ليكون ساعده القوي في تحقيق المبادئ التي انطلقت من رباط السنغال. وسرعان ما انتقل ابن تاشفين بالدولة من العهد الصحراوي إلى عهد الدولة الملتفة حول هدف الجهاد من أجل الإسلام. وقد كان بناء يوسف لمدينة مراكش عام 1062 م والاستيلاء على مدينة فاس إيذانًا بهذا، واستجاب لنصرة المعتمد بن عباد ـ أحد حكام دول الطوائف بالأندلس ـ لدرء خطر ألفونسو السادس ملك قشتالة الأسباني على ملوك الطوائف المسلمين هناك. فاكتسحوا أسبانيا الجنوبية، وانتصروا على ألفونسو في موقعة الزلاقة 1086 م ونجحت هذه الدولة في مزج العناصر المغربية والزنجية والأندلسية، مما تكون عنه أسلوب حضاري جديد هو خلاصة التقاء هذه العناصر الثلاثة، وشلوا نفوذ إيطاليا البحري، وحالوا دون قيام حرب صليبية في المغرب مثلما حدث في المشرق، وأسهموا بدور كبير في نشر الإسلام بغربي إفريقيا.
بعد عودة يوسف بن تاشفين إلى أرض المغرب، حدثت الصراعات بين أمراء المؤمنين الموجودين في بلاد الأندلس بسبب الغنائم وتقسيم البلاد المحرّرة، وهنا ضج علماء الأندلس وذهبوا يستنجدون بيوسف بن تاشفين من جديد لإنقاذهم من أمرائهم، لكن يوسف بن تاشفين كان يتورع عن هذ الأمر، إذ كيف يهجم على بلاد المسلمين وكيف يحاربهم؟! فتأتيه رحمه الله الفتاوى من بلاد الشام من أبي حامد الغزالي صاحب “إحياء علوم الدين”، و من أبي بكر الطرطوشي العالم المصري الكبير، و من كل علماء المالكية في شمال أفريقيا تحمّله مسؤولية ما يحدث في بلاد الأندلس إن هو تأخر عنها، وتحذّره من ضياعها إلى الأبد، وتطلب منه أن يضمها إلى أملاك المسلمين تحت دولة واحدة وراية واحدة، هي دولة المرابطين.
عاد ابن تاشفين مرة أخرى إلى الأندلس للقضاء على ملوك الطوائف.استعرت نار الحرب بين المرابطين وملوك الطوائف وانتهت بضم كل ممالك الأندلس لدولة المرابطين إلا “سرقسطة” التي حكمها أحمد بن هود، والذي كان كالشوكة في حلق النصارى، فقد قاومهم زمنًا طويلًا، وتراجع النصارى أمام صمود بني هود البطولي، وأظهر بنو هود مقدرة فائقة على قتال النصارى مما جعل المرابطين يحترمونهم، وتوطدت العلاقة الودية بين الأمير يوسف والأمير احمد بن هود الذي كان مخلصًُا في جهاده وحريصًا على أمته، ورضي المرابطون ببقاء أحمد بن هود حاكمًا تابعًا لهم، وبذلك أصبحت الأندلس ولاية تابعة لدولة المرابطين، وتوارت العناصر والزعامات الهزيلة وانهار سلطان العصبيات الطائفية.
في عهد علي بن يوسف (1106-1143) تعرض إلى هزائم على أيدي النصارى في الأندلس في موقعة قاتندة في سنة 514 هـ= 1120 م والتي هُزم فيها المسلمون هزيمة منكرة، ومثلها وبعدها أيضا كانت موقعة القُليّعة في سنة 523 هـ= 1129 م والتي مُني فيها المسلمون أيضًا بالهزيمة المنكرة ثم استولى الموحدون على مملكته في غرب إفريقية . إلى أن قضى هؤلاء على آخر الأمراء بعد استيلائهم على مراكش عام 1147 م.
سادسا : دولة الموحدين في الأندلس
دولة الموحدين هي المحطة السادسة في تاريخ الأندلس، الدولة الموحدية دولة إسلامية بالمغرب أسسها الموحدون وهم أتباع حركة محمد بن تومرت أسسوا دولة حكمت في شمال أفريقيا و امتد سلطانهم إلى الأندلس مابين عام 1130 – 1269م. تأسست الدولة على يد قبيلة مصمودة من المغرب وزناتة من الجزائر، لكن سرعان ما أطاحت زناتة بمصمودة واستأثرت بالحكم، أطلق عليهم تسمية “الموحدين” لكون أتباع هذه المدرسة كانوا يدعون إلى توحيد الله توحيدا قاطعا مما جعلهم ينكرون أسماء الله الحسنى باعتبارها أسماء لصفات مادية و هو الحق سبحانه ليس كمثله شيء فكانوا يذكرون الله باسمه المفرد الله . قاد محمد بن تومرت وبعده عبد المؤمن بن علي الذي ينحدر من صلبه أمراء الموحدين، أتباع حركة دينية متشددة، وكان يدعو إلى تنقية العقيدة من الشوائب. أطلق بن تومرت الدعوة لمحاربة المرابطين واتخذ من قلعة تنمل -على جبال الأطلس- مقرا له. استطاع خليفته عبد المؤمن -وهوينحدر من قبيلة الكومة من تلمسان- أن يستحوذ على السلطة في المغرب و من ثم على كامل إفريقية (حتى تونس وليبيا) و الأندلس. و بعد نجاح عبد المؤمن بن علي في إقامة دولته بأفريقية اتجه إلى الأندلس و عمل على تقويتها و صد هجمات القشتاليين عنها، و لكنه توفي ليتولى ابنه يوسف مكانه فاستكمل سياسة أبيه، ووطّد نفوذه في الأندلس، وبعث إليها بالجيوش لتقوية إماراتها. أقام الخليفة “يوسف بن علي” المشروعات في إشبيلية، مثل بناء القنطرة على نهر الوادي الكبير، و جامع إشبيلية الأعظم، ثم أتمّ ابنه المنصور مئذنته الكبيرة، ولا تزال هذه المئذنة قائمة وتعرف باسم “لا خيرا لدا” ويبلغ ارتفاعها 96 مترًا. وفي إحدى غزواته في الاندلس أصيب بسهم عند أسوار شنترين، فرجع إلى مراكش مصابًا، و مات بها.
بلغت الدولة أوجها في عهد أبو يعقوب يوسف السابق ذكره ثم أبو يوسف يعقوب المنصور و الذى تلقب بالمنصور و عمل على النهوض بالمغرب و الأندلس و كان قائدا وسياسياً ماهرا استطاع عقد الصلح مع ممكلة قشتالة و لكن نقضهم للصلح اضطره لقتالهم في موقعة الأرك مع بناء العديد من المدن الجديدة وتشجيع الثقافة والحياة الفكرية (ابن رشد، ابن طفيل). وقعت بعد ذلك معركة الأرك والتي انتصر فيها الموحدون على الملوك النصرانيين. في عهد الناصر تم القضاء على العديد من الثورات في إفريقية، و بعد موقعة الأرك عقدت هدنة بين ملك قشتالة ألفونسو الثامن و المسلمين و لكن ألفونسو استغل الهدنة في تقوية بلاده و محالفة أمراء النصارى و حين وجد نفسه مستعدا أغار على بلاد جيان وبياسة وأجزاء من مرسية فاضطر الملك الناصر “محمد بن يعقوب” الذي خلف والده المنصور إلى الذهاب إلى الاندلس لغزو قشتالة فعبر البحر و ذهب إلى إشبلية لتنظيم جيشه و منها اتجه إلى قلعة “شلطبرة” إحدى قلاع مملكة قشتالة و استولى عليها بعد حصار 8 شهور و لكن الملك ألفونسو الثامن دعا البابا أنوسنت الثالث بروما إلى إعلان الحرب الصليبية ضد الأندلس و كان من نتاج ذلك أن اجتمع للأسبان 100000 مقاتل انطلقو ليستولوا على حصن رباح و الأرك و غيرها و قام المسلمون بجمع جيش مماثل و التقى الجيشان عند حصن العقاب إلا أن الموحدين تلقوا هزيمة قاسية على يد النصرانيين في معركة حصن العقاب – لم تقم للمسلمين بعد هذه المعركة قائمة-. بعد سنة 1213 م بدأت الدولة تتهاوى بسرعة مع سقوط الأندلس في أيدي النصرانيين و تونس في أيدي الحفصيين والجزائر في أيدي بني عبد الواد الزيانيين، حكم بين سنوات 1224-1236 م فرعين أحدهما في المغرب والثاني في الأندلس. منذ 1244 م تعرضوا لحملات المرينيين، ثم فقدوا السيطرة على المغرب وانتهى أمرهم سنة 1269 م بعد أن قضى عليهم المرينيون نهائياً.
سابعا : دولة بنو الأحمر (غرناطة)
ويقصد بهم الأسرة التى حكمت مملكة غرناطة Granada آخر معاقل الإسلام فى الأندلس ومؤسس الدولة هو محمد بن يوسف بن نصر الذى ينتهى نسبه إلى الصحابى سعد بن عبادة الخزرجى رضي الله عنه ، ولد سنة595هـ-1198م وكان قائدا شجاعا عاش فترة سقوط الحواضر الأندلسية الكبرى بعد هزيمة المسلمين فى معركة العقاب 609هـ-1212م ونشوب الفتن بين زعمائهم فاضطر لمصانعة ملك قشتالة فرناندو الثالث والاعتراف بتبعيته له 643هـ-1245م ولكنه كان يعتزم لم شتات ما بقي من الأندلس فلجأ لغرناطة وحاضرتيها مالقة وألمرية واستقر ملكه بهذه الرقعة الجبلية التى تبلغ مساحتها عشرشبه الجزيرة. واستطاع توطيد سلطته والتقوِّى بالمسلمين الهاربين من المدن التى استولى عليها النصارى وتوفى فى 671هـ-1272م.
خلفه ابنه محمد الفقيه الذى نظم دواوين الدولة وجباياتها وخلع عليها صفة الملوكية واستمر حكمه حتى 701هـ-1302م وتعاقب بعد ذلك الملوك من بنى الأحمر على مدى القرنين التاليين وتراوحت علاقاتهم بجيرانهم من سلاطين بنى مرين بالمغرب وملوك قشتالة وأرغون النصرانيتين بين المواجهة والمحالفة. وبلغت دولتهم فى بعض العهود درجة عالية من القوة والازدهار كما قدر لها أيام محمد الغنى بالله بن يوسف 755-793هـ/1354-1391م على أن القرن التالى يشهد تدهور الأحوال بسبب نشوب الثورات وتزايد الحملات النصرانية والتنازع بين أفراد الأسرة الحاكمة.
وخلال السنوات الثلاثين الأخيرة نشبت الحرب الأهلية بين السلطان أبى الحسن على بن سعد وأخيه محمد “الزَّغُلّ” ثم مع ابنه أبى عبد الله ويأسر جيش قشتالة هذا الأخير ويرغمونه على تسليم غرناطة بعد سقوط معاقلها الكبرى فى سنة 897هـ-1492م
أبو عبد الله محمد الثاني عشر (1460 – 1527)
هو آخر ملوك الأندلس المسلمين الملقب بالغالب بالله. وكان ملكاً على غرناطة (من بني نصر من ملوك الطوائف) واستسلم لفرديناند وإيزابيلا يوم 2 يناير 1492. وسماه الإسبان el chicoأي الصغير و Boabdil أبو عبديل، بينما سماه أهل غرناطة الزغابي (أي المشؤوم أو التعيس). وهو ابن أبي الحسن علي بن سعد، الذي خلعه من الحكم وطرده من البلاد عام 1482، وذلك لرفض الوالد دفع الجزية لفرناندو الثاني ملك أراغون كما كان يفعل ملوك غرناطة السابقين. حاول غزو قشتالة عاصمة فرناندو فهُزم وأسر في لوسينا عام 1483، ولم يفك أسره حتى وافق على أن تصبح مملكة غرناطة تابعة لفرناندو وإيزابيلا ملوك قشتالة وأراجون. الأعوام التالية قضاها في الاقتتال مع أبيه أبي الحسن علي بن سعد وعمه أبي عبد الله محمد الزغل.
في عام 1489 استدعاه فرناندو وإيزابيلا لتسليم غرناطة، ولدى رفضه أقاما حصارا على المدينة. وأخيراً في 2 يناير 1492 استسلمت المدينة. المكان الذي ألقى منه نظرته الأخيرة على غرناطة ما زال معروفاً باسم زفرة العربي الأخيرة (el ْltimo suspiro del Moro) وبكى فقالت له أمه عائشة الحرة
“ابكِ مثل النساء ملكاً مضاعا لم تحافظ عليه مثل الرجال”
انتقل لفترة وجيزة إلى قصر له في البوجرّاس بالأندلس ثم رحل إلى المغرب الأقصى عند محمد الشيخ المهدي، فقد نزل في مدينة غساسة الأثرية المتواجدة في إقليم الناظور ونهايته أتت حين تقاتل مع قريب له يحكم فاس، وقُتل في تلك المعركة عام 1527. كان من شروط الاستسلام أن يأمن الغرناطيون على أنفسهم وأموالهم ودينهم كمدخرين، ولكن ما أن استقر لهم الحكم بعد مرور 9 سنوات على سقوط غرناطة نكث فرديناند بالعهد وخير المسلمين إما اعتناق المسيحية وإما مغادرة الأندلس، وكانت تلك هي نهاية الأندلس. بعد وفاته قامت المكلة ايزابيلا بالقبض على ابنته واتخذها الملك فريديناند كواحدة من جواريه وأصبحت أما لأحد أبنائه الغير شرعيين. وعلى الرغم من سوء الأحوال المتزايد فى غرناطة الإسلامية فقد كان شعبها من أنشط الشعوب فى استغلال مواردها المحدودة وأكثرها حرصا على الثقافة والفنون، يشهد بذلك قصر الحمراء الذى يعد درة فنية نادرة ثم من نبغ فى غرناطة من كبار العلماء والأدباء مثل الوزير الشاعر المؤرخ لسان الدين بن الخطيب 776هـ-1374م والشاعر ابن زمرك 797هـ-1395م وابن خاتمة 770هـ-1369م والفقيهين القاضيين أبي الحسن النباهي ومحمد بن عاصم القيسي 829هـ-1426م والنحوي المفسر أبى حيان نزيل مصر 745هـ-1344م.
ثامنا : محاكم التفتيش وطرد الموريسكيين
هو المشهد الأخير من قصة الأندلس ، والموريسكيون أو الموريسكوس بالقشتالية هم الإسبان المسلمون الذين تم تعميدهم بمقتضى مرسوم ملكي الكاثوليك المؤرّخ في 14 فبراير 1502(6 شعبان 907 هـ). كان عددهم كبيرا في أرغون السفلى (مقاطعة تيروال حاليا) وفي جنوب مملكة بلنسية وفي غرناطة بينما كانت أعدادهم أقل في بقية مملكة قشتالة وذلك حسب المعلومات التي بلغتنا من سجلات الضرائب.
في يوم الجمعة 23 من محرم سنة 897 هـ الموافق لـ 25 من نوفمبر سنة 1491 قام أبو عبد الله أخر ملوك بني نصر بإمضاء اتفاقية يتنازل فيها عن عرش مملكة غرناطة وعن جميع حقوقه فيها غير أنّه حاول انتزاع بعض الامتيازات لرعاياه ولمسلمي ما كان يعرف بالأندلس. ومن بين ما جاء في هذه الاتفاقية:
“أنّ للمُرُشْ أن يحتفظوا بدينهم وممتلكاتهم. أن يخضع المرش لمحاكمة قضاتهم حسب أحكام قانونهم وليس عليهم ارتداء علامات تشير لكونهم مرش كما هو حال عباءة اليهود. ليس عليهم دفع ضرائب للملكين المسيحيين تزيد على ما كانوا يدفعونه للمرش. لهم أن يحتفظوا بجميع أسلحتهم ماعدا ذخائر البارود. يحترم كل مسيحي بصبح مر ولا يعامل كمرتد. أن الملكين لن يعينا عاملا إلى من كان يحترم المرش ويعاملهم بحب إن أخلّ في شيء فإنه يغير على الفور ويعاقب. للمرش حق التصرف في تربيتهم وتربية أبنائهم”
وما إن استلم ملكي الكاثوليك غرناطة حتى شرعا في تنصير أهلها بأساليب سلمية وعهدوا هِداية المُدَجّنين إلى العقيدة المسيحية إلى القس هيرناندو دي تالابيرا أول أساقفة غرناطة. وانصبّ هذا الأخير على هذه المهمة بكل تفان فتعلم العربية وأخذ يعظ الناس بكل لين و لطف حتى أمسى المسلمون يدعونه “شنتُ الفقيه” إي القديس الفقيه. و لكن بعد مضي عدد من السنوات قام ملوك الكاثوليك باستصدار مرسوم يجبر المسلمين و اليهود على إمّا التنصّر أو الرّحيل قسراً، و تم إنشاء محاكم التفتيش بعد ذلك لاحقاً.
بقرار طرد وببداية تطبيقه وإخراجهم من إسبانيا، انتهت أزمة عمرت أكثر من قرن. ضاعت الأندلس بعدما أمدت العالم كله بنور الحضارة ، فقدنا حاضرة الإسلام على مدى ثمانية قرون.





    رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are معطلة


مــــواقـــع صـــديــقــة مــــواقـــع مـــهــــمــــة خـــدمـــــات مـــهـــمـــة
إديــكـبـريــس تربويات
منتديات نوادي صحيفة الشرق التربوي
منتديات ملتقى الأجيال منتديات كاري كوم
مجلة المدرس شبكة مدارس المغرب
كراسات تربوية منتديات دفاتر حرة
وزارة التربية الوطنية مصلحة الموارد البشرية
المجلس الأعلى للتعليم الأقسام التحضيرية للمدارس العليا
مؤسسة محمد السادس لأسرة التعليم التضامن الجامعي المغربي
الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي التعاضدية العامة للتربية الوطنية
اطلع على وضعيتك الإدارية
احسب راتبك الشهري
احسب راتبك التقاعدي
وضعية ملفاتك لدى CNOPS
اطلع على نتائج الحركة الإنتقالية

منتديات الأستاذ

الساعة الآن 15:06 لوحة المفاتيح العربية Profvb en Alexa Profvb en Twitter Profvb en FaceBook xhtml validator css validator

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML
جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd