رد: قصة و عبرة - رثاء و ذكرى حلقة 9( البداية في المشاركة 82 صفحة 17) و هؤلاء الأحفاد، الذين لم يكن لهم حول و لا قوّة، إلا أن يضرعوا إلى الله، و يتوجهوا إليه بالدعاء لجدتهم، و بالتلاوات المستمرة لكتابه عز و جل، كلٌّ بطابعه و رنته و طريقته، راجين و داعين و متوسلين و مبتهلين و طامعين لها في الشفاء و العافية. هذا اللفيف الطيب، المكوّن من الزوج و الأبناء و الحفدة، إضافة إلى بعض الأقارب الآخرين، و المعارف والأصدقاء و السكان المجاورين، قاسموا المرحومة آلامها، و أحسوا بمعاناتها، و شاركوها أعسر لحظات انكسارها، و تمنوا أن لو كان بالإمكان تحمل بلائها عنها، لتخفيف وطأة المرض اللعين عليها، فكان البيت لا يخلو لحظة من زيارة أحدهم، و لا يهدأ برهة من اتصال بعضهم، عبر الوسائل المتاحة لهم من هواتف نقالة و أجهزة قارة، سائلين و متسائلين عن تطورات المرض، و داعين برحيله إلى غير رجعة عنها. |
رد: قصة و عبرة - رثاء و ذكرى حلقة 10( البداية في المشاركة 82 صفحة 17) لقد عشنا جميعا تجربة قاسية، و مررنا كلنا من امتحان عسير، لن نستطيع نسيان أطواره أو طي صفحاته، أو محوَ مراحله، أو استيعاب نهايته، نهايته هاته، التي تمثلت في اختطاف المنون لأعز و أغلى ما كان لدينا في هذه الحياة، و حِرماننا من الحب و العطف و الحنان، فإن أنس، لن أنسى اللحظات الأخيرة من حياة هذه الوالدة، و هي تنتقل من حياة إلى حياة أخرى، من حياة مادية عابرة، إلى حياة روحية أبدية، و من عيش على وجه البسيطة محفوف بالماديات، و محاط بالأخطار و الخوف من بعض الانزلاقات، و ارتكاب الآثام و السيئات، أو الوقوع في فخ المغريات، إلى عالم الجنات و الإنعامات، و الفردوس الأعلى، وأرفع المقامات، و ما وعد به الرحمن عباده الصالحين الطائعين المؤمنين القانتين، و العابدين المخلصين المستعيذين به من الشيطان الرجيم. لن أنسى ما حييت، تلك اللحظات العصيبة التي ما كنت أتمنى أن أعيشها، و لا أخضع لاختبارها، و لن أستطيع ما اجتهدت، أن أعبّر أو أصف شعوري و ألمي و حسرتي و ضعف حيلتي أثناءها، و أنا أرى والدتي و هي تنازع سكرات الموت، و ليس بيدي وسيلة ألتجئ إليها لأفديها بها، أو حيلة أستعملهما لإنقاذها، و أنا أرى الروح تنسلخ منها انسلاخا، و ليس بيننا ثالث في غرفة الإنعاش التي كانت ترقد بها، إلا الله سبحانه و تعالى، و قد صمّ أذنيّ جرس ذلك الجهاز الذي كانت خيوطه مثبتة على صدرها، يعكس بواسطتها دقات القلب، و أحوال النبض، و مقاييس الضغط، و قد انطلق ناقوسه في الرّن و الطنين بصوت مزعج مخيف، و احمرت لوحته بشكل مثير فظيع، يعلنان بقوة، ابتداء العد العكسي لوصول الأجل المحتوم، و بمجرد سماع رنينه، و الاطلاع على احمرار سبورته، بُذلت محاولات يائسة من طرف الطاقم الطبي، و الممرضات العاملات في هذا الجناح، لإعادة دقات القلب إلى طبيعتها، و الأمور إلى نصابها، لكن هيهات هيهات، لم يكن ذلك إلا ضربا من العبث و الخيال، وطلبا للمستحيل و المحال، و في هاته اللحظات الحرجة المؤلمة، و أنا أكاد أفقد صوابي، و القشعريرة اجتاحت جسدي، و الدموع تغرق عيني و تسقي خدي، و تبلل ملابسي، وأنا أمرّغ وجهي في اليدين الحبيبتين، و أقبّلهما وأعاود التقبيل، علما مني بأنها فرصتي الأخيرة لفعل ذلك، ملتمسا منها رضاها، و سائلا لها السهولة في اجتياز سكراتها، و عيناي لا تفارقان وجهها المضيء، تمتلئان بطلعتها البهية، و تودعان نظراتها الوديعة المستجدية، و في هذه الأثناء، أقبلت طلعة الأخ الحاج توفيق، فأحسست من خلالها بالدفء و الاطمئنان، و بوجود أحد يشاركني آلامي، و يعيش معي لحظات ضياعي و هذياني، و الإحساس بفقدان جزء كبير من كياننا، و حدوث شرخ عظيم في جدار أسرتنا، و بانهيار ضخم يصيب أساس مبنى عائلتنا |
رد: قصة و عبرة - رثاء و ذكرى حلقة 11( البداية في المشاركة 82 صفحة 17) قد كنتُ إلى جانب والدتي و حبيبتي قبيل أذان صلاة الجمعة بدقائق، أحدّثها و أعبّر لها عن فرحتنا لاستيقاظها من تلك الغيبوبة أو شبه الغيبوبة التي كانت من حين لآخر تغوص فيها، و كان ذلك بحضور عدد من أفراد العائلة، على رأسهم والدنا أعزه الله، الذي لم تثنه صعوبة تحركه عن زيارتها من حين لآخر، و قد كان يداعبها و يتغزل في ابتسامتها العذبة الهادئة الرزينة، و لم نكن ندري أنها ابتسامة وداع، و كانت أثناء ذلك تتجاوب معي و مع الحاضرين، مكتفية بتحريك عينيها، و رسم ابتسامة خفيفة على شفتيها، معبرة بذلك عن اطمئنانها و حمدها لربها، وأسرعتُ أزف بشرى ذلك لزوجي و ابني، حين رجعت للبيت بعد أداء الصلاة، و لدى عودتي بعد الغذاء و استراحة قصيرة، أفاجأ بها في أطوارها الأخيرة. |
رد: قصة و عبرة - رثاء و ذكرى حلقة 12( البداية في المشاركة 82 صفحة 17) لم يكن ليهدّئ من روعنا و يحد من آلامنا و يخفف من صدمتنا و يثنينا عن قول ما لا يرضي ربنا، إلا استحضار بعض المواقف التي ذُكرت في الآثار، و أشير إليها في كتب السيرة و الأسفار، عن نبينا المختار، الصلوات و السلام عليه من العزيز الجبار، تعرّض لها إبان وفاة زوجته و ابنه، و ما قابلها به من اتزان و ضبط للنفس رغم الحزن و الآلام، و كذا إيماننا بالله و بقضائه الذي لا مرد له، و بحكمه الذي لا رجعة فيه، وكذلك تأكُّدنا من أن في ذلك راحةً لوالدتنا رحمها الله، و رحمةً منه أعطاها إياها، ربما استجابة لصلواتنا و دعواتنا بالتخفيف عنها من تلك المعاناة التي كانت تتحملها في المراحل الأخيرة لمرضها، و التي كانت قد بلغت مداها في قسوتها و شدّتها، إلى ما لا يتحمله بشر و لا يطيقه إنسان، و تشيب لهوْله الغربان. |
رد: قصة و عبرة - رثاء و ذكرى حلقة 13( البداية في المشاركة 82 صفحة 17) يا والدتي و يا منجبتي، و يا مرضعتي، و يا قِبلتي و ملاذي، كلما احلَوْلك ليلي و ادلهم شأني و عسر أمري، و قلّت حيلتي، يا من كانت ترشدني و توجهني و تنصحني، يا من كانت تحثني على فعل الخير بدون حساب و لا انتظار مقابل، يا من رافقت خطواتي الأولى في الحياة، و يا من علمتني مبادئ القراءة و الكتابة، قبل ولوج كراسي المدرسة، و يا من لقنتني المبادئ الدينية في بداياتي، ويا من كانت توصيني خيرا بأبنائي و بزوجتي، و لا تقبل مني إزاءهم إلا المعاملة الطيبة و السيرة الحسنة، و يا من لها من الأفضال علي ما لا يحصيه بشر و لا يعدّه إنسان، يا مؤنستي و يا من لها من الحنوّ و من العطف، و من الحب و الحنان، ما لا يتسع له صدر غير صدرها، و لا قلب سوى قلبها، طيبتها غلبت من عاداها، و خيرها كان ينتصر على شر المتربصين بها، حِكمتها أنطقت الألسنة، تلهث بمدحها و الثناء عليها. إني أخال روحها الآن ترفرف فوق عالمنا و تحلق في سمائنا، ساهرة كما كانت على أحوالنا. |
الساعة الآن 04:37 |
جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd