منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد

منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد (https://www.profvb.com/vb/)
-   - منتدى الإستقبال و التعارف - (https://www.profvb.com/vb/f4.html)
-   -   قصة و عبرة - رثاء و ذكرى (https://www.profvb.com/vb/t131450.html)

بالتوفيق 2013-12-05 19:28

رد: قصة و عبرة - رثاء و ذكرى
 
حلقة 4( البداية في المشاركة 82 صفحة 17)

حدث ما لم يخطر على بال، و لا كان في الحسبان، رغم تسلسل الأحداث و توالي الإشارات، و رغم ما كان يسيطر على أفكارنا من تهيّئات و توَقعات، و ما كنا نراه من إرهاصات و علامات، و ما كان ينتابنا من تخوّفات و تصوّرات. حدث ما كنا نستبعد وُقوعه، معتقدين أن الأمر لا يعدو كونه مجرد سحابة عابرة، سيؤول أمرها إلى التفكك و الزوال، و الإتيان بالغيث و نزول الأمطار، فتغشانا الرحمة و يحل بنا الفرَج، و تحدث انفراجات تعيد إلينا والدتنا، و ترجع بذلك البسمة إلى ثغورنا، و الدفء إلى صدورنا، و الاطمئنان إلى قلوبنا، الأشياء التي افتقدناها منذ طرق أسماعنا خبرُ المرض الخبيث الذي ابتليتْ به رحمها الله، و الذي به انطلقت مرحلة جديدة في حياتنا، و أخذ موضوع مواكبته الصدارة في مسارنا.

بالتوفيق 2013-12-05 19:29

رد: قصة و عبرة - رثاء و ذكرى
 
حلقة 5( البداية في المشاركة 82 صفحة 17)

استحوذ هذا المرض على مشاغلنا و أنسانا أعمالنا، فأصبح شغلنا الشاغل، و موضوع مذاكراتنا الوحيد، و لم نعد نعرف طعما للراحة، و لا نسمح لنفسنا باستراحة، نجدّ و نجتهد، و نخمّن و نخطط، و نفكر و نبرمج، و نسأل و نتصل، و ما تركنا بابا إلا طرقناه، و لا طريقا إلا سلكناه، و لا طبيبا أو مختصا إلا استشرناه، و لا دواءً إلا اقتنيناه، و لا مستحيلا إلا تحدّيناه، و لا تخوُّفا إلا بدّدناه و أبعدناه، و لا أملا إلا تعلقنا به، و لا دعاء إلا ضرعنا إلى الله بواسطته، آملين مؤملين أن يحفظ لنا الوالدة و يرعاها و يشفيها و يبعد عنها ما أصابها من بلاء، و انتابها من عناء، و يجزيها خير الجزاء على ما كانت تقابله به من رضا، و تقبّل و امتثال لقضاء الله و قدَره، و تواجهه به من صبر عز نظيره، و إيمان قلّ مثيله، و مع ذلك، كانت مقاومتها له شديدة، و معنويتها إزاءه مرتفعة، و آمالها في ربها كبيرة غير محدودة، في اجتياز مراحله بسلام، و التغلب على أعراضه دون آلام، و الخروج منها بأقل الأضرار، و العوْدة إلى الزوج المخلص، و الأبناء الأبرار، و الأقارب و الأصدقاء الأخيار.

بالتوفيق 2013-12-05 19:31

رد: قصة و عبرة - رثاء و ذكرى
 
حلقة 6( البداية في المشاركة 82 صفحة 17)

هذا الزوج الذي واكب كل المراحل، بالإضافة إلى الأسى و الألم، و الحسرة و الشفقة، و الدعاء و الرجاء و الترقب، بالكتابات و الرسائل و التدوينات، منذ اللحظات الأولى لاكتشاف هذا المرض العضال، إلى أن قُضي الأمر الذي كنا نتخوّف منه، و نُبعد عن أذهاننا شبحه، و نتمنى و نرجو ابتعاده، و الذي ختم بالحديث عنه كتاباته، فدشن به مرحلة جديدة منها، و أضفى صبغة أخرى عليها، حوّل فيها صيغتها من سرد و وصف و تحليل، و تدقيق في الأحداث و المراحل التي مر منها المرض بكل تفصيل، إلى تأبينٍ و استرجاعٍ للذكريات، و تعبيرٍ عن ما أصاب الفكر و الجسم و الوِجدان من جروح و قروح و تدمّلات، حيث اتخذ حفظه الله، الإشارات الأولى لظهور هذا المرض الخبيث الخطير الذي لا يرحم من أصيب به، ذريعةً للانطلاق في سلسلة كتابات و رسائل و تأليفات، لتدوين ما رافق ذلك من وقائع و أحداث.

كانت سطور كتابات الوالد حفظه الله، تنبض بهاته المشاعر، و تحفل بالمتمنيات، و تزخر بالعواطف و بالدعوات و الابتهالات إلى رب السماوات، أن يحقق الشفاء العاجل الكامل النهائي لها و له، و يشملهما بلطفه و عنايته، و يبقيهما تاجا لهذه الأسرة، و رمزا لوحدتها و ضمانا لائتلافها، و يقي أفرادها مما كان يسيطر على أفكارهم من مخاوف و سوء توقعات. و لم تكن تلك الرسائل لتقف عند هذا الحد، أو تتخذ لها فقط هذا الخط، بل كان منهجها مرافقة كل الأحداث و الأنشطة التي تخللت هاته الفترة، التي امتدت لسنتين بالتمام و الكمال، كما يقال.

بالتوفيق 2013-12-05 19:32

رد: قصة و عبرة - رثاء و ذكرى
 
حلقة 7( البداية في المشاركة 82 صفحة 17)

و هؤلاء الأبناء، الذين ما قصّروا في القيام بما كانت تمليه عليهم ضمائرهم، و يدفعهم إليه إحساسهم بواجبهم، و ما يعكسه لديهم حُبّهم لوالدتهم، و أمهم الرؤوم و صدرهم الحنون، و ما يكنّونه لها رحمها الله من حب و تقدير و تقديس و إكبار، للأدوار التي قامت بها طيلة حياتها، من تربية، و من مجهود جبّار، بذلته من أجل توجيههم الوِجهة الصحيحة، و تربيتهم التربية الحسنة، التي كانت محط تقدير و إعجاب، و صارت مضرب الأمثال، و مواكبة لمختلف مراحل حياتهم و مساراتهم، منذ نعومة الأظفار إلى مرحلة الزواج و الإنجاب، مرورا بمختلف المحطات الدراسية، من ابتدائي و ثانوي إلى الجامعي.

فلم تكن رحمها الله تترك صغيرة أو كبيرة للحظ، بل كانت تشغل بالها و تملأ وقتها و ترهق فكرها و تسهر ليلها إلى حد الأرق، بمشاكلنا و أحوالنا، و تعمل جاهدة كما ذكرت، على التخطيط و التخمين، و بذل فوق ما تستطيعه لإيجاد الحلول و إرضاء الخواطر و إبعاد المنغصات عن حياة فلذات أكبادها

بالتوفيق 2013-12-05 19:34

رد: قصة و عبرة - رثاء و ذكرى
 
حلقة 8( البداية في المشاركة 82 صفحة 17)

و دون أن أتعمد الانتقاص من قيمة ما بذله الإخوان الأعزاء من جهود، و أقدموا عليه من مبادرات، و أسهموا به من إمكانات، يلتمسون من خلالها، البحث عن مخرج لأزمة الوالدة، و شفاء لمرضها، و فرَج لكربتها، أستسمحهم في أن أخص بالذكر و الإشارة، ما قامت به أختنا الوحيدة وشقيقتنا الفريدة، من مجهودات عظيمة و تضحيات جبارة، خلال كل فترة رقدة الوالدة.

حيث كانت في شبه إقامة مستمرة دائمة بغرفة نوم المرحومة، لا تغادرها إلا لتعود إليها بعد دقائق معدودات، مضحية بالغالي و النفيس، و مستهينة براحتها، و غير عابئة بباقي مشاغلها، و تحولت كما أشار إلى ذلك والدنا حفظه الله، إلى ممرضة، و طبيبة. حملت على عاتقها فوق ما يتحمله الإنسان العادي، و كان ذلك يصطدم بما تخلفه لديها كل مرحلة من آلام و حسرة و خدش لعاطفتها، كانت ترى ما لا نرى، وكانت تتحمل ما لا نتحمل حتى سماعه أو ذكره،

كانت الوالدة أمامها في تدهور مستمر و انتكاسة متزايدة مسترسلة، فكانت تكتم ذلك علينا أحيانا، محتفظة به لنفسها دون إشراكنا، تفاديا لإيلامنا، و كانت تهوّن من فظاعته، و أحيانا أخرى كانت تدق ناقوس الخطر، حين تلاحظ أن الأمر اشتد و تعقد و تفاقم. كانت أعزها الله، الحبيبة العزيزة الغالية على أمها، و كاتمة أسرارها، و خزّان آلامها، و المحسة بمعاناتها، و المقدّرة لوَضعها، و المتفهمة لحالها،
فمهما قلنا، و مهما شكرنا، و مهما دعوْنا و تمنينا، لن نفيها حقها، أو نكون منصفين لها، فلا يسعنا إلا أن نوكل ذلك إلى الباري عز و جل، فهو وحده قادر أن ينيلها الأجر الأكبر، والجزاء الأوفى على ما قدمته من تضحيات جسام، و يحفظها و يرعاها و يطيل عمرها، و يبارك لها في عشها السعيد، المكوّن من زوجها العزيز و أبنائها الكرام.


الساعة الآن 04:36

جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd