الرئيسية | الصحيفة | خدمات الإستضافة | مركز الملفات | الحركة الانتقالية | قوانين المنتدى | أعلن لدينا | اتصل بنا |

أفراح بن جدي - 0528861033 voiture d'occasion au Maroc
educpress
للتوصل بجديد الموقع أدخل بريدك الإلكتروني ثم فعل اشتراكك من علبة رسائلك :

فعاليات صيف 2011 على منتديات الأستاذ : مسابقة استوقفتني آية | ورشة : نحو مفهوم أمثل للزواج

العودة   منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد > منتديات الثقافة والآداب والعلوم > منتدى الثقافة والفنون والعلوم الإنسانية > الفلسفة العامة والفكر الإسلامي > علم الفلسلفة


إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 2012-05-26, 19:36 رقم المشاركة : 1
tagnaouite
أستـــــاذ(ة) مــــاسي
 
الصورة الرمزية tagnaouite

 

إحصائية العضو








tagnaouite غير متواجد حالياً


العضو المميز لشهر فبراير

افتراضي كانط والفينمونولوجيا



كانط والفينمونولوجيا



تعد الفلسفة الفنومنولوجية مشروعا نقديا للعقل ، فهي تبدو لدى هوسرل مواصلة للمبادئ الأساسية للفلسفة النّقدية، وذلك بإعادة تأصيلها مسار المنعطف الترنسندنتالي وسعيها إلى حل المسائل الترنسندنتاليّة للفلسفة، ثم باستعادتها المعلنة أحيانا والضمنية أحيانا أخرى، نظريات أساسية كان كانط قد أسس عليها إشكالية الفلسفة. و كانط يبدو من الناحية الفنومنولوجية من المؤسسين الأوائل لأصول الفلسفة بل هو أول من تنبه إلى الترابط العضوي بين شروط التفكير في المسائل الكلية للفلسفة أي المسائل الترنسندنتالية و شروط نقد المعرفة.

كيف يتحدد معنى التأصيل الفنومنولوجي للنظريات الأساسية للفلسفة الترنسندنتالية، ثم كيف يظهر الدور الكانطي في صياغة المشكل الأساسي الذي وجه الفلسفة الفنومنولوجية؟

ولكن أليس لهوسّرل، الأفلاطوني المنشأ، مآخذ على ما يُسميّه بعض الشرّاح “أحكام كانط المُضادّة للأفلاطونيّة” ، وهي مآخذ دعّمتها خاصة التأثيرات التي سُلّطت عليه من قبل مفكّرين مضادّين لمقاصد المثاليّة الألمانيّة عامّة، لعلّ أهمّهم برانتانو ؟

لا شك أن تعايش الأفلاطونيّة والكانطيّة في تفكير هوسّرل يطرح على القارئ صعوبات عديدة، يعود بعضُها أساسا إلى موقف هوسّرل الشّاب المُضادّ أصلا للكانطيّة. إن أهميّة كانط الفلسفية لدى هوسّرل لم تحصل في تقدير البعض، إلاّ بعد تحرّر مؤسس الفنومنولوجيا من الأحكام المُضادّة للمثاليّة الكانطيّة “التي ألهمه إيّاها أستاذه برانتانو” وتخلّيه عن “أفلاطونيّة ستاتكيّة” ظلّت غير مُستجيبة لمطلب تحقيق الفلسفة العلميّة في شكلها الترنسندنتاليّ.

لقد أشار رودولف بُوم(Redolf Boehm إلى تحوّل في فكر هوسّرل منذ 1910 في اتّجاه مصالحة بينه وبين المثاليّة الألمانية، وخاصّة مثالية كانط وفيشته، رغم أنّ تلك المُصالحة لم تمنع استمرار معارضة هوسّرل لما اقترحته رومنطقيّة هيغل مثلا، لكونها تُعدّ حالة من الانحراف عن نموذج الفلسفة الترنسندنتاليّة، وهو ما يمكن أن يبرّره رأي الكاتب عندما يُؤكّد أنّ ميزة ذلك التحوّل تتحدّد بمحاولات هوسّرل “تشخيص الفنومنولوجيا ضمن معنى مثاليّة ترنسندنتاليّة وتكوينيّة، ذات صلة بمفاهيم مثاليّة كانط وأتباعه المحدثين” .

والواقع أن التوجّه الترنسندنتاليّ لدى هوسّرل قد ظهر في بداية مسيرته الفلسفية من خلال ارتباطه بكانط ثمّ بفيشته وببعض الكانطيين الجدد من مدرسة ماربورغ و مدرسة باد من أمثال ناتورب وريكرت، وهو توجه سيتدعم بصورة خاصة في المراحل الأخيرة من حياة هوسرل، إذ يظهر لديه جهدا مركزا لتقديم فهم فينومينولوجي لكانط استنادا إلى وضع فكريّ محدّد وذلك من خلال صلته بأعلام ذكّر بهم في مواضع عديدة من أعماله وخاصّة في نصّ محاضرات “فيينّا وبراغ” التي تُعرف اليوم بعنوان: “أزمة العلوم الأوروبية و الفنومنولوجيا الترنسندنتالية”، إذ يصرّح أن من بين فلاسفة الأزمنة الحديثة ممن اكتسبوا “حظوة و قيمة خاصتين بوصفهم أعلاما على تلك الفلسفة: ديكارت الذي أحدث منعطفا مقارنة بالفلسفات السابقة، وهيوم (…) ثم كانط بعد أن أيقظه هيوم، فهو قد نظّم من جهته مسار ذلك التقدّم الذي تمثّله الفلسفات الترنسندنتالية الألمانية” . و عبارة هوسّرل التي تثبت الفنومنولوجيا “مُلهما سريا للفلسفة الحديثة كلها” تفهم هنا ضمن هذا السياق: فالإلهام هنا يتعلق في جزء كبير منه بحدوس كانط الكبرى التي ستظلّ مجهولة إن لم “ندرك إدراكا تامّا خصائص حقل الفنومنولوجيا المُميّزة ” .


ولكن ما معنى أن ندرك كانط ضمن مبحث فنومنولوجي ؟ إنه يعني فهم كانط بوصفه أهم “الفلاسفة الترنسندنتاليون” الذين فكروا في قضايا ومفاهيم ومناهج حدسيّة حضّرت بمعنى ما أرضية الفنومنولوجيا و “مثاليتها الترنسندنتاليّة”. فالأمر يتعلّق هنا بشكل من التأمّل الاستردادي لتاريخ الشأن الفنومنولوجيّ يجعل من كانط لحظة فنومنولوجية أي لحظة متضمنة لعناصر فنومنولوجية. إننا معنيون بطرح أسئلة هامة هنا: كيف يمكن التعرّف من داخل عناصر الفلسفة الكانطية أي من داخل “ثورة كانط الكوبرنيكية” على المعنى الترنسندنتاليّ للفنومنولوجيا؟ ثمّ كيف يمكن فهم موقع كانط الفنومنولوجيّ تخصيصا على ضوء الأدوار التي أعطاها هوسرل مثلا لأفلاطون و هيوم وديكارت؟


الأهمية الفنومنولوجيّة لثورة كانط الكوبرنيكيّة


لا شك أن كانط يتحدد لدى فنومنولوجيا هوسرل من زوايا عديدة ، ولكن البعد الترنسندنتاليّ أو ما يسميه البعض “الثورة الترنسندنتالية” قد يكون الأهمّ للتعرّف على وجه كانط الفنومنولوجيّ، والتعرّف من ثمّة على فكرة فنومنولوجيا منحدرة من كانط.

نصّ هوسرل حول “كانط وفكرة الفلسفة الترنسندتالية” وهو محاضرة ألـقـاهــا هوسرل في جامعة فريبورغ في غرّة ماي 1924 بمناسبـة المائويّة الثانية لميلاد كانط، يعد من أهمّ النصوص الصريحة في بيان منزلة كانط الآنفة الذكر نظرا إلى مرحلته التي تميّزت بوضوح مقصد هوسّرل المثالي ونضج فكره واستقلاله عن حوافز لا كانطية حملها مذ كان تلميذا لبرانتانو، وإلى ظهور توجّه هوسّرليّ مثاليّ ـ ترنسندنتاليّ حثّه على التواصل مع بعض أقطاب المثالية الألمانية(ريكارت وفيشته) لمواجهة أزمة قيم الوعي ووضاعتها بعد الحرب. فذلك النّص يكشف عن تواصل بين هوسّرل وكانط، ويستبعد مزاعم بعض القراءات التي تذهب إلى أن اهتمام هوسّرل بكانط دحضيّ أكثر من كونه تأويل أو تجذير لفلسفته . ففي ذلك تظهر عظمة كانط بصفته “البادئ الأكبر لظهور الفلسفة الترنسندنتاليّة العلميّة” .

فرغم أن هذا النص قد يبدو للقارئ المتمكن من الفلسفة الكانطية عاما، فإن التقدم في قراءته تكشف لنا أن الفنومنولوجيا الهوسرلية لا تقصد إعادة بعث الكانطية ولا تريد أن تواصل قراءة لكانط كتلك التي يقترحها ممثّلو الكانطية المحدثة. أن نفهم كانط فنومنولوجيا يعني أن ندرك معنى قصده الفلسفي التام، فذلك يعني أن نفهم معنى تفكيره الترنسندنتالي ضمن راديكاليّة فنومنولوجية، وأن نعتبره بادئا للفكر الترنسدنتالي لا متمّما له . فالفنومنولوجي مطالب بأن يتعرّف من داخل فلسفـة كانط على فكرة الفلسفة الترنسندنتالية إبّان بدايتهـا، و أن يجذّر تلك الفكرة ليتعرّف على معنى الفلسفة الدائم، معنى وجّـه كل تطوّر لاحق لمثال الفلسفة العلميّة في الأزمنة الحديـثـة . ولكن عظمة كانط تظل متحددة عند هوسرل بنقديّته، أي بنزعته الراديكالية لإخضاع محاصيل العقل كلّهـا لنقد أساسي تأوّله هوسّرل بشكل إيجابيّ فرأى فيه نقدا جذريّا للمعرفـة، كيف ذلك؟

أ ـ منذ دروس”فكرة الفنومنولوجيا” (1907) بدأ هوسّرل يربط إشكالية الفنومنولوجيا بإشكاليّة كانط. فالفنومنولوجيا قد أضحت مشروع نظرية نقدية للعقل، إنها تسلك مسار طرح شروط إمكان المعرفة، ولذلك فهي تميّز فهمها لها عن الفهم الطبيعيّ، لأنّها تجرّب التفكير ثانية ضمن أفقها الترنسندنتالي . إنّ ضرورة النقد القصوى قد أبانها كانط منذ بداية كتابه نقد العقل المحض (1781)، عندما كشف أنّ النّقد “مبحث في المنهج” ، فبدونه تظلّ الفلسفة الترنسندنتالية مجرّد إمكان، فهو إذن ليس مجرّد مرحلة من مراحلها بل عرض يتم مهمّة مخطّطهـا المعماري ّ أي يستكشف أفق فكرتها التام بصفتها علما . فالنقد منهج أساسيّ للفلسفة.

ويكشف لنا كانط عن أنّ تحقيق منهج النّقد لا يُفضي إلى إظهار حدود العقل فحسب، بل يضعنا قبالة إمكان فلسفي ترنسندنتاليّ كلّي نكون بموجبه قادرين على الإجابة من داخل العقل عن المسائل الأساسيّة كلّها، “فالفلسفة الترنسندنتالية، تمتاز عن سائر المعارف النظرية، بأن لا سؤال يخصّ موضوعا معطى للعقل المحض إلاّ ويجد حلّه في العقل البشري نفسه” .

ب ـ يُوجّه حدوس كانط إذن قصد علميّ، إنّه لا يحاول التفكير في نموذج فلسفة تكون بمثابة رؤية للعالم، بل يُقدّم لنا نموذج فلسفة علمية صارمة ويقترح نقد جذري لمثال العلم الريبيّ والدغمائيّ. إنّه قصد يظهر وجهه الأساسيّ من خلال رغبة كانط في معاودة طرح سؤال إمكان الميتافيزيقا بصفتها علما من خارج وضـع العلــوم القائمة، أي من خارج تصوّرات “إبستيمية” العصر.

ليس المطلوب علم موجود بل “إيجـاد ذلك العلم ذاته” . ولكنّها الميتافيزيقا تحتاج إلى شكل من الفلسفة الأولى تكون شرطا أساسيا لإمكانها، دليلا لها، أي موجّهة لها ومحقّقة لها تحقيقا علميّا .

ج ـ إنّ نقد العقل المحض أحدث منعطفا في مسـتـوى المنهـج. فهـو قد مثّل تحوّلا نوعـيّــا من منهج يستمدّ تبريره وبراهينه من علوم الطبيعة ومعارفها الموضوعية إلى منهج ترنسندنتالي يسائل تلك المعارف عن شروط إمكانها القبلي والترنسندنتالي . ولكن أن نسأل المعرفة و العالم ترنسندنتاليا فذلك إنّما يفترض تحوّلا في فهم طبيعة المعرفة وفي بنية علاقة تفكيرنا بالأشياء . ولذلك فليس ما يستهدفه السؤال الترنسندنتالي بكامله سوى النّظر مجدّدا في موقع علاقتنا بصفتنا كائنات مفكرة في العالم ، فهو سؤال قد شدّ تفكير هوسرل به، لأنّه يحمل في ذاته ثورة في الفكر الفلسفي سبق لكانط أن خصّها “بالكوبرنيكيّة” .

فتلك الثورة تكشف عن نظرة كانط الثاقبة، فقد أبانت عن سمة إنسانية ودائمة لتفلسفه وجعلته يتخطّى حدود عصره ونزلته منزلة المفكر المثاليّ الموجّه للإنسانية عامة. وعلى الرغم من أن كانط لم يفلح حسب هوسّرل في الكشف عن مضمونها الفنومنولوجيّ المكتمل ، فإنه قد وجّه النظر إلى واجب الفيلسوف الأوّل للكشف عن قدرته المشرّعة، ونبّه إلى ضرورة تجريب التفكير في موقع إنسانيّ لم يكن يألفه من قبل، وذلك باقتراح فرض يقضي بأنّ على موضوعات العالم “أن تنتظم وفقا لمعرفتنا” بعد أن ظلّ الاعتقاد زمنا طويلا، بأن معرفتنا كلّها ينبغي “أن تنتظم وفقا لتلك الموضوعات” .

إنّ التماثل بين الموضوع والذات أو بين نظام الأفكار ونظام الأشياء لا يحصل استنادا إلى غائيّة تيولوجية تضمنه (ديكارت) أو تنسّقه (ليبنيتز) ، فإن الطبيعة تتفق و ملكة فهمنا استنادا إلى مبدإ خضوع موضوعاتها الضروري للذات. إنّ العقل أضحى تبعا لمثالية كانط الترنسندنتالية مشرّعا للطبيعة. كما أن الكائن العاقل قد استعاد قدرة ذاتية على التفكير والتشريع بعد أن كانت تلك القدرة تتعدّل على فكرة الطبيعة أو فكرة الخالق. إننا أسياد الطبيعة ومالكوها لا لأنّنا قادرون على التفكير والسموّ على الطّبيعة، بل لأنّ لنا القدرة على التشريع، ولذلك يُلاحظ جيل دولوز بحقّ أن الثورة الكوبرنيكية مثّلت ” قلبا لمفهوم الحكمة القديم”، فإذا كان الحكيم القديم يُحدّ بتناغمه الغائيّ مع الفيزيس فإن كانط يبدل صورة تلك الحكمة بصورة نقدية: إننا كائنات عاقلة تشرّع للطبيعة .

إن إثبات تشريع العقل للمعنى وللمعرفة يمثّل دحضا فلسفيا دائما للدّغمائيّة والنزعة الموضوعية الساذجة. فذلك الدّحض مثّل مقدمة ضرورية لكلّ مثالية حقيقية ولاسيما في عصر عاودت فيه قيم الطبيعيّـة سيـادة العقـل وقيــادة المعـرفـة والتفكير معا .

ولسبب مثل هذا يبرز انتصار هوسّرل لكانط على أنّه بحث عن حوافز فلسفية تثبت مسار الفلسفة العلمية وتخلّص التفكير والعصر معا من حوافز التفكير الطبيعي. ولذلك فإنّ المقصد العام من استخدام هوسّرل لكانط هو مقصده نفسه من وراء العودة إلى أفلاطون أي إقصاء قيم ريبيّة العصر التي استفحلت في كلّ المجالات حتى أضحى العصر بدوره ريبيّا.


النّقد الفنومنولوجيّ لفكرة الشيء في ذاته


لقد بات من الممكن القول أنّ مُواصلة كانط تقتضي الاعتراف بجواز ما للمثالية الهوسّرلية ضمن ترنسندنتالية كانط، ذلك ما قد يقضي حسب بعض الشرّاح، بضرورة الإقرار بفنومنولوجيا ضمنية خلف إيبستيمولوجيا كانط يعود إلى هوسرل فضل إظهارها ، ولكن مثل ذلك الإقرار بات مشروطا بدوره بوجود تأويل فنومنولوجيّ لمقصد كانط، نفهمه مثلا من تـأكيدات هوسّرل على ضرورة فهم كانط “بعقل جديد” ، وتخليص ترنسندنتاليته من أحكام عصره المسبقة ومن فرضيّــات تفلسفه اللاترنسندنتالية. فلعلّ المطلوب من ذلك كلّـه هـو تطهير فنومنولوجيّ للنّقد الكانطيّ من “عناصره الميتافيزيقية بالمعنى التقليدي للكلمة” ، وهي عنـاصـر حوصلها هوسرل في ثلاث أو أربع مسائل من أهمّها: نظرية الشيء في ذاته ومفهـوم الوعي عامة أو مفهوم الإدراك الترنسندنتالي. إنّها مسائل “تتعارض جذريا مع الترنسندنتالية الفنومنولوجية، و بناء على ذلك فهي تتعارض مع المعنى الدفين والمشروع لترنسندنتالية كانط” .

1 ـ إن مشروعا أنثروبولوجيا يمثّل حسب هوسرل، حدّا سلبيّا لإمكان تأسيس الفلسفة الترنسندنتالية تأسيسا علميا كليّا، لأن رد المعرفة إلى موجود بشري متناه يعبّر عن ترنسندنتالية فاسدة، وجهها الأوّل حدّ المعرفة تحديدا لامشروعا، وثانيهما تأسيس المعرفة على معطيات نفسية لاتفضي إلاّ إلى نفي امتداد المعرفة امتدادا ترنسندنتاليا. ذلك يعني أنّ ما عدّه كانط حلاّ لمشكل الترنسندنتالية فهمه هوسرل في معنى عائقها، كيف ذلك؟

إن حـلاّ أنثروبولوجيّا مثل الذي اقترحه كانط يتأسّس على إثبات تعال مطلق لا تبلغه المعرفة، أي تعال لا يُردّ إلى إدراكاتنا، فلأنّه إذا رُدّ إليها يوقعها في تناقض لامفرّ منه، فقد قدّر على معارفنا أن تُبقيه على أنّه ما لا يمكن مُعرفته. إنّ “حساسيّتنا الترنسندتاليّة” قد تخبر عنه و لكنها لا تحدّه . إنها قد تمتد إليه “امتدادا احتماليّا” ولكنها مع ذلك لا تدركه إدراكا حدسيا. وقد يُحـدّ ذلك التعالي سلبيّا فهو ما لا يمكن حدسه ، وقد يتعين إيجابيا فهو ما يمكن أن يظهر ضمن حدس ذهني . ولعلّ أدق تحديد يقدمه كانط لذلك التعالي هو نعته بما يبقى خارج نظام الظواهر وما يحدّها، فهو “النومينا أو الشيء في ذاته” .

إن مهمة “الشيء في ذاته” وضرورته تكمنان في حدّ المعرفة بالحدس الحسي لرفع إمكانية المحتمل والمتناقض فيها. فسنضطرّ حسب كانط أن نحدّ معرفتنا حدّا أمبيريّا بناءا على أن كلّ استعمال لمفاهيم المعرفة ينبغي ألاّ يكون استعمالا ترنسندنتاليا بل أمبيريا . ولذلك فإنّ الفيلسوف المثاليّ الكانطيّ “واقعيّ أمبيريّ” ، إنّه لا يعدّ الوجود مستنتجا بل مدركا، فمثاليّة كانط الترنسندنتاليّة تُؤكّد مسارا لا يُفهم منه سوى معارضتها ردّ الوجود إلى الوعي، لأنّ واقعيتها تقتضي إثبات تواجد الوعي والأشياء جنبا إلى جنب، مادامت “الأشياء الخارجيّة كما يقول كانط، توجد تماما مثلما أوجد أنا” .

لكنّ تلك المثاليّة تنقاد أيضا إلى نزعة ظواهريّة(Phénoménisme) لأنّها تُؤسّس المعرفة في حدود واقعيّة ظواهر حدس حسّي ، فهي لذلك لا يمكن أن تستجيب إلى مطلب فلسفة علميّة كليّة، ثمّ إنّها لا يُمكن أن تُدرك المعنى الترنسندنتاليّ لما يظهر فينا لعدم ممارستها منهج الرّد الفنومنولوجيّ الذي يكون بمقتضاه ما يظهر فينا وما يوجد خارجنا وجهين لحقيقة واحدة: أي الأشياء ذاتها.

إنّ فكرة الشيء في ذاته لا تضع مثاليّة كانط قبالة وهم لا مشروع فحسب، بل إزاء تناقض حقيقيّ بين مقصد “ثورة كوبرنيكيّة” تُثبت قدرة العقل المطلقة على التشريع وإخضاع الأشياء إلى المعرفة وادّعاء لامشروع يحدّ العقل سلبيّا بفكرة

شيء يُقال ولايُعرف، يكون مسلّمة لذلك العقل مع أنّه ليس قادرا على إدراكها. ولذلك يتخلّى هوسّرل نهائيا عن فكرة الشيء في ذاته، فهي بمثابة اللاّمعنى في الفنومنولوجيا ، لأنّ كلّ عالم هو حسب هوسرل من تقـويم ذاتيّة ترنسندنتالية، أو هو تكوين دلاليّ أو معنويّ لتلك الذّاتيّة. وعليه فإنّ كلّ تعال مُطلق لن ينبع من محدوديتها بل من تصور ساذج لطبيعتها، تصوّرا تعدّه الفنومنولوجيا ذهـولا عن حقـيقة الوعي ونمطا من أنماط تطبيعه .

2- إنّ إحدى أهمّ الأفكار التي نبّهت إليها مثاليّة كانط ولم تستكشف حدودها الفينومينولوجيّة القصوى هي فكرة الحدس على أنّها نمط أساسيّ للإدراك والمعرفة. وقد يكون تحديد هوسّرل لقصور مثاليّة كانط قد قام على استبيان قصور تحاليلها “للإستطيقا الترنسندنتالية” ببيان سعة الحدس الممكنة. فليس للتمييز بين حدس بشري مشتق (Intuitus Dérivituis)وحدس أصلي لكائن أعلى قيمة ترنسندنتالية(Intuitus origenarus)، إذا كان مطلوبه تحديد إمكانيات امتدادات الحدس الأول، لأنه حدس بوسعه أن يمتد امتدادا فكريا أو أيدوسيا و لذلك فإذا أمكن تصور حدس كائن أعلى قادر على تلقي الأشياء في ذاتها فسيكون شأنه شأن حدسنا عقليا .

فهوسرل ينظر بإيجابية تامة للتغييرات التي أحدثتها المثالية الألمانية للحدس من مجرد حدس حسي مثلا إلى حدس عقلي ( فيشته وشيلينغ ) أو “حدس ترنسندنتالي” . وإحدى التغييرات التي انتهت إليها الفنومنولوجيا للحدس هو إثبات وجها ماهويا وأيدوسيّا. فهوسّرل لا يحصر الحدس عند دور التلقيّ لمظاهر أو لظواهر لا تصل إلى مرتبة الشيء في ذاته. إنّ الحدس عنده “حدس مانـح أصلي” ، فهو موطن عطاء الأشياء ذاتها، وهو ما يناسب ” تجربة الشيء ذاته وحضور الأشياء المعاينة ذاتها لدى النظـر” . إنّ تأويل ما يُعطى بالحدس على أنّه دون مرتبة الشيء ذاته ليس إلاّ نقيصة نزعة عالميّة لم تُحصّل بعدُ المعنى الأساسيّ لفكرة الحدس، ولم تدرك بعدُ عطاء الشيء ذاته طبقا لبداهة ذلك الحدس، ولم تُحصّل أيضا منهج ذلك كلّه أي منهج الردّ الأيدوسيّ بما هو أسلوب تحقّقّ نظريّات الفنومنولوجيا الترنسندنتاليّة الأساسي ّ.

إنّ مثالية هوسّرل الترنسندنتالية تنطلق من هذا الإخصاب الفلسفي لفكرة الحدس. فهي تعده حدسا أيدوسيا تمثُـل لنـا فـيـه البداهةُ والتي هي ليست سوى حضور الأشياء ذاتها في وعينا. إنّ الحدس منطلق تلك المثالية العلمي، من حيث هو يضمن تأسسها على معطيات ومسائل أصلية، ويبرّر مقصدها ويكشف أن كلّ ما يعطى ضمنه يتلقّى معناه استنادا إلى شعاع الوعي .

3 ـ لقد كانت بنائية(Constructivisme) كانط التي أقامت الذات مقام الموحد لمعطيات أمبيرية أي كقدرة تأليفية عجيبة، سببا أساسيا لتمييزه بين الفنومينا والنومينا. لكنّ تلك البنائية قد أبقت توتّرا ميتافيزيقيّا بين الترنسندنتالية والحدسية أو بين القبلي والبعدي. إنّ كانط لم يكشف عن سعة القبلي، ولذلك فهو لم يُوضّح طبيعته الأيدوسيّة، أي كيفيّة تحوّله إلى قبليّ شيء فردي ّ. إنّ القبليّ ظلّ عند كانط صوريّا، ولذلك فإن فهمه لمعنى الترنسندنتالي ظلّ بالمثل فهما صوريا، إنه لم يعيّنه بصفته حقيقة فعلية، بل حدّده على أنّه شرط صوريّ، أي نمط من التفكير النقدي يُعنى بـ”المعرفة التي تهتم بمفاهيمنا القبلية للموضوعات أكثر من اهتمامها بتلك الموضوعات ذاتها” .

والملاحظ هنا أنّ كانط قد يُلام فنومنولوجيّا لكونه لم يبدأ بدءا نقديا أو حدسيّـا للبحث في شروط العلم بإطلاق، بل بدأ تسليميا بعلوم قـائمة أسّـسها العصر في الغالب على إجراءات موضوعية طبيعيّة لـ “يستخلص شروطها ترنسندنتاليا” كما هي. فهو إذن قد باشر مهمة النقد دغمائيّا بإثبات علوم عدّها معارف بلغت “دروب الملكية” أو “دروب العلم الآمنة” .

ذلك ما قد يفسر تأكيد هوسرل أن نظريات كانط ما زالت عند حدود مسلمات نزعة عصره النفسية ، فهي تشتغل في حيّز إبستيمولوجيّ منصهر بمعنى ما في مبدإ علوم العصر وخاصّة العلم النيوتني، رغم أن كانط كشف عن عدم صلاحيّة تلك العلوم لاستيعاب مشكل الميتافيزيقا.

4 ـ على الفلسفة الترنسندنتالية حسب هوسرل، أن لا تبدأ بأيّ علم قائم ولا بأيّ مثال معطى له . فتلك الفلسفة يمكنها أن تتخذ نموذج العلم، لكن عليها أن تسلك طريقا غير الطريق الذي رسمه لها كانط، فهي تبدأ بتبديل جذري للنظر، وهو يشبه إلى حد بعيد تبديل ديكارت لمقصد التفلسف حينما لم يقبل أيّ علم قائم مهما كانت صلاحياته . إنّ معطيات الفلسفة الترنسندنتاليّة هي تجارب ساذجة، ولكنّها تجارب ضروريّة لتأسيس حقيقة العلم ذاته، إذ ليس مطلب العلم سوى كشف بنية تجاربنا السّاذجة الترنسندنتالية، أي ذاتيتنا الترنسندنتاليّة التي تظلّ خافية أثناء اشتغال تفكيرنا بصورة سّاذجة.

إنّ كوجيطو الفلسفة الترنسندنتالية عند هوسرل ليس مجرّد قضيّة منطقيّة، بل هو يتأسّس على وجود ذات فعليّة وبديهيّة . إنّه ذو طبيعة حدسيّة لا يمكن أن تختزل بنيته إلى مجرّد شرط صوريّ للمعرفة، أو تحدّد دوره بنشاط تأليفيّ منطقيّ، أي بفـن الحكم . فالذات الترنسندنتالية باتت حسب هوسّرل مكوّنة لأُنطولوجيا خاصّة أي متضمّنة لـ”منطقة وجود”، ولذلك فهي لا تقوّم العالم منطقيّا، أي من جهة صدقه أو لاصدقه، بل هي تقوّم وجوده الفعلي، بما أنها تقوّم معنى وجوده الأصلي ّ. فإننا لا ندرك الوجود إلاّ لأنّنا نُدرك ما به يُعطى، أي ما به يكون ذلك الوجود معنى لنا. فأن نعرف ترنسندنتاليا هو أن نحدس “الأنا أفكر”، فنحدس ضمنه حقيقة عالمنا الفعلّي أي عالم الحياة أو عالم معيش الوعي.

-م . عن الحداثة لمحسن الزارعي-







: منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد https://www.profvb.com/vb/showthread.php?p=563411
التوقيع

محمد الزاكي ( tagnaouite)

    رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are معطلة


مــــواقـــع صـــديــقــة مــــواقـــع مـــهــــمــــة خـــدمـــــات مـــهـــمـــة
إديــكـبـريــس تربويات
منتديات نوادي صحيفة الشرق التربوي
منتديات ملتقى الأجيال منتديات كاري كوم
مجلة المدرس شبكة مدارس المغرب
كراسات تربوية منتديات دفاتر حرة
وزارة التربية الوطنية مصلحة الموارد البشرية
المجلس الأعلى للتعليم الأقسام التحضيرية للمدارس العليا
مؤسسة محمد السادس لأسرة التعليم التضامن الجامعي المغربي
الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي التعاضدية العامة للتربية الوطنية
اطلع على وضعيتك الإدارية
احسب راتبك الشهري
احسب راتبك التقاعدي
وضعية ملفاتك لدى CNOPS
اطلع على نتائج الحركة الإنتقالية

منتديات الأستاذ

الساعة الآن 09:27 لوحة المفاتيح العربية Profvb en Alexa Profvb en Twitter Profvb en FaceBook xhtml validator css validator

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML
جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd