مشتاق غالب
حلاقو بغداد بين الامس واليوم

ما زالت الذاكرة العراقية تعج بمهن قديمة مازالت مستمرة واخرى قد عثت عليها الزمن ومن هذه المهن التي تطورت عما كانت عليه في السابق مهنة الحلاقة ,فالحلاق أيام زمان كان يقوم بمهام أخرى غير مهنة الأساسية، حيث قام بختان الأطفال وقلع الأسنان ومعالجة المرضى بالأعشاب.

أما مزيِّن اليوم فقد أصبح مختصاً بمهنته فقط كل العراق تجولت في ازقة بغداد القديمة على الرغم من الاوضاع الأمنية الصعبة الا اننا استطعنا محاورة بعض اصحاب هذه المهنة وزباءنها فكانت الحصيلة التالية: يقول سعدون الرصافي "حلاق قديم في بغداد": عرفت مهنة الحلاقة عن طريق والدي الذي كان حلاقا جوالا، حيث كان يحمل حقيبة الحلاقة وهي عبارة عن "ماكنة، مقص، شرشف، صفيحة سمن فارغة يجلس عليها الزبائن" وكان يزدهر عمله في بداية السنة الدراسية والأيام التي تسبق عيدي الفطر والأضحى، أما الأسعار التي يتقاضاها فهي لا تقل عن عشرة فلوس ولا تزيد على خمسين فلساً للشخص الواحد، وكانت المبالغ التي يحصل عليها وبرغم بساطتها تعد جيدة وأسهمت بمعيشتنا بشكل جيد وبعد ذلك أخذ محلاً للحلاقة وقام بتعليمنا المهنة. ويضيف: حلاق الأمس كان يمارس مهناً أخرى مع مهنته الأساسية، فهو في فصل الصيف يقوم بعمليات ختان الأطفال، فضلا عن استعداده لقلع الأسنان ومداواة الجروح وإعطائه علاجات كيماوية أو عشبية للمرضى، والغريب أن مرضى ذلك الزمان كانوا يتعاملون مع الحلاق وكأنه طبيب مختص. بل إن أية مضاعفات مرضية لا تحدث للمريض، حيث كان الحلاق في الأحياء الشعبية والقرى والأرياف بمثابة الرجل المنقذ لكل مشكلة طبية تصيب أي شخص في هذه المناطق، فضلاً عن ذلك أنه يحظى بمحبة واحترام وتقدير الجميع وله شعبية واسعة جداً. وأكد أن أصحاب محلات الحلاقة في بغداد كانوا يقومون بوضع صور بالأسود والأبيض لنجوم الغناء العراقي والعربي أمثال محمد القبانجي وناظم الغزالي ومحمد عبد الوهاب وأم كلثوم وغيرهم، أما أحاديثهم فكانت تتراوح بين الأمور السياسية والقضايا العشائرية حيث كان العرف له نفوذ قوي في نفوس الناس. أما بخصوص قَصّات الشعر التي كانت سائدة آنذاك فيقول: كانت "القصات" حسب عمر الزبون، فالأطفال يحرصون على حلاقة كان يطلق عليها اسم "الطاسة" أي بمعنى آخر يقوم الحلاق بوضع "طاسة" صغيرة وهي إناء لشرب الماء كان سائدا في المجتمع العراقي آنذاك على رأس الطفل ومن ثم يقوم بحلاقة الشعر الخارج عن هذه "الطاسة" أما بقية الأعمار فكانت حلاقتهم تتم بشكل طبيعي، بحيث لم تكن الموضات الحالية الموجودة في أوروبا وأمريكا تصل إلى البلد بالسرعة التي تصل إليها الآن. ( الحلاقة الحديثة) :بعد أن تحدثنا عن حلاقة الأمس وما فيها من طرائف نادرة ذهبنا إلى محلات الحلاقة الموجودة الآن، حيث التقينا مع احمد جاسم "صاحب محل حلاقة في بغداد": إن حلاقي اليوم يختلفون كثيرا عن الأمس، فحلاق الأمس كان يعمل بأدوات بسيطة ويدفع إيجار سهل جدا إذا كان لديه محلا خاصا للحلاقة، إذ إن أغلب الحلاقين كانوا جوالين. فالحلاق اليوم يكون سعر محله لا يقل عن خمسة ملايين دينار عراقي على أقل تقدير، ويقوم حلاقو اليوم بالحلاقة للزبائن حسب رغباتهم، إذ توجد لدينا صور لموضوعات عديدة، حيث بإمكان الزبون أن يختار التسريحة التي تناسبه دون أي إحراج. ويضيف: وجود الفضائيات والانترنت جعل الزبائن يغيرون تسريحتهم بين حلاقة وأخرى، فيأتي زبون يطلب تسريحة المطرب كاظم الساهر بالأغنية الفلانية وآخر يريد تسريحة راغب علامة أو عمرو دياب، لكن إقبال الشباب بكثرة على تسريحة معينة يتم أثناء أو بعد بطولات أمم أوروبا وكأس العالم، حيث يقوم الشباب بتقليد قصات شعر نجوم الكرة أمثال رونالدو وبيكهام ولويس فيجو وغيرهم. (استهداف وقتل الحلاقين) : ويقول حيدر ماجد "صاحب محل حلاقة": عملية استهداف وقتل الحلاقين التي سادت في الشارع العراقي في العام الماضي أدت إلى مقتل الكثير من الحلاقين أو ابتعادهم عن هذه المهنة، وبعد عمليات التهجير القسري التي حدثت في الشارع العراقي اضطر الكثير منهم إلى مغادرة بغداد إلى محافظات أخرى أو إلى دول الجوار، حيث بدأوا بممارسة مهنتهم هناك. وأضاف إن أجور الحلاقة التي يتقاضاها الحلاقون من زبائنهم تختلف من مكان إلى آخر، حيث يلعب الموقع الجغرافي دوره في تحديد هذه الأجور، فحلاقة كاملة لشخص ما "وجه، ذقن، خيط" تتراوح بين 2-3 آلاف دينار عراقي في المناطق الشعبية، أما في المناطق الراقية فلا تقل عن خمسة آلاف دينار ولا تزيد على عشرة آلاف دينار، وقصات الشعر تختلف من زبون إلى آخر ، فهناك زبائن من الشباب يحاولون للأسف تقليد المجتمع الغربي في حلاقتهم ونحن مجبورون على تنفيذ رغباتهم، في حين نجد آخرون يحاولون تقليد موضة المطربين واللاعبين. بينما نجد فئة أخرى تحرص على التقاليد العراقية والعربية وتقوم بحلاقة شعرها بشكل طبيعي جدا. وأكد أن الأيام التي يكون الوضع السياسي فيها متأزماً تشهد محلات الحلاقة إقبالاً كبيراً من الزبائن عليها لأنهم يخشون حدوث هجرة إجبارية أو حظر للتجوال لمدة طويلة، حيث يطلبون منا الحلاقة لهم نمرة "صفر". وكان هذا النوع من الحلاقة في زمن النظام السابق غير مقبول، لأن الذي يخرج للشارع وحلاقة شعره نمرة "صفر" يبيّن للجميع أنه تعرض للعقوبة من قبل وحدته العسكرية، أما الآن فإن هذا النوع من الحلاقة أصبح موديلا مرغوبا لدى الشباب والكبار على حد سواء، الأمر الذي يرفع مسألة الإحراج. (مهنة الطرائف) ولكل مهنة طرائفها، لذلك حاولنا معرفة بعض الطرائف التي حدثت للحلاقين أثناء عملهم فيها، حيث يقول الحلاق حسن محمد: كنت ذات يوم أقوم بالحلاقة لشاب، إذ طلب مني أن أقوم بقص شعره بين سطر وسطر وبشكل أفقي، أي بمعنى أن أقوم بحلاقة جزء من شعره نمرة "صفر" وأترك الآخر، وحاولت إقناعه بأن هذه الموضة غير مقبولة في مجتمعنا، لكنه أصر على أن أقوم بحلاقته حسب ما يرغب، فما كان مني ألا أن نفذت طلبه، وعندما أكملت الحلاقة ضحك عليه جميع من كان في المحل، لكنه لم يأبه بذلك أو يخجل وقال: "أنا أول من اخترع هذه التسريحة" ثم وجه كلامه لي قائلا: "سترى كيف ستنتشر هذه التسريحة بين الشباب وستجد هؤلاء يقفون على باب محلك من أجل الحلاقة لهم بهذا الشكل". لكنه بعد ساعات عاد لي ووجهه أزرق من كثرة الكدمات التي تعرض لها وطلب مني الحلاقة له نمرة "صفر"، لأن والده وإخوته أجبروه على إلغاء هذه التسريحة الغريبة التي لا تتناسب مع أعرافهم وتقاليدهم.

شكرا لك اخي الفاضل
على ماتفضلت بانتقائه وتقديمه لنا
تحيتي