ثالثا : التربية بالقصة



القصة في القرآن الكريم:


استخدم القرآن الكريم القصة لجميع أنواع التربية والتوجيه التي اشتمل عليها منهجه التربوي ، لا سيما في أخبار الرسل عليهم السلام مع أقوامهم ، وقد منّ الله عز وجل على رسولهصلى الله عليه وسلمr بأنه قص عليه أحسن القصص ونزل عليه أحسن الحديث ، قال تعالى : " نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن."(يوسف 3) وقال تعالى :" وكلاً نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك "(هود 120).
بل إن القرآن الكريم قد اِشتمل على سورة كاملة تسمى سورة القصص تحدثت عن قصة موسى عليه السلام ، والحقيقة أن القصة أخذت دورا كبيرا هاما ومساحة واسعة في القرآن الكريم حتى لا تكاد تخلو سورة من السور من القصة أو الإشارة إلى قصة .
ونظرا لدور القصة الفعال في التربية تجد الناس يحبونها ويستمتعون بسماعها ، وفي ذلك يقول الشيخ الغزالي – رحمه الله — :" إنّ العامة يكرهون البحث العلمي والدقة الفقهية وتعجبهم الأقاصيص."([1])
ويمكن تلخيص أهم أهداف القصة القرآنية بما يلي :
‌أ. بيان وحدة الرسالات السماوية من حيث مصدرها وأهدافها وغاياتها .
‌ب. تثبيت رسول الله صلى الله عليه وسلم r والمؤمنين وتسليتهم .
‌ج. الدعوة إلى الخير والعمل الصالح وبيان نتائج ذلك .
‌د. التحذير من الشيطان ووسائله في غواية الإنسان والإيقاع به .



القصة في الحديث النبوي



استخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم القصة في أحاديثه الشريفة كثيرا ، فقص على صحابته رضي الله عنهم الكثير من القصص ، فقص عليهم قصة الثلاثة الذين دخلوا الغار ولم يستطيعوا الخروج منه ، وقصة أصحاب الأخدود وقص عليهم الكثير من قصص الأقوام السابقين ، مثل قصة الرجل الذي قتل مائة نفس ثم أراد التوبة ، عن أبي سعيد الخدري ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال: (( كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسا، فسأل عن أعلم أهل الأرض، فدل على راهب فأتاه، فقال: إنه قتل تسعة وتسعين نفسا، فهل له م توبة؟ قال: لا. فقتله وكمل به مئة، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض، فدل على رجل فقال: إنه قتل مئة، فهل له من توبة؟ قال: نعم، من يحول بينك وبين التوبة؟ ائت أرض كذا وكذا، فإن بها ناساً يعبدون الله فاعبد الله ولا ترجع إلى أرضك، فإنها أرض سوء، فانطلق حتى إذا انتصف الطريق، أتاه الموت، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة، وملائكة العذاب، فقالت ملائكة الرحمة: جاءنا تائباً مقبلا بقلبه إلى الله جل وعلا، وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيراً قط، فأتاه ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم، فقال: قيسوا ما بين الأرضين: أيهما كان أقرب، فهي له، فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد، فقبضته بها ملائكة الرحمة)) .([2])
إن القصص التي قصها رسول الله صلى لله عليه وسلم لها نفس المنطلق القرآني الذي جاء يربي المسلمين على الخير والفضيلة ، فكل قصة فيها من المعاني والدروس والعبر ما يجعلها درسا تربويا مؤثرا في السامع لاسيما وأن قارئ القصة أو سامعها لا يملك إلا أن يدس نفسه في مسرح الأحداث ويتخيل أنه كان في هذا الموقف أو ذاك ويروح يوازن بينه وبين أبطال القصة فيوافق وينكر أو يستنكر أو يتملكه الإعجاب .
شروط استخدام القصة في التربية:
حتى تحقق القصة الأمور والأهداف التربوية المقصودة وتكون وسيلة من وسائل التربية الإسلامية لا بد أن تكون مشوقة ومناسبة ، دافعة للخير ومنفرة من الشر والرذيلة ، تركز على النواحي التربوية
،وتعرض بالأسلوب المناسب لمستوى المتعلمين .


1. محمد الغزالي ، كتاب مع الله ، ص ( 236)

2. صحيح مسلم بشرح النووي ، مرجع سابق ، ج9ص(95)كتاب التوبة حديث رقم 2766/ صحيح البخاري ، مرجع سابق ، ج6/3470