2011-04-15, 18:43
|
رقم المشاركة : 113 |
إحصائية
العضو | | | رد: ورشة عمل مجموعة الهمــــــــة الاستاذية | التربية والفاعلية وسلم الحاجات الإنسانية هناك علاقة متلازمة وطردية بين تلبية الحاجات الفطرية في الإنسان وبين تفجير طاقاته في العمل ورفع درجة فاعليته في الإنجاز والإبداع. وأي تعطيل لأي منها يعطل الفاعلية. وقد أولى علم النفس ظاهرة الحاجات الإنسانية عنايته، وتناولها في علوم السياسة والإدارة والتربية بالتطبيق، ومن المصادر المعتمدة في هذا المجال نظرية سلم الحاجات عند أبراهام ماسلو التي تقول بتفرد الإنسان وترفض المقررات التي تسوي بينه وبين الحيوان. تقوم النظرية على أساس أن للإنسان دوافع أو حاجات كثيرة تتزاحم لتوجيه سلوكه وتتخذ أوضاعاً تقوى وتضعف بحسب العوامل الخارجية المؤثرة به. فيصنف ماسلو حاجات الإنسان في مجموعات رئيسية وهي : -الحاجات الفسيولوجية . -حاجات الأمن . -حاجات الانتماء. -حاجات التقدير. -حاجات تحقيق الذات. وأما ترتيب هذه الحاجات فإنه يتم على خمسة أشكال الآتي : الشكل الأول : تكون فيه الحاجات الفسيولوجية في أعلى السلم، حيث تكوّن حاجات الإنسان الضرورية لحياته كالحاجة إلى الطعام والشراب ... الخ وما لم تؤمن هذه الاحتياجات تبقى كل نشاطات الإنسان تتمحور حول إشباع هذه الحاجات. الشكل الثاني : تكون فيها الحاجة إلى الأمن أعلى الدرجات حيث تكون الحاجات الفسيولوجية أُشبعت فهنا تسطير الحاجة إلى الأمن، فهي تعبر عن التحرر من الخوف أو الإيذاء الجسدي أو الحرمان من العمل أو الوظيفة أو ما شابه. الشكل الثالث : عندما تتحقق الحاجات الفسيولوجية والحاجة إلى الأمن تبرز الحاجة إلى الانتماء والتقبل لدى الجماعة وإقامة العلاقات الاجتماعية . الشكل الرابع : عندما تُشبع حاجة الانتماء تبرز الحاجة إلى التقدير ويتعلق بها دافعان : المكانة بين الناس فإما أن تكون بالنسب أو بالمال، والقوة وهي كذلك إما أن تكون مادية أو تكون شخصية . الشكل الخامس : عندنا تُشبع الحاجة إلى التقدير، يبدأ الفرد في التطلع إلى ما يثبت به ذاته وهي أقوى دوافع السلوك وتتمركز في قمة سلم الحاجات. وهذه الحاجة تستدعي من الفرد مضاعفة الإنتاج وبلوغ أقصى ما يستطيعه من الإبداع. وليس من الضروري- حسب رأي ماسلو – أن تعمل الحاجات طبقاً لهذا النسق، وليس من الضروري أن تنطبق هذه الحاجات على كل البشر، ولكنها النموذج الغالب. وضرب مثالاً لأناس قدموا على الحاجات الفسيولوجية أشياء أخرى ، كـ غاندي الذي ضحى بحاجاته الفسيولوجية والأمن ليشبع حاجات أخرى . والناظر يجد أن الله تعالى يقرر مبدأ سلم الحاجات ويجعله مبدأً أصيلاً في الرسالات الإلهية التي يتحدث عنها القرآن، ويبدو ذلك واضحاً في الآيات قال تعالى {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هََذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} (126) سورة البقرة . فالله تعالى لم يقصر توفير الحاجات الإنسانية على جنس معين، أو أتباع عقيدة معينة، بل جعلها حقاً مقرراً لكل البشرية. وعلى ذلك لا يجوز الضغط على الناس والعبث بحاجاتهم الأساسية بسبب الاختلاف في المعتقد أو السلوك أو الآراء. العبث بالحاجات الإنسانية وتوقف فاعلية المسلم المعاصر يعترف الكثير من خبراء السياسة والمختصين في التربية على أن سلم ماسلو تطبق في كل مجتمعات العالم . أما في مجتمعات العالم الثالث ومنه غالبية المجتمعات العربية والإسلامية فقد جرى تطبيق سلم ماسلو بالعكس أدى إلى تدمير فاعلية الإنسان في هذه المجتمعات . فالغالبية العظمي تدور حياتهم على تأمين حاجاتهم الفسيولوجية مما جعل ارتقاءهم إلى تحقيق الذات أمراً مستحيلاً. واستخدموا لذلك أدوات كثيرة منها عن طريق إهدار الموارد الطبيعية في الانقلابات العسكرية والخصومات الإقليمية ، وهدّموا الحاجة إلى الأمن من خلال إشاعة سوء العلاقات بين القيادات والشعوب، وهدّموا الحاجة إلى الانتماء عن طريق نشر المذاهب والأيديولوجيات المتنافرة والمناقضة والتمزيق الجغرافي ومحاربة عوامل الوحدة وتنظيم مناهج التربية والثقافة لترسيخ ( الاغتراب الثقافي ). ومما ضاعف حدة الأزمة التناقض الحاد بين عمل المؤسسات التربوية والثقافية والمؤسسات الإدارية والأمنية . فعندما عملت مؤسسات التربية على ترسيخ مبادئ الوحدة والحرية واحترام الإنسان ، وأخوة العروبة والإسلام ، ولما حاول الفرد تجسيدها في سلوكه وواقعه، وجد المؤسسات الأمنية والإدارية تقف بوجهه بالقسوة والعنف ... وهكذا إلى أن انتهت سلسلة الاحباطات والانشطارات النفسية التي غسلت الأدمغة إلى هجرة العقول والأدمغة المبدعة والمنتجة والفاعلة إلى بلاد الغرب والكفر. وهكذا حرمت منها الأمة وبقيت في التخلف فزاد ذلك في ضعف فاعلية الإنسان في هذه المجتمعات وعجزه عن الجدارة والإنجاز. حاجة المجتمعات العربية والإسلامية إلى حركة تربوية – تجديدية تنقلها من " المجتمع المغلق" إلى " المجتمع المفتوح" إن أهم ما تحتاجه المجتمعات العربية والإسلامية هو حركة تربوية – تجديدية تعي التحولات التي تجري خلال ( الحقبة الزمنية ) التي تمر بها ثم ( تتكامل ) مع قوى التنفيذ والإدارة لبلورة الاستراتيجيات التي تتطلبها تحديات الحقبة وحاجاتها ، وتربي الأكثرية لتنهض بمسؤولياتها ولتتكامل مع العالم المحيط بما يجسد إنسانيتها ويحررها من ثقافة القطيع ويؤهلها للتفكير الناقد والقرار المستقل بدل الإبائية والعصبيات المحلية التي تروضها للتكيف لتحديات الواقع والإذعان لضغوطه ومشكلاته. وهذا هو جوهر ما جاء به الإسلام وعكسه هو الصنمية . ولتقوم الحركة التربوية – الفكرية – التجديدية المنشودة بإرجاع إنسانية الإنسان العربي والمسلم الحديث، ولتنهض بهذا الواجب لا بد من طليعة واعية تراجع موروثاتها الفكرية والاجتماعية والسياسية وتلتزم بالمبادئ الآتية : المبدأ الأول : الوعي بمخاطر العصبيات النخبوية يعمل علماء التربية المجددون على القيام بأمرين : الأول : تربية الجماهير واستنقاذها من ثقافة القطيع ومدجنات العصبيات الحزبية والطائفية والمذهبية والإقليمية والقبلية، وإعادة إنسانيتها الراقية القادرة على صنع قياداتها والمشاركة في مناقشة أعمالها وتقييمها. الثاني : تطوير خطاب خاص للمرشحين من النخب القوية؛ لاستلام الحكم والقيادة؛ لتزكية من لديهم قابلية الشفاء من الطغيان ومرض انتفاخ الشخصية أمام الأقرباء، وتقلصها أمام الغرباء، وللارتقاء بإرادتهم إلى درجة التقزز من وجود ( نخبة طاغية ) تتربع فوق الأكثرية وتفرض عليها أفكارها وتجردها من إدارتها وتفكيرها، والارتقاء بعقولهم إلى درجة الوعي بأخطار انقسام المجتمع إلى نخبة سلطوية وجماهير مدجنة. المبدأ الثاني : الإنسان المجدد إنسان محب للإنسانية، متواضع، يؤمن بالحوار والاقتناع، ويرفض الانفعال والعنف، ويخضع أعماله للتفكير والنقد الواعي. والمجددون يقنعون بصواب مواقفهم ولكنهم يحترمون حق الآخرين في أن يعتبروا أنفسهم على صواب كذلك. والمجددون لا يقصرون حق التمتع الإنسانية على الرجال دون النساء، ولا على الغني دون الفقير، ولا على المؤمن دون الكافر، ولا يستنكرون على أي إنسان مهما كان جنسه أو دينه أو مذهبه أو طبقته بحق التفكير وحق التعبير والاختيار. فالاعتداء على أي من هذه الحقوق هو إساءة بالغة في حق الإنسانية يستنكرها المجددون – خاصة الإسلاميين الأصلاء- ويجاهدون ضدها بكل ما يملكون. والمجددون لا يحاولون سحق خصومهم وإنما يحاولون إقناعهم وتحويلهم لمناصرة أفكارهم والعمل معهم. المبدأ الثالث : يسترشدون بقوله تعالى ( لن يضروكم إلا أذى ) وهو بهذا يفرقون بين الضرر الذي هو مرض أساسي داخلي حقيقته تدمير إنسانية الإنسان وسلبه حرية التفكير والاختيار وتحويله إلى الصنمية والأصنام . والأذى هو إسراع الطامعين من خارج لاستثمار آثار الضرر الداخلي وما يحدثه في الأمة من طغيان واستضعاف يعجزانها عن تحمل مسؤولياتها وحل مشكلاتها وتلبية حاجاتها. المبدأ الرابع : لا يعتبرون أنفسهم مالكين للتاريخ ويوقنون أنه من المستحيل أن يعمل أحد على وقف حركته أو تسريعها ودفعها قبل أوانها أو تحويل مسيرتها دون عقوبة. ولذلك يعي المجددون كيفية المشاركة في الحقب التاريخية ويفقهون مظاهر حكمة التخطيط اللازم لمعالجة التناقضات التي تحدث خلال مسار الحقبة التاريخية، ويتعاملون معها طبقاً لسننها وقوانينها. وهم يحسنون وعظ جماهير الأغلبية وأفراد النخب القوية، ويجادلون النخبة المثقفة المفكرة بأحسن مما عندها خلال التقلب بين التناقضات المذكورة ليستعيد جميع هؤلاء إنسانيتهم ويشاركوا في حمل مسؤولياتهم. يتبع | |
| |