الرئيسية | الصحيفة | خدمات الإستضافة | مركز الملفات | الحركة الانتقالية | قوانين المنتدى | أعلن لدينا | اتصل بنا |

أفراح بن جدي - 0528861033 voiture d'occasion au Maroc
educpress
للتوصل بجديد الموقع أدخل بريدك الإلكتروني ثم فعل اشتراكك من علبة رسائلك :

فعاليات صيف 2011 على منتديات الأستاذ : مسابقة استوقفتني آية | ورشة : نحو مفهوم أمثل للزواج

العودة   منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد > المنتديات العامة والشاملة > المنتدى الإسلامي


إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 2010-12-18, 17:28 رقم المشاركة : 1
aboukhaoula
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية aboukhaoula

 

إحصائية العضو









aboukhaoula غير متواجد حالياً


وسام المشاركة في دورة HTML

وسام المشاركة

وسام المركز الثاني في مسابقة نتخلق بخلقه لنسعد بقر

وسام المركز الثاتي في  المسابقة االرمضانية الكبرى

وسام المراقب المتميز

افتراضي خطبة يوم عرفة لعام 1431 هـ لسماحة المفتي الشيخ عبد العزيز آل الشيخ



خطبة عرفة لعام 1431هـ


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد،
فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى حق التقوى وراقبوه بالسر والنجوى وانتزلوا أوامره في الشدة والرخاء، وآمنوا برسالة نبيه المصطفى
أمة الإسلام، إن لله علينا نعماً عظيمة وآلاء جسيمة ؛ خلقنا في أحسن تقويم (لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)، ميزنا عن سائر الحيوان بالعقل والإدراك (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً)، من علينا بالهداية والإيمان (يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين) [الحجرات:17]، جعلنا من الأمة المستجيبين له المصدقين برسالة أنبيائه ورسوله، وشرفنا باتباع خاتم الأنبياء والمرسلين، شرفنا بالإسلام ورفعنا عن مستوى الحيوان إلى مستوى اللائق بالإنسان، ونزهنا من مشابهة الحيوان (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً) [الفرقان:44].
أمة الإسلام، إن الله خلق هذا الخلق لحكمة عظيمة وغاية نبيلة بعيداً عن اللهو والعبث والباطل (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ* مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) [الدخان:39]، خلق الثقلين ـ الجن والإنس ـ لحكمة بينها في كتابه (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات:56]، جعل الدنيا دار ابتلاء وامتحان ليظهر الصادق من الكاذب (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) [الملك:2]، أمده بالحواس وزوده والفطنة والعقل وهداه النجدين ومكنه من سلك طريق الفلاح والهدى أو الشقاء والضلال (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا* فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا* قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا* وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا)، ولم يهمل الله هذا الإنسان، لم يهمله ولم يكله إلى رأيه والشيطان، بل أرسل الرسل مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب ليعرفوا الحق من الباطل والرشاد من الفساد والهدى من الضلال، ولئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لأَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً) [النساء:165]، وتوالت مواكب دعوى الأنبياء، كلهم يدعون إلى توحيد الله وإخلاص الدين له ويحذرون من الشرك به (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء:25]، وكل نبي يبعث إلى قومه خاصة بشريعة خاصة حتى جاء محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة العامة الشاملة للثقلين ـ الجن والإنس ـ (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) [سبأ:28]، جعل الله شريعته شريعة كاملة، شريعة عاملة، شريعة شاملة لكل ميادين الحياة الفردية والجماعية، جعلها عامة لهذا كله تمد الإنسان بالروح والعقل وتلبي حاجة الفرد الروحية والعقلية والجسدية، صالحة لجميع الأزمان، مما جعلها صالحة لجميع المجتمعات في كل الأزمان والأمكنة.
أيها المسلم، إن أول أبواب هذا الدين هو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسوله، والقضاء والقدر، والبعث بعد الموت، ولهذه العقيدة خصائصها فمن خصائصها أنها مبنية على توحيد الله في ربوبيته وإلوهيته وأسمائه وصفاته، فالله أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، ما اتخد الله من ولد وما كان معه من إله، هو السميع البصير المحيي المميت الرزاق العلم المعز المذل للجبروت الملكوت، وواحد في ربوبيته فيجب أن تصرف له جميع أنواع العبادة من الدعاء والاستغاثة والالتجاء والإضرار إلى رب العالمين. فهو المالك لذلك كله، هو له الأسماء الحسنى والصفات العليا اللائقة بجلاله (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُنثبتها كما جاءت في الكتاب والسنة، ونثبت حقيقتها على ما يليق بجلال الله وعظمته.
أيها المسلمون. ومن خصائص هذه العقيدة أن تفاصيلها تؤخذ من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهي معصومة من الخطأ بعيدة عن الشبهات، يجب قبولها كلها ولا تعارضها الأهواء: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به".
من خصائصها: الوضوح والبيان والظهور
فالقضايا الأساسية واضحة كل الوضوح لمن تدبر، ليس بها تعقيد ولا غموض ولا فلسفة، بل أدلتها واضحة من الكتاب والسنة، واضحة المعاني بينة الألفاظ.
ومن خصائصها أنها تتفق مع الفطرة المستقيمة والعقل السليم، فليس فيها ما يتنافى مع الفطرة المستقيمة (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا)، وليس في السنة الصحيحة ما يختلف مع العقل الصحيح أو يحيله، فقد جعل القرآن العقل إلى التدبر والتفكر في آيات الله وعظم شأنه، ومن خصائصها أنها عقيدة الوحدة والألفة والجماعة، تربط بين أتباعها برابطة الإيمان بعيدة عن اللون واللغة والإقليم (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)، فما اجتمع المسلمون وعظم شأنهم إلا لما كانت العقيدة قوية في نفوسهم، وما تفرقوا وما ضعفوا إلا لما ضعف تمسكهم بهذه العقيدة السليمة.
أمة الإسلام، وإن الإسلام لم يقتصر على العقيدة وحدها، ولا على الجانب النظري فحسب، بل أضاف إلى العقيدة أحكاماً عملية ووضع منهجاً للمسلم ليشمل العبادات والمعاملات والأسرة والجنايات والأخلاق والسلوك والاجتماع، من الأحكام العملية: العبادات التي تنظم علاقة العبد بربه، وهذه العبادات ما بين فرائض يجب أداؤها عند استكمال شروطها، وما بين نوافل العبد مخير فيها، لكن الشارع حث عليها بجبر النقص وتكميل الخلل، فمن أدى الفرائض فهو من المتقين، ومن أدى الفرائض مع النوافل كان من الأبرار المقربين ونال محبة الله ومعيته الخاصة، ولهذه العبادات خصائصها، فمن خصائصها أنها توقيفية يعلم تفاصيلها من كتاب الله ومن سنة محمد صلى الله عليه وسلم من حيث الجنس والقدر والكيفية والوقت. هكذا العبادات، حتى تعلم الأحكام الشرعية منه صلى الله عليه وسلم والاقتداء به فقال: "صلوا كما رأيتموني أصلي"، وقال: "لتأخذوا عني مناسككم"، فمن أظلم من جاء بعبادة غير مشروعة فقد ابتدع في دين الله. يقول صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد". ومن خصائص العبادة: أنها السبيل الأوحد لتبرير صلة العبد بربه، فلا صلة له بدونها، ومن خصائصها عموم وجوبها على المكلفين ذكوراً وإناثاً، أغنياء وفقراء، حكاماً ومحكومين. إذا توفرت الشروط، ومن خصائصها الاستمرار والدوام، فالعبد مطالب بعبادة ربه ما دام عقله معه (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر:99]، فلا تسقط عنه هذه العبادة مهما بلغ من علم أو تجرد أو زهد، فمن ادعى أن هناك سمو الروحية أو نضج عقلية أو تزكية بلغ بها درجة تسقط عنه الواجبات الشرعية فقد أخطأ وضل السبيل، ولو كان هذا حقاً لكان أولى الناس به محمد صلى الله عليه وسلم، وهو القائل لما سئل عن قيام الله وتفطرت قدماه قال: (ألا أرضى أن أكون عبداً شكوراً؟)، وقد وصفه الله بالعبودة في أعلى المقامات (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الإسراء:1]، وأصحابه الكرام حريصين كل الحرص على الطاعات والجهاد في سبيل الله، ومن خصائصها: أنها مبنية على الاتصال المباشر بالله، فلا واسطة بينك وبين الله في دعائه ورجائه، فإنه يسمع كلامك ويرى مكانك ويعلم سرك وعلانيتك (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة:186] (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ* وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ) [الأعراف:55]. ومن خصائص العبادة: أن تنوعها ما بين عبادة بدنية وما بين عبادة مالية وما بين ما جمع بينهما، كل ذلك تيسير لأدائها وتيسيراً لإكثار الحسنات ورفع الدرجات، ومن خصائصها أنها شعائر ظاهرة معلنة يجب إعلانها، فالصلوات الخمس يؤذن لها وتقام الجمعات في المساجد، والزكاة ظاهرة، والصوم معروف والحج لمشاعره وأوقاته الخاصة.
أيها المسلم، ومن خصائصها رفع الحرج، وأنها شريعة بقدر ميسور الإنسان (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا)، ومن خصائصها: أنها ليست طقوساً فارغة، بل لها آثار إيجابية في إصلاح الفرد والجماعة وإصلاح الأقوال والأخلاق والأعمال، تنهى عن الفحشاء والمنكر، وتشعر العبد بالسكينة والطمأنينة وراحة النفس: "أرحنا يا بلال بالصلاة"، ومما نظمه الإسلام نظام المعاملات في عقود الناس ومبايعاتهم، فقد جاء بحكم عام يبين به الحلال والحرام ووضع قواعد وضوابط تدعوا للنظر في العقول بين الناس، وأخبرنا أن الأصل في الأشياء الحل إلا ما دل الدليل بتحريمه (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً) [البقرة:29] وأذن لنا بالطيبات (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) [البقرة:168]، وأخبر أن الأصل في المعاملات الحل إلا ما دل الدليل على تحريمه (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا)، وجاءت النصوص بالمحافظة على لمال واكتسابه من الطرق الشرعية فأذنت للمسلم أن يكتسبه من طريق الحلال من بيع وشراء وتجارة وصناعة وأعمال باليد، سئل صلى الله عليه وسلم أي الكسب أفضل قال: (عمل بيده، ثم كل بيع مبرور)، ونهى عن الإسراف (وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [الأنعام:141] ونهى عن التبذير (وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً* إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً)، ومنع المسلم من أن يعطي المال لمن لا يجيد السلطة فيه (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً) [النساء:5]، وأرشد إلى كتابة العقود خوفاً من النسيان (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ)، وللمعاملات في الإسلام خصائص ومن خصائصها أن المال الذي في يد الإنسان وملكه الله إياه واستخلفه فيه، فإن المسلم يتصرف في هذا المال من حيث التملك والإنفاق والتنمية بما يوافق شرع الله، ومن خصائصه: أن الله جعل الناس متفاوتين في أرزقاهم لحكمة أرادها (وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ) [النحل:71]، وهذا راجع إلى اختلاف مواهبهم وقدراتهم وجهدهم في تحصيل المال وتنميته. ومن خصائص المعاملات: أنها مبنية على دفع الضرر والغرر والجهالة وتحريم الربا وأكل أموال الناس بالباطل. ومن خصائصها البيان والصدق والرحمة واللين، يقول صلى الله عليه وسلم: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما"، وقال صلى الله عليه وسلم: "رحم الله امرئ سمحاً إذا باع سمحاً إلى اشترى سمحاً إذا اقتضى". ومن خصائصها: التوازن بين حاجة الفرد والمجتمع، فلا يطغى بعض على بعض. ومما نظمه الإسلام الأسرة في الإسلام، فقد سعى الإسلام إلى إقامة مجتمع طاهر نزيه عفيف يقوم على ارتباط الرجل بالمرأة بالزواج الشرعي وبين علامات هذه الأسرة بياناً واضحة خوفاً على الأسرة من التفكك والانحلال وعلى المجتمع من الانهيار والفساد، وجعل لهذه الأسرة نظاماً خاصاً بعيداً عن الأنظمة الوضعية وعن الديانات المحرفة فمن خصائص هذه الأسرة: أن الله جعل وعلا جعله مبنياً على النكاح الشرعي بضوابطه الشرعية،فالإسلام لا يعترف بأي علاقة أسرية قائمة على غير شرعه كالزنا والشذوذ والتبني، فيجعل ذلك منافياً للديانات السماوية ومنافياً للفطرة والقيم والأخلاق. ومن خصائص الأسرة: أنها لحفظ النوع البشري وتكثير النسل وإرواء الغريزة بالطريقة المشروعة، ولهذا حث على إكثار الناس "تزوجوا الودود والولد فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة"، وذلك لجيل صالح تسعد به الأمة في دينها ودنياها. ومن خصائص هذا أن الرحمة والمودة والسكن بين الزجين لا يتم إلا في ظل أسرة مباركة، فغرس المودة في قلوب الأبناء وارتباط بعضها ببعض إنما يتم على الأسوة الشريفة التي قامت على القواعد الشرعية. ومن خصائصها التوازن والتعامل مع الغريزة فلم يدع لك التبتل ولا إطلاق العنان بالشهوات، بل أحاطها بسياج من الحياء والعفة، ووضع نظاماً للاستمتاع بهذه الغريزة ليكفل للمسلم العزة والسلامة النزاهة. ومن خصائص الأسرة: أن الله وزع الواجبات بين الزوجين بين الرجل والمرأة، فالرجل له القوامة وعليه النفقة، والمرأة رعاية المنزل والتعاون مع زوجها في كل ما يسعد هذه الأسرة (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [البقرة:228]. ومما نظمه الإسلام العقوبات والزواجر فإن النفس أمارة بالسوء ميالة للهوى غير معصومة من المعاصي والآثام، وسلك الشرع في ذلك الترغيب والترهيب للنائب المسلم عن الإجرام والفساد، ولكن من عباد الله من لا تنفع فيه الترغيب والترهيب فينهتك حرمات الله ويتعدى على حدود الله فجاءت العقوبة الشرعية حماية للمجتمع ووقاية له وحفظاً لدماء المسلمين وأموالهم وعقوبة لمن وقع فيها وكفارة لمن أقيم الحد فيها وزجراً لمن له تسول له نفسه الوقوع في الجريمة. ومن خصائصها: أنها تشريع من عند الله وتفاصيلها من حيث قدرها وتنفيذها من طريق الكتاب والسنة، وليس فيه قصور. ومن خصائص هذه العقوبات: أنها عقوبة متكاملة على جميع الجرائم، سواء من ناحية الاعتقاد أو النفس أو المال أو العرض، فهي عقوبات مقدرة على قدر الجرائم. ومن خصائصها: أنها ما بين حد ثابت كالحدود والقصاص لا تقبل التبديل والتغيير، وما بين تحذيرات تخضع إلى اجتهاد الإمام. ومن خصائصها: العدل في تنفيذها وأن تنفيذها موكول إلى الإمام.
أيها المسلم، وقد اهتم الإسلام بأمر المجتمع وتنظيمه فدعى إلى مجتمع مترابط إسلامي قوي تحت إمام واحد يسوسهم لمصالحهم ويسوسهم بشرع الله ويتطبق به حدود الله، فأوجب على المجتمع طاعة الإمام في المعروف وحرم الخروج عليه بما في الخروج من إخلال الأمن وتشتيت الصف وتفريق الكلمة، وأمر بالوقوف مع الإمام والدفاع عنه بكل من بغى عليه ومن يريد الإسلام بكيد، قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ) [النساء:59] وفي الحديث: "عليكم بالسمع والطاعة فيما أحببتم وكرهتم ومنشطكم ومكرهكم، وألا تنازعوا الأمر أهله"، و دعى إلى النصيحة بالمعروف والرأي المفيد والمشورة النافعة وتأييد الإمام فيما تبناه من حكم شرعي ورأي صالح.
أيها المسلمون، وإن تهذيب الأخلاق وتقويم السلوك جزء من أجزاء ديننا وإن تتييم مكارم الأخلاق من بعد محمد صلى الله عليه وسلم: "إنما بعثت لأتتم مكارم الأخلاق"، وكتاب الله وسنة رسوله حافلة بالأخلاق الفاضلة والدعوة إليها، تنهى عن الأخلاق الرذيلة والنهي عنها، فما حسنه الشرع هو الحسن وما نهى عنه هو الخبيث. ولهذه المعاملات خصائص، ولهذه الأخلاق خصائص في الإسلام ومصدرها الكتاب والسنة. ليس الحس الوجدان والعقل، ولكنها الكتاب والسنة. قال الله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل:90] وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"، وقال صلى الله عليه وسلم: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده". ومن خصائصها: أن أخلاق ثابتة بأمور راسخة كالصدق والأمانة والعدل والوفاء بالعهود مما يحبه الشرع، دائماً ممدوحة إلى قيام الساعة، الكذب والخيانة والغيبة والنميمية والعدوان والفساد أخلاق ذميمة ذمها الشرع إلى يوم القيامة.
أيها المسلمون، ومن خصائص ذلك: أن إقامتها ابتغاء رضوان الله جل وعلا ولقد اهتم الإسلام بالنظام المجتمع للمسلمين، فدعا إلى التنظيم الجماعي لتعارف الناس بعضهم ببعض وجعله مبيناً على الإيمان بالله، يقول الله تعالى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌوجعله مبنياً على التراحم والتعاون بين المسلمين: (مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر)، وبناه على التعاون بين المسلمين قال: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)، وليعرف المسلم حقوق إخوانه المسلمين والتعرف على الشعوب والقبائل للتعارف لا للتفاخر والتناكر.
أيها المسلمون، هذا ديننا دين الإسلام الذي عالج جميع مشاكل الحياة، ولم يبق شيء في البشرية إلا وضع حكمه وبيانه لأنه دين ودنيا وعقيدة وعبادة وأخلاق وسلوك وسياسة وحكم وحضارة ونظام.
أمة الإسلام، إن للإسلام خصائص عامة فمن خصائصه: أنه دين الوسطية والاعتدال (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيم) [البقرة:143]، ولهذه الوسطة معالمها ومظاهرا، دلت على نصوص الكتاب والسنة، فمن معالم الوسطية: التوسط بين الجفا والغلو في باب الإيمان بأنبياء الله ورسوله، فقد دعت الشريعة إلى الإيمان بجميع أنبياء الله ورسله (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمْ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً) [النساء:78] (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) [البقرة:136]، ومعرفة قدرهم بعبادة ربهم وتبليغ الرسالة فنهانا عن الغلو فيهم كما غالى من قبلنا في أنبيائهم، وكذا من فرطوا فيهم وآذوهم وقتلوهم وكذبوهم. ومن معالم الوسطية: أنها وسط في التحليل والتحريم بين من غلوا في التحريم مطلقاً حتى حرموا ما أحل الله لهم، وبين من غلو في الإباحة المطلقة، فجاءت الشريعة بشريعة وسطية عدل أباحت الطيبات وحرمت الخبائث وكل أمر ضار، وحددت علاقة العبد بربه وبالمجتمع عموماً أباحت الطلاق وسطاً بين من منعه وبين من أباحه مطلقاً، وضعت له أحكام وشروط وضوابط وقواعد. التوبة بين العبد وبين ربه إقلاع من الخطأ وندم وعزم ألا يعود، فرق بين من قبلنا ممن تكتب خطيته وتوبته أو يكون توبته قتل بعضهم بعض (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمْ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [البقرة:54]، ومن علامة وسطية الإسلام التوسط في مطالب الروح والجسد والدنيا والآخرة (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) [القصص:77]، ودعت إلى تهذيب النفس بالعبادة المشروعة ونهت عن الترهبن الذي يدعوا إليه غلاة تهذيب النفس. أباحت الطبيات ونهت عن الركون إلى البهيمة المادية التي كان عليها مكذبي أنبياء الله ورسله.
أيها المسلمون، ومن علامات الوسطية في الإسلام أنها وسط في علاقة العقل بالوحي، فلم تجعل العقل حاكماً على الوحي، ولا أن العقل المصدر الوحيد للمعرفة بل جعلت الشرع الوحي المصدر والتشريع وأن العقل به التكليف وجعله أداة لفهم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وأمرت العقل بالتدبر والتفكر ونهت عن الجناية عليه بالمسكرات والمخدرات والسحر والشعوذة حتى يعيش في أوهام ويقدس الضرائح نسأل الله العافية، ويعيش في الأوهام والتخيلات. ومن معالم وسطيتها في التغيير أنها لم ترعى مذهب للتغيير مطلقاً ولا من بالغ في التغيير حتى في المبادئ، بل وضعت أمور ثابتة لا تتغير بتغير الأحوال والأزمان وكذلك العبادة كالعقائد والعبادة وأصول الأخلاق. وهناك من يجتهد فيه حسب القواعد الشرعية. ومن هنا نعلم أن الإسلام لا يقر من دعا إلى التغيير بالثوابت والمسلمات لتوافق الحضارات المادية وتواكب الحضارات كما يزعمون.
أيها المسلمون، ومن علامات وسطيتها: الخيرية المطلقة فيها، هذه الأمة خير الأمم وأهداها سبيلاً لكمال إيمانها وشمول شريعتها (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمْ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمْ الْفَاسِقُونَ) [آل عمران:110]، ومن خصائصها: العدل المطلق بين المسلم والكافر والقريب والبعيد والصديق والعدو، لأنه شرعة الحق حتى في الحيوان، فهي شريعة عدل خير كلها، ومن معالم وسطيتها نبذ الغلو والتنطع في الدين وطلب التيسير، قال صلى الله عليه وسلم: "إياكم والغلو، إنما أهلك من كان قبلكم الغلو"، وكان صلى الله عليه وسلم إذا خير بين أمرين اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً، فالتيسير إنما اتباع كتاب الله وسنة رسوله وما عليه الخلفاء الراشدون وصحابته الكرام هذه معالم وسطيتنا في شريعة الإسلام، فلا وسطية ولا اعتدال في غير شرع الله، ولا شرعية ولا اعتدال في تطبيق النفوس التي توافق أهواء الناس، ولا اعتدال ولا وسطية لمن طمس معالم الإسلام وأطفأ شعائره لتوافق المظاهر الغربية.
أيها المسلمون، ومن خصائص الإسلام العامة: أنه دين رحمة وتسامح ونبذ للشدة والعنف بجميع صوره، فالرحمة من صفات محمد صلى الله عليه وسلم (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَظهرت آثار هذه الرحمة في أحكام هذه الشريعة وتعاليمها في العبادات والمعاملات والأخلاق والسلوك ففي باب العبادات (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) وفي باب المعاملات: "رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع سمحاً إذا اشترى سمحاً إذا اقتضى" وفي الأخلاق والسلوك حث على الرحمة: "الراحمون يرحمهم الرحمن"، "ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء" ودعى إلى الرفق واللين، وأن الرفق ما وضع في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه فدعى إلى رحمة الأبوين ورحمة الصغار والأيتام والأرامل والعجزة والخدم والعمال، ورحمة الجيران، والتراحم بين الزوجين، والتراحم بين الأرحام، ورحمة المعسر والتيسير عليه والرفق بطريق الناس ونهى عن شد العنف واللعان والسباب والشتام والشحناء والعداوة، فرحمة الإسلام رحمة تشمل البر والفاجر والمسلم والكافر، وقلب المسلم قلب رحيم يمتلئ بالمحبة والإخاء ولا يوجد فيها محل للبغض والعداوة.
هكذا أيها المسلمون، ومن رحمة الإسلام أن حرم سفك دماء المعصومين والمسلم بغير حق، يقول الله جل وعلا (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [الأنعام:151] (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ) [الإسراء:33] ويقول جل وعلا (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) [النساء:93]، وفي الحديث: "كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه"، وحرم دماء المعصومين بغير حق: "من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة"، وجرم الإرهاب بجميع صوره ودعا إلى مجتمع آمن مطمئن يجمع في ظله الجميع بعيدين عن الحروب والفتن، فبالأمن يحج بيت الله الحرام، وبالأمن تعمر المساجد، وبالأمن يقام العدل، وبالأمن ينتصر للمظلوم من ظالمه.
أيها المسلمون، وجاءت هذه الشريعة لهذا الأمن مقومات فمن مقومات الأمن: الإخلاص لله وطاعته وعبادته (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً) [النور:55]، ومن مقوماته: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما في الحديث: "لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر ولتأخذون على يد الظالم أو ليوشكن الله أن يضرب قلوب بعضكم بعض"، ومن مقوماته: شكر النعمة واستعمالها في طاعة الله (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيد) [إبراهيم:7]، وعدم النعمة يؤذن بالعذاب وانتزاع الأمن (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) [النحل:112]، ومن أسباب الأمن: الصدق السياسي فقد أمر الله بطاعة ولاة الأمر وحذر من عصيانه والخروج عليه ورغب الإمام في العدل بين الرعية وسياستهم بالحق.
أيها المسلمون، ومن خصائص الإسلام العامة: أنه رسالة عالمية لجميع الخلق ودعوة لجميع الناس في كل الأزمان والأقطار (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً) [الفرقان:1] ومحمد صلى الله عليه وسلم يقول: "وكان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة"، وقال: "لا يسمع بي يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا أدخله الله النار"، وبعث على ملوك الأرض يدعوهم إلى الله والإيمان برسالته. ومن مظاهرها العالمية وصفها الإله بأنه رب العالمين ودعت إلى توحيد الله في ربوبيته وإلهيته وأسمائه وصفاته والإيمان بجميع الرسل ووحدة العقيدة، وقد دخل في ضمن هذه العقيدة شعوب وأقوام على اختلاف ألوانهم وأجناسهم ولغاتهم، لكنها بالإيمان تكونت أمة واحدة في غاية الرقي بعيدة عن الوثنية وعبادة غير الله والظلم والفساد. ومن مظاهر عالميتها: أن كتاب الله تحدى به الكفار والمخالفين في كل الأزمان (قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) [الإسراء:88]، ومن مظاهر عالميتها: أنها شريعة عالمية تعالج مشاكل الحياة وتواكب الأحداث، وصالح تطبيقها في كل زمان، ومن مظاهر هذه العالمية: أنها دعت وبينت أن الأصل في الناس جميعاً أنهم من ذكر وأنثى فلا شعوبية ولا عنصرية ولا قبلية في هذه الشريعة، بل دين حق واحد يجمع القلوب يا أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد ألا لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأعجمي على عربي ولا أبيض على أحمر ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى.
أيها المسلمون، ومن مظاهر عالميتها: أنه عاش في ظل عدالتها من خالف دينها لما خضعوا لأحكام الإسلام كما هو في التاريخ ومن مظاهر عالميتها: صمودها عبر التاريخ أمام الأحداث الجسام، فلم تؤثر التيارات المعادية ولا الفتن الداخلية ولا الحروب الخارجية، بل ظل الإسلام قوياً شامخاً تحدى حروب الردة والحروب الصابئية والباطنية الزنادقة وشعارات الفلاسفة والشيوعية والتنصير.
وسيظل الإسلام قوياً إن شاء الله أمام هذه التحديات والحملة الشرسة، وسيظل لقيادة البشرية فوق قوة الغد وحضارات المستقبل لأنه دين العدل والإنصاف، بخلاف دور العولمة التي ثقافتها تسلط العدو على الضعيف وطمس هويته وتأمين مصالحه مما ينذر بالباطلة والفاقة وغلاء الأسعار وغير ذلك من الكوارث.
أمة الإسلام، دين الإسلام جاء لتكريم ذلك الإنسان الذي خلقه الله بيده وأسجد له ملائكته ونفخ فيه من روحه وفضله على كثير ممن خلق تفضيلاً، حفظ عقيدته وحياته وعرضه وماله وعقله، وحفظ حقوقه مهما كان جنسه أو عرقه ومهما عالماً أو جاهلاً حاضري أم بدوياً، نهى من الاعتداء علي بأي أنواع الاعتداءات، وهذا بخلاف الأنظمة البشرية التي جاءت للمحافظة على حقوق الأغنياء الأقوياء والإسخاف بالفقراء، فقوانينهم حبر على ورق تكيل بمكيالين وتعجل للقوي الحق بالاعتراض والنقض على كل قرار لا يتفق مع مصالحهم. هؤلاء المستضعفون احتلت بلادهم وشردوا من أراضيهم، وهدمت البيوت على رؤوسهم، قتل الأبرياء وانتهك أعراض النساء وحصل الاختلال بالأمن وزكيت بينهم الطائفة والحزبية حتى قتل بعضهم بعضاً ووضعت الدساتير والقوانين لتبرر ارتكاب الجرائم مع مسمع ومرئى ممن يدعون حقوق الإنسان، فأين حقوق الإنسان من هذه الجرائم. لا أحد يحرك ساكناً ولا يجرم مجرماً، بل لو أن واحد نادى لحفظ دينه وبلاده لجرم وعوقب ولأتخذ قرار ضده إن الإسلام لا يعرف الزيغ في المعايير، إنما كما يحرم الإرهاب ويجرم الإرهاب والإخلال بالآمنين فإنه يحرم أيضاً يحرم احتلال البلاد وظلم العباد ويدعو إلى أن القتال لا يعالج بالقتل، والعنف لا يعالج بالعنف، والإرهاب لا يعالج بالإرهاب. إنما يعالج الإرهاب بنفي الغلو مهما كان مصدره وقطع الأسباب التي تمده ورفع الظلم عن المستضعفين والمسلمين ومعاقبة المجرمين أفراداً أو جماعات.
أيها المسلمون، دين الإسلام جاء بارتباط العقل بالعمل وأن العمل والإيمان جزءان، وأن الإيمان مبني على العمل وأنه يزيد بزيادته وينقص بنقصانه وأن أدلة الكتاب والسنة ربطت الإيمان بالعمل، جعلت المسلم يتقي الله وينفذ فرائضه ويؤدي واجباته ويعرف حقوق الله وحقوق عباده.
أيها المسلم الكريم، إن أغلى ما تملك في هذه الحياة إيمانك ودينك، كن عزيزاً بإسلامك، عزيزاً بشخصيتك الإسلامية، احذر أن تخجل من إظهار دينك في أي مجتمع وفي أي مكان عشت ولا يضرنك ما ترى من حول ممن عطلوا فرائض الله وإن انساقوا وراء الفتن والمغريات، فنقول لهؤلاء: أين إيمانكم وخوفكم من الله وأنت تعطل فرائض الإسلام من صلاة وزكاة وصوم وحج، أين إيمانك وأنت تنتهك حرمة الله وترتكب الفواحش والمنكرات؟ أين إيمانك وأنت تعتدى على عباد الله وتعتدي عليهم وتهين كرامتهم وتستحل دماءهم وأموالهم؟ ين إيمانك بالله وأن تنشر الإجرام والفساد في مجتمع وطنك؟ أين إيمانك بالله وأنت موافق لأعدائك ينفذون عليك أغراض مشينة ومخططات ماكرة فتخل بأمنك وتدمر ممتلكات بلادك وتسفك دماء الأبرياء؟ أين إيمانك وأنت ترتكب الخيانة العظمى في دينك وتشكك في ثوابته وتبعد الناس عن الانتفاع به وتعطل شعائره ومعالمه؟ أين إيمانك وأنت تنشر الفساد وتسعى في فساد شباب أمتك بالمحطات الفاسدة والقنوات الهابطة التي تشكك في الدين والعقيدة؟ أين إسلامك وأنت تأكل الربا وتعلم أن حرمه وتوعد من أتاه بالوعيد الشديد؟ نقول لهؤلاء: هذه أمور محرمة في شرع الله، فلنتق الله في أنفسنا.
أمة الإسلام، إن الله من علينا بمحمد صلى الله عليه وسلم هادياً ومبشراً ونذيراً، دعا إلى الله جل وعلا، جبله الله على أكمل الأخلاق وأحسن سيرة عرفها التاريخ، وشمائله عمت الأخلاق الكريمة والصفات الحميدة (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍوكان خلقه القرآن.
ومن سنة الأنبياء أن جعل للأنبياء أعداء من شياطين الإنس والجن يستعينون في عداوتهم البهتان والكذب والأباطيل والإساءة، هذا دأبهم في كل زمان،
وها هم أعداء الأنبياء والرسل في هذا القرن ـ القرن الحادي والعشرين ـ ارتكبوا أعظم الحماقة في حق محمد صلى الله عليه وسلم فنشروا عنه الصور المشينة والأقوال الخبيثة، فقوموا وهبوا لنصرة نبيكم صلى الله عليه وسلم واستعملوا كل وسيلة من أجل صورته المشرقة من حياته الكريمة وسيرته العطرة وانشروا سنته واعملوا بها وادعوا الناس للعمل بها وردوا أكاذب الكاذبين الذين انطمست فطرهم ومسخت عقولهم، فليس لحرمات الله منزلاً في ضمائرهم.
أيها المسلمون، إن الله اختار لنبيه أصحاباً كراماً، هم أبر الأمة قلوباً وأعمقها علماً وأقلها تكلفاً، هم صفوة الله يقول ابن عباس في قوله (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا) [فاطر:32] قال: أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. قال عبد الله بن مسعود: إن الله نظر إلى قلوب العباد فرأى قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد فاختاره لنفسه ولرسالته ثم نظر في قلوب العباد فاختار قلوب أصحاب محمد فاختارهم ليكونوا وزراء لأنبيائه يقاتلون على دينه فيجب محبتهم وموالاتهم، وإنما نالوا هذه الفضائل لأنهم آمنوا به إذا كفر به الناس وصدقوا إذ كذبه الناس وأووه ونصروه وبذلوا كل ما هو غال في سبيل نصرته فرضي الله عنهم وأرضاهم. فالواجب علينا محبتهم ونصرتهم وسلامة القلب تجاههم امتثالاً لقول الله (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [الحشر:10] فلا يجوز موالاة من بنى دينه على بغض الصحابة وحمل الحقد والبغضاء حتى قدح في عرض النبي صلى الله عليه وسلم وفي أم المؤمنين المبرأة من فوق سبع سماوات.
حكام المسلمين، إن الله أناط بكم مسئولية عظيمة في تنفيذ أحكام الشريعة في كل الميادين فاحذروا من يحاربوا هذه الشريعة ويسعى إلى فصل الدين عن الدولة أو تغيب الأمة وجعلها تبيعة لغيرها. الشعوب المسلمة: إنكم تعيشون زمناً تكالبت الأعداء لحربكم ووجهوا سهامهم ضدكم ووظفوا كل إمكانياتهم ضد عقيدتكم ووحدتكم واجتماع كلمتكم وإشعال العداوة والبغضاء بينكم، فكونوا على حذر من أعدائكم، التفوا على بعضكم وتمسكوا بعقيدتكم واحفظوا أوطانكم واحذروا السراعات بينكم وبين حكوماتكم فتسفك الدماء ويضيع الاقتصاد، واحذروا مكر أعدائكم الذين يوقعون بينكم العداوة وبين مواطنيكم بحجج كاذبة وذرائع واهية ودعوى لا حقيقة لها واعلموا أن سبب قوتكم وعظمتكم في عيون أعدائكم اجتماع كلمتكم وتوحيد مواقفكم أمام قضاياكم.
أيها المسلمون أيها الشعوب في العالم الأوروبي والأمريكي، طالما يسمع عن حقوق الإنسان والعدل والإنصاف وهذا ما يتمناه ونحن إن نقر هذه المبادئ نؤكدها امتثالاً لدين الإسلام الذي شرفنا الله به نحب أن ننبه على أمور أولاً: أن الإنسان في العالم الثالث كما هو في غيره لا تهون كرامته وحفظ دمه وماله وعرضه، فكما لا ترضون الاعتداء على بلادكم ولا على أمنكم فكيف ترضون بالاعتداء على الآخرين وتشريدهم من بلادهم ثانياً: نسمع من كراهية ضد المسلمين وضد خصوصيتهم وعقيدتهم وهذا وإن كان يخالف القيم التي تقولون بها فهو أيضاً لا يحقق الاستقرار والثبات وإنما يزيد حجم المشكلة وينشر العداوة والبغضاء
أمة الإسلام، نتفق على أن الإرهاب جريمة نكرة ولكن المشكلة ليس الإرهاب وحده بل هناك مشكلات فقر وانتشار البطالة والأمراض ونتائج الكوارث العالمية، فاتقوا الله في أنفسكم وارفعوا الظلم والعدوان عن الآخرين.
حجاج بيت الله الحرام، اشكروا الله على نعمته أن يسر لكم القدوم إلى هذا البلد المبارك لأداء نسككم بكل أمن وسهولة، فاشكروا الله على هذه النعمة، إن الوصول إلى البيت الحرام كان صعب المنال ويتعرض الحجاج فيه لأنواع الظلم والعدوان على أيدي قطاع الطرق وعدم الخدمات إلى أن جاءت الدولة المباركة التي قام بها الملك عبد العزيز غفر الله له فأمنوا الطرق ومهدوا السبل وسهلوا الوصول إلى بيت الله الحرام وبذلوا كل غالي ونفيس في سبيل ذلك، فالحمد لله رب العالمين.
ولقد مضى على هذه السياسة الرشيدة والخطوات المباركة أبناء بررة: سعود وفيصل وخالد وفهد بن خادم الحرمين وخادم الحرمين عبد الله بن عبد العزيز مضى هذه الجهود جهود عظيمة وخدمات متكاملة ومرافق راقية وتسهيلات مريحة ومشاريع عملاقة جعلها الله في ميزان أعمالهم
حجاج بيت الله الحرام، إن للحج في الإسلام مقاصد عظيمة من أعظم مقاصده توحيد الله جل وعلا وإخلاص الدين له (وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) [الحج:26]، ومن مقاصده: تعظيم هذا البيت واحترامه، فإن الله يقول (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج:32]، ومن مقاصده: تطهير القلوب من الرذائل والحث على التقوى (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِي يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ) [البقرة:197]، ومن مقاصده: ذكر الله جل وعلا، ومن مقاصده: الاجتماع والتآلف والتشاور على كل ما ينفع الأمة.
حجاج بيت الله الحرام، هذا يوم عرفة، يوم من أفضل أيام الله، للدعاء فيه شأن عظيم، يقول صلى الله عليه وسلم: "خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيين من قبلي يوم عرفة لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير"، يوم أكثر من أي يوم يعتق الله فيه عبيده من النار، يقول صلى الله عليه وسلم: "ما من يوم أكثر من يعتق الله من النار من هذا اليوم، وإنه ليدنوا فيباهي الملائكة يقول: ماذا أراد هؤلاء؟ هذا يوم رأي الشيطان بأصغر ولا أحقر ولا أغيظ مما رأي في ذلك اليوم مما رأى من سعة رحمة الله"، هذا يوم عظيم، فأروا الله من أنفسكم خيراً ارفعوا إليه أكف الضراعة أي يرفع قلوبكم وشأنكم ويجمع كلمتكم وينصركم على من بغى عليكم.
أيها المسلمون، قفوا بهذا المكان المبارك فإن الوقوف به ركن أساسي من أركان الحج وانظروا إلى معالمه وحدوده، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "الحج عرفة"، وقف نبيكم بهذا المكان المبارك وخطب الناس وصلى الظهر والعصر جمعاً وقصراً كما سنفعل إن شاء الله، ثم وقف بعرفة إلى أن غربت الشمس فانصرفوا منها بعد غروب الشمس اقتداء بنبيكم صلى الله عليه وسلم وصلوا بمزدلفة المغرب والعشاء جمع وقصراً متى وصلتم إليها، ولكم الدفع منها بعد مضي معظم الليل وصلوا بها الفجر فذلك أفضل، ثم أتوا وارموا جمرة العقبة، ثم احلقوا أو قصروا فقد حل كل شيء ما حرم عليكم الإحرام إلا النساء، ثم طوفوا واسعوا بالبيت إن كنتم متمتعين أو قارنين، ومن قدم شيئاً فلا حرج عليه، بيتوا بمنى ليالي التشريق وارموا الجمار بعد الزوال إلى طلوع الفجر، وكل ذلك متيسر ودعوا البيت الحرام واسألوا الله التوفيق والسداد.
أيها المسلمون، أيها الشعب العراقي المسلم، لقد انطلق صوت الحق والهدى يدعوكم إلى التآلف والاجتماع من قلب رحيم شفيق عليكم حريص على مصالحكم يؤلمه ما يشاهد من سفك الدماء وهذا التدمير والخراب، يدعوكم إلى جمع كلمة الحق، يدعوكم إلى أن تكونوا مفكرين في واقعكم حريصين على مصالحكم، فاستجيبوا لهذا النداء المبارك الذي نرجوا الله أن يكون في ميزان خادم الحرمين الشريفين وإن الأمة تتطلع اليوم إلى خادم الحرمين الشريفين لحل هذه القضايا المعضلة، الصومال الممزق والسودان وما يكاد له وباكستان وأفغانستان وغيره من دول العالم.
فيا إخواني في السودان، اتقوا الله في أنفسكم واحرصوا على بلادكم وتنبهوا لما يراد بكم وجدوا واجتهدوا وتمسكوا بوحدتكم فبذلك خير لكم وصلاح.
أسأل الله أن يوفق الجميع لم يرضيه إنه على كل شيء قدير إن هذه الدنيا دار ممر وليست دار قرار
أيها المسلمون، الموت آت على كل أحد ومصير كل حي أقول فاستعدوا لهذا الموقف العظيم، واعلموا أن لنا بعد هذا الموت سكنى القبر إلى أن يأذن الله لقيامنا يوم القيامة، واعلموا أيها المسلمون أن هناك موقف بين يدي الله في قوم كان مقداره خمسين ألف سنة، في عظيم هوله شديد كربه، الناس عارية أبدانهم حافية أقدامهم شاخصة أبصارهم تفكروا في ذلك اليوم العظيم وأهواله العرق يلجم بعضهم، وبعضهم يصل إلى حقويه وبعضهم إلى كعبيه انظروا ميزان الأعمال فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون تأملوا الصراط والعبور عليه وتأملوا يوم ينادي منادي على الجنة: "إن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبداً وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبداً، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً وإن لكم أن تصحوا فلا تسأموا أبداً"، يوم ينادي المنادي: "يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهلا النار خلود فلا موت"، أسأل الله أن يجعل لكم الثبات والسداد إنه على كل شيء قدير، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات وألف بين قلوبكم وانصرهم على عدوك وعدوهم واهدهم سبل السلام وأخرجهم من الظلمات إلى النور، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، اللهم اغفر لهم وراحمهم وعافهم واعف عنهم وأكرم نزلهم ووسع مدخلهم واغسلهم بالماء والثلج والبرد ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اجعل مجتمعنا هذا مجتمعاً مباركاً مرحوماً واجعل تفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل فينا شقياً ولا محروماً، اللهم اجعل حجنا مبروراً وسعينا مشكوراً وذنبنا مغفورا إنك على كل شيء قدير، اللهم وفق إمامنا إمام المسلمين عبد الله لكل خير، اللهم أمده بالتوفيق والهداية، اللهم كن له عوناً ونصيراً فيما أهمه، اللهم اجمع به كلمة الأمة ووحد به صفوفها على الخير والتقوى، اللهم وفق رجال أمننا فيما قاموا به من جهود جبارة، والشكر موصول لخالد الفيصل أمير هذه المنطقة وما قام من جهود جبارة، وكذلك نواب الداخلية وما قاموا به من جهود عظيمة، أسأل الله أن يوفق الجميع لكل خير وأن يعينهم على كل خير، ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين، وصلى اللهم وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد.







: منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد https://www.profvb.com/vb/showthread.php?p=309167
التوقيع

إذا الشّعب يوما أراد الحياة **** فلا بد أن يستقيم البشر
و لا بد للجهل إن ينجلي **** و لا بد للعلم أن ينتشر
و لا بد للشعب أن يرجع **** إلى عز دين به ننتصر
إلى رحب شرع إلى مسجد **** إلى نور علم به مزدجر
إلى سنة النبي المصطفى **** ففيها الهدى و الضيا و الدرر
... إلى نور قرآننا المنزل **** رسول كريم به قد نزل
إلى شرعة ربنا السمحة **** ففيها النجاة و فيها الضّفر
و فيها الخلاص و فيها المناص **** من الظلمات و من كل شر
فيا شعب إسلامنا الماجد **** أنيبوا و عودوا إلى مقتدر
و توبوا إلى الله كي تفلحوا **** و تنجوا و إلا فبئس المقر

    رد مع اقتباس
قديم 2010-12-18, 17:35 رقم المشاركة : 2
عمر أبو صهيب
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية عمر أبو صهيب

 

إحصائية العضو








عمر أبو صهيب غير متواجد حالياً


وسام المشارك

وسام منضم مسابقة المقدم

الوسام الذهبي

وسام المشاركة

وسام المشاركة في دورة HTML

وسام المشاركة

وسام حفظ سورة الكهف

وسام المركز الاول في مسابقة التصوير الفوتوغرافي

وسام المركز الثاني في مسابقة استوقفتني آية

وسام مشارك في دورة حفظ سورة البقرة

افتراضي رد: خطبة يوم عرفة لعام 1431 هـ لسماحة المفتي الشيخ عبد العزيز آل الشيخ


جزاك الله خيرا أخي أبو خولة على المشاركة الطيبة






التوقيع






    رد مع اقتباس
قديم 2010-12-18, 20:26 رقم المشاركة : 3
فاطمة الزهراء
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية فاطمة الزهراء

 

إحصائية العضو








فاطمة الزهراء غير متواجد حالياً


مسابقة الصحابة والصحابيات 1

وسام المشاركة

وسام الرتبة الأولى في مسابقة طاكسي المنتدى لشهر يو

وسام المرتبة الاولى لصناعة النجاح عن ورشة التفوق ه

وسام المراقبة المتميزة

وسام المركز السادس في دورة التقنيات الأسرية

افتراضي رد: خطبة يوم عرفة لعام 1431 هـ لسماحة المفتي الشيخ عبد العزيز آل الشيخ


ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين، وصلى اللهم وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد

عليه الصلاة والسلام
أمين
بارك الله فيكم أخي الفاضل وأحسن إليكم
خطبة قيمة
فيها من المواعظ الشيء الكثير
اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول ويتبعون أحسنه
اللهم بارك في الشيخ الجليل واكتب له بكل حرف حسنة ترفعه بها درجات في جنات النعيم





التوقيع

الوفاء أن تراعي وداد لحظة ولا تنس جميل من أفادك لفظة"

    رد مع اقتباس
قديم 2010-12-28, 16:30 رقم المشاركة : 4
aboukhaoula
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية aboukhaoula

 

إحصائية العضو









aboukhaoula غير متواجد حالياً


وسام المشاركة في دورة HTML

وسام المشاركة

وسام المركز الثاني في مسابقة نتخلق بخلقه لنسعد بقر

وسام المركز الثاتي في  المسابقة االرمضانية الكبرى

وسام المراقب المتميز

افتراضي رد: خطبة يوم عرفة لعام 1431 هـ لسماحة المفتي الشيخ عبد العزيز آل الشيخ


جزاكم الله خيرا إخواني على ردودكم الطيبة و البديعة





التوقيع

إذا الشّعب يوما أراد الحياة **** فلا بد أن يستقيم البشر
و لا بد للجهل إن ينجلي **** و لا بد للعلم أن ينتشر
و لا بد للشعب أن يرجع **** إلى عز دين به ننتصر
إلى رحب شرع إلى مسجد **** إلى نور علم به مزدجر
إلى سنة النبي المصطفى **** ففيها الهدى و الضيا و الدرر
... إلى نور قرآننا المنزل **** رسول كريم به قد نزل
إلى شرعة ربنا السمحة **** ففيها النجاة و فيها الضّفر
و فيها الخلاص و فيها المناص **** من الظلمات و من كل شر
فيا شعب إسلامنا الماجد **** أنيبوا و عودوا إلى مقتدر
و توبوا إلى الله كي تفلحوا **** و تنجوا و إلا فبئس المقر

    رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
1431 , أم , لسماحة , لعام , المفتي , الصيد , العزيز , حول , خطبة , عبد , غرفة , إف


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are معطلة


مــــواقـــع صـــديــقــة مــــواقـــع مـــهــــمــــة خـــدمـــــات مـــهـــمـــة
إديــكـبـريــس تربويات
منتديات نوادي صحيفة الشرق التربوي
منتديات ملتقى الأجيال منتديات كاري كوم
مجلة المدرس شبكة مدارس المغرب
كراسات تربوية منتديات دفاتر حرة
وزارة التربية الوطنية مصلحة الموارد البشرية
المجلس الأعلى للتعليم الأقسام التحضيرية للمدارس العليا
مؤسسة محمد السادس لأسرة التعليم التضامن الجامعي المغربي
الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي التعاضدية العامة للتربية الوطنية
اطلع على وضعيتك الإدارية
احسب راتبك الشهري
احسب راتبك التقاعدي
وضعية ملفاتك لدى CNOPS
اطلع على نتائج الحركة الإنتقالية

منتديات الأستاذ

الساعة الآن 07:06 لوحة المفاتيح العربية Profvb en Alexa Profvb en Twitter Profvb en FaceBook xhtml validator css validator

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML
جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd