2010-12-09, 20:28
|
رقم المشاركة : 17 |
إحصائية
العضو | | | رد: سياحة الحرف في رحلة عبرالبوادي المدن .. دعوة لكل المبدعين | مدينة ليست ككل المدن، يكفي أن تتذكرها لتستيقظ في دواخلك أزمنة بعيدة، وتتزاحم في ذاكرتك شبه الموبوءة وجوه كثيرة لا تدري ما حظها من صروف الدهر، لكن الذي يستيقظ أولا هو ذلك الشعور الذي كلما أتيت المدينة نازحا من جبال الأطلس، وجدته ينتظرك – كالقدر المحتوم - على بواباتها، ليكون رفيقا لك في حلك وترحالك، يتسلق أوصالك بين وقت وآخر، لتجد في ذلك متعة وتسلية، لأنك سرعان ما ألفته واتخذته وقودا لما كنت تكتبه، وتعتقد حينها أنه شعر. أتذكر حين داهمك ذات يوم وأنت تتجول في شوارعها التي أنت تعرف جيدا أنها لم تتزين لأجلك، وكان أن أخرجت من جيبك ورقة، وكتبت عليها كلمات صغيرة، صارت بعد أيام هكذا:
"ها أنت ذا وطن تمزقه فتوحات جديدة تغتالك الأشباح وتمارس الأشياء فيك نباحها المسعور يأخذك اغتراب الصمت تهرب منك أرصفة المدينة تنفى إلى مدن جديدة في الملصقات في الواجهات القرمزية أو في ملامح ملؤها القحط المدجج باغترابك..." بودك لو تستسلم الآن لهذا السيل الجارف من الكلمات إلى أن يصل بك إلى آخر السطر، بل –عفوا- إلى آخر الحلم/الذكرى، لكن، لأن اللحظة التي تمتطي صهوتها مسرعة الخطى، فأنت لا تستطيع النظر طويلا إلى الوراء، ما دمت قدا قتنصت ذلك الشيء المطلوب: مفتاح المدينة، وهو الاغتراب. طبعا، أنت تخشى أن تهرب منك مثلما هربت في شعرك المزعوم كل الأرصفة، ومن غير المستبعد أن يحدث ما تخشاه. لكن لا ضير، فالمدينة التي غربت أهلها لا يهمها أن تغرب أيا كان. لست أدري لماذا ينتصب الآن أمامك طيف شاعرها المنبوذ، سيدي عبد القادر العلمي، ولماذا تخيم عليك أجواء قصيدته (المكناسية)؟ كل ذلك يعود – إن كنت لا تدري- إلى كونكما تجسدان ما قاله شاعر قديم: أيا جارتا إنا غريبان هاهنا ***** وكل غريب للغريب نسيب. رحم الله سيدي قدور، فكأنه عبر بلسان حالك حين قال: كـيــف نـنـســـى تـلـطـــامــي فــي دروب مكنـاس وغـربـتـــي ومـبــــاتــــي فـــي ادكــاكن المدارس اعـيـــاو بـيــا الـحــوانـت فــي اســواق لـبـخــاس والـفـنــادق والبـيــــوت وســـايـــر الـمـجـــــالــس نـضـل هـــايـــم ونـبـــات عـلـى الـخـبـال عســاس وفـــالـنـهــــار نـقـيــل فـبــــاب الـــدراز جـــالـس مـنـيـن عــــرفـــونـــي ثــم اسـطـبـت الـجـــــلاس اتـــرادفـــوا عـنـــي بـــالـنـهــــرات والـنـقـــايــــم الـمـبــــات بــــالـجـــوع ولا اطـعـــــام الـكـنــــاس الــفـقـــــر والـغــــربـــة ولا صـحـبـة شـــــاتــــم واش مــــا عـــار اعـلـيـكــم يــا رجــال مـكـنــاس امشـــات داري فـحـمــــاكـم يـــا اهـل الـكــــرايــم ............ مهما يكن، فالمدينة ليست -كماقلت - ككل المدن، إنك، لكي تأخذ منها القليل، يجب أن تعطيها الكثير والكثير، ولكن في الأخير، بعد أن تفتح كشف الحساب، تجد أنك أنت الرابح على كل حال!!! | آخر تعديل عصي الدمع يوم 2010-12-10 في 13:12. |
| |