من خريج معطل إلى وزير مغفل. - منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد

2010-11-03, 15:37

رقم المشاركة : 1

ابن خلدون

بروفســــــــور

إحصائية العضو

ابن خلدون غير متواجد حالياً

من خريج معطل إلى وزير مغفل.

من خريج معطل إلى وزير مغفل.
بعدما غرف من نبع المعرفة بكلية الآداب .. وطاف في بساتين النحو والبلاغة والنقد واللسانيات والسيمولوجيا، ودراسة نصوص الشعرالقديم والحديث والنثر.. أجازته الكلية بشهادة تؤهله لتدريس الأدب ، لتلامذة الثانويات المقبلين على الالتحاق بالتعليم الجامعي . فكر وخمن. وآثر على نفسه أن يكمل مشوار الدراسة للتعمق في تخصص يرى أنه مغرم به حتى الثمالة، ولكي يضيف شيئا جديدا- حسب اعتقاده - كما أضافه السابقون والذين تأثر بفكرهم، وبمنهج تحليلهم، وبنظرياتهم في مجال الأدب الواسع الرحب.
ليس الحال كالحال، وكما يقال: دوام الحال من المحال. تم ما كان يطمح إليه وهو نيل شهادة عليا ، إلا أنها لم تخول له ضمان كسرة خبز، على اعتبار أن تخمة العقل لا تسد رمق البطن. والبطنة تذهب الفطنة – كما يقال- مما جعله يرابط بالشارع العام، وأمام قبة البرلمان، احتجاجا على خرق حق إنسان في الشغل، حسب ما تقره جميع مواثيق الأمم..
ذات ليلة، وهو في غرفته، يداعب صفحات جريدة.. جاءه مرسول يطرق بابه، يبلغه ببشارة منصب شغل، ارتعدت له فرائصه، وجنح إليه خياله وفكره، فانتصب مستبشرا، وللمرسول مستفهما ، عن طبيعة الشغل الذي بشره به. أجابه : أنت محظوظ. ولطول صبرك فأل محمود. ها أنت ستصبح وزيرا ؟. قهقه بضحكة هستيرية كادت أن تفقده عقله قائلا : ماذا قلت : وزير.؟ كااااخ كاااخ.. هل رأيتني أتسلق حبل الحزبية، لأصل مرتفع مهمة وزارية؟ ما هذا الهراء ؟. رد عليه: ليس هراء بل حقيقة. وسترى بأم عينيك. غدا بحول الله ستتوصل بتعيينك كوزيرلصديق لك، قضيت وإياه فترة الطفولة والمراهقة ، وانفرجت بكما السبل. فاختار هو طريق التجارة لعدم إتمام مشواره الدراسي، واخترت أنت طريق العلم والدراسة والبحث.. فصار هو من العليين ، وأنت من السافلين..والآن بعدما عرف بمصيرك الحياتي المتأزم ، حاول أن يصلح وضعك الاجتماعي، بتعيينك وزيرا له.
لم أفهم هذا الهراء الذي يلفظه فوك.؟ هل جننت ؟ أم جئت لتعتم ليلتي المضيئة بشموع الاستمتاع بشخوص نص لفن قص، وددت أن أكمل مغامراته ليرفعني، ويسمو بي ليسكنني تلك الغيمة البيضاء. دعك من التحليق في عالم الخيال،وجنح قليلا جهة الواقع لكي لا يصدمك مرتين، ولكي يجود عليك بما تحتاجه في معيشك اليومي. غدا لي موعد وإياك بغرفتك هاته، على الساعة التاسعة ليلا. استعد ذهنيا وفكريا وجسميا وطهريا لما ستناله من نصيب يوم غد. فكن في الموعد وإلى اللقاء.
ودعه المرسول، وتركه يعمه في يم تتلاطم أمواجه، يحاول جمع شتات فكره، ويعيد ترتيب مسار حياته، متلاعبا بأدوات استفهام لإيجاد خط ناظم لما سمعه من مرسول الليلة تلك. لم يدر كيف، ومتى، وأين قضى نهاره؟ شل فكره بالكامل، واقتصر فقط على التفكير في ساعة الصفر، ساعة الليلة الموعودة التي ستنفرج من خلالها عقدة العمل، وتنفتح من خلالها آفاق جديدة في عالم حساب الزمن بالمقابل. كم كانت فترة الانتظار قاسية ! فكلما اقترب الموعد، مر أمام عينيه شريط حياته الممتلىء بالتناقضات، والهزات التي خلخلت بنى توافقه النفسي والجسدي، مما أثر كثيرا على صورة شخصه الذاتي والمعنوي، سواء مع نفسه أو مع الآخر. وهو جالس في حوار مونولوجي، طرق الباب. فنط هلعا لفتحه. فإذا بالمرسول يفي بموعده، وفي يده حقيبة ملابس، يقدمها له على أساس أن يفتحها، ويرتدي ما بداخلها، حيث توجد بذلة جديدة، وقميص وربطة عنق. وكيس بلاستيكي يحوي حذاء جلديا أنيقا ، وجوربين. ذهل ، وفغر فاه دون أن ينبس بكلمة. أشار عليه بارتداء ما حمل له، وهو يدير وجهه إلى جهة أخرى، يتأمل ما علق بالجدران من قصاصات لقصائد وقصص منشورة في جرائد ومجلات أدبية، وبتوقيع صاحبها المعطل. قرأ ما تيسر لإيهام صاحبها باهتمامه بالأدب، مع العلم أنه ترك له فقط فرصة تغيير نفسه بما قدمه له.
كم كان أنيقا وهو يعد ربطة العنق التي لم يعرف كيف تتم عملية تشكيل عقدتها! طلب المساعدة، ففك المرسول لغز الربطة التي وقفت حجر عثرة، مندهشا للتغييرالحاصل على الرجل نتيجة ارتدائه الملابس الجديدة ، قائلا له : ها أنت أصبحت إنسانا آخر. رجلا يشار إليه بالبنان. اقذف بنفسك في الخارج ، وسترى الأعين الراصدة لكل جديد، ولكل خارج عن القاعدة. سحبه من يده بعدما صفق باب الغرفة، وامتطيا سيارة كان يركنها المرسول في زاوية من الشارع، وانطلقا بسرعة لملاقاة الرجل المهم الذي في يده مفاتيح سمسم .
المكان يشي بفرح نتيجة الصخب المتردد، والأنغام الموسيقية المنبعثة من هنالك، تتماوج وتتداخل، وتمزج بين فن العيطة والغناء الشعبي.. وصوت مغن شعبي يتطاول للوصول إلى أبعد نقطة في محيط الحي السكني. وأرداف فتيات ونساء تجبن عن تساؤلات الكمان الذي يعبث بأوتاره عازف محترف من دون تخرج من معهد موسيقي أو حصول على ورقة إشهاد. رابه الأمر في ما شاهده، وما سمعه، سأل مرافقه عن هذا الجو الصخبي والذي يعبر عن فرحة عرس أو شيء من هذا القبيل ؟. رد عليه : فعلا لم يخطىء حدسك. فالليلة ليلة عرس صديقك الذي نحن مستدعين لحضور ليلة زفافه، وهو مصر على حضورك بحكم الصداقة التي كانت تربطكما في الماضي، والتي على إثرها حاول أن يصحح وضعك المزري الذي تتخبط في فك طلاسمه، نتيجة طول مدة تعطيلك وبحثك عن عمل. فهو مصر على أن تكون الوزير الذي يمثله في ليلته هاته. لم أفهم ما المقصود ؟ وما الذي تنوي توريطي فيه بفعل هذا الهذيان الذي تعبر عنه ؟ ومن هو هذا الصديق الذي يكن لي هذا الاهتمام المبالغ فيه ؟. تقدم إلى قاعة الضيوف وسترى. تركه هنيهة وهو يبحث في كيفية الخروج من هذا المطب الذي وقع فيه ، وفكره شارد في البحث عن هذا الصديق اللغز. وهو في وضعه ذاك، أقبل مرافقه وهو محمل بأكواب عصيرفواكه، وأنواع من الحلويات، قدم له الطبق لاختيار ما يود شربه، أمسك بيده كوب عصير فواكه، وقطعة حلوى. عب في فمه شفطة منه ، بعدما قضم من قطعة الحلوى، وعيناه تمسحان المكان عله يتطلع لمحيا قريب أو صديق أو من ينفس عنه كربته.
اقتربت ساعة الحقيقة، كما اقترب معها موعد انزواء العريس بعروسه في غرفة على انفراد، لتبادل عرض خلع الملابس، والتباهي بالأجساد، في جو يطبعه القليل من الخجل الموسوم بالحمرة، تحت ظلال لهب شموع تتهادى وهي تراقص حركاتهما البهلوانية التي لا تمت للركح بصلة. في هذه اللحظة صحبه مرافقه إلى غرفة مجاورة ، وثمة طلب منه تغيير ملابسه، وارتداء لباس تقليدي، بعدما سحب من إحدى أبواب الصوان جلبابا وسروالا فضفاضا، وبلغة جديدة. لبى ما أمر به. إذاك بدأت فرقة "الغياطة والطبالة" في الرفع من إيقاعات العزف، خرج على إثرها صاحب الزي التقليدي مرتديا الجلباب وما صاحبه ، بعدما دفع به مرافقه إلى حلبة الصراع ،حيث تبعه الحجيج وكأنه هو العريس ، لكي يخلو الجو للعريسين الحقيقين. لم يدر ما أصابه.كان في مهمة بحث عن عمل ، فإذا به يتقمص دورا هو غير مطلع على حيثياته بتواجده في معمعة من المشاة، والإيقاعات، والرقص والزغاريد، يرسمون مساره لتمويه الحضور ، وإخلاء الجو للعريس والعروس ، ليعبثان بوقتهما الثالث في هدوء تام وسكينة. بينما هو يلعب دور الحصان المغمض العينين بضمادة و يجر العربة بما حملت دون إدراك لما يغزل ويحاك..

عن مجلة المدرس الالكترونية
· November 03 2010