ليس هذا المقال الساخر تعرية لرجل التعليم في العالم القروي وإنما تعريف موجز لبعض السمات التي تتشارك فيها بعض الفئات التعليمية في البادية ، وهي في معظمها أحكام صادرة عن الواقع المعاش ، كما أنها حكم الإستثناء بسبب ما قد يعتبره البعض تطاولا أو إستهزاء .
المعلم كائن برطبشوري ، وذلك من كثرة إلتصاقه بالسبورة وبأنامله الربو تحمله الطبشورة ، وهو الذي يمثل الطبقة العريضة المقهورة التي تضرب و تطالب بحقوقها المشروعة المشهورة من زيادات وترقية مذكورة .
المعلم كائن يعيش على التخطيط ، تراه منشغلا بالبرمجة و التفكير لأمور الحياة الصعب منها والبسيط ، يخطط لمذكرته اليومية وحدث ولا حرج حتى لزوجته المستقبلية ، يخطط للأيام الثلاثين من الشهر اللعين كما يسميه صاحبنا المسكين.
يخطط لمستقبل ابنه وهو لا زال في بطن أمه جنين .
المعلم كائن رقمي بكل المقاييس ، لا أقصد الآلة الرقمية البالغة التقنية ، وإنما صاحب الأحاسيس والأحلام الرقمية ، حياته من لحظة تعيينه حتى ساعة تقاعده أرقام في أرقام ،هويته تتحدد في رقم تاجيره ، مصيره يتوقف على أرقام السلم أو الدرجة . فالأرقام في حقل التعليم لها قدرة عجيبة .
المعلم كائن حلزوني ، يشتكي كثيرا من روتينية الأنشطة المقترحة وا جترار البرامج المتكررة فهو تارة يحمل هم الأجرة المرة ، وتارة أخرى يتأسف لمستويات تحسيين ذخله البطيئة وحتى إيقاع التطور المعرفي و المادي فهو
حلزوني مما اضطر البعض لممارسة تجارة بيع الحلزون .
المعلم كائن ورقي ، وذلك لكثرة إلتصاقه بالأوراق ، فهو مطالب بالوثائق صباح مساء، حتى بعض الأحيان قد ينسى طعام العشاء، فأين سنجد مثل هذا الوفاء.وهو أيضا ورقة صفراء عصفت بها رياح التعيين فرمتها بعيييييييييدا في قرى الجهالة حيث لا ماء ولا كهرباء .
المعلم مخرج موهوب ليس في عالم السينما والإبداع وإنما في عالم البؤس والضياع ( العروبية) يخرج المتعلمين من الظلمات إلى النور، يخرج الخيرات من جيوب الفقراء والخيام إلى معدته الفارغة ، إلى رصيده البنكي االوفير، ويقول أستعد للمستقبل وقد ترك غيره بدون حاضر أو حصير .
المعلم كائن غريب الأطوار ، تغيب عن بصيرته الأنوار ، والدليل أنه يعاقب جسديا ونفسيا أطفالا يضربون آلاف الأميال . أبطال هم الأطفال ، في الجري والتحمل وحتى حمل الأثقال التي تتمثل في الكم السلبي للمقررات والبرامج .
سارعو بالخروج نحو البوادي حيث عصافير المستقبل تذوب من لهيب الشمس ،
فيزيد صاحبنا في الطين بلة ، إذ يحرقهم بكلماته و شتائمه و ركلاته أحيانا .فكيف يجرأ على مثل هذه الفعال ويعاقب البراءة على سؤال .
المعلم كائن حربائي وذلك من كثرة مايتلون به في اليوم والليلة ، فيالهذه الحياة الذليلة ، سأرفع الستار فليستعد الجمهور ، أقدم لكم ملك الوجوه بدون منازع ، إذ أن المواد الدراسية المتنوعة تفرض أن يتحلى صاحبنا بنفسيات متعددة ، وجه للرياضيات حازم ووجه للإسلاميات خاشع ووجه لمادة التعبير بشوش ، فهو مع الكسالى غاضب ومع المجتهدين فرح ، وقد مر بذاكرتي من يعكس حالتين في آن واحد وكأنه الجوكندا ، إذ في لمح البصر إحساساته تتغير.
المعلم يعيش حياته بالأسود والأبيض ، اللونان المسيطران منذ زمان ، يعمل أمام سبورة سوداء تعكس سوداوية وضعه . ما يمنح له من زيادات زهيدة و تعويضات وضيعة وراتب هزيل ليس من أجل سواد عيونه بل لسواد أيامه فيستقبل المسكين دريهماته البيضاء التي لا تنفعه في أيامه الحالكة كحاله . يمسك طبشورته البيضاء مرتديا البذلة البيضاء أيضا ، حتى مع البياض رمز الصفاء والطهارة أصبح في حقلنا رمز الألم والمرارة . يتعامل مع صفحات بيضاء وهي الأطفال الأبطال . إنهما اللونان اللذان بهما حياته فلا يرى الحياة زاهية بألوانها بل يراها بهما .