2010-05-06, 12:49
|
رقم المشاركة : 3 |
إحصائية
العضو | | | مؤشرات الصدمة في قصة " صرخة مراهق " لمحمد معمري | [quote=محمد معمري;124857]صرخة مراهق تغيرات جسمية بدأت تؤثر على سلوكه.. قوى داخلية تشعره أنه قد أصبحت لديه القدرة على القيام بأعمال في استقلالية ذاتية ولو بمقاومة سلطة الأسرة من أجل بناء شخصيته التي حتما سوف يعتمد عليها مستقبلا.. لكن الانفعال والخوف يربكانه كلما حاول الاعتماد على نفسه.. فسولت له نفسه ذات يوم أن يخرج إلى الصيد وحده عسى أن يسعفه الحظ فيصطاد طريدة ليبرهن لوالديه وأسرته عن قدرته وبراعته.. لكن الرياح تجري بما لا تشتهي السفن. بينما هو يسير في الغاب، بين روعة الطبيعة الخلابة في جبال يخترقها نهر كبير بين الثلج والعشب، تحت سماء مكدرة الزرقة بالسحب المكدسة، في يوم من أيام الربيع أين يكون ميلاد حياة جديدة في الطبيعة؛ بعيدا شيئا ما عن الأسرة.. وحين خاب مسعاه! فظل أن يرتع قليلا.. لكنه فجأة سمع ضرضرة! فالتفت نحو موجة الصوت وإذا بلمح بصره يستوي بلمح بصر نمر – أنثى- ! واقف يترصد فريسته، أدرك في الحين مذاق لحمها ومقدار غنائها من الجوع، وانطلق كسهم الريح وراءه.. في ذلك الحين هو الآخر كان واقفا يستيقن مما رأت عيناه.. فأيقن أن أجله قد طرق باب نفسه! إلا أنه فضل الفرار على الاستسلام. يجري والخوف قد لبسه لبسا، ارتفع خفقان قلبه، تصبب عرقه، ازدادت سرعته.. أراد أن يطمئن فاختفى وراء صخرة صغيرة فرأى اللحاق يتواصل، فساير العدو.. ثم التفت وراءه فوجد اللحاق بدأ يقترب منه.. إلى أن رمق جذع شجرة جسرا يقطع النهر بين ضفتين فسلكه؛ إلا أن الجذع لا يصل إلى الضفة الأخرى! وحين استدار وانطلقت خطواته القليلة نحو العودة رأى النمر فوق الجذع يتقدم نحوه ببطء شديد.. فوجد نفسه بين أمرين أحلاهما مر! النمر أمامه، والنهر أسفله، والمسافة بعيدة لا يستطيع أن يرتمي منها.. ارتبك بين الخوف والرجاء، تارة يتقدم نحوه، وتارة يتراجع إلى الوراء؛ ولكن كان للوراء نهاية.. كان المسكين يظن أن تلك الشجرة ستنقذه من الهلاك! لكن لعبة القدر تسير بمشيئة الله كيف يشاء. بينما هو في ورطة شديدة، ليس هناك مفر، أمامه نمر يريد افتراسه، ومن ورائه نهاية الجذع في وسط النهر، والضفة الأخرى بعيدة، ومن تحته مسافة طويلة، والنهر كبير مياهه جارفة، وفوقه سماء تموج سحبا... وإذا بجزء من الشجرة ينكسر به فيهوي إلى النهر؛ ومن حظه أنه سقط في الماء قرب ذلك الجزء من الجذع؛ فقاوم تيار النهر حتى امتطى الجذع الصغير. ظن أنه قد نجا من الهلاك، لكن فرحته لم تدم طويلا؛ بينما كان جريان النهر يقوده نحو الضفة، أدرك النمر ميناء الجذع فوجده ينتظره عن كتب.. فأبى أن يستسلم مرة أخرى وقذف بنفسه في النهر وبدأ يصارع تيار النهر حتى وصل إلى الضفة؛ لكن النمر غضب هذه المرة غضبا شديدا فقال له: تبا لك!.. وما أن تأكد من أن قدماه قد لمست الأرض حتى وجد النمر مرة أخرى أمامه.. فلم يبق في وسعه إلا أن صرخ بكل ما يملك من قوة: - أمّاه! أمّاه! أمّاه! صرخة هزت عرش قلب أمه، فصرخت هي الأخرى صرخة جعلت الأمواج الصوتية ترسم الطريق نحو ابنها.. وبسرعة فائقة كانت حاضرة، وكانت الأصوات خلف الأشجار مدوية بقوة فرأى النمر أسرة الدببة حاضرة بقوة.. فتخلى وفر بجلده.. حينها كانت قهقعة المراهق قد ارتفعت عاليا ممزوجة بالعويل.. وكانت أمه تنادي عليه، لكن لم يفق مما حل به! إلا بعد حين؛ التفت إلى الخلف، فرأى أمه! فلم تصدق عيناه ما يرى! فانطلق بسرعة وهو يجأش نحوها، وبدأت تلاطفه بلسانها بعطف وحنان. بقلم: محمد معمري ************************** ينبني النص على النسق التصاعدي التالي : 1 ـ تغييرات مصاحبة لنمو المراهق ( الحيوان الرمز )، دفعته إلى النزوع نحو الاستقلالية رغم ما يساوره من مشاعر القلق والخوف والتوجس نتيجة هذا النزوع . 2 ـ وهو ما دفعه إلى التحول من مرحلة الهواجس إلى مرحلة التنفيذ .. وهي المرحلة التي تدل عليها المشرات التالية : - مؤشر الاقتحام المباغث للغاب كفضاء مخيف ، لكنه أساسا فضاء لامتحان الإرادة والقدرة على إثبات الاستقلالية . - مؤشر الصدمة الأولى : البطل وجها لوجه أمام نمر أنثى ... - مؤشر ما بعد الصدمة الأولى : الفرار عوض الاستسلام .. وهو المؤشر الذي صاحبته مجموعة من المشاعر تصب كلها في خانة الخوف الذي يتعارض مع النزوع نحو الاستقلالية ، ومن أهم هذه المشاعر : * لبسه الخوف لبسا * ارتفع خفقان قلبه * تصبب عرقه * ازدادت سرعته - مؤشرات الصدمة الثانية : وهي عبارة عن سلسلة من الصدمات عقب إيجاد البطل / الدب نفسه وجها لوجه أمام النمر للمرة الثانية ... والثالثة ، فبعدما كان مراقبا متفرجا على مشهد ملاحقة النمر لإحدى فرائسه ، أصبح هو الفريسة البديلة .. وهو ما صور الكاتب أهم لحظاته بقوله : " بينما هو في ورطة شديدة، ليس هناك مفر، أمامه نمر يريد افتراسه، ومن ورائه نهاية الجذع في وسط النهر، والضفة الأخرى بعيدة، ومن تحته مسافة طويلة، والنهر كبير مياهه جارفة، وفوقه سماء تموج سحبا... وإذا بجزء من الشجرة ينكسر به فيهوي إلى النهر؛ ومن حظه أنه سقط في الماء قرب ذلك الجزء من الجذع؛ فقاوم تيار النهر حتى امتطى الجذع الصغير. ظن أنه قد نجا من الهلاك، لكن فرحته لم تدم طويلا؛ بينما كان جريان النهر يقوده نحو الضفة، أدرك النمر ميناء الجذع فوجده ينتظره عن كتب.. فأبى أن يستسلم مرة أخرى وقذف بنفسه في النهر وبدأ يصارع تيار النهر حتى وصل إلى الضفة؛ لكن النمر غضب هذه المرة غضبا شديدا فقال له: تبا لك!.. وما أن تأكد من أن قدماه قد لمست الأرض حتى وجد النمر مرة أخرى أمامه.. فلم يبق في وسعه إلا أن صرخ بكل ما يملك من قوة: - أمّاه! أمّاه! أمّاه! " وهي الصرخة التي أشرت على نهاية مأساة كادت تفاصيلها تضع حدا لمحاولات البطل / الدب فرض استقلاليته وإقناع محيطه بها .. وهي نهاية تؤكد أن الاستقلالية لا تعني بالضرورة الانعزال عن الجماعة .. وهي الفكرة التي ترجمتها اللحظة الأخيرة من النص : " صرخة هزت عرش قلب أمه، فصرخت هي الأخرى صرخة جعلت الأمواج الصوتية ترسم الطريق نحو ابنها.. وبسرعة فائقة كانت حاضرة، وكانت الأصوات خلف الأشجار مدوية بقوة فرأى النمر أسرة الدببة حاضرة بقوة.. فتخلى وفر بجلده.. حينها كانت قهقعة المراهق قد ارتفعت عاليا ممزوجة بالعويل.. وكانت أمه تنادي عليه، لكن لم يفق مما حل به! إلا بعد حين؛ التفت إلى الخلف، فرأى أمه! فلم تصدق عيناه ما يرى! فانطلق بسرعة وهو يجأش نحوها، وبدأت تلاطفه بلسانها بعطف وحنان. " فكأن لسان حال الكاتب يقول لكل مراهق يحبو في مسار خطر الاستقلالية دون أهلية جسدية مادية نفسية اجتماعية .. : لك أن تستقل .. ولك أن تبني شخصيتك اعتمادا على نفسك ومؤهلاتك الجسدية والمادية والنفسية .. لكن لا للقطيعة مع القطيع ، فقد تكون في أمس الحاجة إليه ، ليس من أجل تكريس عقلية القطيع ، بل من أجل ضمان شروط الاستقلالية داخل الجماعة .. فيد الله مع الجماعة، ولك في " صرخة مراهــق " الدليل الدامغ .. ولا تنس قول الرسول صلى الله عليه وسلم : " عليـــــــــــــــكم بالجمــــــــــــــــاعة فإنمـــــــا يــــــأكل الذئب من الغنم القـــــــــــــــــــــاصية " إبداع في مستوى مفكر ومبدع من طينة الأستاذ محمد معمري .. أرجو من الأخ الأستاذ محمد ألا يكتفي بشكري على هذه القراءة المتواضعة .. أود أن أستفيد منه بالتسديد .. شكرا لك أستاذي على الإبداع .. استمتعت بقراءة النص .. مودتي وتقديري . محمد الورزازي المحمدي كِرْكاس | التوقيع | ما الخِلُّ إلا من أوَدُّ بقلبـــه *** وأرى بطرْفٍ لا يَرى بسوائه ( أبو الطيب المتنبي ) *********** | |
| |