الرئيسية | الصحيفة | خدمات الإستضافة | مركز الملفات | الحركة الانتقالية | قوانين المنتدى | أعلن لدينا | اتصل بنا |

أفراح بن جدي - 0528861033 voiture d'occasion au Maroc
educpress
للتوصل بجديد الموقع أدخل بريدك الإلكتروني ثم فعل اشتراكك من علبة رسائلك :

فعاليات صيف 2011 على منتديات الأستاذ : مسابقة استوقفتني آية | ورشة : نحو مفهوم أمثل للزواج

العودة   منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد > المنتديات العامة والشاملة > منتدى الأخبار العامة > الأخبار المنوعة


الأخبار المنوعة اخبار السياسة , اخبار اقتصادية, اخبار رياضية, الاخبار الإسلامية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 2010-09-11, 18:07 رقم المشاركة : 1
 
الصورة الرمزية أحمد أمين المغربي

 

إحصائية العضو







أحمد أمين المغربي غير متواجد حالياً


وسام المرتبة الأولى في المسابقة الرمضانية الكبرى

وسام المركز الثاني في مسابقة الشخصيات

افتراضي د. علي الإدريسي: المشكلات القائمة بين المغرب والجزائر من فعل البشر، وليست قضاء وقدرا



حاوره: نورالدين لشهب
Friday, September 10, 2010
يعتبر الباحث المغربي الدكتور علي الإدريسي واحدا من المثقفين الذين يغردون خارج سرب التاريخ الرسمي، كما يتبدى من كتابه المعنون بـ " عبد الكريم الخطابي: التاريخ المحاصر" وأطروحات أخرى عن الحركة الوطنية سواء بالمغرب الأقصى أو المغرب العربي. صدرت له مجموعة من الكتابات والأبحاث من أهمها " قضايا في الفكر الإسلامي عام 2003، ومبحث " الإمامة عند بن تومرت، دراسة مقارنة مع الإمامية الاثني عشرية" عام 1991، وكثير من الإصدارات والأبحاث المهمة في التاريخ المعاصر والفكر الإسلامي.
اشتغل الدكتور الإدريسي أستاذا في جامعة محمد الخامس بالرباط كما سبق له أن عمل أستاذا كذلك بجامعة الجزائر، وممثلا ديبلوماسيا بسفارة المغرب بالجزائر من 1990 إلى عام 2000، كما مثل المغرب لدى المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم من عام 1997 إلى عام 2000.
عمل د. الإدريسي عضوا مؤسسا لـ " مجموعة البحث محمد عبد الكريم الخطابي" للدراسات التاريخية والاجتماعية والثقافية" وعضو اللجنة الاستشارية لـ "موسوعة الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير بالمغرب" إلى غاية 2006 ، و عضو" اللجنة الاستشارية العلمية لدى المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير"، ومجلة "الذاكرة الوطنية"، من 2002 إلى 2006؛وعضو "فرقة البحث العلمي لجامعة الجزائر" المؤسسة عام 1988، وملاحظ لتطور العلاقات المغاربية- المغاربية.
في هذا الجزء الثاني من الحوار ، يتناول الدكتورالإدريسي قضية اغتيال عباس المسعدي، وهيمنة اللوبي الاستعمار بالمغرب وكذلك تاريخ العلاقات الجزائرية المغربية معرجا على حاضرها ومستقبلها.
عرف المغرب عقب استقلاله معتقلات سرية في طول المغرب وعرضه وتمت فيها تصفيات لشخصيات وطنية ولمناضلين أوفياء لقضية وطنهم، ولا يزال معتقل دار بريشة نموذجا لتلك المرحلة ... ما هي الدوافع الحقيقية وراء ذلك، وأي تفسير يراه الدكتور الإدريسي لهذا الصباح الاستقلالي الدامي؟
نذكر في البداية بأن جميع الحركات الوطنية السياسية والحركات التحريرية والحركات الثورية في العالم عرفت مسلسل التصفيات السياسية من أجل استئثار هذا التيار أو ذاك بلذة الحكم وبامتيازاته. والاستثناء الوحيد في عصرنا التجربة التي عرفتها جنوب إفريقيا بقيادة مانديلّا.
أما بالنسبة للمغرب فإن ما جرى صبيحة الاستقلال أسس لسنوات الجمر والرصاص التي استمرت قرابة نصف قرن، ولا تزال تداعياتها مستمرة حتى الآن. والسبب الأول في نظرنا هو غياب التوافق السياسي عند شركاء العمل الوطني عن مستلزمات مرحلة الاستقلال وبناء الدولة الوطنية بواسطة مجلس تأسيسي يُعِدّ دستورا تعاقديا. وبدلا عن ذلك أصبح الشركاء فرقاء، كل له حساباته الخاصة به وحده يريد أن يطوع بها مستقبل الدولة المستقلة وفقا لمصلحته. فحزب الاستقلال انتهج منهج تخوين كل من يعارضه؛ والخيانة تخول له تصفيته وهو مرتاح البال في غياب الضمير، وربما كان يسعى أن يستأثر وحده بالسلطة؛ إما على طريقة بورقيبة، وإما على طريقة الوزير الشهير أبّا احماد أيم السلطان مولاي عبد العزيز
أما القصر حتى وإن ظهر ساكنوه بمظهر يلائم العصر من حيث الزمن الفزيائي فإن زمنه السياسي كان لا يزال سلطاني الهوى لا يقبل من يشاركه في الحكم، كما كان هنالك صراع حول قيادة الحركة الوطنية السياسية بين محمد الخامس و حزب الاستقلال. فالحزب ادعي أنه هو الذي جعل من السلطان محمد بن يوسف سلطانا وطنيا، وهو الذي أضفى عليه صفته الملك محمد الخامس بدل السلطان بن يوسف. لكن القصر كان يرى في ذلك انتقاصا من ريادة محمد الخامس للعمل الوطني.
وكان الخطابي وحزب الشورى والاستقلال يدعوان إلى إعداد مشروع مجتمعي للمغرب المستقل بمشاركة الجميع، وإقامة دولة المؤسسات التي لا يعلو فيها أحد على القانون، وحازا بسبب ذلك تهمة معاداة الملكية، والعمل على إقامة النظام الجمهوري؛ وكأن دولة القانون نقيضة للنظام الملكي.
وإلى جانب هذا، كانت طموحات الشعب المغربي في استعادة كل أراضيه وممارسة حقه في المواطنة الكريمة والرقي الاجتماعي، وفقا لما كانت قد وعدت به خطب الحركة الوطنية السياسية، قد شكلت هواجس مقلقة عند أصحاب السلطة. فكان لا بد من العودة إلى السياسة الإسماعيلية. لكن الزمن كان غير الزمن فكانت سنوات الجمر والرصاص.
في السنة الماضية تابعنا نقاشا وجدالا سياسيا بين حميد شباط الاستقلالي وبعض الاتحاديين حول ما سماه الاستقلاليون بضلوع المهدي بنبركة في اغتيال عباس المسعدي... من اغتال عباس المسعدي يا دكتور؟
من المعروف أن علاقة المهدي بن بركة مع عباس المسعدي كانت سيئة قبل قيام انطلاق جيش التحرير بسبب معارضة المهدي. فحزبه كان يرى الكفاح المسلح إرهابا. واستمرت سوء العلاقة بينهما بعد الاستقلال، كما كانت علاقته غير ودية أيضا مع عدد آخر من قيادات حزب الاستقلال, كما أصبح عنصرا مثيرا للقلق عند دوائر مخزنية كذلك، بسبب عدم التقيد بتعليمات وضع الحد لنشاط جيش التحرير. في حين أنه كان يرغب في استمرار الكفاح المسلح حتى تحرير كل التراب المغربي، إضافة إلى مشروعه في توحيد جيش التحرير المغربي مع جيش التحرير الجزائري، خاصة بعدما ما أصبح له اتصالات بالخطابي وعلاقات متواصلة مع المخابرات المصرية.
فها أنت ترى أن الذين كانت لهم مصلحة في تصفية المسعدي كثيرون. أما ما أثاره حميد شباط فيثير تساؤلات أخرى، من ضمنها: إذا كان شباط قد عرف ذلك عن طريق وثائق أرشيف الحزب، فبود المغاربة جميعا الاطلاع على تلك الوثائق وغيرها من الوثائق التي ستساعد على تناول تاريخ المغرب الراهن بنزاهة، والتساؤل الآخر إذا كان مصدر الخبر قيادي سابق في الحزب، ما السبب الذي منع الزعيم علال الفاسي بصفته مسِؤولا أولا في الحزب عن مساءلة المهدي بن بركة بصفته مرؤوسه في ذلك الإبان؟ أم أن ما قيل عن اشتراك بن بركة وعلال الفاسي وآخرين من قيادات الحزب في تصفية معارضيهم أو المختلفين معهم سياسيا قد حال دون ذلك؟، أم أن ما يصدر من هذا الطرف أو ذاك، من حين لآخر،لا يعدو أن يكون لعبة تتجاوز شباط نفسه؟
وما يمكن التركيز عليه في هذا السياق هو أن ما وقع من تصفيات وصراعات على السلطة، وعلى كنز مغارة على بابا في تلك المرحلة، والمغرب المستقل في دور التشكل، لم يغتل المسعدي فقط، بل اغتال أحلام المغاربة وطموحاتهم وآمالهم في العيش أحرارا مكرمين في وطن حر لا يسود فيه إلا القانون. أما غير ذلك فذهب ويذهب جفاء، وأن كل من زرع أو سعى إلى ترسيخ ثقافة النسيان باغتيال الذاكرة الجماعية للمغاربة سيحصد حتما إهمال التاريخ له، وهو أكبر عقاب، لأن الجريمة الكاملة لا يمكن أن توجد.
أشرتم فيما تقدم وفي كتابكم كذلك إلى اللوبي الاستعماري بالمغرب... هل لكم أن تذكروا لنا بعض الأسماء أو على الأقل مظاهر ثقافته بالمغرب، وهل هو ظاهرة مغربية فقط؟
بدأ اللوبي الاستعماري في المغرب يظهر بفعالية في الزمن المغربي المعاصر منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر، من خلال المحميين والمجنسين، الذين أصبحوا في خدمة المصالح الأجنبية في المغرب، وغير خاضعين للمتابعة القضائية المغربية آنذاك، مهما يكن الجرم الذي يكون قد صدر منهم، وتطور مع فرض الاحتلال وبعد ذلك مع الاحتقلال ليصبح قوة ضغط ونفوذ داخل المغرب لصالح الدولة الاستعمارية.
وأفضل من عرّف اللوبي الفرنسي في شمال إفريقيا هو الجنرال دو كَول في مذكراته (الجزء الرابع، ص، 46) حين كتب قائلا: "لقد هيأنا أيضا نخبة من الرجال مشربين بمبادئنا... متعطشين للحلول محلنا في جميع المناصب". ثم راح يطمئن الرأي العام في بلده بأن رعاية فرنسا لرجالها لا تزال مستمرة ووصايتها عليهم لا تزال قائمة حتى في زمن الاستقلال. ففي تساؤل طرحه هو نيابة عن شعبه، قال: "هل يعني ذلك أننا إذا تركناهم يحكمون أنفسهم بأنفسهم يترتب علينا التخلي عنهم بعيدين عن عيوننا وقلوبنا" ؟ ثم أجاب: " حتما لا فالواجب يقضي بمساعدتهم لمجرد أنهم يتكلمون لغتنا ويتقاسمون معنا ثقافتنا". أما خصائصهم داخل بلادهم فتفضحها نظرتهم الدونية والازدرائة إلى بني جلدتهم ومعاملتهم بأسلوب سياسة "الأنديجان" الاستعمارية، والدفاع المستميت بكل الوسائل على مصالح فرنسا بصفة خاصة. ويُعرف هذا اللوبي في بعض معاجم شمال إفريقيا بصفة "الفرنكوفيليين".
والواقع أن وجود جماعات تكون في خدمة السادة الجدد في شمال إفريقيا ظاهرة قديمة. فقد كانت فئات من قدماء سكان شمال إفريقيا تدين بالولاء وتتقن الانحناء للغزاة والاندماج في ثقافتهم ونمط حياتهم، كما كان الأمر مع الفينيقيين القرطاجانيين، ولجأ آخرون بعد ذلك إلى سلوك الطريق نفسه مع الرومان، فترومنوا اسما ومسمى، وتمسح آخرون فيما بعد، حتى صار منهم مراجع أساسية للعقيدة المسيحية كالقديس أوغستينوس العنابي وغيره. واستطاعت جماعات أخرى أن تندمج في الوضع الذي فرضه الفاتحون المسلمون. ولم يكتف البعض من أولئك الجماعات باعتناق الإسلام فحسب، بل استعرب إلى درجة السعي لإثبات النسب العربي له والشرف النبوي أيضا، ليتسنى له الوصول إلى مراكز السلطة والثروة، كما هو شأن اللوبي الاستعماري اليوم في المغرب؛ فالولاء لفرنسا بالذات طريق مفتوح لولوج مغارة علي بابا والاكتناز بكنوزها. وكما كان عقبة بن نافع الفهري وموسى بن نصير مرجعا أساسيا للوبي العربي لتحقيق مكانة علية في سلم السلطة ومباهج الثروة أصبح ليوطي وجان جوريس سندا ومرجعا للوبي الاستعماري لتحقيق نفس الأهداف، بل والملجأ أيضا لفضح تجاوزات السلطة المغربية في حال الاختلاف معها. ومن المعلوم أن لا شيء يقلق السلطة في المغرب غير الصحافة الفرنسية بالدرجة الأولى والإسبانية بالدرجة الثانية.
وكما كان اللوبي العربي يختبئ وراء نصرة الإسلام ونشره وحمايته من "البربر" أصبح اللوبي الاستعماري يذيع سرا وعلانية أن الاستعمار الفرنسي كان طريقه إلى اكتشاف ثقافة الأنوار، ونهجه إلى الحضارة والحداثة، وإلى لغة العلم والتكنولولوجيا، وإلى الانخراط في الكونية كذلك.
لكن الأهم من ذلك كله هو الدعم الذي يتلقاه أعضاء اللوبي من الدولة الاستعمارية السابقة ومن شركائها الأقوياء في الغرب لتولية المناصب العليا وارتياد المكانة الرفيعة لحملة ثقافتها في الدولة "الوطنية"، وتمكينهم من الحصول على امتيازات مقابل حماية مصالحها الاقتصادية والتجارية وامتدادها الثقافي واللغوي.
ويكون اللوبي على استعداد دائم لإفساد كل الأسواق التي لا تكون فرنسا راضية عليها, والعمل عل تهميش كل من لا تكون فرنسا راضية عليه والقذف به إلى الزوايا المعتمة والمهملة. والكل يعرف كيف تدافع فرنسا عن أعضاء اللوبي في حال تعرضهم لغضب المخزن، وكيف تعمل على رد الاعتبار إليهم. والعكس صحيح. فمثلا كثيرا ما كان يذكر لنا نجل الخطابي المرحوم سعيد بأن مسألة عودة رفات والده مسألة فرنسية بالأساس، وأن الإهانة التي لحقت عمه امحمد حين عودته إلى المغرب لم تكن قرارا مغربيا بقدر ما كان رغبة فرنسية.
وما ينقص اللوبي الاستعماري في المغرب للكشف عن خططه ونفوذه للملأ كفئة قوية بنفوذها في المغرب، حسب اعتقادنا، هو الشجاعة الأدبية الكافية، على عكس ما حدث في تونس مثلا. فبورقيبة أعلن وبدون مواربة أن ما يربط تونس بالحضارة العربية الإسلامية ليس إلا من قبيل الميثولوجيات, ثم أردف قائلا "إن مارسيليا أقرب إلى تونس من دمشق والقاهرة". واليوم هناك تصنيف رسمي في هذا البلد الشمال الإفريقي لمراحل التاريخ الحضاري لتونس؛ ويتعلق الأمر بالمرحلة القديمة القرطجانية بعصريها الفنيقي والروماني، ثم مرحلة الحضارة العربية الإسلامية التي تنتهي عند التحاق تونس بمرحلة الحضارة المعاصرة.
ويقوم اللوبي الاستعماري في الجزائر بالاختفاء وراء عبارات من مثل "اللغة الفرنسية غنيمة حرب"، ولا يتورع عن تحميل الإسلام واللغة العربية مسؤولية خلق الإرهاب في هذا البلد جهارا نهارا. إذ كثيرا ما يتم ترديد مثل هذه العبارات والأحكام من قبل شخصيات معروفة بولائها لفرنسا، والموصوفة في معجم بعض الصحافة والصالونات الجزائرية بـ"حزب فرنسا".
ولا نعتقد أن الأمر يختلف في المغرب فقد وصلت الوقاحة ببعضهم إلى التصريح في فيلم وثائقي عن العلاقات الفرنسية المغربية بأنه لولا فرنسا لما التحق بالتعليم. وربما كان يتشفى من الخريجين من التعليم باللغة العربية الذي يعاني منه أهله التهميش والبطالة؛ فهم بالنسبة لهذا اللوبي أميون ما داموا لم يتعلموا في المدارس الفرنسية.
وتجدر الإشارة بالمناسبة إلى أن المغرب هو البلد المنفرد على دول شمال إفريقيا باحتضان أكبر عدد من المدارس والمعاهد الفرنسية. وجل أولئك الذين يدعون إلى التعريب في خطبهم الحزبية، أو في خطب استغفال أبناء الشعب, كي لا يزاحمونهم في المناصب والوظائف المدِرّة للثروة والجاه، يرسلون أبناءهم وبناتهم إلى تلك المدارس والمعاهد. ولذلك أصبح كثير من المواطنين الذين يعتزمون ضمان مستقبل أبنائهم يناضلون ويبذلون جهودا فوق طاقتهم المالية أحيانا، من أجل تجنب فلذات أكبادهم غوائل الدهر السياسي والاقتصادي، والمواطنة المهانة أمام مقر البرلمان بالرباط، أو أمام مقرات الإدارة العمومية في الأقاليم. والجميع يعلم أنه قلما يوجد متعلم في مدارس البعثة الفرنسية في صفوف حزب الخريجين من الجامعات المغربية العاطلين عن العمل.
سبق لكم دكتور الإدريسي أن عملتم في الجزائر كدبلوماسي، كما سبق لكم أيضا أن عملتم في جامعة الجزائر... كيف ترون الصراع الجزائري المغربي حول مشكلة الصحراء؟
في البداية أريد أن أبدي ملاحظة أراها جديرة بالتسجيل. ويتعلق الأمر بمفارقة المحبة والعداء بين المغاربة والجزائريين، فهم عندما يتصرفون كأشخاص عاديين غير منغمسين في خلفية التوتر السياسي، المسيطر على علاقات بلديهما منذ ما قبل التنازع على الصحراء، ترى نماذج رائعة من الوفاق الذي يبلغ درجة الصداقة، قد لا يكون لها مثيل مع أي طرف آخر. لكن بمجرد أن يتعرض شخص من هذا البلد أو ذاك للموقف غير الودي أو العدائي للجار الجغرافي الآخر إلا وتبدأ عواطف هابيل وقابيل في الكشف عن نفسها، بدء بالمعجم اللفظي الأكثر قدحا وحقدا لاستعماله ضد الذي كاد أن يكون قبل قليل وليا حميما، ووصولا إلى لغة التنابز بالألقاب المكتسبة من تربية الوطنية الصغرى، المعبر عنها بامتياز في وسائل إعلام البلدين الموصوفين مجاملة بالشقيقين، والمتصفين فعليا وواقعيا بالجارين الشقيين.
نعتقد بأن النزاع حول موضوع الصحراء ليس إلا المرحلة القصوى العاكسة لعواطف غير ودية ونزاعات قديمة بدأت تتراكم منذ انهيار دولة الموحدين في أواخر القرن الثالث عشر، أو الوسيلة الضامنة لتحقيق أهداف أولئك الذين لهم مصلحة في استمرار الخلل الذي أصاب العلاقات المغربية الجزائرية, منذ ما قبل الاستقلال بعقود كثيرة، إن لم نقل بقرون عديدة. فبالإضافة إلى عقدة التاريخ وغرور الجغرافيا المؤثرين في توجيه هذه العلاقات، تزعم بعض المنشورات شبه الرسمية في الجزائر ككتاب "ذاكرة الجزائر" مثلا، الصادر منذ سنوات عن متحف الجيش الوطني الشعبي، أن وقوف الجيش الجزائري أمام أطماع المغرب اليوم، حسب تعبيره، لا يقل عن موقفه ودوره الذي قام به هذا الجيش في العهد الزياني العبد الوادي حين لم يسمح لجيش المرينيين من السيطرة على عاصمتهم تلمسان في أوائل القرن الرابع عشر الميلادي. وتمتلئ منشورات أخرى بلغة نصف الكأس الفارغ المعبر عن سوء العلاقات بين البلدين. ونادرا ما يتم النظر إلى النصف الآخر المليء بالإيجابيات، لأن التربية الوطنية والسياسية قررت ذلك. ونستطيع أن نشير إلى بعض الأمثلة الخاصة بهذه الظاهرة على سبيل المثال فقط وليس الحصر. في القرن التاسع عشر حين احتلت فرنسا الجزائر هب المغاربة، حكومة وشعبا لنصرة جيرانهم الجزائريين، لكن كتب التاريخ في الجزائر تتجاهل ذلك. ولا تركز إلا على موقف السلطان عبد الرحمن من الأمير عبد القادر الجزائري بعد هزيمة وادي أيسلي العسكرية سنة 1844 مع فرنسا بسبب تلك النصرة. وقد كانت تلك الهزيمة وراء إملاء شروط فرنسا على المغرب الرسمي بعدم الوقوف إلى جانب الأمير عبد القادر الجزائري، ولا تتم الإشارة إلى استمرار الموقف المساند للمقاومين الجزائريين من قبل قبائل الشرق والريف، وإلى فتاوى علماء فاس الداعية إلى نصرة أبناء دار الإسلام في الجزائر، على الرغم من تراجع مساندة السلطان المنهزم والمكبل باتفاقية طنجة التي فرضتها فرنسا عليه عقب الهزيمة مباشرة. وعوضا عن التنويه بذلك أو الإشادة بالدعم الذي وجده الأمير عبد القادر عند الشعب المغربي يتم التركيز والتكرار في التاريخ المدرسي وغير المدرسي على أن سبب هزيمة الأمير عبد القادر كان بسبب خيانة المغاربة له !!!
ولا يزال مرشدو متحف الجيش في الجزائر، حيث يوجد تمثال للأمير عبد القادر، يشرحون لكبار زوارهم أن السلطان عبد الرحمان المغربي خان الأمير وساعد فرنسا على الانتصار عليه. ومن النوادر التي تروى في هذا الشأن أن ولي العهد سيدي محمد، الملك محمد السادس حاليا، وشقيقه مولاي رشيد زارا الجزائر، في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، بعد الانفتاح الجزئي للنظامين على بعضهما البعض، وكان ضمن برنامجهما زيارة متحف الجيش، فراحت مرشدته تكرِّرُ على مسامعهما أسطوانة خيانة السلطان عبد الرحمن للأمير عبد القادر دون أدنى خجل، أو احترام لمشاعرهما على الأقل.

ومن جهة أخرى فإن عددا قليلا من الجزائريين يعرف أن المغرب ساند الجزائر في حرب تحريرها للتخلص من الاستعمار، لأن التعامل الرسمي مع المساندة المغربية لجيرانه في الشرق يشبه إلى حد كبير تعامل اللوبي الاستعماري في المغرب مع الخطابي.

وتتفق المواثيق الجزائرية كلها بدون استثناء على عدم الإشارة، ولو مجرد إشارة، إلى المساندة المغربية لحرب التحرير الجزائرية، بل تعتبر أن حصول المغرب وتونس وكثيرا من الأقطار الإفريقية على استقلالها كان بفضل الثورة الجزائرية. وتذهب كثير من الكتابات الجزائرية إلى أن الفقيه المعمري القبائلي الجزائري، الذي كان مستشارا لمحمد الخامس، هو من كان وراء وطنية محمد الخامس، وأن جيش التحرير المغربي كان برئاسة جزائري آخر وهو الدكتور عبد الكريم الخطيب...إلخ.

وفي السياق نفسه لا تُذكَر مساهمة الجالية المغربية بالجزائر في حرب التحرير الجزائرية، ولم يتم نسيانهم فحسب، بل وصل الأمر بقادة الجزائر المستقلة بمعاملتهم معاملة دون عظمة حرب التحرير الجزائرية التي شاركت فيها هذه الجالية تطوعا من أجل الحرية، ومساندة لأخوتهم الجزائريين. لكن ما جرى لهم بعد ذلك كان أمرا آخر لا يمت بصلة إلى تضحياتهم في سبيل تحرير الجزائر واستقلالها. فقد أشار في هذا المجال الرائد لخضر بوركَعة، وهو من قادة الثورة المسلحة ضد فرنسا، في كتابه "شاهد على اغتيال ثورة"، أنه صادف أثناء وجوده في سجن المرس الكبير في وهران، نتيجة خلافات سياسية مع الرئيس الأسبق هواري بومدين، وجود عدد كبير من ضباط عاملين في الجيش الجزائري معه في ذلك السجن الرهيب، وعرف أنهم من أصول مغربية شاركوا في حرب التحرير الجزائرية، لكن بومدين أمر باعتقالهم وإعدام بعضهم، بدعوى أنهم مغاربة جواسيس لا يِؤتمن جانبهم على الثورة الجزائرية. وكان هؤلاء الضباط قد حصلوا على الجنسية الجزائرية واختاروا الاستمرار في خدمة العلم الجزائري، لكن لم ينفعهم لا حربهم إلى جانب جيش التحرير ولا تجنسهم.

وروي لي صديق وزميل يعمل أستاذا للتاريخ في جامعة الجزائر، منذ أشهر فقط، أنه استضاف الرائد بوركَعة في الجامعة لكي يحاضر على طلبة الماجستير في قسم التاريخ عن موضوع حرب التحرير الجزائرية، فاندهش الطلبة اندهاشا غير مسبوق عندما أعلن أمامهم أنه كان تحت أمرته 32 مغربيا من أصل تسعين (90) مجاهدا في الناحية التي كان يرأسها. فمثل هذه الحقائق يندر ذكرها علنا، لأن صورة المرّوكي (المغربي) التي كونتها ثقافة تربية الوطنية الصغرى في المخيال الشعبي الجزائري يصعب، إن لم نقل يستحيل، أن تقبل ما ذكره الرائد بوركَعة.

ومن جهة أخرى حولت حرب الرمال سنة 1963 بين المغرب والجزائر، التي وقعت بعد سنة واحدة من استقلال هذه الأخيرة، العلاقات بينهما إلى شبه كثبان رملية متحركة ضببت رؤية البلدين لمستقبلهما كجارين، وأدخلتهما في نفق حيث "أدار كل واحد ظهره للآخر" كما اعترف بذلك الحسن الثاني في كتابه "ذاكرة ملك" (ص 50)، وأمست بالتالي بمثابة الرطوبة التي استوطنت داخل جسم علاقاتهما والتي سببت، ولا تزال تسبب، له حساسية دائمة، بل أدت إلى إصابته بزكام مزمن، وبضيق صدر أيضا.

ومنذ تلك الحرب اتسمت العلاقات بالمواجهات والصراعات التي قد لا تنتهي بانتهاء التنازع على الصحراء؛ هذا التنازع الذي يعد في حقيقة أمره جزء من الكل الذي تختفي وراءه الأهداف الكلية غير المعلنة للمتنازعين. وكمثال على ممارسة سياسة الاختفاء والمناورة السلبية كانت الجزائر "تنادي" بضرورة معالجة قضية الصحراء وفق قرارات الأمم المتحدة فقط، بعيدا عن مضمار علاقات البلدين. وعندما أبدى المغرب إرادته في الانخراط في هذا التوجه الدبلوماسي انقلبت الحكومة الجزائرية على موقفها السابق، فأضحت تصرِّح بإلحاح أن أي تطبيع جدي للعلاقات لابد أن يمر عبر قبول المغرب تطبيق تقرير المصير لساكنة الصحراء، وفق تأويلها هي لمبدأ تقرير المصير. ثم أضافت لاحقا شرطين آخرين: أحدهما يشبه إلى حد بعيد ما تطلبه إسرائيل من الفلسطينيين، وهو منع وقوع الإرهاب في الجزائر، وكأن المغرب هو مصدر الإرهاب الذي يضرب هذا البلد.

أما الشرط الثاني فيتعلق بضرورة قيام المغرب بمنع التهريب على حدودها الغربية والجنوبية الغربية، دون أن تطرح السؤال الذي يجب أن يطرح وهو من الذي يملك القدرة الحقيقية على القيام بعمليات التهريب الكبرى في الاتجاهين والحدود مغلقة والعسة مشددة !! ثم أن ما تطلبه من جيرانها في الغرب لا تطلبه من جيرانها الآخرين حيث ينشط التهريب بقوة، وحيث ينشط ما يسمى بالإرهاب أيضا.

ومن جملة العوائق للسير سويا نحو المستقبل الاعتقاد الراسخ عند المسؤولين الجزائريين بأنهم الأحق بقيادة شمال إفريقيا كله بما فيه مصر، باعتبار أن الشعب الجزائري قدم ثمنا غاليا لافتكاك استقلاله من الاستعمار، عكس آخرين الذين استفادوا من ثورته، وقد قال لي أحدهم ذات يوم إن عدد الشهداء الذي قدمه المغرب من خلال كل مرحلة كفاح جيش التحرير المغربي كانت الجزائر تقدمه في يوم واحد!! وهناك أشياء أخري يترفع عن ذكرها العقلاء.

وكيف الخروج من هذا الوضع الذي يفتح أبواب المستقبل لغير صالح الجيل المغاربي برمته؟

في اعتقادي أن عقلاء الأمم وحكماءها الجديرون بحمل هذه الصفة الرفيعة لا يعدمون الحلول للمشكلات ذات المصدر الإنساني، ولا يعجزون عن إيجاد السبل والوسائل التي تساعدهم على الخروج من المتاهات التي ازدادت عوائقها وتفاقمت عبر الزمن السياسي السلبي للبلدين. ومن جانبنا يمكن أن نشير بكل تواضع إلى بعض الأفكار التي يمكن أن يُستأنس بها إذا كانت هنالك إرادة حقيقية للخروج من الوضع الحالي:

أولا، أن تتغلب نظرة المستقبل على ذهنية القبيلة السياسية التي سيطرت على مراكز القرار في الدولتين "الوطنيتين"، وذلك بتقييم المرحلة الماضية كلها، وليس مرحلة النزاع الحدودي والصحراوي فقط، من أجل تقويم النظرة المستقبلية خدمة للمنافع والمصالح التي يمكن أن تعود بالخير على الجميع. وهذا يتطلب الشجاعة الأدبية، وروح النقد الذاتي الإيجابي، لطرح أسئلة جادة، لا تكون من نوع رفع الأصوات في المزايدات التي مللناها، وإنما تلك التي من شأنها أن تسعى إلى تجديد أواصر التواصل بين شعبين جمع ويجمع بينهما الجوار الجغرافي قبل أي شيء آخر، وأن يشعر هؤلاء وأولئك بالمسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقهم لتجنب عواقب التاريخ ومكره الذي لا يرحم أحدا.

ثانيا، يجب الاعتراف بأن المشكلات القائمة بين البلدين هي من فعل البشر، وليست قضاء وقدرا، وهؤلاء البشر لهم حتما القدرة على إيجاد الحلول المناسبة لها أيضا إذا انتهجوا نهج الحكماء. وإذا "تعذر" وجود حكماء لدى الشعبين، وهو أمر غير صحيح بالمطلق، إذا تم التخلي عن حق النقض الذي تستأثر به بعض الجهات المسؤولة، المفضلة لأصحاب الولاء على أصحاب الكفاءة.

ويجب التذكير بأن اللجوء إلى "حكماء" أجانب أضحى أمرا مألوفا في القضايا الاقتصادية والمالية والتقنية والأمنية في البلدين. في حين نرى أن قضايا السلام والمستقبل أولى من غيرها... ومهما يكن من أمر فإننا بحاجة إلى من يجذب الشعبين الجارين إلى الأمام بدل الإبقاء على تخبطهما في أوحال الماضي.

ثالثا، إحالة الأحداث التي أصبحت في ذمة التاريخ إلى المؤرخين، لأن أحداث الماضي التي أنتجتها اعتبارات سياسية ظرفية ليس من المنطق في شيء أن ننقلها من سياقها ونجعل منها برنامجا سياسيا لبناء "الدولة الوطنية" عند هذا الطرف أو ذاك، ويرهن أجيال المستقبل. وفي هذا الإطار قام مجموعة من الباحثين المغاربيين، المهتمين بتعثر البناء المغاربي، خلال ملتقى بمدينة وجدة، (أبريل 2009) بتوجيه نداء يتضمن مقترحات تخص سبل تجاوز الوضع الحالي للمنطقة المغاربية وليس الحالة المغربية الجزائرية فقط . ومن بين ما جاء فيه "العمل على عدم المزج بين القضايا ذات الصبغة التاريخية وبين القضايا السياسية الراهنة، والدعوة إلى تغليب نظرة المستقبل على نظرة التاريخ في العلاقات المغاربية."

رابعا، قيام وسائل الإعلام بتعريف الرأي العام المحلي بما حدث ويحدث من تطورات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية في البلد الآخر بإيجابياتها وسلبياتها بعقل مهني وبنزاهة أخلاقية، بعيدا عن اللغة المُهينة للجار. وفي هذا المعنى دعا نداء وجدة أيضا "وسائل الإعلام في البلدان المغاربية إلى الالتزام بأخلاقيات المهنة وتجنب الخلط بين انتقاد سياسات أو خطط معينة عند هذا الطرف أو ذاك وبين الكتابات التي تقومعلى الحط من القيم الوجودية والثقافية لهذا الشعب أو ذاك، وتعميق ثقافة الكراهية والحقد".

على ذكر وسائل الإعلام، ما هو تقييمكم للعمل الذي تقوم به هذه الوسائل في تدهور العلاقات بين البلدين، خاصة وأنكم كررتم الإشارة إلى دورها السلبي أثناء هذا الحوار؟

يصعب حصر "المكاسب" الخبيثة التي جناها ويحنيها أصحاب مصلحة استمرار منطق العداء والمواجهة في علاقة البلدين مع بعضهما البعض بما تقوم به الصحافة المدعمة من طرفهم، لكي تتبني وتروج لخططهم وأهدافهم. ويتعلق الأمر بصفة خاصة بالصحافة الحزبية التي تعيش على المزايدات بدعوي استمالة الشارع العام لطروحاتها، ثم أن أغلب الصحف التي يدعي كتبتها بأنها صحافة "مستقلة"، لا يعدو أن يكون استقلالها كاستقلال شعراء العصر الأموي.
ومن جهة أخرى يكون من الخيال المرَضي أن يعتبر البعض أن مثل هذه الصحافة وسيلة لتقارب الشعبين؛ فما تتركه من آثار سالبة لقيم الإخاء وتخريب لأواصر الجوار، وتسميم للوجدان العام هو أبشع من المقابل الذي يبيعون به مداد أقلامهم لأسيادهم، وكراء أفواههم لأكل ثومهم.
وأتعجب عندما تتناول تلك الصحافة ما يسمى بحوار الحضارات وهي تخرب كل أشكال الحوار الحضاري بين الشعبين المحكوم عليهما جغرافيا بالجوار الأبدي، قبل أن يجمع بينهما ما يسمى في لغة المناسبات "وحدة "التاريخ المشترك" و"وحدة اللغة" والدين" إلخ..، دون أن يلتفت أصحابها وكتبتها إلى أن دولا في الضفة الشمالية للمتوسط لا تجمع بينها لا وحدة اللغة ولا المذهب الديني، بل يوجد بينها ميراث ضخم من التاريخ الدموي، لكنها اقتنعت بأن التعصب للمصالح الضيقة وللوطنية الصغرى قد ضيع الجميع وتركه نهبا للضغائن ولثقافة الأخذ بالثأر، ولآلة الدمار الذي امتد قرونا من الزمن.
وأهل العقل السياسي عندنا على دراية كاملة بأن جيراننا في أوروبا لم يتجاوزوا ما ألحقته بهم وطنياتهم الصغرى إلا بتكوين وعي تاريخي جديد قائم على الاعتراف بالاختلاف والتعدد، والعمل الجاد على الانتقال من ثقافة الوطنية الصغرى إلى ثقافة الوطنية الكبرى(De la culture national à la culture multinationales) ،التي تولد القناعات والاختيارات الهادفة إلى الحصول على نفس المصالح وأكثر في زمن السلم والتوافق، من تلك التي كانوا يعلنون الحروب من أجلها. وذلك بانتهاج مسلك سياسي قائم على الحوار الإيجابي، وعلى منطق الاعتماد المتبادل عوض العداء المتبادل، وعلى الحداثة السياسية قبل أي حداثة أخرى. لكن الذين يعانون من التخلف الحضاري والسياسي يعجزون دائما عن أخذ العبرة من تجارب الآخرين. فبدل أن يجدوا الحل لمشاكلهم يعقدونها فيبقون يتخبطون فيها...
ولكي لا يبقى كلامنا نوعا من التحليق في السحاب نورد أحد النماذج فقط، من "مساهمة" هذه الصحافة، المقصودة من كلامنا، في التحريض على كراهية الجار وتكوين الأحقاد... حتى لا نخرج من منهجية هذا الحوار.
لكن قبل أن نعرض هذا النموذج نشير إلى أن المواطنين في البلدين يعانون كثيرا وبنفس الدرجة من قلة الأدب والتربية وانعدام الضمير المهني عند كتبة صحف ومجلات لا يرون في الجار الآخر غير السوء، حين لا يكتبون بعقولهم، ولا بضميرهم المهني، ولا يرون الأشياء بعيونهم، وإنما يكتبون ما يملى عليهم ويرون بعيون أسيادهم الذين لهم أهدافهم في استمرار الفرقة والعداء بين الشعبين الجارين.
ونأتي الآن إلى عرض النموذج، ونتساءل عن شعور أي مواطن جزائري أو مغربي حين ينتهي من قراءة افتتاحية جريدة "الفجر" الجزائرية، التي تجعل المغرب مصدر كل الآلام التي عانت وتعاني منها الجزائر حين كتبت تقول: "...واليوم تواجه الجزائر ما هو أخطر من كل هذا،(الإرهاب والجريمة المنظمة) المخدرات التي تحاول قوى أجنبية، بما فيها المغرب غير الشقيق، ضرب الجزائر بها كسلاح فتاك. فبعد أن فشلت مخططات إسرائيل والمغرب وأمريكا في هدم البيت الجزائري من خلال نشر السلفية الدموية وسط المجتمع، ها هي قوافل المخدرات تمطر الجزائر يوميا بقنابل موقوتة، قنابل استهدفت البلاد في شبابها وقواها المستقبلية، وصارت قوافل المخدرات تحمل إلينا عبر الحدود الغربية العشرات من الأطنان يوميا. ولا ندري كم هي الكمية التي لا تعلق في شباك حراس السواحل والحدود وتصل المستهلك؟ للتذكير، فإن المغرب استعمل هذه الآفة في ضرب الجزائر في العمق منذ السنوات الأولى لفتح الحدود، وتحدثت الصحف وقوات الأمن في العديد من المناسبات منبهة لخطورة ما يهددنا من حدودنا الغربية، فالمغرب لم يجد طريقة أخرى للانتقام غير تنويمنا وهدم مجتمعنا بضربه في الصميم. لكل هذا، لن نقبل كأمهات وكمواطنين وكمجتمع بفتح الحدود مع المغرب، لأنه جار لئيم لا نأمن جانبه على أبنائنا." (عدد 6 مايو 2009).
ومثل هذه السموم تمتلئ بها كثير من جرائد البلدين، كما ذكرت لك، والفرق بينها ليس في طبيعة السموم التي تنفثها في العقول، ولا في الأحقاد التي تنميها كسياسة وطنية نحو الجار الآخر، بل في درجتها فقط.
وهل الشعب الجزائري كما عايشتموه تنطلي عليه مثل كتابات هذا الصنف من الصحافة، أم أن ما تنشره يبقى مجرد رجع الصدى لأوامر الجنرالات مقابل ما يدفعونه لاستمرار حياة تلك الصحافة ؟
في غياب الثقافة الديمقراطية، وفي الحضور القوي للوطنية الصغرى في الخطاب اليومي وفي التربية المدرسية والسياسية، وفي استمرار إخفاق المشاريع الاقتصادية واتساع مساحة الفقر في بلد تدر عليه ثروته البترولية عشرات الملايير من الدولارات، وفي دعم أصحاب الشأن الصحف التي تطبع أكثر من مليوني نسخة يوميا، وتباع بثمن رمزي لا يتجاوز 1 درهم للنسخة التي يصل عدد صفحاتها إلى 32 صفحة، والتي ينبغي أن تكون محملة بكل ما يسيء للمغرب، دون احترام الحد الأدنى من أدبيات الجوار المتعارف عليها في زمن السلم، بل حتى في زمن الحرب. كل هذا لا يساعد على معرفة الموقف الحقيقي أو الشعور العام من موضوع العلاقات المغربية الجزائرية. خاصة أن غالبية الفاعلين الحزبيين والسياسيين لا يتورعون عن القول: " إن التوافق بينهم حاصل مئة في المئة من قضية الصحراء التي توجه سياستهم مع الجار المغربي.
ولعل هذا التوافق يفسر عدم قيام أي مجموعة جزائرية بالاحتجاج على سياسة حكوماتهم تجاه المغرب. وذلك منذ رسالة فرحات عباس وبن يوسف بن خدة والشيخ خير الدين وحسين لحول في 1975، المستنكرة للمنحى الذي اتخذته سياسة الرئيس بومدين نحو المغرب، والتي أدخلوا بسببها السجن بوصفهم خونة للثورة، وهم شخصيات ورموز تاريخية ووطنية وثورية. وكان فرحات عباس وبن خدة على التوالي قد توليا رئاسة الحكومة الجزائرية المؤقتة أيام حرب التحرير، دون أن يكون هناك أي رد فعل شعبي على سجنهم وعلى وصفهم بخونة الثورة. ولم تظهر أي بادرة إيجابية أخرى منذ ذلك الحين إلى الآن.
إذن كيف ترون مستقبل العلاقة بين المغرب والجزائر؟
إن المعطيات الحالية لا تحيلنا إلى الاستبشار بوضع أفضل من الواقع الحالي، فباستثناء تلك المتمنيات التي تُدبج بها الرسائل المتبادلة في المناسبات العامة، والتي تبقى في مستوى لغة المجاملات الدبلوماسية والتقاليد البروتوكولية المستوردة، ليس هناك شيء جديد، بل لن يكون هناك أي تغيير جذري في المدى المنظور على الأقل، في غياب مبادرا جادة تتجاوز تراكمات الماضي. خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار ما يُعدّ له على أرض الواقع. فالإعلام الجزائري أضاف إلى قضية الصحراء، عنوان الصراع الحالي قضية أخرى تتعلق باتهام المغرب بالوقوف وراء حركة فرحات مهني الذي أعلن تأسيس حكومة الاستقلال الذاتي لمنطقة القبائل من فرنسا، لكن التهمة موجهة للمغرب كالعادة، تطبيقا للمثل القائل: "واحد ياكل الفول والآخر يتنفخ فيه". إضافة إلى الملف القنصلي الذي أعلن عنه الوزير الجزائري المكلف بشؤون الجالية والذي يتعلق بأملاك الجزائريين في المغرب التي نالتها سياسة المغربة ذات يوم، على الرغم من أن المغرب الرسمي تجنب إلى حد الآن طرح ممتلكات 45000 من المغاربة المطرودين من الجزائر سنة 1975.
ويبقى الأمل في تحسن العلاقات المغربية هو ظهور جيل سياسي جديد نافذ في البلدين، يؤمن بسياسة المصالح المتبادلة بدلا عن سياسة المواجهة والصراع التي تنتسب إلى منطق السياسة القبلية، التي طبقتها إلى الآن ثقافة الوطنية الصغرى. أما التفكير في اللجوء إلى قوى خارجية نافذة في المنطقة من أجل تحقيق الوئام والإخاء بين العاصمتين الرباط والجزائر. فإن مثل هذا الحل المستورد سيُسقط، لا قدر الله، منطقة شمال إفريقيا فيما سقطت فيه منطقة الشرق الأوسط الناطقة بالعربية.

هيسبريس







: منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد https://www.profvb.com/vb/showthread.php?p=243540
التوقيع

    رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
من , المشكلات , المغرب , البشر، , الإدريسي: , القائمة , بين , د. , على , فعل , وليست , والجزائر , وقدرا , قضاء


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are معطلة


مــــواقـــع صـــديــقــة مــــواقـــع مـــهــــمــــة خـــدمـــــات مـــهـــمـــة
إديــكـبـريــس تربويات
منتديات نوادي صحيفة الشرق التربوي
منتديات ملتقى الأجيال منتديات كاري كوم
مجلة المدرس شبكة مدارس المغرب
كراسات تربوية منتديات دفاتر حرة
وزارة التربية الوطنية مصلحة الموارد البشرية
المجلس الأعلى للتعليم الأقسام التحضيرية للمدارس العليا
مؤسسة محمد السادس لأسرة التعليم التضامن الجامعي المغربي
الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي التعاضدية العامة للتربية الوطنية
اطلع على وضعيتك الإدارية
احسب راتبك الشهري
احسب راتبك التقاعدي
وضعية ملفاتك لدى CNOPS
اطلع على نتائج الحركة الإنتقالية

منتديات الأستاذ

الساعة الآن 09:03 لوحة المفاتيح العربية Profvb en Alexa Profvb en Twitter Profvb en FaceBook xhtml validator css validator

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML
جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd