منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد

منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد (https://www.profvb.com/vb/)
-   الأخبار المنوعة (https://www.profvb.com/vb/f3.html)
-   -   وطنية وحداثة، على المقاس؟؟ (https://www.profvb.com/vb/t40837.html)

أحمد أمين المغربي 2010-07-13 22:28

وطنية وحداثة، على المقاس؟؟
 
سعيد بوخليط
Wednesday, July 14, 2010
لا شك، أن المتتبع لآليات اشتغال خطاب مدبري شؤون الدولة بالمغرب، سيلاحظ بوضوح بعد الأحداث المؤلمة ليوم 16 ماي 2003 بالدار البيضاء، تواترا مباغتا وميكانيكيا لمفهومي الوطنية والحداثة، باعتبارهما مرشدان نحو مكمن الداء بخصوص الزلزال السياسي الذي أحدثه انتحار مجموعة من فتيان هذا الوطن بتلك الطريقة المفجعة. منذ تلك الليلة، التفت الرسميون إلى شيء اسمه الحداثة، شكل في السابق ركيزة معايير المعارضين السابقين، حينما كانوا يستشرفون مجتمعا بديلا عن المنظومة الرجعية. طبعا حداثة الحل السحري، أزال عنها أصحاب مصائرنا كل المقومات الملتهبة، ما دامت تقتلع جذريا امتيازاتهم، فاختزلوا الأمر إلى حداثة للأمزجة والأهواء، منتوج محلي هجين تجد فيه ما أرادت إلا الحداثة نفسها. الوطنية، بدورها انتقلت على سبيل العجب، من ذاك التماهي الروحي العظيم بين الفرد وأمته وما ينتجانه من تراث قيمي ومعرفي، إلى مجرد وصلات إشهارية، أو إذا شئنا حينما يأتي أي مغن إلى استوديوهات القنوات الوطنية مقابل الملايين طبعا كي يرتدي العلم الوطني. تقليد، بدأ يمسرحه كل واحد من هؤلاء بكيفيته ولأهداف لا تخلو من وصولية تبعث على ضحك طفولي.
في الفترات الماضية لم تكن الدولة تأبه بهاته الحداثة، بل تنافح من أجل "تمغريبيت" تأويل فضفاض يداعب المشاعر بهوية محض تيولوجية. إجابة جامعة مانعة، يقذف بها في وجه المكونات السياسية التقدمية، ثم تلصق بالحداثة كل معوقات "الزندقة" فـ "المروق" والخروج عن الجماعة وثوابت النظام العام. تمارس الدولة، سيادتها بشرعية الحق الإلهي، أما النزوعات الفلسفية والبوليميكية لدعاة التحديث، فقد شم فيها الحارسون عن المقدسات تضمينات إلحادية تمس عقيدة المسلمين. بناء على تهم مجانية كهاته وملفات مفبركة، زُج بآلاف المغاربة في غياهب السجون، ومن سلم منهم واختار لنفسه مسلك الصمت، فقد ظل بدوره حبيس السجن الكبير، حيث لا يحس، لايتكلم، لا يسمع ولا يرى. الوطنية، وقد مثلت سندا نظريا وفيصلا بين المتحررين والمنبطحين ما دام الأمر اقتضى منهم توجيه نقد عنيف لموجبات النظام اللا وطنية، لأنها لا تصب في مصلحة الجماهير الشعبية والسعي إلى النهوض بالبلاد، بل تخدم فقط الوضع الامتيازي للأقليات الحاكمة.
هكذا انطوى المفهوم على حساسية مزعجة بالنسبة للرسميين، خاصة وقد تبنته بشدة أدبيات وقواميس نظم الحكم المندفعة إيديولوجيا والقائمة على الشرعية الثورية أو كونها راديكالية حسب تصنيفات الحرب الباردة، والتي شكل لديها وازع الوطنية زخما سيكولوجيا غنيا من أجل تعبئة شعوبها وتحصينها سياسيا. نعتوا المعارضين بالمنشقين، ما داموا قد زاغوا عن القائم، وكانت تصدر في حقهم أحكام قاسية، أسوأها رميهم باللا وطنية، والترويج لدعاوي أعداء الوطن...
الأنظمة التوتاليتارية، كالنازية والفاشية، بررت الوطنية بعقائدية حديدية، امتدت من التاريخ إلى الأسطورة فالعلم المختبري قصد موضعة هذه الوطنية ضمن حصر أنطولوجي لا مناص منه، يجعل الدوران حول القائد الأوحد والأسمى، قانونا سماويا.
بالطبع، حين الإشارة إلى المثالين السابقين، فذلك للإحالة على الالتقاط الديماغوجي المحرض على الوطنية، بحيث يستثمر الحاكمون مضامينه الخالدة، لمقاصد واهية لا علاقة لها بثاتا بالأصل. تغدو، الوطنية اجتثاثا للآراء الحرة، وسيفا حادا تقطع به الرقاب التي تشرئب نحو المختلف والمغاير، حكم جاهز يمؤسس البطش، فالمعارض للسياسات المتبعة يدحرج على الفور إلى خانة "اللا وطنيين"، مما يوجب على المجتمع محاكمته علانية وإصدار أقصى العقوبات في حقه وطرده من الجماعة المنسجمة مع نفسها.
نتذكر هنا، السيناريو الذي رسم خيوطه إدريس البصري، بغية التخلص من المناضل التاريخي ابراهام السرفاتي، بسحب جنسيته المغربية والادعاء بأنه برازيلي. على النقيض، المتخاذلون، والكذابون والجبناء...، هم أناس "وطنيون" بامتياز، فيقع تدجين الناس على إيقاع بعد واحد ثم تهييجهم عند الحاجة، حين يقتضي الأمر ذلك، خاصة وأن سيكولوجيا الشعوب المقهورة، المغلوب على أمرها، تهيؤها بسلاسة كي تنقاذ بعماء وراء أطروحات جلاديها. إذن، حينما تنحدر الوطنية من فطرة عفوية وسامية، كي تكتسي رداء البهتان والتضليل، هنا يقتضي المقام الخوف على الوطن من سادته قبل المتربصين به خارجيا.
إن السياقات المغربية الحالية للوطنية والحداثة، تدخل في إطار نفس التسطيح المنهجي، فتضفي على ذاتهما باستمرار تشوهات أخرى تؤدي إلى تمزقات وتصدعات تفقدهما إطارهما الحقيقي الذي ينهض على ترابط منطقي بين الشروط والوسائل والآليات والقصديات. الوطنية والحداثة، باعتبارهما حمولة ممارسات واقعية، تتحقق نتيجة صيرورة يومية ذات تراكمات نوعية، جراء توفر رافدان أساسيان، لا غنى عنهما، أقصد بذلك ديمقراطية المؤسسات وعبرها دمقرطة المجتمع برمته، فتترسخ أولى مداخل الحداثة، ثم الوطنية كشعور صادق، وليست مجرد مسرحيات تافهة وبدون طعم، لا تقنع حتى عقول الأطفال، فتكون حقا بناءة وتصير طاقة خلاقة، عندما يسود العدل وتتسع رقعة الوطن لأحلام الجميع، وتنمحي كل دواعي الشعور بالحيف والظلم والتهميش.
أصحاب الوجاهة، الذين يقدمون صباح مساء، عبر الأثير دروسا شفوية عن الوطنية، عليهم بالأحرى الخجل من أنفسهم أيّما خجل، لأنهم يمثلون قطعا نماذج سيئة عن تمجيد وتقدير الوطن، وهم الذين يستنزفونه دون رادع ويدوسون بأنانية على طموحات باقي الخلق في سبيل مآربهم الشخصية. هرولتهم نحو مواقع المسؤولية، تقتضي قبل كل شيء استيعابهم الواعي لجسامة ما هم مقبلون عليه. الوطنية والحداثة، نسق تتماهى أطرافه الواحدة مع الأخرى، وكل اختلال في حلقة من حلقات التطور الرفيعة ستنتهي حتما إلى انهيار المشروع بأكمله.
إن إخضاع أوتار الوطنية والحداثة لأسواق البورصات الصباحية، وقولبتهما بناء على حسابات ضيقة تترقب فقط الظرفيات، وموجهة للاستهلاك الخارجي، لن يزيد الأمور إلا تعقيدا. لذلك، على المغرب أن يكون حاسما في اختياراته، واضحا وصادقا جدا مع نفسه، بقدر صرامته معها كذلك، كي تتبين له حقا سبل المستقبل. أما الفذلكة اللغوي السائدة فلن تضاعف إلا جحافل المرضى والفصاميين والمحرومين...


هيسبريس.


الساعة الآن 08:56

جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd