2010-06-18, 01:20
|
رقم المشاركة : 30 |
إحصائية
العضو | | | رد: من أسباب الشفاء : الصدقة -إهداء خاص لسعيدة سعد و فضيلة | أرى بأن هناك خلالا يتجاوز مجرد تعديل عنوان الموضوع دون اعادة النظر في المضمون نفسه
فحقيقة عندما قرأت الموضوع وجدتني متفهما للإشكالات التي طرحها الأخ ايدير و إن كنت لا أتفق مع ما خلص إليه من رأي
و الخطأ الجسيم الذي وقع فيه كاتب الموضوع _و قد أشارت إليه الأخت رشدية جابرية في تعقيبها_أنه استل نصا واحدا من نصوص عديدة لها علاقة بالموضوع وراح يؤسس على هذا النص وحده فلسفة الاسلام في الاستشفاء و التداوي ، مما جعل قراءته و استقراءه لمراد الشرع في هذه المسألة مبتسرا ناقصا غلب فيه الجزء على الكل فكان لا شك إذن أن تأتي استنتاجاته مخالفة و بعيدة إلى حد كبير عما يمكن أن نفهمه لو أننا جمعنا كل النصوص و سعينا إلى فهمها في ضوء بعضها البعض و على أساس المقاصد الواضحة التي جاء بها الإسلام. الخلل الأول الذي وقع فيه صاحب الموضوع أنه على طول ما كتبه لم نجد و لا دعوة واحدة إلى الأخذ بالعلاج المادي و العمل بالأسباب ، و قد لا يكون الكاتب قاصدا بالضرورة الاستغناء عن التطبب و العلاج ، و لكن غياب الحديث عن أهمية ذلك و الدعوة إليه جعل الأمور تنقلب رأسا على عقب فأصبح الأخذ بالأسباب المادية الذي هو أصل أصيل من مقاصد الدين و ركن ركين في مجموعة من النصوص المتعلقة بالموضوع و التي غفل عنها الكاتب مجرد امر ثانوي لا يقارن بعمل "التصدق" الذي أسهب في الدفاع عنه بل و تقديمه بما يفهم منه أنه بديل للعلاج المادي و ليس قرينا له و مصاحبا في معنى الأخذ بالأسباب!
و كم كنت أتمنى لو توقف كاتب الموعظة قليلا و تأمل في مجموع النصوص الأخرى ، فلربما عدل الكثير من مقالته
يقول الرسول صلى الله عليه و سلم : تداووا عباد الله فإن الله تعالى لم ينزل داء إلا أنزل له الدواء.
و مناسبة هذا الحديث أن الرسول صلى الله عليه و سلم عندما هاجر إلى المدينة جاءته أسر المرضى يطلبون على يديه الشفاء ثم يقول لهم استدعوا له الطبيب، فيتعجبون و يقولون و أنت تقول ذلك يا رسول الله فكان أن رد عليهم بهذا الحديث الذي أوردناه .
طبعا لقد كان بإمكانه أن يرقيهم بالقرآن أو يطلب منهم فقط كما يدعونا صاحب الموضوع التصدق بنية الشفاء، كيف لا و هم أصلا ما جاؤوا قاصدينه إلا لمثل هذه الحلول و إلا فإنهم يعلمون أنه رسول و ليس بطبيب يداوي المرضى.
و قد ورد عنه صلى الله عليه و سلم أنه كان يشير على من أتاه مستشفيا أن يذهب إلى الحارث بن كلدة الثقفي و هو طبيب عربي مشهور في ذلك الوقت
فلو أن الأصل في الامراض العضوية هو التداوي بالقرآن الكريم أو الأدعية أو التصدق بنية الشفاء هل كان صلى الله عليه و سلم ليحث من جاءه على التطبب ، بدل أن يتولى ذلك بنفسه !؟
و لكن هل هذا يعني أن قراءة بعض آي القرآن الكريم أو سوره أو التصدق بنية الاستشفاء أمر غير مفيد و لا معنى له !؟
لا أبدا، و لكن المسألة مسألة أولوية ، و مسألة ايمان بأن الله عز وجل أجرى هذا الكون في كل مجرياته على سنن لا تتغير و لا تتبدل إلا أن يشاء، وجعل من مقاصد الدين إعمال هذه السنن و النهج في الحياة على وفقها ، و الاعتقاد في أن الأخذ بها هو تطبيق لمراد الله من خلقه و عين التوكل عليه و ليس ما ذهب صاحب النص إليه من كلام ملتبس لم أفهم منه شخصيا سوى أن الالتجاء إلى الاسباب هو ابتعاد عن التوكل على رب الأرباب ! و هذا هو الخلل الثاني الذي وقع فيه الكاتب عندما قال ما نصه : و لما رأيت المرضى يصارعون الألم و أصحاب الحاجات يكابدون الآهات و يطرقون كل الأبواب و يفعلون كل الأسباب و قد تاهوا عن باب رب الأرباب
لكأن طرق أبواب الأسباب توهان عن باب رب الأرباب !؟
أما الرشد إلى باب رب الأرباب فإن صاحب الموضوع يحصره طبعا في الصدقة التي تفعل الأعاجيب و تداوي الأسقام العظام ، كيف لا و قد أورد الكاتب من الحكايات و الروايات ما يعضد به كلامه، و سوف نأتي في ما سيلي على هذه الروايات لنناقشها و ننظر في منهج تناولها و التعامل معها
أما الأخذ بالأسباب عموما فلا أدري واحدا من العلماء، بل من المسلمين فكر في أن ذلك توهان عن الله و بعد عن التوكل عليه ، بل إني أشك حتى أن صاحب الموضوع قد قصد ذلك أصلا ، و لكننا هنا لا نناقش نية الكاتب و مقصوده الذهني بقدر ما نناقش ما يفهمه الناس من تعبيره
و حتى نؤكد ما لا أراه يحتاج أصلا إلى توكيد ، فإنني أدعوا الإخوة القراء إلى التوقف أمام واقعتين من الوقائع التي يقدمها لنا القرآن الكريم و التي أراها جديرة بالتأمل و استخلاص العبرة و العظة في أهمية الأخذ بالأسباب ليس فقط على وجه العموم ، بل في صميم موضوع التداوي و الاستشفاء الذي نحن الحديث عنه
الواقعة الأولى هي قصة أيوب عليه السلام (إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب و عذاب )
يقول المفسرون أن المقصود بالضر هنا أذى ناله في بدنه و ماله و أهله، فهذا أيوب يرفع دعاءه و نداءه إلى الله ، فماذا كان الجواب الإلهي ؟ قال تعالى مخاطبا نبيه: (أركض برجلك هذا مغتسل بارد و شراب)
لقد كان بإمكان الله عز وجل أن يجيب دعوة عبده و نبيه بشكل مباشر ، كيف لا و هو الشافي القادر على كل شيء ، و لكن الله عز وجل أراد أن يعلمنا أن إجابة الدعوات لا تنفك عن الأخذ بالأسباب، لهذا أرشد نبيه إلى الركض ووجهه إلى المغتسل البارد و الشراب و هي كلها و أسباب مادية كما نرى
و الواقعة الثانية تتعلق بقصة مريم عليها السلام لما جاءها المخاض فأمرها الله عز وجل بأن تهز بجدع النخلة تساقط عليها رطبا جنيا ، فأمرها بهز جدع النخلة و هو أقوى جزء فيها و هي العليلة المريضة المتوجعة من آلام المخاض لهو أكبر درس في أهمية و ضرورة الأخذ بالأسباب و هذا يقودنا إلى الخلل الثالث الذي سقط فيه كاتب الموضوع لما اعتبر بأن العلاج الروحي أنفع و أجدى من العلاج الحسي كما ورد في كلامه ! و هي نتيجة من المتوقع لمن جعل منطلقه في الحكم نصا واحدا متجاوزا كل ما ذكرناه و غيره مما لم نصل إليه ربما أن يخلص إليها
و سأختم كلامي بحديث قوي لو أننا تأملنا في وحده دون حتى كل ما ذكرنا من أدلة و شواهد لكان كافيا في أن يعيد صاحب الكلام النظر في كلامه جملة و تفصيلا
و هذا الحديث يتعلق بقصة أعرابي مر عليه الرسول صلى الله عليه و سلم فوجده يرفع يديه إلى السماء و يدعو الله أن يشفي له بعيره الجريح، فانتهره الرسول قائلا "إجعل مع دعائك شيئا من القطران"
فلربما هذا الأعرابي فتح كتاب الله و تلا فيه قوله عز وجل "و إذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعاني" فراح يرفع يده إلى السماء كلما احتاج شيئا دون أن ينظر في آي الله الأخرى التي ذكرنا و دون أن يفطن إلى مبدأ الاسلام في الوصول إلى النتائج و تحقيق الغايات و أن الاقتصار على الدعاء و الدواء بجانبك أو التصدق بنية الشفاء من الأمراض و الصيدليات و المصحات مشرعة أبوابها امامك هو نوع من التواكل الذي لا يجدي نفعا ، فحال صاحب الموضوع لا يختلف عن حال هذا الأعرابي في فهم قول الرسول صلى الله عليه و سلم"داووا مرضاكم بالصدقة" و لا عن حال ذلك الرجل الذي ترك دابته سائبة اعتقادا منه أنه نيته في التوكل على الله وحدها تكفي في حفظها و حمايتها دون الأخذ بالأسباب التي هي أيضا من سنن الله و قدره
تبقى هناك مسألة مهمة جديرة بالمناقشة و هي الحكايات و الروايات عن المفعول المباشر في مداواة الأمراض ، بل و المستعصية منها بواسطة إخراج الصدقات بنية الشفاء أو قراءة بعض السور القرآنية الكريمة أو غيرها من الأساليب غير المادية في طلب الشفاء
إن شاء الله أدلي برأيي في هذه النقطة إذا أطال الله في العمر بعد حين | |
| |