إن مهمة المبدع هي في جذرها مهمة إنسانية كونية ..
وإن ما يجعل من الإنسان مبدعا هو قدرته على مغادرة الإنغلاق على الذات و العائلة و القبيلة والحزب نحو مساءلة القضايا الكبرى لوطنه و للعالم .. وقدرته على مواجهة آلة السلطة والقمع و التهميش ..
أقول قولي هذا بعد أن أصبحت أخشى " تبضيع " غالبية الأنشطة الفنية والعلاقات البشرية بل وتصعيد وثيرة هدم و تفكيك المرجعيات الاخلاقية الواقية ..ويظل الجمال والرقي والإبتكار والإلتزام صيحة طوباوية في واد غير ذي قعر !
فجمالية الخطاب ، سواء كان قصيدة أو غيرها ، جمالية مُستهلكة إن لم تنفض الغبار الكثيف عن الأبصار و مناقشة القضايا التي يحتكرها " المتخصصون " وتكشف عن خطورة الرهانات و الإحتقانات و الأزمات الإجتماعية الراهنة ..
فمن الخطأ ، أعتقد ، أن نصفق لمبدع يقف عند عثبة الوصف و القراءات المفتوحة للوقائع الهامشية ، أو يقوم بإعادة إنتاج إنجازات القُدامى بنكهة عصرية ! ( هذه الصورة الأخيرة أصبحت عادة " محمودة " في الأغنية المغربية ، وكأن كُتاب الكلمات خُسفت بهم الأرض ).
المبدع الفنان ، صاحب الصور الشاعرية الخلاقة ، هو الذي يساعدني على كشف لعبة التداخلات والاستراتيجيات ؛ تلك التي تؤثر على حياتي سواء داخل طبقتي الإجتماعية أو ضمن أسرتي..على المبدع المثقف أن ينبهني إلى خطورة الأوهام التي أتجرعها يوميا رفقة الأخبار و الوصلات الإشهارية ..
وللنجاح في هذه المهمة ، لا مفر من تغيير عاداتنا الذهنية ، ونحن نُقبل على إمتاع المتلقي ..فمن الممكن تغيير نظرتنا للأشياء و الأفراد و الفضاءات بواسطة الخطابات الفنية الراقية جماليا.
محمود درويش رحمه الله ، و أثناء تجربته الأخيرة ، أبدع مغردا :