يوم دراسي في موضوع تنظيم التفتيش لمواجهة وزارة غير جادة في التعاطي مع ملف التفتيش
03/03/2010



نظم المكتب الجهوي لنقابة مفتشي التعليم بالجهة الشرقية يوم السبت 27 فبراير2010 بمركز تكوين أساتذة التعليم الابتدائي بمدينة وجدة ابتداء من الساعة التاسعة صباحا يوما دراسيا في موضوع تنظيم التفتيش. وقد حضر هذا اليوم الدراسي عدد كبير من المفتشين من مختلف التخصصات وغاب عنه البعض بعذر وبدون عذر كالعادة . ويعتبر هذا اليوم الدراسي من النتائج المتمخضة عن الحوار الذي تجريه نقابة المفتشين مع الوزارة الوصية للدفع بملف التفتيش المجمد لعقود من السنين نحو وضعية جديدة. وتحاول النقابة تقريب تصور المفتشين لهيكلة التفتيش المستقبلية من أذهان المسؤولين في الوزارة الذين يضربون صفحا عن قضايا هذا الجهاز بما في ذلك هيكلته ووظائفه ودوره في خدمة المنظومة التربوية . واليوم الدراسي يهدف إلى مساهمة نساء ورجال التفتيش في الجهة الشرقية إلى جانب زملائهم في باقي جهات المملكة في تقديم تصور موضوعي وواقعي لهيكلة التفتيش لتجاوز قصور الهيكلة التي اقترحتها الوثيقة الإطار ومذكراتها التنظيمية المقدمة من طرف الوزارة والتي لا تستجيب لحاجيات وطموحات هيئة التفتيش على اختلاف تخصصاته.
وتضمن اليوم الدراسي فضلا عن الجلسة الافتتاحية التي افتتحت بآيات من الذكر الحكيم ، والدعاء وقراءة فاتحة الكتاب على أرواح الملتحقين بالرفيق الأعلى من رجال الهيئة كلمات المكتب الجهوي والوطني لنقابة المفتشين ، وهي كلمات ركزت على مسار الحوار بين النقابة والوزارة من خلال عدة محطات . وللتذكير فقد كانت الوزارة الوصية إلى عهد قريب تعرض عن نقابة المفتشين ولا تقبل الحوار معها إلا ضمن لجان نقابة أخرى تحظى باعتراف الوزارة بحكم حجم وعدد الانخراط ،إلى أن فرضت نقابة المفتشين وجودها عن طريق ما حققته من نتائج على مستوى اللجان الثنائية . وبالرغم من تعدد محطات مسار حوار النقابة مع الوزارة حسب ما جاء في كلمة عضوي المكتب الوطني ، فإن الآمال في استجابة الوزارة لملف مطلبي متقادم إن لم نقل أقدم ملف بين يديها عبر وزارات متعاقبة جد ضئيلة .
وبعد الجلسة الافتتاحية انطلقت أعمال خمس ورشات للاشتغال حول تأصيل وظيفة التفتيش ، واستقلاليته ، ومهامه ، وتصور المرسوم الخاص به ، ودوره في خدمة المنظومة التربوية من خلال تتبع الدراسة ونظام التقويم المتعلق بها . وبعد أعمال الورشات عرضت تقاريرها على جمع عام اختتم به اليوم الدراسي. والسؤال المطروح هل يمكن أن تلتفت الوزارة غير الجادة في التعاطي مع ملف هيئة التفتيش المطلبي الذي تدافع عنه نقابة المفتشين منذ زمن طويل إلى مثل هذه المبادرات التي تسعى إلى لفت أنظار الوزارة نحو الطريق الأمثل للوصول إلى صيغة توافقية من أجل إعادة هيكلة التفتيش هيكلة تمكنه من القيام بواجب حراسة المنظومة التربوية كرهان وطني ورافعة تنموية ؟؟؟ . ولعل الطريق الأمثل المقصود هو تجميع تصور هيكلة التفتيش من قواعده ، عوضا عن التصورات الفوقية التي تكون وليدة أمزجة المسؤولين مركزيا خاصة المنتمين إلى فئة ذوي الحساسية المفرطة ضد جهاز التفتيش ، وهو جهاز يقلقهم لأنه يقوم بحراسة المنظومة التربوية من كل ما من شأنه أن يمسها بسوء خاصة سوء التدبير المغامر بمصير هذه المنظومة وبمصير ناشئتنا . فلا زال ذوو الحساسية المفرطة ضد التفتيش من المسؤولين في المركز يسوفون ، ويناورون من أجل إسقاط مطالب لا مندوحة عنها ،و لا يستقيم جهاز التفتيش بدونها من قبيل مطلب الاستقلالية التي تعتبر شرطا أساسيا من أجل حراسة المنظومة ومراقبة كل ما من شأنه أن يمسها بسوء خصوصا عندما يتعلق الأمر بسوء التدبير .
فالمراقبة المستقلة عن الإدارة الممارسة للتدبير تكون ذات جوى وفعالية ولها وزن خلاف المراقبة الصورية التي تؤول نتائج تقاريرها وملاحظاتها إلى إدارة تكون خصما وحكما في آن واحد . فبدون استقلالية على غرار استقلالية المراقبة في مختلف الوزارات ، وعلى غرار استقلالية القضاء لا يمكن أن يؤدي جهاز التفتيش دوره على الوجه المطلوب ، ولا أظن أن مفهوم استقلالية القضاء سيخفى على المسؤولين المركزيين أو على السيدة كاتبة الدولة في الوزارة التي عبرت في لقاء لها بإحدى نيابات الجهة الشرقية بأنها لا تدرك معنى استقلالية التفتيش ولا تستسيغه ، وحاولت أن تفسره بأنه عبارة عن رغبة في تغريد التفتيش خارج الوزارة . ومن أجل رفع اللبس الذي قد يقع لمسؤولة في حجم السيدة كاتبة الدولة ، ـ وهي أبعد ما تكون عن الوقوع ضحية لبس ـ أقول إن استقلالية التفتيش لا تعني البتة الانسلاخ عن المنظومة أو الوزارة ، وإنما تعني وجود جهاز مراقبة إلى جانب إدارات الوزارة ، فكما توجد مفتشية عامة ومفتشيات مركزية في المركز تراقب المنظومة مركزيا ، كذلك توجد مفتشيات جهوية وإقليمية تراقب هذه المنظومة جهويا وإقليميا . ومراقبة المنظومة تعني مراقبة كل ما يتعلق بها من تدبير.
فإذا كانت المفتشية العامة حين ترصد سوء تدبير الإدارة المركزية تقف عند حد رفع تقارير إلى هذه الإدارة التي تستطيع أن تضرب عرض الحائط مضمون هذه التقارير، فلا حاجة لهذه المفتشية أصلا ، تماما كما أنه لا حاجة لأجهزة تفتيش مركزيا وجهويا وإقليميا ما دامت تقارير هذه الأجهزة الراصدة لسوء تدبير الإدارة مركزيا وجهويا وإقليميا ينتهي مصيرها إلى هذه الإدارة التي هي الطرف المسؤول عن سوء التدبير الملحوظ والمسجل من طرف التفتيش . كيف ستصل مثلا ملاحظات جهاز التفتيش في النيابات وفي الجهات إلى المركز عندما يتعلق الأمر بسوء تدبير يتحمل مسؤوليته المباشرة أو غير المباشرة إما نائب أو مدير أكاديمية ؟؟؟ هل يعقل أن يرفع المفتشون ـ وهذا واقع الحال في الكثير من الأحيان ـ تقارير إلى السادة النواب والسادة مديري الأكاديميات عن اختلالات خطيرة في المؤسسات التربوية ، ويقف الأمر عند هذا الحد مع بقاء الاختلالات على حالها ؟؟ فما قيمة تقارير هذا شأنها في غالب الأحيان ؟؟ وربما اعتبر بعض السادة النواب والسادة مديرو الأكاديميات أن تقارير التفتيش هذه حول الاختلالات المسجلة في المؤسسات التربوية التابعة لمسؤوليتهم تمسهم بل وتسيء إليهم و إلى سمعتهم وهم أحرص ما يكونون على حسن السمعة ، وحسن السيرة لدى المصالح المركزية للمحافظة على مناصبهم .
إن مطلب الاستقلالية الذي يرومه جهاز التفتيش ليس مجرد رغبة في الحصول على امتياز كما يظن من ينتابهم القلق من جهاز التفتيش ، بل هو آلية من آليات اشتغال التفتيش والمراقبة لصيانة وحراسة المنظومة التربوية من كل سوء تدبير مهما كانت جهته المسؤولة عنه داخل أجهزة الوزارة من أبسط موظف إلى أسمى موظف . وهذا لا يعني البتة أن المشتغلين بالتفتيش والمراقبة على اختلاف أصنافهم ومهامهم سيفلتون من هذه المراقبة بل جهاز التفتيش يقوم بمراقبة أطره وهياكله أيضا عن طريق تراتبيته كما هو حال كل أجهزة المراقبة في مختلف الوزارات ، وكما هو حال القضاء إذ لا يوجد قاض في محكمة مهما كان تخصصها خارج طائلة القضاء عندما يسيء التدبير ، فكذلك الحال بالنسبة للمفتشين فلا يوجد مفتش خارج طائلة المراقبة والتفتيش عند ما يسيء التفتيش . وأما مطالب التعويضات عن الإطار وعن المهام ، فمن المؤسف حقا أن توجد تسمية إطار التفتيش دون وجود ما يقابل هذه التسمية من تعويض مادي ، ومن العار أن يسوف وزير بعد وزير في وزارة التربية الوطنية لعقود بخصوص قضية صرف التعويض عن الإطار ل2700 مفتش لا تتجاوز نسبتهم المائوية الواحد في المائة من مجموع 290000 موظف .
ولعل تجاهل تعويض المفتشين عن إطارهم هو جزء من سياسة التضييق عليهم وإقصائهم ،لأن صرف التعويض عن الإطار هو اعتراف بهذا الإطار ، وهو اعتراف بدوره في حراسة المنظومة التي يريدها بعض المسؤولين بدون حراسة لتظل سائبة وتحت رحمة تدبيرهم المزاجي . وأما التعويض عن مهام التفتيش ، فهو أمر محرج بالنسبة للمسؤولين في المركز الذين يصرفون لأنفسهم التعويضات عن المهام التي يزاولونها فضلا عن تعويضات أطرهم ، فكيف يجيزون لأنفسهم التعويض عن المهام ، وهي كثيرة ومتناسلة وأحيانا مختلقة اختلاقا ، ويضيقون على المفتشين في صرف مستحقاتهم عن القيام بمهامهم سواء التي تقننها النصوص التنظيمية والتشريعية ، أو الخارجة عن إطار هذه النصوص ، والصادرة أحيانا عن أوامر شفوية من المسؤولين . وحتى صرف الهزيل من هذه التعويضات عن المهام يمر بمسارات معقدة وطويلة حيث تنقضي المواسم الدراسية ، وفي ذمة الوزارة مستحقات المفتشين من التعويضات ، ومرد ذلك سوء تدبير مسؤول في الإقليم أو في الجهة يتبوأ منصبا فوق كفاياته وقدراته في واقع حال لا ترد شهادته إلا من منكر وجاحد ، ومدع كاذب ، وحقيقة أمره التوجس من ترك منصب فوق مستواه ، وخلع رداء ليس على مقاسه يجعله موضوع تندر وسخرية عند من هم على علم بحقيقته وحقيقة المنصب الذي تطاول عليه .
وأخيرا أقول إن القواعد من رجال ونساء التفتيش على علم ووعي تامين بالتعاطي غير الجاد للوزارة الوصية مع ملفهم الذي غمره غبار التجاهل والنسيان والتسويف ، وعلى علم بأن جهود نقابتهم المشكورة ستذهب سدى ، وأنها صدى صيحة في واد ، ومع ذلك فإن أهل الغيرة منهم لم يصبهم ما أصاب البعض من خيبة أمل ويأس ، ولا زالوا يجتمعون في أيام دراسية للتعبير عن حرصهم على صيانة جهاز تفتيش يصون المنظومة التربوية ويحرسها من خراب حقيقي يتهددها ، ويكفيهم أن يكون الرأي العام على علم بغيرتهم على المنظومة ، وبعدالة قضيتهم ، ووجاهة ملفهم الذي تهمله وزارة تركب ظهورهم ، وتنكر دورهم . سيعمل كل على شاكلته : الصادق بصدقه ، وصاحب المصلحة بما تمليه عليه مصلحته الخاصة في موت أو غياب ضميره ، وسيكشف الله عز وجل العليم بذات الصدور خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، وسيخزى بعض الكشف كل ذي مصلحة خاصة ، ويحوز ما يستحق من حقارة وذل وهوان عند الله وعند خلق الله ، والله تعالى يمهل ولا يهمل ، وسيعلم الذين غدروا وخدعوا أي منقلب ينقلبون .

محمد شركي www.oujdacity.net