2010-02-19, 14:14
|
رقم المشاركة : 1 |
 إحصائية
العضو | | | 
|  وخز الضمير " قصة قصيرة "
|  |
(( أنت مجنون !! ))
صاح بها الدكتور ناجى – الجراح الشهير – وأحد أساتذة طب قصر العينى – فى وجه ابنه وهو يتابع بإنفعال شديد :
ألا تعرف ماذا فعلت لكى تعين معيداً بالكلية .. لقد خاطرت بمستقبلى كله من أجلك .
قال ابنه وقد دفن وجهه المطلى بالأسى والحزن بين يديه ، وخرجت الكلمات مكتومة من فمه وهو ينطقها باستسلام واضح :
نعم ..للأسف أعرف .. وهذا ما يرعبنى أكثر .
هتف الدكتور ناجى متسائلاً :
يرعبك ؟ !
انتقص وجه شريف من بين يديه ، ونظر إلى والده وقد غلبه الانفعال قائلاً :
نعم يرعبنى .. ألا تخشى من إنكشاف الأمر ، أتتخيل حجم الفضيحة التى ستلحق بى وبك عندما يكتشف الجميع أننى ..
وضرب بكلتا يديه على مكتبه وهو ينهار على مقعده متابعاً :
لص .. سارق !!
صاح به والده فى قوة :
أنت جبان وغبى .. إعلم أنه لا أحد يستطيع أن يبحث ورائى ، أو يشك فى أننى ارتكبت أى مخالفة حتى لو شك أحد ، فلن يجرؤ أن يرفع بصره فى وجه الدكتور ناجى ؟ !
نظر إليه شريف نظرة بائسة ووالده يتابع :
ثم تعالى هنا .. ما هو الغريب فيما فعلته .. ألا تعلم أن هذا هو القانون السائد عندنا فى قصر العينى منذ سنوات .. كل أبناء الأساتذة يعينون فى الكلية ، الذى يستحق والذى لا يستحق .. فهل فعلنا نحن شيئاً جديداً حتى أراك فى هذه الحالة الرثة !
رد شريف فى حسم :
كون الناس جميعهم يفعلون الخطأ .. ليس مبرراً للخطأ . الملايين من الناس يدخنون ، هل معنى ذلك أن ننصح الناس بالتدخين ، أو نتوقف عند نصحهم بأضراره .
هتف الدكتور ناجى فى عنف :
دعك من هذه الفلسفة يا ولد .. وانتبه لمستقبلك ، قال شريف وهو فى حالة أقرب للبكاء :
يا أبى .. أنت لا تفهمنى أبداً .. افهمنى ولو مرة واحدة فى حياتك ، أنا أشعر بالمهانة وسط زملائى ، لا أستطيع أن أتحمل نظراتهم لى . كدت أشعر أن كل الأحاديث الجانبية للممرضات تتناولنى أنا بالذات ، بأننى لا أستحق هذا المكان . وأن من يستحقه غيرى .. وغيرى هذا أنت تعرفه جيداً يا أبى .
ألم تتردد لحظة ، وأنت ترى زميلى ( حازم ) يسبقنى فى الترتيب ، فى أن تجعله بعدى ، وبكم ؟ بخمسين درجة كاملة !!
هو اجتهد أكثر . ما ذنبه أنه لم يكن ابناً لأستاذ فى الجامعة . أليس هذا وأداً لقيم الحق والعدل .. أليس هذا إعلاناً للظلم الواضح الصريح .
قاطعه والده الدكتور ناجى وقد مل من كلامه الإنشائى – من وجهة نظره – قائلاً :
ربما يكون كلامك صحيحاً .. ولكن فى أى مجتمع آخر غير الذى نحن فيه ، وفى أى عالم آخر غير عالمنا ، عالم الاعتراف بالقوة واحترام القوى ، الضعيف ليس له مكان ، وقيم الحق والعدل التى تتحدث عنها أنت الآن لم تعد تقنع أحداً اليوم ، الذى يقنع الجميع .. شئت أم أبيت : النفوذ والسلطة والمال . ثم تابع وهو يسلط عينيه على عينى شريف :
اسمع يا ولد .. أنت ابنى الوحيد .. ابن الدكتور ناجى .. والدكتور ناجى لا يقبل إلا أن يكون ابنه خلفاً له فى الكلية ، فلتسلك حياتك كما أريد أنا .. أفهمت .
ثم اندفع خارج المكان وقد امتلأ وجهه بالغضب ، وترك ولده الدكتور شريف نهباً لهذا الصراع الذى يلتهمه كل دقيقة .. بل كل لحظة ..
كان يشعر أن أعصابه تتآكل ، وأن رأسه لا يستطيع أن يحمل بصيلات شعره من فرط ثقلها كيف أواجهه .. كيف تقع عيناى على عينيه ..
من أى مكان فى بحور اللغة الواسعة ، سينتقى لسانى كلمات تناسب الموقف ؟ !
يا لله .. يا حازم ! آه لو تعرف أن الذى طعنك فى ظهرك ، هو أعز الناس إلى قلبك ؟؟
آه لو تعرف أن الذى سرق عمرك ، هو نفسه الذى أعطيته دون حساب !!
طالما ساعدته ، ووقفت بجانبه ، ونصحته ..
وظلت الأفكار تطرق رأس شريف كمطرقة من حديد ، لا ترحم ولا تهدأ ..
حتى أنه حاول من فرط الألم ..
أن يهرب ..
يهرب من الموقف كله بكلمات تريحه .. ولو مؤقتاً .
حتى ولو لوى ذراع المنطق ، أو قلب الحقيقة ، أو ألبس الحق باطلاً والباطل حقاً ..
أو أى شئ ..
حتى يستريح ..
وأراحه أن يعيد كلام أبيه الدكتور ناجى .
وأحب أن يراه من زاوية أخرى ، ويفكر فيه بمنطق مختلف !
القوة هى القانون السائد ..نعم .. هذا صحيح ، ولكننا تعودنا أن القوة دائماً تقهر الضعفاء وتسحق المظلومين ، أنها تقع دائماً فى يد الظالم الذى لا يرعى الحقوق ، ولا يوفى العهود .
ولكنها أتت لى الآن، .. فلماذا لا أوجهها فى اتجاه آخر .. اتجاه الحق والعدل ، والرحمة ، ونصرة المظلوم .
نعم .. أنا قادر أن أحول مؤشر القوة .. أكثر من حازم .. لو سنحت الفرصة له ما أمكنه أن يفعل ، ليس له نفوذ كنفوذ والدى ، وليس لديه مكانة داخل الكلية كمكانتى ، وليس له من الثراء ما يمكنه من مساعدة الآخرين مثلى ..
نعم .. هو ظلم ، ولكنها الفرصة التى ستتيح لى أن أقف بجانب المظلومين .
إذن .. الموقف ليس خطأ برمته .. هناك نقاط كثيرة تميل ناحية الصواب و …..
وظل شريف يحدث نفسه قرابة الساعة ، وبمرور الوقت أخذت أعصابه تهدأ شيئاً فشيئاً ، وكأنه أعطى نفسه عقاراً مخدراً !!
وفى غمرة التخدير .. إتخذ القرار .. قرار البداية .
وفى صباح اليوم التالى ، كان شريف فى قمة النشاط ، حتى أن والده كان ينظر إليه فى دهشة ، وكأنه كان يحدث شخصاً آخر غير الذى كان يحدثه بالأمس ، ولكن ما لبثت أن زالت دهشته بسرعة ، فهو الذى يأمر فيطاع ، ويقول فيسمع الجميع ، مما دفعه أن يهتف بنشوة المنتصر :
أنا فى طريقى إلى الكلية يا شريف ، هيا أوصلك بالسيارة .
وانظلقا معاً .. وبدأ الدكتور ناجى يشرح لشريف – خليفته فى المستقبل – الطريقة التى سيتعامل بها مع الطلبة أثناء التدريس ، وأنه قد وصى عليه أمهر الأطباء فى تخصصه ليتابعه فى رسالة الماجيستير و ……
وفجأة .. صاح شريف : احترس يا أبى .. احترس . وضغط الدكتور ناجى فرامل السيارة بقوة رهيبة ، أحدثت صريراً مدوياً ، واندفع شريف إلى الأمام دفعة قوية لم يحمه من الاصطدام على أثرها بمقدمة السيارة ، إلا حزام الأمان . واندفع الاثنان خارج السيارة ، ناحية جسم صغير ارتمى أمامها ، وقد تجمع حوله عشرة أفراد على الأقل .
وبمجرد أن رأى الدكتور ناجى الشخص المصدوم فى حالة طبيعية تقريباً ، حتى تنفس الصعداء وقال : الحمد لله .. لم يصب الولد بسوء .
فلقد كان طفلاً صغيراً قد احتضنه والده فى عنف وأخذ يتمتم بكلمات شكر وحمد لله ، ورغم هول الولد الصغير ، إلا أنه كان يطبق على يده اليمنى إطباقاً شديداً ، واتجه الدكتور شريف نحو الأب والابن قائلاً فى لهفة : حمداً لله على سلامتك يا حاج .. ولكن كيف تركته يجرى بهذه السرعة فى هذا الطريق ؟ !
رد الرجل بطيبة بالغة : الحمد لله يا بنى .. إن الله أنقذ ابنى لأننا نراقبه ونخشاه فى كل شئ ، ولا نقبل على أنفسنا قرشاً من الحرام ، إن لنا محل بقالة على الطريق ، وكان أحد الزبائن قد اشترى بعض المشتروات ، ثم انطلق مسرعاً ، وبعد مراجعة حسابه ، وجدت أن له خمسين قرشاً ، فطلبت من ابنى الصغير أن يأخذ النقود ويذهب ورائه بسرعة قبل أن يغادر المكان ، وحدث ما حدث ولكن الحمد لله .. سترها الله معنا .
همس شريف متعجباً : كل ذلك من أجل نصف جنيه ؟؟ رد الرجل : يا بنى .. أكل حق الناس حرام ، سواء كان قليلاً أم كثيراً .
هنا صاح الدكتور ناجى قائلاً :
هيا بنا يا شريف لقد تأخرنا . ثم دخلا السيارة وأطلق الدكتور ناجى صفيرها عدة مرات ، وقال بصوت مرتفع :
بعد إذنكم يا جماعة : نريد أن ننطلق .
وانطلقت السيارة ..
وومضت الرسالة فى رأس شريف .. ومضت وميضاً قوياً ، كشفت بها كل الحقائق ، وأزالت كل الغيوم ، ولم يعد هناك أى مجال للشك ، ولا للتردد .. وعندما وصلت السيارة باب الكلية ، قال الدكتور ناجى :
أرجو أن تكون قد اتخذت قرارك يا شريف ، وأن تنتبه لمستقبلك ، دون التفكير فى أى شئ آخر .. نظر إليه شريف نظرة لم يفهمها قائلاً :
بالفعل يا أبى .. لقد اتخذت قرارى .
وفى اليوم التالى .. ذاع الخبر فى أنحاء الكلية فلقد رفض الدكتور شريف قبول التعيين بالجامعة دون رجعة ودون إبداء أسباب وثارت الدنيا حوله وثار أبوه بل ثار عليه بعض زملائه الجميع كان فى ثورة .
إلا هو ..
كان هادئاً تماماً وارتاحت سريرته ، واستقر ضميره ، وابتعد عن الكلية بكل صراعاتها وأطماعها وأخبارها إلا خبر واحد فقط .. نشرته جريدة معارضة أسبوعية :
فضيحة .. التحقيق مع دكتور شهير بقصر العينى تلاعب فى نتائج الكنترول ،
وكان يبدو بعدها أن والده – أيضاً سيستريح ضميره تماماً..
وإلى الأبد !!
|
: منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد https://www.profvb.com/vb/showthread.php?p=77530 | التوقيع | | هل جلست العصر مثلي ... بين جفنات العنب
و العناقيد تدلـــــــــــــت ... كثريات الذهب
| |
|
|  |
فعاليات صيف 2011 على منتديات الأستاذ :
مسابقة استوقفتني آية
|
ورشة : نحو مفهوم أمثل للزواج
رد: وخز الضمير " قصة قصيرة " 
