أدب الطفل العالمي لغة رشيقة و رسوم جاذبة
تزخر الأعمال الكلاسيكية الخاصة بأدب الطفل، بالخيال والقوة، وذلك الى جانب شدة تأثير الأحداث ضمنها، كونها تبقى في ذاكرة القارئ حتى بعد تجاوزه مرحلة الطفولة والشباب. وتتصف تلك الأنواع من الاعمال، بأنها تساعد الاطفال، وعبر قصص أبطالها الخيالية والواقعية، على مواجهة تحديات الحياة والانفتاح على احتمالاتها، كما تزودهم بالقيم والمثل الإنسانية النبيلة والقدرة على إدراك معاني الحكمة.
يعد أدب الأطفال، جزءا من مكونات عوالم الابداع الأدبي بوجهه العام. وهو يتميز بمجموعة سمات خصائص، إلا أنه يبرز كنوع ادبي يعنى فقط بفئة محدودة من القراء، وهم الأطفال.
واستطاع هذا النوع الادبي، ان يوظف جملة مساقات إبداعية ضمنه، إذ استفاد من الفنون الحديثة والرسوم والصور والأشكال التوضيحية، فطرحها في اعماله الموجهة للاطفال بأعمارهم المختلفة، إما في المقالة أو القصة أو الأنشودة أو الحكاية.
عناصر ومواصافات
ما الذي يميز أدب الطفل عن أدب الكبار؟
للإجابة عن هذا السؤال نبحث في أوجه الشبه بينهما، فكلاهما يحمل الأسس العامة للأدب، أما الاختلاف فيتجلى في اللغة والشكل الفني، والمضمون الذي يتمحور حول الخير والشر، وطريقة المعالجة.
وتعتبر القصة أكثر الأجناس الأدبية انتشاراً وشيوعاً بين الأطفال. وتتشكل فيها عناصر تزيد في قوة التجسيد ومن الإبداع، في ابتكار الشخصيات والمواقف التي تواجهها، لتخلق جواً من الإثارة المعرفية والعقلية.
إن أدب الأطفال حديث جدا، بمقياس تاريخ الأدب عموما. وهو لم ينشأ ــ في صيغته المقروءة المعاصرة ــ إلا منذ قرنين من الزمن تقريبا. ولا يعني ذلك أنه كان منعدما، ولكن الكتابة الأدبية المتخصصة بالأطفال حديثة جدا وسبقها، الحكايات المنقولة شفاهة عبر الأجيال.
وعلى لسان الأجداد والجدات. ويلعب أدب الأطفال بما فيه من قصص وأشعار وحكايات- في صيغة كتاب أو مجلة أو شريط مسموع أو مشاهد، دوراً بارزاً في تنمية قدرات الطفل على الإبداع والابتكار. كما يعتبر وسيطاً مثالياً في الجانب التربوي والتعليمي.
وبالمجمل، من الصعب تحديد تاريخ بدايات نشأة أدب الطفل العالمي. وما هو معروف انه يعود إلى القرن التاسع عشر، ويرى الباحث والناقد علي الحديد- المتخصص بمجال أدب الطفل، أن هذا الصنف الادبي، مر خلال مسيرة تطوره، بثلاث مراحل رئيسية. كانت بالتسلسل، في اثناء القرنين الـ17 والـ18.
أول كتاب
أشار علي الحديد، إلى أن المرحلة الأولى، بدأت مع صدور أول كتاب أدبي للأطفال، ذلك في العام 1697، والذي كتبه الشاعر الفرنسي تشارلز بيرو. وحمل عنوان (حكاية أمي الأوزة). وتضمن قصصاً شعبية. وأصدره تحت اسم مستعار هو لابنه الأصغر (بيرو دار مانكور).
وأثارت المجموعة حركة أدبية نشطة في كل من فرنسا والبلاد الأوروبية الأخرى بعد أن ترجمت إلى لغاتها المتنوعة. ودفعت الأدباء إلى البحث والتنقيب في الآداب الشعبية الأوروبية، وإلى الاهتمام بحكايات الأطفال.من جهة أخرى، اجتاحت حكايات (ألف ليلة وليلة) أوروبا، بعد أن ترجمها أنطوان جالان، ما بين الأعوام (1714-1704)، فتأثرت بها قصص الأطفال بشكل كبير جدا، وبعد عامي (1749-1747)، ظهرت في فرنسا أول صحيفة للأطفال. وهي صحيفة «صديق الأطفال».
ويبين الحديد، أن أدب الأطفال الحقيقي بدأ عندما قدم الناشر البريطاني جون نيوبري (1713 1767)، وبمساعدة عدد من المختصين، بصياغة أنواع ونتاجات أدب شيق ومفيد للأطفال. فاختصر رواية (روبنسون كروزو) لدانيال ديفو، و(رحلات غاليفر) لجوناثان سويفت، لتناسبا الصغار. وفي عام 1865 ظهرت في انجلترا أشهر مجموعة قصصية كتبت للأطفال وهي ( مغامرات أليس في بلاد العجائب) للكاتب لويس كارول.
أما في روسيا فقد استأثر باهتمام الأطفال، الشاعر بوشكين (1799-1837) الذي كتب للأطفال، أشعاراً تناسب أفكارهم وسنهم، وكذلك فعل الروائي تولستوي (1828-1910) في مجال روايات وقصص الاطفال.
العصر الذهبي
وأما المرحلة الثانية. فهي تبدأ بعد الحرب العالمية الأولى، حيث رافق هذه المرحلة الدراسات المنهجية حول (علم نفس الطفل)، كما برز الاهتمام بالطفولة على مختلف الصعد وبات تخصيص مساقات إبداع له، كإنسان مستقل. وتتزامن المرحلة الثالثة أو العصر الذهبي لأدب الطفل مع الحرب العالمية الثانية.
حيث تنوعت أساليب التعبير والنشر من الكتب إلى الصحف والمجلات والمسرح، ليتم إدراجه في العديد من الدول ضمن مناهج الدراسة في المعاهد العليا. كما ساهمت المنظومة الاشتراكية في تأسيس ثقافة الطفل بهدف بناء ورعاية جيل ما بعد الحرب، وتعزيز الدافع الإنساني في سلوكه.
كما كان العرب القدامى يبعثون بأبنائهم إلى الصحراء مع مرضعات من البدو، ليتعلموا الفصاحة والبلاغة، وليعودوا بهم إلى الحضر، متى بلغوا التاسعة أو العاشرة. والأدب العربي غني بأدب الأطفال ومنها: (كليلة ودمنة) لابن المقفع.
وفيما يخص، مضمون ومستويات تقدم الأزمنة الحديثة، تذكر الباحثة زينب غاصب في دراسة لها حول الموضوع، أن الريادة في حقل هذا الابداع، في البداية، تكاد تكون لمصر، وذلك في عهد محمد علي باشا وزمن رفاعة الطهطاوي ومحمد عثمان جلال. حتى وإن كان أدب الطفل آنذاك، متأثراً بالأدب الغربي، نظراً لبقاء مصر تحت الاحتلال عقوداً طويلة.
أجناس الأدب
يتوجه أدب الطفل، عادة، وبمختلف مساقاته الابداعية، الى من هم دون سن الثانية عشرة، وغالبا ما يصنف ضمن أربع فئات، وهي: الكتب المكتوبة من قبل أطفال، المكتوبة لأجلهم، الكتب المختارة من قبل الاطفال، الكتب التي اختيرت للأطفال. كما عرف أدب الطفل منذ القدم، وإن اعتمد بداية على السرد الشفهي.
مدخل
يخاطب الأدب في المراحل الأولى من نمو الطفل، العاطفة والغرائز التي تعتبر مدخله الأول لاكتشاف العالم الخارجي، حيث يجنح إلى الخيال والحلم والأساطير، والحكايا التي يجد فيها الكثير من خيالاته.
وفي المراحل اللاحقة يتخذ الأدب منهجاً يحاكي العاطفة والعقل معاً. وكانت الكتب التي تصنف ضمن أدب الطفل فيما مضى، تعتمد على التي يختارها البالغون من آباء ومدرسين وأكاديميين، استناداً الى معاييرهم الخلقية والفكرية. لتتغير تلك المعايير والمفاهيم مع تقدم الزمن، ولتصنف بعض الكتب المصورة والأساطير ضمن هذا الأدب، إلى جانب أعمال شارلز ديكنز ومارك توين وغيرهم.
والعامل المشترك الأكبر بين جميع القصص الأدبية الخاصة بالأطفال، هو غياب نفوذ الكبار، لتواجه الشخصيات الرئيسية مصيرها بنفسها، ولتتعلم من خلال تأقلمها مع ظروفها الجديدة، مثل قصة أميرة الثلج، وأليس في بلاد العجائب وغيرها. يقول الدكتور عبدالرؤوف أبو السعد في دراسة له، (يكتفي الطفل في المرحلة الأولى من نموه (من المهد إلى سن ثلاث سنوات). بالاستماع إلى أغنيات الأم، وهز المهد بطريقة إيقاعية، وحكايات الجدة، وقصصها الخيالية، وقصص الحيوانات، التي تتجمع، وتتعاون وتتساند لتقدم العون للآخرين، ليقوم كل حيوان أو طير بتقديم ما يقدر عليه..
وقد تلجأ الأم إلى شريط التسجيل ليحل محلها، أو محل الجدة.. لكن هذا البديل ليس مقبولاً دائماً.. حيث يحتاج الطفل إلى أدب دافئ: أي أغنيات وحكايات بين أحضان الأمهات، والجدات مصحوبة بموسيقى ورقص وكل ما هو حسن).
ويتم خلال هذه المرحلة الاستعانة بالعديد من الوسائل لجذب اهتمام الطفل وإثراء معلوماته وتوصيل منظومة جديدة من المعاني والاتصال. وتعتمد كتب الطفل في هذه المرحلة وحتى الثانية عشرة على الرسومات المصورة التي تقدم المعلومة بأسلوب الرسم.
رسومات الكتب
تعتمد رسومات كتب الأطفال في هذه المرحلة على مخيلة واسعة وألوان حيوية. أما تفاصيل الرسومات فتنطلق من الرسم المبسط والمختزل الذي يعتمد على اللون والحركة وتعابير الوجه لمراحل الطفولة الأول. وفي السنوات الأخيرة المقاربة من الثانية عشرة، تزخر الرسومات بالتفاصيل العديدة والدقيقة.
ويفضل الكتاب الذين يمتلكون موهبة الرسم، تنفيذ رسوماتهم بأنفسهم، بينما يفضل البعض رساماً على آخر. ويعتبر فن رسم قصص الفولكلور أو التراث بما في ذلك الأغاني والأهازيج، والأساطير الأكثر شعبية وإقبالاً سواء من الأطفال أو البالغين.
أشهر الكتب
«الحديقة السرية » لفرانسيس هودغسون بورنيت، نشر هذا الكتاب عام 1911، يحكي قصة الحديقة التي أجرت تحولاً في حياة طفلين. أولهما اليتيمة ماري لينوكس التي غادرت الهند لاعتلال صحتها، وابن الوصي عليها ديكون الضعيف صحياً أيضاً. تكتشف ماري حديقة مهملة لا يسمح لأحد بدخولها، وتقرر بمساعدة ديكون إحياءها من جديد على أمل أن يتعافيا مع ازدهار الحديقة.
«الأمير الصغير»
شكل هذا الكتاب»الامير الصغير»، في العام 1943، مصدر إلهام لعدد كبير من الناس، صغاراً وكباراً، خاصة على صعيد القيم الإنسانية في عالم الكبار. وكان الكاتب والطيار الفرنسي دي سانت إكسبري، قد رسم صور الكتاب بنفسه. وتحكي القصة عن طيار انقطعت به السبل في الصحراء، ولحسن حظه يقابل صبياً صغيراً من كوكب آخر. وكان هذا الأمير الصغير قد زار العديد من العوالم، بما فيها الارض، ويحكي للطيار عن مغامراته، وكيف شكل فلسفته من خلال مواجهاته مع الكبار.
«شارلي ومصنع الشوكولاته»
يعتبر الكاتب البريطاني رود دال، من أشهر كتاب أدب الطفل. كما تعتبر قصته « شارلي ومصنع الشوكولاته»، من أكثر قصصه مبيعاً، وتعبر عن حب الكاتب للشوكولاته التي ألهمته هذه القصة.
والتي نشرها في العام 1964. وتحكي عن ويلي وانكا صاحب المصنع ذي الأطوار الغريبة، والذي يعلن عن مسابقة تؤهل الفائز لجولة في مصنعه. ويربح شارلي وأربعة أطفال آخرين، جائزة تلك المسابقة، ويتعرضون خلال جولتهم إلى الكثير من المواقف والتحديات.
..عربياً
تعد قصة «السندباد البحري»، من أبرز الاعمال الابداعية الموجهة للاطفال، مبكرا. وهي للكاتب كامل إبراهيم كيلاني، والذي ولد في القاهرة في عام 1897، كما وتوفي بها في العام 1959. وتعلَّم في الأزهر، ونال شهادة المرحلة الثانوية، من مدرسة القاهرة الثانوية، ثم عكف على دراسة اللغتين الإنجليزية والفرنسية، وانتسب إلى الجامعة المصرية القديمة عام 1917.
واتصل بالمستشرقين في تلك الجامعة. ومع ذلك ظل يختلف إلى دروس الأزهر للتزود بعلوم اللغة والأدب. واتجه إلى الكتابة في أدب الأطفال، وأصدر عام 1927 قصته (السندباد البحري)، فكانت أوَّل محاولة قصصية حديثة يقوم بها أديب عربي بالتأليف للطفل، خارج المقررات الدراسية. وأتبعها بمكتبة كاملة للطفولة. وقال عنه الشاعر اللبناني خليل مطران (لو لم يكن للأستاذ الكيلاني إلا أنه المبتكر في وضع (مكتبة الأطفال) بلسان الناطقين بالضاد، فكفاه فخرًا بها، ما قدمه لرفع ذكره، وما أحسن به إلى قومه وعصره).