منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد

منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد (https://www.profvb.com/vb/)
-   منتدى القضايا التربوية (https://www.profvb.com/vb/f100.html)
-   -   المردودية في التكوين المستمر (https://www.profvb.com/vb/t1775.html)

admin 2009-05-18 20:50

المردودية في التكوين المستمر
 
لا يختلف إثنان حول الأدوار التي يلعبها التكوين المستمر في النهوض بمختلف القطاعات ، عبر الزيادة في فعالية منتوجها ، الذي هو حصيلة فعالية العنصر البشري كأداة للإنتاج ورافعة للتنمية . ولئن كان التكوين المستمر على الدوام وسيلة أساسية للرفع من مستوى العاملين ، وتجديد مكتسباتهم ، وتطوير معارفهم في مختلف مجالات عملهم ، ليستجيبوا لمستجدات الحياة المهنية، فإن وضعية التكوين المستمر في قطاع التربية الوطنية تشد عن هذه القاعدة ، بما يحمله القطاع من مفارقات ، طالما عمقت اليأس عند الكثير من المهمومين بالشأن التعليمي، الغيورين على مصالح وطنهم ومصير ناشئته .لقد خصصت الدولة في سياق التحولات السياسية التي عرفتها بلادنا منذ مطلع هذا القرن ، وانسجاما مع مقتضيات الميثاق الوطني، الداعية إلى الاهتمام بالعنصر البشري ، خصصت ميزانية هامة لو أحسن تدبيرها لشكلت إقلاعا كبيرا في كيان نظامنا التربوي ، وتهيأ معها بلدنا لدخول مضمار الدول المتقدة ، المالكة لثروة بشرية واعدة ومن شأنها صنع كيان حضاري عصي على كل المتربصين . غير أن تدبير إي مشروع يقتضي التوقف في الطريق لمساءلة ما أنجز وكيف أنجز وما الذي تبقى ولماذا ، وهي عملية ما كان لها أن تتم بفعل رغبة العديد من المسئولين في السير بخطى سريعة إلى الأمام ، وعدم الالتفات إلى الوراء خوفا من تبين الأخطاء .
وعلى الرغم من انخراط المغرب في الثقافة الكونية وما تعتمده من مقاربات حديثة في التدبير ،فإنه لم يقم بذلك بناء على قناعات ثقافية ، ورؤى واعية نابعة من صدق في الإصلاح ،بل يبدو أن نهجه في هذا المجال كان بخلفيات غير سليمة ، عند البعض على الأقل ، أو هو انخراط شكلي فقط . ذلك أن أهداف التكوين المستمر لم تكن محددة بدقة منذ البداية ، بل وحتى حدود هذه الساعة ، لأنه ليست هناك أسئلة حول جدوى التكوينات التي أنجزت ولا حول أثرها ووقعها ، بحيث الكثير منها لم يتم البحث فيه عن أثر على التلميد ، وعلى الأداء التربوي، بعبارة أخرى لم تعمل الوزارة على تحديد مخرجات محددة تريدها من التكوين المستمر ، وهكذا ترك الأمر لاجتهادات الأكاديميات لتحققه كيفما أرادت ، وبما تملك من تقدير للأمور ، وقد ظهر ذلك جليا على مستوى إنجازاتها . لقد كان رقم الاعتمادات المالية مخيفا عند البعض ، ومع ذلك ، ففي نظامنا التربوي إلى حد الآن من قضى ما يناهز ثلاثين سنة من العمل ، ولم يستفد من أي نوع من أنواع التكوين المستمر ، ليظل أداة عصية على التغيير ، هذا في الوقت الذي نجد من ظل يحضر مختلف التكوينات دون أن يكون حضوره قادرا على تطوير أدائه .
إن التكوين المستمر الذي تحدد مواضيعه فوقيا ، أو استجابة لنهج بيداغوجي للمغرب فيه التزامات مع جهة معينة داعمة ماديا (مقاربة بيداغوجيا الإدماج ، القويم التطويري ،التدبير بالنتائج ...)يشكل أقصى درجة الهدر ، ليس لأن مواضيعه لا تحظى بأهمية في الساحة التربوية والثقافية ، ولكن لأنه تكوين لم يبن على تحليل للحاجات ، واستقصاء للمؤهلات للمستويات ، إذ كان من الأفضل أن تختار له موضوعات بسيطة من الميثاق الوطني ومن الكتاب الأبيض ، وتترجم في شكل كفايات يعهد إلى فاعلين حقيقيين بالنهوض بها . وما أكثر هذه المواضيع التي يحتاجها الفاعلون التربويون والإداريون على اختلاف مواقعهم ، لكنها لم تكن لتشكل مصدر إثارة لدى المسئولين فظلت نسيا منسيا ، وظل معها التكوين المستمر غير وظيفي ولا هيكلي ولا شمولي.
أما شكل التكوين المستمر فلا يقل ضعفا عن المضمون والمحتوى ، ذلك أنه لم تحدد بدقة الأداة الكفيلة بالنهوض به ، وكأن الأمر يتعلق بضوابط نظامية ، وخدمة واضحة المضمون والهدف لا يقوم بها إلا صاحبها . قد يكون ذلك مقبولا لو أن هناك جهازا خاصا مكلفا بالتكوين المستمر ، واضح المعالم له طابعه المؤسسي ، وهو ما يفرض أن يكون متميزا في ثقافته وتكوينه ، متجددا باستمرار ، مواكبا لكل جديد . غير أن المشرع الذي أناط هذه المسئولية إلى حد ما بمؤسسات التكوين ، لم يكن قادرا على مساءلتها وتتبع مستوى التزامها ولا باحثا في السر وراء سلبها هذه المهمة ، فالمسئولون الجهويون يتحدثون عن مراكز للتكوين الأساس فقط ، ويفضلون إناطة التكوين المستمر بمن يريدون بسبب اقتران ذلك بتعويضات مادية ينبغي إعادة توزيعها . هكذا يقحم الكثيرون في هذه المهمة ضدا على المصلحة الحيوية للنظام التربوي ، وضدا على مقتضيات القانون والأخلاق . إن التكوين المستمر لم تكن أداته في المستوى (مع تقدير لمجهودات البعض )ولم تتم مساءلتها عن ما أنجزت ، وكيف أنجزت ، وما هي اقتراحاتها لتطوير التكوين . وهذا أمر ترك كثيرا من الفعاليات دون أن تستغل فضاعت على تعليمنا طاقات في هذا المضمار .
لقد كانت مواضيع التكوين المستمر جديدة على المستفيدين ، لكن كانت أيضا جديدة على كثير من المؤطرين ، وربما كانت خلفيات الكثير منهم دون مستوى المستفيدين ، لكن إطار ووضع الكثير منهم هيأ له أن يكون هو المؤطر ، لتكون حصيلة التكوين دون المنتظر . وقد كان بالإمكان تفادي ذلك لو حصلت النية الصادقة في التكوين بأن تسند المهمة لمن هو قادر عليها لا لمن يسمح إطاره بذلك ، بل الأدهى من ذلك أن الكثير من الأطر الإدارية في العديد من الأكاديميات ظلوا ينهضون لوحدهم بهذه المهمة وعطلت مع اشتغالهم مصالح كثيرة ، مثلما عطلت أطر تربوية بما تملكه من مؤهلات ، لغاية لا يعلمها إلا من اختاروا هذا الإيقاع في التدبير .
خلاصة :
كم يكفينا من الوقت لتصحيح أوضاع تدبيرنا التربوي والإداري العرجاء ، ولوقف النزيف المالي ، وكم سيحكم على هذا البلد السعيد بأن يظل ينتظر ، في الوقت الذي تقاس فيه حياة الأمم بأقل من الثواني ، في زمن أهم سماته السرعة في التغير والتسابق نحو ذرى المجد التي أصبحت تضيق يوما عن آخر بسبب الفرق في الإيقاع .
وتحية لمن يحترم نفسه .
د. التادلي الزاوي


الساعة الآن 02:32

جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd