محمد أزوض: اصلاح التعليم او استمرار المحاولة والخطا .
دائما ما نسمع في الآونة الاخيرة وعند الحديث عن فشل نظامنا التعليمي الذي اقرت بها دوائر صنع القرار الداخلية قبل التقارير الخارجية، على انه يجب تحييد قطاع التعليم عن التجاذبات والصراعات السياسية، وهذا فهم مغلوط وحول في التفكير السليم. فما نعرفه ان التعليم هو نسق له علاقة بالنسق السياسي والاقتصادي والسوسيوثقافي والديموغرافي ولا يمكن فصله عن محيطه وجعله جزيرة معزولة ثم الانتظار ان يصبح نسقا قويا منسجما.
فالنسق التربوي يتحكم فيه النسق السياسي والايديولوجي للدولة فهي التي تقرر نوع الانسان التي تريد ان تكونه مستقبلا، فالنظام السياسي إن كان غير مستقر ولم يبن استمرارية لشرعيته وتتجاذب الاطراف السياسية الاخرى تلك الشرعية باقتراح بدائل غير تلك التي يتبناها النظام فهذا يعني ان غايات واهداف التربية ونوعية الانسان المنشوذ تكوينه أي ما يسمى مخرجات النسق التربوي ليست مطلقة وحاسمة ومتفق عليها، ومن هنا يكون بناء المناهج والطرق والمتحكمة في مخرجات النسق التربوي ظرفيا ويخضع للسلطة التي تفرضه ومن تم أي فشل لمخرجات التعليم يكون وجبة دسمة لمعارضي النظام التربوي. ولضرب بعض الامثلة فهل اهداف وغايات النظام السوفييتي البائد هي نفسها اهداف وغايات النظام الجمهوري الروسي؟ وقس على ذلك. وعندما يغيب هذا الانسجام بين المدخلات والمخرجات يمكن لهذا النسق التربوي ان يصبح اداة لتغيير النظام السياسي كما حصل في بعض بلدان امريكا الجنوبية. وفي الحالة المغربية لا اظن تغيير حكومة ومجيء وزير جديد كفيل باخراج التعليم من وضعيته المزرية لانه ليست هناك ارادة سياسية لجعل المدرسة قاطرة للتغيير المجتمعي المنشود بسبب الخوف من التغيير ذلك التغيير الذي لا يزال غامض الهوية والذي تتنازعه مرجعيات ايديولوجية مختلفة تائهة في استجلاب نماذج خارجية، عاجزة عن بناء نموذج محلي، غارقة في فصول الاصلاحات الفاشلة المتتالية والتي تعتبر دليل تخبط وغياب للروح الوطنية والمسؤولية امام الشعب. محاولات اصلاح فاشلة تعقبها ترميمات شكلية لا تمس الجوهر وهدفها تسخير هذا النظام التعليمي لمصالح فئة معينة تتحكم في كل مفاصل الحياة وهدفها استمرار هيمنتها على الاقتصاد والثروة في بلدنا.
لهذا فالملفات الكبرى والحارقة التي لم تجد طريقها نحو الحل منذ صدور الميثاق الوطني للتربية والتكوين لن تجد حلا بمجرد تغيير وزير بآخر.
فهل سيتم الافراج عن النظام الاساسي لموظفي وزارة التربية والتكوين الذي راوح مكانه لاعوام عديدة؟
هل سيتم الافراج عن تعويضات العمل في العالم القروي؟
هل سيستمر فصل التكوين عن التوظيف؟
هل سيستمر توظيف الاطر التربوية والادارية بالعقدة؟
هل سيستمر التضييق على العمل النقابي والاقتطاع من اجور المضربين وتعنيف المتظاهرين السلميين واقبار الملفات المطلبية لرجال ونساء التعليم على اختلاف مهماتهم؟
هل سيتم النهوض بالبنيات التحتية المهترئة للمؤسسات التعليمية وتوفير كل التجهيزات الضرورية لعملية تعليمية سليمة؟
لازالت لغة التدريس تفرض نفسها لتضارب مصالح اللوبيات فهل سيتم الحسم فيها الى غير رجعة؟
وهل النظام التعليمي قادر على الموازنة المستمرة والابدية بين ما يقدمه للمتعلمين وما يتطلبه سوق الشغل أي الانسجام بين المدخلات والمخرجات؟
تعريب العلوم في التعليم الثانوي وفرنستة بالجامعة والمدارس العليا هل سيستمر "مرض الفصام وانشطار الانا"؟
فهل الوزير الجديد يملك رؤيا جديدة ومشروعا تربويا قدمه قبل استوزاره يقضي على المشاكل الآنية الملحة للتعليم ببلادنا كالهدر المدرسي والاكتظاظ وقلة الموارد البشرية وتعميم التعليم الاولي وتدني مستوى التلاميذ ومشاكل الحركة الانتقالية؟
وهل تغيير المقررات والبرامج سيخرج التعليم ببلادنا من المراتب المتدنية التي ألفها في التصنيفات الدولية؟
وهل الاصلاح المنشود سيرد الاعتبار للمدرسة العمومية وللاستاذ المغربي الذي نال منه الاعلام والشارع وكل من هب ودب الا ما رحم ربك؟
الموارد المالية ليست بالشحيحة في بلادنا لكن صرفها على القطاع اصبح مرتبط بالدوائر المالية العالمية والاهداف والغايات غامضة ونية الاصلاح الجذري غائبة والروح الوطنية والمسؤولية ناقصة ومخرجات التعليم غير دقيقة وغير محسوبة وما هو موجود الان ليس سوى مسكنات ومهدئات للمشاكل سرعان ما يزول مفعولها. اذن لا نرجو خيرا من استبدال وزير بوزير لان المنظومة فاسدة و 'مسامر الميدة' يمسكون بزمام الامور والحل ثورة تعليمية من داخل هذا النظام التعليمي لن يقوم بها سوى أهل الاختصاص و"صحاب الدار".