الرئيسية | الصحيفة | خدمات الإستضافة | مركز الملفات | الحركة الانتقالية | قوانين المنتدى | أعلن لدينا | اتصل بنا |

أفراح بن جدي - 0528861033 voiture d'occasion au Maroc
educpress
للتوصل بجديد الموقع أدخل بريدك الإلكتروني ثم فعل اشتراكك من علبة رسائلك :

فعاليات صيف 2011 على منتديات الأستاذ : مسابقة استوقفتني آية | ورشة : نحو مفهوم أمثل للزواج

العودة   منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد > المنتديات العامة والشاملة > المنتدى الإسلامي > مدرسة القرآن والسنة > تفسير



إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 2016-12-08, 19:40 رقم المشاركة : 6
أم سهام
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية أم سهام

 

إحصائية العضو









أم سهام غير متواجد حالياً


وسام المرتبة الثالثة في مسابقة القران الكريم

وسام المرتبة الثانية

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام المرتبة الثانية مسابقة الأستاذ الرمضانية

وسام المشاركة في دورة HTML

وسام المركز الثالث في مسابقة نتخلق بخلقه لنسعد بقر

وسام المركز الثالث في  المسابقة االرمضانية الكبرى

افتراضي رد: تفسير سورة النحل


[color="red"] تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق [/color]

{ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ ظ±للَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ ظ±لأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ ظ±للَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ ظ±للَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ } * { وَلاَ تَكُونُواْ كَظ±لَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَىظ° مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ ظ±للَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ ظ±لْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } * { وَلَوْ شَآءَ ظ±للَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلـظ°كِن يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } * { وَلاَ تَتَّخِذُوغ¤اْ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُواْ ظ±لْسُّوغ¤ءَ بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ ظ±للَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { وَلاَ تَشْتَرُواْ بِعَهْدِ ظ±للَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً إِنَّمَا عِنْدَ ظ±للَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } * { مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ ظ±للَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ ظ±لَّذِينَ صَبَرُوغ¤اْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىظ° وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { فَإِذَا قَرَأْتَ ظ±لْقُرْآنَ فَظ±سْتَعِذْ بِظ±للَّهِ مِنَ ظ±لشَّيْطَانِ ظ±لرَّجِيمِ } * { إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَىظ° ظ±لَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَىظ° رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } * { إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَىظ° ظ±لَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَظ±لَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ } * { وَإِذَا بَدَّلْنَآ آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَظ±للَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوغ¤اْ إِنَّمَآ أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ ظ±لْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِظ±لْحَقِّ لِيُثَبِّتَ ظ±لَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَىظ° لِلْمُسْلِمِينَ } * { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ ظ±لَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـظ°ذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ } * { إِنَّ ظ±لَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ ظ±للَّهِ لاَ يَهْدِيهِمُ ظ±للَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { إِنَّمَا يَفْتَرِي ظ±لْكَذِبَ ظ±لَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ ظ±للَّهِ وَأُوْلـظ°ئِكَ هُمُ ظ±لْكَاذِبُونَ } * { مَن كَفَرَ بِظ±للَّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِظ±لإِيمَانِ وَلَـظ°كِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ ظ±للَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { ذظ°لِكَ بِأَنَّهُمُ ظ±سْتَحَبُّواْ ظ±لْحَيَاةَ ظ±لْدُّنْيَا عَلَىظ° ظ±لآخِرَةِ وَأَنَّ ظ±للَّهَ لاَ يَهْدِي ظ±لْقَوْمَ ظ±لْكَافِرِينَ } * { أُولَـظ°ئِكَ ظ±لَّذِينَ طَبَعَ ظ±للَّهُ عَلَىظ° قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَـظ°ئِكَ هُمُ ظ±لْغَافِلُونَ } * { لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي ظ±لآخِرَةِ هُمُ ظ±لْخَاسِرونَ } * { ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَاهَدُواْ وَصَبَرُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ }

المنَاسَبَة:
لما استقصى تعالى في الوعد والوعيد، والترغيب والترهيب، وذكر جملة المكارم والفضائل، حذَّر تعالى هنا من نقض العهود والمواثيق وعصيان أوامر الله تعالى، لأن العصيان سبب البلاء والحرمان، ثم ذكر تعالى ما أعده لأهل الإِيمان من الحياة الطيبة الكريمة.

اللغَة:

{ تَنقُضُواْ } النقض ضدُّ الإِبرام، وهو فك أجزاء الشيء بعضها من بعض { تَوْكِيدِهَا } التوكيد التثبيتُ يقال: توكيد وتأكيد { أَنكَاثاً } أنقاضاً والنكث: النقضُ بعد الفتل { دَخَلاً } الدَّخل: الدَّغل والخديعة والغش قال أبو عبيدة: كل أمرٍ لم يكن صحيحاً فهو دخَل { يَنفَدُ } نفد الشيء ينْفد فني { أَعْجَمِيٌّ } الأعجمي الذي لا يتكلم العربية وقال الفراء: الأعجم الذي في لسانه عجمة وإِن كان من العرب، والعجمي الذي أصله من العجم { يُلْحِدُونَ } الإِلحاد: الميل يقال لحد وألحد إِذا مال عن القصد والاستقامة.

سَبَبُ النّزول:

أ- روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجلس عند المروة إِلى غلام نصراني يقال له " جبْر " وكان يقرأ الكتب فقال المشركون: والله ما يعلِّمه ما يأتي به إِلا جبرٌ الرومي فأنزل الله عز وجل { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ... } الآية.

ب- عن ابن عباس " أن المشركين أخذوا عمّار بن ياسر وأباه ياسراً وأمه سُميَّة وصهيباً وبلالاً فعذبوهم، ورُبطت " سُميَّة " بين بعيرين ووُجئ قُبُلها بحربة فقُتلت، وقُتل زوجها ياسر - وهما أول قتيلين في الإِسلام - وأمّا عمّار فأعطاهم ما أرادوا بلسانه مُكرهاً، فشكا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له الرسول الكريم: كيف تجد قلبك؟ قال: مطمئنٌ بالإيمان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإن عادوا فعُدْ وأنزل الله { مَن كَفَرَ بِظ±للَّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِظ±لإِيمَانِ... } " الآية.

التفسير:
{ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ ظ±للَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ } أي حافظوا على العهود التي عاهدتم عليها الرسول أو الناس وأدوها على الوفاء والتمام { وَلاَ تَنقُضُواْ ظ±لأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا } أي ولا تنقضوا أيمان البيعة بعد توثيقها بذكر الله تعالى { وَقَدْ جَعَلْتُمُ ظ±للَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً } أي جعلتم الله شاهداً ورقيباً على تلك البيعة { إِنَّ ظ±للَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ } أي عليم بأفعالكم وسيجازيكم عليها { وَلاَ تَكُونُواْ كَظ±لَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً } هذا مثلٌ ضربه الله لمن نكث عهده، شبِّهت الآية الذي يحلف ويعاهد ويُبرم عهده ثم ينقضه بالمرأة تغزل غزلها وتفتله محكماً ثم تحلُه أنكاثاً أي أنقاضاً قال المفسرون: كان بمكة امرأة حمقاء تغزل غزلاً ثم تنقضه، وكان الناس يقولون: ما أحمق هذه! { تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ } أي تتخذون أيمانكم خديعة ومكراً تخدعون بها الناس { أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ } أي لأجل أن تكون أمة أكثر عدداً وأوفر مالاً من غيرها قال مجاهد: كانوا يحالفون الحلفاء فيجدون أكثر منهم وأعزَّ، فينقضون حلف هؤلاء ويحالفون أولئك { إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ ظ±للَّهُ بِهِ } أي إِنما يختبركم الله بما أمركم به من الوفاء بالعهد لينظر المطيع من العاصي { وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ ظ±لْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } أي ليجازي كل عاملٍ بعمله من خير وشرّ { وَلَوْ شَآءَ ظ±للَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً } أي لو شاء الله لخلق الناس باستعداد واحد، وجعلهم أهل ملةٍ واحدة، لا يختلفون ولا يفترقون { وَلـظ°كِن يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ } أي ولكنْ اقتضت حكمته أن يتركهم لاختيارهم، ناسٌ للسعادة وناس للشقاوة، فيضلُّ من يشاء بخذلانه إِياهم عدلاً، ويهدي من يشاء بتوفيقه إِياهم فضلاً { وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } أي ثم يسألكم يوم القيامة عن جميع أعمالكم فيجازيكم على الفتيل والقطمير { وَلاَ تَتَّخِذُوغ¤اْ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ } كرره تأكيداً ومبالغة في تعظيم شأن العهود أي لا تعقدوا الأيمان وتجعلوها خديعة ومكراً تغرون بها الناس لتحصلوا على بعض منافع الدنيا الفانية { فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا } أي فتزلَّ أقدامكم عن طريق الاستقامة وعن محجة الحق بعد رسوخها فيه قال ابن كثير: هذا مثل لمن كان على الاستقامة فحاد عنها، وزلَّ عن طريق الهدى بسبب الأيمان الحانثة، المشتملة على الصدّ عن سبيل الله، لأن الكافر إِذا رأى المؤمن قد عاهده ثم غدر به لم يبق له وثوقٌ بالدين، فيصد بسببه عن الدخول في الإِسلام ولهذا قال { وَتَذُوقُواْ ظ±لْسُّوغ¤ءَ بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ ظ±للَّهِ } أي يصيبكم العقاب الدنيوي العاجل الذي يسوءكم لصدّكم غيركم عن اعتناق الإِسلام بسبب نقض العهود { وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } أي ولكم في الآخرة عذاب كبير في نار جهنم { وَلاَ تَشْتَرُواْ بِعَهْدِ ظ±للَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً } أي لا تستبدلوا عهد الله وعهد رسوله بحطام الدنيا الفاني { إِنَّمَا عِنْدَ ظ±للَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } أي ما عند الله من الأجر والثواب خير لكم من متاع الدنيا العاجل إِذا كنتم تعلمون الحقيقة، ثم علَّل ذلك بقوله { مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ ظ±للَّهِ بَاقٍ } أي ما عندكم أيها الناس فإِنه فانٍ زائل، وما عند الله فإِنه باقٍ دائم، لا انقطاع له ولا نَفَاد، فآثروا ما يبقى على ما يفنى { وَلَنَجْزِيَنَّ ظ±لَّذِينَ صَبَرُوغ¤اْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } أي ولنثيبنَّ الصابرين بأفضل الجزاء، ونعطيهم الأجر الوافي على أحسن الأعمال مع التجاوز عن السيئات، وهذا وعدٌ كريم بمنح أفضل الجزاء على أفضل العمل، ليكون الجزاء على أحسن العمل دون سواه، وكل ذلك بفضل الله { مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىظ° وَهُوَ مُؤْمِنٌ } أي من فعل الصالحات ذكراً كان أو أنثى بشرط الإِيمان { فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً } أي فلنحيينَّه في الدنيا حياة طيبة بالقناعة والرزق الحلال، والتوفيق لصالح الأعمال وقال الحسن: لا تطيب الحياة لأحدٍ إِلا في الجنة لأنها حياة بلا موت، وغنى بلا فقر، وصحة بلا سقم، وسعادة بلا شقاوة { وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } أي ولنجزينَّهم في الآخرة بجزاء أحسن أعمالهم، وما أكرمه من جزاء! { فَإِذَا قَرَأْتَ ظ±لْقُرْآنَ } أي إِذا أردت تلاوة القرآن { فَظ±سْتَعِذْ بِظ±للَّهِ مِنَ ظ±لشَّيْطَانِ ظ±لرَّجِيمِ } أي فاسأل الله أن يحفظك من وساوس الشيطان وخطراته، كيلا يوسوس لك عند القراءة فيصدَّك عن تدبر القرآن والعمل بما فيه { إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَىظ° ظ±لَّذِينَ آمَنُواْ } أي ليس له تسلطٌ وقدرة على المؤمنين بالإِغواء والكفر لأنهم في كنف الرحمن { وَعَلَىظ° رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } أي يعتمدون على الله فيما نابهم من شدائد { إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَىظ° ظ±لَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ } أي إِنما تسلُّطه وسيطرته على الذين يطيعونه ويتخذونه لهم ولياً { وَظ±لَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ } أي بسبب إِغوائه أصبحوا مشركين في عبادتهم وذبائحهم، ومطاعمهم ومشاربهم { وَإِذَا بَدَّلْنَآ آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ } أي وإِذا أنزلنا آيةٌ مكان آية وجعلناها بدلاً منها بأن ننسخ تلاوتها أو حكمها { وَظ±للَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ } جملة اعتراضية سيقت للتوبيخ أي والله أعلم بما هو أصلح للعباد وبما فيه خيرهم، فإِنَّ مثل آياتِ هذا الكتاب كمثل الدواء يُعطى منه للمريض جرعات حتى يماثل الشفاء، ثم يستبدل بما يصلح له من أنواع أخرى من الأطعمة { قَالُوغ¤اْ إِنَّمَآ أَنتَ مُفْتَرٍ } أي قال الكفرة الجاهلون إنما أنت يا محمد متقوِّلٌ كاذبٌ على الله { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } أي أكثرهم جهلة لا يعلمون حكمة الله فيقولون ذلك سفهاً وجهلاً قال ابن عباس: كان إِذا نزلت آية فيها شدة ثم نسخت قال كفار قريش: والله ما محمد إِلا يسخر من أصحابه، يأمرهم اليوم بأمرٍ، وينهاهم غداً عنه، وإِنه لا يقول: ذلك إِلا من عند نفسه فنزلت { قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ ظ±لْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِظ±لْحَقِّ } أي قل لهم يا محمد: إِنما نزَّله جبريل الأمين من عند أحكم الحاكمين بالصدق والعدل { لِيُثَبِّتَ ظ±لَّذِينَ آمَنُواْ } أي ليثبّت المؤمنين بما فيه من الحجج والبراهين فيزدادوا إِيماناً ويقيناً { وَهُدًى وَبُشْرَىظ° لِلْمُسْلِمِينَ } أي وهداية وبشارة لأهل الإِسلام الذين انقادوا لحكمه تعالى، وفيه تعريضٌ بالكفار الذين لم يستسلموا لله تعالى { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ } أي قد علمنا مقالة المشركين الشنيعة ودعواهم أن هذا القرآن من تعليم " جبْر الرومي " وقد ردَّ تعالى عليهم بقوله { لِّسَانُ ظ±لَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ } أي لسان الذي يزعمون أنه علَّمه وينسبون إِليه التعليم أعجميٌ { وَهَـظ°ذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ } أي وهذا القرآن عربيٌ في غاية الفصاحة، فكيف يمكن لمن لسانُه أعجمي أن يُعلم محمداً هذا الكتاب العربيُّ المبين؟ ومن أين للأعجمي أن يذوق بلاغة هذا الكتاب المعجز في فصاحته وبيانه!! { إِنَّ ظ±لَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ ظ±للَّهِ لاَ يَهْدِيهِمُ ظ±للَّهُ } أي إِن الذين لا يُصدّقون بهذا القرآن لا يوفقهم الله لإِصابة الحق، ولا يهديهم إِلى طريق النجاة والسعادة { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي لهم في الآخرة عذابٌ موجع مؤلم، وهذا تهديدٌ لهم ووعيد على كفرهم وافترائهم { إِنَّمَا يَفْتَرِي ظ±لْكَذِبَ ظ±لَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ ظ±للَّهِ } أي لا يكذب على الله إِلا من لم يؤمن بالله ولا بآياته، لأنه لا يخاف عقاباً يردعه، فالكذب جريمةٌ فاحشة لا يُقدم عليها مؤمن، وهذا ردُّ لقولهم { إِنَّمَآ أَنتَ مُفْتَرٍ } { وَأُوْلـظ°ئِكَ هُمُ ظ±لْكَاذِبُونَ } أي وأولئك هم الكاذبون على الحقيقة لا محمد الرسول الأمين { مَن كَفَرَ بِظ±للَّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ } أي من تلفَّظ بكلمة الكفر وارتد عن الدين بعد ما دخل فيه { إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِظ±لإِيمَانِ } أي إِلا من تلفَّظ بكلمة الكفر مكرهاً والحال أن قلبه مملوءٌ إِيماناً ويقيناً، والآيةُ تغليظٌ لجريمة المرتد لأنه عرف الإِيمان وذاقه ثم ارتدَّ إِيثاراً للحياة الدنيا على الآخرة قال المفسرون:

نزلت في عمار بن ياسر أخذه المشركون فعذبوه حتى أعطاهم ما أرادوا مُكْرهاً فقال الناس: إِنَّ عماراً كفر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إِنَّ عماراً ملئ إِيماناً من فرقه إِلى قدمه، واختلط الإِيمان بلحمه ودمه، فأتى عمار رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبكي فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف تجد قلبك؟ قال: مطمئناً بالإِيمان قال: إِن عادوا فعُدْ " { وَلَـظ°كِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً } أي طابت نفسه بالكفر وانشرح صدره له { فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ ظ±للَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } أي ولهم غضبٌ شديد مع عذاب جهنم، إِذْ لا جرم أعظم من جرمهم { ذظ°لِكَ بِأَنَّهُمُ ظ±سْتَحَبُّواْ ظ±لْحَيَاةَ ظ±لْدُّنْيَا عَلَىظ° ظ±لآخِرَةِ } أي ذلك العذاب بسبب أنهم آثروا الدنيا واختاروها على الآخرة { وَأَنَّ ظ±للَّهَ لاَ يَهْدِي ظ±لْقَوْمَ ظ±لْكَافِرِينَ } أي لا يوفقهم إِلى الإِيمان ولا يعصمهم من الزيغ والضلال { أُولَـظ°ئِكَ ظ±لَّذِينَ طَبَعَ ظ±للَّهُ عَلَىظ° قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ } أي ختم على قلوبهم وأسماعهم وأبصارهم فجعل عليها غلافاً بحيث لا تُذعن للحق ولا تسمعه ولا تبصره { وَأُولَـظ°ئِكَ هُمُ ظ±لْغَافِلُونَ } أي الكاملون في الغفلة إِذْ أغفلتهم الدنيا عن تدبر العواقب { لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي ظ±لآخِرَةِ هُمُ ظ±لْخَاسِرونَ } أي حقاً ولا شك ولا ريب في أنهم الخاسرون في الآخرة لأنهم ضيَّعوا أعمارهم في غير منفعة تعود عليهم قال المفسرون: وصفهم تعالى بست صفات هي: الغضب من الله، والعذاب العظيم، واختيارهم الدنيا على الآخرة، وحرمانهم من الهدى، والطبع على قلوبهم، وجعلهم من الغافلين { ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ } أي ثم إِن ربك يا محمد للذين هاجروا في سبيل الله بعد ما فتنهم المشركون الطغاة عن دينهم بالعذاب { ثُمَّ جَاهَدُواْ وَصَبَرُواْ } أي ثم جاهدوا في سبيل الله وصبروا على مشاقّ الجهاد { إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي إِن ربك بعد تلك الهجرة والجهاد والصبر سيغفر لهم ويرحمهم.

البَلاَغَة:
تضمنت الآيات الكريمة من وجوه البيان والبديع ما يلي:

1- التشبيه التمثيلي { وَلاَ تَكُونُواْ كَظ±لَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا } الآية شبه تعالى من يحلف ثم لا يفي بعهده بالمرأة التي تغزل غزلاً ثم تنقضه.

2- الاستعارة في { فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا } استعار القدم للرسوخ في الدين والتمكن فيه لأن أصل الثبات يكون بالقدم ولما كان الزلل عن محجة الحق يشبه زلل القدم وانزلاقها عبَّر به عن الانزلاق الحسي بطريق الاستعارة.

3- الطباق بين { يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ } وبين { أَعْجَمِيٌّ.. عَرَبِيٌّ } وبين { يَنفَدُ... بَاقٍ } ,

4- جناس الاشتقاق { قَرَأْتَ ظ±لْقُرْآنَ } وفيه مجاز مرسل من إِطلاق اسم المسبَّب على السبب أي إِذا أردت قراءة القرآن.

5- الاعتراض { وَظ±للَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ } الجملة اعتراضية لبيان الحكمة الإِلهية في النسخ، وفيه التفات من المتكلم إِلى الغائب، وذكر الاسم الجليل لتربية المهابة في النفس.

6- الاستعارة اللطيفة { لِّسَانُ ظ±لَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ } استعار اللسان للغّة والكلام كقول الشاعر:
لسانُ السُّوءِ تُهديها إِلينا
***
وخُنْت وما حسبتُك أن تخونا
والعرب تستعمل اللسان بمعنى اللغة كقوله تعالى
{*وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ*}
[إبراهيم: 4].

لطيفَة:
السرُّ في الاستعاذة قبل قراءة القرآن أن القرآن هو الذكر الحكيم، والحق المبين، ولما كان الشيطان يثير الشبهات بوساوسه، ويفسد القلوب بدسائسه، أُمر صلى الله عليه وسلم بأن يستعيذ بالله ويلتجئ إِليه عند تلاوة القرآن، لأن قوة الإِنسان تضعف عن دفعه بسهولة فيحتاج إِلى الاستعانة بالله العلي الكبير






التوقيع

    رد مع اقتباس
قديم 2016-12-15, 19:40 رقم المشاركة : 7
أم سهام
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية أم سهام

 

إحصائية العضو









أم سهام غير متواجد حالياً


وسام المرتبة الثالثة في مسابقة القران الكريم

وسام المرتبة الثانية

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام المرتبة الثانية مسابقة الأستاذ الرمضانية

وسام المشاركة في دورة HTML

وسام المركز الثالث في مسابقة نتخلق بخلقه لنسعد بقر

وسام المركز الثالث في  المسابقة االرمضانية الكبرى

افتراضي رد: تفسير سورة النحل


[u]* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق [/u]

{ يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } * { وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَاقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } * { وَلَقَدْ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ ٱلْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ } * { فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ حَلَـٰلاً طَيِّباً وَٱشْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ إِن كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } * { إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةَ وَٱلْدَّمَ وَلَحْمَ ٱلْخَنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ ٱلْكَذِبَ هَـٰذَا حَلاَلٌ وَهَـٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ } * { مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { وَعَلَىٰ ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } * { ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسُّوۤءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوۤاْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { شَاكِراً لأَنْعُمِهِ ٱجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { وَآتَيْنَاهُ فِي ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { ثُمَّ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ أَنِ ٱتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { إِنَّمَا جُعِلَ ٱلسَّبْتُ عَلَىٰ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } * { ٱدْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ وَجَٰدِلْهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ } * { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ } * { وَٱصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِٱللَّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ } * { إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّٱلَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ }

المنَاسَبَة:
لما ذكر تعالى حال من كفر بلسانه، وحال من كفر بلسانه وجَنَانه، ذكر هنا الجزاء العادل الذي يلقاه كل إِنسان في الآخرة، وما أعدَّه من العقاب العاجل في الدنيا لبعض المكذبين، ثم ذكر قصة إِبراهيم الأوَّاه المنيب، وأَمر الرسول صلى الله عليه وسلم باقتفاء آثاره المجيدة.

اللغَة:

{ تُجَادِلُ } تخاصم وتحاجُّ { رَغَداً } واسعاً هنيئاً بلا كلفةٍ ولا تعب { أَنْعُمِ } جمع نعمة كالأشد جمع الشدَّة { أُمَّةً } إِماماً جامعاً لخصال الخير { قَانِتاً } مطيعاً خاضعاً من القنوت وهو الطاعة والخضوع { ٱجْتَبَاهُ } اصطفاه واختاره { حَنِيفاً } الحنيف: المائل عن الأديان الباطلة إِلى دين الإِسلام، من الحنف وهو الميل.

سَبَبُ النّزول:
" لمَّا قُتل حمزة ومثَّل به المشركون في غزوة أُحد قال صلى الله عليه وسلم حين رآه " والله لأُمثلنَّ بسبعين منهم مكانك " فنزلت الآية الكريمة { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ... } الآية.

التفسِير:
{ يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا } أي ذكِّرْهم يوم القيامة حين تخاصم كلُّ نفسٍ عن ذاتها سعياً في خلاصها، لا يهمها شأنُ غيرها { وَتُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ } أي تُعطى جزاءَ ما عملت من غير بخْسٍ ولا نقصان { وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } أي لا ينقصون أجورهم بل يُعطونها كاملةٌ وافية { وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً } هذا مثلٌ ضربه الله لأهل مكة وغيرهم، بقومٍ أنعم الله عليهم فأبطرتهم النعمة فعصوا وتمردوا، فبدَّل الله نعمتهم بنقمة { كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً } أي كان أهلها في أمنٍ واستقرار، وسعادة ونعيم { يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ } أي تأتيها الخيرات والأرزاق بسعةٍ وكثرةٍ من كل الجهات { فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ } أي لم يشكروا الله على ما آتاهم من خير، وما وهبهم من رزق { فَأَذَاقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ } أي سلبهم اللهُ نعمة الأمن والاطمئنان، وأذاقهم آلام الخوف والجوع والحرمان { بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } أي بسبب كفرهم ومعاصيهم، قال الرازي: وهذا مثلُ أهل مكة لأنهم كانوا في الأمن والطمأنينَة والخِصْب، ثم أنعم الله عليهم بالنعمة العظيمة وهو محمد صلى الله عليه وسلم فكفروا به، وبالغوا في إِيذائه، فعذبهم الله بالقحط والجوع سبع سنين حتى أكلوا الجيف والعظام { وَلَقَدْ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ } أي ولقد جاءهم محمد بالآيات الباهرة والمعجزات الظاهرة وهو رسولٌ منهم يعرفون أصله ونسبه فلم يصدقوه ولم يؤمنوا برسالته، والآية دالة على أن المراد بهم أهل مكة وهو قول ابن عباس { فَأَخَذَهُمُ ٱلْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ } أي فأصابتهم الشدائد والنكبات وهم ظالمون بارتكاب المعاصي والآثام { فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ حَلالاً طَيِّباً } أي كلوا من نِعَم الله التي أباحها لكم حال كونها حلالاً طيباً { وَٱشْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ إِن كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } أي واشكروا الله على نعمه الجليلة إِن كنتم مخلصين في إِيمانكم لا تعبدون أحداً سواه، ثم ذكر تعالى ما حرمه عليهم مما فيه مضرة لهم فقال { إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةَ وَٱلْدَّمَ وَلَحْمَ ٱلْخَنْزِيرِ } أي لم يحرم ربكم عليكم أيها الناس إِلا ما فيه أذى لكم كالميتة والدم ولحم الخنزير { وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ } أي وما ذبح على اسم غير الله تعالى فإِنَّ فيه أذى للنفس والعقيدة { فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي فمن اضطر لأكل ما حرَّم الله من المذكورات من غير بغيٍ ولا عدوان فإِن الله واسع المغفرة عظيم الرحمة لا يؤاخذ من كان مضطراً، ثم وبّخ تعالى المشركين الذين حلّلوا وحرّموا من تلقاء أنفسهم فقال { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ ٱلْكَذِبَ هَـٰذَا حَلاَلٌ وَهَـٰذَا حَرَامٌ } أي لا تقولوا أيها المشركون في شأن ما تصفه ألسنتكم من الكذب هذا حلالٌ وهذا حرام من غير دليلٍ ولا برهان { لِّتَفْتَرُواْ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ } أي لتكذبوا على الله بنسبة ذلك إِليه { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ } أي إِن الذين يختلقون الكذبَ على الله لا يفوزون ولا يظفرون بمطلوبهم لا في الدنيا ولا في الآخرة { مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي انتفاعهم واستمتاعهم في الدنيا قليل لأنه زائل، ولهم في الآخرة عذاب مؤلم، ثم ذكر تعالى ما حرَّم على اليهود فقال { وَعَلَىٰ ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِن قَبْلُ } أي وعلى اليهود خاصة حرمنا عليهم ما قصصنا عليك يا محمد مما سبق ذكره في سورة الأنعام عقوبة لهم وهي شحوم البقرة والغنم وكل ذي ظفر { وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } أي وما ظلمناهم بذلك التحريم ولكنْ ظلموا أنفسهم فاستحقوا ذلك كقوله

{*فَبِظُلْمٍ مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ*}
[النساء: 160] { ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسُّوۤءَ بِجَهَالَةٍ } أي ثم إِن ربك يا محمد للذين ارتكبوا تلك القبائح بجهلٍ وسفه { ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوۤاْ } أي ثم رجعوا إِلى ربهم وأنابوا وأصلحوا العمل بعد ذلك الزلل { إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ }
أي إِنه تعالى واسع المغفرة عظيم الرحمة، والآية تأنيسٌ لجميع الناس وفتحٌ لباب التوبة { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً } أي إِنَّ إِبراهيم كان إِماماً قدوةً جامعاً لخصال الخير ولذلك اختاره الله لخلته { قَانِتاً لِلَّهِ } أي مطيعاً لربه قائماً بأمره { حَنِيفاً } أي مائلاً عن كل دين باطل إِلى دين الحق، دين الإِسلام { وَلَمْ يَكُ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } تأكيد لما سبق وردٌّ على اليهود والنصارى في زعمهم أن إِبراهيم كان يهودياً أو نصرانياً { شَاكِراً لأَنْعُمِهِ } أي قائماً بشكر نعم الله { ٱجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } أي اختاره واصطفاه للنبوة وهداه إِلى الإِسلام وإِلى عبادة الواحد الأحد { وَآتَيْنَاهُ فِي ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةً } أي جعلنا له الذكر الجميل في الدنيا { وَإِنَّهُ فِي ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ } أي وهو في الآخرة من أصحاب الدرجات الرفيعة، وفي أعلى مقامات الصالحين { ثُمَّ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ أَنِ ٱتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً } لما وصف تعالى إِبراهيم بتلك الأوصاف الشريفة أمر نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يتَّبع ملته والمعنى ثم أمرناك يا محمد باتباع دين إِبراهيم وملته الحنيفية السمحة { وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } أي وما كان يهودياً أو نصرانياً، وإِنما كان حنيفاً مسلماً، وهو تأكيد آخر لردّ مزاعم اليهود والنصارى أنهم على دينه { إِنَّمَا جُعِلَ ٱلسَّبْتُ عَلَىٰ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ } أي لم يكن تعظيم يوم السبت وتركُ العمل فيه من شريعة إِبراهيم ولا من شعائر دينه، وإِنما جعل تغليظاً على اليهود لاختلافهم في الدين وعصيانهم أمر الله، حيث نهاهم عن الاصطياد فيه فاصطادوا فمسخهم قردةً وخنازير { وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } أي وسيفصل الله تعالى بينهم يوم القيامة، فيجازي كلاً بما يستحق من الثواب أو العقاب { ٱدْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ } أي أدع يا محمد الناس إِلى دين الله وشريعته القدسية بالأسلوب الحكيم، واللطف واللين، بما يؤثر فيهم وينجع، لا بالزجر والتأنيب والقسوة والشدة { وَجَادِلْهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } أي وجادل المخالفين بالطريقة التي هي أحسن ومن طرق المناظرة والمجادلة بالحجج والبراهين، والرفق واللين { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ } أي إِن ربك يا محمد هو العالم بحال الضالين وحال المهتدين.فعليك أن تسلك الطريق الحكيم في دعوتهم ومناظرتهم، وليس عليك هدايتهم، إِنما عليك البلاغ وعلينا الحساب { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ } أي وإِن عاقبتم أيها المؤمنون من ظلمكم واعتدى عليكم فعاملوه بالمثل ولا تزيدوا قال المفسرون: نزلت في شأن " حمزة بن عبد المطلب " لما بقر المشركون بطنه يوم أُحد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لئن أظفرني الله بهم لأمثلنَّ بسبعين منهم " { وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ } أي ولئن عفوتم وتركتم القصاص فهو خير لكم وأفضل، وهذا ندبٌ إِلى الصبر، وترك عقوبة من أساء، فإِن العقوبة مباحة وتركها أفضل { وَٱصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِٱللَّهِ } أي واصبر يا محمد على ما ينالك من الأذى في سبيل الله، فما تنال هذه المرتبة الرفيعة إِلا بمعونة الله وتوفيقه { وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ } أي لا تحزن على الكفار إِن لم يؤمنوا { وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ } أي ولا يضقْ صدرك بما يقولون من السَّفه والجهل، ولا بما يدبرون من المكر والكيد { إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّٱلَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ } أي مع المتقين بمعونته ونصره، ومع المحسنين بالحفظ والرعاية، ومن كان الله معه فلن يضرَّه كيد الكائدين

الَبَلاَغَة:
تضمنت الآيات من صنوف البيان والبديع ما يلي:

1- الاستعارة المكنية { فَأَذَاقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ } شبَّه ذلك اللباس من حيث الكراهية بالطعم المُر البشع وحذف المشبه به ورمز إِليه بشيءٍ من لوازمه وهو الإِذاقة على طريق الاستعارة المكنية.

2- الطباق بين { حَلاَلٌ... حَرَامٌ }.

3- الالتفات { وَآتَيْنَاهُ فِي ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةً } التفت عن الغيبة إِلى التكلم إشارة إِلى زيادة الاعتناء بشأنه وتفخيم أمره.

4- التشبيه البليغ { كَانَ أُمَّةً } أي كان بمفرده كالأمة والجماعة الكثيرة لجمعه أوصاف الكمالات التي تفرقت في الخلق كما قال الشاعر:
" وليس على الله بمستنكر
***
أنْ يجمع العالم في واحد ".

تنبيه:
دل قوله تعالى { وَجَادِلْهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } على الحث على الإِنصاف في المناظرة، واتباع الحق، والرفق والمداراة، على وجهٍ يظهر منه أن القصد إِثباتُ الحق وإِزهاقُ الباطل، لا نصرة الرأي وهزيمة الرأي الآخر.






التوقيع

    رد مع اقتباس
قديم 2017-08-26, 17:56 رقم المشاركة : 8
خادم المنتدى
مدير التواصــل
 
الصورة الرمزية خادم المنتدى

 

إحصائية العضو








خادم المنتدى غير متواجد حالياً


وسام المشاركة السيرة 1438ه

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

العضو المميز لشهر فبراير

افتراضي رد: تفسير سورة النحل





    رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are معطلة


مــــواقـــع صـــديــقــة مــــواقـــع مـــهــــمــــة خـــدمـــــات مـــهـــمـــة
إديــكـبـريــس تربويات
منتديات نوادي صحيفة الشرق التربوي
منتديات ملتقى الأجيال منتديات كاري كوم
مجلة المدرس شبكة مدارس المغرب
كراسات تربوية منتديات دفاتر حرة
وزارة التربية الوطنية مصلحة الموارد البشرية
المجلس الأعلى للتعليم الأقسام التحضيرية للمدارس العليا
مؤسسة محمد السادس لأسرة التعليم التضامن الجامعي المغربي
الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي التعاضدية العامة للتربية الوطنية
اطلع على وضعيتك الإدارية
احسب راتبك الشهري
احسب راتبك التقاعدي
وضعية ملفاتك لدى CNOPS
اطلع على نتائج الحركة الإنتقالية

منتديات الأستاذ

الساعة الآن 03:17 لوحة المفاتيح العربية Profvb en Alexa Profvb en Twitter Profvb en FaceBook xhtml validator css validator

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML
جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd