الرئيسية | الصحيفة | خدمات الإستضافة | مركز الملفات | الحركة الانتقالية | قوانين المنتدى | أعلن لدينا | اتصل بنا |

أفراح بن جدي - 0528861033 voiture d'occasion au Maroc
educpress
للتوصل بجديد الموقع أدخل بريدك الإلكتروني ثم فعل اشتراكك من علبة رسائلك :

فعاليات صيف 2011 على منتديات الأستاذ : مسابقة استوقفتني آية | ورشة : نحو مفهوم أمثل للزواج

العودة   منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد > المنتديات العامة والشاملة > المنتدى الإسلامي


إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 2010-02-03, 19:56 رقم المشاركة : 1
رضا كريمي
أستـــــاذ(ة) متميز
إحصائية العضو







رضا كريمي غير متواجد حالياً


وسام المشارك

bayan حقيقة الشيعة ح1: حقيقة عبد الله بن سبأ اليهودي



عبد الله بن سبـــــــأ
مقدمة
منذ بزوغ شمس الرسالة المحمدية ، ومن أول يوم كتبت فيه صفحة التاريخ الجديد ، التاريخ الإسلامي المشرق ، احترقت قلوب الكفار وأفئدة المشركين ، وبخاصة اليهود في الجزيرة العربية وفى البلاد العربية المجاورة لها ، والمجوس في إيران ، والهندوس في شبه القارة الهندية الباكستانية ، فبدؤوا يكيدون للإسلام كيدا ، ويمكرون بالمسلمين مكرا ، قاصدين أن يسدوا سيل هذا النور، ويطفئوا هذه الدعوة النيرة ، فيأبى الله إلا أن يتم نوره ، كما قال في كتابه المجيد : [يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ] سورة الصف .
ولكنهم مع هزائمهم و انكسارا تهم لم يتفل حقدهم وضغينتهم ، فمازالوا داسين ، كائدين. و أول من دس دسيسة هم أبناء اليهودية البغيضة ، المردودة ، بعد طلوع فجر الإسلام ، دسوا في الشريعة الإسلامية باسم الإسلام ، حتى يسهل صرف أبناء المسلمين الجهلة عن عقائد الإسلام ، ومعتقداتهم الصحيحة ، الصافية ، وكان على رأس هؤلاء المكرة المنافقين ، المتظاهرين بالإسلام ، والمبطنين الكفر أشد الكفر، والنفاق ، والباغين عليه ، عبد الله بن سبأ اليهودي ، الخبيث ، - الذي أراد مزاحمة الإسلام ، ومخالفته ، والحيلولة دونه ، وقطع الطريق عليه بعد دخول الجزيرة العربية بأكملها في حوزة الإسلام وقت النبي صلى الله عليه وسلم ، وبعد ما انتشر الإسلام في آفاق الأرض وأطرافها ، واكتسح مملكة الروم من جانب ، وسلطنة الفرس من جهة أخرى ، وبلغت فتوحاته من أقصى أفريقيا إلى أقصى آسيا ، وبدأت تخفق راياته على سواحل أوربا وأبوابها ، وتحقق قول الله عز وجل : [وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا] سورة النور.
فأراد ابن سبأ هذا مزاحمة هـذا الدين بالنفاق والتظاهر بالإسلام ، لأنه عرف هو وذووه أنه لا يمكن محاربته وجها لوجه ، ولا الوقوف في سبيله جيشا لجيش ، ومعركة بعد معركة ، فإن أسلافهم بني قريظة، وبني النضير، وبني قينقاع جربوا هذا فما رجعوا إلا خاسرين ، ومنكوبين ، فخطط هو ويهود صنعاء خطة أرسل إثرها هو ورفقته إلى المدينة، مدينة النبي صلى الله عليه وسلم ، وعاصمة الخلافة ، في عصر كان يحكم فيه صهر رسول الله ، وصاحبه ، ورضيه ، ذو النورين ، عثمان بن عفان (رضي الله عنه) فبدؤوا يبسطون حبائلهم ، ويمدون أشواكهم ، منتظرين الفرص المواتئة ، ومترقبين المواقع الملائمة ، وجعلوا عليا ترسا لهم يتولونه ، ويتشيعون به ، ويتظاهرون بحبه وولائه ، (وعلي منهم بريء ) ويبثون في نفوس المسلمين سموم الفتنة والفساد، محرضيهم على خليفة رسول الله ، عثمان الغني - رضي الله عنه - الذي ساعد الإسلام والمسلمين بماله ما لم يساعدهم أحد ، حتى قال له الرسول الناطق بالوحي عليه السلام حين تجهيزه جيش العسرة "ما ضر عثمان ، ما عمل بعد اليوم" (رواه أحمد والترمذي ) ، وبشره بالجنة مرات ، ومرات، وأخبره بالخلافة والشهادة.
وطفقت هذه الفئة تنشر في المسلمين عقائد تنافي عقائد الإسلام ، من أصلها، وأصولها، ولا تتفق مع دين محمد صلى الله عليه وسلم في شيء .
ومن هناك ويومئذ كونت طائفة وفرقة في المسلمين للإضرار بالإسلام ، والدس في تعاليمه ، والنقمة عليه ، والانتقام منه ، وسمت نفسها ( الشيعة لعلي ) ولا علاقة لها به ، وقد تبرأ منهم ، وعذبهم أشد العذاب في حياته ، وأبغضهم بنوه وأولاده من بعده ، ولعنوهم ، وأبعدوهم عنهم ، ولكن خفيت الحقيقة مع امتداد الزمن ، وغابت عن المسلمين ، وفازت اليهودية بعدما وافقتها المجوسية من ناحية، والهندوسية من ناحية أخرى ، فازت في مقاصدها الخبيثة ، ومطامعها الرذيلة، وهي إبعاد أمة محمد صلى الله عليه وسلم عن رسالته التي جاء بها من الله عز وجل ، ونشر العقائد اليهودية والمجوسية وأفكارهما النجسة بينهم باسم العقائد الإسلامية (ونتيجة ذلك لا يعتقد الشيعة بالقرآن الموجود، ويظنونه محرفا ومغيرا فيه).
إن من أكبر الفِرَق التي كانت و ما تزال وبالاً و شراً على المسلمين على طول تاريخهم و في جميع مراحل حياتهم ، هي فرقة الشيعة على تعدد طوائفها و اختلاف نحلها ، بدءاً بالسبئية أتباع عبد الله بن سبأ اليهودي ، الذي كان رأساً في إذكاء نار الفتنة والدس بين صفوف المسلمين ، و الذي وصل الأمر بهم إلى تأليه علي رضي الله عنه ، و قبل أن أبدأ بالموضوع لابد من مقدمة توضح الموضوع و تشرح المضمون .
أصل ابن سبأ و منشؤه :
اختلف أصحاب المقالات والتاريخ في هوية عبد الله بن سبأ ، و من ذلك اختلفوا في بلده و قبيلته ، يذكر القلقشندي في قلائد الجمان (ص 39 ) : أن يعرب بن قحطان ولد يشجب ، و ولد ليشجب ( سبأ ) و اسم سبأ هذا عبد شمس ، و قد ملك اليمن بعد أبيه ، و أكثر من الغزو والسبي ، فسمي ( سبأ ) وغلب عليه حتى لم يسم به غيره ، ثم أطلق الاسم على بنيه .. و هم الوارد ذكرهم في القرآن .
على أن المصادر التاريخية لا تذكر شيئاً واضحاً عن أصل السبأيين ، و الذي ينتسب إليهم عبد الله بن سبأ ، و من المحتمل أنهم كانوا في الأصل قبائل بدوية تتجول في الشمال ثم انحدرت نحو الجنوب إلى اليمن حوالي ( 800 ق م ) ، و هي عادة العرب في التجوال ، أو نتيجة ضغط الآشوريين عليهم من الشمال ، واستقروا أخيراً في اليمن وأخذوا في التوسع . راجع : محاضرات في تاريخ العرب للدكتور صالح العلي (1/21) .
و منهم من ينسب ابن سبأ إلى ( حمير ) ، و هي قبيلة تنسب إلى حمير بن الغوث بن سعد بن عوف بن مالك بن زيد بن سدد بن حمير بن سبأ الأصغر بن لهيعة بن حمير بن سبأ بن يشجب هو حمير الأكبر ، و حمير الغوث هو حمير الأدنى و منازلهم باليمن بموضع يقال له حمير غربي صنعاء . أنظر : معجم البلدان لياقوت الحموي (2/306) .
ومن الذين قالوا بذلك : ابن حزم في كتابه الفصل في الملل والأهواء ( 5/46) ، حيث يقول : والقسم الثاني من فرق الغالية يقولون بالإلهية لغير الله عز وجل ، فأولهم قوم من أصحاب عبد الله بن سبأ الحميري .
أما البلاذري في أنساب الأشراف (5/240) ، و الأشعري القمي في المقالات والفرق (ص 20) ، والفرزدق في ديوانه ( ص 242-243) فينسبون ابن سبأ إلى قبيلة ( همدان ) ، و همدان بطن من كهلان من القحطانية و هم بنو همدان ابن مالك بن زيد بن أوسلة بن ربيعة بن الخيار بن مالك بن زيد بن كهلان ، و كانت ديارهم باليمن من شرقيه . معجم قبائل العرب لرضا كحالة (3/1225) . فهو ( عبد الله بن سبأ بن وهب الهمداني ) كما عند البلاذري ، و ( عبد الله بن سبأ بن وهب الراسبي الهمداني ) كما عند الأشعري القمي ، أما عن الفرزدق فقد ذكر نسبة ابن سبأ إلى همدان في قصيدته التي هجا فيها أشراف العراق و من انضم إلى ثورة ابن الأشعث في معركة دير الجماجم سنة (82هـ ) و يصفهم بالسبئية حيث يقول :
كأن على دير الجماجم منهم حصائد أو أعجاز نخل تقعّرا
تَعَرّفُ همدانية سبئية و تُكره عينيها على ما تنكّرا .
إلى آخر القصيدة .
و يروي عبد القاهر البغدادي في الفرق بين الفرق ( ص 235) ، أن ابن سبأ من أهل ( الحيرة ) ، قال : إن عبدالله بن السوداء كان يعين السبأية على قولها ، و كان أصله من يهود الحيرة ، فأظهر الإسلام .
و يروي ابن كثير في البداية والنهاية (7/190) ، أن أصل ابن سبأ من الروم ، فيقول : و كان أصله رومياً فأظهر الإسلام و أحدث بدعاً قولية و فعلية قبحه الله .
أما الطبري و ابن عساكر ، فيرويان أن ابن سبأ من اليمن . قال الطبري في تاريخه (4/340) : كان عبدالله بن سبأ يهودياً من أهل صنعاء . و قال ابن عساكر في تاريخ دمشق ( 29/3) : عبد الله بن سبأ الذي ينسب إليه السبئية وهم الغلاة من الرافضة أصله من أهل اليمن كان يهودياً .
و الذي أميل إليه و أرجحه هو : أن ابن سبأ من اليمن ؛ و ذلك أن هذا القول يجمع بين معظم أقوال العلماء في بلد ابن سبأ ، و لو نظرنا في الأقوال السابقة لم نجد تعارضاً بين هذا القول و بين القول الأول الذي ينسب ابن سبأ إلى قبيلة ( حمير ) ، و القول الثاني الذي ينسبه إلى قبيلة ( همدان ) ، إذ القبيلتان من اليمن ، و لم يخالف في أن أصل ابن سبأ من اليمن إلا البغدادي الذي ينسبه إلى ( الحيرة ) ، و ابن كثير الذي ذكر أنه ( رومي ) الأصل .
أما البغدادي فقد اختلط عليه ابن السوداء بابن سبأ ، فظن أنهما شخصان ، يقول : و قد ذكر الشعبي أن عبد الله بن السوداء كان يعين السبأية على قولها .. ثم تحدث عن ابن السوداء و مقالته في علي رضي الله عنه ، إلى أن قال : فلما خشي – أي علي رضي الله عنه – من قتله – أي ابن السوداء – و من قتل ابن سبأ الفتنة التي خافها ابن عباس ، نفاهما إلى المدائن ، فافتتن بهما الرعاع . الفرق بين الفرق ( ص 235) .
والذي ذكر أنه من أهل الحيرة هو عبد الله بن السوداء و لم يتعرض لابن سبأ بشيء ، لهذا لا يمكننا أن نجزم بأن البغدادي نسب ابن سبأ المشهور في كتب الفرق و مؤسس فرقة السبأية إلى الحيرة ، فلعله قصد شخصاً آخر غيره ، و مما يدل على أنه لا يعني ابن سبأ ، أنه قال عند حديثه عن عبد الله بن السوداء : ( كان يعين السبأية على قولها ) ، فدل على أنه غير مؤسس السبأية .
أما ابن كثير فلا أعلم أحداً من المؤرخين وأصحاب المقالات وافقه في نسبة ابن سبأ إلى ( الروم ) ، و قد جاء في بعض النسخ المطبوعة من البداية والنهاية كلمة ( ذمياً ) بدل ( رومياً ) أنظر الطبعة الثانية ( 7/173) ، فلعل أصل الكلمة ذمياً و لكن حدث في الكلمة تصحيف من قبل النساخ ، وكون ابن سبأ ذمياً لا ينافي ما تناقله العلماء من كونه يهودياً . و لهذا لا يعارض قوله هذا ما اشتهر نقله في كتب التاريخ والفرق من أن أصل ابن سبأ من اليمن .
فترجح بهذا أن ابن سبأ من اليمن و نحن لا نقطع بنسبته إلى قبيلة معينة لعدم توفر الأدلة على ذلك . و الله أعلم .
و قد اختلف المؤرخون وأصحاب المقالات أيضاً في نسبة ابن سبأ لأبيه ، فمنهم من ينسب ابن سبأ من جهة أبيه إلى ( وهب ) كما عند البلاذري في أنساب الأشراف (5/240) ، و الأشعري القمي في المقالات والفرق ( ص 20) والذهبي في المشتبه في الرجال (1/346) و المقريزي في الخطط (2/356) .
أما من قال أنه : ( عبد الله بن وهب الراسبي ) كما هو عند الأشعري القمي في المقالات ( ص 20) ، فلعل ذلك وقع نتيجة الخلط بين عبدالله بن سبأ هذا و بين عبد الله بن وهب الراسبي صاحب الخوارج ، و هناك فرق بين الشخصيتين ما لا يخفى على مطلع ، فعلى حين يكتنف شخصية ابن سبأ الغموض في المنشأ و الممات ، نجد شخصية الراسبي واضحة المعالم ، فهو رأس الخوارج الذين خرجوا على علي رضي الله عنه ، شرح صحيح مسلم للنووي (7/172) ، و هو المقتول في وقعة النهروان ، العبر في خبر من غبر للذهبي (1/44) ، و قبل ذلك فقد عرفت حياته أكثر من ابن سبأ ، فقد شارك في الفتوح – فتوح العراق – وكان مع علي ثم خرج عليه خروجاً صريحاً . أنظر آراء الخوارج لعمار الطالبي (ص 94) .
و مما يؤكد الفرق بين الاسمين ما نص عليه السمعاني في الأنساب (7/24) بقوله : ( عبدالله بن وهب السبئي رئيس الخوارج ، و ظني أن ابن وهب هذا منسوب إلى عبد الله بن سبأ ) .
و هناك من ينسب ابن سبأ من جهة أبيه أيضاً إلى حرب ، كما فعل الجاحظ في البيان والتبيين (3/81) ، و هو ينقل الخبر بإسناده إلى زحر بن قيس قال : ( قدمت المدائن بعد ما ضرب علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه ، فلقيني ابن السوداء و هو ابن حرب .. ) .
ومعظم أهل العلم ينسبون ابن سبأ من جهة أبيه إلى سبأ ، فيقولون : ( عبد الله بن سبأ ) ، ومن هؤلاء البلاذري في أنساب الأشراف (3/382) ابن قتيبة في المعارف ( ص 622) و الطبري في التاريخ (4/340) وأبو الحسن الأشعري في مقالات الإسلاميين (1/86) ، والشهرستاني في الملل والنحل (1/174) ، والذهبي في الميزان ( 2/426) وابن حجر في لسان الميزان (3/290) ، وابن عبد ربه في العقد الفريد (2/405) و شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (28/483) ، وابن حبان في المجروحين ( 2/253) والجوزجاني في أحوال الرجال (ص38) و المقدسي في البدء والتاريخ (5/129) والخوارزمي في مفاتيح العلوم (ص 22) وابن حزم في الفصل في الملل والنحل ( 4/186) و الأسفرايني في التبصرة في الدين
( ص 108 ) وابن عساكر في تاريخ دمشق ( 29/3) ، والسمعاني في الأنساب (7/24) و ابن الأثير في اللّباب (2/98) ، و غيرهم الكثير . و من الرافضة : الناشئ الأكبر في مسائل الإمامة ( ص 22- 23 ) ، و الأشعري القمي في المقالات والفرق ( ص 20 ) و النوبختي في فرق الشيعة (ص 22 ) .
أما نسب ابن سبأ ( لأمه ) فهو من أم حبشية ، كما عند الطبري في التاريخ (4/326-327) و ابن حبيب في المحبر (ص 308 ) ، و لذلك فكثيراً ما يطلق عليه ( ابن السوداء ) ففي البيان والتبيين ( 3/81) : ( ... فلقيني ابن السوداء ) و في تاريخ الطبري ( 4/326) : ( و نزل ابن السوداء على حكيم بن جبلة في البصرة ) ، وفي تاريخ الإسلام للذهبي (2/122) : ( ولما خرج ابن السوداء إلى مصر ) ، و هم بهذا يتحدثون عن عبد الله بن سبأ ، و لذلك قال المقريزي في الخطط ( 2/356) : ( عبد الله بن وهب بن سبأ المعروف بابن السوداء ) ، وابن عساكر في تاريخ دمشق (29/8) من قول علي رضي الله عنه : ( من يعذرني من هذا الحميت الأسود الذي يكذب على الله ورسوله يعني ابن السوداء ) . و مثل هذا كثير ...
وكما وقع الخلط والإشكال في نسبة ابن سبأ لأبيه ، وقع الخلط و تصور من غفلوا عن هذه النسبة لأمه ، أن هناك شخصين : ابن سبأ ، وابن السوداء ، ففي العقد الفريد لابن عبد ربه (2/241) : ( .. منهم عبد الله بن سبأ نفاه إلى ساباط ، و عبد الله بن السوداء نفاه إلى الخازر ) .
و يقول الاسفرايني في التبصرة ( ص 108) : ( و وافق ابن السوداء عبد الله بن سبأ بعد وفاة علي في مقالته هذه ) .
ومثل هذا وقع عند البغدادي في الفرق بين الفرق ( ص 235 ) : ( فلما خشي علي من قتل ابن السوداء وابن سبأ الفتنة نفاهما إلى المدائن ) .
والذي يترجح من مناقشة الروايات : أن ابن سبأ غير ابن وهب الراسبي ، وأنه هو نفسه ابن السوداء ، والله أعلم .
و مما يحسن ذكره هنا أيضاً أن ابن سبأ كان أسود اللون ، و هذا يرجح كون أمه من الحبشيات ، ذكر ابن عساكر في تاريخه ( 29/7-8 ) : عن عمار الدهني قال : سمعت أبا الطفيل يقول : رأيت المسيب بن نجبة أتى به ملببة – أي ملازمه - يعني ابن السوداء و علي على المنبر ، فقال علي : ما شأنه ؟ فقال : يكذب على الله وعلى رسوله ، و جاء من طريق زيد بن وهب عن علي قال : ما لي ومال هذا الحميت الأسود ، و من طريق سلمة قال : سمعت أبا الزعراء يحدث عن علي ، قال : ما لي ومال هذا الحميت الأسود ، و جاء أيضاً من طريق زيد قال : قال علي بن أبي طالب : ما لي ولهذا الحميت الأسود ، يعني عبد الله بن سبأ وكان يقع في أبي بكر و عمر .
و يبقى بعد ذلك الأصل اليهودي لابن سبأ ، هل هو محل اتفاق أم تتنازعه الآراء ؟
يفترض المستشرق Hodgeson أن ابن سبأ ليس يهودياً في أغلب الاحتمالات ، مشايعاً في ذلك للمستشرق الإيطالي Levi Della Vida الذي يرى أن انتساب ابن سبأ إلى قبيلة عربية هي ( همدان ) كما في نص البلاذري الذي وقف عنده ( ليفي ديلا فيدا ) يمنع من أن يكون يهودياً . و هو كما يقول الدكتور عبد الرحمن بدوي في مذاهب الإسلاميين ( 2/30) : ( استنتاج لا مبرر له ، فليس هناك من تناقض بين أن يكون المرء يهودياً وأن يكون من قبيلة عربية .
وابن قتيبة رحمه الله أشار إلى يهودية بعض القبائل كما في المعارف ( ص 266 ) حيث يقول : ( كانت اليهودية في حمير و بني كنانة و بني الحارث بن كعب و كندة .
و فوق ذلك فإن الاتجاه الغالب في يهود اليمن أن أكثرهم من أصل عربي ، كما قال الدكتور جواد علي في تاريخ العرب قبل الإسلام ( 6/26) .
و مع ذلك فليس مقطوعاً بانتساب ابن سبأ إلى همدان – كما مر معنا – و حتى لو قطع بذلك ، فهل هذا الانتساب لهمدان ، انتساب على الحقيقة أم بالولاء ؟!
و لئن كان هذا الشك في يهودية ابن سبأ عند بعض المستشرقين ، إنما جاء نتيجة اعتراض يقيني بأن ابن سبأ في تصوراته عن المهدي كان متأثراً بالإنجيل أكثر من تأثره بالتوراة ، و هو اعتراض قد يقلل من يهودية ابن سبأ ، إلا أن هذا الاعتراض يضعف حينما نتبين رأي بعض الباحثين في طبيعة اليهودية في بلاد اليمن – في تلك الفترة – وأنها امتزجت فيها المسيحية بالموسوية ، و كانت يهودية سطحية ، وأن يهودية ابن سبأ ربما كانت أقرب إلى يهودية ( الفلاشا ) و هم يهود الحبشة ، و هذه اليهودية شديدة التأثر بالمسيحية الحبشية . مذاهب الإسلاميين لعبد الرحمن بدوي (2/28) .
و هذا الأصل اليهودي لابن سبأ لم يكن محل خلاف في الروايات التاريخية ، أو لدى كتب الفرق ، و في آراء المتقدمين ، أمثال : الطبري وابن عساكر وابن الأثير والبغدادي وابن حزم ، وأمثال شيخ الإسلام ، عليه رحمه الله .
سبب الاختلاف في تحديد هوية ابن سبأ :
لا غرابة أن يحدث هذا الاختلاف الكبير بين أهل العلم في تحديد هوية و نسب ابن سبأ ، فعبد الله بن سبأ قد أحاط نفسه بإطار من الغموض والسرية التامة حتى على معاصريه ، فهو لا يكاد يعرف له اسم ولا بلد ، لأنه لم يدخل في الإسلام إلا للكيد له ، و حياكة المؤامرات والفتن بين صفوف المسلمين ، و لهذا لما سأله عبد الله بن عامر والي البصرة لعثمان بن عفان رضي الله عنه ، قال له : ما أنت ؟ لم يخبره ابن سبأ باسمه و اسم أبيه ، و إنما قال له : إنه رجل من أهل الكتاب رغب في الإسلام و رغب في جوارك . تاريخ الطبري (4/326-327 ) .
و في رأيي أن تلك السرية التامة التي أطبقها ابن سبأ على نفسه سبب رئيسي في اختلاف المؤرخين والمحققين في نسبة ابن سبأ ، و غير مستبعد أن يكون ابن سبأ قد تسمى ببعض هذه الأسماء التي ذكرها المؤرخون ، بل واستعمل بعض الأسماء الأخرى المستعارة لتغطية ما قام به من جرائم و دسائس في صدر الدولة الإسلامية .
نشأة ابن سبأ :
على ضوء ما تقدم من المعلومات السابقة – في المقال السابق - ، أمكننا الوقوف على الأجواء التي نشأ فيها ابن سبأ ، و نستطيع أن نحدد عدد من النقاط :-
1. بتغليب الروايات السابقة نجد أن ابن سبأ نشأ في اليمن ، سواء كان من قبيلة حمير أو همدان ، ولا نستطيع الجزم بأيهما .
2. كان لليهود وجود في اليمن ، غير أنه لا نستطيع أن نحدد وقته على وجه الدقة ، و قد رجح بعض الأساتذة أنه يرجع إلى سنة (70م ) و ذلك حينما نزح اليهود من فلسطين بعد أن دمرها الإمبراطور الروماني ( تيتوس ) و حطم هيكل ( أورشليم ) وعلى إثر ذلك تفرق اليهود في الأمصار و وجد بعضهم في اليمن بلداً آمناً فالتجؤوا إليه ، و بعد أن استولى الأحباش على اليمن سنة (525م ) بدأت النصرانية تدخل اليمن . اليمن عبر التاريخ لأحمد حسين (ص 158- 159) .
3. على إثر هذا امتزجت تعاليم ( التوراة ) مع تعاليم ( الإنجيل ) و كانت اليهودية في اليمن يهودية سطحية . مذاهب الإسلاميين لعبد الرحمن بدوي (2/28) .
4. و لكن اليهودية و إن ضعفت في اليمن بدخول الأحباش فيها ، فإنها بقيت مع ذلك محافظة على كيانها ، فلم تنهزم و لم تجتث من أصولها . تاريخ العرب قبل الإسلام لجواد علي (6/34) .
و لعلنا من خلال تلك الإشارات ، نستطيع أن نحدد المحيط الذي نشأ فيه عبد الله بن سبأ ، والبيئة التي صاغت أفكاره ، خاصة في عقيدة ( الرجعة ) و ( الوصية ) حينما قال : ( لعجب ممن يزعم أن عيسى يرجع و يكذب بأن محمداً يرجع ، و قد قال الله عز وجل إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد ، فمحمد أحق بالرجوع من عيسى ، و إنه كان ألف نبي و وصي و كان علي وصي محمد ، ثم قال : محمد خاتم الأنبياء و علي خاتم الأوصياء .. ) . تاريخ الطبري (4/340) .
على كل حال فهي معلومات ضئيلة لا تروي غليلاً ، ولا تهدي سبيلاً ، و لعل مرد ذلك إلى المصادر التي بين أيدينا ، فهي لا تكاد تبين عن نشأة ابن سبأ ، كما أن المعلومات عن فتوة ابن سبأ قبل ظهوره غير موجودة ، و نحن هنا مضطرون للصمت عما سكت عنه الأولون حتى تخرج آثار أخرى تزيل الغبش و تكشف المكنون .
ظهور ابن سبأ بين المسلمين :
جاء في تاريخ الطبري (4/340) و الكامل لابن الأثير (3/77) و البداية والنهاية لابن كثير(7/167) و تاريخ دمشق لابن عساكر (29/ 7-8 ) و غيرهم من كتب التاريخ ضمن أحداث سنة (35هـ ) : أن عبد الله بن سبأ كان يهودياً من أهل صنعاء وأنه أسلم زمن عثمان بن عفان رضي الله عنه ، و أخذ يتنقل في بلاد المسلمين يريد ضلالتهم ، فبدأ بالحجاز ثم البصرة ثم الكوفة ثم بالشام ، فلم يقدر على شيء فيها ، فأتى مصر واستقر بها و وضع لهم عقيدتي الوصية و الرجعة ، فقبلوها منه و كوّن له في مصر أنصاراً ممن استهواهم بآرائه الفاسدة .
لكن أين و متى كان أول ظهور لعبد الله بن سبأ بين المسلمين ؟
جاء في البداية والنهاية لابن كثير (7/183) ضمن أحداث سنة (34هـ ) ، أن عبد الله بن سبأ كان سبب تألب الأحزاب على عثمان . ثم أورده في أحداث سنة (35هـ) مع الأحزاب الذين قدموا من مصر يدعون الناس إلى خلع عثمان . البداية والنهاية (7/190) .
أما الطبري (4/331) وابن الأثير(3/147) فنجد عندهما ذكر لابن سبأ بين المسلمين قبل سنة ( 34هـ ) في الكوفة ، ( فيزيد بن قيس ) ذلك الرجل الذي دخل المسجد في الكوفة يريد خلع عامل عثمان
( سعيد بن العاص ) إنما شاركه وثاب إليه الذين كان ابن السوداء يكاتبهم .
و هذا يعني ظهور ابن سبأ قبل هذا التاريخ ، و تكوين الأعوان الذين اجتمعوا إلى يزيد بن قيس ، و تأكيد ذلك عند الطبري ( 4/326) وابن الأثير(3/144) ، ففي سنة ( 33هـ ) و بعد مضي ثلاث سنين من إمارة بعد الله بن عامر على البصرة يعلم بنزول ابن سبأ على ( حكيم بن جبلة ) و تكون المقابلة بين ابن عامر وابن السوداء والتي ذكرتها في بداية الموضوع .
ونستمر في الاستقراء فنجد ظهوراً لابن سبأ بين المسلمين قبل هذا التاريخ ، ففي الطبري (4/283) و ابن الأثير (3/114) ، و ضمن حوادث سنة (30هـ ) يرد ابن السوداء الشام ، و يلتقي بأبي ذر و يهيجه على معاوية – و سنأتي على تحقيق القول في قضية تأثير ابن سبأ على أبي ذر فيما بعد - .
ابن سبأ في الحجاز :
لما كان ظهور ابن سبأ في الحجاز قبل ظهوره في البصرة والشام ، فلابد أن يكون قد ظهر في الحجاز قبل سنة ( 30هـ ) ، لأن ظهوره في الشام كان في هذا التاريخ ، و في الحجاز لا تكاد تطالعنا الروايات التاريخية على مزيد من التفصيل ، و لعل في هذا دلالة على عدم استقرار أو مكث لابن سبأ في الحجاز ، عدا ذلك المرور في طريقه التخريبي ، لكنه كما يبدو لم يستطع شيئاً من ذلك فتجاوز الحجاز إلى البصرة . تاريخ الطبري ( 4/340-341) .
ظهوره في البصرة :
و في البصرة كان نزول ابن سبأ على ( حكيم بن جبلة العبدي ) ، و خبره كما ورد في الطبري (4/ 326 ) : ( لما مضى من إمارة ابن عامر ثلاث سنين بلغه أن في عبد القيس رجلاً نازلاً على حكيم بن جبلة ، و كان حكيم رجلاً لصاً إذا قفلت الجيوش خنس عنهم ، فسعى في أرض فارس فيغير على أهل الذمة ، و يتنكر لهم و يفسد في الأرض و يصيب ما يشاء ثم يرجع ، فشكاه أهل الذمة وأهل القبلة إلى عثمان ، فكتب إلى عبد الله بن عامر أن احبسه و من كان مثله فلا يخرج من البصرة حتى تأنسوا منه رشداً ، فحبسه فكان لا يستطيع أن يخرج منها ، فلما قدم ابن السوداء نزل عليه ، و اجتمع إليه نفر فطرح لهم ابن السوداء ولم يصرح ، فقبلوا منه واستعظموه .
و بقية خبر الطبري يفيدنا أنه لقي آذاناً صاغية في البصرة ، و إن كان لم يصرح لهم بكل شيء ، فقد قبلوا منه واستعظموه ، و شاء الله أن تحجم هذه الفتنة و يتفادى المسلمون بقية شرها و ذلك حينما بلغ والي البصرة ابن عامر خبر ابن سبأ ، فأرسل إليه و دار بينهما هذا الحوار : ( ما أنت ؟ فأخبره أنه رجل من أهل الكتاب رغب في الإسلام والجوار ، فقال ابن عامر : ما يبلغني ذلك ! اخرج عني ، فأخرجه حتى أتى الكوفة . تاريخ الطبري (4/326-327) .
ظهوره في الكوفة :
الذي يبدو أن ابن سبأ بعد إخراجه من البصرة وإتيانه الكوفة ، لم يمكث بها طويلاً حتى أخرجه أهلها منها ، كما في بقية خبر الطبري (4/327) : ( فخرج حتى أتى الكوفة ، فأخرج منها فاستقر بمصر و جعل يكاتبهم و يكاتبونه ، و يختلف الرجال بينهم ) .
لكنه وإن كان قد دخل الكوفة ثم أخرج منها سنة ( 33هـ ) ، إلا أن صلته بالكوفة لم تنته بإخراجه ، فلقد بقيت ذيول الفتنة في الرجال الذين بقي يكاتبهم و يكاتبونه . الطبري (4/327) وابن الأثير (3/144) .
ظهوره في الشام :
في ظهور ابن سبأ في الشام يقابلنا الطبري في تاريخه نصان ، يعطي كل واحد منهما مفهوماً معيناً ، فيفيد النص الأول أن ابن سبأ لقي أبا ذر بالشام سنة (30هـ ) و أنه هو الذي هيجه على معاوية حينما قال له : ( ألا تعجب إلى معاوية ! يقول المال مال الله ، كأنه يريد أن يحتجزه لنفسه دون المسلمين ؟ وأن أبا ذر ذهب إلى معاوية وأنكر عليه ذلك ) . تاريخ الطبري (4/283) .
بينما يفهم من النص الآخر : أن ابن سبأ لم يكن له دور يذكر في الشام ، وإنما أخرجه أهلها حتى أتى مصر ، بقوله : ( أنه لم يقدر على ما يريد عند أحد من أهل الشام ) تاريخ الطبري (4/340) .
و يمكننا الجمع بين النصين في كون ابن سبأ دخل الشام مرتين ، كانت الأولى سنة (30هـ ) ، و هي التي التقى فيها بأبي ذر ، و كانت الثانية بعد إخراجه من الكوفة سنة ( 33هـ ) ، و هي التي لم يستطع التأثير فيها مطلقاً ، و لعلها هي المعنية بالنص الثاني عند الطبري .
كما و يمكننا الجمع أيضاً بين كون ابن سبأ قد التقى بأبي ذر سنة (30هـ ) ، و لكن لم يكن هو الذي أثر عليه و هيجه على معاوية ، و يرجح هذا ما يلي :-
1. لم تكن مواجهة أبي ذر رضي الله عنه لمعاوية رضي الله عنه وحده بهذه الآراء ، و إنما كان ينكر على كل من يقتني مالاً من الأغنياء ، و يمنع أن يدخر فوق القوت متأولاً قول الله تعالى { والذين يكنزون الذهب والفضة } [التوبة 34]
2. حينما أرسل معاوية إلى عثمان رضي الله عنه يشكو إليه أمر أبي ذر ، لم تكن منه إشارة إلى تأثير ابن سبأ عليه ، و اكتفى بقوله : ( إن أبا ذر قد أعضل بي و قد كان من أمره كيت و كيت .. ) . الطبري (4/283)
3. ذكر ابن كثير في البداية (7/170 ، 180) الخلاف بين أبي ذر ومعاوية بالشام في أكثر من موضع في كتابه السابق ، و لم يرد ذكر ابن سبأ في واحد منها ، و إنما ذكر تأول أبي ذر للآية السابقة .
4. ورد في صحيح البخاري ( 2/111) الحديث الذي يشير إلى أصل الخلاف بين أبي ذر و معاوية ، و ليس فيه أي إشارة لا من قريب ولا من بعيد إلى ابن سبأ ، فعن زيد بن وهب قال : ( مررت بالربذة ، فإذا أنا بأبي ذر رضي الله عنه ، فقلت له ما أنزلك منزلك هذا ؟ قال : كنت بالشام فاختلفت أنا ومعاوية في { والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله } قال معاوية : نزلت في أهل الكتاب ، فقلت : نزلت فينا و فيهم ، فكان بيني و بينه في ذلك ، و كتب إلى عثمان رضي الله عنه يشكوني ، فكتب إليّ عثمان أن اقدم المدينة ، فقدمتها ، فكثر علي الناس حتى كأنهم لم يروني قبل ذلك ، فذكرت ذلك لعثمان ، فقال لي : إن شئت تنحيت فكنت قريباً فذاك الذي أنزلني هذا المنزل .. ) .
5. و في أشهر الكتب التي ترجمت للصحابة ، أوردت المحاورة التي دارت بين معاوية وأبي ذر ثم نزوله الربذة ، و لكن شيئاً من تأثير ابن سبأ على أبي ذر لا يذكر . الاستيعاب لابن عبد البر (1/214) و أسد الغابة لابن الأثير (1/357) والإصابة لابن حجر (4/62) .
6. وأخيراً فإنه يبقى في النفس شيء من تلك الحادثة ؛ إذ كيف يستطيع يهودي خبيث حتى و لو تستر بالإسلام أن يؤثر على صحابي جليل كان له من فضل الصحبة ما هو مشهود .
ظهور ابن سبأ في مصر :
على ضوء استقراء النصوص السابقة ، يكون ظهور ابن سبأ في مصر بعد خروجه من الكوفة ، و إذا كان ظهوره في البصرة سنة ( 33هـ ) ، ثم أخرج منها إلى الكوفة ، و من الكوفة استقر بمصر ، فإن أقرب توقيت لظهور ابن سبأ في مصر يكون في سنة ( 34هـ ) ، لأن دخوله البصرة و طرحه لأفكاره فيها و تعريجه على الكوفة ثم طرده منها ، واتجاهه بعد ذلك إلى مصر .. كل هذا يحتاج إلى سنة على الأقل ، و يؤكد هذا ابن كثير في البداية والنهاية (7/284) ، فيضع ظهور ابن سبأ في مصر ضمن أحداث سنة (34هـ ) ، و تابعه في ذلك السيوطي أيضاً في حسن المحاضرة (2/164) ، حيث أشار إلى دخول ابن سبأ مصر في هذا التاريخ .

إلى الحلقة المقبلة






: منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد https://www.profvb.com/vb/showthread.php?p=70459
التوقيع

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم في حديث رواه أبو هريرة رضي الله عنه و أرضاه :
{ الإيمان بضع وسبعون شعبة أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان }.
    رد مع اقتباس
قديم 2010-02-03, 19:59 رقم المشاركة : 2
رضا كريمي
أستـــــاذ(ة) متميز
إحصائية العضو







رضا كريمي غير متواجد حالياً


وسام المشارك

افتراضي رد: حقيقة الشيعة ح1: حقيقة عبد الله بن سبأ اليهودي


عبد الله بن سبأ حقيقة أم خيال؟


إن تشكيك بعض الباحثين المعاصرين في عبد الله بن سبأ وأنه شخصية وهمية وإنكارهم وجوده لا يستند إلى الدليل العملي ، ولا يعتمد على المصادر المتقدمة ، بل هو مجرد استنتاج يقوم على أراء وتخمينات شخصية تختلف بواعثها حسب ميول واتجاهات متبنيها ، ويمكن القول إن الشكاك والمنكرين لشخصية ابن سبأ هم طائفة من المستشرقين ، وفئة من الباحثين العرب ، وغالبية الشيعة المعاصرين
ومن العجب أن هؤلاء المستشرقين وذيولهم من الرافضة والمستغربين في عصرنا أنكروا شخصية عبد الله بن سبأ ، وأنه شخصية وهمية لم يكن لها وجود ، فأين بلغ هؤلاء من قلة الحياء والجهل ، وقد ملأت ترجمته كتب التاريخ والفرق ، وتناقلت أفعاله الرواة وطبقت أخباره الآفاق .
لقد اتفق المؤرخون والمحدثون وأصحاب كتب الفرق والملل والنحل والطبقات والأدب والأنساب الذين تعرضوا للسبئية على وجود شخصية عبد الله بن سبأ الذي ظهر في كتب أهل السنة - كما ظهر في كتب الشيعة - شخصية تاريخية حقيقية. و لهذا فإن أخبار الفتنة ودور ابن سبأ فيها لم تكن قصرا على تاريخ الإمام الطبري و استنادا إلى روايات سيف بن عمر التميمي فيه ، و إنما هي أخبار منتشرة في روايات المتقدمين و في ثنايا الكتب التي رصدت أحداث التاريخ الإسلامي ، و آراء الفرق و النحل في تلك الفترة ، إلا أن ميزة تاريخ الإمام الطبري على غيره أنه أغزرها مادة وأكثرها تفصيلا لا أكثر. و لهذا كان التشكيك في هذه الأحداث بلا سند وبلا دليل ، إذ يعني الهدم لكل تلك الأخبار ، والتسفيه بأولئك المخبرين والعلماء ، وتزييف الحقائق التاريخية .
فمتى كانت المنهجية ضربا من ضروب الاستنتاج العقلي المحض في مقابل النصوص الروايات المتضافرة؟ و هل تكون المنهجية في الضرب صفحاً و الإعراض عن المصادر الكثيرة المتقدمة و المتأخرة التي أثبتت لابن سبأ شخصية واقعية!
و في ما يلي ذكر عدد من المحاور والتي تدور حول ورود أي ذكر لعبد الله بن سبأ أو السبئية – طائفته - في الكتب والمصادر المتقدمة ( السنية والشيعية ، المتقدمة منها والمعاصرة ) ؛ لأن ورود أي ذكر للسبئية دليل على انتسابها له ، و هذا دليل بدوره على وجود ابن سبأ في الحقيقة ، مع الرد على محاولات التشكيك في وجود عبد الله بن سبأ ، و ما ينسب إليه من أعمال ، و سأتّبع فيه الترتيب الزمني للأحداث :-
أولاً : من أثبت وجود عبد الله بن سبأ من الفريقين :
أ – عبد الله بن سبأ عند أهل السنة :
1. جاء ذكر السبئية على لسان أعشى همدان ( ت 84هـ ) في ديوانه (ص 148) و تاريخ الطبري (6/83) و قد هجى المختار بن أبي عبيد الثقفي و أنصاره من أهل الكوفة بعدما فرّ مع أشراف قبائل الكوفة إلى البصرة بقوله :
شهدت عليكم أنكم سبئية و أني بكم يا شرطة الكفر عارف
2. و جاء ذكر السبئية في كتاب الإرجاء للحسن بن محمد بن الحنفية (ت95هـ ) – راجع كتاب ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي للدكتور سفر الحوالي (1/345- 361) ، حيث تحدث عن معنى الإرجاء المنسوب للحسن ، و ذكر كلام أهل العلم في ذلك فليراجع للأهمية – ما يلي : ( و من خصومة هذه السبئية التي أدركنا ، إذ يقولون هُدينا لوحي ضل عنه الناس ) . رواه ابن أبي عمر العدني في كتاب الإيمان ( ص 249) .
3. و هناك رواية عن الشعبي ( ت 103هـ ) ذكرها ابن عساكر في تاريخه (29/7) ، تفيد أن : ( أول من كذب عبد الله بن سبأ ) .
4. و هذا الفرزدق (شيعي الولاء سني المذهب) ( ت 116هـ ) يهجو في ديوانه ( ص 242-243) ، أشارف العراق ومن انضم إلى ثورة عبد الرحمن بن الأشعث في معركة دير الجماجم ، و يصفهم بالسبئية ، حيث يقول :
كأن على دير الجماجم منهم حصائد أو أعجاز نخل تَقَعّرا
تَعَرّفُ همدانية سبئية و تُكره عينيها على ما تنكرا
رأته مع القتلى و غيّر بعلها عليها تراب في دم قد تعفّرا
أراحوه من رأس وعينين كانتا بعيدن طرفا بالخيانة أحزرا
من الناكثين العهد من سبئية وإما زبيري من الذئب أغدرا
ولو أنهم إذ نافقوا كان منهم
يهوديهم كانوا بذلك أعذرا
و يمكن الاستنتاج من هذا النص أن السبئية تعني فئة لها هوية سياسية معنية و مذهب عقائدي محدد بانتمائها إلى عبد الله بن سبأ اليهودي المعروف ، صاحب المذهب .
5. و قد نقل الإمام الطبري في تفسيره (3/119) رأياً لقتادة بن دعامة السدوسي البصري ( ت 117هـ ) ، في النص التالي : { فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون م تشابه منه ابتغاء الفتنة } [آل عمران 7] ، و كان قتادة إذا قرأ هذه الآية قال : ( إن لم يكونوا الحرورية والسبئية فلا أدري ) .
6. وفي الطبقات الكبرى لابن سعد ( ت 230هـ ) ورد ذكر السبئية وأفكار زعيمها وإن لم يشر إلى ابن سبأ بالاسم . الطبقات (3/39) .
7. و جاء عند ابن حبيب البغدادي ( ت 245هـ ) في المحبر ( ص 308) ، ذكر لعبد الله بن سبأ حينما اعتبره أحد أبناء الحبشيات .
8. كما روى أبو عاصم خُشيش بن أصرم ( ت 253هـ ) ، خبر إحراق علي رضي الله عنه لجماعة من أصحاب ابن سبأ في كتابه الاستقامة . أنظر : منهاج السنة لابن تيمية ( 1/7) .
9. و جاء في البيان والتبيين (3/81) للجاحظ (من كبار زعماء المعتزلة) ( ت 255هـ ) ، إشارة إلى عبد الله بن سبأ .
و خبر إحراق علي بن أبي طالب رضي الله عنه لطائفة من الزنادقة تكشف عنه الروايات الصحيحة في
كتب الصحاح والسنن و المساند . أنظر على سبيل المثال : سن أبي داود (4/126) والنسائي (7/104)
و الحاكم في المستدرك (3/538) .
10. فقد ذكر الإمام البخاري ( ت 256هـ ) في كتاب استتابة المرتدين من صحيحه ( 8/50) عن عكرمة قال : ( أتي علي رضي الله عنه بزنادقة فأحرقهم ، فبلغ ذلك ابن عباس فقال : لو كنت أنا لم أحرقهم لنهي النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا تعذبوا بعذاب الله ) ، و لقتلتهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من بدل دينه فاقتلوه ) .
ومن الثابت تاريخياً أن الذين حرقهم علي رضي الله عنه هم أتابع عبد الله بن سبأ حينما قالوا بأنه الإله .
11. ذكر الجوزجاني ( ت 259هـ ) في أحوال الرجال ( ص 38) أن السبئية غلت في الكفر فزعمت أن علياً إلهاً حتى حرقهم بالنار إنكاراً عليهم واستبصاراً في أمرهم حين يقول :
لما رأيت الأمر أمراً منكرا أججت ناري و دعوت قنبرا .
12. و يقول ابن قتيبة ( 276هـ ) في المعارف ( ص 267) : ( السبئية من الرافضة ينسبون إلى عبد الله بن سبأ ) . و في تأويل مختلف الحديث ( ص 73) يقول : ( أن عبد الله بن سبأ ادّعى الربوبية لعلي ، فأحرق علي أصحابه بالنار .
13. و يذكر البلاذري ( ت 279هـ ) ابن سبأ من جملة من أتوا إلى علي رضي الله عنه يسألونه من رأيه في أبي بكر و عمر ، فقال : أو تفرغتم لهذا . أنساب الأشراف ( 3/382) .
14. و يعتبر الإمام الطبري ( ت 310هـ ) من الذين أفاضوا في تاريخهم من ذكر أخبار ابن سبأ معتمداً في ذلك على الإخباري سيف بن عمر . تاريخ الطبري ( 4/283 ، 326 ، 331 ، 340 ، 349 ، 398 ، 493 – 494 ، 505 ) .
15. وأكد ابن عبد ربه ( ت 328هـ ) أن ابن سبأ و طائفته السبئية قد غلوّ في علي حينما قالوا : هو الله خالقنا ، كما غلت النصارى في المسيح ابن مريم عليه السلام . العقد الفريد ( 2/405) .
16. و يذكر أبو الحسن الأشعري ( ت 330هـ ) في مقالات الإسلاميين (1/85) عبد الله بن سبأ وطائفته من ضمن أصناف الغلاة ، إذ يزعمون أن علياً لم يمت ، و أنه سيرجع إلى الدنيا فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً .
17. و يذكر ابن حبان ( ت 354هـ ) في كتاب المجروحين ( 2/253) : ( أن الكلبي سبئياً من أصحاب عبد الله بن سبأ ، من أولئك الذين يقولون : إن علياً لم يمت ، وإنه راجع إلى الدنيا قبل قيام الساعة ) .
18. يقول المقدسي ( ت 355هـ ) في كتابه البدء والتاريخ ( 5/129) : ( إن عبد الله بن سبأ قال للذي جاء ينعي إليه موت علي بن أبي طالب : لو جئتنا بدماغه في صرة لعلمنا أنه لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه ) .
19. و يذكر الملطي ( ت 377هـ ) في كتابه التنبيه و الرد على أهل الأهواء و البدع ( ص 18) فيقول :
( ففي عهد علي رضي الله عنه جاءت السبئية إليه وقالوا له : أنت أنت !! ، قال : من أنا ؟ قالوا : الخالق البارئ ، فاستتابهم ، فلم يرجعوا ، فأوقد لهم ناراً عظيمة وأحرقهم .
20. و ذكر أبو حفص ابن شاهين ( ت 385هـ ) أن علياً حرّق جماعة من غلاة الشيعة ونفى بعضهم ، و من المنفيين عبد الله بن سبأ . أورده ابن تيمية في منهاج السنة (1/7) .
21. و يذكر الخوارزمي ( ت 387هـ ) في كتابه مفاتيح العلوم (ص 22 ) ، أن السبئية أصحاب عبد الله بن سبأ .
22. و يرد ذكر عبد الله بن سبأ عند الهمذاني ( ت 415هـ ) في كتابه تثبيت دلائل النبوة (3/548) .
23. و ذكر البغدادي ( ت 429هـ ) في الفرق بين الفرق ( ص 15 و ما بعدها ) : أن فرقة السبئية أظهروا بدعتهم في زمان علي رضي الله عنه فأحرق قوماً منهم و نفى ابن سبأ إلى سباط المدائن إذ نهاه ابن عباس رضي الله عنهما عن قتله حينما بلغه غلوه فيه وأشار عليه بنفيه إلى المدائن حتى لا تختلف عليه أصحابه ، لاسيما و هو عازم على العودة إلى قتال أهل الشام .
24. و نقل ابن حزم ( ت 456هـ ) في الفصل في الملل والنحل ( 4/186) : ( و القسم الثاني من الفرق الغالية الذين يقولون بالإلهية لغير الله عز وجل فأولهم قوم من أصحاب عبد الله بن سبأ الحميري لعنه الله ، أتوا إلى علي بن أبي طالب فقالوا مشافهة : أنت هو ، فقال لهم : ومن هو ؟ فقالوا : أنت الله ، فاستعظم الأمر و أمر بنار فأججت وأحرقهم بالنار ) .
25. يقول الأسفرايني ( ت 471هـ ) في التبصرة في الدين ( ص 108) : ( إن ابن سبأ قال بنبوة علي في أول أمره ، ثم دعا إلى ألوهيته ، و دعا الخلق إلى ذلك فأجابته جماعة إلى ذلك في وقت علي ) .
26. و يتحدث الشهرستاني ( ت548هـ ) في الملل والنحل (2/116، 155) عن ابن سبأ فيقول : ( و منه انشعبت أصناف الغلاة ) ، و يقول في موضع آخر : ( إن ابن سبأ هو أول من أظهر القول بالنص بإمامة علي ) .
27. و ينسب السمعاني ( ت 562هـ ) في كتابه الأنساب ( 7/24) السبئية إلى عبد الله بن سبأ .
28. و ترجم ابن عساكر ( ت 571هـ ) في تاريخه ( 29/3) لأبن سبأ بقوله : عبد الله بن سبأ الذي تنسب إلى السبئية ، و هم الغلاة من الرافضة ، أصله من اليمن ، و كان يهودياً وأظهر الإسلام .
29. و يقول نشوان الحميري ( ت 573هـ ) في كتابه الحور العين ( ص 154) : ( فقالت السبئية إن علياً حي لم يمت ، ولا يموت حتى يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً ، و يردّ الناس على دين واحد قبل يوم القيامة ) .
30. و يؤكد فخر الدين الرازي ( ت 606هـ ) في كتابه اعتقادات فرق المسلمين والمشركين (ص 57) ، كغيره من أصحاب المقالات والفرق خبر إحراق علي لطائفة من السبئية .
31. و يذكر ابن الأثير ( ت 630هـ ) في كتابه اللباب ( ص 2/98) ارتباط السبئية من حيث النسبة بعبد الله بن سبأ . كما وأنه أورد روايات الطبري بعد حذف أسانيدها في كتابه الكامل ( 3/114، 144، 147، 147، 154 إلى غيرها من الصفحات ) .
32. و ذكر السّكْسَكي ( ت 683هـ ) في كتابه البرهان في معرفة عقائد أهل الأديان : ( أن ابن سبأ و جماعته أول من قالوا بالرجعة إلى الدنيا بعد الموت ) .
33. و يذكر شيخ الإسلام ابن تيمية ( ت 727هـ ) أن أصل الرفض من المنافقين الزنادقة ، فإنه ابتدعه ابن سبأ الزنديق ، و أظهر الغلو في علي بدعوى الإمامة والنص عليه ، وادعى العصمة له . أنظر مجموع الفتاوى ( 4/435) و ( 28/483) و في كثير من الصفحات في كتابه : منهاج السنة النبوية .
34. و يرد ذكر عبد الله بن سبأ عند المالقي ( ت 741هـ ) في كتابه التمهيد والبيان في مقتل الشهيد عثمان ( ص 54) ، بقوله : ( و في سنة ثلاث و ثلاثين تحرك جماعة في شأن عثمان رضي الله عنه .. و كانوا جماعة منهم ، مالك الأشتر ، و الأسود بن يزيد .. و عبد الله بن سبأ المعروف بابن السوداء .
35. و عند الذهبي ( ت 748هـ ) في كتابه المغني في الضعفاء (1/339) و في الميزان (2/426) : ( عبد الله بن سبأ من غلاة الشيعة ، ضال مضل ) ، و ذكره أيضاً في تاريخ الإسلام ( 2/122-123) .
36. وذكر الصفدي ( ت 764هـ ) في كتبه الوافي بالوفيات (17/20) في ترجمة ابن سبأ : ( عبد الله بن سبأ رأس الطائفة السبئية .. قال لعلي أنت الإله ، فنفاه إلى المدائن ، فلما قتل علي رضي الله عنه زعم ابن سبأ أنه لم يمت لأن فيه جزءاً إلهياً وأن ابن ملجم إنما قتل شيطاناً تصوّر بصورة علي ، و أن علياً في السحاب ، و الرعد صوته ، و البرق سوطه ، وأنه سينزل إلى الأرض ) .
37. و ذكر ابن كثير ( ت 774هـ ) في البداية و النهاية (7/183) أن من أسباب تألب الأحزاب على عثمان ظهور ابن سبأ و صيرورته إلى مصر ، و إذاعته على الملأ كلاماً اخترعه من عند نفسه .
38. و جاء في الفرق الإسلامية (ص 34) للكرماني ( ت 786هـ ) أن علياً رضي الله عنه لما قتل زعم عبد الله بن سبأ أنه لم يمت ، وأن فيه الجزء الإلهي .
39. و يشير الشاطبي ( ت 790هـ ) في كتابه الاعتصام ( 2/197) إلى أن بدعة السبئية من البدع الإعتقادية المتعلقة بوجود إله مع الله ، و هي بدعة تختلف عن غيرها من المقالات .
40. و ذكر ابن أبي العز الحنفي ( ت 792هـ ) في شرح العقيدة الطحاوية ( ص 578) أن عبد الله بن سبأ أظهر الإسلام و أراد أن يفسد دين الإسلام كما فعل بولس بدين النصرانية .
41. و يعرف الجُرجاني ( ت 816هـ ) في كتابه التعريفات (ص 79) عبد الله بن سبأ بأنه رأس الطائفة السبئية .. و أن أصحابه عندما يسمعون الرعد يقولون : عليك السلام يا أمير المؤمنين .
42. و يقول المقريزي ( ت 845هـ ) في الخطط ( 2/356-357) : ( أن عبد الله بن سبأ قام في زمن علي رضي الله عنه مُحدِثاً القول بالوصية والرجعة والتناسخ ) .
43. و قد سرد الحافظ بن حجر ( ت 852هـ ) في كتابه لسان الميزان ( 3/290) أخبار ابن سبأ من غير طريق سيف بن عمر ، ثم قال : ( و أخبار عبد الله بن سبأ شهيرة في التواريخ ، و ليس له رواية و الحمد لله ) .
44. و ذكر العيني ( ت 855هـ ) في كتابه عقد الجمان ( 9/168) : ( أن ابن سبأ دخل مصر وطاف في كورها ، و أظهر الأمر بالمعروف ، و تكلم في الرجعة ، و قررها في قلوب المصريين .
45. و أكد السيوطي ( ت 911هـ ) في كتابه لب الألباب في تحرير الأنساب ( 1/132) نسبة السبئية إلى عبد الله بن سبأ .
46. و ذكر السفارني ( ت 1188هـ ) في كتابه لوامع الأنوار (1/80) ضمن فرق الشيعة فرقة السبأية و قال : ( و هم أتباع عبد الله بن سبأ الذي قال لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه : أنت الإله حقاً ، فأحرق من أصحاب هذه المقالة من قدر عليه منهم فخدّ لهم أخاديد وأحرقهم بالنار .
47. و يروي الزُّبيدي ( ت 1205هـ ) أن سبأ الوارد في حديث فروة بن مُسيك المرادي هو والد عبد الله بن سبأ صاحب السبئية من الغلاة . تاج العروس ( 1/75-76) ، و كلام الزبيدي هذا غير مقبول و يرده حديث فروة بن مسيك ، راجع صحيح سنن أبي داود (برقم (3373) و الترمذي ( برقم 3220) كتاب تفسير سورة سبأ ، و في الحديث زيادة تفصيل أن سبأ رجل من العرب ولد له عشرة من الأبناء : سكن منهم ستة في اليمن و أربعة في الشام ، و هم أصول القبائل العربية : لخم و جذام و غسان .. الخ ، مما يدل على أن سبأ رجل متقدم جداً من أصول العرب ، فما علاقة ذلك بسبأ والد عبد الله صاحب السبئية ؟ !
48. و تحدث عبد العزيز بن ولي الله الدهلوي ( ت 1239هـ ) في كتابه مختصر التحفة الاثنى عشرية
( ص 317 ) عن ابن سبأ بقوله : ( و من أكبر المصائب في الإسلام في ذلك الحين تسليط إبليس من أبالسة اليهود على الطبقة الثانية من المسلمين فتظاهر لهم بالإسلام وادعى الغيرة على الدين والمحبة لأهله .. و إن هذا الشيطان هو عبد الله بن سبأ من يهود صنعاء ، و كان يسمى ابن السوداء ، و كان يبث دعوته بخبث و تدرج و دهاء .
49. و محمد صديق حسن خان ( ت 1307هـ ) في خبيئة الأكوان في افتراق الأمم على المذاهب والأديان ( ص 8 ، 33 ، 44 ) .
هذا ما تيسر جمعه من أقوال العلماء ، و من سلف الأمة ، و هناك الكثير غيرهم ، و كلها تأكد و تجمع على ثبوت شخصية عبد الله بن سبأ اليهودي بكونه حقيقة لا خيال ، و كوني آثرت ذكر المتقدمين ، لأنه إذا ثبت عندهم ؛ فهم أعرف منا ، لأنه تسنى لهم الاطلاع على الكثير من الكتب التي تعد في زمننا هذا في عداد المفقود ، فهم الأصل الذي نحن عيال عليه ، نقتبس منه و نثبت ، كما وأن هناك الكثير من المثبتين لهذه الشخصية من المعاصرين ، راجع للأهمية كتاب : العنصرية اليهودية وآثارها في المجمع الإسلامي و الموقف منها للدكتور أحمد بن عبد الله بن إبراهيم الزغيبي ( 2 / 530-531 ) ، حيث ذكر عدداً كبيراً من المثبتين لشخصية ابن سبأ من المعاصرين .

ب – المثبتين لشخصية ابن سبأ من الشيعة :
1. ورد في تاريخ الطبري (5/193) على لسان أبي مخنف – لوط بن يحيى – ( ت 157هـ ) و هو يصف معقل بن قيس الرياحي والذي كلفه المغيرة بن شعبة والي معاوية على الكوفة بقتال المستورد بن علفة الخارجي و أصحابه ، فيصفه بأنه من السبئية المفترين الكذابين .
2. الأصفهاني ( ت 283هـ ) ذكره الدكتور أحمد الزغيبي في كتابه العنصرية اليهودية ( 2/528) .
3. أورد الناشئ الأكبر ( ت 293هـ ) في كتابه مسائل الإمامة ( ص 22-23 ) ما يلي : ( و فرقة زعموا أن علياً رضي الله عنه حي لم يمت ، و أنه لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه ، و هؤلاء هم السبئية أصحاب عبد الله بن سبأ ، و كان عبد الله بن سبأ رجلاً من أهل صنعاء يهودياً .. و سكن المدائن .. ) .
4. و نقل القمي ( ت 301هـ ) في كتابه المقالات و الفرق ( ص 20 طهران 1963 م تحقيق الدكتور محمد جواد مشكور فيروي ) أن عبد الله بن سبأ أول من أظهر الطعن على أبي بكر و عمر و عثمان والصحابة ، و تبرأ منهم ، وادّعى أن علياً أمره بذلك . و ( أن السبئية قالوا للذي نعاه ( أي علي بن أبي طالب ) : كذبت ياعدو الله لو جئتنا والله بدماغه خربة فأقمت على قتله سبعين عدلاً ما صدقناك ولعلمنا أن لم يمت ولم يقتل وإن لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه ويملك الأرض ثم مضوا …)
5. و يتحدث النوبختي ( ت 310هـ ) في كتابه فرق الشيعة ( ص 23 ) عن أخبار ابن سبأ فيذكر أنه لما بلغ ابن سبأ نعي علي بالمدائن ، قال للذي نعاه : كذبت لو جئتنا بدماغه في سبعين صرة و أقمت على قتله سبعين عدلاً لعلمنا أنه لم يمت و لم يقتل ، و لا يموت حتى يملك الأرض.
و يقول في ( ص 44 ) وحكى جماعة من أهل العلم من أصحاب علي عليه السلام أن عبدالله بن سبأ كان يهودياً فأسلم ووالى علياً عليه السلام وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون وصي بعد موسى على نبينا وآله وعليهما السلام بالغلو فقال في إسلامه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله في علي
عليه السلام بمثل ذلك وهو أول من شهر القول بفرض إمامة علي عليه السلام وأظهر البراءة من
أعدائه وكاشف مخالفيه. يقول النوبختي : فمن هنا قال من خالف الشيعة إن أصل الرفض مأخوذ من اليهود.
6. و يقول أبو حاتم الرازي ( ت 322هـ ) في كتابه الزينة في الكلمات الإسلامية ( ص 305 ) : ( أن عبد الله بن سبأ و من قال بقوله من السبئية كانوا يزعمون أن علياً هو الإله ، و أنه يحيي الموتى ، وادعوا غيبته بعد موته .
7. و روى الكشي ( ت 340هـ ) في الرجال ( ص 98-99) بسنده إلى أبي جعفر محمد الباقر قوله : أن عبد الله بن سبأ كان يدّعي النبوة ، و يزعم أن أمير المؤمنين – عليه السلام – هو الله ، تعالى عن ذلك علواً كبيراً . و هناك أقوال مشابهة عن جعفر الصادق و علي بن الحسين تلعن فيها عبد الله بن سبأ في ( ص 70 ، 100 ) من نفس الكتاب .
و يروي الكشي في ( رجال الكشي ص 98 ط مؤسسة الأعلمي للمطبوعات كربلاء ) بسنده إلى أبي جعفر ( أن عبدالله بن سبأ كان يدعي النبوة وزعم أن أمير المؤمنين هو الله تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا فبلغ ذلك أمير المؤمنين فدعاه وسأله فأقر بذلك وقال : نعم أنت هو وقد كان ألقي في روعي أنك أنت الله وأني نبي فقال له أمير المؤمنين : ويلك قد سخر منك الشيطان فارجع عن هذا ثكلتك أمك وتب فأبى فحبسه واستتابه ثلاثة أيام فلم يتب فأحرقه بالنار والصواب أنه نفاه بالمدائن …)
8. و يذكر أبو جعفر الصدوق بن بابويه القمي ( ت 381هـ ) في كتاب من لا يحضره الفقيه ( 1/213) ، موقف ابن سبأ و هو يعترض على علي رضي الله عنه رفع اليدين إلى السماء أثناء الدعاء .
9. و جاء عند الشيخ المفيد ( ت 413هـ ) في كتاب شرح عقائد الصدور ( ص 257) ذكر الغلاة من المتظاهرين بالإسلام – يقصد السبئية – الذين نسبوا أمير المؤمنين علي والأئمة من ذريته إلى الألوهية والنبوة ، فحكم فيهم أمير المؤمنين بالقتل والتحريق بالنار .
10. و قال أبو جعفر الطوسي ( ت 460هـ ) في كتبه تهذيب الأحكام ( 2/322) أن ابن سبأ رجع إلى الكفر وأظهر الغلو .
11. ابن شهر آشوب ( ت 588هـ ) في مناقب آل أبي طالب (1/227-228 ) .
12. و ذكر ابن أبي الحديد ( ت 655هـ ) في شرح نهج البلاغة ( 2/99) ما نصه : ( فلما قتل أمير المؤمنين – عليه السلام – أظهر ابن سبأ مقالته ، و صارت له طائفة و فرقه يصدقونه و يتبعونه .
13. و أشار الحسن بن علي الحلّي ( ت 726هـ ) في كتابه الرجال (2/71) إلى ابن سبأ ضمن أصناف الضعفاء .
14. و يرى ابن المرتضى ( ت 840هـ ) – و هو من أئمة الشيعة الزيدية - ، أن أصل التشيع مرجعه إلى ابن سبأ ، لأنه أول من أحدث القول بالنص في الإمامة . تاج العروس لابن المرتضى ( ص 5 ، 6 ) .
15. و يرى الأردبيلي ( ت 1100هـ ) في كتاب جامع الرواة (1/485) أن ابن سبأ غال ملعون يزعم ألوهية علي و نبوته .
16. المجلسي ( ت 1110هـ ) في بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار (25/286-287 ) .
17. يقول نعمة الله الجزائري ( ت 1112هـ ) في كتابه الأنوار النعمانية ( 2/234) : ( قال عبد الله بن سبأ لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه أنت الإله حقاً فنفاه علي عليه السلام إلى المدائن و قيل إنه كان يهودياً فأسلم وكان في اليهودية يقول في يوشع بن نون و في موسى مثل ما قال في علي .
18. طاهر العاملي ( ت 1138هـ ) في مقدمة مرآة الأنوار و مشكاة الأسرار في تفسير القرآن (ص 62 )
19. و عند المامقاني ( ت 1323هـ ) في كتابه تنقيح المقال في أحوال الرجال (2/183) جاء ذكر ابن سبأ ضمن نقولات عدة ساقها المؤلف من مصادر شيعية متقدمة عليه .
20. أما محمد حسين المظفري ( ت 1369هـ ) و هو من الشيعة المعاصرين الذين لا ينكرون وجود ابن سبأ وإن كان ينفي أن يكون للشيعة به أي اتصال . تاريخ الشيعة ( ص 10 ) .
21. أما الخوانساري فقد جاء ذكر ابن سبأ عنده على لسان جعفر الصادق الذي لعن ابن سبأ لاتهامه بالكذب والتزوير . روضات الجنات (3/141) .
ثانياً : المنكرون وجود عبد الله بن سبأ من الفريقين :
أ – المنكرون لوجود ابن سبأ من أهل السنة ومن حسب عليهم :
1. الدكتور : طه حسين ، يقف طه حسين عل رأس الكتّاب المحدثين الذين شككوا في وجود ابن سبأ بل و أنكروه . أنظر كتاب الفتنة الكبرى – عثمان – ( ص 132 ) ، و علي و بنوه ( ص 90 ) . يذكر أن زوجة طه حسين و سكرتيره (و كلاهما نصرنيان) ذكرا أن طه حسين تنصر في باريس!
2. الدكتور : علي سامي النشار ، و هو يأتي بعد طه حسين في إنكاره لشخصية ابن سبأ واعتبارها شخصية وهمية . راجع كتاب نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام (2/ 38 – 39 ) .
3. الدكتور : حامد حنفي داود ، و هو من الذين تأثروا بكتابات الشيعة حول شخصية ابن سبأ فأنكر وجودها ، و ذلك عندما قام بكتابة المقدمة المتعلقة بكتاب ( عبد الله بن سبأ و أساطير أخرى ) و من ضمن ما قال : ( و أخيراً يسرني أن أعلن إعجابي بهذا السفر الجليل لصاحبه العلامة المحقق السيد مرتضى العسكري ) ، أما رأيه في عبد الله بن سبأ فأوضحه بقوله : ( و لعل أعظم هذه الأخطاء التاريخية التي أفلتت من زمام هؤلاء الباحثين وغمّ عليهم أمرها فلم يفقهوها و يفطنوا إليها هذه المفتريات التي افتروها على علماء الشيعة حين لفقوا عليهم قصة عبد الله بن سبأ فيما لفقوه من قصص . (1/ 18 ، 21 ) .
و ضمن كتابه : التشيع ظاهرة طبيعية في إطار الدعوة الإسلامية ( ص 18 ) .

4. و هناك أيضاً الدكتور : محمد كامل حسين في كتابه : أدب مصر الفاطمية ( ص 7 ) .
5. و أيضاً : عبد العزيز الهلابي في كتابه عبد الله بن سبأ ( ص 73) ، حيث حجب هذا الشخص الغموض الذي أثاره غيره من المشككين في وجود ابن سبأ فلازم الإنكار .
6. و الشيء بالشيء يذكر يعتبر الأستاذ حسن بن فرحان المالكي (شيعي المذهب) تلميذ المذكور أعلاه من المنكرين لوجود ابن سبأ ، و في أحيان أخرى ينكر دور ابن سبأ في الفتنة . راجع كلامه في جريدة المسلمون الأعداد ( 657 ، 658 ) .
7. ومن المنكرين و المتشككيين والمترددين في إثبات و نفي شخصية عبد الله بن سبأ ، الدكتور : جواد علي في مقال له بعنوان ( عبد الله بن سبأ ) منشور في مجلة المجمع العلمي العراقي المجلد السادس ( ص 84 ، 100 ) و أيضاً في مجلة الرسالة العدد ( 778 ) ( ص 609-610 ) .
8. و أيضاً الدكتور : محمد عمارة (من مؤيدي المعتزلة و المرجئة) في كتابه الخلافة و نشأة الأحزاب الإسلامية ( ص 154-155 ) ، فيقول : ( وتنسب أغلب مصادر التاريخ والفكر الإسلامي إلى ابن السوداء هذا نشاط عظيماً و جهداً خرافياً ) ، و يقول : ( فإن وجود ابن سبأ على فرض التسليم بوجوده ) إلى غيرها من النقولات .
9. و الدكتور : عبد الله السامرائي في كتابه الغلو والفرق الغالية في الحضارة الإسلامية ( ص 86 ) ، إلا أنه يثبت وجود الأفكار التي تنسب إلى عبد الله بن سبأ ، من غير جزم بوجود صاحبها .
ب - المنكرون لوجود ابن سبأ من الشيعة :
1. محمد الحسين كاشف الغطاء ، في كتابه أصل الشيعة و أصولها ( ص 61 ) يقول : ( على أنه لا يستبعد أن يكون هو – أي عبد الله بن سبأ – و مجنون بني عامر و أبو هلال .. وأمثالهم أحاديث خرافية وضعها القصاص لتزجية الفراغ و شغل أوقات الناس ) .
2. مرتضى العسكري و له كتابان في هذا الموضوع ، ينفي فيهما وجود ابن سبأ من الأصل ، و يعتبر مرتضى هذا من أكثر الشيعة المحدثين اهتماماً بمسألة عبد الله بن سبأ . الكتاب الأول بعنوان : ( عبد الله بن سبأ بحث حول ما كتبه المؤرخون والمستشرقون ابتداء من القرن الثاني الهجري ) . و رمز له بالجزء الأول . الكتاب الثاني بعنوان : ( عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى ) .
3. محمد جواد مغنيه ، و قد ذكر ذلك في تقديمه لكتاب عبد الله بن سبأ و أساطير أخرى لمرتضى العسكري (1/12 ) . و كتاب التشيع ( ص 18 ) .
4. الدكتور علي الوردي ، في كتاب و عاظ السلاطين ( ص 273- 276 ) ، يقول : ( يخيل إلي أن حكاية ابن سبأ من أولها إلى آخرها كانت حكاية متقنة الحبك رائعة التصوير ) ، و يعتبر علي الوردي صاحب بدعة القول بأن ابن السوداء و هو عمار بن ياسر رضي الله عنه ، ( ص 278) .
5. عبد الله الفياض في كتابه تاريخ الإمامية وأسلافهم من الشيعة ( ص 95 ) ، يقول : ( يبدوا أن ابن سبأ كان شخصية إلى الخيال أقرب منها إلى الحقيقة ) .
6. الدكتور كامل مصطفى الشيبي في كتاب الصلة بين التصوف والتشيع ( ص 41 ) ، و قد تابع الدكتور علي الوردي في كلامه حول كون عمار بن ياسر هو ابن السوداء ، ( ص 88 ) .
7. طالب الرفاعي في التشيع ظاهرة طبيعية في إطار الدعوة الإسلامية ( ص 20 ) .
و لعل هذا النفي شبه الجماعي من قبل أولئك الباحثين الشيعة لشخصية عبد الله بن سبأ ، هو بغرض نفي التأثير اليهودي في عقائد الشيعة ، و تبرئة ساحتهم من عبد الله بن سبأ ، و لكن أنى لهم ذلك .
و قد أعجبتني مقولة للدكتور سعدي الهاشمي يقول فيها : ( و بهذه النقول والنصوص الواضحة المنقولة
من كتب القوم ( الشيعة ) تتضح لنا حقيقة شخصية ابن سبأ اليهودي ، و من طعن من الشيعة في
ذلك فقد طعن في كتبهم التي نقلت لعنات الأئمة المعصومين – عندهم – على هذا اليهودي
( ابن سبأ ) و لا يجوز و لا يتصور أن تخرج اللعنات من المعصوم على مجهول ، و كذلك لا يجوز في
معتقد القوم تكذيب المعصوم ) . ابن سبأ حقيقة لا خيال ( ص 76 ) .
جـ – المثبتون لوجود ابن سبأ من المستشرقين :
اهتم المستشرقون بمسألة عبد الله بن سبأ و درسوا ما جاء عنه ، و نحن لسنا بحاجة إلى قيام أمثال هؤلاء الحاقدين لإثبات شخصية ابن سبأ لنثبت شخصيته بدورنا ، لكن تطرقت لذكرهم فقط من باب بيان أن الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها ، كما فعل أبو هريرة رضي الله عنه عندما تعلم فضل سورة آية الكرسي من إبليس لعنه الله . البخاري مع الفتح (4/487- 488 ) .
1. المستشرق الألماني : يوليوس فلهاوزن (1844- 1918 م ) ، يقول : ( ومنشأ السبأية يرجع إلى زمان علي و الحسن ، و تنسب إلى عبد الله بن سبأ و كما يتضح من اسمه الغريب فإنه كان أيضاً يمنياً و الواقع أنه من العاصمة صنعاء ، و يقال أنه كان يهودياً ) . في كتابه : الخوارج والشيعة ( ص 170-171 ) .
2. 2 - المستشرق : فان فلوتن ( 1866- 1903 م ) ، يرى أن فرقة السبأية ينتسبون إلى عبد الله بن سبأ فيقول : ( وأما السبأية أنصار عبد الله بن سبأ الذي كان يرى أحقية علي بالخلافة منذ أيام عثمان ، فكان يعتقدون أن جزءاً إلهياً تجسد في علي ثم في خلفائه من بعده . السيادة العربية والشيعية و الإسرائيليات في عهد بني أمية (ص 80 ) .
3. المستشرق الإيطالي : كايتاني ( 1869-1926 م ) ، يخلص هذا المستشرق في بحثه الذي نشره في حوليات الإسلام الجزء الثامن من سنة (33-35هـ ) إلى أن ابن سبأ موجود في الحقيقة لكنه ينكر روايات سيف بن عمر في تاريخ الطبري والتي تشير إلى أن المؤامرة التي أطاحت بعثمان ذات أسباب دينية ، كما وأنه ينكر أن تكون آراء ابن سبأ المؤلهة لعلي قد حدثت في أيامه ، و ينتهي إلى القول بأن هذه الآراء وليدة تصورات الشيعة في النصف الثاني من القرن الثاني للهجرة .
4. المستشرق : ليفي ديلافيدا ( المولود عام 1886م ) ، حيث مرّ بعبد الله بن سبأ و هو يتحدث عن خلافة علي من خلال كتاب أنساب الأشراف للبلاذري .
5. المستشرق الألماني : إسرائيل فريد لندر ، وقد كتب مقالاً عن عبد الله بن سبأ في المجلة الآشورية العددين من سنة (1909م ، ص 322) و (1910م ، ص 23) بعنوان : ( عبد الله بن سبأ مؤسس الشيعة وأصله اليهودي ) و قد خلص في بحثه هذا الذي يربوا على الثمانين صفحة إلى القول بأنه لا يتشكك مطلقاً في شخصية ابن سبأ .
6. المستشرق المجري : جولد تسيهر ( 1921م ) ، يقول : ( كما أن الإغراق في تأليه علي الذي صاغه في مبدأ الأمر عبد الله بن سبأ ) . في كتابه : العقيدة والشريعة في الإسلام ( ص 205 ) .
7. رينولد نكلس ( 1945م ) ، يقول في كتابه تاريخ الأدب العربي (ص 215 ) : ( فعبد الله بن سبأ الذي أسس طائفة السبأيين كان من سكان صنعاء اليمن ، و قد قيل إنه كان من اليهود و قد أسلم في عهد عثمان و أصبح مبشراً متجولاً ) .
8. داويت . م . رونلدسن ، يقول : ( فقد ظهر منذ زمن عثمان داعية متنقل اسمه عبد الله بن سبأ قطع البلاد الإسلامية طولاً و عرضاً يريد إفساد المسلمين كما يقول الطبري )عقيدة الشيعة ( ص 85 ) .
9. المستشرق الإنجليزي : برنارد لويس ، فهو يرى أن عبد الله بن سبأ هو أصل التشيع . راجع كلامه في كتابه : أصول الإسماعيلية ( ص 86 ) .
هذه أهم الكتابات الاستشراقية في موضوع عبد الله بن سبأ ، و هناك غير هؤلاء الكثير ، راجع للأهمية كتاب : عبد الله بن سبأ و أثره في أحداث الفتنة في صدر الإسلام للدكتور سليمان العودة ( ص 73 ) .
أما المنكرون لشخصية ابن سبأ من المستشرقين ، فهم فئة قليلة و الذين وقفوا في شخصية ابن سبأ
و أصبحت عندهم مجرد خرافة و محل شك ، و ليس هناك من داع لذكرهم ، لعدم انتشار أفكارهم بخلاف المثبتين فهم من المستشرقين المعروفين والذين يعتمد عليهم الكثير ممن تأثر بفكر الاستشراق ، و كان هدف هؤلاء المستشرقين من ذلك التشكيك أو الإنكار هو ادعاء أن الفتن إنما هي من عمل الصحابة أنفسهم ، و أن نسبتها إلى اليهود أو الزنادقة هو نوع من الدفاع عن الصحابة لجأ إليها الإخباريون
والمؤرخون المسلمون ليعلقوا أخطاء هؤلاء الصحابة على عناصر أخرى ، على أن إنكار بعضهم لشخصية
ابن سبأ إنما يرجع إلى رغبتهم في الانتهاء إلى النتيجة التالية : لا حاجة لمخّرب يمشي بين الصحابة ، فقد كانت نوازع الطمع و حب الدنيا والسلطة مستحوذة عليهم ، فراحوا يقاتلون بعضهم عن قصد
و تصميم ، و القصد من ذلك الإساءة إلى الإسلام و أهله ، و إلقاء في روع الناس أن الإسلام إذا عجز
عن تقويم أخلاق الصحابة و سلوكهم وإصلاح جماعتهم بعد أن فارقهم الرسول صلى الله عليه وسلم
بمدة وجيزة ، فهو أعجز أن يكون منهجاً للإصلاح في هذا العصر . أنظر : تحقيق مواقف الصحابة في
الفتنة للدكتور : محمد أمحزون (1/314) .
ثالثاً : أسباب إنكار ابن سبأ عند بعض المبطلين :
أولاً : قالوا : إعراض المؤرخين عن ذكر ابن سبأ أو ابن السوداء في حرب صفين ، و كونه غاب عنها ، و كيف له أن يغيب عن هذا المعركة و هو الذي كان يصول و يجول في حرب الجمل ، لهذا لم يستطع المؤرخون الإجابة على هذا السؤال المحير ! و هذا مما يدل على أنه غير موجود .
الرد عليه : إن المؤرخين عند حديثهم عن موضوع معين لا يلتزمون بذكر كل تفاصيل ما جرى في الأحداث والوقائع التي ذكروها في كتبهم ، هذا على افتراض مشاركة ابن سبأ في حرب صفين ، و على افتراض عدم مشاركته في حرب صفين ، هل يعد ذلك دليلاً على عدم وجوده ، فيعارض به ما أثبته المؤرخون من وجود ابن سبأ و ما كان له من دور ؟! و في اعتقادي أن هذه الشبهة لا تقوى على ما أثبته المؤرخون والمحققون من سنة و شيعة من وجود ابن سبأ .
ثانياً : قالوا : إن أخبار ابن سبأ إنما انتشرت بين الناس عن طريق الطبري ، والطبري أخذها عن سيف بن عمر ، إذاً فسيف هو المصدر الوحيد لأخبار ابن سبأ ، و سيف هذا كذاب ضعفه علماء الجرح والتعديل .
الرد عليه و سيكون على ثلاثة فروع :-
· كون الطبري هو المصدر الوحيد لأخبار ابن سبأ ، و هذه الأخبار جميعها جاءت من طريق سيف بن عمر .
الرد : هذه شبهة باطلة إذ لم ينفرد الطبري وحده بروايات سيف ، بل هناك روايات لسيف تتحدث عن ابن سبأ لا توجد عند الطبري ، و مثاله :
*من طريق ابن عساكر ( ت 571هـ ) في تاريخه (29/9 ) ، وقد أورد رواية من طريق سيف بن عمر ليست عند الطبري .
*من طريق المالقي ( ت 741هـ ) في كتابه التمهيد و البيان ( ص 54 ) و قد أورد رواية ليست عند الطبري من طريق سيف بن عمر .
*من طريق الذهبي ( ت 748هـ ) في كتابه تاريخ الإسلام ( 2/122-123) و هذه الرواية أيضاً غير موجودة في الطبري .
فهذه الطرق الثلاثة تدلنا على أن الطبري لم ينفرد بروايات سيف بن عمر عن ابن سبأ ، و أنه ليس المصدر الوحيد لهذه الأخبار .
· كون سيف بن عمر هو المصدر الوحيد لأخبار ابن سبأ .
الرد : هذه الشبهة أيضاً غير صحيحة ، فقد ثبتت روايات ذكر فيها ابن سبأ لم يكن سيف في سندها ، و إن الذي يتبين لنا من خلال البحث والتنقيب أن سيف بن عمر ليس هو المصدر الوحيد لأخبار عبد الله بن سبأ ، و سأورد هنا عدد من النصوص لابن عساكر تذكر ابن سبأ لا ينتهي سندها إلى سيف بن عمر ، و قد اخترت تاريخ ابن عساكر بالذات لأنه يعتمد في روايته للأخبار على السند كما هو حال الطبري في تاريخه .
الرواية الأولى : ذكرها ابن عساكر بسنده إلى الشعبي ، قال : أول من كذب عبد الله بن سبأ .
الرواية الثانية : ذكرها ابن عساكر بسنده إلى عمار الدهني ، قال : سمعت أبا الطفيل يقول : رأيت المسيب بن نجبة أتى به يلببة - يعني ابن السوداء - ، و علي على المنبر ، فقال علي : ما شأنه ؟ فقال : يكذب على الله وعلى رسوله .
الرواية الثالثة : ذكرها ابن عساكر بسنده إلى زيد بن وهب عن علي قال : ما لي و ما لهذا الحميت الأسود ؟ .
الرواية الرابعة : ذكرها ابن عساكر بسنده إلى شعبة عن سلمة قال : قال سمعت أبا الزعراء يحدث عن علي عليه السلام قال : ما لي وما لهذا الحميت الأسود ؟ .
الرواية الخامسة : ذكرها ابن عساكر بسنده إلى شعبة عن سلمة بن كهيل عن زيد قال : قال علي بن أبي طالب ما لي ولهذا الحميت الأسود ؟ - يعني عبد الله بن سبأ – وكان يقع في أبي بكر وعمر .
الرواية السادسة : ذكرها ابن عساكر بسنده إلى سلمة بن كهيل عن حجية بن عدي الكندي قال : رأيت علياً كرم الله وجهه وهو على المنبر ، وهو يقول : من يعذرني من هذا الحميت الأسود ، الذي يكذب على الله ورسوله ؟ - يعني ابن السوداء – لولا أن لا يزال يخرج عليّ عصابة تنعى عليّ دمه كما أدّعيت عليّ دماء أهل النهر ، لجعلت منهم ركاماً .
الرواية السابعة : ذكرها ابن عساكر بسنده إلى أبو الأحوص عن مغيرة عن سماك قال : بلغ عليا أن ابن السوداء ينتقص أبا بكر وعمر ، فدعا به ، ودعا بالسيف - أو قال : فهمّ بقتله - فكُلّم فيه ، فقال : لا يساكني ببلد أنا فيه . قال : فسيره إلى المدائن . تاريخ دمشق لابن عساكر ( 29/ 7-10 ) .
للمزيد حول ورود روايات عبد الله بن سبأ من غير طريق سيف بن عمر راجع ما ذكرناه سابقاً.
· كون سيف بن عمر ( ت 180هـ ) كذاب ضعفه علماء الجرح والتعديل .
الرد : مكانة سيف بن عمر (ت 180هـ ) بين الجرح والتعديل ، حتى تكون الصورة واضحة للقارئ .
أولاً : سيف بن عمر محدثاً :-
يقول النسائي في الضعفاء والمتروكين ( ص 14 ) : ( سيف بن عمر الضبي ضعيف ) . وذكر ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل ( 2/278 ) أن سيف بن عمر : ( متروك الحديث ، يشبه حديثه حديث الواقدي ) . و عند ابن معين في نفس المصدر (2/278 ) أن سيفاً ضعيف الحديث . و ذكره الذهبي فيمن له رواية في الكتب الستة ، واكتفى بالقول : ( ضعفه ابن معين و غيره ) .الكاشف (1/416 ) . و في المغني في الضعفاء ( ص 292) قال الذهبي : ( سيف بن عمر التميمي الأسدي له تواليف متروك باتفاق ) . و عند ابن حجر في التقريب (1/344 ) : ( سيف ضعيف الحديث ) . و يقول ابن حبان في المجروحين (1/345) : ( سيف بن عمر الضبي الأسدي من أهل البصرة اتهم بالزندقة .. يروي الموضوعات عن الأثبات ) .
هذا بالنسبة لسيف بن عمر و كونه محدثاً ، لكن فما عساه يكون إخبارياً مؤرخاً ؟!
هنا لا بد و قبل أن أذكر أقوال أهل العلم فيه أن أنبه أنه لا بد من التفريق بين رواية ( الحديث ) و رواية الأخبار الأخرى ، فعلى الأولى تبنى الأحكام و تقام الحدود ، فهي تتصل مباشرة بأصل من أصول التشريع ، و من هنا تحرز العلماء –رحمهم الله – في شروط من تأخذ عنه الرواية ، لكن يختلف الأمر بالنسبة لرواية الأخبار ، فهي وإن كانت مهمة – لا سيما حينما يكون مجالها الإخبار عن الصحابة – إلا أنها لا تمحص كما يمحص الحديث ، و من هنا فلا بد من مراعاة هذا القياس و تطبيقه على ( سيف ) بكونه محدثاً ، و إخبارياً . راجع للأهمية كتاب : تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة محمد أمحزون (1/82-143) فقد تحدث عن هذا الموضوع فأجاد .
نعود إلى كتب الرجال نفسها فنجد الآتي :-
يقول الذهبي في ميزان الاعتدال (2/255 ) : ( كان إخبارياً عارفاً ) . و يقول ابن حجر في تقريب التهذيب
( 1/344 ) : ( عمدة في التاريخ ) . أما اتهام ابن حبان لسيف بالزندقة فيجيب عنه ابن حجر في التقريب (1/344 ) بقوله : ( أفحش ابن حبان القول فيه ) . ولا يصح اتهام سيف بالزندقة دون دليل ، إذ بكيف نفسر رواياته في الفتنة و حديثه عما جرى بين الصحابة ، فأسلوبه الذي روى به تلك الأحداث أبعد ما يكون عن أسلوب الزنادقة ، و هو الذي فضح و هتك ستر الزنادقة أمثال ابن سبأ !!
و بعد هذا لا يشك أحد أن رواية سيف مرشحة على غيره من الإخباريين أمثال أبي مخنف و الواقدي وابن الكلبي ، و غيرهم الكثير ، فإن روايات سيف تتفق و تنسجم مع الروايات الصحيحة المروية عن الثقات ، علاوة على أنها صادرة و مأخوذة عمن شاهد تلك الحوادث أو كان قريباً منها . للمزيد حول هذا الموضوع راجع كتاب : استشهاد عثمان و وقعة الجمل رواية سيف بن عمر ، للدكتور خالد بن محمد الغيث ( ص 19- 40 ) ، و عبد الله بن سبأ و أثره في أحداث الفتنة في صدر الإسلام للدكتور :سليمان العودة ( ص 104- 110 ) .
ثالثاً : قالوا : لم يكن لابن سبأ وجود ، و إنما هو في الحقيقة شخصية رمزت لعمار بن ياسر ، ثم ساقوا عدد من الدعائم التي تؤيد هذا القول ، منها :-
1 - كان ابن سبأ يعرف بابن السوداء ، و عمار كان يكنى بابن السوداء أيضاً .
2 - كلاهما من أب يماني ، و ينسبون إلى سبأ بن يشجب أصل أهل اليمن .
3 - كلاهما كان شديد الحب لعلي ، و من محرضي الناس على بيعته .
4 - ذهاب عمار إلى مصر أيام عثمان و أخذ يحرض الناس على عثمان ، و مثل هذا ينسب إلى ابن سبأ .
5 - ينسب إلى ابن سبأ القول بأن عثمان أخذ الخلافة بغير حق ، و أن صاحبها الشرعي هو علي ، و هذا نفسه كان يقول به عمار .
6 - و يشترك الاثنان في عرقلة مساعي الصلح في معركة الجمل .
7 - قالوا عن ابن سبأ أنه هو المحرك لأبي ذر في دعوته الاشتراكية ! و صلة عمار بأبي ذر وثيقة جداً .
الرد : هذا الرأي الذي خلصوا إليه ، إنما يدل على جهل صاحبه ، و هذا الرأي ترده كتب الجرح والتعديل و كتب الرجال الموثقة عند الشيعة ، فهي تذكر عمار بن ياسر ضمن أصحاب علي والرواة عنه ، و هو أحد الأركان الأربعة عندهم ، ثم هي تذكر في موضع آخر ترجمة عبد الله بن سبأ في معرض السب واللعنة . أنظر : رجال الطوسي ( ص 46 ، 51 ) و رجال الحلي ( ص 255 ، 469 ) . فهل يمكن اعتبار الرجلين شخصية واحدة بعد ذلك ؟!
كما وأن عوامل توافق الشخصيتين ذهاب كل منهما إلى مصر زمن عثمان ، فإن استقراء النصوص ومعرفة تاريخها يعطي مفهوماً غير الذي فهمه النافين لوجود ابن سبأ ، و بالتالي ينتصب هذا العامل دليلاً على استقلال كل من الشخصيتين ، فعمار إنما بعثه عثمان إلى مصر سنة ( 35هـ ) ، بينما كان ظهور ابن سبأ سنة ( 30هـ ) كما في الطبري (4/241) ، و هو الذي ساق الخبرين ، و شيء آخر و هو أن الطبري نفسه أورد أن من الذين استمالوا عماراً في مصر قوم منهم عبد الله بن سبأ . الطبري (4/341) ، وانظر أيضاً : البداية والنهاية لابن كثير (7/167) و الكامل في التاريخ لابن الأثير (3/77) و تاريخ ابن خلدون ( 2/1034) فهؤلاء هم كبار المؤرخين و هم جميعاً أثبتوا الشخصيتين ؛ شخصية ابن سبأ و شخصية عمار بن ياسر ، فكيف لعاقل بعد ذلك أن يقول إنهما شخص واحد ؟!
و أما قولهم بأن عمار كان يمانياً ، فكل يماني يصح أن يقال له ابن سبأ ، فهذا غير صحيح ، فليست سبأ إلا جزءاً من بلاد اليمن الواسعة كما قال بذلك ياقوت في معجم البلدان (3/181 ) .
وأما قولهم بأن عمار كان يقول بأن عثمان قد أخذ الخلافة بغير حق ، و أن صاحبها الشرعي هو علي ، فإن هذه المقولة زَعْم يحتاج إلى دليل ، بل الثابت أن عثمان رضي الله عنه كان يثق بعمار و هو الذي أرسله إلى مصر لضبط أمورها . راجع الطبري ( 4/341) .
كما وأن التشابه في الكنى لا يجعل من الرجلين شخصية واحدة ، كما وأن الظروف التاريخية وطابع كل من الشخصيتين لا تسمحان لنا بقبول هذا الرأي . وإن نظرة واحدة إلى كتب التراجم والرجال لتعطي القارئ فكرة واسعة في سبب قيام علماء الجرح والتعديل بتأليف الكتب التي تحتوي على المتشابه من الأسماء والكنى .
و شيء مهم آخر و هو أن عمار قتل يوم صفين ، في حين بقي ابن سبأ إلى بعد مقتل علي رضي الله عنه ، فهل بعد هذا يكون عمار بن ياسر هو عبد الله بن سبأ ؟!
رابعاً : قالوا : لم يكن لابن سبأ وجود في الحقيقة ، و إنما هو شخصية وهمية انتحلها أعداء الشيعة بهدف الطعن في مذهبهم و نسبته إلى رجل يهودي .
الرد : إن هذه دعوى لا تقوم عليها حجة ، فكما أنكم ادعيتم هذا ، فلغيركم أيضاً أن يدعي ما شاء ، لكن العبرة بالحجة والدليل ، فزعمكم أن هذه القصة قد اختلقها أهل السنة للتشنيع على الشيعة ، ليس لها دليل ، و قد كان عليكم قبل أن تلقوا بظلال الشك جزافاً – و ذلك دأبكم – أن تتأكدوا على الأقل من أن هذه القصة لم ينفرد بها أهل السنة فقط ، فهذا الزعم باطل لأن مصادر الشيعة هي الأخرى أثبتت – كما سلف – وجود ابن سبأ . و بهذا يسقط اعتراضكم على القصة بزعمكم أنها من مفتريات أهل السنة .
و بعد هذا الذي ذكرت و هذه الشبهات التي أبطلت ، أستطيع أن أقول : إن سبب إنكار الشيعة لوجود ابن سبأ إلى عقيدتهم التي بثها و تسربت إلى فرق الشيعة ، و هي عقيدة تتنافى مع أصول الإسلام ، و تضع القوم موضع الاتهام والشبهة ، هذا من جهة ، و من جهة أخرى لما للعداء التاريخي في نفوس الشيعة نحو الصحابة ، و رغبة لإظهارهم بأنهم هم الذين أثاروا الفتنة بينهم .
و في الختام يتأكد بعد استقراء المصادر سواء القديمة والمتأخرة عند السنة والشيعة أن وجود عبد الله بن سبأ كان وجوداً حقيقياً تؤكده الروايات التاريخية ، و تفيض فيه كتب العقائد ، و ذكرته كتب الحديث والرجال والأنساب والطبقات و الأدب واللغة ، و سار على هذا النهج كثير من المحققين والباحثين المحدثين.





التوقيع

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم في حديث رواه أبو هريرة رضي الله عنه و أرضاه :
{ الإيمان بضع وسبعون شعبة أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان }.
آخر تعديل رضا كريمي يوم 2010-02-03 في 20:21.
    رد مع اقتباس
قديم 2010-02-03, 20:00 رقم المشاركة : 3
رضا كريمي
أستـــــاذ(ة) متميز
إحصائية العضو







رضا كريمي غير متواجد حالياً


وسام المشارك

افتراضي رد: حقيقة الشيعة ح1: حقيقة عبد الله بن سبأ اليهودي


أحداث فتنة ابن سبأ اليهودي و تأسيس الديانة الشيعية


الحمد لله و الصلاة والسلام على رسول الله ، ثم أما بعد :
انتهينا في المقالة السابقة من الرد على حجج منكري وجود ابن سبأ ، و خرجنا بأن هذه الشخصية مهما حاول أعداء الدين من رافضة و مستشرقين و من تشبه بهم من القوم ، أن ينكر وجودها لم يوفق لأن الواقع والتاريخ يكذبه .
و سنبدأ مشوارنا مع دور هذا اليهودي في إشعال نار الفتنة على عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه ، كما وأحب أن أنبه أنه وأثناء الحديث قد لا نتطرق لذكر ابن سبأ في بعض الأحيان ، و هذا لا يعني أنه غير موجود أو أنه ليس له دور ، بل ثبت بالدليل الصحيح الصريح أن اليد الخفية التي كانت تدير المؤامرة و تحرك الفتنة ، هي يد ذلك اليهودي الخبيث عبد الله بن سبأ ، كما وأننا لن نتطرق أيضاً لذكر المآخذ التي أخذت على عثمان بزعم مثيري الفتنة ، و ذلك لأنه ليس هذا مجال ذكرها ، و لعل الله ييسر لنا كتابتها في مقال مستقل مع التعليق عليها إن شاء الله.
نشوء الفتنة :
بذور الفتنة : السبب الرئيسي ، رجل يقال له عبد الله بن سبأ : و شهرته ابن السوداء لأن أمه كانت سوداء من الحبشيات . و هو من صنعاء و كان يهودياً من يهود اليمن . أظهر الإسلام و باطنه الكفر ، ثم انتهج التشيع لعلي رضي الله عنه ، و هو الذي تنسب إليه فرقة السبئية الذين قالوا بألوهية علي و خبر إحراق علي بن أبي طالب رضي الله عنه لطائفة منهم تكشف عنه الروايات الصحيحة في كتب الصحاح و السنن و المساند . انظر: المحبَّر لابن حبيب ( ص308 ) . تاريخ الطبري (4/340) . و تاريخ دمشق لابن عساكر (29/3) و كتاب : ابن سبأ حقيقة لا خيال لسعدي مهدي الهاشمي ، و كتاب عبد الله بن سبأ و أثره في أحداث الفتنة في صدر الإسلام لسلمان العودة ، و مقال حقيقة ابن السوداء في جريدة المسلمون للدكتور سلمان العودة ، العدد (652-653) . و خبر إحراقهم عند : أبو داود في سننه (4/520) و النسائي (7/104) و الحاكم في المستدرك (3/538-539) و صححه الألباني في صحيح أبي داود (3/822) .
فلما رأى هذا الرجل أن أمر الإسلام بدأ ينتشر بهذه الصورة و بدأ يظهر ، رأى أن هذا الأمر ليس له إلا فتنة من داخله ، و كان بمنتهى الخبث ، فأول ما بدأ ، بدأ بالمدينة ، و كانت المدينة يومها ملأى بالعلماء ، فدُحر بالعلم ، كلما رمى شبهة رُد عليها ، فمن شبهه أنه أظهر بعض العقائد اليهودية ، مثل القول بالرجعة ؛ أي رجعة الرسول صلى الله عليه وسلم و استدل بقوله تعالى :{ إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد} (القصص 85) ، و ذكر تعجبه للناس ممن يصدق برجعة عيسى عليه السلام و يكذب برجعة محمد صلى الله عليه وسلم ، و ما كان قوله هذا إلا وسيلة للوصول إلى ما هو أكبر من ذلك ، حيث قال بعد ذلك برجعة علي رضي الله عنه و أنه سيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً ، و هكذا . انظر : عبد الله بن سبأ و دوره في أحداث الفتنة في صدر الإسلام لسليمان العودة (ص208) ، واستشهاد عثمان و وقعة الجمل لخالد الغيث ( ص 70-86 ) .
و للرد عليهم أشير إلى أن الآية التي استدل بها السبئية دليل عليهم ، و قد نقل ابن كثير في تفسيره (3/345) ، أقوال العلماء في ذلك ، فمنهم من يقول : رادك يوم القيامة فيسألك عما استرعاه من أعيان أعباء النبوة . و منهم من يقول : رادك إلى الجنة ، أو إلى الموت ، أو إلى مكة . و قد أورد البخاري عن ابن عباس القول بالرد إلى مكة . البخاري مع الفتح (8/369) و الطبري في التفسير (10/80-81) .
و قد سأل عاصم بن ضمرة (ت74هـ ) الحسن بن علي فيما يزعمه الشيعة بأن علياً رضي الله عنه سيرجع ، فقال : كذب أولئك الكذّابون ، لو علمنا ذلك ما تزوج نساؤه و لا قسمنا ميراثه . المسند (1/148)
و في الطبقات لابن سعد (3/39) . ورد ذكر السبئية و أفكار زعيمها و إن كان لا يشر إلى ابن سبأ بالاسم ، فعن عمرو ابن الأصم قال : ( قيل للحسن بن علي : إن ناساً من شيعة أبي الحسن علي رضي الله عنه يزعمون أنه دابة الأرض و أنه سيبعث قبل يوم القيامة ، فقال : كذبوا ليس أولئك شيعته ، أولئك أعداؤه لو علمنا ذلك ما قسمنا ميراثه و لا أنكحنا نساءه .
ومن أقوال ابن سبأ أيضاً القول بالوصية و الإمامة . يقول الشهرستاني في الملل و النحل (1/174) : إن ابن سبأ هو أول من أظهر القول بالنص بإمامة علي .
ويذكر شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (4/435) : أن أصل الرفض من المنافقين الزنادقة ، فإنه ابتدعه ابن سبأ الزنديق و أظهر الغلو في علي بدعوى الإمامة و النص عليه ، و ادّعى العصمة له .
و في خطط المقريزي (2/356-357) : أن عبد الله بن سبأ قام في زمن علي رضي الله عنه مُحدِثاً القول بالوصية و الرجعة و التناسخ .
و من المحدثين الشيعة الذين ذكروا فكرة الوصي ، محمد بن يعقوب الكليني (ت329هـ) في كتابه الكافي في الأصول ، حيث أورد النص التالي : ولاية علي مكتوبة في جميع صحف الأنبياء ، و لن يبعث الله رسولاً إلا بنبوة محمد صلى الله عليه و آله ، و وصية علي عليه السلام . أنظر : السنة و الشيعة لإحسان إلهي ظهير (ص54 ) .
و هذا الغلو في علي بن أبي طالب رضي الله عنه يعد مصداقاً لما جاء في كتاب السنة لابن أبي عاصم بسند صحيح على شرط الشيخين (2/476-477) ، حيث أخرج من طريق علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال :" ليحبني قوم حتى يدخلوا النار فيِّ ، و ليبغضني قوم حتى يدخلوا النار في بغضي ". وقد علق الشيخ الألباني على هذا الحديث قائلاً : و اعلم أن هذا الحديث موقوف على علي بن أبي طالب ، و لكنه في حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأنه من الغيب الذي لا يعرف بالرأي .
و خلاصة ما جاء به ابن سبأ ، أنه أتى بمقدمات صادقة و بنى عليها مبادئ فاسدة راجت لدى السذّج و الغلاة و أصحاب الأهواء من الناس ، و قد طرق باب القرآن يتأوّله على زعمه الفاسد ، كما سلك طريق القياس الفاسد في ادعاء إثبات الوصية لعلي رضي الله عنه بقوله : إنه كان ألف نبي ، و لكل نبي وصي ، و كان علي وصي محمد ثم قال : محمد خاتم الأنبياء و علي خاتم الأوصياء . تاريخ الطبري ( 4/340) من طريق سيف بن عمر .
هنا ابن سبأ لما لم يستطع أن يكسب شخصاً واحداً توجه نحو الشام ، و كانت الشام وقتها يحكمها معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ، فلما توجه إليها لم يستطع أن يكسب و لو رجلاً واحداً إلى صفه ، فترك الشام و توجه نحو الكوفة و إذ هي تموج بالفتن ، و مكاناً خصباً لبث شبهاته . لذلك كان عمر رضي الله عنه ولى عليها المغيرة بن شعبة رضي الله عنه ، حيث كان من أشد الناس ففي أيام عمر ما استطاعت أن تبرز في الكوفة فتنة ، و لما تولى عثمان الخلافة عزل المغيرة و عين بدلاً عنه سعيد بن العاص رضي الله عنه وكان من بني أمية ، فأهل الكوفة اعتبروا ذلك استغلالاً للمنصب ؛ فكثرت الفتن فيها ، فعبد الله بن سبأ وجد أرضاً خصبة للفتن، فاستطاع أن يجمع حوله جماعة ، ثم انتقل إلى البصرة فجمع فيها جماعة أخرى ، و كان عددهم على أقل تقدير عند المؤرخين ستمائة رجل ، و أقصاها ألف رجل ، ثم انتقل إلى مصر و استطاع أن يجمع ما بين ستمائة إلى الألف من الرجال . انظر : استشهاد عثمان و وقعة الجمل من مرويات سيف بن عمر لخالد الغيث (ص72-86) ، حيث أجاد الباحث في تحليل الموقف .
و استخدم ابن سبأ كذلك الأعراب ، فذهب إليهم و بدأ يثير عندهم الأكاذيب حول عثمان و يستدل على قوله بكتب مزيفة كتبها هو و أعوانه على ألسنة طلحة و الزبير و عائشة ، فيها التذمر على سياسة عثمان في الحكم ، فصار الأعراب و هم الذين لا يفقهون من دين الله الشيء الكثير ، يتأثرون بهذه الأكاذيب و يصدقونها فملئت قلوبهم على عثمان رضي الله عنه . استشهاد عثمان ( ص 87-99 ) .
بعد ذلك اتجه ابن سبأ إلى هدفه المرسوم ، و هو خروج الناس على الخليفة عثمان رضي الله عنه ، فصادف ذلك هوى في نفوس بعض القوم فقال لهم : إن عثمان أخذ الأمر بغير حق و هذا وصي الرسول صلى الله عليه وسلم ، فانهضوا في هذا الأمر فحركوه ، و ابدؤوا بالطعن في أمرائكم و أظهروا الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر تستميلوا الناس ، و ادعوهم إلى هذا الأمر . تاريخ الطبري (4/341) ، من طريق سيف بن عمر .
و يظهر من هذا النص الأسلوب الذي اتبعه ابن سبأ ، فهو أراد أن يوقع في أعين الناس بين اثنين من الصحابة حيث جعل أحدهما مهضوم الحق و هو علي ، و جعل الثاني مغتصباً و هو عثمان .
ثم إنه أخذ يحضّ أتباعه على إرسال الكتب بأخبار سيئة مفجعة عن مِصرهم إلى بقية الأمصار ، فيتخيل أهل البصرة مثلاً أن حال أهل مصر أسوأ ما يكون من قبل واليهم ، و يتخيل أهل مصر أن حال أهل الكوفة أسوأ ما يكون من قبل واليهم ، و كان أهل المدينة يتلقّون الكتب من الأمصار بحالها و سوئها من أتباع ابن سبأ ، وهكذا يتخيل الناس في جميع الأمصار أن الحال من السوء مالا مزيد عليه ، و المستفيد من هذه الحال هم السبئية ، لأن تصديق ذلك من الناس يفيدهم في إشعال شرارة الفتنة داخل المجتمع الإسلامي . هذا و قد شعر عثمان رضي الله عنه بأن شيئاً ما يحاك في الأمصار و أن الأمة تمخض بشرّ فقال : والله إن رحى الفتنة لدائرة ، فطوبى لعثمان إن مات و لم يحركها . تاريخ الطبري (4/343) ، من طريق سيف بن عمر .
روى الترمذي عن ابن عمر قال : ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنة فقال : يقتل هذا فيها مظلوماً - لعثمان بن عفان - صحيح سنن الترمذي (3/210) و أنظر: فضائل الصحابة للإمام أحمد (1/451) .
و روى الترمذي في سننه (5/628) و ابن ماجة عن كعب بن عجرة قال : ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنة فقربها ، فمر رجل مقنع رأسه فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا يومئذ على الحق ، فوثبت فأخذت بضبعي عثمان ثم استقبلت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : هذا ؟ قال : هذا . المسند (4/242) و صحيح ابن ماجة (1/24-25) و صحيح سنن الترمذي (3/210) و فضائل الصحابة للإمام أحمد (1/450) .
و الذي حصل أن أهل الفتنة أخذوا يتراسلون فيما بينهم ، فلما رأوا أن عددهم قد كثر تواعدوا على أن يلتقوا عند المدينة في شوال من سنة (35هـ) في صفة الحجاج ، فخرج أهل مصر في أربع رفاق على أربعة أمراء المقلّل يقول ستمائة و المكثر يقول ألف .. و لم يجترئوا أن يعلموا الناس بخروجهم إلى الحرب ، و إنما خرجوا كالحجاج و معهم ابن السوداء ..و خرج أهل الكوفة في عدد كعدد أهل مصر ، و كذا أهل البصرة ، و لما اقتربوا من المدينة شرعوا في تنفيذ مرحلة أخرى من خطتهم ، فقد اتفق أمرهم أن يبعثوا اثنين منهم ليطلعا على أخبار المدينة و يعرفا أحوال أهلها ، ذهب الرجلان فلقيا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم و علياً و طلحة و الزبير ، و قالا : إنما جئنا نستعفي عثمان من بعض عمالنا ، و استأذنا لرفاقهم بالدخول ، فأبى الصحابة ، و قال علي رضي الله عنه : لا آمركم بالإقدام على عثمان فإن أبيتم فبيض سيفرخ . الطبري (4/349-350) ، من طريق سيف بن عمر .
تظاهر القوم بالرجوع و هم يبطنون أمراً لا يعلمه الناس ، فوصلت الأنباء إلى أهل المدينة بانصراف أهل الفتنة فهدأ الناس ، و في الليل فوجئ أهل المدينة بأهل الفتنة يدخلون المدينة من كل مكان فتجمعوا في الشوارع و هم يكبرون ، فجاء علي بن أبي طالب و قال : ما شأنكم ؟ لماذا عدتم ؟ فرد عليه الغافقي بأن عثمان غدر بهم ، قال كيف ؟ قال : قبضنا على رسول و معه كتاب من عثمان يأمر فيه الأمراء بقتلنا ، فقال علي لأهل الكوفة و البصرة : و كيف علمتم بما لقي أهل مصر و قد سرتم مراحل ثم طويتم نحونا ، هذا والله أمر أبرم بالمدينة ، و كان أمر الكتاب الذي زوّر على لسان عثمان رضي الله عنه اتخذوه ذريعة ليستحلوا دمه و يحاصروه في داره إلى أن قتلوه رضي الله عنه . و فوق هذا كله فالثائرون يفصحون عن هدفهم ويقولون : ضعوه على ما شئتم ، لا حاجة لنا في هذا الرجل ليعتزلنا و نحن نعتزله . الطبري (4/351) ، من طريق سيف بن عمر .
و علاوة على ذلك هناك ما يؤكد تزوير هذا الكتاب ، إذ ليس هو الكتاب الوحيد الذي يزوّر على لسان الصحابة ، فهذه عائشة رضي الله عنها ، تُتهم بأنها كتبت إلى الناس تأمرهم بالخروج على عثمان فتنفي و تقول : لا والذي آمن به المؤمنون و كفر به الكافرون ما كتبت لهم سواداً في بياض حتى جلست مجلسي هذا . البداية والنهاية (7/195) و انظر ما رواه الطبري من استنكار كبار الصحابة أنفسهم لهذه الكتب في أصح الروايات (4/355) .
و ما تلك اليد الخفية التي كانت تخط وراء الستار لتوقع الفرقة بين المسلمين ، و تضع في سبيل ذلك الكتب على لسان الصحابة و تدبر مكيدة الكتاب المرسل إلى عامل عثمان على مصر ، و تستغل الأمور لتقع الفتنة بالفعل إلا يد ذلك اليهودي الخبيث و أتباعه ، فهم المحركون للفتنة .
حصار عثمان رضي الله عنه :
هنا استشار عثمان كبار الصحابة في أمر التخلي عن الخلافة لتهدأ الفتنة ، و كان المغيرة بن الأخنس قد أشار عليه بالخلع لئلا يقتله الخارجون عليه ، و قد سأل عثمان ابن عمر عن رأي المغيرة فنصحه بأن لا يخلع نفسه و قال له : فلا أرى لك أن تخلع قميصاً قمصكه الله فتكون سنة كلما كره قوم خليفتهم أو أميرهم قتلوه . طبقات ابن سعد (3/66) بإسناد صحيح و رجاله رجال الشيخين ، و تاريخ خليفة (ص170) بإسناد حسن .
و هناك بعض الروايات تفيد أن عثمان رضي الله عنه أرسل إلى الأمصار يطلب منهم العون بعد أن اشتد عليه التضييق و الحصار ، و هذا الخبر لا يصح منه شيء ، لأن منهج عثمان رضي الله عنه كان الصبر و الكف عن القتال امتثالاً لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم له ، و ذلك لحديث عائشة رضي الله عنها كما عند ابن أبي عاصم في السنة (2/561) قالت : لما كان يوم الدار قيل لعثمان : ألا تقاتل ؟ قال : قد عاهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم على عهد سأصبر عليه ، قالت عائشة : فكنا نرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إليه فيما يكون من أمره .
لهذا وضع مصلحة الرعية في المقام الأول ، فعندما عرض عليه معاوية أن يبعث إليه بجيش يقيم بين ظهراني أهل المدينة لنائبة إن نابت المدينة أو إياه قال رضي الله عنه : أنا لا أقتر على جيران رسول الله صلى الله عليه وسلم الأرزاق بجند يساكنهم ، و أضيّق على أهل الهجرة و النصرة ، فقال له معاوية : والله يا أمير المؤمنين لتغتالنّ أو لتغزينّ ، فقال عثمان : حسبي الله ونعم الوكيل . الطبري (4/345) . و حوصر عثمان بعدها في داره .
يقول ابن خلدون : إن الأمر في أوله خلافة ، و وازع كل أحد فيها من نفسه هو الدين و كانوا يؤثرونه على أمور دنياهم وإن أفضت إلى هلاكهم وحدهم دون الكافة ، فهذا عثمان لما حصر في داره جاءه الحسن و الحسين و عبد الله بن عمر و ابن جعفر و أمثالهم يريدون المدافعة عنه ، فأبى و منع سلّ السيوف بين المسلمين مخافة الفرقة ، و حفظاً للألفة التي بها حفظ الكلمة و لو أدّى إلى هلاكه . مقدمة ابن خلدون (ص207-208) .
و إلى جانب صبره و احتسابه و حفظاً لكيان الأمة من التمزق و الضياع وقف عثمان رضي الله عنه موقفاً آخر أشد صلابة ، و هو عدم إجابته الخارجين إلى خلع نفسه من الخلافة ؛ فلو أجابهم إلى ما يريدون لسنّ بذلك سنّة ، و هي كلما كره قوم أميرهم خلعوه ، و مما لاشك فيه أن هذا الصنيع من عثمان كان أعظم و أقوى ما يستطيع أن يفعله ، إذ لجأ إلى أهون الشرين و أخف الضررين ليدعم بهذا الفداء نظام الخلافة .
كان الخارجون عليه يطلبون منه ثلاثة أمور كما جاء ذلك عند ابن سعد في الطبقات (3/72-73) ، قال عثمان للأشتر : يا أشتر ما يريد الناس مني ؟ قال : ثلاث ليس لك من إحداهن بدّ ، قال : ما هن ؟ قال : يخيرونك بين أن تخلع لهم أمرهم ، فتقول هذا أمركم فاختاروا من شئتم ، و بين أن تقصّ من نفسك ، فإن أبيت هاتين فإن القوم قاتلوك . قال : أما ما من إحداهن بدّ ؟ قال : لا ، ما من إحداهن بدّ . قال : أما أن أخلع لهم أمرهم ، والله لأن أقدم فتضرب عنقي أحب إليّ من أن أخلع أمة محمد بعضها على بعض ، و أما أن أقص من نفسي فو الله لقد علمت أن صاحبي بين يديّ قد كان يعاقبان و ما يقوم بدّ من القصاص ، و أما أن تقتلوني فو الله لئن قتلتموني لا تحابّون بعدي أبداً و لا تصلون بعدي جميعاً أبداً و لا تقاتلون بعدي عدواً جميعاً أبداً .
و لهذا احتج عثمان رضي الله عنه على المحاصرين بقوله : إن وجدتم في كتاب الله - و في رواية - في الحق أن تضعوا رجليَّ في قيد فضعوها . تاريخ خليفة (ص171) و أحمد في فضائل الصحابة (1/492) قال المحقق : إسناده صحيح ، و انظر : الطبقات (3/69-70 ) بلفظ قريب .
و أخرج أحمد في فضائل الصحابة (1/464) و في المسند (1/63) و الترمذي في السنن (4/460-461) و ابن ماجة في السنن (2/847) و أبو داود في سننه (4/640-641) بإسناد حسن أن عثمان رضي الله عنه أشرف على الذين حصروه فقال : علام تقتلوني ! فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث ، رجل زنى بعد إحصانه فعليه الرجم ، أو قتل عمداً فعليه القود ، أو ارتد بعد إسلامه فعليه القتل . فوالله ما زنيت في جاهلية و لا إسلام ، ولا قتلت أحداً فأقيد نفسي منه ، ولا ارتدت منذ أسلمت و إني اشهد ألا إله إلا الله و أن محمداً عبده و رسوله ففيما تقتلوني ؟! .
و ثبت أن عثمان اتخذ موقفاً واضحاً حاسماً يتمثل في عدم المقاومة ، وأنه ألزم به الصحابة فقال : أعزم على كل من رأى عليه سمعاً و طاعة إلا كفّ يده و سلاحه ، فخرج كل من الحسن و الحسين و عبد الله بن عمر و أصر عبد الله بن الزبير على البقاء و معه مروان بن الحكم ، فلما طلب منه ابن الزبير أن يقاتل الخارجين ، قال عثمان : لا والله لا أقاتلهم أبداً . تاريخ خليفة (ص173-174) و مصنف ابن أبي شيبة (15/204) و طبقات ابن سعد (3/70) و كلهم بأسانيد صحيحة .
و ممن أراد القتال دفاعاً عن عثمان الصحابي أبو هريرة و كان متقلداً سيفه ، لكن عثمان لم يأذن له قائلاً : يا أبا هريرة أيسرك أن تقتل الناس جميعاً و إياي ؟ قال : لا ، قال : فإنك والله إن قاتلت رجلاً واحداً فكأنما قُتل الناس جميعاً . قال أبو هريرة : فرجعت و لم أقاتل . الطبقات لابن سعد (3/70) و تاريخ خليفة (ص173) و إسنادهما صحيح .
و استمر الحصار عليه رضي الله عنه حتى أنهم منعوا عنه الماء ، فوصل الخبر إلى أمهات المؤمنين فتحركت أم حبيبة رضي الله عنها و كانت من أقارب عثمان ، فأخذت الماء و جعلته تحت ثوبها ، و ركبت البغل و اتجهت نحو دار عثمان ، فدار بينها وبين أهل الفتنة كلام فقال الأشتر كذبت بل معك الماء و رفع الثوب فرأى الماء فغضب و شق الماء ، قال كنانة مولى صفية : كنت أقود بصفية لتردَّ عن عثمان فلقيها الأشتر فضرب وجه بغلتها حتى مالت فقالت : ردوني و لا يفضحني هذا الكلب . التاريخ الكبير للبخاري (7/237) و ابن سعد في الطبقات (8/128) بإسناد صحيح . و كذلك الطبري (4/385-386) .
و في رواية عند الإمام أحمد في فضائل الصحابة من طريق الحسن البصري قال : لما اشتد أمرهم يوم الدار ، قال : قالوا فمن ، فمن ؟ قال : فبعثوا إلى أم حبيبة فجاؤوا بها على بغلة بيضاء و ملحفة قد سترت ، فلما دنت من الباب قالوا : ما هذا ؟ قالوا : أم حبيبة ، قالوا : والله لا تدخل ، فردوها . فضائل الصحابة (1/492) .و قال المحقق إسناده صحيح .
و بعدها خرجت عائشة رضي الله عنه إلى مكة تريد الحج ، و هذا ما يؤيده ابن حجر من أن عائشة كانت بمكة عندما قتل عثمان رضي الله عنه . فتح الباري (13/38) .
و حدثت بعض المناوشات بين شباب الصحابة و الثوار فجرح خلالها بعض الصحابة أمثال الحسن بن علي و غيره ، و هذا الخبر يؤيده ما ذكره ابن عبد البر في الاستيعاب (3/1387) ، و البخاري في التاريخ الكبير (7/237) ، عن كنانة مولى صفية بنت حيي بن أخطب قال : شهدت مقتل عثمان ، فأخرج من الدار أمامي أربعة من شبان قريش ملطخين بالدم محمولين ، كانوا يدرؤون عن عثمان رضي الله عنه : الحسن بن علي ، و عبد الله بن الزبير ، و محمد بن حاطب ، و مروان بن الحكم .
و تتضافر روايات ضعيفة للدلالة على أن عثمان و هو محصور في الدار بعث إلى علي يطلبه ، و أن علياً استجاب لأمره لكنه لم يتمكن من الوصول إلى الدار التي كان العارضون يطوقونها ، فقال علي للثّوار : يا أيها الناس إن الذي تفعلون لا يشبه أمر المؤمنين و لا أمر الكافرين فلا تمنعوا عن هذا الرجل الماء و لا الطعام فإن الروم و فارس لتأسر و تطعم و تسقي ، و لكن لم يستطع أن يفعل شيئاً ، فحل عمامته السوداء التي كان يرتديها و رمى بها إلى رسول عثمان ، فحملها الرسول إلى عثمان فعلم عثمان أن علي حاول المساعدة لكنه لم يستطع . مصنف ابن أبي شيبة (15/209) بسند منقطع ، و طبقات ابن سعد (3/68-69) بسند منقطع ، و سند آخر منقطع مع تدليس حبيب بن أبي ثابت ، و الطبري (4/386) ، انظر : عصر الخلافة الراشدة لأكرم العمري ( ص427) .
يوم الدار .. و استمر الحصار على عثمان رضي الله عنه أياماً عديدة قدرها بعض المؤرخين بأنه من أواخر ذي القعدة إلى الثامن عشر من ذي الحجة سنة خمس و ثلاثين ، و كان خلالها في غاية الشجاعة و ضبط النفس رغم قسوة الظروف و رغم الحصار ، و لطالما كان يطل على المحاصرين و يخطب فيهم و يذكرهم بمواقفه لعلهم يلينون ، لكنهم لم يفعلوا .
و في يومٍ أشرف عثمان على القوم بعد أن طلبهم للاجتماع حول داره للحديث معهم ، روى الترمذي ، و النسائي من طريق ثمامة بن حَزْن القشيري قال : شهدت الدار حيث أشرف عليهم عثمان فقال : أنشدكم بالله و الإسلام هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَدِمَ المدينة و ليس بها ماء يستعذب غير بئر رومة فقال من يشتري بئر رومة يجعل دلوه فيها كدلاء المسلمين بخير له في الجنة ؟ فاشتريتها من صلب مالي ؟ قالوا : اللهم نعم . و زاد البخاري ، ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من جهز جيش العسرة فله الجنة ، فجهزته قالوا : اللهم نعم . و زاد الترمذي عن أبي إسحاق ، هل تعلمون أن حراء حين انتفض قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أثبت حراء فليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد ؟ قالوا : نعم ، و هل تعلمون أن المسجد ضاق بأهله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يشتري بقعة آل فلان فيزيدها في المسجد بخير منها في الجنة ؟ فاشتريتها من صلب مالي ، فأنتم اليوم تمنعوني أن أصلي فيها ؟ قالوا : نعم . و عند الدارقطني ، و هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجني ابنتيه واحدة بعد أخرى رضي بي و رضي عني ؟ قالوا : نعم . و عند الحاكم ، قال لطلحة : أتذكر إذ قال النبي صلى الله عليه وسلم : أن عثمان رفيقي في الجنة ؟ قال : نعم . سنن الترمذي (5/627) و النسائي (6/233-236) و الدارقطني (4/197) و المستدرك (3/97) و الفتح (5/477-479) .
و قال أبو هريرة رضي الله عنه للذين حاصروا عثمان رضي الله عنه يوم الدار : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إنكم تلقون بعدي فتنة و اختلافاً ، أو قال : اختلافاً و فتنة ، فقال له قائل من الناس : فمن لنا يا رسول الله ؟ فقال : عليكم بالأمين و أصحابه ، و هو يشير إلى عثمان بذلك . أنظر : فضائل الصحابة للإمام أحمد (450-451) و قال المحقق إسناده صحيح .
عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه : وددت أن عندي بعض أصحابي ، قلنا : يا رسول الله ألا ندعو لك أبا بكر ؟ فسكت . قلنا : ألا ندعو لك عمر ؟ فسكت . قلنا : ألا ندعو لك عثمان ؟ قال نعم . فجاء فخلا به ، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يكلمه ، و وجه عثمان يتغير . أنظر : صحيح سنن ابن ماجة (1/25) و قال الألباني إسناده صحيح .
و عن عائشة رضي الله عنها قالت : لما كان يوم الدار قيل لعثمان : ألا تقاتل ؟ قال : قد عاهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم على عهد سأصبر عليه . قالت عائشة : فكنا نرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إليه فيما يكون من أمره . أنظر : كتاب السنة لابن أبي عاصم (2/561) و قال الألباني إسناده صحيح .
و كان أهل الفتنة أثناء حصارهم لعثمان في داره و منعه من الصلاة بالناس ، هم الذين يصلون بهم ، و كان الذي يصلي بالناس الغافقي بن حرب .
أخرج البخاري في صحيحه عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن ، عن عبد الله بن خيار : أنه دخل على عثمان و هو محصور فقال : إنك إمام عامة ، و نزل بك ما نرى و يصلي لنا إمام فتنة و نتحرج ، فقال : الصلاة أحسن ما يعمل الناس ، فإذا أحسن الناس فأحسن معهم ، و إذا أساؤوا فاجتنب إساءتهم . البخاري مع الفتح (2/221) .
مقتل عثمان رضي الله عنه:
و قبيل مقتله يرى عثمان رضي الله عنه في المنام اقتراب أجله فيستسلم لأمر الله ؛ روى الحاكم بإسناد صحيح إلى ابن عمر رضي الله عنهما أن عثمان أصبح يحدث الناس قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال : يا عثمان ! أفطر عندنا ، فأصبح صائماً و قتل من يومه . المستدرك (3/ 99) و قال هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه ، و وافقه الذهبي و رواه أحمد في فضائل الصحابة من طريق آخر (1/497) قال المحقق : إسناده حسن ، و ورد بلفظ آخر عند ابن حجر في المطالب العالية (4/291) قال المحقق : قال البوصيري رواه البزار و أبو يعلى و الحاكم و قال : صحيح الإسناد ، و ذكره الهيثمي في المجمع (7/232) و صححه الحاكم في المستدرك (3/103) و ذكره ابن سعد في الطبقات(3/75) .
أخرج خليفة بن خياط في تاريخه ( ص 174) بسند رجاله ثقات إلى أبي سعيد مولى أبي أسيد قال : فتح عثمان الباب و وضع المصحف بين يديه ، فدخل عليه رجل فقال : بيني و بينك كتاب الله ، فخرج وتركه ، ثم دخل عليه آخر فقال : بيني و بينك كتاب الله ، فأهوى إليه بالسيف ، فاتقاه بيده فقطعها ، فلا أدري أبانها أم قطعها و لم يبنها ، فقال والله إنها لأول كف خطت المفصّل .
هذا ما ورد عن كيفية دخول الثوار على عثمان رضي الله عنه . و يتسور الخوارج عليه داره و تتوزع سيوفهم دماءه الطاهرة ، فأخذ الغافقي حديدة و نزل بها على عثمان رضي الله عنه فضربه بها و رَكَسَ المصحف برجله فطار المصحف و استدار و رجع في حضن عثمان و سال الدم فنزل عند قوله تعالى :{ فسيكفيكهم الله } ( البقرة 138) ، هنا أرادت نائلة زوجة عثمان أن تحميه فرفع سودان السيف يريد أن يضرب عثمان فوضعت يدها لتحميه فقطع أصابعها فولت صارخة تطلب النجدة فضربها في مؤخرتها ، و ضرب عثمان على كتفه فشقه ثم نزل عليه بخنجر فضربه تسع ضربات و هو يقول : ثلاث لله و ست لما في الصدور ، ثم قام قتيرة فوقف عليه بالسيف ثم اتكأ على السيف فأدخله في صدره ثم قام أشقاهم و أخذ يقفز على صدره حتى كسّر أضلاعه ، هنا قام غلمان عثمان بالدفاع عنه و استطاعوا أن يقتلوا كل من سودان و قتيرة ، لكن أهل الفتنة قتلوا الغلمان جميعاً و تركوا جثثهم داخل الدار ، ثم قام جماعة من الصحابة و ذهبوا إلى داره و خرجوا به و دفنوه رضي الله عنه بليل في حش كوكب ، وكانت مقبرة لليهود فاشتراها عثمان ، و هي في ظهر البقيع فدفن فيها و لم يدفن في البقيع لعدم إذن أهل الفتنة ، ثم إنه في عهد معاوية وسع البقيع و أدخل فيه المكان فصار قبر عثمان داخل البقيع . معجم البلدان (2/262) ، انظر هذا الخبر في الطبري (4/412) . و انظر خبر دمه على المصحف في فضائل الصحابة عند أحمد (1/470-473) بإسناد صحيح و تاريخ خليفة (ص188-190) و المطالب العالية (4/286) و موارد الظمآن (7/128) .
و يكشف أيضاً عن مقاصد القوم ما ذكره ابن كثير في البداية (7/189) : من أن الخوارج نادى بعضهم بعضاً بعد مقتل عثمان بالسطو على بيت المال ، فسمعهم خزنة بيت المال فقالوا يا قوم النجا ! النجا فإن هؤلاء القوم لم يصدقوا فيما قالوا من أن قصدهم قيام الحق و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و غير ذلك مما ادّعوا أنهم قاموا لأجله ، و كذبوا إنما قصدهم الدنيا . فأخذوا ما به من أموال ثم سطوا على دار عثمان و أخذوا ما به حتى إن أحدهم أخذ العباءة التي كانت على نائلة . تاريخ الطبري (4/391) .
فكانت هذه هي البلوى التي بشره النبي صلى الله عليه وسلم و التي يقتل فيها مظلوماً ، فقد روى البخاري في صحيحه عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل حائطاً ، فجاء رجل يستأذن فقال : ائذن له و بشره بالجنة ، فإذا هو أبو بكر ، ثم جاء آخر يستأذن فقال : ائذن له و بشره بالجنة فإذا هو عمر ، ثم جاء آخر يستأذن ، فسكت هنيهة ثم قال : ائذن له و بشره بالجنة على بلوى تصيبه ، فإذا هو عثمان . و يعقب ابن حجر على ذلك بقوله : إن النبي صلى الله عليه وسلم أشار بالبلوى المذكورة إلى ما أصاب عثمان في آخر خلافته من الشهادة يوم الدار . الفتح (7/38) و (13/55) . و الحديث موجود في البخاري (7/65) و رواه الإمام مسلم في صحيحه برقم ( 6162) و ( 6164) .
فائدة.. قال ابن بطال : إنما خص عثمان بذكر البلاء مع أن عمر قتل أيضاً لكون عمر لم يمتحن بمثل ما امتحن عثمان من تسلط القوم الذين أرادوا منه أن ينخلع من الإمامة بسبب ما نسبوه إليه من الجور و الظلم مع تنصله من ذلك ، و اعتذاره عن كل ما أوردوه عليه ، ثم هجومهم عليه في داره و هتكهم ستر أهله ، و كل ذلك زيادة على قتله . فتح الباري : (13/55) .
و قد اختلفت الروايات في تعيين قاتله على الصحيح ، لكن هذا ليس مهماً لأن المشارك كالقاتل و المتسبب كالمباشر ، و إنما المهم هو التعرّف على هوية قاتليه ، فهم غوغاء من الأمصار كما وصفهم الزبير رضي الله عنه ، و هم نزّاع القبائل كما تقول عائشة ، انظر : الطبري (4/461-462) . و هم حثالة الناس متفقون على الشر كما يصفهم ابن سعد في طبقاته (3/71) . و هم خوارج مفسدون و ضالون باغون كما ينعتهم ابن تيمية في منهاج السنة (6/297) .
هذا بالنسبة لمن شارك في الفتنة ، أما بالنسبة لمن تولى قتل عثمان بنفسه فإني أشارك أخي الدكتور خالد الغيث فيما ذهب إليه من كون ابن سبأ هو الذي تولى قتل عثمان رضي الله عنه ، و إليكم تفصيل ذلك : فحسب ما توفرت لدي من روايات ، جاء نعت قاتله بالموت الأسود و حمار، كما عند خليفة بن خياط (ص174-175) ، أو جبلة - الغليظ - كما عند ابن سعد (3/83-84) ، أو جبلة بن الأيهم كما عند ابن عبد البر . الاستيعاب (3/1046) ضمن ترجمة عثمان بن عفان ، و أورده كذلك بنفس اللفظ ضمن ترجمة محمد بن أبي بكر (3/1367) . و كلمة الأيهم ما هي إلا زيادة غير مقصودة من ناسخ المخطوطة . و سببها هو اشتهار اسم جبلة بن الأيهم ذلك الأمير الغساني الذي ارتد زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه . و يؤيد ذلك أن راوي الخبر و هو كنانة مولى صفية هو نفسه راوي الروايتين ، أنظر : جمهرة أنساب العرب لابن حزم (372) .
و بدراسة الروايات السابقة اتضح ما يلي :-
أ- أن تلك الروايات لم تسم قاتل عثمان ، بل تذكر اللقب الذي أطلق عليه .
ب- ذكرت إحدى الروايات أن قاتل عثمان يقال له : حمار . و كلمة حمار لعلها تحريف لكلمة جبلة .
و يؤيد ذلك ما قيل بخصوص زيادة كلمة - الأيهم - على اسم جبلة عند راوي الخبر ، و هو كنانة مولى صفية ، لأن راوي خبر لفظة حمار هو كنانة أيضاً . هذا بالإضافة إلى التشابه الموجود في متون تلك الروايات .
و مما سبق يلاحظ أن الذي قتل عثمان رضي الله عنه يعد شخصاً واحداً ذا ألقاب عدة ، فهو الموت الأسود ، و هو رجل أسود من أهل مصر يقال له جبلة ، و هو عبد الله بن سبأ - ابن السوداء - الذي جاء إلى المدينة مع وفد مصر . لمزيد من التفصيل في ذلك راجع : استشهاد عثمان و وقعة الجمل في مرويات سيف بن عمر في تاريخ الطبري ، للدكتور : خالد بن محمد الغيث (ص128-130) .
قال محب الدين الخطيب في حاشيته على العواصم (ص73) : الذين شاركوا في الجناية على الإسلام يوم الدار طوائف على مراتب ، فيهم الذين غلب عليهم الغلو في الدين فأكبروا الهنات و ارتكبوا في إنكارها الموبقات ، و فيهم الذين ينزعون إلى عصبية يمنية على شيوخ الصحابة من قريش ، و لم تكن لهم في الإسلام سابقة ، فحسدوا أهل السابقة من قريش على ما أصابوا من مغانم شرعية جزاء جهادهم و فتوحهم ، فأرادوا أن يكون لهم مثلها بلا سابقة ولا جهاد . و فيهم الموتورون من حدود شرعية أقيمت على بعض ذويهم فاضطغنوا في قلوبهم الإحنة و الغل لأجلها ، و فيهم الحمقى الذين استغل السبئيون ضعف قلوبهم فدفعوهم إلى الفتنة و الفساد و العقائد الضالة ، و فيهم من أثقل كاهله خير عثمان و معروفه نحوه ، فكفر معروف عثمان عندما طمع منه بما لا يستحقه من الرئاسة و التقدم بسبب نشأته في أحضانه ، و فيهم من أصابهم من عثمان شيء من التعزير لبوادر بدرت منهم تخالف أدب الإسلام ، فأغضبهم التعزير الشرعي من عثمان ، و لو أنهم قد نالهم من عمر أشد منه لرضوا به طائعين ، و فيهم المتعجلون بالرياسة قبل أن يتأهلوا لها اغتراراً بما لهم من ذكاء خلاب أو فصاحة لا تغذيها الحكمة ، فثاروا متعجلين بالأمر قبل إبانه ، و بالإجمال فإن الرحمة التي جبل عليها عثمان رضي الله عنه وامتلأ بها قلبه أطمعت الكثيرين فيه ، و أرادوا أن يتخذوا من رحمته مطية لأهوائهم .
و لعله بعد هذا لا يبقى مكان و لا مصداقية للروايات التي تشرك الصحابة رضوان الله عليهم في قتل عثمان و التآمر عليه ، فقد اجتهدوا في نصرته و الذبّ عنه ، و بذلوا أنفسهم دونه ، فأمرهم بالكف عن القتال و قال إنه يحب أن يلقى الله سالماً ولوا أذن لهم لقاتلوا عنه ، فثبتت براءتهم من دمه رضوان الله عليهم كبراءة الذئب من دم يوسف .
و ظهرت حقيقة الأيدي التي كانت تحرك الفتنة ، و التي لطالما دندن الإخباريون الشيعة حولها بأنها أيدي الصحابة ، و لله الحمد فقد حفظت لنا كتب المحِّدثين الروايات الصحيحة و التي يظهر فيها الصحابة من المؤازرين لعثمان و المنافحين عنه المتبرئين من قتله ، و المطالبين بدمه بعد قتله ، و بذلك يستبعد أي اشتراك لهم في تحريك الفتنة أو إثارتها .
و قد يتساءل قارئ أو يقول قائل : كيف قتل عثمان رضي الله عنه و بالمدينة جماعة من كبار الصحابة رضوان الله عليهم ؟ و هو سؤال وضعه ابن كثير في البداية والنهاية (7/197-198) ثم أجاب عنه و قد شاركه المالقي في التمهيد والبيان ( ص 131-132) في الإجابة ، موضحين ما يلي :-
أولاً : إن كثيراً من الصحابة أو كلهم لم يكونوا يظنون أن يبلغ الأمر إلى قتله ، فإن أولئك الخوارج لم يكونوا يحاولون قتله عيناً بل طلبوا من أحد أمور ثلاثة : إما أن يعزل نفسه أو يسلم إليهم مروان بن الحكم أو يقتلوه . و كانوا يرجون أن يسلم إليهم مروان – لأتهم يتهمونه بأنه هو الذي كتب الكتاب على لسان عثمان يأمر فيه والي مصر بقتلهم ، و هذا لم يثبت و ليس هناك دليل صحيح - أو أن يعزل نفسه و يستريح من هذه الضائقة الشديدة . و أما القتل فما كان يظن أحد أنه يقع ، و لا أن هؤلاء يجرؤون عليه إلى هذا الحدّ .
ثانياً : إن الصحابة دافعوا عنه ، لكن لما وقع التضييق الشديد عزم عثمان على الناس أن يكفوا أيديهم حقناً لدماء المسلمين ففعلوا ، فتمكن المحاصرون مما أرادوا .
ثالثاً : أن هؤلاء الخوارج اغتنموا غيبة كثير من أهل المدينة في موسم الحج و غيبتهم في الثغور و الأمصار ، و ربما لم يكن في المتبقين من أهل الدينة ما يقابل عدد الخوارج الذين كانوا قريباً من ألفي مقاتل .
رابعاً : إن كبار الصحابة قد بعثوا أولادهم إلى الدار لحماية عثمان رضي الله عنه ، لكن عثمان علم أن في الصحابة قلة عدد و أن الذين يريدون قتله كثير عددهم ، فلو أذن لهم بالقتال لم يأمن أن يتلف من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بسببه كثير ، فوقاهم بنفسه إشفاقاً منه عليهم لأنه راع عليهم ، و الراعي يجب عليه أن يحفظ رعيته بكل ما أمكنه ، و مع ذلك فقد علم أنه مقتول فصانهم بنفسه - حقناً لدماء المسلمين- .
خامساً : أنه لما علم أنها فتنة ، و أن الفتنة إذا سلّ فيها السيف لم يؤمن أن يقتل فيها من لا يستحق القتل ، فلم يختر لأصحابه أن يسلوا السيف في الفتنة إشفاقاً عليهم ، و حتى لا تذهب فيها الأموال و يهتك فيها الحريم فصانهم عن جميع هذا .
سادساً : يحتمل أن يكون عثمان رضي الله عنه صبر عن الانتصار ليكون الصحابة شهوداً على من ظلمه ، و خالف أمره و سفك دمه بغير حق ، لأن المؤمنين شهداء الله في أرضه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة (6/286) : و من المعلوم بالتواتر أن عثمان كان من أكف الناس عن الدماء و أصبر الناس على من نال من عرضه و على من سعى في دمه ، فحاصروه و سعوا في قتله و قد عرف إرادتهم لقتله ، و قد جاءه المسلمون ينصرونه و يشيرون عليه بقتالهم ، و هو يأمر الناس بالكف عن القتال ، و يأمر من يطيعه أن لا يقاتلهم ..و قيل له تذهب إلى مكة فقال : لا أكون ممن الحد في الحرم فقيل له تذهب إلى الشام فقال : لا أفارق دار هجرتي ، فقيل له : فقاتلهم ، فقال : لا أكون أول من خلف محمداً في أمته بالسيف .
فكان صبر عثمان حتى قتل من أعظم فضائله عند المسلمين .
و مما يناسب هذا المقام ذكر كلام الإمام الآجري في كتاب الشريعة (4/1981-1983) عن موقف الصحابة في المدينة من حصار المنافقين لعثمان رضي الله عنه .
قال الآجري : فإن قال قائل : فقد علموا أنه مظلوم وقد أشرف على القتل فكان ينبغي لهم أن يقاتلوا عنه ، و إن كان قد منعهم . قيل له : ما أحسنت القول ، لأنك تكلمت بغير تمييز . فإن قال : ولم ؟ قيل : لأن القوم كانوا أصحاب طاعة ، وفقهم الله تعالى للصواب من القول و العمل ، فقد فعلوا ما يجب عليهم من الإنكار بقولهم و ألسنتهم و عرضوا أنفسهم لنصرته على حسب طاقتهم ، فلما منعهم عثمان رضي الله عنه من نصرته علموا أن الواجب عليهم السمع و الطاعة له ، و إنهم إن خالفوه لم يسعهم ذلك ، و كان الحق عندهم فيما رآه عثمان رضي الله عنه و عنهم . فإن قال : فلم منعهم عثمان من نصرته وهو مظلوم ، و قد علم أن قتالهم عنه نهي عن منكر ، و إقامة حق يقيمونه ؟ قيل له : وهذا أيضاً غفلة منك . فإن قال : وكيف ؟ قيل له : مَنْعه إياهم عن نصرته يحتمل وجوهاً كلها محمودة :-
أحدها : علمه بأنه مقتول مظلوم ، لا شك فيه ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أعلمه : إنك تقتل مظلوماً فاصبر ، فقال : أصبر . فلما أحاطوا به علم أنه مقتول و أن الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم له حق كما قال لا بد من أن يكون ، ثم علم أنه قد وعده من نفسه الصبر فصبر كما وعد ، وكان عنده أن من طلب الانتصار لنفسه و الذب عنها فليس هذا بصابر إذ وعد من نفسه الصبر ، فهذا وجه .
و وجه آخر : و هو أنه قد علم أن في الصحابة رضي الله عنهم قلة عدد ، و أن الذين يريدون قتله كثير عددهم ، فلو أذن لهم بالحرب لم يأمن أن يتلف من صحابة نبيه بسببه ، فوقاهم بنفسه إشفاقاً منه عليهم ؛ لأنه راع و الراعي واجب عليه أن يحوط رعيته بكل ما أمكنه ، ومع ذلك فقد علم أنه مقتول فصانهم بنفسه ، و هذا وجه .
و وجه آخر : هو أنه لما علم أنها فتنة و أن الفتنة إذا سل فيها السيف لم يؤمن أن يقتل فيها من لا يستحق ، فلم يختر لأصحابه أن يسلوا في الفتنة السيف ، و هذا إنما إشفاقاً منه عليهم هم ، فصانهم عن جميع هذا .
و وجه آخر : يحتمل أن يصبر عن الانتصار ليكون الصحابة رضي الله عنهم شهوداً على من ظلمه و خالف أمره و سفك دمه بغير حق ، لأن المؤمنين شهداء الله عز وجل في أرضه ، و مع ذلك فلم يحب أن يهرق بسببه دم مسلم ولا يخلف النبي صلى الله عليه وسلم في أمته بإهراقه دم مسلم ، و كذا قال رضي الله عنه . فكان عثمان رضي الله عنه بهذا الفعل موفقاً معذوراً رشيداً ، و كان الصحابة رضي الله عنهم في عذر ، و شقي قاتله .
و مما سبق نعلم أن منهج عثمان رضي الله عنه أثناء الفتنة و مسلكه مع المنافقين - هذا مصطلح نبوي أطلقه الرسول صلى الله عليه وسلم على الذين خرجوا على عثمان رضي الله عنه ، لحديث ( … فأرادك المنافقون أن تخلع ..الخ ، تقدم تخريجه - ، الذين خرجوا عليه لم تفرضه عليه مجريات الأحداث ، ولا ضغط الواقع ، بل كان منهجاً نابعاً من مشكاة النبوة ، حيث أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصبر و الاحتساب و عدم القتال حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً . وقد وفى ذو النورين رضي الله عنه بوعده و عهده لرسول الله صلى الله عليه وسلم طوال أيام خلافته ، حتى خرّ شهيداً مضجراً بدمائه الطاهرة الزكية ، ملبياً لدعوة المصطفى صلى الله عليه وسلم بالإفطار عنده . انظر : استشهاد عثمان لخالد الغيث (ص116) بتصرف يسير .
أخرج الإمام أحمد في فضائل الصحابة (1/496-497) بإسناد حسن ، من طريق مسلم أبو سعيد مولى عثمان رضي الله عنه : أن عثمان بن عفان أعتق عشرين مملوكاً ، و دعا سراويل فشدها عليه - حتى لا تظهر عورته عند قتله - و لم يلبسها في جاهلية ولا في إسلام ، قال : إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم البارحة في النوم و رأيت أبا بكر و عمر و أنهم قالوا لي : اصبر فإنك تفطر عندنا القابلة ، ثم دعا بمصحف فنشره بين يديه ، فقتل وهو بين يديه .
و اعتبرت فتنة مقتل عثمان رضي الله عنه من أخطر الأحداث التي مرّت بها الدولة الإسلامية في عصر الخلافة الراشدة ، و قد تركت من الاختلاف و الانقسام في صفوف الأمة ما كاد يودي بها ، و قد أعقبها فتن داخلية أخرى تتصل بها و تتفرع عنها و هي موقعة الجمل و صفين و النهروان ، كما استمرت آثارها متمثلة في الخوارج و الشيعة المعارضين للدولة الأموية و العصر الأول من الدولة العباسية خاصة ، بل يمكن أن نعتبر الانقسامات الكبرى الناجمة عن الفتنة مؤثرة في الأمة حتى الوقت الحاضر .
و كان مقتل عثمان رضي الله عنه صباحاً ، في يوم الجمعة ، الثاني عشر من ذي الحجة ، سنة خمس و ثلاثين من الهجرة ، و دفن ليلة السبت بين المغرب و العشاء ، بحش كوكب شرقي البقيع ، و هو ابن اثنتين و ثمانين سنة ، على الصحيح المشهور . رحم الله عثمان و رضي عنه . انظر : ابن سعد (3/77-78) و خليفة بن خياط (ص176) و الطبري (4/415-416) و المسند (2/10) و الذهبي في تاريخ الإسلام عهد الخلفاء الراشدين (ص481) و البداية و النهاية لابن كثير (7/190) والاستيعاب لابن عبد البر (3/1044) .





التوقيع

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم في حديث رواه أبو هريرة رضي الله عنه و أرضاه :
{ الإيمان بضع وسبعون شعبة أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان }.
آخر تعديل رضا كريمي يوم 2010-02-03 في 20:30.
    رد مع اقتباس
قديم 2010-02-03, 20:01 رقم المشاركة : 4
رضا كريمي
أستـــــاذ(ة) متميز
إحصائية العضو







رضا كريمي غير متواجد حالياً


وسام المشارك

افتراضي رد: حقيقة الشيعة ح1: حقيقة عبد الله بن سبأ اليهودي


موضوع الحلقة المقبلة بحول الله :
التحالف اليهودي الفارسي منذ قدم التاريخ





التوقيع

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم في حديث رواه أبو هريرة رضي الله عنه و أرضاه :
{ الإيمان بضع وسبعون شعبة أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان }.
آخر تعديل رضا كريمي يوم 2010-02-03 في 20:35.
    رد مع اقتباس
قديم 2010-02-03, 20:01 رقم المشاركة : 5
 
الصورة الرمزية أحمد أمين المغربي

 

إحصائية العضو







أحمد أمين المغربي غير متواجد حالياً


وسام المرتبة الأولى في المسابقة الرمضانية الكبرى

وسام المركز الثاني في مسابقة الشخصيات

افتراضي رد: حقيقة الشيعة ح1: حقيقة عبد الله بن سبأ اليهودي


شكرا على ادراج هذه الحلقة
يبدو أنك تعدنا بالكثيرا...






التوقيع

    رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are معطلة


مــــواقـــع صـــديــقــة مــــواقـــع مـــهــــمــــة خـــدمـــــات مـــهـــمـــة
إديــكـبـريــس تربويات
منتديات نوادي صحيفة الشرق التربوي
منتديات ملتقى الأجيال منتديات كاري كوم
مجلة المدرس شبكة مدارس المغرب
كراسات تربوية منتديات دفاتر حرة
وزارة التربية الوطنية مصلحة الموارد البشرية
المجلس الأعلى للتعليم الأقسام التحضيرية للمدارس العليا
مؤسسة محمد السادس لأسرة التعليم التضامن الجامعي المغربي
الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي التعاضدية العامة للتربية الوطنية
اطلع على وضعيتك الإدارية
احسب راتبك الشهري
احسب راتبك التقاعدي
وضعية ملفاتك لدى CNOPS
اطلع على نتائج الحركة الإنتقالية

منتديات الأستاذ

الساعة الآن 08:09 لوحة المفاتيح العربية Profvb en Alexa Profvb en Twitter Profvb en FaceBook xhtml validator css validator

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML
جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd