الرئيسية | الصحيفة | خدمات الإستضافة | مركز الملفات | الحركة الانتقالية | قوانين المنتدى | أعلن لدينا | اتصل بنا |

أفراح بن جدي - 0528861033 voiture d'occasion au Maroc
educpress
للتوصل بجديد الموقع أدخل بريدك الإلكتروني ثم فعل اشتراكك من علبة رسائلك :

فعاليات صيف 2011 على منتديات الأستاذ : مسابقة استوقفتني آية | ورشة : نحو مفهوم أمثل للزواج

العودة   منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد > المنتديات العامة والشاملة > المنتدى الإسلامي > قسم خاص بالدروس و العقيدة و الفقه


إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 2015-10-07, 15:22 رقم المشاركة : 1
صانعة النهضة
مراقبة عامة
 
الصورة الرمزية صانعة النهضة

 

إحصائية العضو








صانعة النهضة غير متواجد حالياً


وسام التنظيم المميز السيرة 1438ه

مسابقة السيرة 5

وسام المنظمة

وسام منظم مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام الشخصية الفضية

وسام المشاركة في الدورة التكوينية مهارات الاتصال ا

وسام المطبخ المرتبة 1

وسام لجنة التحكيم

وسام العضو المميز

important الصفات الإلاهية في الكتاب والسنة النبوية




الصفات الإلهية في الكتاب والسنة النبوية
في ضوء الإثبات والتنـزيه


للدكتور محمد أمان بن علي الجامي
رئيس شعبة العقيدة بالدراسات العليا بالجامعة



مقدمة



الحمد لله على نعمه التي لا تحصى، وعطائه الذي لا يستقصى، أحمده كما ينبغي لجلاله، وكريم عطائه، وعظيم سلطانه، وصلاة الله وسلامه ورحمته وبركاته على نبيه المصطفى وآله وصحبه.

أما بعد: فلما كانت معرفة الله تعالى أول ما يجب على الإنسان في دينه، وكانت هذه المعرفة - لا تتم على الوجه الأكمل- إلا بمعرفة أسمائه وصفاته وأفعاله في خلقه، والإيمان بتلك الأسماء والصفات والأفعال، وإقرارها، إذ بها تعرف الله إلى عباده سبحانه.


وعلى الرغم من هذا كله قد تعرض باب الأسماء والصفات لعواصف شديدة هُوجٍ منذ زمن طويل، فنقلت تلك العواصف أشياء كثيرة من أماكنها، وألقت بها في غير مواضعها، فتغيرت بسبب ذلك مفاهيم عديدة، فالتبست مسائل هذا الباب على كثير من الناس، حتى عجز أغلب طلاب العلم عن التمييز، بين الحق والباطل، فربما انعكس عليهم الأمر فرأوا الحق باطلاً، والباطل حقاً، مع العلم أن معرفة الله التي لا تتم إلا بمعرفة أسمائه وصفاته، هي زبدة دعوة الرسل، وخلاصتها، وعندها تلتقي جميعها مع اختلاف مناهجها وشرائعها، لأن جميع الرسل إنما أرسلوا ليعرفوا الناس ربهم وخالقهم فيعبدوه في ضوء تلك المعرفة، فلما كان باب الأسماء والصفات بهذه المثابة، وله هذه المكانة- وقد تعرض مع ذلك للعواصف التي وصفتها، ووصفت آثارها - جعلت موضوع رسالتي لنيل درجة (الدكتوراه) إن شاء الله معالجة مباحث هذا الباب، بعنوان:

(الصفات الإلهية في الكتاب والسنة النبوية في ضوء التنـزيه والإثبات)، نعم هذا هو السبب الذي من أجله اخترت هذا الموضوع، لأني تأكدت أن مسائل هذا الباب لم تكن محل عناية ودراسة اليوم -كما يجب- وأن العقيدة السلفية صار يجهلها كثير من شبابنا، ويتصورونها بغير صورتها، ليس العقيدة السلفية (التفويض المطلق) كما يظن كثير منهم، وليست هي تلك الحيرة التي يسمونها (الوقوف) كما يظن البعض الآخر، بل هي شيء آخر وراء ذلك كله، ولكنها سهلة وواضحة كل الوضوح إذا فهمت على حقيقتها، إذ ليس فيها أدنى غموض وهي بريئة من التعقيد والتفلسف.

وهي أن يفهم التالي لكتاب الله معاني نصوص الصفات التي تصف الله تعالى بأنه سميع بصير مثلاً، ويثبتها على ظاهرهما كما يليق بالله، ويثبت له كلاماً حقيقياً يسمع، ووجها كريماً يرى يومَ القيامة ويدين مبسوطتين، إلى آخر الصفات التي سوف تمر بنا في هذه الرسالة، يثبتها ولا يؤولها، فيحرفها بالتأويل (مفوضاً) إلى الله عز وجل حقيقتها وكيفيتها، كيلا يتوهم أن حقيقة سمعه وبصره كحقيقة سمع المخلوق وبصره، ولئلا يتوهم أن إثبات الكلام الحقيقي له سبحانه يلزم منه إثبات مخارج الحروف المعتادة كاللسان والشفتين، ولئلا يظن أيضاً أن إثبات الوجه والقدم واليدين مثلاً يعني إثبات الجوارح له سبحانه، كل ذلك غير وارد، لأن لوازم صفات المخلوق لا تلزم صفات الخالق، كما أن لوازم ذوات المخلوق لم تلزم ذاته سبحانه، إذ لا مناسبة بين الخالق والمخلوق {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ**[1].

بل الواجب إثبات هذه الصفات على الوجه الذي يليق بالله عز وجل دون تمثيل، أو تشبيه، لأنه تعالى له يد حقيقية يأخذ بها، ويقبض، ويعطي، ويطوي بها السموات كما يليق به سبحانه.

وفي ضوء هذا الشرح والبيان لعقيدة السلف بالاختصار، يلزم كل من يريد أن يفهم هذه العقيدة أن يفرق بين التفويضين اللذين سبق أن أشرنا إليهما.

أحدهما: تفويض المعنى والحقيقة والكيفية معاً بحيث يكون حظ التالي لكتاب الله مجرد سرد النصوص دون فهم لمعانيها بالنسبة لنصوص الصفات، وهو الذي سميناه - فيما تقدم - التفويض المطلق، فنسبة هذا التفويض إلى السلف خطأ، ومنشأ هذا الخطأ أن هذه العقيدة ليست محل عناية ودراسة - كما قلت - وإنما يتحدث الناس عنها حديثاً عابراً وعادياً لا مصدر له، فيقول القائل: إن السلف الصالح لا يفهمون معاني آيات الصفات وأحاديث الصفات، ثم تتناقل الناس هذا النوع من الثناء (الفريد) ومعنى ذلك أن عقيدة السلف لا يتصورها كثير من الناس في الوقت الحاضر، وهذا مما يشغل بال المصلحين المهتمين بشئون المسلمين، ويحزنهم كثيراً، لأن جهل المرء ما يعتقده نحو ربه وخالقه ومعبوده ليس بالأمر الهين، بل هو من الخطورة بمكان.

أما النوع الثاني من التفويض: فهو تفويض الحقيقة والكيفية مع فهم معاني النصوص وتدبرها وتعقلها، وهذا ما يدين الله به السلف قديماً وحديثاً، فَلْيُفْهَم جيداً، لنفرق بين التفويضين، ولبيان هذه الحقيقة لا بد من عرض العقيدة السلفية كما فهمها السلف الذين نزل فيهم القرآن بلغتهم، ويجانب ذلك لا بد من عرض ما يقابلها من الآراء المحدثة المخالفة لأن الأشياء تعرف بأضدادها، كما تعرف بنظائرها - كما يقولون - هذه هي الغاية التي نسعى إليها ونريد -تحقيقها من وراء هذا البحث بإذن الله، وهي تتلخص في نقطتين اثنتين:

1- عرض العقيدة السلفية على حقيقتها كما فهمها السلف، لذا استخدمنا هذا المنهج التاريخي الاصطلاحي.

2- عرض الآراء المخالفة لها لأجل المقارنة من باب معرفة محاسن الأشياء بأضدادها، فكان المنهج المقارن هو وسيلتي في هذا المعنى.

ثم إنني حاولت في عرضها أن أجعل الصفات الخبرية وصفات الأفعال التي اختلف فيها السلف والخلف كثيراً نقطة ارتكاز للبحث في موضوعات الرسالة مع عدم إهمال بقية الصفات.

وقد حرصت هذا الحرص للأمور الآتية مستعيناً بالله وحده:

الأمر الأول: هو رجاء أن ينفع الله بما سجلت في هذه الرسالة من المسائل والمناقشات لتصحيح تلك المفاهيم الخاطئة لدى طلبة العلم الذين قد يحتاجون إلى مثل هذه البضاعة المتواضعة، وهم الذين نخاف عليهم من التأثر بذلك الخلط بين منهج السلف ومنهج أهل التفويض والوقوف والحيرة.

الأمر الثاني: الرغبة الشديدة في المساهمة في تخفيف حدة الخلاف بين الفريقين: السلف والخلف المعاصرين ببيان منهج السلف على حقيقته في باب الأسماء والصفات عامة، وفي الصفات المختلف فيها خاصة، لأن منهج السلف أصبح مجهولاً لدى كثير من شبابنا كما قلت، ولأن القضاء على الخلاف أو تخفيفه إنما يكون بعد توفيق الله وعونه ببيان الحقائق بأسلوب صريح وواضح، وذكر المحاسن والمثالب للطرفين، وتنوير الناس في أمرهم في ضوء الواقع، ولقصد النصح والإصلاح والتصحيح.

الأمر الثالث: المساهمة – بالمستطاع - في نشر التراث السلفي الذي خلفه لنا أولئك الرجال الذين صدقت عزائمهم، وخلصت نياتهم في خدمة هذا الدين، فخلفوا لنا تراثاً عظيماً تجب المحافظة عليه، ونشره بين الناس، وردّ الشبه عنه بكل ما نملك من أساليب ووسائل، هنا يحس المرء بالتقصير العام نحو هذا التراث، ولكن ليس هذا محل الحديث عنه فلندعه جانباً.

هذا هو سر اتجاهي إلى هذا الموضوع الذي بين أيدينا كما قلت، إذ تتبعت نصوص الصفات في الكتاب والسنة فحاولت فهمها، كما فهمها السلف الصالح مستنيراً بآثارهم وتفاسيرهم، ثم عرضتها جاعلاً الأدلة النقلية هي الأساس في الاستدلال مع عدم إهدار الأدلة العقلية، هذه طريقتي التي سلكتها في عملي ومنهجي الذي سرت عليه بتوفيق الله.
فشملت محتوياتها مدخلاً للبحث، وسبعة أبواب، وخاتمة.

أما المدخل فقد اشتمل على تسعة مباحث، وتشتمل بعض المباحث على فصول وفقرات.
فتناولت في المبحث الأول بيان معنى السنة لغة واصطلاحاً مع سوق الأدلة اللغوية والشواهد.

كما تحدثت في المبحثين الثاني والثالث عن مسألتي حجية القرآن والسنة في باب العقيدة، وحجية أخبار الآحاد في إثبات الصفات.

ثم تعرضت بالمناسبة في المبحث الرابع لإبطال شبه الذي يزعمون الاكتفاء بالقرآن دون السنة في باب العقيدة وغيره، وبينت بطلان زعمهم عقلاً وشرعاً.

ثم تحدثت في المبحث الخامس عن منهج السلف في إثبات صفات الله تعالى واستعمالهم الأدلة النقلية والعقلية في ذلك، وذكرت القواعد التي ينبني عليها منهجهم، القاعدة الأولى: تقديم النقل على العقل، وقد تحدثت عن هذه القاعدة بإسهاب، القاعدة الثانية: رفض التأويل في باب الأسماء والصفات، خيشة القول على الله بغير علم، وحذراً من الزيغ، لأن المعنى المؤول إليه ظني قطعاً بالاتفاق، القاعدة الثالثة: عدم التفريق بين الكتاب والسنة، لأنهما وحيان من عند الله على تفصيل مذكور في صلب الرسالة.

ثم انتقلت إلى المبحث السادس لأتحدث عن مفهوم الذات الإلهية عند علماء الحديث والسنة، ثم تحدثت في الفقرات التي بعدها عن مفهوم الإلهية لغة واصطلاحاً، ثم تكلمت عن معنى الصفة والنعت لغة واصطلاحاً، والفرق بينهما، ثم تحدثت عن مفهوم الذات في القرآن، ومفهوم الذات في السنة النبوية.

ثم انتقلت إلى المبحث السابع فتحدثت فيه عن بعض كبار أئمة المسلمين الذين دافعوا عن منهج السلف، وجددوا للناس دينهم وعقيدتهم، وذكرت نماذج من كلامهم، وهم:
- الإمام أحمد بن حنبل.
- والإمام البخاري.
- والإمام الدارمي.
- والإمام تقي الدين أحمد بن تيمية.
- والإمام محمد عبد الوهاب التميمي الذي تحدثت عن آثار دعوته في العالم المعاصر، واستمراريتها.

ثم انتقلت إلى المبحث الثامن، فناقشت فيه المعتزلة والأشاعرة في موقفهم من نصوص الصفات.

وأما في المبحث التاسع فقد تحدثت عن أسباب انتشار العقيدة الأشعرية على الرغم من رجوع الإمام أبي الحسن الأشعري عنها، ثم تحدثت عن توبة كبار شيوخ الأشاعرة الذين رجعوا إلى منهج السلف في آخر المطاف بعد أن قضوا جلّ حياتهم في علم الكلام، وذكرت منهم أبا الحسن الأشعري والجويني الأب والجويني الابن، والشهرستاني، والفخر الرازي، والغزالي رحمهم الله.

ثم انتهيت إلى الأبواب الرئيسية في الرسالة، فتناولت في الباب الأول: الأسماء الحسنى، والصفات العلى بالحديث بإسهاب مبيناً الفرق بين الصفات والأسماء، وتلازمهما.
ثم تحدثت عن أنواع الصفات عند السلف والخلف، في أربع فقرات في الباب الثاني،

تحدثت في الفقرة الأولى عن الصفات السلبية، وفي الفقرة الثانية عن الصفات الثبوتية، وتناولت في الفقرتين الثالثة والرابعة صفات الذات، وصفات الأفعال.

وأما في الفصل الأول من هذا الباب فقد تحدثت عن الصفات الشرعية العقلية، والصفات الخبرية.

وفي الفصل الثاني تكلمت على مسألة التجدد في الصفات والأفعال.

ثم تناولت في الفصل الثالث بيان معاني الصفات الخبرية، وصفات الأفعال عند السلف والخلف بالجملة.

وفي الفصل الرابع تحدثت عن معانيها بالتفصيل بعد أن أطلقت عليها: (الصفاتُ العشرون المختارةُ) تحدثت في فقرة (أ) عن صفات الأفعال، صفة صفة وهي اثنتا عشرة صفة - وفي الفقرة (ب) - تكلمت عن الصفات الخبرية وهي ثماني صفات، وتحدثت عن كل صفة على حدة، مستنداً في كل ذلك إلى نصوص الكتاب والسنة، وقد بينت سبب اهتمامي بهذه الصفات المختارة هناك.

ثم انتقلت إلى الباب الثالث لأتناول بالبحث العلاقة بين الصفات والذات.
وفي الباب الرابع تحدثت عن طبيعة علاقات الصفات بعضها ببعض من حيث الآثار والمعاني.

وأما في الباب الخامس، فقد بينت في فقرة (أ) حكم من نفى صفة ثابتة بالكتاب والسنة، وفصلت القول في ذلك، وأما في فقرة (ب) فتحدثت عن حقيقة الإلحاد في الأسماء والصفات، مع بيان أنواعه مدعماً كل ما ذكرت بأدلة من الكتاب والسنة وذكر الأمثلة من الواقع المُشاهَد.

ثم تكلمت في الباب السادس عن خلاصة المقارنة بين موقف السلف وموقف الخلف من معاني الصفات بصفة عامة.

ثم انتقلت إلى الباب السابع فبينت فيه آثار الصفات الإلهية في النفس البشرية والكون.
ثم انتهيت إلى الخاتمة بتوفيق الله تعالى فسجلت فيها النتائج التي أسفر عنها البحث بتفصيل وإسهاب، هذا ما اشتملت عليه الرسالة من المباحث في أبوابها وفصولها.
فأرجو أن أكون قد وفقت في عرض محتوياتها كما وردت فيها.

يتبع بالمبحث الأول معنى السنة لغة واصطلاحا






: منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد https://www.profvb.com/vb/showthread.php?p=817283
التوقيع

أيها المساء ...كم أنت هادئ

    رد مع اقتباس
قديم 2015-10-07, 15:27 رقم المشاركة : 2
صانعة النهضة
مراقبة عامة
 
الصورة الرمزية صانعة النهضة

 

إحصائية العضو








صانعة النهضة غير متواجد حالياً


وسام التنظيم المميز السيرة 1438ه

مسابقة السيرة 5

وسام المنظمة

وسام منظم مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام الشخصية الفضية

وسام المشاركة في الدورة التكوينية مهارات الاتصال ا

وسام المطبخ المرتبة 1

وسام لجنة التحكيم

وسام العضو المميز

افتراضي رد: الصفات الإلاهية في الكتاب والسنة النبوية


المدخل

المبحث الأول: معنى السنة لغة واصطلاحاً

السنة لغة:

السنة، والسنن بمعنى واحد، يقال: استقام فلان على سنن واحد، ويقال: امض على (سننك) أي على وجهك، وتنح عن (سنن) الطريق، و(سننه) ثلاث لغات (السنة) السيرة[1].

(السنة): الطريقة قبيحة كانت أو حسنة، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "من سن سنة حسنة، فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة"[2].
وسن الطريق سنها سنا سار عليها، وقال خالد بن عتبة:
فلا تجزعن من سيرة أنت سرتها
فأول راض سنة من يسيرها
وقال الأزهري: "السنة الطريقة المحمودة المستقيمة، ولذلك قيل: فلان من أهل السنة أي من أهل الطريقة المستقيمة المحمودة"اهـ[3].

والسنة من النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أطلقت في الشرع فإنما يراد بها (حكمه، وأمره، ونهيه) مما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، أو نهى عنه، أو ندب إليه قولاً وفعلاً، مما لم ينطق به الكتاب العزيز، ولهذا يقال: أدلة الشرع: الكتاب والسنة، أي القرآن والحديث.

ومن ذلك حديث في الموطأ: "إني لأَنْسى أو أنسَّى لأَسنَّ"[4]، أي إنما أدفع إلى النسيان لأسوق الناس بالهداية إلى الطريق المستقيم، وأبين لهم ما يحتاجون أن يفعلوه إذا عرض لهم النسيان، ويجوز أن يكون من سننت الإبل إذا أحسنت رِعْيَتَها، والقيام عليها.

ومنه نزل المحصب، "ولم يسنَّه" أي نزول المحصب، أي لم يجعله سنة يعمل بها، وقد يفعل الشيء لسبب خاص فلا يعم غيره، وقد يفعل لمعنى، فيزول ذلك المعنى، ويبقى الفعل على حاله متبعاً، كقصر الصلاة في السفر للخوف، ثم استمر القصر مع عدم الخوف، صدقة من الله على عباده، كما ورد في السنة.

ومن حديث ابن عباس: "رمل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يسنه" أي لم يسنَّ فعله لكافة الأمة، ولكن لسبب خاص، وهو أن يُرى المشركين قوة الصحابة، وهو مذهب ابن عباس، وأما غيره فيرى أن الرمل في طواف القدوم سنة باقية، وعليه العمل بين المسلمين.
ومن ذلك: "سنوا بهم سنة أهل الكتاب"[5]، يعني المجوس في أخذ الجزية منهم، وقد ساق أبو السعادات (ابن الأثير) طائفة كبيرة من أمثلة هذا النوع، وقال الراغب: سنة النبي صلى الله عليه وسلم طريقته التي كان يتحراها، وسنة الله عز وجل طريقة حكمه وطريقة طاعته، نحو قوله تعالى: {سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ**[6]، {وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً**[7]، وقوله تعالى: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ**[8].
وقال الزجاج: أي معاينة العذاب، وقال شَمَّر: (السنة في الأصل) سنة الطريق، وهي طريقة سنها أوائل الناس، فصارت مسلكاً لمن بعدهم[9].
ورجل مسنون الوجه ملمسه، وقيل: حسنه وسهله، وقيل: الذي في وجهه وأنفه طول، (والسنين) كأمير ما يسقط من الحجر إن حككته[10]اهـ.

المعنى الاصطلاحي:


يطلق جمهور علماء الحديث (السنة) على ما يقابل البدعة، فيقولون: فلان على السنة إذا كان عمله وتصرفاته الدينية وفق ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم كما يقال: فلان على خلاف السنة، أو فلان مخالف للسنة إذا كان مبتدعاً، وعاملاً على خلاف هديه عليه الصلاة والسلام.
يقول الإمام النووي رحمه الله: "(السنة) سنة النبي عليه الصلاة والسلام وأصلها الطريقة، وتطلق سنته عليه الصلاة والسلام على الأحاديث المروية عنه صلى الله عليه وسلم"[11] اهـ.
هذا إطلاق من إطلاقات السنة عند المحدثين، وتطلق السنة على المندوب، وهو خلاف الواجب. قال الإمام النووي في تهذيب الأسماء واللغات: "قال جماعة من أصحابنا في أصول الفقه: السنة، والمندوب والتطوع والنفل، والمرغب فيه والمستحب، كلها بمعنى واحد، وهو ما كان فعله راجحاً على تركه، ولا إثم في تركه يقال: سن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا أي: شرعه، وجعله شرعاً[12]"اهـ.

هذا اصطلاح جمهور الفقهاء على اختلاف مذاهبهم غالباً، وقد يتوسع في استعمال السنة حتى تشمل فعل الخلفاء الراشدين المهديين، ويشهد لهذا قوله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي"[13]، إلا أنها إذا أطلقت عند المحدثين تنصرف - غالباً- إلى أقوال النبي عليه الصلاة والسلام، وأفعاله وتقريراته.
والسنة بهذا المعنى أحد قسمي الوحي الإلهي الذي أوحاه الله إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وهي القسم الثاني.

فالسنة إذاً صنو القرآن، ومنـزلة من عند الله (معنى)، ويشهد لما ذكرنا القرآن الكريم نفسه إذ يقول الله تعالى في حق نبيه عليه الصلاة والسلام: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى**[14]، والآية كما ترى صريحة في أن كلام الرسول وحديثه فيما يبلغ عن الله من التشريع ليس حديثاًَ عادياً ينطق به عليه الصلاة والسلام كما يشاء، ولكنه كلام ينطق به بوحي من الله، فأمره عليه الصلاة والسلام من أمر الله سبحانه، ونهيه من نهيه، وما أحله مثل ما أحل الله، وما حرَّمَه مثل ما حرَّمه الله وهكذا.
وأما القسم الأول من قسمي الوحي فهو القرآن الكريم، وهو من عند الله لفظاً ومعناً، لأنه كلامه الذي خاطب به نبيه محمداً عليه الصلاة والسلام، وهو المصدر الأول للعقيدة والشريعة والحجة القاطعة.

الفرق بينهما:


الفرق بين القرآن والسنة واضح كما يظهر مما ذكرنا آنفاً من حيثية واحدة، وهي أن القرآن كلام الله لفظه ومعناه، متعبد بتلاوته، ولا تصح الصلاة إلاّ به، وهو من المعجزات الخالدة لرسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد أعجز بلغاء العرب وأقعدهم.
وأما السنة فهي من عند الله من حيث المعنى، وأما ألفاظها فمن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يتعبد بتلاوتها، ولا تصح الصلاة بها، وليست بمعجزة ويجوز روايتها بالمعنى بشروطها.

وأما من حيث ثبوت الأحكام بها، والاستدلال بها في فروع الشريعة وأصولها فلا فرق بين القرآن والسنة من هذه الحيثية، إذا ثبتت السنة عند أهلها بالطريقة المعروفة عندهم.
وأما الأحاديث القدسية - وإن كانت من عند الله لفظاً ومعنى - على خلاف في ذلك لأنهم مختلفون في تعريف الحديث القدسي- إلا أنها مثل الأحاديث النبوية في عدم التعبد بتلاوتها، وعدم صحة الصلاة بها، وأما من حيث ثبوت الأحكام والعقائد بها فهي مثل القرآن والسنة الصحيحة على ما تقدم[15].
هذا ما سنتناوله بالبحث إن شاء الله.


يتبع بالمبحث الثاني حجية القرآن والسنة في باب العقيدة






التوقيع

أيها المساء ...كم أنت هادئ

    رد مع اقتباس
قديم 2015-10-07, 15:36 رقم المشاركة : 3
صانعة النهضة
مراقبة عامة
 
الصورة الرمزية صانعة النهضة

 

إحصائية العضو








صانعة النهضة غير متواجد حالياً


وسام التنظيم المميز السيرة 1438ه

مسابقة السيرة 5

وسام المنظمة

وسام منظم مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام الشخصية الفضية

وسام المشاركة في الدورة التكوينية مهارات الاتصال ا

وسام المطبخ المرتبة 1

وسام لجنة التحكيم

وسام العضو المميز

افتراضي رد: الصفات الإلاهية في الكتاب والسنة النبوية


المبحث الثاني: حجية القرآن والسنة في باب العقيدة

إنه لموقف يثير تساؤلا؟!!
هل من الجائز أن يبحث مسلم استسلم لربه، وتعاليم نبيه عن حجية القرآن والسنة، أو عدم حجيتهما وهو لا يزال مسلما؟!!
هل من الجائز أن يتوقف كاتب مسلم في صلاحية القرآن والسنة للاستدلال بهما في باب العقيدة، بينما هو يستدل بما يظن أنه معقول العقليين دون أدنى توقف؟!!
الجواب: لا.

إن هذه النهاية التي انتهى إليها أمر العقيدة الإسلامية هي التي تجعلنا نكتب تحت هذا العنوان حيث أصيب كثير من المثقفين من أبناء المسلمين باضطراب في عقائدهم. ذلك الاضطراب الذي أساسه إعراضهم عن كتاب ربهم، وسنة نبيهم عليه الصلاة والسلام[16]، إذ صار حظهما عندهم تقديس ألفاظهما تقديساً شكلياً مع هجرانها في العمل والتحكيم وعدم الرجوع إليها لأخذ أسس العقيدة منهما.

هما اتجاهان متناقضان: العناية التامة بألفاظ القرآن والسنة يحفظهما عن ظهر قلب، وطبعهما أحسن طباعة، ونشرهما بين القراء، وتخصيص مدارس ومعاهد وكليات لهما، وتخصيص إذاعة خاصة تعرف بـ(إذاعة القرآن الكريم) في بعض العواصم العربية والإسلامية، وهو أمر لم يسبق له نظير في التاريخ، وهو اتجاه كريم يستحق التقدير والإعجاب، ويقابل ذلك إعراض تام عنهما، وعزلهما عن حياة الأمة العامة والخاصة، مع الانحلال التام والبعد عن تعاليمهما ومبادئهما إلا من شاء الله، وقليل ما هم، وإذا أردنا أن نعرف تاريخ بدء هذا الانقسام، فلا بد من الرجوع إلى الوراء.

وبعد نشأة (علم الكلام) في العصر العباسي، في أواخر عصر بني أمية انقسم الناس ثلاث فرق في هذا الباب:

1- أتباع السلف الصالح التابعون لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن سلك مسلكهم، واقتفى أثرهم من أهل الحديث في كل عصر ومصر، الذين نرجو أن يكونوا هم الفرقة الناجية. وطريقتهم الإيمان بكل ما جاء في الكتاب والسنة من شريعة وعقيدة، وإثبات صفات الله الواردة فيهما على ظاهرها اللائق بالله دون التورط في التأويل ظناً وتخميناً، ودون تشبيه وتمثيل جرأة على الله إذ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ**[17]، وهم أيضاً يقولون بالآيات الكونية الدالة على وجود الله العليم الحكيم، وأفعاله الصادرة عن حكمة بالغة كما لا يهملون الأدلة العقلية، إذ لا يجوز تعطيل العقل في مجال العقيدة وغيرها، لأن العقل أساس التكليف، ومناط الأهلية، إلا أنه لا يجوز أن يتجاوز حدوده ويتجاهل وظيفته، ويجمح في مجال الخيال الفاسد، والأوهام الكاذبة بعيداً عن نور الوحي.

والخيال والوهم لا يصلحان أساساً للعقيدة والمعرفة الصحيحة حتماً[18]، علماً بأن العقل الصريح لا يخالف النقل الصحيح[19].

2- فريق يؤمن بالجملة بالله وبكلامه (القرآن)، وبسنة نبيه إيماناً فاتراً خالياً عن الحرارة والحلاوة. وهذا الفريق يستدل على ما آمن به من كمالات الله - في حدود تصوره- بالأدلة العقلية التي يسميها بالبراهين القطعية، ولا يرى الاستدلال بأدلة الكتاب والسنة، بدعوى أنها أدلة ظنية لا تفيد العلم اليقيني. وهو موقف أهل الكلام بالجملة علماً بأنهم فرق شتى، وقد تسربت بعض عقائدهم، ودخلت على الأشاعرة المتأخرين من حيث لا يعلمون، وسيأتي تفاصيل ذلك إن شاء الله.

3- فريق يبدأ عقيدته من ذهن خال، فيأخذ في التفكير والبحث الدقيق ليصل بتفكيره وبحثه إلى الإيمان، بعد أن يقطع أشواطاً طويلة في التأني والسير خطوة خطوة حتى يصل للإيمان بأي شيء، أدى إليه تفكيره، فيؤمن به ويسميه حقيقة. يشبه بعض الكتاب هذا الفريق بقاضٍ عدل عرضت عليه قضية ما وهو خالي الذهن، فجعل يستمع إلى أقوال الخصوم وحججهم، حتى يدرك موقع الحق من عرض حججهم، فيحكم بينهم بما أدى إليه اجتهاده، بعد ذلك العرض الطويل من أقوال الخصوم وحججهم، وهؤلاء هم الفلاسفة الذين يسمون أنفسهم (بالحكماء) في الوقت الذي يسمون فيه غيرهم بالعوام، وقد يثبتون واسطة أحياناً، وهم علماء الكلام كما يقول أبو الوليد بن رشد: (إن علماء الكلام ليسوا بالعلماء -الحكماء- وليسوا من العوام) بل يسميهم (جدليين).

هكذا تفرق المسلمون في موقفهم من أدلة الكتاب والسنة، وهو الذي دعانا للكتابة في هذا الموضوع (حجية القرآن والسنة في مبحث العقيدة).
وبعد: فالقرآن والسنة هما المصدران الأساسيان لكل بحث في العقيدة، لأنهما وحيان من الله، ويمثلان الرسالة التي كلف الله بها رسله المختارين من البشر، لتكون رابطة بين السماء والأرض، وتحمل إلى سكانها أخبار السماء، أحكاماً ربانية وتعليمات وتوجيهات إلهية.

وقد كانت تلك الرسالات متحدة في أصول الدين والإلهيان، إذ كانت كلها تنادي أول ما تنادي: {اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ**[20].

إذ كانت كلها تخرج من مشكاة واحد أي (من عند الله)، ولو كانت من مصادر متعددة لاختلفت وتضاربت، ولكنها كانت متنوعة ومختلفة في الشريعة والمناهج. حيث جعل الله لكل نبي ورسول شرعةً ومنهاجاً، يناسب أحوال وظروف أمته رحمة منه سبحانه ولطفاً، إنه لطيف بعباده.
ولقد كان كل نبي يبعث إلى قومه وبلسان قومه في ضوء منهج معين، وتشريع محدود ومؤقت. {وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خلاَ فِيهَا نَذِيرٌ**[21] واستمرت هذه السنة هكذا مدة من الزمن طويلة لحكمة يعلمها العليم الحكيم {سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً**[22].

ولما حان الوقت الذي أراد الله أن يختم فيه رسالاته إلى أهل الأرض اختار من بين عباده نبيه المصطفى محمداً من أمة أمية (العرب)، وقد كانت على فطرتها السليمة دون أن تتأثر بأي حضارة من الحضارات القائمة في ذلك الوقت، الحضارة الفارسية، والرومانية، والهندية، وغيرها، اختاره ليرسله إلى الناس كافة، وليختم به الرسالات، وبعد تمهيدات وإرهاصات مرّت عليه في صباه بعثه إلى الناس كافة، وأنزل عليه كتابه الأخير الذي ختم به الكتب السماوية (القرآن الكريم).

وقد وصفه بأنه كتاب مبارك[23]، وأنه {لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ**[24]. يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرج به الناس من الظلمات إلى النور {وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ**[25]، ولقد تكفل الله حفظ هذا الكتاب، إذ يقول عز من قائل: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ**[26]، ووكل تبيانه إلى رسوله، وخاتم أنبيائه محمد صلى الله عليه وسلم، إذ يقول جل وعلا: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ**[27]،

وشهد له سبحانه أنه عليه الصلاة والسلام لا ينطق عن الهوى في بيانه هذا وأداء أمانة الرسالة: {إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى**[28]، ولما كانت هذه مكانته وهذا شأنه أوجب الله طاعته، وحرم معصيته، فمن أطاعه فقد أطاع الله، ومن عصاه فقد عصى الله، إذ يقول عز من قائل: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ**[29]، ويقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً**[30]، فأمر الله المؤمنين بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.

يقول بعض أهل العلم عند تفسير هذه الآية: "أعاد الفعل مع طاعة الرسول إعلاناً بأن طاعته عليه الصلاة والسلام تجب استقلالاً، من غير عرض ما أمر به على الكتاب، بل إذا أمر وجبت طاعته مطلقاً سواء كان ما أمر به في الكتاب أو لم يكن فيه، فإنه صلى الله عليه وسلم أوتي الكتاب ومثله معه، ولم يأمر بطاعة أولي الأمر استقلالاً، بل حذف الفعل وجعل طاعتهم في ضمن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، إلى أن قال: ثم أمر الله تعالى برد ما تنازع فيه المؤمنون إلى الله ورسوله، إن كانوا مؤمنين، وأخبرهم أن ذلك الرد خير لهم في العاجل وأحسن تأويلاً في العاقبة".

و(شيء) في قوله تعالى: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ**، نكرة في سياق الشرط، تعم كل ما تنازع فيه المؤمنون من مسائل الدين دُقِّه وجُلِّه، ولو لم يكن في كتاب الله وسنة رسوله حكم ما تنازعوا فيه، ولم يكن كافياً لم يأمر بالرد إليه، فإنه من الممنوع أن يأمر تعالى بالرد عند النـزاع إلى من لا يوجد عنده فصل النـزاع، والرد إلى الله هو الرد إلى كتابه، والرد إلى الرسول هو الرد إليه نفسه في حياته، وإلى سنته بعد وفاته، وهو إجماع بين أهل العلم، وهذا يدل على أن أهل الإيمان قد يتنازعون في بعض الأحكام ولا يخرجون بذلك عن الإيمان، وقد تنازع الصحابة في كثير من مسائل الأحكام وهم سادات المؤمنين وأكمل الأمة إيماناً، ولكنهم بحمد الله لم يتنازعوا في مسألة واحدة من مسائل الأسماء والصفات والأفعال، بل كلهم على إثبات ما نطق به الكتاب والسنة كلمة واحدة[31]اهـ.

هذا.. ولا يشك مسلم مهما انحطت منـزلته العلمية، وضعفت ثقافته، وضحلت معرفته أن الرسول صلى الله عليه وسلم بلغ ما أنزل الله عليه من القرآن، ذلك لأن الإيمان بأن الله أنزل القرآن على محمد عليه الصلاة والسلام، وأنه بلغه كما نزل، وأنه بيّن للناس، وأوضح ما يحتاج إلى البيان والإيضاح، وأنه دعا الناس إلى معرفة الله بصفات الكمال، ولم يفتر عن الدعوة إلى الله وإلى تعريف العباد بربهم حتى التحق بالرفيق الأعلى صلى الله عليه وسلم.

إن هذا المقدار من الإيمان من أصول هذا الدين وأساسه الذي ينبني عليه ما بعده من واجبات الدين وفروضه، إذا كنا نؤمن هذا الإيمان - ويجب أن نؤمن- فأين نجد بيانه عليه الصلاة والسلام، الذي به يتحقق امتثاله لتلك الأوامر؟
{بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ**[32]، {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ**[33]، {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ**[34].


الجواب: نجد ذلك في سنته المطهرة التي هي خير تفسير للقرآن بعد القرآن، والتي قيض الله لها من شاء من عباده فصانوها، وحفظوها من كل قول مختلق، وكل معنى مزيف، ودونوها منقحة مصداقاً لقوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ**[35] كما تقدم.
والذكر المنـزل المحفوظ هو القرآن الكريم في الدرجة الأولى، والسنة تدخل في عموم الذكر عند التحقيق، وإنعام النظر وبيان ذلك:

إذا كان القرآن الكريم محفوظاً بنص الآية السابقة، فإن السنة المطهرة محفوظة أيضاً بدلالتها نفسها، وتوضيحه كالآتي:

1- إنها داخلة في عموم الذكر، لأنها تذكّر، كما أن القرآن يُذَكّر.

2- حفظ الله للقرآن الكريم يتضمن حفظ السنة لأنها بيان وتفسير له فحفظها من حفظه، وعلى كل حال فإن السنة المطهرة محفوظة ولا شك، وهو أمر يكاد أن يكون ملموساً لمس اليد، إذ قيض الله لها رجالاً أمناء ونقاداً أذكياء يدركون من العلل الخفية ما يعجز عن إدراكها غيرهم، منهم من قاموا بدراستها وحفظها سنداً ومتناً، وجمعها، ومنهم من عمدوا إلى غربلتها وتصفيتها حتى يتبين المقبول من المردود. ومنهم من دققوا في أحوال الرواة حتى إنهم يدرسون أحوالهم راوياً راوياً، بل حتى إنهم ليعرفون آباءهم وأجدادهم ومشايخهم، وتلامذتهم الذين حدثوا عنهم إلى آخر تلك الخدمة الفريدة التي قدمت ولا تزال تُقدم للسنة المطهرة، ولله الحمد والمنة.

ومن خدمتهم للسنة أنهم قسموا الأحاديث إلى ثلاثة أقسام رئيسية:


القسم الأول: الحديث الصحيح، وهو الحديث المسند القوي الذي يتصل بإسناده بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط، من أول السند إلى منتهاه، وقد سَلِمَ من العلل والشذوذ، ومتى قالوا: هذا حديث صحيح، فمعناه: أنه اتصل سنده مع توافر سائر الأوصاف فيه، وقد يختلفون في صحة بعض الأحاديث لاختلافهم في توافر هذه الصفات فيه، أو لاختلافهم في اشتراط بعض هذه الأوصاف.
ثم إن الحديث الصحيح نفسه ينقسم إلى متفق عليه، ومختلف فيه، كما يتنوع إلى مشهور وغريب.
ويتفاوت الصحيح من حيث القوة أيضاً، فأقواه ما اتفق عليه البخاري ومسلم، ثم ما انفرد به البخاري وحده ثم ما انفرد به مسلم، وهكذا.
وقد يحكم بعضهم على سند بعينه أنه أصح الأسانيد على الإطلاق، فيرى الإمام إسحاق بن راهويه أن أصح الأسانيد كلها ما رواه الزهري عن سالم بن عبد الله عن أبيه عبد الله بن عمر، ويوافقه على ذلك الإمام أحمد بن حنبل.
ويرى أبو بكر بن أبي شيبة أن أصح الأسانيد كلها: الزهري عن علي بن الحسين عن أبيه عن علي.

بينما يرى الإمام البخاري صاحب الصحيح - وهو أول من صنف في الصحيح - أن أصح الأسانيد كلها: مالك عن نافع عن ابن عمر، وبنى على ذلك الإمام أبو منصور عبد القاهر بن طاهر التميمي أن أجل الأسانيد: الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر، واحتج بإجماع أصحاب الحديث على أنه لم يكن في الرواة عن مالك أجل من الإمام الشافعي رحمهم الله ورضي عنهم[36].
هذا نوع من تلك الأنواع الكثيرة من خدمة السنة النبوية والاهتمام بها.


القسم الثاني: الحديث الحسن وقد عرفه بعضهم بأنه الذي عرف مخرجه واشتهر رجاله، بينما عرفه البعض الآخر بأنه الذي اشتهر رواته بالصدق والأمانة غير أنهم لم يبلغوا درجة رجال الصحيح، أي قد نقصت درجاتهم في الحفظ والإتقان عن درجات رجال الصحيح[37].
فهذان النوعان يحتج بهما عند جمهور أهل العلم، لأن المدار عندهم على صحة الإسناد، وقد تحقق ذلك في النوعين مع التفاوت المشار إليه، ولا فرق عند الاحتجاج بين الصحيح والحسن لما ذكرنا من أن المدار على الصحة.


أما القسم الثالث: فهو الحديث الضعيف بأقسامه الكثيرة، وهو الحديث الذي لم تجتمع فيه صفات الحديث الصحيح، ولا صفات الحديث الحسن المذكورات[38]. وقد بلغت أقسامه عند بعضهم إلى خمسين قسماً.

وهذا القسم مستبعد عن الاحتجاج به لا في الأصول ولا في الفروع اللهم إلا إذا كان الضعف يسيراً وتعددت طرقه فيرتفع عندئذ إلى درجة الحسن، فيقال له الحسن لغيره للتفريق بينه وبين الحسن لذاته[39].

وهذه العناية بالشطر الأول من الحديث (وهو الإسناد) إذا أضيفت إلى الاهتمام بالشطر الآخر وهو (المتن) تدلنا دلالة واضحة على أن الله قد حفظ سنة نبيه صلى الله عليه وسلم كما حفظ كتابه لأنها شارحة لكتابه، وتفسير له، كما تقدم بيان ذلك، وتعتبر المحافظة على الإسناد، وضبط الأحاديث باباً مهماً من الدين، حيث لا تجوز الرواية إلا عن الثقات وأن جرح الرواة بما هو فيهم جائز، بل قد يكون واجباً فضلاً من أن يعد من الغيبة المحرمة[40]، لأن هذا الجرح نوع من النصح والذب عن الشريعة المطهرة، فيقول النبي الكريم عليه الصلاة والسلام: "الدين النصيحة"، وقد روى عبدان بن عثمان عن ابن المبارك أنه كان يقول: "الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء"، ويقول العباس بن أبي رزمة[41]: سمعت عبد الله بن المبارك "يقول: بيننا وبين القوم القوائم يعني الإسناد".

فشبه الحديث بالحيوان ذي القوائم، فكما أن الحيوان لا يقوم بغير قوائم، فكذلك الحديث لا يقوم بغير الإسناد، فتحت هذه العناية البالغة بالإسناد والمتن معاً وصلت إلينا السنة المطهرة، ثم إن هذا الإسناد الذي ينقل إلينا أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الصورة الدقيقة لا تتمتع به أية ملة أخرى، لا اليهودية ولا النصرانية، بل الإسناد من خصوصيات هذه الأمة المحمدية.

يقول صاحب كتاب (الوضع في الحديث): "والإسناد بنقل الثقة عن مثله إلى النبي صلى الله عليه وسلم خصوصية لهذه الأمة المحمدية، امتازت به عن سائر الأمم، فإن اليهود ليس لهم إلى نبيهم إلا الإسناد المعضل، ولا يقربون إلى نبيهم موسى عليه السلام قربنا لنبينا عليه الصلاة والسلام، بل الانقطاع بينهم وبينه بأكثر من ثلاثين نفساً، فغاية أسانيدهم تبلغ إلى شمعون ونحوه. وأما النصارى فلا يعرفون الإسناد إلا ما قيل في تحريم الطلاق"[42].
قال محمد بن حاتم بن المظفر: "إن الله أكرم هذه الأمة وشرفها وفضلها بالإسناد، وليس لأحد من الأمم قديمها وحديثها إسناد موصول"[43].

فإذا كان كتاب الله محفوظاً -كما علم- وإذا كانت سنة نبيه محفوظة أيضاً -كما شرحنا، ثم عرفنا موقف خير هذه الأمة- وهم الصحابة والتابعون من نصوص الكتاب والسنة، حيث لا يعمدون إلى غيرها للاستدلال، ولا يلتمسون الهدى فيما سواها. ونحن على يقين أنه لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، وأولها إنما صلح بالتمسك الصادق لهدي الكتاب والسنة عقيدة وشريعة كما نحن على يقين ثابت أنه لا يصبح اليوم ديناً ما لم يكن ديناً أمس، فإذا كان ذلك كذلك فقد وجبت حجية كتاب الله، وحجية سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم بما لا يترك مجالاً للشك والتردد وأن تلك الحجية ثابتة في الأحكام والعقيدة على حد سواء إذ لا يوجد مبرر أو مصور للتفريق بين الأحكام والعقيدة حتى تصبح للعقيدة فئات خاصة من الأدلة غير الفئات التي يستدل بها في إثبات الأحكام، وتتخصص العقيدة في الأدلة العقلية ولا حظ لها في الأدلة النقلية إلا ما كان من باب الاتفاق أو الاستئناس لها.

وفي اعتقادي الجازم أن هذا التصرف من مبتدعات العصر العباسي وما بعده، وهو من منتجات مدرسة (علم الكلام) الذي لا يتجاوز تاريخ ميلاده العهد العباسي، ويذكرني هذا التصرف ما كان يقوله عبد الله بن مسعود لتلامذته: "عليكم بالأمر العتيق"[44]، ويقول أيضاً: "اتبعوا ولا تبتدعوا، وقد كفيتم"[45]، والذي نعتقده وندين الله به - وهو المعقول أيضاً- أن كل ما صح الاستدلال به على الأحكام من النصوص الصريحة، والأحاديث الصحيحة، يصح الاستدلال بمثله في العقيدة في إثبات صفات الله تعالى وأسمائه وأفعاله، وما يتعلق بأفعال العباد، بل على كل ما يجب الإيمان به في الدين، ومن يفرق بين هذه الأبواب في أدلتها فيطالب بالدليل ولا دليل، فإذاً يصح الاستدلال بكل ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في العقيدة كما صح في الأحكام، وهذا هو المطلوب.

وأما دعوى المعارض (علماء الكلام) أنها أدلة لفظية عرضة للنسخ والتخصيص والتقييد، فلا يتم الاستدلال بها في هذا الباب، فهي ثرثرة نحفظها لعلماء الكلام الذين شغلهم الكلام عن العلم، فلا ينبغي أن يلقى لها بال، لأن جانب العقيدة لا يمكن أن يقع فيه نسخ وتغيير، وهذا التصرف لا يعرف قبل العصر العباسي، ولا يكاد يدور في رأس أحد من المسلمين قبل ذلك، إذ ليس من الدين ولا من مقتضى العقل الصريح، والفطرة السليمة ألاّ يستدل في المطالب الإلهية بكلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، ليستدل عليها بقول العلاّف، والنظاّم، وابن أبي دُؤاد وأمثالهم، وما ذلك إلا لتزهيد الناس في نصوص الكتاب والسنة، بينما الواجب الذي يقتضيه الإيمان دعوة الناس إلى الاعتصام بهما فقط دون التفات إلى غيرهما، ولا سيما في باب العقيدة وهو باب يجب ألا يتجاوز فيه الكتاب والسنة، كما قال الإمام أحمد رحمه الله في أثناء المناقشة أيام المحنة.
وما أحسن ما حكاه الحسن بن صالح العباداني عن أحد العباد (سهل بن عبد الله التستري) قال: دخلت على سهل بن عبد الله التستري فقلت له: أوصني أيها الشيخ يرحمك الله فإني أريد الحج، فقال لي: أوصيك، وواعظك معك؟ فقلت: ومن واعظي يرحمك الله؟ قال: الكتاب المنـزل، فقلت له: الكتاب كبير وفيه مواعظ وتخويف، فعظني يرحمك الله قال: بسم الله الرحمن الرحيم {مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا**[46]، قال: ثم قال: استمسك بما سمعت ترشد، قال: فوالله لقد دلتني هذه الآية على كل خير[47] ا.هـ
يستفاد من هذه القصة ما يأتي:
1- إصرار ذلك العابد الكبير على أن كتاب الله خير واعظ ولا ينبغي العدول عنه إلى غيره وأن كل من طلب علماً ينتفع به في دينه، يجب أن يرشد ويشجع على التمسك بكتاب الله، ولا ينبغي للوعاظ والعلماء والمشايخ تزهيد الناس في كتاب الله بترغيبهم في التماس الحق والهدى والعقيدة السليمة في غيره، بل الواجب ترغيب الناس في التمسك بكتاب الله المنـزل مشروحاً بالسنة المطهرة التي لا يستغني عنها كل مفسر لكتاب الله لأنها صنو القرآن، ووحي مثله في باب التشريع ووجوب الاتباع.
2- حسن اختيار سهل بن عبد الله التستري، حيث اختار للسائل (آية المعية) ليشعر السائل عند تلاوتها أن الله معه بعلمه، والاطلاع عليه، ومحيط به، ولا يخفى عليه من أمره وتصرفاته شيء حيثما كان في سفره وحضره، وهي معية عامة، وسيأتي الكلام مفصلاً عن صفة المعية إن شاء الله.
هكذا يجب أن يكون الوعاظ والعلماء والدعاة، لئلا ينصرف الناس عن كتاب الله وسنة نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى السفسطة والجدل الكلامي الذي أصبح حجاباً منيعاً بين كثير من المتأخرين وبين كتاب ربهم وسنة نبيهم.
وما أروع قول الإمام مالك إمام دار الهجرة وأحد أئمة الدنيا الأربعة في عصر تابع التابعين، إذ يقول رحمه الله: "أوكلما جاءنا رجل أجدل من رجل تركنا ما جاء به جبريل إلى محمد صلى الله عليه وسلم لجدل هؤلاء"[48]، وسيأتي مزيد بيان لهذا المعنى إن شاء الله.

ومن كل ما تقدم يتضح أن علماء المسلمين في هذا الشأن -سلفاً وخلفاً- ينظرون إلى السنة نظرهم إلى الكتاب من حيث الاستدلال بها، فيستدلون بالسنة حيث يستدلون بالقرآن دون أن يفرقوا بين الآحاد والمتواتر، وسوف نتحدث في المبحث التالي في هذه النقطة مستعينين بالله.

[1] مختار الصحاح.

[2] رواه مسلم في 4/2059 رقم 1017، وأحمد 4/357، 358 من حديث جرير بن عبد الله.

[3] تاج العروس.

[4] رواه مالك في الموطأ بلاغا 1/121.

[5] أخرجه مالك في الموطأ 1/207.

[6] سورة الفتح آية: 23.

[7] سورة فاطر آية: 43.

[8] سورة الكهف آية: 55.

[9] تاج العروس.

[10] المصدر السابق.

[11] تهذيب الأسماء واللغات 2/156.

[12] المصدر نفسه 2/156.

[13] أخرجه أحمد 4/126، والدارمي 1/44، وأبو داود 5/14، والترمذي 5/44، وابن ماجه 1/15، 16، وابن أبي عاصم في السنة 1/31، والحاكم 1/95-97 في حديث طويل من حديث العرباض بن سارية، وصححه الترمذي والحاكم والذهبي والألباني.

[14] سورة النجم آية: 3، 4.

[15] راجع المنار المنيف في الصحيح والضعيف للإمام ابن القيم ص40 تحقيق طه عبد الرؤوف سعد، دار السلام - القاهرة.

[16] وربما يعود أيضاً إلى أثر الثقافة الغربية والمناهج التعليمية التي خططها ونفذها دعاة التغريب في العالم الإسلامي. ولعل أول أهدافهم توهين الصلة بالكتاب والسنة وإبعادهما عن الزاد العلمي والثقافي الذي ينبغي أن يصبح في المكانة الأولى من اهتمام المسلم.

[17] سورة الشورى آية: 11.

[18] أضواء على طريق الدعوة إلى الإسلام ص: 67.

[19] وقد ألف شيخ الإسلام ابن تيمية في هذه القاعدة كتاباً، وهو مطبوع على هامش منهاج السنة باسم (موافقة العقل للنقل، وهو كتاب درء تعارض العقل والنقل الذي حققه الدكتور محمد رشاد سالم، وتم طبعه ونشره بواسطة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض).

[20] سورة الأعراف آية: 59.

[21] سورة فاطر آية: 24.

[22] سورة الفتح آية: 23.

[23] انظر: سورة الآنعام آية: 6، وسورة الأنبياء آية: 21، وسورة ص آية: 29.

[24] سورة فصلت آية: 42.

[25] سورة المائدة آية: 16.

[26] سورة الحجر آية: 9.

[27] سورة النحل آية: 44.

[28] سورة النجم آية: 4، 5.

[29] سورة محمد آية: 33.

[30] سور النساء آية: 59.

[31] إعلام الموقعين للحافظ ابن القيم بتصرف 1/48.

[32] سورة المائدة آية: 67.

[33] سورة النحل آية: 44.

[34] سورة النحل آية: 125.

[35] سورة الحجر آية: 9.

[36] مقدمة ابن الصلاح ص: 8-9.

[37] قال الإمام ابن تيمية: والترمذي أول من قسم الأحاديث إلى صحيح وحسن وغريب وضعيف، لم يعرف قبله عن أحد، لكن يقسمون الأحاديث إلى صحيح وضعيف، كما يقسمون الرجال إلى ضعيف وغير ضعيف اهـ.
شرح الحديث: إنما الأعمال بالنيات، ضمن مجموعة الرسائل الكمالية 2 في الحديث، مكتبة المعارف الطائف ص: 20.

[38] المصدر السابق ص: 20.

[39] انظر مقدمة ابن الصلاح ص: 17.

[40] النووي، شرح مسلم 1/86.

[41] رزمة بكسر الراء وسكون الزاء وفتح الميم، مقدمة صحيح مسلم بشرح النووي 1/88.

[42] د. عمر بن حسن فلاته الوضع في الحديث 2/11.

[43] المصدر السابق.

[44] السنة لمحمد بن نصر المروزي ص: 23، مطابع دار الفكر بدمشق، وانظر أيضاً: سنن الدارمي 1/54، والفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي، وجامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر 2/7.

[45] أخرجه وكيع في الزهد رقم 315، وأحمد في الزهد ص: 162، والدارمي 1/69، ومحمد بن وضاح القرطبي في البدع ص: 10، وأبو خيثمة في العلم ص: 122.
قال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح، وقال الألباني: إسناده صحيح.

[46] سورة المجادلة آية: 7.

[47] المعارضة والرد لسهل بن عبد الله التستري تحقيق ونقد وتعليق الدكتور محمد كمال جعفر، ص: 75.

[48] انظر: حلية الأولياء 6/324، وسير أعلام النبلاء 8/88، ورسالة الفتوى الحموية الكبرى ص: 32، بتصحيح وتعليق الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة.


يتبع بالمبحث الثالث:مدى حجية أخبار الآحاد في إثبات الصفات الإلهية





التوقيع

أيها المساء ...كم أنت هادئ

    رد مع اقتباس
قديم 2015-10-07, 18:09 رقم المشاركة : 4
صانعة النهضة
مراقبة عامة
 
الصورة الرمزية صانعة النهضة

 

إحصائية العضو








صانعة النهضة غير متواجد حالياً


وسام التنظيم المميز السيرة 1438ه

مسابقة السيرة 5

وسام المنظمة

وسام منظم مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام الشخصية الفضية

وسام المشاركة في الدورة التكوينية مهارات الاتصال ا

وسام المطبخ المرتبة 1

وسام لجنة التحكيم

وسام العضو المميز

افتراضي رد: الصفات الإلاهية في الكتاب والسنة النبوية


المبحث الثالث: مدى حجية أخبار الآحاد في إثبات الصفات


الأخبار المقبولة التي تثبت بها الأحكام والأمور الخبرية العلمية تنقسم إلى أربعة أقسام:


أحدها: أخبار متواترة لفظاً ومعنى.
وهي الأخبار التي يرويها عدد كبير غير محصور في عدد معين، ولكنه يستحيل عادة تواطؤهم على الكذب، وهم معروفون بالضبط والعدالة والثقة وغيرها من الصفات المعتبرة عند علماء هذا العلم الشريف.

والحديث الذي يرويه هذا العدد بهذه الصورة يسمى متواتراً لفظاً ومعنى، وله أمثلة كثيرة معروفة في موضعها ومن أبرزها حديث الرؤية، وقد رواه ثلاثون صحابياً كما ذكر الحافظ ابن القيم في كتابه (حادي الأرواح)، وساق كل حديث بعد أن أفرد له فصلاً مستقلاً في الكتاب المذكور.

وثانيها: أخبار متواترة معنى،
وإن لم تتواتر بلفظ واحد، وله أمثلة كثيرة مثل أحاديث العلو والاستواء، وأحاديث إثبات العرش نفسه حيث نقلت هذه الأخبار بعبارات مختلفة من طرق كثيرة، يمتنع معها التواطؤ على الكذب عقلاً وعادة، وأمثلتها كثيرة، وقد تناقلها خيار من خيار من سلف هذه الأمة واستمر الأمر إلى يوم الناس هذا.

وثالثها: أخبار مستفيضة متلقاة بالقبول بين الأمة،
وهي من قبيل الآحاد عند علماء هذا الشأن.

رابعاً: أخبار الآحاد مروية بنقل رواة عدول ضابطين من أول السند إلى آخره
.
أما القسم الأول والثاني، فحجيتهما محل إجماع عند أهل العلم، من سلف هذه الأمة إلا ما كان من العقليين الذين لا يقيمون وزناً للأدلة النقلية مهما تواترت، قال في شرح الطحاوية: قسمت المعتزلة والجهمية والروافض والخوارج الأخبار إلى قسمين:

1- المتواتر

2- الآحاد.

فالمتواتر وإن كان قطعي السند لكنه غير قطعي الدلالة، لأن الأدلة اللفظية لا تفيد اليقين، ولهذا قدحوا في دلالة القرآن على الصفات.

وأما الآحاد قلا تفيد العلم، ولا يحتج بها من جهة طرقها، ولا من جهة متنها، "ثم قال الشارح رحمه الله: فسدوا على القلوب معرفة الله تعالى وأسمائه وصفاته وأفعاله من جهة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأحالوا الناس على قضايا وهمية ومقدمات خيالية سموها قواطع عقلية، وبراهين يقينية، وهي في الحقيقة كسراب بقيعة بحسبه الظمآن ماء"إلى آخر كلامه[1].

هذا موقف كبرى الطوائف الإسلامية -كما يقولون- هنا يحق لي أن أتساءل: ما الفرق بين قول الذين يقولون: إن شريعة القرآن غير صالحة اليوم لتطبيقها. إذ هناك قوانين وضعها الخبراء المختصون، وهي من أصلح ما يوجد لهذا الوقت، إذ هي تساير الحياة المتطورة التي نعيشها، وإن كنا نؤمن بأن القرآن من عند الله، وأن السنة النبوية المطهرة كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى، ولكننا لا نرى تطبيق شريعتهما للظروف التي ذكرناها أو ذكرنا بعضها.

ما الفرق بين هذا الموقف وبين موقف الذين يقولون: إن الآيات القرآنية والأحاديث المتواترة لا نشك أنها قطعية الثبوت عن الله تعالى وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنسبة للأحاديث، ولكننا نعتقد أن هذه الأدلة اللفظية ظنية لا تفيد اليقين فلا نرى الاستدلال بها -على سبيل الاستقلال- في باب العقائد بل نرى وجوب الاستدلال بالأدلة القطعية، وهي الأدلة العقلية.

هل هناك فرق بين الموقفين؟! لا يمكن أن يجاب إلا بـ (لا).

إذاً فما معنى الإيمان بالقرآن وبمن أنزل عليه القرآن؟! إن لم يكن معناه التصديق بأن القرآن كلام الله، وأن السنة وحي من الله إلى رسوله صلى الله عليه وسلم وأن الغرض من إنزالهما هو العمل بهما عقيدة وأحكاماً وأخلاقاً وسلوكاً ثم تطبيق ذلك عملياً، هذا هو المعنى الصحيح للإيمان بالكتاب والسنة.

ولهذا نرى أن عبارة القوم ينقض آخرُها أولَها، إذ لا معنى لكونها قطعية الثبوت ظنية الدلالة إلا رفض النصوص بهذا الأسلوب المخدّر، هذا ما نفهمه من تلك العبارة التقليدية التي يرددها بعض علماء الكلام، وبعض الأصوليين الذين تأثروا بعلم الكلام، وهي قولهم:
(إن الأدلة اللفظية قطعية الثبوت ظنية الدلالة) فخلافهم لا تأثير له في الإجماع لأنهم قد اتبعوا غير سبيل جمهور أهل العلم الذين يرون أن الأدلة النقلية هي العمدة في جميع المسائل الدينية، وتعتبر الأساس في هذا الباب وغيره، والأدلة العقلية تابعة لها، وسوف لا تخالفها عند حسن التصرف فيهما.

وأما القسمان الثالث والرابع فالذي عليه عمل المسلمين في الصدر الأول وما يليه من عصور التابعين الاحتجاج بهما إذا صحت، وتلقتها الأمة بالقبول مستدلين بها في كل باب في الأمور الخبرية وغيرها، وقد كان مدار الاحتجاج بالأخبار عندهم الصحة فقط، ولا شيء غير الصحة.

ولو رجعنا إلى الماضي إلى ما كان عليه العمل في عصر النبوة، والعصور التي تلت ذلك العصر لرأينا الشيء الكثير مما يشهد لما ذكرنا، وإليك بعض تلك الشواهد والأمثلة:

1- حديث عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "نضّر الله امرءاً سمع مقالتي فحفظها ووعاها وأداها كما سمعها، فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل لله، والنصيحة للمسلمين، ولزوم جماعتهم، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم".
قال الإمام الشافعي معلقاً على هذا الحديث: "فلما ندب رسول الله إلى استماع مقالته، وحفظها وأدائها (امرأ) يؤديها و (الامرأ) واحد[2]: دل على أنه لا يأمر أن يؤدى عنه إلا ما تقوم به الحجة على من أدى إليه، لأنه إنما يؤدي عنه حلال وحرام يجتنب، وحد يقام ومال يؤخذ ويعطى، ونصيحة في دين ودنيا".

واستدلال الإمام الشافعي بهذا الحديث على قبول أخبار الآحاد في غاية الوضوح حيث لم يشترط الرسول صلى الله عليه وسلم لسماع حديثه عدداً قليلاً أو كثيراً، بل ندب شخصاً واحداً ليسمع حديثه ويؤدي ما سمع، ويشمل ذلك الأحكام والعقائد بما في ذلك إثبات صفات الله تعالى[3].

ب- حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في قصة تحويل القبلة قال: "بينما الناس بقباء في صلاة الصبح، إذ أتاهم آت فقال: إن رسول الله قد أنزل عليه قرآن، وقد أُمر أن يستقبل القبلة فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة"[4].

والمصلون في مسجد قباء جماعة من الصحابة وهم أهل سابقة في الإسلام، وأصحاب فقه في الدين، وقد كانوا متجهين إلى قبلة يؤدون فريضة الصلاة، والاستقبال فيها شرط لصحتها، وقد استقبلوا قبلتهم تلك بفرض من الله، ولو كانوا يعتقدون أن خبر الواحد لا يفيد العلم، لما تركوا قبلتهم القديمة إلى قبلة جديدة لم يعلموها إلا بخبر شخص واحد، وهم لم يلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدُ، ولم يسمعوا الآية التي نزلت لتحويل القبلة.
وهذا التصرف من أولئك السادة يدل دلالة واضحة -وهم يعيشون في عصر نزول الوحي- أن خبر الواحد الثقة تقوم به الحجة، وهو مفيد للعلم قطعاً، والله أعلم.
والمفرق بين الأحكام والعقيدة من حيث الاستدلال يطالب بنص صحيح وصريح وأنى له ذلك؟!!

جـ- حديث أنس بن مالك في تحريم الخمر قال: "كنت أسقي أبا طلحة وأبا عبيدة بن الجراح وأبي بن كعب شراباً من بطيخ وتمر، فجاءهم آت فقال: إن الخمر قد حرمت، فقال أبو طلحة: قم يا أنس إلى هذه الجرار فاكسرها، فقمت إلى مهراس لنا فضربتها بأسفله حتى تكسرت"[5].

فهؤلاء نخبة من أصحاب رسول الله كانوا على شراب كان حلالاً لهم أن يشربوه، فجاءهم آت يخبرهم بتحريمه، فبادر صاحب الجرار أبو طلحة بتكسيرها دون توقف، وقبل أن يقول هؤلاء، أو أحد من الحاضرين لمن أخبرهم بتحريم الخمر أنهم على حلها حتى يلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيتبينوا الأمر، لأن المخبر واحد، وخبر الواحد لا يفيد العلم.

كل ذلك لم يقع، ولكن الذي وقع أن القوم علموا بأن الحجة قائمة عليهم بحرمة الخمر، وأنه لا يجوز لهم أن يشربوا منها بعد هذا الخبر، فأقلعوا عن شرب الخمر بل كسروا جرارها وأراقوها امتثالاً للتحريم الذي علموه بخبر الواحد.

د- حديث بعث معاذ بن جبل إلى اليمن داعية ومفتياً وحاكماً، وفي مقدمة ما يدعو الناس إليه توحيد الله بالعبادة، وهو أصل الأصول وأساس الدين، وهو فرد واحد في منطقته التي يقوم فيها بالدعوة، وتعليم الناس ما فرض الله عليهم ويأخذ منهم ما وجب عليهم من الزكاة، بينما يعمل علي بن أبي طالب، وأبو موسى الأشعري في مناطق أخرى في اليمن، كل على حدة، وكل واحد تقوم به الحجة في جهته[6].

وهناك عدد كبير من رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعثهم في الآفاق دعاةً وولاةً ومفتين، ومبلغين عن رسول الله ما بعث به، ومن هذا القبيل أمراء السرايا وحملة كتبه، ورسائله عليه الصلاة والسلام إلى الملوك والأمراء في الأقطار والأمصار، وهم عدد كبير جداً.
يقول الإمام الشافعي في رسالته: "بعث في دهر واحد اثني عشر رسولاً إلى اثني عشر ملكاً يدعوهم إلى الإسلام".

ومن راجع السنة وكتب السير يجد أمثلة كثيرة لهذا النوع من الأخبار التي يحملها شخص واحد أو أشخاص معدودون بعثوا إلى المسلمين في عهد النبوة وبعده، ولم يقل أحد من المبعوث إليهم للمبعوثين، والرسل والأمراء: "نحن لا نقبل أخبار الآحاد، أو لا تقوم علينا الحجة بأخباركم هذه لأنها دون التواتر"، كل ذلك لم يقع ولا بعضه.
وهؤلاء الدعاة المبعوثون مثل معاذ وزملائه كعلي بن أبي طالب وأبي موسى الأشعري إلى مناطق مختلفة في اليمن، وأولئك الأمراء والرسل إنما يبلغون عن رسول الله جميع ما بعث به من الدين، فروعاً وأصولاً في الأمصار.

وسبق أن قلت في بعض النقاط السابقة: أن من يدعى أو يزعم أن للعقيدة من إثبات الصفات وغيرها أدلة معينة غير الأدلة التي يستدل بها على الأحكام، فعليه دليل فيما يدعيه، وليس هناك دليل ولا بينة، وكل دعوة ليست عليها بينة فهي غير مقبولة قطعاً، والله الموفق.

ذكر نصوص بعض الأئمة في إفادة خبر الواحد العلم:
وقد ذكر عدد غير قليل من أهل هذا الشأن أن أخبار الآحاد تفيد العلم نذكر منهم الأئمة التالية أسماؤهم:

1- الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المتوفى سنة 179هـ.
2- الإمام الشافعي، المتوفى سنة 204هـ.
3- أصحاب الإمام أبي حنفية مثل أبي يوسف ومحمد بن الحسن.
4- داود بن علي الظاهري وأصحابه كأبي محمد بن حزم.
5- أحمد بن حنبل في رواية عنه،[7] المتوفى سنة 241هـ.

يقول الحافظ ابن القيم رحمه الله وهو يتحدث عن مكانة علم الحديث عند السلف وأهل الحديث: "فإذا اجتمع في قلب المستمع لهذه الأخبار العلم بطريقتها، ومعرفة حال رواتها، وفهم معناه، حصل له (العلم الضروري) الذي لا يمكنه دفعه، ولهذا كان أئمة الحديث الذين لهم لسان صدق في الأمة قاطعين بمضمون هذه الأحاديث شاهدين بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم جازمين بأن من كذّب بها، أو أنكر مضمونها فهو كافر مع علم من له اطلاع على سيرتهم وأحوالهم بأنهم من أعظم الناس صدقاً وأمانة وديانة، وأوفرهم عقولاً وأرشدهم تحفظاً وتحرياً للصدق، ومجانبة للكذب، وأن أحداً منهم لا يحابي في ذلك أباه ولا ابنه، ولا شيخه ولا صديقه، وأنهم حرروا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تحريراً لم يبلغه أحد سواهم، لا من الناقلين عن الأنبياء، ولا من غير الأنبياء، وهم شاهدوا شيوخهم على هذه الحال وأعظم، وأولئك شاهدوا من فوقهم كذلك وأبلغ حتى انتهى الأمر إلى من أثنى الله عليهم أحسن الثناء، وأخبر برضاه عنهم، واختياره لهم واتخاذه إياهم شهداء على الأمم يوم القيامة... إلى أن قال رحمه الله: وقول هؤلاء الكادحين في أخباره وسنته يجوز أن يكون رواة هذه الأخبار كاذبين أو غالطين، بمنـزلة قول أعدائه يجوز أن يكون الذي جاءه به شيطان كاذب، وكل أحد يعلم أن أهل الحديث أصدق الطوائف كما قال عبد الله بن المبارك: (وجدت الدين لأهل الحديث)، والكلام للمعتزلة، والكذب للرافضة، والحيل لأهل الرأي، وسوء الرأي والتبديد لآل بني فلان".

وإذا كان أهل الحديث عالمين بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال هذه الأخبار وحدّث بها في الأماكن والأوقات المتعددة، وعلمهم بذلك ضروري، لم يكن قول من لا عناية له بالسنة والحديث: وأن هذه أخبار آحاد لا تفيد العلم مقبولاً عليهم، فإنهم يدعون العلم الضروري وخصومهم إما أن ينكروا حصوله لأنفسهم أو لأهل الحديث، فإن أنكروا حصوله لأنفسهم لم يقدح ذلك في حصوله لغيرهم، وإن أنكروا حصوله لأهل الحديث كانوا مكابرين لهم على ما يعلمونه من أنفسهم بمنـزلة من يكابر غيره على ما يجده في نفسه من فرحه وألمه، وخوفه وحبه[8].

ومن كل ما ذكرنا يتضح دون شك أن أخبار الآحاد تقوم بها الحجة في إثبات الصفات، وهو ما عليه المحققون من الأئمة الأربعة، وغيرهم كثير كما تقدم، ولا عبرة لفلسفة المتفلسفين وثرثرة أتباعهم من المعتزلة الذين شغلهم الكلام عن النظر في نصوص الكتاب والسنة والاهتداء بهما، بل أخذوا يلتمسون الهدى في غيرهما حتى استولت عليهم الحيرة، وانتهت حياة كبارهم إلى الحسرة والندم، وتحذير الناس عن الخوض في علم الكلام، والتوصية بالرجوع إلى الفطرة، حتى قال قائلهم: (من جرب مثل تجربتي، عرف مثل معرفتي)[9]، وسيأتي مزيد بحث لهذه النقطة إن شاء الله.
هكذا نثبت بتوفيق الله حجية القرآن والسنة في باب الأحكام الفقهية والعقيدة على حد سواء، وأنه لا يفرق بين الكتاب والسنة من حيث الاستدلال بهما، كما أثبتنا أنه لا فرق في كل ما ذكرنا بين المتواتر وبين الآحاد.
[1] شرح الطحاوية ص: 256 ط الامتياز القاهرة.

[2] ولفظة (امرئ) هذه التي وردت في حديث نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها... فيها الهمزة همزة وصل، المراد به الرجل، ومؤنثه: امرأة، وقد تطلق اللفظة ويراد بها الإنسان، ويكون شاملاً للذكر والأنثى، وحركة الراء تابعة لحركة الهمزة، فتضم وتفتح وتكسر تبعاً للراء، فيقال: جاء امرؤ، ورأيت امرأ، ومررت بامرئ، مثل قوله تعالى: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ**، وقوله: {كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ**، وقوله: {مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ**.
انظر: دراسة حديث: "نضر الله امرأ..." للشيخ عبد المحسن العباد.




[3] الحديث صحيح متواتر، أخرجه الحميدي في مسنده 1/47، والشافعي في الرسالة ص: 401، 402، وبدائع المنن 1/14، وأحمد رقم 4517 بتحقيق أحمد شاكر، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل ص: 988، والترمذي 5/34، وابن ماجه1/85.
راجع للتفصيل: دراسة نضر الله امرأ سمع مقالتي تأليف الشيخ عبد المحسن العباد، ط المدينة المنورة.

[4] أخرجه مالك في الموطأ 1/506، وأحمد 2/16، 113، والبخاري 8/173، 174، 175، 375، و13/232، ومسلم 1/86.

[5] أخرجه البخاري 1/36 - 37 و13/241، ومسلم 3/1572.

[6] أخرجه البخاري 8/60 و13/347.

[7] مختصر الصواعق المرسلة ص: 474.

[8] مختصر الصواعق المرسلة ص: 471، 472.

[9] انظر: رسالة فتوى الحموية الكبرى، وشرح العقيدة الطحاوية.





التوقيع

أيها المساء ...كم أنت هادئ

    رد مع اقتباس
قديم 2015-10-08, 15:06 رقم المشاركة : 5
صانعة النهضة
مراقبة عامة
 
الصورة الرمزية صانعة النهضة

 

إحصائية العضو








صانعة النهضة غير متواجد حالياً


وسام التنظيم المميز السيرة 1438ه

مسابقة السيرة 5

وسام المنظمة

وسام منظم مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام الشخصية الفضية

وسام المشاركة في الدورة التكوينية مهارات الاتصال ا

وسام المطبخ المرتبة 1

وسام لجنة التحكيم

وسام العضو المميز

افتراضي رد: الصفات الإلاهية في الكتاب والسنة النبوية


المبحث الرابع: إبطال شبه الزاعمين الاكتفاء بالقرآن

بعد أن استعرضنا الأدلة النقلية والعقلية لإثبات حجية القرآن والسنة في باب العقيدة، بل أثبتنا أنه لا فرق بين الأحاديث المتواترة وبين أخبار الآحاد في هذا الباب.
نرى أن نتبع ذلك بمناقشة موقف أولئك الذي ضل سعيهم، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، وهم الذين زعموا وجوب الاكتفاء بالقرآن دون السنة، أو جواز ذلك في باب الأسماء والصفات خاصة وفي إثبات جميع الأحكام عامة، فنقول وبالله التوفيق:


إبطال شبه الزاعمين الاكتفاء بالقرآن دون السنة:

على الرغم من إجماع الأمة الإسلامية على أن السنة صنو القرآن، وأنها هي الحكمة المذكورة في القرآن في عديد من الآيات، وعلى الرغم مما هو معروف من أن الدين الإسلامي مستمد من الكتاب والسنة معاً عقيدة وأحكاماً، على الرغم من كل ذلك لم تسلم السنة من أقلام بعض المتهورين المتطرفين، ولفرط جهلهم أطلقوا على أنفسهم (القرآنيون) أي العاملون بالقرآن -في زعمهم- المكتفون به، المستغنون عن السنة، هذا تفسير كلمة (القرآنيون) بناء على زعمهم، ولكن التفسير المطابق لواقعهم إذا نظرنا إلى تصرفاتهم أنهم المخالفون للقرآن، اتباعاً للهوى، وتقليداً لبعض الزنادقة[1]، التقليد الأعمى، لأنهم في واقعهم قد خرجوا على القرآن بخروجهم على السنة، لأنهما كالشيء الواحد من حيث العمل بهما، إذ السنة تفسير القرآن، ولأن القرآن نفسه يدعو إلى الأخذ بالسنة والعمل بها إيجاباً وسلباً، إذ يقول الله عز وجل: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا**[2]، والأمر بأخذ ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم يشمل كل ما صحت به السنة المطهرة من الأحكام وإثبات صفات الله وإثبات المعاد وغير ذلك، ورد في القرآن أو لم يرد لأن ذلك من مقتضى الإيمان بالرسول ورسالته، ومما لا شك فيه أنه لا يتم الإيمان بالقرآن إلا بالإيمان الصادق بمن أنزل عليه القرآن، والإيمان به صلى الله عليه وسلم إنما يعني تصديقه في أخباره واتباع أوامره ونواهيه، وقد أوجب الله طاعته على وجه الاستقلال في قوله تعالى: {أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ**[3].

وهو أمر لا يختلف فيه اثنان مسلمان، وأما هؤلاء القرآنيون الجدد فليس لهم سلف فيما ذهبوا إليه إلا غلاة الرافضة[4] والزنادقة الذين في قلوبهم مرض كراهة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عن أصحاب رسوله.

وهؤلاء الروافض مرضى القلوب زعموا - وبئس ما زعموا- وجوب الاكتفاء بالقرآن والاستغناء عن السنة مطلقاً في أصول الدين وفروعه، لأن الأحاديث في زعمهم رواية قوم كفار حيث كانوا يعتقدون أن النبوة إنما كانت لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وأن جبريل أخطأ فنـزل بها إلى محمد صلى الله عليه وسلم بدل أن ينـزل بها إلى علي رضي الله عنه، وهذا الزعم الفاسد والقولة الجريئة هي أساس شبهة الروافض في رد الأحاديث النبوية، وهي شبهة مختلقة كما ترى.

ومن لوازم رأيهم الفاسد هذا أن أمر الوحي مضطرب، فلا يصدر من لدن عليم حكيم الذي يدبر الأمر من السماء إلى الأرض، بل يتصرف فيه ملك الوحي كما يشاء ويختار، ينـزل بالوحي على من يشاء ويعدل عمن يشاء بالوحي، كما يفهم من قول هؤلاء الروافض أن ملك الوحي نفسه غير معصوم أو غير أمين على الوحي وعلى أداء أمانة الرسالة، إذاً فما مدى إيمان الروافض بالله أولاً، ثم بالملائكة والنبيين عامة، وبخاتم النبيين خاصة، وبالكتاب الذي نزل عليه؟!!

وبعد: فلقد حاول هؤلاء الزنادقة والروافض إزالة السنن من الوجود والقضاء عليها -لو استطاعوا- أو أن يجعلوا وجودها وجوداً شكلياً فاقداً للقيمة، إلا أنهم لم ينالوا خيراً، ولم يستطيعوا أن ينالوا من السنة شيئاً، فانقلبوا خاسرين ومهزومين، مثلهم كمثل الذي يحاول قلع جبل أحد مثلاً فأخذ يحوم حوله وفي سفحه لينقل من أحجاره حجراً حجراً ظناً من أنه يمكنه بصنيعه هذا قلع الجبل وإزالته من مكانه، أو كالذي يغترف من البحر اغترافاً بيده أو بدلوه محاولاً بذلك أن ينفد البحر أو ينقص.

وما من شك أن هذا المسكين سوف تنتهي أوقاته ويجيء أجله المحدود والمحتوم، والجبل باق مكانه شامخاً ليصعد أصحاب الخبرة ويترددوا بين شعابه، ليعثروا على ما قد يخفى على غيرهم، بين تلك الشعاب المتنوعة التي لا يفطن لها غيرهم إذ لكل ميدان رجال.

كما يبقى البحر ثابتاً مكانه ليغوص الغواصون من رجال هذا الشأن، فيخرجوا للناس اللآلئ والدرر من مسائل علم الحديث النافعة، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، هذه نهاية محاولة الروافض ومن يسيرون في ركابهم وقد أرادوا أن يجدوا ما يتعللون به من الأخبار التي تشهد لما ذهبوا إليه من قريب أو من بعيد، فعثروا في أثناء بحثهم على كلام باطل بطلان مذهبهم ونصه هكذا: "ما جاءكم عني فاعرضوه على الكتاب، فما وافقه فأنا قلته، وما خالفه فإني لم أقله"، وكل من له نظر في هذا العلم الشريف يدرك أن هذا الكلام ليس من منطق الرسول عليه الصلاة والسلام، إذ لا يظهر عليه نور النبوة كما ترى، وعلى الرغم من ذلك فإن القوم قد طاروا به فرحاً، ظناً منهم أنه نافع لهم، ولكنهم لم يستطيعوا أن ينفلتوا بحديثهم هذا من أيدي حراس السنة الذين لم تنم عيونهم الساهرة حفاظاً على السنة بل عثروا على حديثهم ذلك، فأعلنوا عنه أنه من أباطيلهم ودسائسهم، حتى عرفه الناس على حقيقته بعد أن سجلوه في كتبهم، فأجروا له عمليتهم الخاصة، وفندوه وجرحوه وعرّوه أمام القراء حتى انكشف حاله، فلله الحمد والمنة.
يقول السيوطي في رسالته الطليقة (مفتاح الجنة)[5]: "قال البيهقي: باب بطلان ما يحتج به بعض من رد السنة من الأخبار التي رواها بعض الضعفاء في عرض السنة على القرآن، قال الشافعي رحمه الله: احتج عليّ بعض من رد الأخبار بما روى أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما جاءكم عني فاعرضوه على الكتاب، فما وافقه فأنا قلته، وما خالفه فأنا لم أقله"[6]، فقلت له: ما روى هذا أحد يثبت حديثه في شيء صغير أو كبير، وإنما هي رواية منقطعة عن رجل مجهول، ونحن لا نقبل مثل هذه الرواية.اهـ كلام الشافعي.

قال البيهقي: أشار الإمام الشافعي إلى ما رواه خالد بن أبي كريمة عن أبي جعفر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دعا اليهود، فسألهم فحدثوه حتى كذبوا على عيسى عليه السلام، فصعد النبي صلى الله عليه وسلم المنبر فخطب الناس فقال: "بأن الحديث سيفشو عني، فما أتاكم يوافق القرآن فهو عني، وما أتاكم يخالف القرآن فليس عني".
قال البيهقي: خالد مجهول، وأبو جعفر ليس صحابياً، فالحديث منقطع[7].
وقال الشافعي: ليس يخالف الحديث القرآن، ولكن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يبين معنى ما أراد خاصاً أو عاماً، وناسخاً ومنسوخاً. ثم التزم الناس ما سن بفرض الله، فمن قبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن الله قبل، ثم ذكر السيوطي بقية كلام البيهقي حول الحديث، وقد نقل البيهقي عن الإمام الشافعي نقولاً كثيرة في هذا الصدد نختار منها الآتي:

1- قال البيهقي: قال الإمام الشافعي رحمه الله: "سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثلاثة أوجه:
أحدها: ما أنزل الله فيه نص كتاب، فسن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل نص الكتاب.

ثانيها: ما أنزل فيه جملة كتاب، فبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله معنى ما أراد بالجملة وأوضح كيف فرضها عاماً أو خاصاً، وكيف أراد أن يأتي به العباد.
ثالثها: ما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما ليس فيه نص كتاب، فمنهم من قال: جعله الله له بما افترض من طاعته، وسبق في علمه من توفيقه له ورضاه أن يسن فيما ليس فيه نص كتاب، ومنهم من قال: لم يسن سنة قط إلا ولها أصل في الكتاب، كتبيين عدد الصلاة وعملها على أصل جملة فرض الصلاة، وكذلك ما سن من البيوع وغيرها من التشريع، لأن الله تعالى ذكره قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ**[8]، وقال: {وَأَحَلَّ اللّهُ البَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا**[9]، فما أحل وحرم مما بين فيه عن الله كما بين في الصلاة، ومنهم من قال: بل جاءته به رسالة الله فثبتت سنته بفرض الله تعالى[10].
ومنهم من قال: كل ما سن، وسنته هي الحكمة التي ألقيت في روعه من الله تعالى" انتهى كلام الشافعي.
وقال الشافعي في موضع آخر: "كل ما سن فقد ألزمنا الله تعالى اتباعه، وجعل اتباعه طاعته، والعدول عن اتباعه معصيته، التي لم يعذر بها خلقاً، ولم يجعل له في اتباع سنن نبيه مخرجاً".

قال البيهقي: "باب ما أمر الله به من طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم والبيان أن طاعتَه طاعتُه"، ثم ساق الآيات التالية: قال الله: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا**[11]، وقال عزّ من قائل: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ**[12]، إلى غيرهما من الآيات البينات التي مضمونها أن طاعةَ رسوله طاعتُه سبحانه، وأن معصيتَه معصيتُه تعالى.

ثم أورد البيهقي رحمه الله: حديث أبي رافع رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا أُلفين أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر من أمري، مما أمرت به، أو نهيت عنه يقول: لا أدري؟ ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه"[13].

ومن حديث المقدام بن معدي كرب قال:"(إن النبي صلى الله عليه وسلم حرم أشياء يوم خبير كالحمار الأهلي وغيره" ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يوشك أن يقعد رجل على أريكته يحدث بحديثي فيقول: بيني وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله"[14].

ثم قال البيهقي رحمه الله: وهذا خبر من رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يكون بعده من رد المبتدعة حديثه، فوجد تصديقه فيما بعد.
ومما قاله الإمام البيهقي في هذا المقام: "ولولا ثبوت الحجة بالسنة لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته بعد تعليمه من شهده أمر دينهم: "ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع"[15].

هذا... وإذا كانت شبهة الروافض والزنادقة في رد أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم زاعمين الاكتفاء بالقرآن ما تقدم ذكره من موقفهم العدائي من الصحابة فما حجة القرآنيين الجدد؟ فليس لهم شبهة تذكر إلا ما كان من حب الظهور، ولو على حساب الكفر برسول الله، أو مجرد التقليد الأعمى، أو ما كان من عداء كامن للإسلام لم يمكن إظهاره إلا في هذه الصورة، ومهما يكن من أمرهم فإن القرآنيين الجدد أصل مذهبهم راجع إلى ما كان عليه غلاة الروافض.
وقد عرفت شبهتهم فبئس التابع والمتبوع أو المُقَلِّد والمُقَلَّد.

وبعد أن ذكر الإمام السيوطي في رسالته (مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة) شبهتهم تلك قال مستهجناً لها ومستقبحاً: "ما كنت أستحل حكايتها لولا ما دعت إليه الضرورة من بيان أصل هذا الرأي الفاسد الذي كان الناس في راحة منه من أعصار إلى أن قال: وقد كان أهل هذا الرأي موجودين بكثرة في زمن الأئمة الأربعة، وتصدى الأئمة وأصحابهم للرد عليهم في دروسهم ومناظراتهم وتصانيفهم"[16].
ثم ساق من نصوص كلامهم الشيء الكثير في الرسالة المذكورة، ولابن خزيمة كلام نفيس في هذا المعنى[17].

وبعد: فدعوى الاكتفاء بالقرآن ومحاولة الاستغناء عن السنة إنما تعني الاستغناء عن الإسلام، أي تعني (الكفر) بأسلوب ملتو غير صريح لأمر مّا، فأصحاب هذه الفكرة لا حظّ لهم في الإسلام ما لم يراجعوا الإسلام من جديد.
وبعد أن استعرضنا أدلة من الكتاب والسنة وأقوال بعض أهل العلم في أن السنة صنو القرآن، ولا يفرق بينهما، فلنناقش هؤلاء الزاعمين عقلياً ومن واقع حياة المسلمين في عباداتهم ومعاملاتهم، فهل يمكنهم الاكتفاء بالقرآن دون أن يجدوا أنفسهم مضطرين لمراجعة السنة في كثير من عباداتهم ومعاملاتهم حيث يجدون في السنة تفصيل ما أجمل في القرآن وما أكثره، وتقييد ما أطلق وعمم فيه.
بل ربما وجدوا أحكاماً جديدة هم بحاجة إليها لم يرد ذكرها في القرآن كما يجدون بعض الصفات الإلهية جاءت بها السنة ولم يرد لها ذكر في القرآن، إن الواقع الذي يعيشه المسلمون يجيب على هذا التساؤل وفي القرآن آيات يأمر الله فيها نبيه صلى الله عليه وسلم أن يبين للناس القرآن الذي أنزل عليه إذ يقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ**[18]، ويقول سبحانه: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ**[19]، ويقول سبحانه آمراً لاتباعه وحاثاً لهم على طاعته: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا**[20]، {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ**[21].

وهذه الأوامر القرآنية والتوجيهات الإلهية تشير إلى أن هناك بياناً يقوم به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن على أتباعه طاعته، وأن يأخذوا ما يأتي به ويأمرهم به، وعليهم أن ينتهوا عما ينهاهم عنه، لأن طاعته من طاعة الله عز وجل، ولأنه: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى**.

وإذا أردنا أن نسوق أمثلة للأحكام التي أشرنا إليها لوجدنا الشيء الكثير منها: أن الصلاة للأحكام التي أشرنا إليها لوجدنا الشيء الكثير منها: أن الصلاة التي هي الركن الثاني من أركان الإسلام، جاءت في القرآن مجملة هكذا: {أَقِيمُوا الصَّلاَةَ**، فيا ترى كيف يقيم القرآنيون الصلاة؟! فسوف لا يجدون صفة الصلاة وكيفيتها، وبيان عدد ركعاتها ومحل الجهر والسر فيها، وغير ذلك من هيئات الصلاة إلا في السنة الفعلية أو القولية، فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم مشيراً إلى هذا المعنى: "صلوا كما رأيتموني أصلي"[22].

ولو تركنا الكلام في الصلاة، وانتقلنا إلى الزكاة لوجدنا القرآن قد أجمل أمر الزكاة كما أجمل أمر الصلاة، إذ نجد القرآن يقول: {وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ**[23]، {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ**[24]، لتقوم السنة ببيان الأموال التي تجب فيها الزكاة، وبيان أنصبة الزكاة، والمقدار المأخوذ من كل نصاب على اختلاف الأموال، وهكذا نجد في باب الصيام أحكاماً لم ترد في القرآن، وبينتها السنة، منها: حكم من أتى امرأته في نهار رمضان وهو صائم ما الذي يجب عليه؟ ومن أكل في رمضان أو شرب ناسياً ماذا يصنع؟ هل يتم صيامه أو يفطر؟

أما الحج فمؤتمر إسلامي عام وضع له القرآن الخطوط العريضة، فقامت السنة ببيان تفاصيله من أوله إلى آخره، ولو تتبعنا الأبواب الفقهية من باب الطهارة إلى آخر باب في الفقه لوجدنا السنة وهي تبين ما أجمل في القرآن، أو تأتي بجديد على ضوء الآيات السالفة الذكر.

ولو تركنا الأحكام الفقهية وانتقلنا إلى مباحث العقيدة لوجدنا للسنة دورها الذي لا ينكره إلا من يجهلها أو لا يؤمن بها إذ نجد صفات الله تعالى إما ثابتة بالكتاب والسنة معاً، مع الدليل العقلي التابع للدليل النقلي، وإما ثابتة بالسنة الصحيحة، ولم يرد لها ذكر في القرآن الكريم مثل الفرح والضحك والنـزول والقَدَم مثلاً.

فلا أظن الزاعم الاكتفاء بالقرآن يجد مفراً بعد هذا البيان إلا إلى أحد أمرين:

1- الإيمان والاستسلام وهو خير له وأسلم بأن يعامل السنة معاملته للقرآن باعتبارها تفسيراً للقرآن.
2- الكفر بالقرآن والسنة معاً دون محاولة تفريق بينهما وهو غير عملي، كما ترى ويمكن أن يقال: إنه إيماني شكلي ببعض الوحي، وكفر سافر ببعض.



يتبع بالمبحث الخامسالمبحث الخامس: منهج السف في إثبات صفات الله تعالى وأسمائه


[1] الزنديق: من يبطن الكفر ويظهر الإيمان، القاموس المحيط. وبهذا المعنى الزنديق والمنافق لفظان مترادفان.

[2] سورة الحشر آية: 7.

[3] سورة النساء آية: 59.

[4] الرافضة: فرقة من الشيعة بايعوا زيد بن علي، ثم قالوا له: تبرأ من الشيخين فأبى، وقال: كانا وزيرين لجدي، فتركوه ورفضوه وانفضوا عنه، والنسبة رافضي، وهذا سبب تسميتهم الرافضة.

[5] ص: 214 وما بعده.

[6] قال ابن مهدي: الزنادقة والخوارج وضعوا الحديث، وانظر كلام أهل العلم حول الحديث في إرشاد الفحول ص: 33.

[7] خالد بن أبي كريمة، قال الحافظ ابن حجر: صدوق يخطئ ويرسل. التقريب 1/218.
وأبو جعفر هو: عبد الله بن صور المدائني، قال أحمد وغيره: أحاديثه موضوعة، وقال النسائي والدارقطني: متروك. ميزان الاعتدال 2/504.

[8] سورة النساء آية: 29.

[9] سورة البقرة آية: 275.

[10] وللإمام الشافعي كلام مقارب في الرسالة ص: 20 تحقيق أحمد شاكر.

[11] سورة الفتح آية: 10.

[12] سورة النساء آية: 80.

[13] أخرجه أحمد 6/8، وأبو داود 5/12، والحاكم 1/108، والترمذي 5/36، وصححه الترمذي، كما صححه الحاكم على شرط الشيخين وأقره الذهبي.

[14] أخرجه أحمد 4/131، 132، وأبو داود 5/12، والترمذي 5/36، وابن ماجه 1/6، والحاكم 1/109، وقال الترمذي: حسن غريب من هذا الوجه.

[15] من حديث أبي بكر في خطبة حجة الوداع، أخرجه: أحمد 5/37، 39، والبخاري 1/157، 158، ومسلم 3/1305، 1306، والدارمي 2/67، وابن ماجه 1/85.

[16] مفتاح الجنة للسيوطي ص: 3.

[17] التوحيد لابن خزيمة ص: 47، مراجعة خليل هراس وتعليقه.

[18] سورة المائدة آية: 67.

[19] سورة النحل آية: 44.

[20] سورة الحشر آية: 7.

[21] سورة النساء آية: 80.

[22] صحيح البخاري الأذان 2/252 مع الفتح.

[23] سورة النور آية: 56.

[24] سورة الأنعام آية: 141.









التوقيع

أيها المساء ...كم أنت هادئ

    رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are معطلة


مــــواقـــع صـــديــقــة مــــواقـــع مـــهــــمــــة خـــدمـــــات مـــهـــمـــة
إديــكـبـريــس تربويات
منتديات نوادي صحيفة الشرق التربوي
منتديات ملتقى الأجيال منتديات كاري كوم
مجلة المدرس شبكة مدارس المغرب
كراسات تربوية منتديات دفاتر حرة
وزارة التربية الوطنية مصلحة الموارد البشرية
المجلس الأعلى للتعليم الأقسام التحضيرية للمدارس العليا
مؤسسة محمد السادس لأسرة التعليم التضامن الجامعي المغربي
الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي التعاضدية العامة للتربية الوطنية
اطلع على وضعيتك الإدارية
احسب راتبك الشهري
احسب راتبك التقاعدي
وضعية ملفاتك لدى CNOPS
اطلع على نتائج الحركة الإنتقالية

منتديات الأستاذ

الساعة الآن 08:41 لوحة المفاتيح العربية Profvb en Alexa Profvb en Twitter Profvb en FaceBook xhtml validator css validator

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML
جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd