إلى حاملي العلوم الإنسانية: الوطن في حاجة إليكم
بعد التطور الهائل الذي عرفه الإنتاج والإنتاجية في جميع الميادين بما فيه التعليم... باستخدام التحولات الناتجة عن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، يلاحظ أن الأساليب التجريبية لم تعد لائقة, ولم تعد جدوى في محاولة وصف وتصوير ونقل جوانب ذات قيمة مصيرية تتغير باستمرار في عالم يتزايد فيه التعقيد.
فالشركات والأفراد لم تعد لها قدرة التنبؤ المحكم وقد تراجعت الأعمال الروتينية المتكررة في عالم يتجدد في كل دقيقة ليمنحنا أوضاعا جديدة وظواهر جديدة التي لم يعد لنا إمكانية تصورها منذ بضع سنوات تقل عن خمس سنوات، بل فيها ما يقل عن بضعة أشهر...

إن التعامل مع بعض الظواهر الجديدة بالأساليب القديمة نتج عنه أخطاء كبيرة جدا وكثيرا ما تكون مكلفة للغاية كما هي عمليات الإصلاح منذ الاستعجال:
لا شيء سوى اجترار نفس الأفكار المتقادمة الهيكلة التي تعيد إنتاج ذاتها دون تحقيق شيء جديد، والتي تترك دائما بقعا عمياء تمنعنا من فهم ما يليق بمجتمعنا بل وفهمه هو ذاته لتصور ما يليق به.... إنها التحديات التي تواجهها كل عملية إصلاح في زمن المعقد والتعقيد.

لعلها إذن حيلتي لأوجه الدعوة إلى حاملي العلوم الإنسانية، الذين هم أدرى من غيرهم أنه قد حان الوقت للتفكير بشكل مختلف وتغيير النمط والثورة على الذات المستغربة. ففي عالم المنافسة والتحدي الذي يعرف يوميا تغييرات تؤثر في جميع جوانب حياتنا وبوتيرة صعبة ... أصبحت الحاجة إلى العلوم الإنسانية أكبر. عن هذا العالم المتغير يحتاج إلى مقاربات تتحول باستمرار لأن الدينامية التي تحكمه ارتفعت وثيرتها وتعددت مدخلاتها ومخرجاتها... نحن في حاجة إلى العلوم الإنسانية التي تنخرط في واقعنا لتوفر للباحث والمهتم أدوات تليق ليناء الذات ومحاورة المحيط من منطلق مرجعي يشرفنا ويحقق لنا موقعا بين الشعوب, وإلا سنكون بينها نكرة.

بكل عنف فني:
لقد وجدت صعوبات جمة في إعداد التصور التربوي الجديد الذي أنا عازم على تقديمه للوطن ولو أن مؤسسة المجلس الأعلى للتربية للتكوين استعمرها أشخاص جعلوها إمارتهم الخاصة!!! فأنا لم أجد شيئا يقنعني لأجل مدرستي في أهميتها الحضارية عند دورخايم ولا بيير بورديو بل ولا حتى إدغار موران اللهم في نظرية المعقد نسبيا ذلك أني أومن ب"المتوالية" أو "المتواصلة" (مع مشكلة الترجمة) والترابطات في الكلي الشمولي وأن درجة الاستقلالية الذاتية تتوقف على طبيعة التعقيد الجهازي حيث لا يمكن فصل الجزء عن الكل بما يختلف عن إينشتاين...
لم يخيفني أني لم أجد عند هؤلاء العمالقة الذين يستحقون منا وقفة إجلال ما يكفيني في التصور الذي حلمته لمدرسة مغربية ولا يعني أني عبقري العباقرة فقط ان واقع مجتمعي يتيم في هذا الميدان... بل شرفني ذلك لأني وقفت على أخطر مشكلة تعيق وطني الذي أريد له مدرسة قادرة على أن تأخذ المشعل عن الدول لفرنكوفونية ككندا وبلجيكا لتسجل حضورها في التاريخ كما كانت في زمنها.
هل تشعرون أيها الإخوة بحجم الاشكالية؟
أنا لست متخصصا في العلوم الإنسانية ولكن فرضت علي ظروف البحث أن افتح نوافذ هذا المجال... بقد أخذت مني وقتا طويلا كله متعة سافر بي عبر المجتمعات من خلال مفكريهم في هذه العلوم ... لكن كم كانت حسرتي حينما لم أجد شيئا من أبناء وطني يليق كأداة استند إليها لمحاورة المحيط
فهل لا تشكلتم جمعيات ثم هيئة وطنية؟
إن الوطن في حاجة إليكم.
شكرا