لم تتح لي فرصة التدخل في اللقاء التربوي لما سمي ب" الحوار الجهوي لتأهيل منظومة التربية والتكوين"،المنظم يوم 28 اكتوبر 2014 ،وهي المداخلة التى كان من المفترض ان تركز على بعض الاختلالات في المنظومة التعليمية ،وهو المبرر الذي دفعني الى الكتابة، تنويرا للرأي العام و اسهاما في النقاش الدائر حول الموضوع .إن اهتمامي كفاعل سياسي و تربوي،بالمسألة التعليمية ،يأتي من قناعات الدور الذي يلعبه التعليم في التغيير الاجتماعي الذي يطال ميادين متعددة، فهو يتدخل في تحديد نوعية ومستوى السلوك،و الوعي الحقوقي والاجتماعي والسياسي باعتباره قوة إجتماعية . هذَا الدور هو ما جعل التعليم على الدوام ، رهان لكل الفاعلين السياسيين و الاجتماعيين و الاقتصاديين ،في افق احتكار آليات التقرير في شانه ومراقبته ،واستغلال نتائجه.وهكذا فإصلاح التعليم هو تتويج لسيرورة مديدة شكل فيها الحق في التعليم مجالا للصراع .
إن الإدراك الجيد لهذا الصراع يجعل كل فاعل سياسي وتربوي لصيق بهموم الشعب المغربي يعي أن الاختيارات المتبعة من قبل الدولة , هي خيارات رأسمالية , تبعية لا ديمقراطية , ولا شعبية , ... تلحق أضرارا كثيرة بكادحي الشعب المغربي ولا تخدم إلا مصالح الطبقة الحاكمة ومن يدور في فلكها , ...وانتكاسات التعليم المتكررة هي نتاج حتمي لهده الاختيارات , وأدت إلى إفراغ المدرسة العمومية من محتواها الوطني /الديمقراطي / المعرفي والعلمي ... ولذلك فأزمة التعليم مرتبطة أساسا بالإفلاس العام لجميع القطاعات، وهي أزمة بنيوية تعكس تصور ورغبة نظام الحكم ومن يدور في فلكه في استمرار مجتمع الرعايا، لا مجتمع المواطن الإنسان.
حرقة هذا الكلام نابع من رغبتي كفاعل سياسي وتربوي في مناقشة قضايا التربية والتكوين , تلك الرغبة التي انطفأت في «لقاء جهوي» داخل أروقة ولاية الجهة ويا «لرمزية المكان» , لحوار «مغشوش» سمي «بالحوار» الجهوي لتأهيل منظومة التربية والتكوين.
إن المتتبع لسير الجلسة المخصصة لهذا الحوار , سيخرج بخلاصات كثيرة أهمها: أن هذا «الحوار» مغشوش ومخدوم ومناسبة لتلميع صورة المجلس الأعلى إعلاميا والحصول على تزكية جميع الفرق بمسمى «الإجماع» وهو ما ترجمه الأستاذ الجامعي, مسير الحوار حينما أعطى الكلمة لدوي «المال و الجاه» وأخر عنوة تدخل تلاميذ و أساتذة وفاعلين سياسين ... حينها عمل على «خلط الأوراق» وهو ما احتج عليه أكثر من طرف, وسحب الكثيرون تدخلاتهم ... كل ذلك مؤشر على غياب الثقة, التي تكررت في تدخلات الفاعلين,... الثقة في المسير و المقرر وفي المشرفين على أحوال اصلاح التعليم...
غير أن ذلك ليس هو جوهر المشكل, بل الإطار العام الذي يحكم حوارا خصص له 16 يوما بمعدل يوم لكل جهة «من 14 إلى 30 أكتوبر 2014 » وإغراق اللقاءات الجهوية بالمدعوين «على الأقل 300 فرد», واقتراح «9 محاور» للتفكير الاستشرافي أغلبها عناوين دعامات للميثاق الوطني للتربية والتكوين، كما تحتاج كل دعامة على الأقل أسبوعا كاملا لمناقشتها.
مؤشرات تجعل المتتبع يستشعر خطورة السرعة التي أريد للحوار أن ينتهي بها، والسرعة التي ينبغي أن يفكر بها التلميذ و الأستاذ والفاعل النقابي والسياسي ... (6 دقائق لكل متدخل) من أجل استشراف المستقبل وإصلاح أعطاب المدرسة المغربية.
سرعة يدار بها الحوار جعلت البعض يصرح أن «مشروع الإصلاح» جاهز وينتظر فقط تمريره عبر تزكية ودعم الفاعلين من خلال حوارات متسرعة سريعة ومغشوشة...
إن الدعامات المقترحة تجعلني أتذكر الإطار العام الذي يحكم هذا المشروع الإصلاحي الجديد أي تذكر الميثاق الوطني للتربية والتكوين والسرعة التي خرج بها إلى حيز الوجود, وسرعة المصادقة على القوانين المنظمة له «بالاجماع» وكان محكوم أيضا بخلفيات «عدم التسييس و اخفاء المرجعية» و ذلك بعد تقارير المنظمات الدولية حول مستوى التعليم والتقرير الشهير للبنك العالمي (1995). خلفيات عدم التسييس نجدها في أصوات تهلل لهدا المشروع الإصلاحي الجديد وأبواق مخزنية, جندت في كل القطاعات لتميع العمل السياسي والنقابي... وكأن ابتعاد النقابات والأحزاب سيجعل المغرب يقفز إلى مراتب جد متقدمة في سلم التطور التعليمي, بل نتساءل مع هؤلاء, هل بالفعل أن المغرب يملك قراره السياسي المستقل, في التعليم و الصحة والإقتصاد...؟؟؟
ليس هذا القول تيئيسي بل هو تنبيهي. صحيح أن كل إصلاح هو رغبة و تخطيط يبتغي تجاوز ما هو كائن و التطلع إلى المستقبل, لكن لا يمكن قراءة الإصلاح دائما «بحسن النية» ما دام محكوم بحلول ترقيعية مرتبطة بعوامل مقياسية تعتمد على الأرقام (نسبة التمدرس, النجاح, الهدر...) و الحال أن الفاعلين في الميدان يعترفون أن هذه النسب مغشوشة والنقط المحصل عليها "منفوخة"، ولا تعكس الواقع التعليمي ببلادنا.
إن تغييب الفاعل التربوي الميداني و السياسي و النقابي... معناه المراهنة بشكل «أسطوري» على ما هو تقنوقراطي, والذي لا ينظر إلى المستقبل إلا من منظور كمي يعتمد المعطيات الإحصائية، وهو تجاهل للفرد الإنساني بما هو فاعل تاريخي.
إن أهم جملة في «غايات» الميثاق, (رقم9) والتي اعتبرت أن المدرسة الجديدة تسعى أن تكون: «مفعمة بالحياة... مفتوحة على محيطها...» «وربطها بالمحيط الإقتصادي» , يجعل هاجس الميثاق أولا و أخيرا هو التشغيل مع ما يطرحه ذلك من تحديات أمام الإنتاج «انتاج مناصب الشغل» ويجعل التكوين المهني الرافد الأساسي لسوق الشغل, مما يجعلنا امام تصور سائد, براغماتي، ضيق حول التعليم والتشغيل، وعوض أن تكون نظرتنا إلى المدرسة كقيمة في ذاتها, ينظر إليها كآلة للتشغيل.
إننا نعيد انتاج صورة بئيسة للتعليم وعن المدرسة. "مدرسة مفعمة بالحياة" .ما الحياة التي وفرناها للمدرسة؟ هل حياة "غرفة الانعاش" أم حياة المواطنة والكرامة!؟
إن عيب ربط المدرسة بعالم الشغل هو اختزال الحياة في الصراع من أجل البقاء صحيح أننا (محكومين بتوفير الكفاءات والمؤهلات اللازمة للعمل...)وهدا مشروع، غير أننا سنبقى محكومين بهاجس مقاومة بؤس الحياة... ينبغي إذن أن نتعلم، أن نرتاد المدرسة، لأننا نحتل موقعا وجوديا وإنسانيا... إن الميثاق وأخواته من إصلاحات محكوم ببراغماتية «مشروعة» غير أننا نكرس ونرسخ في الوقت نفسه طريقة في التفكير. إننا ننتج وسننتج كائنا انتهازيا ، ووصوليا، سيعيد إنتاج الفساد والاستبداد والبلادة...
إن المدرسة هي الغاية وليس شيئا أخر، مدرسة الحياة, تحتاج الحياة, الإنسان غاية كل شغل وكل تعليم وليس العكس.
مما سبق يبدو أننا في حاجة إلى, إرادة سياسية حقيقية للإصلاح (خطابا وممارسة) وجعل الإنسان المواطن غاية كل إصلاح, معتمدين على المقاربة الحقوقية, نحن في حاجة إذن إلى ثورة تربوية ثقافية جذرية بما يجعل المجتمع يتجه نحو التقدم والديمقراطية, يتجه إلى مجتمع المعرفة... كل حوار وأنتم بخير أيها الغشاشون خالد انعيمة ، فاعل سياسي و تربوي 
فعاليات صيف 2011 على منتديات الأستاذ :
مسابقة استوقفتني آية
|
ورشة : نحو مفهوم أمثل للزواج
5الشكر 
2014-11-02, 21:17
الحوار المغشوش لتأهيل منظومة التربية والتكوين. 
رد: الحوار المغشوش لتأهيل منظومة التربية والتكوين. 
