رشيد بلمختار .. الصوت الهادئ في «التعليم» - منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد

2014-07-30, 00:31

رقم المشاركة : 1

ابو العز

نائب مدير الأفكار والمشاريع الأستاذية

إحصائية العضو

ابو العز غير متواجد حالياً

رشيد بلمختار .. الصوت الهادئ في «التعليم»

رشيد بلمختار .. الصوت الهادئ في «التعليم»

حين تجالسه وتستمع إليه يتحدث في قضايا البيئة والتعليم، تجد نفسك أمام رجل تتسم طباعه بالهدوء، يتكلم بوتيرة رتيبة وبنبرة صوتية خفيضة، أحيانا تبذل مجهودا ذهنيا كي تركز ليصلك صوته وتفهم ما يقول، لا تبدو على ملامحه انفعالات الشخص المتحمس لأفكاره وأطروحاته التي يقدمها عادة كتحصيل حاصل، لا يحرك يديه أثناء الحديث ولا يرمش بعينيه بعصبية ليخفي اضطرابا أو خللا في منطق الكلام، وهو إلى جانب كل ذلك ، له قدرة على استعمال المعطيات والمقارنات وأرقام الإحصائيات ببراعة، وفي نفس الوقت، يصل بك إلى الخلاصات التي يريد، والاهم من كل ذلك، انه لا يسقط في آفة تكرار العبارات النمطية الجاهزة، وهي تلك العبارات الفخمة التي تستعمل في العادة أداة للإقناع في خطابات السياسيين. وربما لأجل ذلك يعتبره بعض الناس واحدا من التفنوقراط ، مع أن كل نوافذه مفتوحة على تيارات السياسة بكل درجات حرارتها، ومنها السياسة الموضوعاتية التي يشتغل عليها.
رشيد بلمختار يمنح الثقة إلى مستمعيه حين يخاطبهم رغم قلة كلامه، وذلك هو «السحر» المراكشي الذي يمارسه ويتقنه، وذلك إلى جانب سحر «الصورة» التي كونها عن نفسه، ويعكسها بمواظبة وتفان إلى مرآة الآخرين ، وبسبب تلك الصورة الصقيلة رشح منذ أواسط التسعينات من القرن الماضي لتولي مسؤولية وزارة التربية الوطنية، إلى أن جاءت موجة التناوب وأزاحته من الحكومة، ولتضعه نفس الموجة بعد ذلك في رحاب جامعة الأخوين رئيسا لها، بعيدا عن لغط السياسة ولغو السياسيين، مفضلا مكانه العالي في الأولمب العلمي على غبار الساحات الساخنة، حيث يتبارز الخصوم السياسيون بأسلحة لا لباقة فيها، ويجاهرون بشعارات وأفكار تفتقد إلى قدر معقول من الاستنارة.
رشيد بلمختار، بعكس سلفه «المراكشي» محمد الوفا، يحب حياة الظل، والعمل في جو يتسم بالهدوء والتفاهم، وهو الجو السياسي الذي وفره له من قبل الوزير الأول عبد اللطيف الفيلالي، الذي كان يحب تدريم أظافره بفندق حسان بالرباط على التواجد المستمر في مكتبه بالمشور السعيد. كان الجميع يدرك وقتها أن الملفات تسير وفق آلية منضبطة وبتوجيهات عليا، من جهته، يتحكم ادريس البصري في إدارة التراب الوطني عبر شبكة «الداخلية» المتشعبة، ومن الجانب الآخر، يشرف المستشار محمد مزيان بلفقيه على ملفات استراتيجية حساسة على رأسها التعليم، وكانت الفترة التي عين فيها رشيد بلمختار هي نفسها الفترة التي أنهت فيها نخبة من المختصين ذلك التقرير التشخيصي والاستشرافي الهام المسمى «تقرير الخمسينية»، ولعب فيه رشيد بلمختار دور رئيس لجنته العلمية، ومن تفاصيل هذا السياق العام نفهم تأثير المستشار مزيان بلفقيه على القرار السياسي الذي أدى الى تعيينه وزيرا للتربية في 2005، وضمن مناخ إنتاج وثيقة هامة أخرى هي «الميثاق الوطني للتربية والتكوين».
منذ ذلك الوقت، جرت مياه كثيرة. لم تسق تلك المياه زرع التعليم الذي تبرعمت آفاق إصلاحه في مناخ التوافق، بل أغرقته وحولته إلى بركة آسنة تهدد بأمراض مخيفة، وذلك رغم محاولة إنقاذ قام بها ما سمي ب» البرنامج الاستعجالي «الذي انطلق مصحوبا باختلالات وتجاوزات، الأمر الذي أدى في نهاية هذا المسار المتعثر، إلى فتح صندوق «بندورا» التعليمي، وهو في الحقيقة ما زال يحتفظ بقيمة «الأمل»، وإعادة إحياء الأشباح القديمة وإيقاظها من رقادها ، ولمنح الدم الحي إلى الجسد التعليمي.
لكن هذه المرة ، لم يعين رشيد بلمختار على رأس وزارة التربية على أساس مواصفات تقنية محضة كما يروج لذلك، بل اعتمادا على اعتبارات الماضي ذات الطبيعة المعيارية ، والتي نصبته خبيرا في مجاله، إضافة إلى عامل القرب من سلطة القرار، وإلى « الثقة الغالية « التي مازال يملكها ويستطيع تحويلها إلى مفتاح لحل المشكلات، ومن المؤكد أن بنكيران، وان كان في السابق يدير مؤسسة تعليمية خاصة، ويملك منظورا شخصيا وحزبيا لملف التعليم المعقد، فانه بات من غير المسموح له اليوم ان يخطط على المستوى الاستراتيجي لهذا الملف الذي دخل مجددا دائرة حوزة «السيادة»، وأصبح ضمن انشغالات مؤسسة دستورية كالتي يترأسها عمر عزيمان مستشار الملك، وتم إحياء صلاحياتها بشكل استعجالي وفي مناخ تشكيل الحكومة.
يعلم بنكيران بالطبع أن التخطيط للتعليم لم يكن أبدا حكرا على الحكومة، تأكد ذلك منذ مناظرة التعليم الأولى بايفران في أوائل الستينيات من القرن الماضي، وتأكد ذلك خلال العقود التي تلت، بعد أن أصبح للمؤسسات التمويلية الدولية دور فاعل ولا يزال، فما الذي يستطيع ان يقوم به رشيد بلمختار في ملف التعليم المركب الذي له عدة أوجه: سياسية ومالية واقتصادية واجتماعية وإدارية وبيداغوجية ؟ وهل يستطيع الحل التقنوقراطي المزعوم أن يصل إلي علاج لهذا الإشكال العميق في مدى زمني متوسط من عمر الحكومة الحالية؟.
الرجل الذي يظهر ..ويختفي
اعتاد الذين يجدون خللا في منظومة (سيستيم) ووظائف حاسوبهم الشخصي، أن يلجأوا إلى حل الإغلاق النهائي، وبعد ذلك يتم الضغط على زر انطلاقة جديدة، بذاكرة جديدة، وكفاءة أعلى.
لن يلجأ رشيد بلمختار إلى حل «أطفيء ثم شغّل» بالنسية لمنظومة التعليم، بل سيجد «الحل» من تاريخه الخاص الذي يبدو للحظة ظاهرا للعيان وقابلا للقراءة، وفي لحظة أخرى يتحول إلى مجرد ظلال تتطاول لتخفي الكثير من الغموض وعدم اليقين، وتكشف في النهاية عن «منتوج» للتربية له نفس المواصفات التي حكمت مساره التكويني والوظيفي.
ومن المثير للانتباه أن يكون رشيد بلمختار غامضا حتى بالنسبة لنخبة مراكش ولمجايليه، وربما يحاول الوزير القديم – الجديد للتعليم أن يطمس حياته الشخصية لسبب وجيه يتعلق بطبيعة أعماله، وأن يحول ذاكرته المراكشية إلى أداة معطلة لا يوجد فيها إلا حضوره المباشر في الواقع اليوم، لذلك، يقدم لنا نفسه عبر محطات حياة ينتقيها بعناية، فهو أحد الأفراد القلائل الذين تخرجوا من المدرسة الوطنية العليا للمهندسين الجويين بباريس، لكن الدبلوم الذي حصل عليه لن تكون له فائدة كبرى إلا إذا التحق بمصانع الطائرات في تولوز، أو باشر وطيفة في إحدى شركات النقل الجوي، ولكنه عوض ذلك سيلتحق بسويسرا ليقضي بها فترة داخل المعهد الدولي للتسيير والتنمية الذي سيمنحه دبلوم تخرج، وهو ما يعني بالنسبة لشاب ينتمي إلى «النخبة» المراكشية التحق بالمغرب في أواسط الثمانينات، أنه ليس في حاجة إلى وظيفة حكومية، وهنا مربط الفرس، فقد بلور رشيد بلمختار اختياراته بعد أن لملم شبكة علاقاته ودرس احتياجات السوق، وقدم لنا أخيرا مشروعه الشخصي المتمثل في تأسيس شركة تحمل اسم : شركة الاعلاميات ومناهج التسيير. وهي شركة مختصة في الاستشارة واستيراد وتسويق المنتوج الإعلاميائي، أما الزبون الرئيسي في عملية التسويق فهو الإدارة العمومية والمؤسسات المالية التي دخلت سباق تجديد آلياتها اللوجستية، وفيما احتكرت شركة رشيد بلمختار «سوق» وزارة التربية، قامت شركات أخرى يسيرها أقرباء لشخصيات سياسية بتقاسم هذا السوق الذي اتسع وازدهر في مرافق إدارية مختلفة. تعمقت معارف رشيد بلمختار بقضايا التربية والتعليم من هذا المنطلق الذي يزاوج بين مستويين متلازمين، وكانت بالطبع تقارير المنظمات الدولية المهتمة بتمويل التعليم وبتنمية الموارد البشرية في أفق تحديث النظام التعليمي تحث على ضرورة ولوج ثقافة الإعلام الجديدة، واتسعت بالطبع آفاق الشركة الأم وتم تأسيس شركة أخرى اخترقت فضاءات أكثر حساسية، وأصبح بالتالي اسم رشيد بلمختار معروفا لدى أوساط وطنية ودولية من مستوى عال، وشفعت له بهذه السمعة قدرته على إنتاج أفكار وتحليلات أنجزها بالتعاون مع طلبته بالمدرسة المحمدية للمهندسين التي اشتغل بها أستاذا، وهي مجموعة دراسات قابلة للتبني كاختيارات في إطار سياسات عمومية تهتم بتدبير الموارد، وكل ذلك أوصله إلى ربط صلات مع جين شارب، رئيس مؤسسة ألبرت أينشتاين الأمريكية، وهو الشخصية المرموقة التي نشرت حول العالم ثقافة مقاومة الاستبداد عن طريق اللاعنف، وكانت كتاباتها نبراسا لانتفاضات «للربيع العربي»، ومع أن لا أحد من المغاربة كان يعلم أن رشيد بلمختار هو أحد معجبي المهاتما غاندي ونزعته السلمية، فإن مؤسسة ألبير اينشتاين منحته وساما على إسهاماته المتنوعة، وهو وسام يستحق الافتخار به.
سباق الأرانب
يعلم رشيد بلمختار أن النظام التعليمي المغربي ليس سوى فضاء لسباق الأرانب والسلاحف، تصل الأرانب بسرعة إلى الأبواب المفتوحة، بينما تتساقط السلاحف تباعا وسط الطريق، ملطخة بعاهات النظام الذي استقبلها في البداية.
أزيد من 90 بالمائة من الذين التحقوا بالمدرسة لم يحصلوا على أية شهادة، أو أنهم لم يتجاوزوا عتبة البكالوريا، وهذا يعني بلغة السياسة، أن الغالبية العظمى من الذين مروا بالمدرسة هم بلا سلطة، لكن الذين لا يملكون السلطة، هم فعلا من يمنح السلطة للحكومة وللهيئات المنتخبة ، ولا يحق لهم، في نفس الوقت، أن يطالبوا بحقهم في الاستفادة من المال العام المخصص للتعليم الذي لم يستفيدوا منه، وأصبح في النهاية من حظ الأرانب الآخرين. الأرقام الكارثية العديدة التي يكشف عنها تحليل مردودية النظام التعليمي، الداخلية والخارجية، وكذا آليات اشتغاله، ليست إلا جزءا من جبل الجليد التي يتم حجبه عن طريق ديماغوجيا الشعارات التي يتم تناسيها مع مرور الوقت ، ولذلك يجد رشيد بلمختار نفسه في وضع غير مسبوق، قياسا إلى الوضع الذي اختبره قبل عشر سنوات. اليوم، يستطيع رشيد بلمختار أن يشغل خبرته وذكاءه في خلق ظروف ملائمة لتجديد النظرة إلى الإصلاح ومن سيقوم به ولفائدة من، أن لا يكتفي بترميم الأعطاب ورتق الثقوب، وإنما بأن يتجه إلى جوهر المشكل التعليمي الذي هو في العمق مشكل سياسي وتدبيري في نفس الوقت، وأن يكون في النهاية شجاعا بما فيه الكفاية ليعلن عن فشله وانسحابه، في حال وصلت الأمور إلى الباب المسدود.

ـ ازداد رشيد بلمختار سنة 1942 بمراكش.
ـ بعد دراسته الثانوية بطنجة وبالاقسام التحضيرية في المدارس الكبرى للعلوم، التحق بالمدرسة الوطنية العليا لصناعة الطائرات بتولوز في فرنسا.
ـ توج دراسته التقنية بتكوين في الاقتصاد والتسيير بمعهد الدراسات الدولية في تولوز وبمعهد التدبير الدولي بسويسرا.
ـ عمل في قطاع الاعلاميات، وفي شركة استشارية مغربية، كما شارك في مناسبات عديدة في أشغال منتديات حول التربية.
ـ 1995 - 1998 عين وزيرا للتربية الوطنية في الحكومتين اللتين ترأسهما عبد اللطيف الفيلالي.
ـ 1998 عينه الملك الراحل الحسن الثاني رئيسا لجامعة الاخوين.
ـ 2006 عينه الملك رئيسا لمرصد المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.
ـ حامل لوسام العرش من درجة فارس.
ـ حاصل على عدة أوسمة دولية من مؤسسة "امريكان بيوغرافي سوسيتي" سنة 1986 تقديرا لأبحاثه في مجال التربية.
ـ 1993 حصل على ميدالية مؤسسة "البير استين" بالولايات المتحدة الامريكية.
ـ باحث مشارك في المدرسة المحمدية للمهندسين وعضو مجلس جامعة محمد الخامس ومجلس المدرسة المحمدية للمهندسين.
ـ 2005 مددت عضويته في لجنة خبراء الادارة العمومية للامم المتحدة.
ـ لديه عدد من المؤلفات في مجالات العلوم والتكنلوجيا والتربية.
ـ 2013 عينه الملك محمد السادس وزيرا للتربية الوطنية والتكوين المهني.
ـ متزوج وأب لطفين.

محمد الهرادي