الرئيسية | الصحيفة | خدمات الإستضافة | مركز الملفات | الحركة الانتقالية | قوانين المنتدى | أعلن لدينا | اتصل بنا |

أفراح بن جدي - 0528861033 voiture d'occasion au Maroc
educpress
للتوصل بجديد الموقع أدخل بريدك الإلكتروني ثم فعل اشتراكك من علبة رسائلك :

فعاليات صيف 2011 على منتديات الأستاذ : مسابقة استوقفتني آية | ورشة : نحو مفهوم أمثل للزواج

العودة   منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد > المنتديات العامة والشاملة > المنتدى الإسلامي > مدرسة القرآن والسنة > تفسير



موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 2014-06-14, 21:30 رقم المشاركة : 136
أم الوليد
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية أم الوليد

 

إحصائية العضو







أم الوليد غير متواجد حالياً


مسابقة المبشرون بالجنة

مشارك(ة)

المرتبة الثالثة

وسام المشارك مسابقة الأستاذ الرمضانية

وسام المشاركة في المسابقة الترفيهية

وسام المشارك

وسام المركز 2حزر فزر

وسام المشاركة  في مسابقة المصطلحات

وسام المرتبة الثالثة في مسابقة ألغاز رمضان

وسام الرتبة الأولى في مسابقة طاكسي المنتدى لشهر يو

افتراضي رد: التفسير الميسّر



سورة التوبة
"تتمة"



أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (70)
ألم يأت هؤلاء المنافقين خبرُ الذين مضوا مِن قوم نوح وقبيلة عاد وقبيلة ثمود وقوم إبراهيم وأصحاب(مدين) وقوم لوط عندما جاءهم المرسلون بالوحي وبآيات الله فكذَّبوهم؟ فأنزل الله بهؤلاء جميعًا عذابه; انتقامًا منهم لسوء عملهم, فما كان الله ليظلمهم, ولكن كانوا هم الظالمين لأنفسهم بالتكذيب والمخالفة.
وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)
والمؤمنون والمؤمنات بالله ورسوله بعضهم أنصار بعض, يأمرون الناس بالإيمان والعمل الصالح, وينهونهم عن الكفر والمعاصي, ويؤدون الصلاة, ويعطون الزكاة, ويطيعون الله ورسوله, وينتهون عما نُهوا عنه, أولئك سيرحمهم الله فينقذهم من عذابه ويدخلهم جنته. إن الله عزيز في ملكه, حكيم في تشريعاته وأحكامه.
وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)
وعد الله المؤمنين والمؤمنات بالله ورسوله جنات تجري من تحتها الأنهار ماكثين فيها أبدًا, لا يزول عنهم نعيمها, ومساكن حسنة البناء طيبة القرار في جنات إقامة, ورضوان من الله أكبر وأعظم مما هم فيه من النعيم. ذلك الوعد بثواب الآخرة هو الفلاح العظيم.


يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73)
يا أيها النبي جاهد الكفار بالسيف والمنافقين باللسان والحجة, واشدد على كلا الفريقين, ومقرُّهم جهنم, وبئس المصير مصيرهم.
يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (74)
يحلف المنافقون بالله أنهم ما قالوا شيئًا يسيء إلى الرسول وإلى المسلمين, إنهم لكاذبون; فلقد قالوا كلمة الكفر وارتدوا بها عن الإسلام وحاولوا الإضرار برسول الله محمد صلى الله عليه وسلم, فلم يمكنهم الله من ذلك, وما وجد المنافقون شيئًا يعيبونه, وينتقدونه, إلا أن الله -تعالى- تفضل عليهم, فأغناهم بما فتح على نبيه صلى الله عليه وسلم من الخير والبركة, فإن يرجع هؤلاء الكفار إلى الإيمان والتوبة فهو خير لهم, وإن يعرضوا, أو يستمروا على حالهم, يعذبهم الله العذاب الموجع في الدنيا على أيدي المؤمنين, وفي الآخرة بنار جهنم, وليس لهم منقذ ينقذهم ولا ناصر يدفع عنهم سوء العذاب.
وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75)
ومن فقراء المنافقين مَن يقطع العهد على نفسه: لئن أعطاه الله المال ليصدَّقنَّ منه, وليعمَلنَّ ما يعمل الصالحون في أموالهم, وليسيرَنَّ في طريق الصلاح.
فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76)
فلما أعطاهم الله من فضله بخلوا بإعطاء الصدقة وبإنفاق المال في الخير, وتولَّوا وهم معرضون عن الإسلام.
فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (77)
فكان جزاء صنيعهم وعاقبتهم أَنْ زادهم نفاقًا على نفاقهم, لا يستطيعون التخلص منه إلى يوم الحساب; وذلك بسبب إخلافهم الوعد الذي قطعوه على أنفسهم, وبسبب نفاقهم وكذبهم.
أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلامُ الْغُيُوبِ (78)
ألم يعلم هؤلاء المنافقون أن الله يعلم ما يخفونه في أنفسهم وما يتحدثون به في مجالسهم من الكيد والمكر, وأن الله علام الغيوب؟ فسيجازيهم على أعمالهم التي أحصاها عليهم.
الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (79)
ومع بخل المنافقين لا يَسْلَم المتصدقون من أذاهم; فإذا تصدق الأغنياء بالمال الكثير عابوهم واتهموهم بالرياء, وإذا تصدق الفقراء بما في طاقتهم استهزؤوا بهم, وقالوا سخرية منهم: ماذا تجدي صدقتهم هذه؟ سخر الله من هؤلاء المنافقين, ولهم عذاب مؤلم موجع.
اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (80)
استغفر -أيها الرسول- للمنافقين أو لا تستغفر لهم, فلن يغفر الله لهم, مهما كثر استغفارك لهم وتكرر; لأنهم كفروا بالله ورسوله. والله سبحانه وتعالى لا يوفق للهدى الخارجين عن طاعته.
فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81)
فرح المخلفون الذين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقعودهم في(المدينة) مخالفين لرسول الله صلى الله عليه وسلم, وكرهوا أن يجاهدوا معه بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله, وقال بعضهم لبعض: لا تنفروا في الحرِّ, وكانت غزوة(تبوك) في وقت شدة الحرِّ. قل لهم -أيها الرسول-: نار جهنم أشد حرًا, لو كانوا يعلمون ذلك.
فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82)
فليضحك هؤلاء المنافقون الذين تخلفوا عن رسول الله في غزوة(تبوك) قليلا في حياتهم الدنيا الفانية, وليبكوا كثيرًا في نار جهنم; جزاءً بما كانوا يكسبون في الدنيا من النفاق والكفر.
فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ (83)
فإنْ رَدَّك الله -أيها الرسول- مِن غزوتك إلى جماعة من المنافقين الثابتين على النفاق, فاستأذنوك للخروج معك إلى غزوة أخرى بعد غزوة(تبوك) فقل لهم: لن تخرجوا معي أبدًا في غزوة من الغزوات, ولن تقاتلوا معي عدوًا من الأعداء; إنكم رضيتم بالقعود أول مرة, فاقعدوا مع الذين تخلفوا عن ال**** مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (84)
ولا تصلِّ -أيها الرسول- أبدًا على أحد مات من المنافقين, ولا تقم على قبره لتدعو له; لأنهم كفروا بالله تعالى وبرسوله صلى الله عليه وسلم وماتوا وهم فاسقون. وهذا حكم عام في كل من عُلِمَ نفاقه.
وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ(85)
ولا تعجبك -أيها الرسول- أموال هؤلاء المنافقين وأولادهم, إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا بمكابدتهم الشدائد في شأنها, وبموتهم على كفرهم بالله ورسوله.
وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ (86)
وإذا أنزلت سورة على محمد صلى الله عليه ولم تأمر بالإيمان بالله والإخلاص له وال**** مع رسول الله, طلب الإذن منك -أيها الرسول- أولو اليسار من المنافقين, وقالوا: اتركنا مع القاعدين العاجزين عن الخروج.
رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (87)
رضي هؤلاء المنافقون لأنفسهم بالعار, وهو أن يقعدوا في البيوت مع النساء والصبيان وأصحاب الأعذار, وختم الله على قلوبهم; بسبب نفاقهم وتخلفهم عن ال**** والخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيل الله, فهم لا يفقهون ما فيه صلاحهم ورشادهم.
لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88)
إنْ تخلَّف هؤلاء المنافقون عن الغزو, فقد جاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون معه بأموالهم وأنفسهم, وأولئك لهم النصر والغنيمة في الدنيا, والجنة والكرامة في الآخرة, وأولئك هم الفائزون.
أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (89)
أعدَّ الله لهم يوم القيامة جنات تجري مِن تحت أشجارها الأنهار ماكثين فيها أبدًا. وذلك هو الفلاح العظيم.
وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (90)
وجاء جماعة من أحياء العرب حول(المدينة) يعتذرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, ويبينون له ما هم فيه من الضعف وعدم القدرة على الخروج للغزو, وقعد قوم بغير عذر أظهروه جرأة على رسول الله صلى الله عليه وسلم. سيصيب الذين كفروا من هؤلاء عذاب أليم في الدنيا بالقتل وغيره, وفي الآخرة بالنار.
لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91)
ليس على أهل الأعذار مِن الضعفاء والمرضى والفقراء الذين لا يملكون من المال ما يتجهزون به للخروج إثم في القعود إذا أخلصوا لله ورسوله, وعملوا بشرعه, ما على مَن أحسن ممن منعه العذر عن ال**** مع رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهو ناصح لله ولرسوله من طريق يعاقب مِن قِبَلِه ويؤاخذ عليه. والله غفور للمحسنين, رحيم بهم.
وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ (92)
وكذلك لا إثم على الذين إذا ما جاؤوك يطلبون أن تعينهم بحملهم إلى ال**** قلت لهم: لا أجد ما أحملكم عليه من الدوابِّ, فانصرفوا عنك, وقد فاضت أعينهم دَمعًا أسفًا على ما فاتهم من شرف ال**** وثوابه; لأنهم لم يجدوا ما ينفقون, وما يحملهم لو خرجوا لل**** في سبيل الله.
إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (93)
إنما الإثم واللوم على الأغنياء الذين جاءوك -أيها الرسول- يطلبون الإذن بالتخلف, وهم المنافقون الأغنياء اختاروا لأنفسهم القعود مع النساء وأهل الأعذار, وختم الله على قلوبهم بالنفاق, فلا يدخلها إيمان, فهم لا يعلمون سوء عاقبتهم بتخلفهم عنك وتركهم ال**** معك.
يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (94)
يعتذر إليكم -أيها المؤمنون- هؤلاء المتخلفون عن **** المشركين بالأكاذيب عندما تعودون مِن ****كم من غزوة(تبوك), قل لهم -أيها الرسول-: لا تعتذروا لن نصدقكم فيما تقولون, قد نبأنا الله من أمركم ما حقق لدينا كذبكم, وسيرى الله عملكم ورسوله, إن كنتم تتوبون من نفاقكم, أو تقيمون عليه, وسيُظهر للناس أعمالكم في الدنيا, ثم ترجعون بعد مماتكم إلى الذي لا تخفى عليه بواطن أموركم وظواهرها, فيخبركم بأعمالكم كلها, ويجازيكم عليها.
سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (95)
سيحلف لكم المنافقون بالله -كاذبين معتذرين- إذا رجعتم إليهم من الغزو; لتتركوهم دون مساءلة, فاجتنبوهم وأعرضوا عنهم احتقارًا لهم, إنهم خبثاء البواطن, ومكانهم الذي يأوون إليه في الآخرة نار جهنم; جزاء بما كانوا يكسبون من الآثام والخطايا.
يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (96)
يحلف لكم -أيها المؤمنون- هؤلاء المنافقون كذبًا; لتَرضَوا عنهم, فإن رضيتم عنهم -لأنكم لا تعلمون كذبهم- فإن الله لا يرضى عن هؤلاء وغيرهم ممن استمروا على الفسوق والخروج عن طاعة الله ورسوله.
الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (97)
الأعراب سكان البادية أشد كفرًا ونفاقًا من أهل الحاضرة, وذلك لجفائهم وقسوة قلوبهم وبُعدهم عن العلم والعلماء, ومجالس الوعظ والذكر, فهم لذلك أحق بأن لا يعلموا حدود الدين, وما أنزل الله من الشرائع والأحكام. والله عليم بحال هؤلاء جميعًا, حكيم في تدبيره لأمور عباده.
وَمِنَ الأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(98)
ومن الأعراب مَن يحتسب ما ينفق في سبيل الله غرامة وخسارة لا يرجو له ثوابًا, ولا يدفع عن نفسه عقابًا, وينتظر بكم الحوادث والآفات, ولكن السوء دائر عليهم لا بالمسلمين. والله سميع لما يقولون عليم بنياتهم الفاسدة.
وَمِنَ الأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (99)
ومن الأعراب مَن يؤمن بالله ويقرُّ بوحدانيته وبالبعث بعد الموت, والثواب والعقاب, ويحتسب ما ينفق من نفقة في **** المشركين قاصدًا بها رضا الله ومحبته, ويجعلها وسيلة إلى دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم له, ألا إن هذه الأعمال تقربهم إلى الله تعالى, سيدخلهم الله في جنته. إن الله غفور لما فعلوا من السيئات, رحيم بهم.
وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100)
والذين سبقوا الناس أولا إلى الإيمان بالله ورسوله من المهاجرين الذين هجروا قومهم وعشيرتهم وانتقلوا إلى دار الإسلام, والأنصار الذين نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أعدائه الكفار, والذين اتبعوهم بإحسان في الاعتقاد والأقوال والأعمال طلبًا لمرضاة الله سبحانه وتعالى, أولئك الذين رضي الله عنهم لطاعتهم الله ورسوله, ورضوا عنه لما أجزل لهم من الثواب على طاعتهم وإيمانهم, وأعدَّ لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدًا, ذلك هو الفلاح العظيم. وفي هذه الآية تزكية للصحابة -رضي الله عنهم- وتعديل لهم, وثناء عليهم; ولهذا فإن توقيرهم من أصول الإيمان.
وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101)
ومن القوم الذين حول(المدينة) أعراب منافقون, ومن أهل(المدينة) منافقون أقاموا على النفاق, وازدادوا فيه طغيانًا, بحيث يخفى عليك -أيها الرسول- أمرهم, نحن نعلمهم, سنعذبهم مرتين: بالقتل والسبي والفضيحة في الدنيا, وبعذاب القبر بعد الموت, ثم يُرَدُّون يوم القيامة إلى عذاب عظيم في نار جهنم.
وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102)
وآخرون من أهل(المدينة) وممن حولها, اعترفوا بذنوبهم وندموا عليها وتابوا منها, خلطوا العمل الصالح -وهو التوبة والندم والاعتراف بالذنب وغير ذلك من الأعمال الصالحة- بآخر سيِّئ- وهو التخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيره من الأعمال السيئة -عسى الله أن يوفقهم للتوبة ويقبلها منهم. إن الله غفور لعباده, رحيم بهم.
خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(103)
خذ -أيها النبي- من أموال هؤلاء التائبين الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا صدقة تطهرهم مِن دنس ذنوبهم, وترفعهم عن منازل المنافقين إلى منازل المخلصين, وادع لهم بالمغفرة لذنوبهم واستغفر لهم منها, إن دعاءك واستغفارك رحمة وطمأنينة لهم. والله سميع لكل دعاء وقول, عليم بأحوال العباد ونياتهم, وسيجازي كلَّ عامل بعمله.
أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (104)
ألم يعلم هؤلاء المتخلفون عن ال**** وغيرهم أن الله وحده هو الذي يقبل توبة عباده, ويأخذ الصدقات ويثيب عليها, وأن الله هو التواب لعباده إذا رجعوا إلى طاعته, الرحيم بهم إذا أنابوا إلى رضاه؟
وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105)
وقل -أيها النبي- لهؤلاء المتخلِّفين عن ال****: اعملوا لله بما يرضيه من طاعته، وأداء فرائضه، واجتناب المعاصي, فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون, وسيتبين أمركم, وسترجعون يوم القيامة إلى مَن يعلم سركم وجهركم, فيخبركم بما كنتم تعملون. وفي هذا تهديد ووعيد لمن استمر على باطله وطغيانه.
وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (106)
ومن هؤلاء المتخلفين عنكم -أيها المؤمنون- في غزوة(تبوك) آخرون مؤخرون; ليقضي الله فيهم ما هو قاض. وهؤلاء هم الذين ندموا على ما فعلوا, وهم: مُرارة بن الربيع, وكعب بن مالك, وهلال بن أُميَّة, إما يعذبهم الله, وإما يعفو عنهم. والله عليم بمن يستحق العقوبة أو العفو, حكيم في كل أقواله وأفعاله.
وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107)
والمنافقون الذين بنوا مسجدًا; مضارة للمؤمنين وكفرًا بالله وتفريقًا بين المؤمنين, ليصلي فيه بعضهم ويترك مسجد(قباء) الذي يصلي فيه المسلمون, فيختلف المسلمون ويتفرقوا بسبب ذلك, وانتظارا لمن حارب الله ورسوله من قبل -وهو أبو عامر الراهب الفاسق- ليكون مكانًا للكيد للمسلمين, وليحلفنَّ هؤلاء المنافقون أنهم ما أرادوا ببنائه إلا الخير والرفق بالمسلمين والتوسعة على الضعفاء العاجزين عن السير إلى مسجد(قباء), والله يشهد إنهم لكاذبون فيما يحلفون عليه. وقد هُدِم المسجد وأُحرِق.
لا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108)
لا تقم -أيها النبي- للصلاة في ذلك المسجد أبدًا; فإن المسجد الذي أُسِّسَ على التقوى من أول يوم -وهو مسجد(قباء)- أولى أن تقوم فيه للصلاة, ففي هذا المسجد رجال يحبون أن يتطهروا بالماء من النجاسات والأقذار, كما يتطهرون بالتورع والاستغفار من الذنوب والمعاصي. والله يحب المتطهرين. وإذا كان مسجد(قباء) قد أُسِّسَ على التقوى من أول يوم, فمسجد رسول الله, صلى الله عليه وسلم, كذلك بطريق الأولى والأحرى.

أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109)
لا يستوي مَن أسَّس بنيانه على تقوى الله وطاعته ومرضاته, ومن أسَّس بنيانه على طرف حفرة متداعية للسقوط, فبنى مسجدًا ضرارًا وكفرًا وتفريقًا بين المسلمين, فأدَّى به ذلك إلى السقوط في نار جهنم. والله لا يهدي القوم الظالمين المتجاوزين حدوده.
لا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (110)
لا يزال بنيان المنافقين الذي بنوه مضارَّة لمسجد(قباء) شكًا ونفاقًا ماكثًا في قلوبهم, إلى أن تتقطع قلوبهم بقتلهم أو موتهم, أو بندمهم غاية الندم, وتوبتهم إلى ربهم, وخوفهم منه غاية الخوف. والله عليم بما عليه هؤلاء المنافقون من الشك وما قصدوا في بنائهم, حكيم في تدبير أمور خلقه.
إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111)
إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم بأن لهم في مقابل ذلك الجنة, وما أعد الله فيها من النعيم لبذلهم نفوسهم وأموالهم في **** أعدائه لإعلاء كلمته وإظهار دينه, فيَقْتلون ويُقتَلون, وعدًا عليه حقًا في التوراة المنزلة على موسى عليه السلام, والإنجيل المنزل على عيسى عليه السلام, والقرآن المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم. ولا أحد أوفى بعهده من الله لمن وفَّى بما عاهد الله عليه, فأظهِروا السرور-أيها المؤمنون- ببيعكم الذي بايعتم الله به, وبما وعدكم به من الجنة والرضوان, وذلك البيع هو الفلاح العظيم.
التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112)
ومن صفات هؤلاء المؤمنين الذين لهم البشارة بدخول الجنة أنهم التائبون الراجعون عما كرهه الله إلى ما يحبه ويرضاه, الذين أخلصوا العبادة لله وحده وجدوا في طاعته, الذين يحمدون الله على كل ما امتحنهم به من خير أو شر, الصائمون, الراكعون في صلاتهم, الساجدون فيها, الذين يأمرون الناس بكل ما أمر الله ورسوله به, وينهونهم عن كل ما نهى الله عنه ورسوله, المؤدون فرائض الله المنتهون إلى أمره ونهيه, القائمون على طاعته, الواقفون عند حدوده. وبشِّر -أيها النبي- هؤلاء المؤمنين المتصفين بهذه الصفات برضوان الله وجنته.
مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (113)
ما كان ينبغي للنبي محمد صلى الله عليه وسلم والذين آمنوا أن يدعوا بالمغفرة للمشركين, ولو كانوا ذوي قرابة لهم مِن بعد ما ماتوا على شركهم بالله وعبادة الأوثان, وتبين لهم أنهم أصحاب الجحيم لموتهم على الشرك, والله لا يغفر للمشركين, كما قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وكما قال سبحانه: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ .
وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (114)
وما كان استغفار إبراهيم عليه السلام لأبيه المشرك, إلا عن موعدة وعدها إياه, وهي قوله: سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا . فلما تبيَّن لإبراهيم أن أباه عدو لله ولم ينفع فيه الوعظ والتذكير, وأنه سيموت كافرًا, تركه وترك الاستغفار له, وتبرأ منه. إن إبراهيم عليه السلام عظيم التضرع لله, كثير الصفح عما يصدر مِن قومه من الزلات.
وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (115)
وما كان الله ليضلَّ قومًا بعد أن مَنَّ عليهم بالهداية والتوفيق حتى يبيِّن لهم ما يتقونه به, وما يحتاجون إليه في أصول الدين وفروعه. إن الله بكل شيء عليم, فقد علَّمكم ما لم تكونوا تعلمون, وبيَّن لكم ما به تنتفعون, وأقام الحجة عليكم بإبلاغكم رسالته.
إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (116)
إن لله مالك السموات والأرض وما فيهن لا شريك له في الخلق والتدبير والعبادة والتشريع, يحيي مَن يشاء ويميت مَن يشاء, وما لكم مِن أحد غير الله يتولى أموركم, ولا نصير ينصركم على عدوكم.
لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117)
لقد وفَّق الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم إلى الإنابة إليه وطاعته, وتاب الله على المهاجرين الذين هجروا ديارهم وعشيرتهم إلى دار الإسلام, وتاب على أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين خرجوا معه لقتال الأعداء في غزوة(تبوك) في حرٍّ شديد, وضيق من الزاد والظَّهْر, لقد تاب الله عليهم من بعد ما كاد يَميل قلوب بعضهم عن الحق, فيميلون إلى الدَّعة والسكون, لكن الله ثبتهم وقوَّاهم وتاب عليهم, إنه بهم رؤوف رحيم. ومن رحمته بهم أنْ مَنَّ عليهم بالتوبة, وقَبِلَها منهم, وثبَّتهم عليها.
وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118)
وكذلك تاب الله على الثلاثة الذين خُلِّفوا من الأنصار -وهم كعب بن مالك وهلال بن أُميَّة ومُرَارة بن الربيع- تخلَّفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, وحزنوا حزنًا شديدًا, حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بسَعَتها غمًّا وندمًا بسبب تخلفهم, وضاقت عليهم أنفسهم لِمَا أصابهم من الهم, وأيقنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه, وفَّقهم الله سبحانه وتعالى إلى الطاعة والرجوع إلى ما يرضيه سبحانه. إن الله هو التواب على عباده, الرحيم بهم.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)
يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه، امتثلوا أوامر الله واجتنبوا نواهيه في كل ما تفعلون وتتركون, وكونوا مع الصادقين في أَيمانهم وعهودهم, وفي كل شأن من شؤونهم.
مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلا إِلا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120)
ما كان ينبغي لأهل مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومَن حولهم من سكان البادية أن يتخلَّفوا في أهلهم ودورهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولا يرضوا لأنفسهم بالراحة والرسول صلى الله عليه وسلم في تعب ومشقة; ذلك بأنهم لا يصيبهم في سفرهم و****هم عطش ولا تعب ولا مجاعة في سبيل الله, ولا يطؤون أرضًا يُغضِبُ الكفارَ وطؤهم إياها, ولا يصيبون مِن عدو الله وعدوهم قتلا أو هزيمةً إلا كُتِب لهم بذلك كله ثواب عمل صالح. إن الله لا يضيع أجر المحسنين.
وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (121)
ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة في سبيل الله, ولا يقطعون واديًا في سيرهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ****ه, إلا كُتِب لهم أجر عملهم; ليجزيهم الله أحسن ما يُجْزَون به على أعمالهم الصالحة.
وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122)
وما كان ينبغي للمؤمنين أن يخرجوا جميعًا لقتال عدوِّهم, كما لا يستقيم لهم أن يقعدوا جميعًا, فهلا خرج من كل فرقة جماعة تحصل بهم الكفاية والمقصود; وذلك ليتفقه النافرون في دين الله وما أنزل على رسوله, وينذروا قومهم بما تعلموه عند رجوعهم إليهم, لعلهم يحذرون عذاب الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ(123)
يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه، ابدؤوا بقتال الأقرب فالأقرب إلى دار الإسلام من الكفار, وليجد الكفار فيكم غِلْظة وشدة, واعلموا أن الله مع المتقين بتأييده ونصره.
وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124)
وإذا ما أنزل الله سورة من سور القرآن على رسوله, فمِن هؤلاء المنافقين من يقول: -إنكارًا واستهزاءً- أيُّكم زادته هذه السورة تصديقًا بالله وآياته؟ فأما الذين آمنوا بالله ورسوله فزادهم نزول السورة إيمانًا بالعلم بها وتدبرها واعتقادها والعمل بها, وهم يفرحون بما أعطاهم الله من الإيمان واليقين.
وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (125)
وأما الذين في قلوبهم نفاق وشك في دين الله, فإن نزول السورة يزيدهم نفاقًا وشكًا إلى ما هم عليه من قبلُ من النفاق والشك, وهلك هؤلاء وهم جاحدون بالله وآياته.
أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (126)
أولا يرى المنافقون أن الله يبتليهم بالقحط والشدة, وبإظهار ما يبطنون من النفاق مرة أو مرتين في كل عام؟ ثم هم مع ذلك لا يتوبون مِن كفرهم ونفاقهم, ولا هم يتعظون ولا يتذكرون بما يعاينون من آيات الله.
وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (127)
وإذا ما أُنزلت سورة تغَامَزَ المنافقون بالعيون إنكارًا لنزولها وسخرية وغيظًا; لِمَا نزل فيها مِن ذِكْر عيوبهم وأفعالهم, ثم يقولون: هل يراكم من أحد إن قمتم من عند الرسول؟ فإن لم يرهم أحد قاموا وانصرفوا من عنده عليه الصلاة والسلام مخافة الفضيحة. صرف الله قلوبهم عن الإيمان; بسبب أنهم لا يفهمون ولا يتدبرون.
لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)
لقد جاءكم أيها المؤمنون رسول من قومكم, يشق عليه ما تلقون من المكروه والعنت, حريص على إيمانكم وصلاح شأنكم, وهو بالمؤمنين كثير الرأفة والرحمة.
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129)
فإن أعرض المشركون والمنافقون عن الإيمان بك -أيها الرسول- فقل لهم: حسبي الله, يكفيني جميع ما أهمَّني, لا معبود بحق إلا هو, عليه اعتمدت, وإليه فَوَّضْتُ جميع أموري; فإنه ناصري ومعيني, وهو رب العرش العظيم, الذي هو أعظم المخلوقات.









التوقيع





   
قديم 2014-06-16, 12:57 رقم المشاركة : 137
أم الوليد
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية أم الوليد

 

إحصائية العضو







أم الوليد غير متواجد حالياً


مسابقة المبشرون بالجنة

مشارك(ة)

المرتبة الثالثة

وسام المشارك مسابقة الأستاذ الرمضانية

وسام المشاركة في المسابقة الترفيهية

وسام المشارك

وسام المركز 2حزر فزر

وسام المشاركة  في مسابقة المصطلحات

وسام المرتبة الثالثة في مسابقة ألغاز رمضان

وسام الرتبة الأولى في مسابقة طاكسي المنتدى لشهر يو

افتراضي رد: التفسير الميسّر


سورة الأنفال



يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1)
يسألك أصحابك -أيها النبي- عن الغنائم يوم "بدر" كيف تقسمها بينهم؟ قل لهم: إنَّ أمرها إلى الله ورسوله, فالرسول يتولى قسمتها بأمر ربه, فاتقوا عقاب الله ولا تُقَدموا على معصيته, واتركوا المنازعة والمخاصمة بسبب هذه الأموال, وأصلحوا الحال بينكم, والتزموا طاعة الله ورسوله إن كنتم مؤمنين; فإن الإيمان يدعو إلى طاعة الله ورسوله.
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2)
إنما المؤمنون بالله حقًا هم الذين إذا ذُكِر الله فزعت قلوبهم, وإذا تليت عليهم آيات القرآن زادتهم إيمانًا مع إيمانهم, لتدبرهم لمعانيه وعلى الله تعالى يتوكلون, فلا يرجون غيره, ولا يرهبون سواه.
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3)
الذين يداومون على أداء الصلوات المفروضة في أوقاتها, ومما رزقناهم من الأموال ينفقون فيما أمرناهم به.
أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)
هؤلاء الذين يفعلون هذه الأفعال هم المؤمنون حقًا ظاهرًا وباطنًا بما أنزل الله عليهم, لهم منازل عالية عند الله, وعفو عن ذنوبهم, ورزق كريم, وهو الجنة.
كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5)
كما أنكم لما اختلفتم في المغانم فانتزعها الله منكم, وجعلها إلى قَسْمه وقَسْم رسوله صلى الله عليه وسلم, كذلك أمرك ربك -أيها النبي- بالخروج من "المدينة" للقاء عِيْر قريش, وذلك بالوحي الذي أتاك به جبريل مع كراهة فريق من المؤمنين للخروج.
يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (6)
يجادلك -أيها النبي- فريق من المؤمنين في القتال مِن بعد ما تبيَّن لهم أن ذلك واقع, كأنهم يساقون إلى الموت, وهم ينظرون إليه عِيانًا.
وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7)
واذكروا -أيها المجادلون- وَعْدَ الله لكم بالظَّفْر بإحدى الطائفتين: العير وما تحمله مِن أرزاق, أو النفير, وهو قتال الأعداء والانتصار عليهم, وأنتم تحبون الظَّفْر بالعير دون القتال, ويريد الله أن يحق الإسلام, ويُعْليه بأمره إياكم بقتال الكفار, ويستأصل الكافرين بالهلاك.
لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8)
ليعزَّ الله الإسلام وأهله, ويذهب الشرك وأهله, ولو كره المشركون ذلك.
إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9)
اذكروا نعمة الله عليكم يوم "بدر" إذ تطلبون النصر على عدوكم, فاستجاب الله لدعائكم قائلا إني ممدُّكم بألف من الملائكة من السماء, يتبع بعضهم بعضًا.
وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10)
وما جعل الله ذلك الإمداد إلا بشارة لكم بالنصر, ولتسكن به قلوبكم, وتوقنوا بنصر الله لكم, وما النصر إلا من عند الله, لا بشدة بأسكم وقواكم. إن الله عزيز في ملكه, حكيم في تدبيره وشرعه.
إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ (11)
إذ يُلْقي الله عليكم النعاس أمانًا منه لكم من خوف عدوكم أن يغلبكم, وينزل عليكم من السحاب ماء طهورًا, ليطهركم به من الأحداث الظاهرة, ويزيل عنكم في الباطن وساوس الشيطان وخواطره, وليشدَّ على قلوبكم بالصبر عند القتال, ويثبت به أقدام المؤمنين بتلبيد الأرض الرملية بالمطر حتى لا تنزلق فيها الأقدام.
إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12)
إذ يوحي ربك -أيها النبي- إلى الملائكة الذين أمدَّ الله بهم المسلمين في غزوة "بدر" أني معكم أُعينكم وأنصركم, فقوُّوا عزائم الذين آمنوا, سألقي في قلوب الذين كفروا الخوف الشديد والذلة والصَّغَار, فاضربوا -أيها المؤمنون- رؤوس الكفار, واضربوا منهم كل طرف ومِفْصل.
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (13)
ذلك الذي حدث للكفار من ضَرْب رؤوسهم وأعناقهم وأطرافهم; بسبب مخالفتهم لأمر الله ورسوله, ومَن يخالف أمر الله ورسوله, فإن الله شديد العقاب له في الدنيا والآخرة.
ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ (14)
ذلكم العذاب الذي عجَّلته لكم -أيها الكافرون المخالفون لأوامر الله ورسوله في الدنيا- فذوقوه في الحياة الدنيا, ولكم في الآخرة عذاب النار.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ (15)
يا أيها الذين صَدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه, إذا قابلتم الذين كفروا في القتال متقاربين منكم فلا تُوَلُّوهم ظهوركم, فتنهزموا عنهم, ولكن اثبتوا لهم, فإن الله معكم وناصركم عليهم.
وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16)
ومن يُوَلِّهم منكم ظهره وقت الزحف إلا منعطفًا لمكيدة الكفار أو منحازًا إلى جماعة المسلمين حاضري الحرب حيث كانوا, فقد استحق الغضب من الله, ومقامه جهنم, وبئس المصير والمنقلب.
فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17)
فلم تقتلوا -أيها المؤمنون- المشركين يوم "بدر", ولكن الله قتلهم, حيث أعانكم على ذلك, وما رميت حين رميت -أيها النبي- ولكن الله رمى, حيث أوصل الرمية التي رميتها إلى وجوه المشركين; وليختبر المؤمنين بالله ورسوله ويوصلهم بال**** إلى أعلى الدرجات, ويعرِّفهم نعمته عليهم, فيشكروا له سبحانه على ذلك. إن الله سميع لدعائكم وأقوالكم ما أسررتم به وما أعلنتم, عليم بما فيه صلاح عباده.
ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ (18)
هذا الفعل مِن قتل المشركين ورميهم حين انهزموا, والبلاء الحسن بنصر المؤمنين على أعدائهم, هو من الله للمؤمنين, وأن الله -فيما يُسْتقبل- مُضعِف ومُبطِل مكر الكافرين حتى يَذِلُّوا وينقادوا للحق أو يهلكوا.
إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19)
إن تطلبوا -أيها الكفار- من الله أن يوقع بأسه وعذابه على المعتدين الظالمين فقد أجاب الله طلبكم, حين أوقع بكم مِن عقابه ما كان نكالا لكم وعبرة للمتقين, فإن تنتهوا -أيها الكفار- عن الكفر بالله ورسوله وقتال نبيه محمد صلى الله عليه وسلم, فهو خير لكم في دنياكم وأخراكم, وإن تعودوا إلى الحرب وقتال محمد صلى الله عليه وسلم وقتال أتباعه المؤمنين نَعُدْ بهزيمتكم كما هُزمتم يوم "بدر", ولن تغني عنكم جماعتكم شيئًا, كما لم تغن عنكم يوم "بدر" مع كثرة عددكم وعتادكم وقلة عدد المؤمنين وعدتهم, وأن الله مع المؤمنين بتأييده ونصره.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20)
يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله أطيعوا الله ورسوله فيما أمركم به ونهاكم عنه, ولا تتركوا طاعة الله وطاعة رسوله, وأنتم تسمعون ما يتلى عليكم في القرآن من الحجج والبراهين.
وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (21)
ولا تكونوا أيها المؤمنون في مخالفة الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم كالمشركين والمنافقين الذين إذا سمعوا كتاب الله يتلى عليهم قالوا: سمعنا بآذاننا, وهم في الحقيقة لا يتدبرون ما سمعوا, ولا يفكرون فيه.
إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (22)
إنَّ شر ما دبَّ على الأرض -مِنْ خَلْق الله- عند الله الصمُّ الذين انسدَّت آذانهم عن سماع الحق فلا يسمعون, البكم الذين خرست ألسنتهم عن النطق به فلا ينطقون, هؤلاء هم الذين لا يعقلون عن الله أمره ونهيه.
وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23)
ولو علم الله في هؤلاء خيرًا لأسمعهم مواعظ القرآن وعبره حتى يعقلوا عن الله عز وجل حججه وبراهينه, ولكنه علم أنه لا خير فيهم وأنهم لا يؤمنون, ولو أسمعهم -على الفرض والتقدير- لتولَّوا عن الإيمان قصدًا وعنادًا بعد فهمهم له, وهم معرضون عنه, لا التفات لهم إلى الحق بوجه من الوجوه.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)
يا أيها الذين صدِّقوا بالله ربًا وبمحمد نبيًا ورسولا استجيبوا لله وللرسول بالطاعة إذا دعاكم لما يحييكم من الحق, ففي الاستجابة إصلاح حياتكم في الدنيا والآخرة, واعلموا -أيها المؤمنون- أن الله تعالى هو المتصرف في جميع الأشياء, والقادر على أن يحول بين الإنسان وما يشتهيه قلبه, فهو سبحانه الذي ينبغي أن يستجاب له إذا دعاكم; إذ بيده ملكوت كل شيء, واعلموا أنكم تُجمعون ليوم لا ريب فيه, فيجازي كلا بما يستحق.
وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25)
واحذروا -أيها المؤمنون- اختبارًا ومحنة يُعَمُّ بها المسيء وغيره لا يُخَص بها أهل المعاصي ولا مَن باشر الذنب, بل تصيب الصالحين معهم إذا قدروا على إنكار الظلم ولم ينكروه, واعلموا أن الله شديد العقاب لمن خالف أمره ونهيه.
وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26)
واذكروا أيها المؤمنون نِعَم الله عليكم إذ أنتم بـ"مكة" قليلو العدد مقهورون, تخافون أن يأخذكم الكفار بسرعة, فجعل لكم مأوى تأوون إليه وهو "المدينة", وقوَّاكم بنصره عليهم يوم "بدر", وأطعمكم من الطيبات -التي من جملتها الغنائم-; لكي تشكروا له على ما رزقكم وأنعم به عليكم.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27)
يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه لا تخونوا الله ورسوله بترك ما أوجبه الله عليكم وفِعْل ما نهاكم عنه, ولا تفرطوا فيما ائتمنكم الله عليه, وأنتم تعلمون أنه أمانة يجب الوفاء بها.
وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28)
واعلموا -أيها المؤمنون- أن أموالكم التي استخلفكم الله فيها, وأولادكم الذين وهبهم الله لكم اختبار من الله وابتلاء لعباده; ليعلم أيشكرونه عليها ويطيعونه فيها, أو ينشغلون بها عنه؟ واعلموا أن الله عنده خير وثواب عظيم لمن اتقاه وأطاعه.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)
يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه إن تتقوا الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه يجعل لكم فصلا بين الحق والباطل, ويَمحُ عنكم ما سلف من ذنوبكم ويسترها عليكم, فلا يؤاخذكم بها. والله ذو الفضل العظيم.
وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30)
واذكر -أيها الرسول- حين يكيد لك مشركو قومك بـ"مكَّة"; ليحبسوك أو يقتلوك أو ينفوك من بلدك. ويكيدون لك, وردَّ الله مكرهم عليهم جزاء لهم, ويمكر الله, والله خير الماكرين.
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ (31)
وإذا تتلى على هؤلاء الذين كفروا بالله آيات القرآن العزيز قالوا جهلا منهم وعنادًا للحق: قد سمعنا هذا من قبل, لو نشاء لقلنا مثل هذا القرآن, ما هذا القرآن الذي تتلوه علينا -يا محمد- إلا أكاذيب الأولين.
وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (32)
واذكر -أيها الرسول- قول المشركين من قومك داعين الله: إن كان ما جاء به محمد هو الحق مِن عندك فأمطر علينا حجارة من السماء, أو ائتنا بعذاب شديد موجع.
وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33)
وما كان الله سبحانه وتعالى ليعذِّب هؤلاء المشركين, وأنت -أيها الرسول- بين ظهرانَيْهم, وما كان الله معذِّبهم, وهم يستغفرون من ذنوبهم.
وَمَا لَهُمْ أَلا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (34)
وكيف لا يستحقُّون عذاب الله, وهم يصدون أولياءه المؤمنين عن الطواف بالكعبة والصلاة في المسجد الحرام؟ وما كانوا أولياء الله, إنْ أولياء الله إلا الذين يتقونه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه, ولكن أكثر الكفار لا يعلمون; فلذلك ادَّعوا لأنفسهم أمرًا, غيرهم أولى به.
وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (35)
وما كان صلاتهم عند المسجد الحرام إلا صفيرًا وتصفيقًا. فذوقوا عذاب القتل والأسر يوم "بدر" ; بسبب جحودكم وأفعالكم التي لا يُقْدم عليها إلا الكفرة, الجاحدون توحيد ربهم ورسالة نبيهم.
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36)
إن الذين جحدوا وحدانية الله وعصوا رسوله ينفقون أموالهم فيعطونها أمثالهم من المشركين وأهل الضلال, ليصدوا عن سبيل الله ويمنعوا المؤمنين عن الإيمان بالله ورسوله, فينفقون أموالهم في ذلك, ثم تكون عاقبة نفقتهم تلك ندامة وحسرة عليهم; لأن أموالهم تذهب, ولا يظفرون بما يأمُلون مِن إطفاء نور الله والصد عن سبيله, ثم يهزمهم المؤمنون آخر الأمر. والذين كفروا إلى جهنم يحشرون فيعذبون فيها.
لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (37)
يحشر الله ويخزي هؤلاء الذين كفروا بربهم, وأنفقوا أموالهم لمنع الناس عن الإيمان بالله والصد عن سبيله; ليميز الله تعالى الخبيث من الطيب, ويجعل الله المال الحرام الذي أُنفق للصدِّ عن دين الله بعضه فوق بعض متراكمًا متراكبًا, فيجعله في نار جهنم, هؤلاء الكفار هم الخاسرون في الدنيا والآخرة.
قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الأَوَّلِينَ (38)
قل -أيها الرسول- للذين جحدوا وحدانية الله مِن مشركي قومك: إن ينزجروا عن الكفر وعداوة النبي صلى الله عليه وسلم, ويرجعوا إلى الإيمان بالله وحده وعدم قتال الرسول والمؤمنين, يغفر الله لهم ما سبق من الذنوب, فالإسلام يجُبُّ ما قبله. وإن يَعُدْ هؤلاء المشركون لقتالك -أيها الرسول- بعد الوقعة التي أوقعتها بهم يوم "بدر" فقد سبقت طريقة الأولين, وهي أنهم إذا كذبوا واستمروا على عنادهم أننا نعاجلهم بالعذاب والعقوبة.
وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39)
وقاتلوا -أيها المؤمنون- المشركين حتى لا يكون شِرْكٌ وصدٌّ عن سبيل الله; ولا يُعْبَدَ إلا الله وحده لا شريك له, فيرتفع البلاء عن عباد الله في الأرض, وحتى يكون الدين والطاعة والعبادة كلها لله خالصة دون غيره, فإن انزجروا عن فتنة المؤمنين وعن الشرك بالله وصاروا إلى الدين الحق معكم, فإن الله لا يخفى عليه ما يعملون مِن ترك الكفر والدخول في الإسلام.
وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40)
وإن أعرض هؤلاء المشركون عمَّا دعوتموهم إليه -أيها المؤمنون- من الإيمان بالله ورسوله وترك قتالكم, وأبَوْا إلا الإصرار على الكفر وقتالكم, فأيقِنوا أن الله معينكم وناصركم عليهم. نِعْمَ المعين والناصر لكم ولأوليائه على أعدائكم.


وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41)
واعلموا -أيها المؤمنون- أن ما ظَفِرتم به مِن عدوكم بال**** في سبيل الله فأربعة أخماسه للمقاتلين الذين حضروا المعركة, والخمس الباقي يجزَّأُ خمسة أقسام: الأول لله وللرسول, فيجعل في مصالح المسلمين العامة, والثاني لذوي قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهم بنو هاشم وبنو المطلب, جُعِل لهم الخمس مكان الصدقة فإنها لا تحلُّ لهم, والثالث لليتامى, والرابع للمساكين, والخامس للمسافر الذي انقطعت به النفقة, إن كنتم مقرِّين بتوحيد الله مطيعين له, مؤمنين بما أنزل على عبده محمد صلى الله عليه وسلم من الآيات والمدد والنصر يوم فَرَق بين الحق والباطل بـ"بدر", يوم التقى جَمْعُ المؤمنين وجَمْعُ المشركين. والله على كل شيء قدير لا يعجزه شيء.
إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42)
واذكروا حينما كنتم على جانب الوادي الأقرب إلى "المدينة", وعدوكم نازل بجانب الوادي الأقصى, وعِير التجارة في مكان أسفل منكم إلى ساحل "البحر الأحمر", ولو حاولتم أن تضعوا موعدًا لهذا اللقاء لاختلفتم, ولكنَّ الله جمعكم على غير ميعاد; ليقضي أمرًا كان مفعولا بنصر أوليائه, وخِذْلان أعدائه بالقتل والأسر; وذلك ليهلك من هلك منهم عن حجة لله ثبتت له فعاينها وقطعت عذره, وليحيا مَن حيَّ عن حجة لله قد ثبتت وظهرت له. وإن الله لسميع لأقوال الفريقين, لا يخفى عليه شيء, عليم بنيَّاتهم.
إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (43)
واذكر -أيها النبي- حينما أراك الله قلة عدد عدوك في منامك, فأخبرت المؤمنين بذلك, فقوِيت قلوبهم, واجترؤوا على حربهم, ولو أراك ربك كثرة عددهم لتردد أصحابك في ملاقاتهم, وجَبُنتم واختلفتم في أمر القتال, ولكن الله سلَّم من الفشل, ونجَّى من عاقبة ذلك. إنه عليم بخفايا القلوب وطبائع النفوس.
وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ (44)
واذكر أيضًا حينما برز الأعداء إلى أرض المعركة فرأيتموهم قليلا فاجترأتم عليهم, وقلَّلكم في أعينهم, ليتركوا الاستعداد لحربكم; ليقضي الله أمرًا كان مفعولا فيتحقق وَعْدُ الله لكم بالنصر والغلبة, فكانت كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى. وإلى الله مصير الأمور كلها, فيجازي كلا بما يستحق.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45)
يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه, إذا لقيتم جماعة من أهل الكفر قد استعدوا لقتالكم, فاثبتوا ولا تنهزموا عنهم, واذكروا الله كثيرًا داعين مبتهلين لإنزال النصر عليكم والظَّفَر بعدوكم; لكي تفوزوا.
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46)
والتزموا طاعة الله وطاعة رسوله في كل أحوالكم, ولا تختلفوا فتتفرق كلمتكم وتختلف قلوبكم, فتضعفوا وتذهب قوتكم ونصركم, واصبروا عند لقاه العدو. إن الله مع الصابرين بالعون والنصر والتأييد, ولن يخذلهم.
وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47)
ولا تكونوا مثل المشركين الذين خرجوا من بلدهم كبرًا ورياءً; ليمنعوا الناس عن الدخول في دين الله. والله بما يعملون محيط لا يغيب عنه شيء.
وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (48)
واذكروا حين حسَّن الشيطان للمشركين ما جاؤوا له وما همُّوا به, وقال لهم: لن يغلبكم أحد اليوم, فإني ناصركم, فلما تقابل الفريقان: المشركون ومعهم الشيطان, والمسلمون ومعهم الملائكة, رجع الشيطان مُدْبرًا, وقال للمشركين: إني بريء منكم, إني أرى ما لا ترون من الملائكة الذين جاؤوا مددًا للمسلمين, إني أخاف الله, فخذلهم وتبرأ منهم. والله شديد العقاب لمن عصاه ولم يتب توبة نصوحًا.
إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (49)
واذكروا حين يقول أهل الشرك والنفاق ومرضى القلوب, وهم يرون قلة المسلمين وكثرة عدوهم: غرَّ هؤلاء المسلمين دينُهم, فأوردهم هذه الموارد, ولم يدرك هؤلاء المنافقون أنه من يتوكل على الله ويثق بوعده فإن الله لن يخذله, فإن الله عزيز لا يعجزه شيء, حكيم في تدبيره وصنعه.
وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (50)
ولو تعاين -أيها الرسول- حال قبض الملائكة أرواح الكفار وانتزاعها, وهم يضربون وجوههم في حال إقبالهم, ويضربون ظهورهم في حال فرارهم, ويقولون لهم: ذوقوا العذاب المحرق, لرأيت أمرًا عظيمًا، وهذا السياق وإن كان سببه وقعة "بدر" ، ولكنه عام في حق كلِّ كافر.






التوقيع





   
قديم 2014-06-16, 13:00 رقم المشاركة : 138
أم الوليد
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية أم الوليد

 

إحصائية العضو







أم الوليد غير متواجد حالياً


مسابقة المبشرون بالجنة

مشارك(ة)

المرتبة الثالثة

وسام المشارك مسابقة الأستاذ الرمضانية

وسام المشاركة في المسابقة الترفيهية

وسام المشارك

وسام المركز 2حزر فزر

وسام المشاركة  في مسابقة المصطلحات

وسام المرتبة الثالثة في مسابقة ألغاز رمضان

وسام الرتبة الأولى في مسابقة طاكسي المنتدى لشهر يو

افتراضي رد: التفسير الميسّر


سورة الأنفال
"تتمة"




ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ (51)
ذلك الجزاء الذي أصاب المشركين فبسبب أعمالهم السيئة في حياتهم الدنيا, ولا يظلم الله أحدًا من خَلْقه مثقال ذرة, بل هو الحَكَمُ العدل الذي لا يجور.
كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (52)
إنَّ ما نزل بالمشركين يومئذ سُنَّة الله في عقاب الطغاة من الأمم السابقة من أمثال فرعون والسابقين له, عندما كذَّبوا رسل الله وجحدوا آياته, فإن الله أنزل بهم عقابه بسبب ذنوبهم. إن الله قوي لا يُقْهر, شديد العقاب لمن عصاه ولم يتب من ذنبه.
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (53)
ذلك الجزاء السيِّئ بأن الله إذا أنعم على قوم نعمة لم يسلبها منهم حتى يغيِّروا حالهم الطيبة إلى حال سيئة, وأن الله سميع لأقوال خلقه, عليم بأحوالهم، فيجري عليهم ما اقتضاه علمه ومشيئته.
كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ (54)
شأن هؤلاء الكافرين في ذلك كشأن آل فرعون الذين كذبوا موسى, وشأن الذين كذبوا رسلهم من الأمم السابقة فأهلكهم الله بسبب ذنوبهم, وأغرق آل فرعون في البحر, وكل منهم كان فاعلا ما لم يكن له فِعْلُه من تكذيبهم رسل الله وجحودهم آياته, وإشراكهم في العبادة غيره.
إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (55)
إن شر ما دبَّ على الأرض عند الله الكفار المصرُّون على الكفر, فهم لا يصدقون رسل الله, ولا يُقرون بوحدانيته, ولا يتبعون شرعه.
الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ (56)
مِن أولئك الأشرار اليهود الذين دخلوا معك في المعاهدات بأن لا يحاربوك ولا يظاهروا عليك أحدًا, ثم ينقضون عهدهم المرة تلو المرة, وهم لا يخافون الله.
فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (57)
فإن واجهت هؤلاء الناقضين للعهود والمواثيق في المعركة, فأنزِلْ بهم من العذاب ما يُدْخل الرعب في قلوب الآخرين, ويشتت جموعهم; لعلهم يذّكرون, فلا يجترئون على مثل الذي أقدم عليه السابقون.
وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ (58)
وإن خفت -أيها الرسول- من قومٍ خيانة ظهرت بوادرها فألق إليهم عهدهم, كي يكون الطرفان مستويين في العلم بأنه لا عهد بعد اليوم. إن الله لا يحب الخائنين في عهودهم الناقضين للعهد والميثاق.
وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ (59)
ولا يظنن الذين جحدوا آيات الله أنهم فاتوا ونجَوْا, وأن الله لا يقدر عليهم, إنهم لن يُفْلِتوا من عذاب الله.
وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (60)
وأعدُّوا - يا معشر المسلمين - لمواجهة أعدائكم كل ما تقدرون عليه مِن عدد وعدة, لتُدْخلوا بذلك الرهبة في قلوب أعداء الله وأعدائكم المتربصين بكم, وتخيفوا آخرين لا تظهر لكم عداوتهم الآن, لكن الله يعلمهم ويعلم ما يضمرونه. وما تبذلوا من مال وغيره في سبيل الله قليلا أو كثيرًا يخلفه الله عليكم في الدنيا, ويدخر لكم ثوابه إلى يوم القيامة, وأنتم لا تُنْقصون من أجر ذلك شيئًا.
وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61)
وإن مالوا إلى ترك الحرب ورغبوا في مسالمتكم فمِلْ إلى ذلك -أيها النبي- وفَوِّضْ أمرك إلى الله, وثق به. إنه هو السميع لأقوالهم, العليم بنيَّاتهم.
وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63)
وإن أراد الذين عاهدوك المكر بك فإن الله سيكفيك خداعهم; إنه هو الذي أنزل عليك نصره وقوَّاك بالمؤمنين من المهاجرين والأنصار, وجَمَع بين قلوبهم بعد التفرق, لو أنفقت مال الدنيا على جمع قلوبهم ما استطعت إلى ذلك سبيلا ولكن الله جمع بينها على الإيمان فأصبحوا إخوانًا متحابين, إنه عزيز في مُلْكه, حكيم في أمره وتدبيره.
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (64)
يا أيها النبي إن الله كافيك, وكافي الذين معك من المؤمنين شرَّ أعدائكم.
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (65)
يا أيها النبي حُثَّ المؤمنين بك على القتال, إن يكن منكم عشرون صابرون عند لقاء العدو يغلبوا مائتين منهم, فإن يكن منكم مائة مجاهدة صابرة يغلبوا ألفًا من الكفار; لأنهم قوم لا عِلْم ولا فهم عندهم لما أعدَّ الله للمجاهدين في سبيله, فهم يقاتلون من أجل العلو في الأرض والفساد فيها.
الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66)
الآن خفف الله عنكم أيها المؤمنون لما فيكم من الضعف, فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين من الكافرين, وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين منهم بإذن الله تعالى. والله مع الصابرين بتأييده ونصره.
مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67)
لا ينبغي لنبي أن يكون له أسرى مِن أعدائه حتى يبالغ في القتل; لإدخال الرعب في قلوبهم ويوطد دعائم الدين, تريدون -يا معشر المسلمين- بأخذكم الفداء من أسرى "بدر" متاع الدنيا, والله يريد إظهار دينه الذي به تدرك الآخرة. والله عزيز لا يُقْهر, حكيم في شرعه.
لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (68)
لولا كتاب من الله سبق به القضاء والقدر بإباحة الغنيمة وفداء الأسرى لهذه الأمة, لنالكم عذاب عظيم بسبب أخْذكم الغنيمة والفداء قبل أن ينزل بشأنهما تشريع.
فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (69)
فكلوا من الغنائم وفداء الأسرى فهو حلال طيب, وحافظوا على أحكام دين الله وتشريعاته. إن الله غفور لعباده, رحيم بهم.
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (70)
يا أيها النبي قل لمن أسرتموهم في "بدر": لا تأسوا على الفداء الذي أخذ منكم, إن يعلم الله تعالى في قلوبكم خيرًا يؤتكم خيرًا مما أُخذ منكم من المال بأن يُيَسِّر لكم من فضله خيرًا كثيرًا -وقد أنجز الله وعده للعباس رضي الله عنه وغيره-, ويغفر لكم ذنوبكم. والله سبحانه غفور لذنوب عباده إذا تابوا, رحيم بهم.
وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (71)
وإن يرد الذين أَطْلَقْتَ سراحهم -أيها النبي- من الأسرى الغدر بك مرة أخرى فلا تَيْئسْ, فقد خانوا الله من قبل وحاربوك, فنصرك الله عليهم. والله عليم بما تنطوي عليه الصدور, حكيم في تدبير شؤون عباده.
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72)
إن الذين صدَّقوا الله, ورسوله وعملوا بشرعه, وهاجروا إلى دار الإسلام, أو بلد يتمكنون فيه من عبادة ربهم، وجاهدوا في سبيل الله بالمال والنفس, والذين أنزلوا المهاجرين في دورهم, وواسوهم بأموالهم, ونصروا دين الله, أولئك بعضهم نصراء بعض. أما الذين آمنوا ولم يهاجروا من دار الكفر فلستم مكلفين بحمايتهم ونصرتهم حتى يهاجروا, وإن وقع عليهم ظلم من الكفار فطلبوا نصرتكم فاستجيبوا لهم, إلا على قوم بينكم وبينهم عهد مؤكد لم ينقضوه. والله بصير بأعمالكم, بجزي كلا على قدر نيته وعمله.
وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ (73)
والذين كفروا بعضهم نصراء بعض, وإن لم تكونوا -أيها المؤمنون- نصراء بعض تكن في الأرض فتنة للمؤمنين عن دين الله, وفساد عريض بالصد عن سبيل الله وتقوية دعائم الكفر.
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74)
والذين آمنوا بالله ورسوله, وتركوا ديارهم قاصدين دار الإسلام أو بلدًا يتمكنون فيه من عبادة ربهم, وجاهدوا لإعلاء كلمة الله, والذين نصروا إخوانهم المهاجرين وآووهم وواسوهم بالمال والتأييد, أولئك هم المؤمنون الصادقون حقًا, لهم مغفرة لذنوبهم, ورزق كريم واسع في جنات النعيم.
وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (75)
والذين آمنوا مِن بعد هؤلاء المهاجرين والأنصار, وهاجروا وجاهدوا معكم في سبيل الله, فأولئك منكم -أيها المؤمنون- لهم ما لكم وعليهم ما عليكم, وأولو القرابة بعضهم أولى ببعض في التوارث في حكم الله من عامة المسلمين. إن الله بكل شيء عليم يعلم ما يصلح عباده مِن توريث بعضهم من بعض في القرابة والنسب دون التوارث بالحِلْف, وغير ذلك مما كان في أول الإسلام.









التوقيع





   
قديم 2014-06-16, 13:54 رقم المشاركة : 139
أم الوليد
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية أم الوليد

 

إحصائية العضو







أم الوليد غير متواجد حالياً


مسابقة المبشرون بالجنة

مشارك(ة)

المرتبة الثالثة

وسام المشارك مسابقة الأستاذ الرمضانية

وسام المشاركة في المسابقة الترفيهية

وسام المشارك

وسام المركز 2حزر فزر

وسام المشاركة  في مسابقة المصطلحات

وسام المرتبة الثالثة في مسابقة ألغاز رمضان

وسام الرتبة الأولى في مسابقة طاكسي المنتدى لشهر يو

افتراضي رد: التفسير الميسّر


سورة الأعراف



المص (1)
سبق الكلام على الحروف المقطَّعة في أول سورة البقرة.
كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2)
هذا القرآن كتاب عظيم أنزله الله عليك -أيها الرسول- فلا يكن في صدرك شك منه في أنه أنزل من عند الله، ولا تتحرج في إبلاغه والإنذار به، أنزلناه إليك; لتخوف به الكافرين وتذكر المؤمنين.
اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ (3)
اتبعوا -أيها الناس- ما أُنزل إليكم من ربكم من الكتاب والسنة بامتثال الأوامر واجتناب النواهي، ولا تتبعوا من دون الله أولياء كالشياطين والأحبار والرهبان. إنكم قليلا ما تتعظون، وتعتبرون، فترجعون إلى الحق.
وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ (4)
وكثير من القرى أهلكنا أهلها بسبب مخالفة رسلنا وتكذيبهم، فأعقبهم ذلك خزي الدنيا موصولا بذلِّ الآخرة، فجاءهم عذابنا مرة وهم نائمون ليلا ومرة وهم نائمون نهارًا. وخَصَّ الله هذين الوقتين; لأنهما وقتان للسكون والاستراحة، فمجيء العذاب فيهما أفظع وأشد.
فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (5)
فما كان قولهم عند مجيء العذاب إلا الإقرار بالذنوب والإساءة، وأنهم حقيقون بالعذاب الذي نزل بهم.
فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6)
فلنسألن الأمم الذي أرسل إليهم المرسلون: ماذا أجبتم رسلنا إليكم؟ ولنسْألَنَّ المرسلين عن تبليغهم لرسالات ربهم، وعمَّا أجابتهم به أممهم.
فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ (7)
فلَنقُصَّنَّ على الخلق كلهم ما عملوا بعلم منا لأعمالهم في الدنيا فيما أمرناهم به، وما نهيناهم عنه، وما كنا غائبين عنهم في حال من الأحوال.
وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8)
ووزن أعمال الناس يوم القيامة يكون بميزان حقيقي بالعدل والقسط الذي لا ظلم فيه، فمن ثقلت موازين أعماله -لكثرة حسناته- فأولئك هم الفائزون.
وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ (9)
ومن خَفَّتْ موازين أعماله -لكثرة سيئاته- فأولئك هم الذين أضاعوا حظَّهم من رضوان الله تعالى، بسبب تجاوزهم الحد بجحد آيات الله تعالى وعدم الانقياد لها.
وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ (10)
ولقد مكَّنَّا لكم -أيها الناس- في الأرض، وجعلناها قرارًا لكم، وجعلنا لكم فيها ما تعيشون به من مطاعم ومشارب، ومع ذلك فشكركم لنعم الله قليل.
وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (11)
ولقد أنعمنا عليكم بخلق أصلكم -وهو أبوكم آدم من العدم- ثم صوَّرناه على هيئته المفضلة على كثير من الخلق، ثم أمرنا ملائكتنا عليهم السلام بالسجود له -إكرامًا واحترامًا وإظهارًا لفضل آدم- فسجدوا جميعًا، لكنَّ إبليس الذي كان معهم لم يكن من الساجدين لآدم; حسدًا له على هذا التكريم العظيم.
قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12)
قال تعالى منكرًا على إبليس تَرْكَ السجود: ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك؟ فقال إبليس: أنا أفضل منه خلقًا; لأني مخلوق من نار, وهو مخلوق من طين. فرأى أن النار أشرف من الطين.
قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13)
قال الله لإبليس: فاهبط من الجنة, فما يصح لك أن تتكبر فيها, فاخرج من الجنة, إنك من الذليلين الحقيرين.
قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14)
قال إبليس لله -جل وعلا- حينما يئس من رحمته: أمهلني إلى يوم البعث; وذلك لأتمكن من إغواء مَن أقدر عليه من بني آدم.
قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (15)
قال الله تعالى: إنك ممن كتبتُ عليهم تأخير الأجل إلى النفخة الأولى في القرن, إذ يموت الخلق كلهم.
قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16)
قال إبليس لعنه الله: فبسبب ما أضللتني لأجتهدنَّ في إغواء بني آدم عن طريقك القويم, ولأصدَّنَّهم عن الإسلام الذي فطرتهم عليه.
ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17)
ثم لآتينَّهم من جميع الجهات والجوانب, فأصدهم عن الحق, وأُحسِّن لهم الباطل, وأرغبهم في الدنيا, وأشككهم في الآخرة, ولا تجد أكثر بني آدم شاكرين لك نعمتك.
قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (18)
قال الله تعالى لإبليس: اخرج من الجنة ممقوتًا مطرودًا, لأملأنَّ جهنم منك وممن تبعك من بني آدم أجمعين.
وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (19)
ويا آدم اسكن أنت وزوجك حواء الجنة, فكُلا من ثمارها حيث شئتما, ولا تأكلا من ثمرة شجرة(عَيَّنها لهما), فإن فعلتما ذلك كنتما من الظالمين المتجاوزين حدود الله.
فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20)
فألقى الشيطان لآدم وحواء وسوسة لإيقاعهما في معصية الله تعالى بالأكل من تلك الشجرة التي نهاهما الله عنها; لتكون عاقبتهما انكشاف ما سُتر من عوراتهما, وقال لهما في محاولة المكر بهما: إنما نهاكما ربكما عن الأكل مِن ثمر هذه الشجرة مِن أجل أن لا تكونا ملَكين, ومِن أجل أن لا تكونا من الخالدين في الحياة.
وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21)
وأقسم الشيطان لآدم وحواء بالله إنه ممن ينصح لهما في مشورته عليهما بالأكل من الشجرة, وهو كاذب في ذلك.
فَدَلاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ (22)
فجرَّأهما وغرَّهما, فأكلا من الشجرة التي نهاهما الله عن الاقتراب منها, فلما أكلا منها انكشفت لهما عوراتهما, وزال ما سترهما الله به قبل المخالفة, فأخذا يلزقان بعض ورق الجنة على عوراتهما, وناداهما ربهما جل وعلا ألم أنهكما عن الأكل من تلك الشجرة, وأقل لكما: إن الشيطان لكما عدو ظاهر العداوة؟ وفي هذه الآية دليل على أن كشف العورة من عظائم الأمور, وأنه كان ولم يزل مستهجَنًا في الطباع, مستقبَحًا في العقول.
قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23)
قال آدم وحواء: ربنا ظلمنا أنفسنا بالأكل من الشجرة, وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن ممن أضاعوا حظَّهم في دنياهم وأخراهم.(وهذه الكلمات هي التي تلقاها آدم من ربه, فدعا بها فتاب الله عليه).
قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (24)
قال تعالى مخاطبًا آدم وحواء لإبليس: اهبطوا من السماء إلى الأرض, وسيكون بعضكم لبعض عدوًا, ولكم في الأرض مكان تستقرون فيه, وتتمتعون إلى انقضاء آجالكم.
قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ (25)
قال الله تعالى لآدم وحوَّاء وذريتهما: فيها تحيون, أي: في الأرض تقضون أيام حياتكم الدنيا, وفيها تكون وفاتكم, ومنها يخرجكم ربكم, ويحشركم أحياء يوم البعث.
يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26)
يا بني آدم قد جعلنا لكم لباسًا يستر عوراتكم, وهو لباس الضرورة, ولباسًا للزينة والتجمل, وهو من الكمال والتنعم. ولباسُ تقوى الله تعالى بفعل الأوامر واجتناب النواهي هو خير لباس للمؤمن. ذلك الذي مَنَّ الله به عليكم من الدلائل على ربوبية الله تعالى ووحدانيته وفضله ورحمته بعباده; لكي تتذكروا هذه النعم, فتشكروا لله عليها. وفي ذلك امتنان من الله تعالى على خَلْقه بهذه النعم.
يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (27)
يا بني آدم لا يخدعنَّكم الشيطان, فيزين لكم المعصية, كما زيَّنها لأبويكم آدم وحواء, فأخرجهما بسببها من الجنة, ينزع عنهما لباسهما الذي سترهما الله به; لتنكشف لهما عوراتهما. إن الشيطان يراكم هو وذريته وجنسه وأنتم لا ترونهم فاحذروهم. إنَّا جعلنا الشياطين أولياء للكفار الذين لا يوحدون الله, ولا يصدقون رسله, ولا يعملون بهديه.
وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (28)
وإذا أتى الكفار قبيحًا من الفعل اعتذروا عن فعله بأنه مما ورثوه عن آبائهم, وأنه مما أمر الله به. قل لهم -أيها الرسول- : إن الله تعالى لا يأمر عباده بقبائح الأفعال ومساوئها, أتقولون على الله -أيها المشركون- ما لا تعلمون كذبًا وافتراءً؟
قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29)
قل -أيها الرسول- لهؤلاء المشركين: أمر ربي بالعدل, وأمركم بأن تخلصوا له العبادة في كل موضع من مواضعها, وبخاصة في المساجد, وأن تدعوه مخلصين له الطاعة والعبادة, وأن تؤمنوا بالبعث بعد الموت. وكما أن الله أوجدكم من العدم فإنه قادر على إعادة الحياة إليكم مرة أخرى.
فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (30)
جعل الله عباده فريقين: فريقًا وفَّقهم للهداية إلى الصراط المستقيم, وفريقًا وجبت عليهم الضلالة عن الطريق المستقيم, إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله, فأطاعوهم جهلا منهم وظنًا بأنهم قد سلكوا سبيل الهداية.
يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31)
يا بني آدم كونوا عند أداء كل صلاة على حالة من الزينة المشروعة من ثياب ساترة لعوراتكم ونظافة وطهارة ونحو ذلك, وكلوا واشربوا من طيبات ما رزقكم الله, ولا تتجاوزوا حدود الاعتدال في ذلك. إن الله لا يحب المتجاوزين المسرفين في الطعام والشراب وغير ذلك.
قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32)
قل -أيها الرسول- لهؤلاء الجهلة من المشركين: مَن الذي حرم عليكم اللباس الحسن الذي جعله الله تعالى زينة لكم؟ ومَن الذي حرَّم عليكم التمتع بالحلال الطيب من رزق الله تعالى؟ قل -أيها الرسول- لهؤلاء المشركين: إنَّ ما أحله الله من الملابس والطيبات من المطاعم والمشارب حق للذين آمنوا في الحياة الدنيا يشاركهم فيها غيرهم, خالصة لهم يوم القيامة. مثل ذلك التفصيل يفصِّل الله الآيات لقوم يعلمون ما يبيِّن لهم, ويفقهون ما يميز لهم.
قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (33)
قل -أيها الرسول- لهؤلاء المشركين: إنما حَرَّم الله القبائح من الأعمال, ما كان منها ظاهرًا, وما كان خفيًّا, وحَرَّم المعاصي كلها, ومِن أعظمها الاعتداء على الناس, فإن ذلك مجانب للحق, وحرَّم أن تعبدوا مع الله تعالى غيره مما لم يُنَزِّل به دليلا وبرهانًا, فإنه لا حجة لفاعل ذلك, وحرَّم أن تنسبوا إلى الله تعالى ما لم يشرعه افتراءً وكذبًا, كدعوى أن لله ولدًا, وتحريم بعض الحلال من الملابس والمآكل.
وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (34)
ولكل جماعة اجتمعت على الكفر بالله تعالى وتكذيب رسله -عليهم الصلاة والسلام- وقت لحلول العقوبة بهم, فإذا جاء الوقت الذي وقَّته الله لإهلاكهم لا يتأخرون عنه لحظة, ولا يتقدمون عليه.
يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (35)
يا بني آدم إذا جاءكم رسلي من أقوامكم, يتلون عليكم آيات كتابي, ويبينون لكم البراهين على صدق ما جاؤوكم به فأطيعوهم, فإنه من اتقى سخطي وأصلح عمله فلا خوف عليهم يوم القيامة من عقاب الله تعالى, ولا ههم يحزنون على ما فاتهم من حظوظ الدنيا.
وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (36)
والكفار الذين كذَّبوا بالدلائل على توحيد الله, واستعلَوا عن اتباعها, أولئك أصحاب النار ماكثين فيها, لا يخرجون منها أبدًا.
فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (37)
لا أحد أشد ظلمًا ممن اختلق على الله تعالى الكذب, أو كذَّب بآياته المنزلة, أولئك يصل إليهم حظُّهم من العذاب مما كتب لهم في اللوح المحفوظ, حتى إذا جاءهم ملك الموت وأعوانه يقبضون أرواحهم قالوا لهم: أين الذين كنتم تعبدونهم من دون الله من الشركاء والأولياء والأوثان ليخلِّصوكم مما أنتم فيه؟ قالوا: ذهبوا عنا, واعترفوا على أنفسهم حينئذ أنهم كانوا في الدنيا جاحدين مكذبين وحدانية الله تعالى.
قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ (38)
قال الله تعالى -لهؤلاء المشركين المفترين- : ادخلوا النار في جملة جماعات من أمثالكم في الكفر, قد سلفت من قبلكم من الجن والإنس, كلما دخلت النارَ جماعةٌ من أهل ملة لعنت نظيرتها التي ضلَّتْ بالاقتداء بها, حتى إذا تلاحق في النار الأولون من أهل الملل الكافرة والآخرون منهم جميعًا, قال الآخرون المتبعون في الدنيا لقادتهم: ربنا هؤلاء هم الذين أضلونا عن الحق, فآتهم عذابًا مضاعفا من النار, قال الله تعالى: لكل ضعف, أي: لكل منكم ومنهم عذاب مضاعف من النار, ولكن لا تدركون أيها الأتباع ما لكل فريق منكم من العذاب والآلام.
وَقَالَتْ أُولاهُمْ لأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (39)
وقال المتبوعون من الرؤساء وغيرهم لأتباعهم: نحن وأنتم متساوون في الغيِّ والضلال، وفي فِعْلِ أسباب العذاب فلا فَضْلَ لكم علينا, قال الله تعالى لهم جميعًا: فذوقوا العذاب أي عذاب جهنم; بسبب ما كسبتم من المعاصي.
إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (40)
إن الكفار الذين لم يصدِّقوا بحججنا وآياتنا الدالة على وحدانيتنا, ولم يعملوا بشرعنا تكبرًا واستعلاءً, لا تُفتَّح لأعمالهم في الحياة ولا لأرواحهم عند الممات أبواب السماء, ولا يمكن أن يدخل هؤلاء الكفار الجنة إلا إذا دخل الجمل في ثقب الإبرة, وهذا مستحيل. ومثل ذلك الجزاء نجزي الذين كثر إجرامهم, واشتدَّ طغيانهم.
لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (41)
هؤلاء الكفار مخلدون في النار, لهم مِن جهنم فراش مِن تحتهم, ومن فوقهم أغطية تغشاهم. وبمثل هذا العقاب الشديد يعاقب الله تعالى الظالمين الذين تجاوزوا حدوده فكفروا به وعصَوْه.
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (42)
والذين آمنوا بالله وعملوا الأعمال الصالحة في حدود طاقاتهم -لا يكلف الله نفسًا من الأعمال إلا ما تطيق- أولئك أهل الجنة, هم فيها ماكثون أبدًا لا يخرجون منها.
وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43)
وأذهب الله تعالى ما في صدور أهل الجنة من حقد وضغائن, ومن كمال نعيمهم أن الأنهار تجري في الجنة من تحتهم. وقال أهل الجنة حينما دخلوها: الحمد لله الذي وفَّقنا للعمل الصالح الذي أكسبنا ما نحن فيه من النعيم, وما كنا لنوفَّق إلى سلوك الطريق المستقيم لولا أَنْ هدانا الله سبحانه لسلوك هذا الطريق, ووفَّقنا للثبات عليه, لقد جاءت رسل ربنا بالحق من الإخبار بوعد أهل طاعته ووعيد أهل معصيته, ونُودوا تهنئة لهم وإكرامًا: أن تلكم الجنة أورثكم الله إياها برحمته, وبما قدَّمتموه من الإيمان والعمل الصالح.
وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44)
ونادى أصحاب الجنة -بعد دخولهم فيها- أهلَ النار قائلين لهم: إنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا على ألسنة رسله حقًا من إثابة أهل طاعته, فهل وجدتم ما وعدكم ربكم على ألسنة رسله حقًا من عقاب أهل معصيته؟ فأجابهم أهل النار قائلين: نعم قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقًا. فأذَّن مؤذن بين أهل الجنة وأهل النار: أنْ لعنة الله على الظالمين الذين تجاوزوا حدود الله, وكفروا بالله ورسله.
الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالآخِرَةِ كَافِرُونَ (45)
هؤلاء الكافرون هم الذين كانوا يُعْرِضون عن طريق الله المستقيم, ويمنعون الناس من سلوكه, ويطلبون أن تكون السبيل معوجة حتى لا يتبينها أحد, وهم بالآخرة -وما فيها- جاحدون.
وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46)
وبين أصحاب الجنة وأصحاب النار حاجز عظيم يقال له الأعراف, وعلى هذا الحاجز رجال يعرفون أهل الجنة وأهل النار بعلاماتهم, كبياض وجوه أهل الجنة, وسواد وجوه أهل النار, وهؤلاء الرجال قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم يرجون رحمة الله تعالى. ونادى رجال الأعراف أهل الجنة بالتحية قائلين لهم: سلام عليكم, وأهل الأعراف لم يدخلوا الجنة بعد, وهم يرجون دخولها.
وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (47)
وإذا حُوِّلَتْ أبصار رجال الأعراف جهة أهل النار قالوا: ربنا لا تُصيِّرنا مع القوم الظالمين بشركهم وكفرهم.
وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (48)
ونادى أهل الأعراف رجالا من قادة الكفار الذين في النار, يعرفونهم بعلامات خاصة تميزهم, قالوا لهم: ما نفعكم ما كنتم تجمعون من الأموال والرجال في الدنيا, وما نفعكم استعلاؤكم عن الإيمان بالله وقَبول الحق.
أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (49)
أهؤلاء الضعفاء والفقراء من أهل الجنة الذين أقسمتم في الدنيا أن الله لا يشملهم يوم القيامة برحمة, ولن يدخلهم الجنة؟ ادخلوا الجنة يا أصحاب الأعراف فقد غُفِرَ لكم, لا خوف عليكم من عذاب الله, ولا أنتم تحزنون على ما فاتكم من حظوظ الدنيا.


وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ (50)
واستغاث أهل النار بأهل الجنة طالبين منهم أن يُفيضوا عليهم من الماء, أو مما رزقهم الله من الطعام, فأجابوهم بأن الله تعالى قد حَرَّم الشراب والطعام على الذين جحدوا توحيده, وكذَّبوا رسله.
الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (51)
الذين حَرَمهم الله تعالى من نعيم الآخرة هم الذين جعلوا الدين الذي أمرهم الله باتباعه باطلا ولهوًا, وخدعتهم الحياة الدنيا وشغلوا بزخارفها عن العمل للآخرة, فيوم القيامة ينساهم الله تعالى ويتركهم في العذاب الموجع, كما تركوا العمل للقاء يومهم هذا, ولكونهم بأدلة الله وبراهينه ينكرون مع علمهم بأنها حق.
وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52)
ولقد جئنا الكفار بقرآن أنزلناه عليك -أيها الرسول- بيَّنَّاه مشتملا على علم عظيم, هاديًا من الضلالة إلى الرشد ورحمة لقوم يؤمنون بالله ويعملون بشرعه. وخصَّهم دون غيرهم; لأنهم هم المنتفعون به.
هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (53)
هل ينتظر الكفار إلا ما وُعِدوا به في القرآن من العقاب الذي يؤول إليه أمرهم؟ يوم يأتي ما يئول إليه الأمر من الحساب والثواب والعقاب يوم القيامة يقول الكفار الذين تركوا القرآن, وكفروا به في الحياة الدنيا: قد تبيَّن لنا الآن أنَّ رسل ربنا قد جاؤوا بالحق, ونصحوا لنا, فهل لنا من أصدقاء وشفعاء, فيشفعوا لنا عند ربنا, أو نعاد إلى الدنيا مرة أخرى فنعمل فيها بما يرضي الله عنا؟ قد خسروا أنفسهم بدخولهم النار وخلودهم فيها, وذهب عنهم ما كانوا يعبدونه من دون الله, ويفترونه في الدنيا مما يَعِدُهم به الشيطان.
إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)
إن ربكم -أيها الناس- هو الله الذي أوجد السموات والأرض من العدم في ستة أيام, ثم استوى -سبحانه- على العرش -أي علا وارتفع- استواءً يليق بجلاله وعظمته, يُدخل سبحانه الليل على النهار, فيلبسه إياه حتى يذهب نوره, ويُدخل النهار على الليل فيذهب ظلامه, وكل واحد منهما يطلب الآخر سريعًا دائمًا, وهو -سبحانه- الذي خلق الشمس والقمر والنجوم مذللات له يسخرهن -سبحانه- كما يشاء, وهنَّ من آيات الله العظيمة. ألا له سبحانه وتعالى الخلق كله وله الأمر كله, تعالى الله وتعاظم وتنزَّه عن كل نقص, رب الخلق أجمعين.
ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55)
ادعوا -أيها المؤمنون- ربكم متذللين له خفية وسرًّا, وليكن الدعاء بخشوع وبُعْدٍ عن الرياء. إن الله تعالى لا يحب المتجاوزين حدود شرعه, وأعظم التجاوز الشرك بالله, كدعاء غير الله من الأموات والأوثان, ونحو ذلك.
وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56)
ولا تُفْسدوا في الأرض بأيِّ نوع من أنواع الفساد, بعد إصلاح الله إياها ببعثة الرسل -عليهم السلام- وعُمْرانها بطاعة الله, وادعوه -سبحانه- مخلصين له الدعاء; خوفًا من عقابه ورجاء لثوابه. إن رحمة الله قريب من المحسنين.
وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57)
والله تعالى هو الذي يرسل الرياح الطيبة اللينة مبشرات بالغيث الذي تثيره بإذن الله, فيستبشر الخلق برحمة الله, حتى إذا حملت الريح السحاب المحمل بالمطر ساقه الله بها لإحياء بلد, قد أجدبت أرضه, ويَبِست أشجاره وزرعه, فأنزل الله به المطر, فأخرج به الكلأ والأشجار والزروع, فعادت أشجاره محملة بأنواع الثمرات. كما نحيي هذا البلد الميت بالمطر نخرج الموتى من قبورهم أحياءً بعد فنائهم; لتتعظوا, فتستدلوا على توحيد الله وقدرته على البعث.
وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (58)
والأرض النقية إذا نزل عليها المطر تُخْرج نباتًا -بإذن الله ومشيئته- طيبًا ميسرًا, وكذلك المؤمن إذا نزلت عليه آيات الله انتفع بها, وأثمرت فيه حياة صالحة, أما الأرض السَّبِخة الرديئة فإنها لا تُخرج النبات إلا عسرًا رديئا لا نفع فيه, ولا تُخرج نباتًا طيبًا, وكذلك الكافر لا ينتفع بآيات الله. مثل ذلك التنويع البديع في البيان نُنوِّع الحجج والبراهين لإثبات الحق لأناس يشكرون نعم الله, ويطيعونه.
لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59)
لقد بعثنا نوحًا إلى قومه; ليدعوهم إلى توحيد الله سبحانه وإخلاص العبادة له, فقال: يا قوم اعبدوا الله وحده, ليس لكم من إله يستحق العبادة غيره جل وعلا فأخلصوا له العبادة فإن لم تفعلوا وبقيتم على عبادة أوثانكم, فإنني أخاف أن يحلَّ عليكم عذاب يوم يعظم فيه بلاؤكم, وهو يوم القيامة.
قَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (60)
قال له سادتهم وكبراؤهم: إنا لنعتقد -يا نوح- أنك في ضلال بيِّن عن طريق الصواب.
قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (61)
قال نوح: يا قوم لست ضالا في مسألة من المسائل بوجه من الوجوه, ولكني رسول من رب العالمين ربي وربكم ورب جميع الخلق.
أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (62)
أُبلِّغكم ما أُرسلت به من ربي, وأنصح لكم محذرًا لكم من عذاب الله ومبشرًا بثوابه, وأعلم من شريعته ما لا تعلمون.
أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (63)
وهل أثار عجبكم أن أنزل الله تعالى إليكم ما يذكركم بما فيه الخير لكم, على لسان رجل منكم, تعرفون نسبه وصدقه; ليخوِّفكم بأس الله تعالى وعقابه, ولتتقوا سخطه بالإيمان به, ورجاء أن تظفروا برحمته وجزيل ثوابه؟
فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ (64)
فكذبوا نوحًا فأنجيناه ومَن آمن معه في السفينة, وأغرقنا الكفار الذين كذبوا بحججنا الواضحة. إنهم كانوا عُمْيَ القلوب عن رؤية الحق.
وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (65)
ولقد أرسلنا إلى قبيلة عاد أخاهم هودا حين عبدوا الأوثان من دون الله, فقال لهم: اعبدوا الله وحده, ليس لكم من إله يستحق العبادة غيره جل وعلا فأخلصوا له العبادة أفلا تتقون عذاب الله وسخطه عليكم؟
قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (66)
قال الكبراء الذين كفروا من قوم هود: إنا لنعلم أنك بدعوتك إيانا إلى ترك عبادة آلهتنا وعبادة الله وحده ناقص العقل, وإنا لنعتقد أنك من الكاذبين على الله فيما تقول.
قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (67)
قال هود: يا قوم ليس بي نقص في عقلي, ولكني رسول إليكم من رب الخلق أجمعين.
أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ (68)
أُبلِّغكم ما أرسلني به ربي إليكم, وأنا لكم - فيما دعوتكم إليه من توحيد الله والعمل بشريعته - ناصح, أمين على وحي الله تعالى.
أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (69)
وهل أثار عجبكم أن أنزل الله تعالى إليكم ما يذكركم بما فيه الخير لكم, على لسان رجل منكم, تعرفون نسبه وصدقه; ليخوِّفكم بأس الله وعقابه؟ واذكروا نعمة الله عليكم إذ جعلكم تخلفون في الأرض مَن قبلكم من بعد ما أهلك قوم نوح, وزاد في أجسامكم قوة وضخامة, فاذكروا نِعَمَ الله الكثيرة عليكم; رجاء أن تفوزوا الفوز العظيم في الدنيا والآخرة.
قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (70)
قالت عاد لهود عليه السلام: أدعوتنا لعبادة الله وحده وهَجْر عبادة الأصنام التي ورثنا عبادتها عن آبائنا؟ فأتنا بالعذاب الذي تخوفنا به إن كنت من أهل الصدق فيما تقول.
قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (71)
قال هود لقومه: قد حلَّ بكم عذاب وغضب من ربكم جل وعلا أتجادلونني في هذه الأصنام التي سميتموها آلهة أنتم وآباؤكم؟ ما نزَّل الله بها من حجة ولا برهان; لأنها مخلوقة لا تضر ولا تنفع, وإنما المعبود وحده هو الخالق سبحانه, فانتظروا نزول العذاب عليكم فإني منتظر معكم نزوله, وهذا غاية في التهديد والوعيد.
فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ (72)
فوقع عذاب الله بإرسال الريح الشديدة عليهم, فأنجى الله هودًا والذين آمنوا معه برحمة عظيمة منه تعالى, وأهلك الكفار من قومه جميعا ودمَّرهم عن آخرهم, وما كانوا مؤمنين لجمعهم بين التكذيب بآيات الله وترك العمل الصالح.
وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73)
ولقد أرسلنا إلى قبيلة ثمود أخاهم صالحًا لـمَّا عبدوا الأوثان من دون الله تعالى. فقال صالح لهم: يا قوم اعبدوا الله وحده; ليس لكم من إله يستحق العبادة غيره جل وعلا، فأخلصوا له العبادة, قد جئتكم بالبرهان على صدق ما أدعوكم إليه, إذ دعوتُ الله أمامكم, فأخرج لكم من الصخرة ناقة عظيمة كما سألتم, فاتركوها تأكل في أرض الله من المراعي, ولا تتعرضوا لها بأي أذى, فيصيبكم بسبب ذلك عذاب موجع.
وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74)
واذكروا نعمة الله عليكم, إذ جعلكم تَخْلُفون في الأرض مَن قبلكم, من بعد قبيلة عاد, ومكَّن لكم في الأرض الطيبة تنزلونها, فتبنون في سهولها البيوت العظيمة, وتنحتون من جبالها بيوتًا أخرى, فاذكروا نِعَمَ الله عليكم, ولا تَسْعَوا في الأرض بالإفساد.
قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (75)
قال السادة والكبراء من الذين استعلَوا -من قوم صالح- للمؤمنين الذين استضعفوهم, واستهانوا بهم: أتعلمون حقيقة أن صالحًا قد أرسله الله إلينا؟ قال الذين آمنوا: إنا مصدقون بما أرسله الله به, متَّبعون لشرعه.







التوقيع





   
قديم 2014-06-16, 13:57 رقم المشاركة : 140
أم الوليد
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية أم الوليد

 

إحصائية العضو







أم الوليد غير متواجد حالياً


مسابقة المبشرون بالجنة

مشارك(ة)

المرتبة الثالثة

وسام المشارك مسابقة الأستاذ الرمضانية

وسام المشاركة في المسابقة الترفيهية

وسام المشارك

وسام المركز 2حزر فزر

وسام المشاركة  في مسابقة المصطلحات

وسام المرتبة الثالثة في مسابقة ألغاز رمضان

وسام الرتبة الأولى في مسابقة طاكسي المنتدى لشهر يو

افتراضي رد: التفسير الميسّر


سورة الأعراف

2

قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (76)
قال الذين استعلَوْا: إنَّا بالذي صدَّقتم به واتبعتموه من نبوة صالح جاحدون.
فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (77)
فنحروا الناقة استخفافا منهم بوعيد صالح, واستكبروا عن امتثال أمر ربهم, وقالوا على سبيل الاستهزاء واستبعاد العذاب: يا صالح ائتنا بما تتوعَّدنا به من العذاب, إن كنت مِن رسل الله.
فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (78)
فأخذَت الذين كفروا الزلزلةُ الشديدة التي خلعت قلوبهم, فأصبحوا في بلدهم هالكين, لاصقين بالأرض على رُكَبهم ووجوههم, لم يُفْلِت منهم أحد.
فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (79)
فأعرض صالح عليه السلام عن قومه -حين عقروا الناقة وحل بهم الهلاك- وقال لهم: يا قوم لقد أبلغتكم ما أمرني ربي بإبلاغه من أمره ونهيه, وبَذَلْت لكم وسعي في الترغيب والترهيب والنصح, ولكنكم لا تحبون الناصحين, فرددتم قولهم, وأطعتم كل شيطان رجيم.
وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (80)
واذكر -أيها الرسول- لوطًا عليه السلام حين قال لقومه: أتفعلون الفعلة المنكرة التي بلغت نهاية القبح؟ ما فعلها مِن أحد قبلكم من المخلوقين.
إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81)
إنكم لتأتون الذكور في أدبارهم, شهوة منكم لذلك, غير مبالين بقبحها, تاركين الذي أحلَّه الله لكم من نسائكم, بل أنتم قوم متجاوزون لحدود الله في الإسراف. إن إتيان الذكور دون الإناث من الفواحش التي ابتدعها قوم لوط, ولم يسبقهم بها أحد من الخلق.
وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (82)
وما كان جواب قوم لوط حين أنكر عليهم فعلهم الشنيع إلا أن قال بعضهم لبعض: أخرجوا لوطًا وأهله من بلادكم, إنه ومن تبعه أناس يتنزهون عن إتيان أدبار الرجال والنساء.
فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (83)
فأنجى الله لوطًا وأهله من العذاب حيث أمره بمغادرة ذلك البلد, إلا امرأته, فإنها كانت من الهالكين الباقين في عذاب الله.
وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (84)
وعذَّب الله الكفار من قوم لوط بأن أنزل عليهم مطرًا من الحجارة, وقلب بلادهم, فجعل عاليها سافلها, فانظر -أيها الرسول- كيف صارت عاقبة الذين اجترؤوا على معاصي الله وكذبوا رسله.
وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (85)
ولقد أرسلنا إلى قبيلة "مدين" أخاهم شعيبًا عليه السلام, فقال لهم: يا قوم اعبدوا الله وحده لا شريك له; ليس لكم مِن إله يستحق العبادة غيره جل وعلا فأخلصوا له العبادة, قد جاءكم برهان من ربكم على صِدْق ما أدعوكم إليه, فأدوا للناس حقوقهم بإيفاء الكيل والميزان, ولا تنقصوهم حقوقهم فتظلموهم, ولا تفسدوا في الأرض -بالكفر والظلم- بعد إصلاحها بشرائع الأنبياء السابقين عليهم السلام. ذلك الذي دعوتكم إليه خير لكم في دنياكم وأخراكم, إن كنتم مصدقيَّ فيما دعوتكم إليه, عاملين بشرع الله.
وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (86)
ولا تقعدوا بكل طريق تتوعدون الناس بالقتل, إن لم يعطوكم أموالهم, وتصدُّون عن سبيل الله القويم من صدَّق به عز وجل, وعمل صالحًا, وتبغون سبيل الله أن تكون معوجة, وتميلونها اتباعًا لأهوائكم, وتنفِّرون الناس عن اتباعها. واذكروا نعمة الله تعالى عليكم إذ كان عددكم قليلا فكثَّركم, فأصبحتم أقوياء عزيزين, وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين في الأرض, وما حلَّ بهم من الهلاك والدمار؟
وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (87)
وإن كان جماعة منكم صدَّقوا بالذي أرسلني الله به, وجماعة لم يصدِّقوا بذلك, فانتظروا أيها المكذبون قضاء الله الفاصل بيننا وبينكم حين يحلُّ عليكم عذابه الذي أنذرتكم به. والله -جلَّ وعلا- هو خير الحاكمين بين عباده.
قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ (88)
قال السادة والكبراء من قوم شعيب الذين تكبروا عن الإيمان بالله واتباع رسوله شعيب عليه السلام: لنخرجنك يا شعيب ومَن معك من المؤمنين من ديارنا, إلا إذا صرتم إلى ديننا, قال شُعيب منكرًا ومتعجبًا من قولهم: أنتابعكم على دينكم ومِلَّتكم الباطلة, ولو كنا كارهين لها لعِلْمِنا ببطلانها؟
قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ (89)
وقال شعيب لقومه مستدركًا: قد اختلقنا على الله الكذب إن عُدْنا إلى دينكم بعد أن أنقذنا الله منه, وليس لنا أن نتحول إلى غير دين ربنا إلا أن يشاء الله ربنا, وقد وسع ربنا كل شيء علمًا, فيعلم ما يصلح للعباد, على الله وحده اعتمادنا هداية ونصرة, ربنا احكم بيننا وبين قومنا بالحق, وأنت خير الحاكمين.
وَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ (90)
وقال السادة والكبراء المكذبون الرافضون لدعوة التوحيد إمعانًا في العتوِّ والتمرد, محذرين من اتباع شعيب: لئن اتبعتم شعيبًا إنكم إذًا لهالكون.
فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (91)
فأخذَتْ قومَ شعيب الزلزلةُ الشديدة, فأصبحوا في دارهم صرعى ميتين.
الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ (92)
الذين كذَّبوا شعيبًا كأنهم لم يقيموا في ديارهم, ولم يتمتعوا فيها, حيث استؤصلوا, فلم يبق لهم أثر, وأصابهم الخسران والهلاك في الدنيا والآخرة.
فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ (93)
فأعرض شعيب عنهم حينما أيقن بحلول العذاب بهم, وقال: يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي, ونصحت لكم بالدخول في دين الله والإقلاع عما أنتم عليه, فلم تسمعوا ولم تطيعوا, فكيف أحزن على قوم جحدوا وحدانية الله وكذبوا رسله؟
وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (94)
وما أرسلنا في قرية من نبي يدعوهم إلى عبادة الله, وينهاهم عمَّا هم فيه من الشرك, فكذَّبه قومه, إلا ابتليناهم بالبأساء والضراء, فأصبناهم في أبدانهم بالأمراض والأسقام, وفي أموالهم بالفقر والحاجة; رجاء أن يستكينوا, وينيبوا إلى الله, ويرجعوا إلى الحق.
ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (95)
ثم بدَّلنا الحالة الطيبة الأولى مكان الحالة السيئة, فأصبحوا في عافية في أبدانهم, وسَعَة ورخاء في أموالهم; إمهالا لهم, ولعلهم يشكرون, فلم يُفِد معهم كل ذلك, ولم يعتبروا ولم ينتهوا عمَّا هم فيه, وقالوا: هذه عادة الدهر في أهله, يوم خير ويوم شر, وهو ما جرى لآبائنا من قبل, فأخذناهم بالعذاب فجأة وهم آمنون, لا يخطر لهم الهلاك على بال.
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96)
ولو أنَّ أهل القرى صدَّقوا رسلهم واتبعوهم واجتنبوا ما نهاهم الله عنه, لفتح الله لهم أبواب الخير من كلِّ وجه, ولكنهم كذَّبوا, فعاقبهم الله بالعذاب المهلك بسبب كفرهم ومعاصيهم.
أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (97)
أيظن أهل القرى أنهم في منجاة ومأمن من عذاب الله, أن يأتيهم ليلا وهم نائمون؟
أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98)
أوَأمن أهل القرى أن يأتيهم عذاب الله وقت الضحى, وهم غافلون متشاغلون بأمور دنياهم؟ وخصَّ الله هذين الوقتين بالذكر, لأن الإنسان يكون أغْفَل ما يكون فيهما, فمجيء العذاب فيهما أفظع وأشد.
أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (99)
أفأمن أهل القرى المكذبة مَكْرَ الله وإمهاله لهم; استدراجًا لهم بما أنعم عليهم في دنياهم عقوبة لمكرهم؟ فلا يأمن مكر الله إلا القوم الهالكون.



أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (100)
أوَلم يتبين للذين سكنوا الأرض من بعد إهلاك أهلها السابقين بسبب معاصيهم, فساروا سيرتهم, أن لو نشاء أصبناهم بسبب ذنوبهم كما فعلنا بأسلافهم, ونختم على قلوبهم, فلا يدخلها الحق, ولا يسمعون موعظة ولا تذكيرًا؟
تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ (101)
تلك القرى التي تَقَدَّم ذِكْرُها, وهي قرى قوم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب, نقصُّ عليك -أيها الرسول- من أخبارها, وما كان من أَمْر رسل الله التي أرسلت إليهم, ما يحصل به عبرة للمعتبرين وازدجار للظالمين. ولقد جاءت أهلَ القرى رسلنا بالحجج البينات على صدقهم, فما كانوا ليؤمنوا بما جاءتهم به الرسل; بسبب طغيانهم وتكذيبهم بالحق, ومثل خَتْمِ الله على قلوب هؤلاء الكافرين المذكورين يختم الله على قلوب الكافرين بمحمد صلى الله عليه وسلم.
وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ (102)
وما وَجَدْنا لأكثر الأم الماضية من أمانة ولا وفاء بالعهد, وما وجدنا أكثرهم إلا فسقة عن طاعة الله وامتثال أمره.
ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (103)
ثم بعثنا من بعد الرسل المتقدم ذِكْرهم موسى بن عمران بمعجزاتنا البينة إلى فرعون وقومه, فجحدوا وكفروا بها ظلمًا منهم وعنادًا, فانظر -أيها الرسول- متبصرًا كيف فعلنا بهم وأغرقناهم عن آخرهم بمرأى من موسى وقومه؟ وتلك نهاية المفسدين.
وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (104)
وقال موسى لفرعون محاورًا مبلِّغًا: إني رسولٌ من الله خالق الخلق أجمعين, ومدبِّر أحوالهم ومآلهم.
حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (105)
جدير بأن لا أقول على الله إلا الحق, وحريٌّ بي أن ألتزمه, قد جئتكم ببرهان وحجة باهرة من ربكم على صِدْق ما أذكره لكم, فأطلق -يا فرعون- معي بني إسرائيل مِن أَسْرك وقَهْرك, وخلِّ سبيلهم لعبادة الله.
قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (106)
قال فرعرن لموسى: إن كنتَ جئتَ بآية حسب زعمك فأتني بها, وأحضرها عندي; لتصحَّ دعواك ويثبت صدقك, إن كنت صادقًا فيما ادَّعيت أنك رسول رب العالمين.
فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (107)
فألقى موسى عصاه, فتحولت حيَّة عظيمة ظاهرة للعيان.
وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (108)
وجذب يده من جيبه أو من جناحه فإذا هي بيضاء كاللبن من غير برص آية لفرعون, فإذا ردَّها عادت إلى لونها الأول, كسائر بدنه.
قَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (109)
قال الأشراف من قوم فرعون: إن موسى لساحر يأخذ بأعين الناس بخداعه إياهم, حتى يخيل إليهم أن العصا حية, والشيء بخلاف ما هو عليه, وهو واسع العلم بالسحر ماهر به.
يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (110)
يريد أن يخرجكم جميعًا من أرضكم, قال فرعون: فبماذا تشيرون عليَّ أيها الملأ في أمر موسى؟
قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (111)
قال مَن حضر مناظرة موسى مِن سادة قوم فرعون وكبرائهم: أَخِّر موسى وأخاه هارون, وابعث في مدائن "مصر" وأقاليمها الشُّرَط.
يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (112)
ليجمعوا لك كل ساحر واسع العلم بالسحر.
وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (113)
وجاء السحرة فرعون قالوا: أئنَّ لنا لجائزة ومالا إن غَلَبْنا موسى؟
قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (114)
قال فرعون: نعم لكم الأجر والقرب مني إن غَلَبْتُموه.
قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (115)
قال سحرة فرعون لموسى على سبيل التكبر وعدم المبالاة: يا موسى اختر أن تُلقي عصاك أولا أو نُلقي نحن أولا.
قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (116)
قال موسى للسحرة: ألقوا أنتم, فلما ألقَوا الحبال والعصيَّ سحروا أعين الناس, فخُيِّل إلى الأبصار أن ما فعلوه حقيقة, ولم يكن إلا مجرد صنعة وخيال, وأرهبوا الناس إرهابًا شديدًا, وجاؤوا بسحر قوي كثير.
وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (117)
وأوحى الله إلى عبده ورسوله موسى عليه السلام في ذلك الموقف العظيم الذي فرَّق الله فيه بين الحق والباطل, يأمره بأن يُلقي ما في يمينه وهي عصاه, فألقاها فإذا هي تبلع ما يلقونه, ويوهمون الناس أنه حق وهو باطل.
فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (118)
فظهر الحق واستبان لمن شهده وحضره في أمر موسى عليه السلام, وأنه رسول الله يدعو إلى الحق, وبطل الكذب الذي كانوا يعملونه.
فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ (119)
فغُلِبَ جميع السحرة في مكان اجتماعهم, وانصرف فرعون وقومه أذلاء مقهورين مغلوبين.
وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (120)
وخَرَّ السحرة سُجَّدًا على وجوههم لله رب العالمين لِمَا عاينوا من عظيم قدرة الله.
قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (121)
قالوا: آمنا برب العالمين.
رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (122)
وهو رب موسى وهارون, وهو الذي يجب أن تصرف له العبادة وحده دون مَن سواه.
قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123)
قال فرعون للسحرة: آمنتم بالله قبل أن آذن لكم بالإيمان به؟ إن إيمانكم بالله وتصديقكم لموسى وإقراركم بنبوته لحيلة احتلتموها أنتم وموسى; لتخرجوا أهل مدينتكم منها, وتكونوا المستأثرين بخيراتها, فسوف تعلمون -أيها السحرة- ما يحلُّ بكم من العذاب والنكال.
لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (124)
لأقطعنَّ أيديكم وأرجلكم -أيها السحرة- من خلاف: بقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى, أو اليد اليسرى والرجل اليمنى, ثم لأعلقنَّكم جميعًا على جذوع النخل; تنكيلا بكم وإرهابًا للناس.
قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (125)
قال السحرة لفرعون: قد تحققنا أنَّا إلى الله راجعون, وأن عذابه أشد من عذابك, فلنصبرنَّ اليوم على عذابك; لِننجو من عذاب الله يوم القيامة.
وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ (126)
ولستَ تعيب منا وتنكر -يا فرعون- إلا إيماننا وتصديقنا بحجج ربنا وأدلته التي جاء بها موسى ولا تقدر على مثلها أنت ولا أحد آخر سوى الله الذي له ملك السموات والأرض, ربنا أَفِضْ علينا صبرًا عظيمًا وثباتا عليه, وتوفَّنا منقادين لأمرك متبعين رسولك.
وَقَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127)
وقال السادة والكبراء من قوم فرعون لفرعون: أَتَدَعُ موسى وقومه من بني إسرائيل ليفسدوا الناس في أرض "مصر" بتغيير دينهم بعبادة الله وحده لا شريك له, وترك عبادتك وعبادة آلهتك؟ قال فرعون: سنُقَتِّل أبناء بني إسرائيل ونستبقي نساءهم أحياء للخدمة, وإنَّا عالون عليهم بقهر المُلْكِ والسلطان.
قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128)
قال موسى لقومه -من بني إسرائيل-: استعينوا بالله على فرعون وقومه, واصبروا على ما نالكم من فرعون من المكاره في أنفسكم وأبنائكم. إن الأرض كلها لله يورثها من يشاء من عباده, والعاقبة المحمودة لمن اتقى الله ففعل أوامره واجتنب نواهيه.
قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129)
قال قوم موسى -من بني إسرائيل- لنبيهم موسى: ابتُلينا وأُوذينا بذبح أبنائنا واستحياء نسائنا على يد فرعون وقومه, من قبل أن تأتينا, ومن بعد ما جئتنا, قال موسى لهم: لعل ربكم أن يهلك عدوكم فرعون وقومه, ويستخلفكم في أرضهم بعد هلاكهم, فينظر كيف تعملون, هل تشكرون أو تكفرون؟
وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130)
ولقد ابتلينا فرعون وقومه بالقحط والجدب, ونَقْص ثمارهم وغَلاتهم; ليتذكروا, وينزجروا عن ضلالاتهم, ويفزعوا إلى ربهم بالتوبة.
فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (131)
فإذا جاء فرعونَ وقومَه الخِصْبُ والرزقُ قالوا: هذا لنا بما نستحقه, وإن يُصِبْهم جدب وقحط يتشاءموا, ويقولوا: هذا بسبب موسى ومَن معه. ألا إنَّ ما يصيبهم من الجدب والقحط إنما هو بقضاء الله وقدره, وبسبب ذنوبهم وكفرهم, ولكن أكثر قوم فرعون لا يعلمون ذلك; لانغمارهم في الجهل والضلال.
وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (132)
وقال قوم فرعون لموسى: أي آية تأتِنا بها, ودلالة وحجة أقمتها لتصرفنا عما نحن عليه من دين فرعون, فما نحن لك بمصدِّقين.
فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (133)
فأرسلنا عليهم سيلا جارفًا أغرق الزروع والثمار, وأرسلنا الجراد, فأكل زروعهم وثمارهم وأبوابهم وسقوفهم وثيابهم, وأرسلنا القُمَّل الذي يفسد الثمار ويقضي على الحيوان والنبات, وأرسلنا الضفادع فملأت آنيتهم وأطعمتهم ومضاجعهم, وأرسلنا أيضًا الدم فصارت أنهارهم وآبارهم دمًا, ولم يجدوا ماء صالحًا للشرب, هذه آيات من آيات الله لا يقدر عليها غيره, مفرقات بعضها عن بعض, ومع كل هذا ترفَّع قوم فرعون, فاستكبروا عن الإيمان بالله, وكانوا قومًا يعملون بما ينهى الله عنه من المعاصي والفسق عتوًّا وتمردًا.
وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (134)
ولما نزل العذاب على فرعون وقومه فزعوا إلى موسى وقالوا: يا موسى ادع لنا ربك بما أوحى به إليك مِن رَفْع العذاب بالتوبة, لئن رفعت عنا العذاب الذي نحن فيه لنصدِّقنَّ بما جئت به, ونتبع ما دعوت إليه, ولنطلقنَّ معك بني إسرائيل, فلا نمنعهم من أن يذهبوا حيث شاؤوا.
فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (135)
فلما رفع الله عنهم العذاب الذى أنزله بهم إلى أجلٍ هم بالغوه لا محالة فيعذبون فيه, لا ينفعهم ما تقدَّم لهم من الإمهال وكَشْفِ العذاب إلى حلوله, إذا هم ينقضون عهودهم التي عاهدوا عليها ربهم وموسى, ويقيمون على كفرهم وضلالهم.
فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (136)
فانتقمنا منهم حين جاء الأجل المحدد لإهلاكهم, وذلك بإحلال نقمتنا عليهم, وهي إغراقهم في البحر; بسبب تكذيبهم بالمعجزات التي ظهرت على يد موسى, وكانوا عن هذه المعجزات غافلين, وتلك الغفلة هي سبب التكذيب.
وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (137)
وأررثنا بني إسرائيل الذين كانوا يُستَذَلُّون للخدمة, مشارق الأرض ومغاربها(وهي بلاد "الشام") التي باركنا فيها, بإخراج الزروع والثمار والأنهار, وتمت كلمة ربك -أيها الرسول- الحسنى على بني إسرائيل بالتمكين لهم في الأرض; بسبب صبرهم على أذى فرعون وقومه, ودمَّرنا ما كان يصنع فرعون وقومه من العمارات والمزارع, وما كانوا يبنون من الأبنية والقصور وغير ذلك.
وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138)
وقطعنا ببني إسرائيل البحر, فمرُّوا على قوم يقيمون ويواظبون على عبادة أصنام لهم, قال بنو إسرائيل: اجعل لنا يا موسى صنمًا نعبده ونتخذه إلهًا, كما لهؤلاء القوم أصنام يعبدونها, قال موسى لهم: إنكم أيها القوم تجهلون عظمة الله, ولا تعلمون أن العبادة لا تنبغي إلا لله الواحد القهار.
إِنَّ هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (139)
إن هؤلاء المقيمين على هذه الأصنام مُهْلَك ما هم فيه من الشرك, ومدمَّر وباطل ما كانوا يعملون من عبادتهم لتلك الأصنام, التي لا تدفع عنهم عذاب الله إذا نزل بهم.
قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (140)
قال موسى لقومه: أغير الله أطلب لكم معبودًا تعبدونه من دونه, والله هو الذي خلقكم, وفضَّلكم على عالمي زمانكم بكثرة الأنبياء فيكم, وإهلاك عدوكم وما خصَّكم به من الآيات؟
وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (141)
واذكروا - يا بني إسرائيل - نِعَمنا عليكم إذ أنقذناكم من أَسْر فرعون وآله, وما كنتم فيه من الهوان والذلة من تذبيح أبنائكم واستبقاء نسائكم للخدمة, وفي حَمْلِكم على أقبح العذاب وأسوئه, ثم إنجائكم, اختبار من الله لكم ونعمة عظيمة.
وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (142)
وواعد الله سبحانه وتعالى موسى لمناجاة ربه ثلاثين ليلة, ثم زاده في الأجل بعد ذلك عشر ليال, فتمَّ ما وَقَّتَه الله لموسى لتكليمه أربعين ليلة. وقال موسى لأخيه هارون -حين أراد المضيَّ لمناجاة ربه-: كن خليفتي في قومي حتى أرجع, وأحمِلَهم على طاعة الله وعبادته, ولا تسلكْ طريق الذين يفسدون في الأرض.
وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143)
ولما جاء موسى في الوقت المحدد وهو تمام أربعين ليلة, وكلَّمه ربه بما كلَّمه من وحيه وأمره ونهيه, طمع في رؤية الله فطلب النظر إليه, قال الله له: لن تراني, أي لن تقدر على رؤيتي في الدنيا, ولكن انظر إلى الجبل, فإن استقر مكانه إذا تجلَّيتُ له فسوف تراني, فلما تجلَّى ربه للجبل جعله دكًّا مستويًا بالأرض, وسقط موسى مغشيًّا عليه, فلما أفاق من غشيته قال: تنزيهًا لك يا رب عما لا يليق بجلالك, إني تبت إليك من مسألتي إياك الرؤية في هذه الحياة الدنيا, وأنا أول المؤمنين بك من قومي.
قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (144)
قال الله يا موسى: إني اخترتك على الناس برسالاتي إلى خلقي الذين أرسلتك إليهم وبكلامي إياك مِن غير وساطة, فخذ ما أعطيتك مِن أمري ونهيي, وتمسَّك به, واعمل به, وكن من الشاكرين لله تعالى على ما آتاك من رسالته, وخصَّك بكلامه.
وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ (145)
وكتبنا لموسى في التوراة من كل ما يحتاج إليه في دينه من الأحكام, موعظة للازدجار والاعتبار وتفصيلا لتكاليف الحلال والحرام والأمر والنهي والقصص والعقائد والأخبار والمغيبات, قال الله له: فخذها بقوة, أي: خذ التوراة بجد واجتهاد, وأمر قومك يعملوا بما شرع الله فيها; فإن مَن أشرك منهم ومِن غيرهم فإني سأريه في الآخرة دار الفاسقين, وهي نار الله التي أعدَّها لأعدائه الخارجين عن طاعته.
سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (146)
سأصرف عن فَهْم الحجج والأدلة الدالة على عظمتي وشريعتي وأحكامي قلوب المتكبرين عن طاعتي, والمتكبرين على الناس بغير الحق, فلا يتبعون نبيًا ولا يصغون إليه لتكبرهم, وإنْ يَرَ هؤلاء المتكبرون عن الإيمان كل آية لا يؤمنوا بها لإعراضهم ومحادَّتهم لله ورسوله, وإن يروا طريق الصلاح لا يتخذوه طريقًا, وإن يروا طريق الضلال, أي الكفر يتخذوه طريقًا ودينًا; وذلك بسبب تكذيبهم بآيات الله وغفلتهم عن النظر فيها والتفكر في دلالاتها.
وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (147)
والذين كذَّبوا بآيات الله وحججه وبلقاء الله في الآخرة حبطت أعمالهم; بسبب فَقْدِ شرطها, وهو الإيمان بالله والتصديق بجزائه, ما يجزون في الآخرة إلا جزاء ما كانوا يعملونه في الدنيا من الكفر والمعاصي, وهو الخلود في النار.
وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ (148)
واتخذ قوم موسى من بعد ما فارقهم ماضيًا لمناجاة ربه معبودًا مِن ذهبهم عِجلا جسدًا بلا روح, له صوت, ألم يعلموا أنه لا يكلمهم, ولا يرشدهم إلى خير؟ أَقْدَمُوا على ما أقدموا عليه من هذا الأمر الشنيع, وكانوا ظالمين لأنفسهم واضعين الشيء في غير موضعه.
وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (149)
ولما ندم الذين عبدوا العجل مِن دون الله عند رجوع موسى إليهم, ورأوا أنهم قد ضلُّوا عن قصد السبيل, وذهبوا عن دين الله, أخذوا في الإقرار بالعبودية والاستغفار, فقالوا: لئن لم يرحمنا ربنا بقَبول توبتنا, ويستر بها ذنوبنا, لنكونن من الهالكين الذين ذهبت أعمالهم.


وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأَعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150)
ولما رجع موسى إلى قومه مِن بني إسرائيل غضبان حزينًا; لأن الله قد أخبره أنه قد فُتِن قومه, وأن السامريَّ قد أضلَّهم, قال موسى: بئس الخلافة التي خلفتموني مِن بعدي, أعجلتم أَمْر ربكم؟ أي: أستعجلتم مجيئي إليكم وهو مقدَّر من الله تعالى؟ وألقى موسى ألواح التوراة غضبا على قومه الذين عبدوا العجل, وغضبًا على أخيه هارون, وأمسك برأس أخيه يجره إليه, قال هارون مستعطفًا: يا ابن أمي: إن القوم استذلوني وعدُّوني ضعيفًا وقاربوا أن يقتلوني, فلا تَسرَّ الأعداء بما تفعل بي, ولا تجعلني في غضبك مع القوم الذين خالفوا أمرك وعبدوا العجل.














التوقيع





   
موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are معطلة


مــــواقـــع صـــديــقــة مــــواقـــع مـــهــــمــــة خـــدمـــــات مـــهـــمـــة
إديــكـبـريــس تربويات
منتديات نوادي صحيفة الشرق التربوي
منتديات ملتقى الأجيال منتديات كاري كوم
مجلة المدرس شبكة مدارس المغرب
كراسات تربوية منتديات دفاتر حرة
وزارة التربية الوطنية مصلحة الموارد البشرية
المجلس الأعلى للتعليم الأقسام التحضيرية للمدارس العليا
مؤسسة محمد السادس لأسرة التعليم التضامن الجامعي المغربي
الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي التعاضدية العامة للتربية الوطنية
اطلع على وضعيتك الإدارية
احسب راتبك الشهري
احسب راتبك التقاعدي
وضعية ملفاتك لدى CNOPS
اطلع على نتائج الحركة الإنتقالية

منتديات الأستاذ

الساعة الآن 16:40 لوحة المفاتيح العربية Profvb en Alexa Profvb en Twitter Profvb en FaceBook xhtml validator css validator

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML
جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd