توطئة :
هذه المقالة
التاسعة لترسيخ أهداف الدرس الأول : أهمية الاستخارة ، وهو متاح على الرابط :
http://www.profvb.com/vb/t140093.html#post731422
ونظراً لأهمية مكاشفة النفس لإتقان الاستخارة، فلا بد من معرفة أصول مكاشفة النفس ، وهناك مقالات أخرى تتعلق بها ، وستكون كل مقالة عبارة عن سؤال ، وفيه عدة خيارات، ثم يقابل كل خيار تحليل وإرشاد، ولكل سؤال هدف عام ، وتنقسم تلك المقالات إلى محورين :
الأول : كاشف نفسك لماذا لا تستخير ؟؟
الثاني : كاشف نفسك لماذا تستخير قليلا ؟؟ الأصل الأول: معرفة ومراقبة الاعتقاد والعمل"1 "
لا يمكن إتقان الاستخارة دون هذا الأصل ، وسيأتي معنا التفصيل في الدرس الثاني : (( شروط إتقان الاستخارة )) . فالاعتقاد الصحيح لا ينشأ إلا من علم نافع ، وأحكام التكليف خمسة: واجب، محرم، مكروه، مستحب، مباح، فمتى عرف العبد ذلك قبل أي عمل ؛ ساعده على الإقبال أو الإحجام، ومراقبة الاعتقاد والعمل تتيحان للعبد ملاحظة وكشف أي تغير يحدث قبل أن تتكاثر النكت السوداء، فلا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أُشرِبَ من هواه "2 " .
مثال:
رجل كان يقول خيراً في فلان، ثم أصبح يقول فيه شراً، فهذا التغير إذا لم يكن مبنياً على سبب شرعي حقيقي فقد فتن في دينه؛ لأن الإيمان قيد المؤمن، والمدح قيد، والقيد من الإيمان، وتغير القول من غير عذر شرعي افتتان في الدين، ونعوذ بالله من الحور بعد الكور.
الأصل الثاني: معرفة ومراقبة النية
وكذلك هذا الأصل ، لا يمكن إتقان الاستخارة بدونه وسيأتي معنا التفصيل في الدرس الثاني : (( شروط إتقان الاستخارة )) ،فالعلم بالنية مصحح للعمل والمراقبة شطر الإحسان ويزداد الأجر والإثم بتفاوت النية فمعرفة ومراقبة النية تساعد العبد على :
1) معرفة حكم العمل وخصوصاً عند حصول اللبس، ومثاله:
أراد شخص أن يذكر رجلاً بعيب فيه، فإذا راقب نيته لأقبل أو أحجم عن ذلك؛ لأن الحلال والحرام سيصبح حينها بَيّنٌ، ومن ذلك ما جاء في الحديث الذي أخرجه مسلم وغيره ((... والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس)). فالأصل أن المسلم ينبغي أن يعرف نيته، ولكن مع قلة مراقبتها ومجاهدتها يصل إلى مرحلة يشك في نيته أو لا يدركها، وقد قال بعض السلف: " من لا يعرف نيته لا يعرف دينه " .
2) معرفة الأسباب الحقيقية لأي عمل، -ونكرر نفس المثال- فقد يكون لبيان حق أو إسقاط للغير.
3) تصفية النية ومجاهدتها من الشوائب وحظوظ النفس .
الأصل الثالث: فقه علاقة تسلسل الأسباب بالنتائج
من نعمة المولى -سبحانه- أن جعل لكل حقيقة علامات وأسباب ونتائج ليطمئن إليها العبد في طريقه إلى الآخرة أو الدنيا، وإذا كان لكل سبب نتيجة، فكل نتيجة هي سبب للنتيجة التي يليها. وهكذا، وتنمية فقه هذه العلاقة؛ يكون بتدبرهما ومراقبتهما وتحليلهما بعين البصر والبصيرة، وتمرين الذهن عليهما...، وكل ذلك له آثار عظيمة مثل:
1) تشخيص أي ظاهرة أو سلوك تشخيصاً دقيقاً.
2) تطوير وتنمية الذات والقدرات والمهارات.
3) وضع التصورات والمقترحات والتوصيات والحلول - سواء كانت حلولا علمية - عاجلة أو مرحلية أو إستراتيجية - أو عملية، بجهد أيسر وزمن أقصر.
مثال على أهمية معرفة السبب الأول:
مما هو معلوم لدى طلبة العلم أن الجهل والخطأ هما عذران يُرفع بهما الإثم ومع ذلك إذا تأملنا حديث : ((ويل للأعقاب من النار)) ، فسوف يبرز سؤال مهم يؤكد أهمية فهم العلاقة التسلسلية للأسباب والنتائج، فعن عبد الله بن عمرو قال: رجعنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مكة إلى المدينة حتى إذا كنا بماء بالطريق تعجل قوم عند العصر فتوضئوا وهم عجال فانتهينا إليهم وأعقابهم تلوح لم يمسها الماء فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ((ويل للأعقاب من النار أسبغوا الوضوء)). أخرجه البخاري ومسلم وابن حبان في صحيحه وابن خزيمة.
السؤال:
لماذا لم يعذرهم الرسول - صلى الله عليه وسلم-؛ بالجهل أو الخطأ بل توعدهم بذلك الوعيد؟
الإجابة : السبب الأول:
كان الاستعجال في الوضوء.
النتيجة الأولى للسبب الأول:
عدم إسباغ الوضوء. وكانت سببا للنتيجة الثانية.
النتيجة الثانية:
تتمثل في قوله - عليه الصلاة والسلام -: ((ويل للأعقاب من النار)) .
التحليل:
الرسول - صلى الله عليه وسلم - نظر إلى السبب الأول الذي نتج عنه عدم إسباغ الوضوء، وهو العجلة، فالمسلم مأمور أن يأتي الصلاة وعليه السكينة والوقار، فمخالفة هذا الأمر أدى إلى الاستعجال؛ والاستعجال أدى إلى ترك واجب شرعي هو شرط لعمل آخر ، وهي الصلاة .
ومعلوم عند الفقهاء والأصوليين من ترك واجباً أو فعل محرماً جهلاً؛ وكان سببه المباشر تقصير في مطلب شرعي كان بإمكانه أن يؤديه؛ فلا يعذر؛ ومثاله: رجل كان باستطاعته أن يتعلم الصلاة بشروطها وأركانها وواجباتها ولكنه لم يفعل .
ولتشخيص أي ظاهرة أو سلوك.... تشخيصا دقيقا ينبغي العناية بتسلسل الأسباب وصولاً إلى السبب الأول، فلكل سبب نتيجة، وكل نتيجة هي سبب للنتيجة التي بعدها، وهكذا ...
وفي الختام .. أن الحمد لله رب العالمين ..