الرئيسية | الصحيفة | خدمات الإستضافة | مركز الملفات | الحركة الانتقالية | قوانين المنتدى | أعلن لدينا | اتصل بنا |

أفراح بن جدي - 0528861033 voiture d'occasion au Maroc
educpress
للتوصل بجديد الموقع أدخل بريدك الإلكتروني ثم فعل اشتراكك من علبة رسائلك :

فعاليات صيف 2011 على منتديات الأستاذ : مسابقة استوقفتني آية | ورشة : نحو مفهوم أمثل للزواج

العودة   منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد > المنتديات العامة والشاملة > المنتدى الإسلامي



موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 2014-01-13, 15:24 رقم المشاركة : 6
بالتوفيق
مشرف منتدى التعليم الثانوي التأهيلي
 
الصورة الرمزية بالتوفيق

 

إحصائية العضو







بالتوفيق غير متواجد حالياً


وسام الرتبة الثانية  في مسابقة القرآن الكريم

المرتبة الأولى في مسابقة صور وألغاز

وسام المرتبة الأولى للمسابقة الرمضانية الكبرى 2015

بالتوفيق

افتراضي رد: ذكرى المولد النبوي الشريف: اجتهادات و فتاوى أخرى


وممن أجاز الاحتفال بالمولد من العلماء:

1- الإمام المحدث الفقيه أبو شامة شيخ الإمام النووي.

قال في رسالته : (ومن أحسن ما ابتدع في زماننا ما يُفعل كل عام في اليوم الموافق لمولده صلى الله عليه وآله وسلم من الصدقات، والمعروف، وإظهار الزينة والسرور، فإن ذلك مشعرٌ بمحبته صلى الله عليه وآله وسلم وتعظيمه في قلب فاعل ذلك وشكراً لله تعالى على ما منّ به من إيجاد رسوله الذي أرسله رحمة للعالمين).

2- الإمام شيخ الإسلام ابن حجر العسقلاني.

فقد سُئِلَ عن عمل المَوْلِد فأجاب بما نصه:
أصل عمل المَوْلِد بدعة لم تُنْقَل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة الصحابة والتابعين وتابع التابعين ولكنها مع ذلك قد اشتملت على محاسنَ وضدِّها، فمن تَحَرَّى في عملها المحاسن وتجنَّب ضدَّها كان بدعةً حسنة وإلا فلا). نقلاً عن رسالة الإمام السيوطي.

3- الإمام الحافظ المحدث جلال الدين السيوطي.

قال معقباً على كلام الحافظ ابن حجر العسقلاني: (وقد ظهر لي تخريجها على أصل ثابت، وهو ما ثبت في الصحيحين من أن النبيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ قدم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم فقالوا: هو يوم أغرق الله فيه فرعون ونجَّى موسى، فنحن نصومه شكرًا لله تعالى. فيُستفاد منه فعل الشكر لله على ما مَنَّ به في يوم معين من إسداء نعمة أو دفع نِقْمة، ويُعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سَنَة. والشكر لله يحصل بأنواع العبادة كالسجود والصيام والصدقة والتلاوة، وأيَّة نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبيّ نبيّ الرحمة في ذلك اليوم).

4- الإمام الحافظ أبو الخير السخاوي.

قال رحمه الله في فتاويه: (عمل المولد الشريف لم ينقل عن أحد من السلف الصالح في القرون الثلاثة الفاضلة، وإنما حدث بعد، ثم لا زال أهل الإسلام في سائر الأقطار والمدن الكبار يحتفلون في شهر مولده صلى الله عليه وسلم بعمل الولائم البديعة، المشتملة على الأمور البهجة الرفيعة، ويتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات، ويظهرون السرور ويزيدون في المبرات، ويعتنون بقراءة مولده الكريم، ويظهر عليهم من بركاته كل فضل عميم).
وقال في ترجمة أحد تلاميذه: (سمع مني تأليفي في المولد النبوي بمحله وفي السنة قبلها تأليف العراقي فيه أيضاً).
فقد كان المولد يقرأ في مكان ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم سنة بعد أخرى دون نكير من أحد.

5- الإمام الشهاب أحمد القسطلاني شارح البخاري:

قال في كتابه المواهب اللدنية 1/148: (فرحم الله امرءا اتخذ ليالي شهر مولده المبارك أعياداً ، ليكون أشد علة على من في قلبه مرض وإعياء داء).

6- العلاَّمة الشّيخ محمد بن عمر بحرق الحضرمي الشافعي (ت:930 هـ)

قال في كتابه (حدائق الأنوار ومطالع الأسرار في سيرة النبي المختار): (فحقيقٌ بيومٍ كانَ فيه وجودُ المصطفى صلى الله عليه وسلم أَنْ يُتَّخذَ عيدًا، وخَليقٌ بوقتٍ أَسفرتْ فيه غُرَّتُهُ أن يُعقَد طالِعًا سعيدًا، فاتَّقوا اللهَ عبادَ الله، واحذروا عواقبَ الذُّنوب، وتقرَّبوا إلى الله تعالى بتعظيمِ شأن هذا النَّبيِّ المحبوب، واعرِفوا حُرمتَهُ عندَ علاّم الغيوب، "ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ").

7- الإمام العلامة صدر الدين موهوب بن عمر الجزري الشافعي.

قال: (هذه بدعة لا بأس بها، ولا تكره البدع إلا إذا راغمت السنة، وأما إذا لم تراغمها فلا تكره، ويثاب الإنسان بحسب قصده في إظهار السرور والفرح بمولد النبي صلى الله عليه وسلم). نقلاً من كتاب سبل الهدى والرشاد.


وقد تمسك من منع الاحتفال بالمولد بأمور؛ نذكرها ونذكر الجواب عنها باختصار:

أولاً: كون المولد أول من أحدثه الفاطميون.
وجواب ذلك أن يقال: على افتراض أن الفاطميين هم أول من أحدث ذلك؛ فليس هذا دليلاً على المنع، فقد أخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم تعظيم اليوم الذي انتصر فيه موسى عليه السلام من اليهود، وقال عليه السلام: (فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ) رواه البخاري.
ثانياً: منع المولد بحجة أنه بدعة، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم (كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ) رواه مسلم.
والجواب عن ذلك: أن البدع على قسمين: حسنة وسيئة، وإلى هذا ذهب الجماهير من العلماء، وهذا بعض تقريرهم لذلك:
قال الإمام الشافعي: (المحدثات من الأمور ضربان: أحدهما ما أحدث مما يخالف كتاباً أو سنة أو أثراً أو إجماعاً، فهذه البدعة الضلالة.
والثانية: ما أحدث من الخير مما لا خلاف فيه لواحد من هذا هي محدثة غير مذمومة، وقد قال عمر - رضي الله تعالى عنه - في قيام رمضان نعمت البدعة هذه يعني أنها محدثة لم تكن، وإذا كانت فليس فيها رد لما مضى).
وقال العلامة المحدث أبو شامة المقدسي: (فالبدعة الحسنة متفق على جواز فعلها والاستحباب لها ورجاء الثواب لمن حسنت نيته فيها، وهي كل مبتدع موافق لقواعد الشريعة غير مخالف لشئ منها ولا يلزم من فعله محذور شرعي).
والإمام أبو شامة هو الذي يقول عنه الإمام ابن كثير في البداية والنهاية (13/250): (الشيخ الإمام العالم الحافظ المحدث الفقيه المؤرخ المعروف بأبي شامة شيخ دار الحديث الاشرفية...وكان ذا فنون كثيرة أخبرني علم الدين البرزالي الحافظ عن الشيخ تاج الدين الفزاري، أنه كان يقول بلغ الشيخ شهاب الدين أبو شامة رتبة الاجتهاد...وبالجملة فلم يكن في وقته مثله في نفسه وديانته وعفته).
وقال الإمام شيخ الإسلام سلطان العلماء العز بن عبد السلام: (وقال العز بن عبد السلام: (البدعة فعل ما لم يعهد في عصر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ وهي منقسمة إلى: بدعة واجبة، وبدعة محرمة، وبدعة مندوبة، وبدعة مكروهة، وبدعة مباحة، والطريق في معرفة ذلك أن تعرض البدعة على قواعد الشريعة: فإن دخلت في قواعد الإيجاب فهي واجبة، وإن دخلت في قواعد التحريم فهي محرمة، وإن دخلت في قواعد المندوب فهي مندوبة، وإن دخلت في قواعد المكروه فهي مكروهة، وإن دخلت في قواعد المباح فهي مباحة).
وقال الإمام النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم: (قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَكُلّ بِدْعَة ضَلَالَة )
هَذَا عَامّ مَخْصُوص ، وَالْمُرَاد غَالِب الْبِدَع . قَالَ أَهْل اللُّغَة : هِيَ كُلّ شَيْء عُمِلَ عَلَى غَيْر مِثَال سَابِق . قَالَ الْعُلَمَاء : (الْبِدْعَة خَمْسَة أَقْسَام: وَاجِبَة، وَمَنْدُوبَة وَمُحَرَّمَة وَمَكْرُوهَة وَمُبَاحَة... فَإِذَا عُرِفَ مَا ذَكَرْته عُلِمَ أَنَّ الْحَدِيث مِنْ الْعَامّ الْمَخْصُوص... وَلَا يَمْنَع مِنْ كَوْن الْحَدِيث عَامًّا مَخْصُوصًا قَوْله: (كُلّ بِدْعَة) مُؤَكَّدًا (بِكُلِّ)، بَلْ يَدْخُلهُ التَّخْصِيص مَعَ ذَلِكَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {تُدَمِّر كُلّ شَيْء}).
ثالثاً: نفي الدليل على تفضيل يوم المولد.
والجواب عن ذلك: بأن فضل هذا اليوم ثابت بالسنة النبوية، وقد بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم فضل يوم مولده، فقال: (وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ قَالَ ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ وَيَوْمٌ بُعِثْتُ أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ) رواه مسلم، فعظَّمَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم مولده بالصيام فيه.
وتعظيم الأيام الفاضلة أمرٌ مقررٌ شرعاً، ولذا صام النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه.
رابعاً: مَنْعُ الاحتفالِ بالمولدِ بِحُجَّة ما يقع فيه من المخالفات.
والجواب عن ذلك: أنَّ هذا لا يستدعي تحريم المولد وإنما تمنع المخالفات الموجودة فيه، كما أننا لا نحرم حفل الزفاف ولكن نمنع المخالفات الشرعية التي تحدث فيه، ولذا قال الإمام ابن حجر العسقلاني: (وأما ما يعمل فيه - المولد - فينبغي أن يقتصر فيه على ما يفهم الشكر لله تعالى من نحو ما تقدم ذكره من التلاوة والإطعام والصدقة وإنشاد شيء من المدائح النبوية والزهدية المحركة للقلوب إلى فعل الخيراتِ والعملِ للآخرةِ).
خامساً: مَنْعُ الاحتفالِ بالمولدِ بِحُجَّة أنَّ يوم مولده هو يوم وفاته.
والجواب عن ذلك : هو قول الإمام السيوطي رحمه الله: (إن ولادته صلى الله عليه وآله وسلم أعظم النعم، ووفاته أعظم المصائب لنا، والشريعة حثت على إظهار شكر النعم، والصبر والسكون عند المصائب، وقد أمر الشرع بالعقيقة عند الولادة وهي إظهار شكر وفرح بالمولود، ولم يأمر عند الموت بذبح (عقيقة) ولا بغيره. بل نهى عن النياحة وإظهار الجزع، فدلت قواعد الشريعة على أنه يحسن في هذا الشهر إظهار الفرح بولادته صلى الله عليه وآله وسلم دون إظهار الحزن بوفاته).
سادساً: مَنْعُ الاحتفالِ بالمولدِ بِحُجَّة أنَّ الصحابة والتابعين لم يفعلوه مع كونهم أشد حباً للرسول صلى الله عليه وسلم.
والجواب عن ذلك: هو ما قاله الإمام الشافعي رحمه الله: (ما أحدث يخالف كتاباً أو سنةً أو أثراً أو إجماعاً فهذه بدعة الضلال، وما أحدث من الخير لا يخالف شيئا من ذلك فهذه محدثة غير مذمومة)، وقول الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله في الفتح: (ما كان له أصل يدل عليه الشرع فليس ببدعة). وقد بينا أن المولد النبوي يستند إلى أصول شرعية صحيحة، وعليه فإحداثه ليس بدعة ولو لم يعمل به السلف.
قال الإمام المفسر القرطبي المالكي رحمه الله في أحكام القران: (كل بدعة صدرت من مخلوق فلا يخلو أن يكون لها أصل في الشرع أو لا ، فإن كان لها أصل كانت واقعة تحت عموم ما ندب الله إليه وحض رسوله عليه ، فهي في حيز المدح... ، وإن كانت- البدعة- في خلاف ما أمر الله به ورسوله فهي في حيز الذم والإنكار ... وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم في خطبته: وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة، يريد ما لم يوافق كتابا أو سنة، أو عمل الصحابة رضي الله عنهم).
وقد كان سيد العلماء الإمام مالك بن أنس رحمه الله ورضي عنه لا يركب بالمدينة دابة، وهذا فعلٌ أحدثه الإمام مالك لم يفعله الصحابة الذين هم أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومع ذلك لم ير الإمام مالك بأساً في فعله، ولم ينكر عليه أحدٌ من العلماء ذلك، قال الإمام القاضي عياض المالكي في كتاب الشفاء (1 / 275): (كان مالك رحمه الله لا يركب بالمدينة دابة وكان يقول: "أستحي من الله أن أطأ تربة فيها رسول الله-صلى الله عليه وسلم- بحافر دابة" ). وذكر هذا عنه الكمال ابن الهمام الحنفي رحمه الله في فتح القدير (3 / 180)، وكذا الإمام ابن العربي المالكي في أحكام القرآن ( 3 / 254 ) وغيرهم وهو معروف مشهور عنه. والله تعالى أعلم.
والخلاصة
ذهب جماهير العلماء إلى مشروعية الاحتفال بالمولد، وأنه صورة من صور شكر الله تعالى على ما أنعم الله به علينا من بعثة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.





   
قديم 2014-01-13, 15:27 رقم المشاركة : 7
بالتوفيق
مشرف منتدى التعليم الثانوي التأهيلي
 
الصورة الرمزية بالتوفيق

 

إحصائية العضو







بالتوفيق غير متواجد حالياً


وسام الرتبة الثانية  في مسابقة القرآن الكريم

المرتبة الأولى في مسابقة صور وألغاز

وسام المرتبة الأولى للمسابقة الرمضانية الكبرى 2015

بالتوفيق

افتراضي رد: ذكرى المولد النبوي الشريف: اجتهادات و فتاوى أخرى


في المغرب

إن الباحث في التاريخ الثقافي والاجتماعي للمغرب يظهر له بجلاء ما كان لعلماء المغرب وأولي الأمر فيه من دور رائد في الاعتناء بذكرى المولد النبوي الشريف إحياءً وتعريفا، تأصيلا وتقعيدا، شرحا وتحليلا، بيانا وتفصيلا...
وظلت الاحتفالات بالمولد عند المغاربة متواصلة ومتوارثة حتى سارت واقعا مُتأصِّلا، نابعا من تعلقهم بالحضرة النبوية، وفي ذلك ما ينسجم مع عمل القاضي عياض في العهد المرابطي الذي ألف كتابه «الشفا بتعريف حقوق المصطفى»، والذي يحمل في طياته تعريفا وتنويها بحقوق أفضل الخلق وسيدهم، وفي ثناياه حُبّا وتعلقا بجنابه الشريف صلوات ربي وسلامه عليه.
وتتجلى مظاهر الاحتفال بالمغرب في إقامة ليالٍ دينية لتدارس القرآن وتلاوة الأذكار والصلوات، ومهرجانات للمديح والسماع، وحلقات علمية لسرد السيرة النبوية والتملِّي بالشمائل المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى السلام، وعقد مجالس للعلم ومواكب دينية.
وقد أنتج الاهتمام بهذه الذكرى، ومنذ القرن السابع الهجري، أدبا نثريا وشعريا جديدا عُرف ب «الموالد النبوية» أو «المولديات»، وأصبح تراث «الموالد» النبوية مجالا غزيرا وواسعاً يستقطب الباحثين من مختلف البقاع ومن شتى التخصصات.
وواصل علماء القرويين الانتصار لهذا العمل مُظهرين فائدته العظمى، ودوره الفعال في التعبئة الوجدانية للأمة، من ذلك ما نقله الشيخ بنيس في شرحه على همزية الإمام البوصيري، أن ليلة المولد ويومها: عيد وموسم، يتعين أن يُعَظَّم ويُحترم، ويُعمل فيه ما يدل على التعظيم والاحترام، وهو ما اختاره الحافظان العراقي والسيوطي.
وذكر عبد الرحمن الكتاني ومحمد الكتاني في تقديمهما لكتاب والدهما محمد الباقر الكتاني «روضات الجنات في مولد خاتم الرسالات» خمسون كتابا لمُؤلفين مغاربة تتعلق كلها بأهمية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف وفوائده العظمى...
وجاء في "تائية المنى والسول في ذكر مولد الرسول، للعلامة الأديب سيدي الحاج أحمد سكيرج رحمه الله ورضي عنه، تحقيق: ذ.محمد الراضي كنون الحسني الإدريسي"، قوله:
"كان العلامة سكيرج رحمه الله حريصا على تعظيم ذكرى المولد النبوي المجيد وإحياء مناسبتها الكريمة، واستيعاب الدروس النافعة منها، وما أكثر دروسها، وما أعظم العبر المستخلصة منها. كيف لا وهي بداية مرحلة بشرية سامية، ذات معان وآفاق غير معهودة من قبل، ويكفي أن نذكر في هذا الصدد بزوغ فجر أمته التي وصفها الله عز وجل في كتابه العزيز بقوله: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تامرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتومنون بالله).
ومن خلال هذا المولد الجليل، الذي هو عبارة عن نظم مبارك، حاول المؤلف فيه استنهاض الهمم الفاترة، واستنفار الطاقات في محبة هذا النبي الكريم، الذي جعله الله رحمة للعالمين، ومبشرا ونذيرا ومفتاحا لسائر النعم والخيرات، كما دعا من خلاله كافة المومنين إلى التعرض لنفحات هذه الذكرى العزيزة، التي هي ذكرى يمن وبركة وفرج، مع حثهم على الإهتداء بهديه صلى الله عليه وسلم، واقتفاء خطاه والسير على منهاجه، وطريقه، والزيادة من محبته، والتعلق به، والإعتصام بحبله، إلى غير ذلك من مغازي أخرى.
وكثيرا ما كان يقول رحمه الله: أن العبرة بهذه الذكرى الغالية تكمن في عموم اللفظ لا بخصوص السبب، كما هو مقرر ومعروف عند الأصوليين، ولاحجة لمنكر هذه الذكرى أو القائل بعدم شرعيتها، بل هو عمل حسن محمود، وفرصة للقاء المسلمين على الخير، وقراءة القرآن وسرد السيرة النبوية العطرة، وسماع القصائد النبوية الجليلة، كالهمزية والبردة وبانت سعاد، إلى غير ذلك من تلاوة قصة المولد، وتشنيف الأسماع بخبر ولادته صلى الله عليه وسلم، وما زامنها من أحداث، ومسرات وخوارق وعادات، ومعجزات وآيات وغيرها...
وقد سرد هذا النظم المبارك في رحاب الزاوية التجانية الكبرى بمدينة فاس مرات عديدة، لاسيما ما بين عامي 1326-1336هـ موافق 1908-1918م، حيث كان المؤلف مقيما بمدينة فاس، وكان للاحتفال بذكرى المولد النبوي وقتئذ طابع خاص، إذ هو أضخم احتفال سنوي تعيشه الزاوية المذكورة، حيث تمتلئ عن آخرها بساداتها المريدين الذين يقصدونها من كل فج عميق، بغية إحياء الليلة المباركة في محفل مهيب، تنشرح فيه النفوس، وتقر فيه الأعين وتوزع فيه كؤوس الشاي والحلوى باختلاف أنواعها، والتمر والحليب والكسكس، وألوان من المأكولات والفواكه وغيرها. كما تكون الزاوية في تلك الليلة كأنها عروس متألقة في حلل بهية وأنوار متناسقة، وروائح عطرة، وأجواء سعيدة".
وكانت الحفلات بالمغرب تقام منذ العهد المريني (671هـ) في الزوايا والمدارس والمساجد وحتى في المنازل، ويذكُر ابن الدراج في كتابه «الإمتاع والانتفاع بمسألة سماع السماع» بأن أكثر ما يتغنى به أهل فاس في هذه المناسبة تتصل موضوعاته بمدح الرسول وتشويق النفوس إلى زيارة البيت الحرام ومواقعه، وإلى المدينة المنورة ومعالمها، كما يشير إلى ذلك الرحالة أبو علي الحسن الوزان الفاسي في كتابه «وصف إفريقيا»، فيذكر أن التلاميذ يقيمون احتفالا بالمولد النبوي، ويأتي المعلم بمنشدين يتغنون بالأمداح النبوية طول الليل.
وفي عهد الشرفاء السعديين اتخذ المنصور السعدي من عيد المولد النبوي أكبر احتفال رسمي للدولة والأمة، فكان يقيم في قصره بمراكش الحفلات الفخمة، يزينها بالشموع الموقدة، وبإنشاد القصائد والمولديات. وقد أفاض في هذا الموضوع العديد من المؤرخين، منهم أبو الحسن التمجرُوتي (1003 هـ) الذي قال في رحلته المسماة «النفحة المسكية في السفارة التركية» واصفا احتفال المنصور في مراكش عام 998هـ: "وأنشدوا القصائد ومقطعات في مدح النبي المكرم وفضل مولده العظيم، ونظموا في ذلك الدر المنظوم، وبالغوا في ذلك وأطنبوا... وانبسطوا بألسنة فصاح ونغمات ملاح وطرائق حسنة، وفنون من الأوزان المستحسنة، فأصغت الآذان عند ذلك بحسن الاستماع إلى محاسن السماع". ومن هؤلاء أيضا أحمد بن القاضي المكناسي الذي نوه في كتابه «المنتقى المقصور على محاسن الخليفة المنصور» بما كان يصنعه بهذه المناسبة.
وأتى مؤرخ الدولة السعدية، عبد العزيز الفشتالي، بما يذهل الألباب في كتابه «مناهل الصفا في أخبار الملوك الشرفا» إذ يقول: "والرسم الذي جرى به العمل... أنه إذا طلعت طلائع ربيع الأول... توجهت العناية الشريفة إلى الاحتفال له بما يربي على الوصف... فيصيّر الرقاع إلى الفقراء أرباب الذكر على رسم الصوفية من المؤذنين النعارين في السحر بالأذان.. حتى إذا كانت ليلة الميلاد الكريم.. تلاحقت الوفود من مشايخ الذكر والإنشاد... وحضرت الآلة الملوكية... فارتفعت أصوات الآلة وقرعت الطبول، وضج الناس بالتهليل والتكبير والصلاة على النبي الكريم... وتقدم أهل الذكر والإنشاد يقدمهم مشايخهم... واندفع القوم لترجيع الأصوات بمنظومات على أساليب مخصوصة في مدائح النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، يخصها اصطلاح العزف بالمولديات نسبة إلى المولد النبوي الكريم، قد لحنوها بألحان تخلب النفوس والأرواح، وترق لها الإطلاع، وتبعث في الصدور الخشوع، وتقشعر لها جلود الذين يخشون ربهم، ويتفننون في ألحانها على حسب تفننها في النظم. فإذا أخذت النفوس حظها من الاستمتاع بألحان المولديات الكريمات تقدم أهل الذكر المزمزمون بالرقيق من كلام الشيخ أبي الحسن الششتُري رضي الله عنه وكلام القوم من المتصوفة أهل الرقائق. كل ذلك تتخلله نوبات المنشدين للبيت من نفيس الشعر".(ص 11)
وما يزال أهل مدينة سلا يُحيون هذه المناسبة بموكب الشموع في إشارة إلى أن ولادة النبي صلى الله عليه وسلم كانت نورا وهداية للعالمين، وارتبط هذا الاحتفال بالولي الصالح الفقيه مولاي عبد الله بن حسون، والذي كان معروفَ القدر والمكانة عند المولى أحمد المنصور الذهبي. فكان رضي الله عنه مولعا بعمل المولد النبوي، عظيم الاحتفال به حيث كان يرأس هذا الاحتفال بنفسه، وكانت الاحتفالات تقام بزاوية مولاي عبد الله بن حسون طيلة أسبوع تخليدا لذكرى الرسول الكريم. وكان يأتيه لحضور موسمه عنده بزاويته من حواضر البلاد وبواديها العلماء والأولياء وشيوخ الزوايا وأهل السماع.
وسُئل العلامة أبو عبد الله بن عباد الرندي المغربي رحمه الله ونفع به عما يقع في مولد النبي صلى الله عليه وسلم من وقود الشمع وغير ذلك لأجل الفرح والسرور بمولده عليه السلام. فأجاب: "الذي يظهر أنه عيد من أعياد المسلمين، وموسمٌ من مواسمهم، وكل ما يقتضيه الفرح والسرور بذلك المولد المبارك، من إيقاد الشمع وإمتاع البصر، وتنزه السمع والنظر، والتزين بما حسن من الثياب، وركوب فاره الدواب: أمر مباح لا ينكر قياساً على غيره من أوقات الفرح، والحكم بأن هذه الأشياء لا تسلم من بدعة في هذا الوقت الذي ظهر فيه سر الوجود، وارتفع فيه علم العهود، وتقشع بسببه ظلام الكفر والجحود، يُنْكَر على قائله، لأنه مَقْتٌ وجحود. وادعاء أن هذا الزمان ليس من المواسم المشروعة لأهل الإيمان، ومقارنة ذلك بالنيروز والمهرجان، أمر مستثقل تشمئز منه النفوس السليمة، وترده الآراء المستقيمة". (المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوي أهل إفريقية والأندلس والمغرب، 11/278)
ولا زالت إلى اليوم جُل الزوايا في كل المدن والمناطق المغربية تحتفل بالمولد النبوي، وتقيم له المواسم وتحيي له ليالي الذكر والمديح.
وورد في كتاب «مرآة المحاسن من أخبار الشيخ أبي المحاسن» أن الشيخ أبا المحاسن رضي الله عنه كان يطعم الناس في ذلك اليوم، ... ويحضر خلق من المساكين لا يحصون، فيأكلون ويحملون ما أمكن؛ يصنع ذلك في اليوم الثاني عشر وفي سابعه أيضا، وهو اليوم الثامن عشر على ما جرت به العادة في فاس.
ومن مظاهر هذا الاحتفال بالمغرب، أن يقام على المستوى الرسمي احتفال يرأسه سلطان البلاد ويرعاه بنفسه، وتلتئم حول حضرته جموع من المسمعين الوافدين من مختلف حواضر المملكة. وما زالت هذه السنة دَيْدَنَ ملوك الدولة، دأبوا على إحيائها وتوارثوها خلفا عن سلف تأكيدا لحب المغاربة قاطبة لجدهم صلى الله عليه وسلم.





   
قديم 2014-01-13, 15:38 رقم المشاركة : 8
بالتوفيق
مشرف منتدى التعليم الثانوي التأهيلي
 
الصورة الرمزية بالتوفيق

 

إحصائية العضو







بالتوفيق غير متواجد حالياً


وسام الرتبة الثانية  في مسابقة القرآن الكريم

المرتبة الأولى في مسابقة صور وألغاز

وسام المرتبة الأولى للمسابقة الرمضانية الكبرى 2015

بالتوفيق

افتراضي رد: ذكرى المولد النبوي الشريف: اجتهادات و فتاوى أخرى


موضوعات إسلامية - موضوعات متفرقة - المحاضرة 078: حكم الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف .
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2007-04- 01



بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
الاحتفال بالمولد النبوي بين آراء المسلمين والقول الوسط:
أيها الإخوة الكرام، هناك لغط كبير حول حكم الاحتفال بعيد المولد، هناك من يرى أن الاحتفال بعيد المولد بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، صاحبنا هذا أوصلنا بالاحتفال إلى النار، وهناك من يرى أنه لابد من أن نحتفل بعيد المولد، فهو عبادة من العبادات، وكلا الرأيين خاطئ، والحق وسط بين طرفين.
الأدلة القرآنية على الاحتفال بالمولد:
الآية الأولى:
أولاً: يقول الله عز وجل ﴿وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ﴾ ( سورة هود )
هذا قرآن كريم، إذا كان قلب سيد الخلق وحبيب الحق، سيد ولد آدم، المخلوق الأول، الذي أقسم الله بعمره الثمين، إذا كان قلب النبي يزداد ثبوتاً وإيماناً وتألقاً بسماع قصة نبي دونه، فكيف حالنا ونحن المقصرون إذا استمعنا إلى سيرة سيد الأنبياء والمرسلين، وسيد ولد آدم ؟ كيف حالنا إذا قرأنا شمائله وفضائله وأخلاقه، ورحمته وحكمته وعلمه وتواضعه ؟ كيف بنا ؟
الدليل الأول من القرآن الكريم يعدّ هذا الدليل أن معرفة سير الأنبياء والمرسلين من شأنه أن يزيد إيمان المؤمن يقيناً، ذلك أن الفضائل لا قيمة لها إلا إذا تجسدت بأشخاص، والمثالية من دون مثَل حي لا قيمة لها، الأفكار الأخلاقية لمجرد أن تكون أفكاراً لا قيمة لها، لكن هذه القيم الأخلاقية حينما نراها بأعيننا في إنسان متحرك، صادق، أمين، عفيف، أخلاقي، عنده حياء، عنده وفاء، عنده كرم، نحن نتأثر، لذلك الآية الأولى:﴿وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ﴾ ( سورة هود )
الآية الثانية:
كأن الله سبحانه وتعالى يدعونا إلى معرفة رسوله، بل إن معرفة رسول الله جزء من الدين، لأن كلمة الإسلام الأولى: " لا إله إلا الله محمد رسول الله ":﴿أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ﴾( سورة المؤمنون)
الآية الثالثة:
﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ﴾ ( سورة سبأ )
أن نجتمع مثنى وفرادى ؛ وأن نتداول في هذه الرسالة التي جاء بها النبي، في منهج النبي، في أخلاق النبي، في حكمة النبي، هذا جزء من الدين، بل أمرٌ إلهي، وكل أمرٍ إلهي في القرآن الكريم يقتضي الوجوب.
معنى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ
لكن أيها الإخوة، أنا مضطر أن أربط ما يعانيه العالم الإسلامي من حالات لا ترضي، ولا تسرّ الصديق، بل تشمت العدو، أربط هذه الحالات بضعف اهتمامنا بمنهج رسول الله، كيف ؟ الله عز وجل يقول: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾ ( سورة الأنفال)
أنت فيهم في حياته المعنى واضح، لكن وأنت فيهم بعد مماته المعنى يحتاج إلى إعمال نظر.
قال علماء التفسير: " مادامت سنة النبي عليه الصلاة والسلام، مادام منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم مطبقاً في حياتنا، مطبقاً في زواجنا، في تربية أولادنا، مطبقاً في كسب أموالنا، في إنفاق أموالنا، مطبقاً في مسراتنا، في أحزاننا، مطبقاً في حلنا، في ترحالنا، إذا كان منهج رسول الله الذي جاء به مطبقاً في حياتنا فنحن في مأمن من عذاب الله، فإذا كنا نُعذب كل يوم، و نُقتل كل يوم، و تُستباح دماؤنا كل يوم، و تنتهك أعراضنا كل يوم، و يُستولى على ثرواتنا كل يوم، و تأتينا الجيوش من بقاع الأرض تحتل أرضنا، خمس أو ست دول أرضها محتلة، إذا كان هذا الوضع فالذي يعنينا من هذا الوضع أننا لسنا مطبقين لمنهج رسول الله.
ماهية الاحتفال بالمولد النبوي:
هذا ينقلنا إلى فكرتين، هناك احتفال فولكلوري كما ألِفه المسلمون من سنوات طويلة، ترفع الزينات، تلقى الخطابات التي تتحدث عن رسول الله، لكن حياتنا في واد ومنهجه في واد آخر.
من السهل جداً أن تمدح أباك، مثلاً: لك أب عالم كبير يحمل أعلى الشهادات، له مؤلفات، و الابن أمي لا يقرأ، ولا يكتب، يمكن لهذا الابن أن يمدح أباه ما شاء له أن يمدح، لكن يبقى الابن جاهلاً، والأب عالماً، لا قيمة لهذا المديح إطلاقاً.
أقول لكم من القلب إلى القلب: مهما مدحنا النبي، ومهما صلينا على النبي، إن لم نقتف منهج النبي فهذا الاحتفال يبقى احتفالاً فولكلورياً يضاف إلى تراثنا وتقاليدنا وعاداتنا، أما إذا عكفنا على سنة النبي، كيف عامل زوجته ؟ كيف عامل أولاده ؟ كيف عامل جيرانه، كيف كان حليماً ؟ كيف كان رحيماً ؟ كيف كان صادقاً ؟ كيف كان وفياً ؟ كيف كان متواضعاً ؟ نحن حينما نحتفل بعيد المولد حقيقة ينبغي أن نقتفي أثره.
أيها الإخوة الكرام، سامحوني إن كنت قاسياً في هذا الموضوع، مقام النبي عليه الصلاة والسلام لا يليق به أن نذكره يوماً في العام، معاذ الله !!! يجب أن نذكره كل يوم، يجب أن تدور سنته معنا في كل شؤون حياتنا، أيعقل أن نذكره في العام مرة ؟ مقام النبي الكريم يقتضي أن نذكره كل يوم، لذلك لا يتناسب مقامه وهدايته مع أن نذكره في العام مرة، لذلك معرفة رسول الله صلى الله عليه وسلم جزء من الدين، لأن كلمة الإسلام الأولى شطرها: " محمد رسول الله "، ولأن الله عز وجل يقول:﴿أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ﴾ ( سورة المؤمنون)
ولأن الله عز وجل يقول:﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ﴾ ( سورة سبأ )
معرفةُ سيرة النبي جزءٌ من الدين، وفرضُ عين على المسلمين:
أيها الإخوة الكرام، بذكر الصالحين تتنزل الرحمات، فكيف إذا ذكر سيد المرسلين ؟ وبذكر اللؤماء تتعكر المجالس، لذلك عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( مَا مِنْ قَوْمٍ يَقُومُونَ مِنْ مَجْلِسٍ لَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ فِيهِ إِلَّا قَامُوا عَنْ مِثْلِ جِيفَةِ حِمَارٍ وَكَانَ لَهُمْ حَسْرَةً )) [ أبو داود ]
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (( مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ تَعَالَى يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ )) [ أبو داود ]
الدليل على وجوب معرفة سيرة النبي:
إذاً: أن نتعرف إلى رسول الله جزء أساسي من الدين، أن نقرأ سنته القولية جزء أساسي من الدين، أن نطلع على سيرته العملية جزء أساسي من الدين، بل إن معرفة سنة النبي القولية فرض عين، و طالبوني بالدليل، و لولا الدليل لقال من شاء ما شاء، بل لا يستطيع إنسان تحت قبة السماء أن يقول في الدين برأيه.
القاعدة الأولى:
أول قاعدة: كل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب ما لم تقم قرينة على خلاف ذلك:﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾( سورة الكهف)
هذا أمر تهديد، من شاء فليكفر، هذا أمر تهديد وليس أمر وجوب.
﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ﴾ ( سورة البقرة)
هذا أمر إباحة.﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ﴾ ( سورة النور)
هذا أمر ندب. ما لم تقم قرينة على خلاف الوجوب فكل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب، هذه قاعدة أصولية.
الآن الآية:﴿وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ ( سورة الحشر ) هذا أمر إلهي.
القاعدة الثانية:
عندنا قاعدة أخرى: ما لا يتم الفرض إلا به فهو فرض، و ما لا تتم السنة إلا به فهو سنة، أرأيت إلى الوضوء لا تتم الصلاة إلا به، و الصلاة فرض، إذاً الوضوء فرض، ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ما لا تتم السنة إلا به فهو سنة، الآن إذا قال الله عز وجل:
﴿وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ﴾ ( سورة الحشر )
هذا أمر يقتضي الوجوب، لكن هذا الأمر لا يتم إلا بأمر آخر، ما هو ؟ أن نعرف أوامر النبي و نواهيه، كما أن تنفيذ هذا الأمر يقتضي الوجوب من لوازم تنفيذ هذا الأمر أن نعرف أمره و نهيه.
إذاً: معرفة سنة النبي القولية فرض عين على كل مسلم، كيف أنك تصلي يجب أن تطلع على سيرة النبي و على سنته، فعن مالك بن أنس رحمه الله بَلَغَهُ أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: (( تَركْتُ فيكُمْ أَمْرَيْنِ لنْ تَضِلُّوا ما تَمسَّكْتُمْ بهما: كتابَ الله، وسنّة رسولِهِ )) [ أخرجه مالك في الموطأ ]
أيها الإخوة الكرام، إذاً: أن نجتمع في المسجد، أو أن نجتمع في البيت، وإن تحدث أحدنا عن رسول الله، عن شمائله، عن أخلاقه، عن محبته لأمته، عن ورعه، عن معرفته بربه، عن صبره، عن ****ه، عن حكمته، هذا فرض عين على كل مسلم، لا يوماً في العام، بل في كل أيام العام، فرض عين على كل مسلم، أن تطلع على سنة النبي القولية.
لابد من مرجع في السيرة والحديث لكل مسلمٍ:
إن هذا الأمر يقتضي أن يكون عند كل أخ منا كتاب حديث شريف صحيح، أو قرص مدمج فيه أحاديث رسول الله، لابد من مرجع في بيتك عن حديث رسول الله.
حينما يقول الله عز وجل:﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً(21)﴾ ( سورة الأحزاب)
كيف يكون النبي عليه الصلاة والسلام أسوة حسنة لنا إن لم نعرف سيرته ؟ إذاً: لابد من كتاب سيرة في كل بيت، سبحان الله ! لما اقتنى الإنسان هذه الأجهزة، و أصبحت عيون من في البيت مسمرة فيها ألغي دور الأب، ألغي دور الأم، ألغيت الأسرة، ألغي التناصح، ألغي التوجيه.
هناك مشكلة كبيرة، أيّ أبٍ هذا الذي يجلس مع أولاده مساء على الطعام ويقول: يا بني، ماذا تعلمت في المدرسة ؟ ماذا قال لكم أستاذ التربية الإسلامية ؟ هل حدثكم عن هذه المناسبة ؟ ماذا تعرفون عن رسول الله ؟ هذا النبي الكريم يعني:﴿أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ﴾
( سورة المؤمنون)
إذاً: معرفة سنة النبي القولية فرض عين على كل مسلم لأن الأمر الإلهي الذي يقتضي الوجوب:
﴿وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ ( سورة الحشر )
لا يتم إلا بمعرفة أمر النبي و نهيه، ولأن القرآن الكريم حينما قال:
﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً(21)﴾ ( سورة الأحزاب)
كيف يكون النبي أسوة حسنة إن لم نعرف سيرته ؟ إذاً: علينا أن نعكف على قراءة سنته القولية و سيرته العملية كي ننفذ آيتين:
﴿وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ ( سورة الحشر )
وكي ننفذ قوله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً(21)﴾( سورة الأحزاب)
وعلى مدى العام، لا داعي ليوم بالسنة، في كل أيام العام، هذا كلام مؤصّل، هذا كلام مدلّل، أي أثبت بالأدلة القرآنية و النبوية.
ليس الاحتفال بالمولد عبادة:
أما إذا تجرأت، وقلت: إن الاحتفال بعيد المولد عبادة فأقول لك: لا، قولك هذا بدعة ليست من الدين، يندرج الاحتفال بعيد المولد تحت بند الدعوة إلى الله، تحت بند تعريف الناس برسول الله، تحت بند: " لا إله إلا الله محمد رسول الله "، تحت بند:﴿أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ﴾
( سورة المؤمنون)
تحت بند:﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ﴾ ( سورة سبأ)
أما أن تقول: إنه عبادة، فلا، ليس الاحتفال بالمولد عبادة، لأن العبادات الأصل فيها الحظر، ولا تشرع عبادة إلا بالدليل القطعي والثابت، بينما الأشياء الأصل فيها الإباحة، ولا يحرم شيء إلا بالدليل القطعي الثابت.
إذاً: نلتقي في المسجد، وفي البيت، و نتحدث عن رسول الله، عن دعوته، وعن شمائله، وعن أخلاقه، وعن فضائله، وعن خصائصه، وعن حزنه على أمته من بعده، هذا مما يملأ القلب إيماناً، ويملأ النفس سكينة.
أيها الإخوة الكرام، النبي عليه الصلاة والسلام معصوم من أن يخطئ في أقواله وأفعاله وإقراره، لكن لحكمة بالغة تُرك للنبي هامش اجتهاد ضيق، هذا الهامش الاجتهادي الضيق حكمته أن يكون هناك فرق بين مقام الألوهية المطلق ومقام النبوة، هذا الهامش الاجتهادي النبي يجتهد فيه، فإن أصاب أقره الوحي على إصابته، وإن لم يصب صحح له الوحي، في النهاية النبي عليه الصلاة والسلام لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، النبي عليه الصلاة والسلام معصوم في أقواله وأفعاله وإقراره، لذلك أمرنا أن نأخذ منه كل شيء، لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى.
النبي معصوم يجب أن نأخذ عنه كل شيء:
الحقيقة الدقيقة أن النبي عليه الصلاة والسلام معصوم بمفرده، بينما أمته معصومة بمجموعها، لقول النبي عليه الصلاة والسلام:
(( إِنَّ أُمَّتِي لَا تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلَالَةٍ... )) [ ابن ماجه عن أنس]
ولأن أي كتاب، أو أي كلمة تلقى، أو أي بحث يطرح إذا خالف الكتاب والسنة تقوم الدنيا ولا تقعد في العالم الإسلامي، فإذا ألفت كتاباً، وتلقاه الناس بالقبول فهذا عند علماء الأصول إجماع سكوتي، فسكوت الناس عن كتاب ليس فيه مخالفة للقرآن والسنة إجماع سكوتي، إذاً: النبي عليه الصلاة والسلام معصوم بمفرده، بينما أمته معصومة بمجموعها.
الشخصيات الثلاث وتمنيات كل إنسان نحوها:
إخواننا الكرام، كلكم يتمتع بهذه الخاصة، كل واحد منا له شخصية يكونها، وله شخصية يكره أن يكونها، وله شخصية يتمنى أن يكونها، فقل لي ما الشخصية التي تتمنى أن تكونها أقل لك من أنت.
أهل الدنيا يتمنون أن يكونوا كالأغنياء، أهل القوة يتمنون أن يكونوا كالأقوياء، أهل المتع الرخيصة يتمنون أن يغرقوا في المتع إلى قمة رؤوسهم، وأهل الإيمان يتمنون أن يكونوا على منهج سيد الأنام لذلك الآية الكريمة:
﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ﴾ ( سورة الأحزاب)
إنْ كنتَ مؤمنا حقًّا فقدوتك رسول الله والصالحون:
حينما ترجو الله واليوم الآخر فقدوتك النبي عليه الصلاة والسلام.
مرة كنت في سفر بعيد، وطلب مني أن ألتقي مع امرأة محجبة حجاباً كاملاً، ذُكر لي اسمها، أنا لا أعرف الاسم إطلاقاً، ثم تبين أنها من كبار الفنانات في مصر، وهي محجبة، وتابت إلى الله عز وجل، تروي قصتها في محاضرة ألقتها على النساء في مؤتمر إسلامي، استمعت إلى الشريط، فلفت نظري أنها حينما كانت تأتي إلى العمرة تُستقبل من علية القوم، وتقطن في أفخر الفنادق، وينفق عليها الألوف المؤلفة، لكن بعد أن تابت إلى الله تزوجت الذي كان سبب هدايتها، وكان مهندساً فقيراً، فذهبت معه في شهر العسل إلى العمرة، فإذا هو يسكنها في غرفة صغيرة أُجرتها متواضعة جداً، فتألمت أشد الألم، وكادت تنتكس، ماذا فعلت بنفسي ؟ كنت فنانة كبيرة، فإذا أنا في هذه الغرفة، فذهبت إلى بيت الله الحرام، وسجدت، وقالت بالحرف الواحد: يا الله، أعطني رسالة، ماذا فعلت بنفسي ؟ ففي أثناء عودتها إلى الفندق وجدت لها رسالة فقرأتها فبكت، الرسالة تقول: أنت يوم كنت فنانة كبيرة كان أهل الفن قدوتك، أما الآن فأنت مؤمنة كبيرة فقدوتك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبكت، وقبلت بالرجل زوجها لأنه أكرمها.
عندما تؤمن فلك منظومة قيم خاصة، عندما تؤمن حقيقة قدوتك الصِّدّيق، سيدنا عمر، سيدنا علي، سيدنا عثمان، دخل عمر بن الخطاب على النبي الكريم، ووقد اضطجع على حصير، فأثر في خده الشريف، فبكى عمر، قال له مالك تبكي يا عمر ؟ قال: كسرى مَلِك الفرس ينام على الحرير، ورسول الله ينام على الحصير ؟! فقال النبي الكريم: يا عمر، إنما هي نبوة، و ليس ملكاً ـ أنا لست ملكاً ـ يا عمر، أفي شك أنت من هذا ؟
أقول لكم بصراحة: إذا كنت مؤمنا حقيقة فقدوتك الأنبياء، الصحابة الكرام، العلماء الأفاضل، أهل الزهد في الدنيا، الأبطال، الرحماء، المنصفون، العفيفون، هؤلاء قدوتك، أما إذا طمحت إلى الأغنياء، ولو كانوا فسقة، طمحت إلى الأقوياء، ولو كانوا قتلة، فاعلم أنك بعيد بُعْدَ الأرض عن السماء عن أن تكون مؤمناً.
هل يعجبكم هذا الذي يتصدر في بلاد بعيدة، ويقول: جئنا من أجل الديمقراطية ؟ وقد استخدم مئة طن من اليورانيوم المخضب في العراق، ولن يطهر تراب العراق قبل آلاف السنين، هل هذا يعجبكم ؟ إن كنت مؤمناً حقاً فقدوتك الصالحون، أصحاب النبي الورعون الرحماء الفضلاء الأعفة الصادقون الأمناء هؤلاء قدوتك.
دقق في الآية:﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً(21)﴾ ( سورة الأحزاب)
والله زرت مرةً أحد الإخوة الكرام، كان بيته صغيرا جداً، في غرفة الضيوف طاولة في الوسط، وبين الطاولة والكرسي، والطاولة والكرسي المقابل مكان لرِجْل واحدة فقط، تجلس بصعوبة، فخجل مني خجلاً شديداً، فقلت له: لا، لا تخجل، سيد الخلق، وحبيب الحق غرفته التي كان ينام فيها لا تتسع لصلاته ونوم زوجته، لابد من أن تتحرك من مكانها حتى يصلي رسول الله، وهو سيد الخلق فبكى.
أحد الإخوة الكرام بخطأ هو بريء منه قبْل قيد نفوس، وقيد النفوس كان مزوراً، وأصبح إفراغ منشأة بمئات الملايين، فوضع في السجن بشكل مؤقت احترازاً، فزرته فبكى، قلت: لا تبكِ، لقد أدخل الله نبياً كريماً السجن من أجلك، قد يأتي مؤمن بريء مئة بالمئة، و يدخل السجن لحكمة بالغة، الله عز وجل جعل نبياً كريماً سيدنا يوسف يدخل السجن، وهو نبي كريم، فأنت عندما تؤمن فقدوتك الأنبياء والمرسلون، قدوتك المؤمنون، قدوتك الصالحون، قدوتك أهل الإيمان، و لو كانوا فقراء، و لو كانوا فقراء، أما إذا كنت من أهل الدنيا قدوتك الأقوياء و الأغنياء، لذلك تلبية دعوة الأغنياء والأقوياء من الدنيا، وتلبية دعوة الفقراء من الآخرة.
أيها الإخوة الكرام، يجب أن تكون واضحاً تماماً، ما الشخصية التي تتمنى أن تكون على منهجها، ما لم يكن رسول الله هو الشخصية التي تتمنى أن تكون على منهجها ففي الإيمان خلل: ﴿قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79)﴾ ( سورة القصص )
هذا كلام أهل الدنيا.
﴿ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً﴾ ( سورة القصص )
فإذا كنت مؤمنا إيماناً حقيقياً فقدوتك أهل الإيمان، قدوتك العلماء الأطهار المخلصون الأعفة، قدوتك الأنبياء، هؤلاء قوتك أما حينما تقلد أهل الدنيا فأنت منهم، ومن هوي الكفرة حشر معهم، ولا ينفعه عمله شيئاً، ومن غاب عن معصية فأقرها كان كمن شهدها، ومن شهد معصية فأنكرها كان كمن غاب عنها، إنها قضية خطيرة جداً، هذا هو الولاء والبراء، أن توالي المؤمنين، ولو كانوا فقراء و ضعفاء، وأن تتبرأ من الكفار والمشركين، ولو كانوا أقوياء وأغنياء، لا تصاحب من لا يرى لك من الفضل مثل ما ترى له، لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي، كن مع المؤمنين:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)﴾
﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28)﴾ [ سورة التوبة ]

حقيقة مهمة: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ
أيها الإخوة الكرام، أختم هذا الموضوع بهذه الحقيقة، يقول الله عز وجل:﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ﴾ ( سورة آل عمران )
أي أن الله عز وجل آتاه القرآن، آتاه وحي السماء، آتاه المعجزات، آتاه الفطانة، آتاه طلاقة اللسان، آتاه الفصاحة والبيان، آتاه النسب الشريف، آتاه جمال الخلق، ومع ذلك يقول الله له: أنتَ أنت يا محمد، مع أنك نبي بل سيد الأنبياء، ومع أنك رسول بل سيد الرسل، ومع أنك أوتيت القرآن، وهو شرف عظيم، ومع أنك أوتيت وحي السماء، وقد أوتيت المعجزات، ومع أنك معصوم، ومع أنك أوتيت الفصاحة والبيان، أوتيت جمال الصورة، أوتيت حدة الذكاء، أوتيت الحكمة و فصل الخطاب، أنتَ أنت يا محمد، على كل هذه الخصائص:
﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ ( سورة آل عمران )
فإذا كان الشخص ليس نبياً، ولا رسولاً، ولا يوحى إليه، ولا معه القرآن، وليس معه فصاحة ولا بيان، و لا معه جمال الصورة، وهو غليظ، و كلامه قاس، و دعوته ثقيلة وحشري، هذا ليس معقولا، يخاطب الله نبيه:﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾( سورة آل عمران )
قانون عام في المعاملات:
1 – توطئة: اتصال ـ رحمة ـ لين ـ التفاف:
2 – توطئة: انقطاع ـ قسوة ـ غلظة ـ انفضاض:
وكأن الله سبحانه تعالى أعطانا قانون اتصال رحمة لين التفاف، انقطاع قسوة غلظة انفضاض، إنها معادلة رياضية:
﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ﴾ ( سورة آل عمران )
فالتفوا نحوك، ولو كنت بعيداً عنا لامتلأ القلب قسوة، فانعكست القسوة غلظة، فانفضوا من حولك، هذه معادلة رياضية، تتصل فيمتلئ القلب رحمة، فتكون ليناً بهذه الرحمة، فيلتف الناس حولك.
إن تبتعد يمتلئ القلب قسوة، فتنعكس القسوة غلظة، فينفض الناس من حولك:
﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ﴾( سورة آل عمران )
الأشياء والأشخاص والمبادئ:
أيها الإخوة الكرام، الآن هناك تعليق لطيف، وهو: عندنا أشياء، أي بيوت، بيوت فخمة جداً، مركبات فارهة، مزارع جميلة جداً، أموال طائلة، هذه أشياء، وعندنا أشخاص:﴿قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ﴾ ( سورة التوبة ) هذه الأشخاص.
والأشياء:﴿وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا﴾ ( سورة التوبة )
الآن هناك مبادئ:﴿أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا ﴾ ( سورة التوبة )
إذا كانت الأشياء والأشخاص في خدمة المبادئ فنحن في أرقى حال.
سيدنا عمر جاءه ملك الغساسنة جبلة بن الأيهم، في أثناء طوافه حول الكعبة داس بدويٌّ من فزارة طرف ردائه، فانخلع رداؤه عن كتفه، فالتفت إلى هذا الأعرابي من فزارة، و ضربه ضربة هشمت أنفه، هذا الأعرابي ليس له إلا عمر يشتكي إليه، وذهب إليه، واشتكاه، سيدنا عمر جاء بهذا الملك جبلة، وقف أمامه نداً لند، وقال له:
أصحيح ما ادعى هذا الفزاري الجريح ؟
قال جبلة: لست ممن ينكر شياً، أنا أدبت الفتى، أدركت حقي بيدي.
فقال عمر: أرضِ الفتى، لابد من إرضائه، مازال ظفرك عالقاً بدمائه، أو يهشمن الآن أنفك ـ لأنه عصر مبادئ ـ و تنال ما فعلته كفك، صعق جبلة.
قال: كيف ذلك يا أمير ؟ هو سوقة، وأنا عرش وتاج ؟ كيف ترضى أن يخر النجم أرضاً ؟
قال عمر: نزوات الجاهلية، ورياح العنجهية قد دفناها، أقمنا فوقها صرحاً جديداً، وتساوى الناس أحراراً لدينا وعبيداً.
فقال جبلة: كان وهماً ما جرى خلدي أنني عندك أقوى و أعز، أنا مرتد إذا أكرهتني.
فقال عمر: عالم نبنيه، كل صدع فيه يداوى، وأعز الناس بالعبد بالصعلوك تساوى، هذا عصر مبادئ.
أحياناً يأتي عصر أشخاص، هتلر في ألمانيا تسبب بموت خمسين مليون إنسان، وطغاة الأرض تاريخهم بين أيديهم، الأمة كلها تعيش لواحد هكذا، هذا عصر خاص، الأشياء والمبادئ في خدمة الأشخاص.
بين خدمة المبادئ وخدمة الأشخاص:
الحالة الأولى: الأشخاص و الأشياء في خدمة المبدأ هذا أرقى عصر، أما إذا كانت الأشياء و المبادئ في خدمة الأشخاص هذا مرض خطير، أخطر منه أن تكون المبادئ والأشخاص في خدمة الأشياء، أي الآن كل قيمتك تستمدها من مساحة بيتك، موقع البيت، هناك منزل سعره مئة وعشرة ملايين.
خطب إنسانٌ من عند جماعة فقيل له: أين تريد أن تسكن ؟ قال: في حيّ المالكي، انتهى كل شيء، سلموا له، ولم يعد هناك سؤال، ولا تحقيق، ولا تقصي، انتهى كل شيء، المنزل بالمالكي سعره مئة مليون، بعدما عقدوا العقد، وبدؤوا بالخطوات العملية ظهر أن هناك شارع المالكي بمنطقة باببيلا الريفية، فإما أن نكون في عصر مبادئ كسيدنا عمر، أو عصر أشخاص، أو عصر أشياء، قيمة المرء متاعه الآن، ماركة مركبته، قيمتك تستمدها من رقم على سعر سيارتك فقط، قيمتك من بذلتك، ( بيار كاردان ) شيء كبير، الحذاء ( ريد شوز )، والبذلة ( بيار كاردان )، والقميص حرير صاف، انتهى كل شيء، إذا كانت الأمة هذه مقاييسها فقد انتهت: ﴿فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً (105)﴾ ( سورة الكهف)
إما أن يكون الأشخاص هم الأصل، والمبادئ والأشياء في خدمة الأشخاص، هذه حالة مرضية، أما معنى انتهينا إذا كانت المبادئ و الأشخاص في خدمة الأشياء، إنسان خطب له، عم عنده خبرات متراكمة، قال له: يا بني بشكل واضح، هل عندك بيت ؟ قال له: طبعاً، قال له: أحضر لي الوثيقة الرسمية، الورقة الخضراء، ثاني يوم أحضرها له، ماذا تعمل ؟ قال له: عندي معمل، أحضر لي الرخصة الخاصة بالمعمل، ويجب أن تكون باسمك، أحضرها، عندك مركبة، أحضر ورقة الميكانيك ؟ أحضره، فوافق، أصبح الآن خاطباً، زار عمه بالمحل التجاري، يُعرف الناس على صهره، فإذا بشخص عنده يتلوّن، وجهه تلون، أخذه على جنب، قال له: هذا ليس مسلماً، صعق، أنت لست مسلماً ؟ قال: لا، أنت لم تسألني عن ديني أبداً، نحن في عصر أشياء، كل قيمتك من سيارتك، و كل قيمتك من هاتفك أحياناً، وكل قيمتك من بيتك فقط، ومن ساعتك، أين تقضي الإجازة ؟ في منتجع شرم الشيخ، انتهى، كله فسق و فجور.
أنا أتمنى أن ننتبه أن نعتمد قيم القرآن:﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ ( سورة الزمر )
ما لم نعتمد قيم السنة النبوية فلن نبرح، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( كَمْ مِنْ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ، لَا يُؤْبَهُ لَهُ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ... )) [ الترمذي ] إنه رسول الله وأفضل الخلق، ومع ذلك فقد قال الله له:
ما لم نعتمد قيم القرآن، ما لم نعتمد قيم المبادئ لا قيم الأشياء، ولا قيم الأشخاص، فلن ننجح:
الآية الأولى: ﴿قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) ﴾ ( سورة الأنعام)
هل هناك شخص أعظم منه ؟ هل هناك على وجه الأرض في القارات الخمس من آدم إلى يوم القيامة إنسان أعظم من رسول الله ؟
الآية الثانية: ومع ذلك لا أعلم الغيب:﴿وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ﴾ ( سورة الأعراف )
الآية الثالثة: ﴿قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) ﴾ ( سورة الأنعام)
الآية الرابعة: ﴿لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلَا ضَرّاً﴾ ( سورة الأعراف )
الآية الخامسة: ﴿لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلَا رَشَداً (21)﴾ ( سورة الجن)
الآية السادسة: ﴿إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى﴾ ( سورة الأنعام)
هذا مقام النبوة، نطمح إلى عصر المبادئ، إلى تحكيم قيم القرآن، إلى أن نحتفي بإنسان مؤمن طاهر مستقيم، و لو كان فقيراً، إلى أن نَزْور عن إنسان و لو كان غنياً.
العبرة بالمضامين لا بالشكليات والفولكلورات:
أيها الإخوة الكرام: من جلس إلى غني فتضعضع له ذهب ثلثا دينه، ابتغوا المكانة بعزة الأنفس، ابتغوا الحوائج بعزة الأنفس، فإن الأمور تجري بالمقادير.
أيها الإخوة الكرام، النبي عليه الصلاة والسلام يجب أن نتعرف إليه، كان فقيراً، وكان متواضعاً، و كان رحيماً، و كان منصفاً، و كان محباً لمن حوله، نحن بحاجة إلى أخلاقه كي نتعاون، بحاجة أن نحيي ذكراه لا بشكل فولكلوري.
بصراحة إذا كان للعالم الكبير حوالي مئتا مؤلف، ومعه خمس ست شهادات عليا، وفي أثناء غيابه عنده مستخدم أميّ جلس مكانه، هل يرقى ؟ لا يرقى أبداً، لا تتبرك، لا تقتصر على المديح، طبق سنته، أما هذا المستخدم لو أخذ ابتدائية، ومشى على طريق أستاذه، لو أخذ المتوسطة، والتعليم الأساسي، لو أخذ الثانوية، البطولة أن تقتفي أثره، لا أن تحتفل بذكراه احتفالاً فولكلورياً، هذا الذي لم ننتفع به سابقاً. والحمد لله رب العالمين





   
قديم 2014-01-13, 15:42 رقم المشاركة : 9
بالتوفيق
مشرف منتدى التعليم الثانوي التأهيلي
 
الصورة الرمزية بالتوفيق

 

إحصائية العضو







بالتوفيق غير متواجد حالياً


وسام الرتبة الثانية  في مسابقة القرآن الكريم

المرتبة الأولى في مسابقة صور وألغاز

وسام المرتبة الأولى للمسابقة الرمضانية الكبرى 2015

بالتوفيق

افتراضي رد: ذكرى المولد النبوي الشريف: اجتهادات و فتاوى أخرى


خطبة الجمعة - الخطبة 1103 : خ1 - حكم الاحتفال بذكرى المولد1 ، خ 2 - ماذا تحب في الدنيا ؟
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2009-03-06

بسم الله الرحمن الرحيم
الخــطــبـة الأولــى :

الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وآل بيته الطيبين الطاهرين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين.
اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
التذكير بالتوحيد شطر الدين والتذكير برسالة سيد المرسلين شطره الآخر :
أيها الأخوة الكرام، تطل علينا ذكرى مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقبل أن أتحدث بفضل الله عز وجل وتوفيقه عن معاني هذه الذكرى لابدّ من حسم قضية جدلية حول حكم الاحتفال بذكرى المولد، المسلمون على طرفين، طرف يرى حرمة الاحتفال بذكرى المولد وطرف يقبل كل المخالفات الشرعية والعقدية بذكرى المولد، والحقيقة بينهما، الحق وسط بين تطرفين، الحقيقة أن الله عز وجل حينما قال:
﴿أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ (69) ﴾
( سورة المؤمنون)
لقد حضنا في هذه الآية على معرفة الرسول، في آية ثانية:
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ (46) ﴾
( سورة سبأ )
وحضنا في آية ثالثة بطريقة غير مباشرة حينما قال:
﴿ وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ﴾
( سورة هود الآية: 120 )
إذا كان قلب سيد الخلق وحبيب الحق يزداد ثبوتاً بسماع قصة نبي دونه، فلأن يزداد قلبنا إيماناً بسماع قصة سيد الأنبياء، الحقيقة أن ذكرى المولد أو التذكير بشمائل النبي عليه الصلاة والسلام، بفضائل النبي، برحمة النبي، بكمال النبي، بمنهج النبي، ببطولات النبي، دققوا فيما سأقول جزء من الدعوة إلى الله، لأن الإسلام كله في كلمتين لا إله إلا الله محمد رسول الله، فالتذكير بالتوحيد شطر الدين، والتذكير برسالة سيد المرسلين شطره الآخر:
﴿أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ (69) ﴾
( سورة المؤمنون)
الاحتفال بذذكرى المولد ليس عبادة ولكنه يندرج تحت الدعوة إلى الله :
أيها الأخوة الكرام، لكن حينما يتطرف المتطرفون ويعدون الاحتفال بذكرى المولد عبادة فهو بدعة، ليس عبادة، الاحتفال بذكرى المولد يندرج تحت الدعوة إلى الله، وليس تحت العبادات لأن العبادات توقيفية، عقائد الإسلام وعبادته توقيفية لا يضاف عليها ولا يحذف منها، الاحتفال بذكرى المولد ليس عبادة ولكنه يندرج تحت الدعوة إلى الله، ولك أن تحتفل بذكرى المولد على مدى العام في ربيع الأول وفي أي شهر آخر، في المساجد وفي البيوت، أعرف صديقاً لي له أقرباء كثر شردوا عن الله عز وجل، في كل عام يدعوهم إلي بيته ليأكلوا طعاماً نفيساً ويأتي بداعية صادق يحدثهم عن رسول الله، درج على هذه العادة عشرات السنين، عدد كبير من أقربائه الذين شردوا عن الله عز وجل أتوا بيوت الله والتزموا، ما الذي يمنع أن تجمع الناس في بيتك أو في المسجد وتحدثهم عن رسول الله ؟ عن رحمته ؟ عن عدله ؟ عن منهجه ؟ عن كماله ؟ عن دعوته ؟ هذا جزء من الدعوة، لذلك إياك ثم إياك ثم إياك أن تقول الاحتفال بذكرى المولد عبادة، لا، هو دعوة إلى الله يندرج تحت الدعوة، إذاً هو في أي زمان وفي أي مكان على مدى العام.
عظمة هذا الدين أنه سيستمر كما بدأ إلى يوم القيامة فعلينا الابتعاد عن الخلافات بيننا :
أيها الأخوة الكرام، كفانا خلافات، مرة سألني أخ في الإذاعة كم عدد ركعات التراويح ؟ قلت له: صلِّ ثمانية ركعات، وعشرين ركعة، في بيتك، وفي المسجد، وكفانا مشكلات، آن لنا أن نتوحد، آن لنا أن ندع هذه المشكلات الجانبية التي مزقتنا، آن لنا أن نصحو، أعداؤنا يخططون لإبادتنا، كفانا مشكلات، لا تقل بحرمة الاحتفال بذكرى المولد ولا تقل أن الاحتفال به عبادة، ليس عبادة، العبادات توقيفية لا يضاف عليها ولا يحذف منها، لو سمح للمسلمين أن يضيفوا على العبادات عبادات لكنا أمام مليون عبادة، عظمة هذا الدين أنه ينبغي أن يستمر كما بدأ إلى يوم القيامة، ولا يستمر كما بدأ إلى يوم القيامة إلا إذا حافظنا على عقائده التوقيفية وعباداته التوقيفية، أما في المعاملات فالنصوص ظنية الدلالة تحتمل التأويل، وكل تأويل على العين والرأس، أما في شأن العقيدة وفي شأن العبادة لا يضاف على العبادات شيء، رجل في عهد الصحابة أراد أن يحرم من مكان أبعد من مكان النبي عليه الصلاة والسلام فقال له أحد الصحابة ويحك تفتن، قال له ولما أفتن وأنا في عبادة ؟ قال له: وهل من فتنة أكبر من أن ترى نفسك سبقت رسول الله ؟ هذه أكبر فتنة، لذلك أيها الأخوة، كفانا خلافات نحن إذا تحدثنا عن حياة النبي، وعن شمائل النبي، وعن منهج النبي عليه الصلاة والسلام، نتحدث للتعريف به، استجابة لقوله تعالى:
﴿أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ (69) ﴾
( سورة المؤمنون)
استجابة لقوله تعالى:
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ (46) ﴾
( سورة سبأ )
واستناداً لقوله تعالى:
﴿ وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ﴾
( سورة هود الآية: 120 )
فإذا كان قلب سيد الخلق وحبيب الحق يزداد ثبوتاً بسماع قصة نبي دونه، فلأن نزداد نحن المقصرون يقيناً وإيماناً بسماع قصة سيد الأنبياء من باب أولى، أنا أحدثكم بالقرآن والسنة.
ليس في الدين رأي شخصي إنما هو شيء مصيري متعلق بحياة الإنسان الأبدية :
بالمناسبة لا يجرؤ إنسان على وجه الأرض أن يقول في الدين برأيه، إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم .
((عمر، دينك، دينك، إنه لحمك ودمك، خذ عن الذين استقاموا، ولا تأخذ عن الذين مالوا ))
[ العلل لابن أبي حاتم ]
أخوتنا الكرام، المسلمون تمزقوا بهذه الخلافات، تلاسنوا، تراشقوا التهم، ثم سالت الدماء لخلافات تاريخية، قتلى بالآلاف لخلافات تاريخية، هذا شأن المسلمين ؟
النبي الكريم ليس بحاجة إلى احتفالاتنا وتكريمنا وإنما نحن في أمس الحاجة إلى منهجه :
الحقيقة الثانية: أطمئنكم وأنا في أعلى درجات اليقين أن النبي عليه الصلاة والسلام ليس بحاجة إطلاقاً إلى احتفالاتنا وإلى تكريمنا وتعظيمنا له، من نحن ؟ لقد زكى الله عقله حينما قال:
﴿ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى(2) ﴾
( سورة النجم )
وزكَّى لسانه فقال:
﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى(3) ﴾
( سورة النجم )
لقد زكَّى الله شرعه حينما قال:

﴿ إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى ﴾
( سورة النجم )
لقد زكَّى الله جليسه حينما قال:
﴿ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ﴾
(سورة النجم)
لقد زكَّى الله فؤاده حيث قال:
﴿ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) ﴾
(سورة النجم)
لقد زكَّى الله بصره حيث قال:
﴿ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى(17) ﴾
( سورة النجم )
لقد زكَّاه كله حيث قال:
﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ(4) ﴾
( سورة النجم )
إذا قال عنه خالق الأكوان هذه التزكيات هل هو بحاجة إلى أناس أتوا في آخر الزمان غارقين في المعاصي والآثام ليزكوا سيد الأنام ؟ ليس بحاجة إلى تزكيتهم، ولا إلى أن نحتفل بذكرى مولده، ولكننا نحن بحاجة إليه، نحن في هذه الأوقات العصيبة، مليار وخمسمئة مليون لا وزن لهم عند الله، وليس أمرهم بيدهم، وللطرف الآخر عليهم ألف سبيل وسبيل، نحن وحدنا في أمس الحاجة إلى منهجه.
رسول الله مستغن عن تعظيمنا وتبجيلنا إن لم نطبق سنته الكريمة :
أيها الأخوة الكرام، قال بعض المؤلفين: وأشهد أن الذين بهرتهم عظمتك لمعذورون، وأن الذين افتدوك بأرواحهم لهم الرابحون، أي إيمان، وأي عزم، وأي مضاء، وأي صدق، وأي طهر، وأي نقاء، وأي تواضع، وأي حب، وأي وفاء.
من نحن أمام أصحاب رسول الله الذين افتدوه بأرواحهم ؟ والله لا أنسى هذا الموقف أحد أصحاب رسول الله ألقي القبض عليه، وهو في انتظار صلبه انتقاماً من قتلى بدر، سأله أبو سفيان قال: أتحب أن يكون محمد مكانك ؟ أقسم لكم بالله أن مقولة هذا الصحابي لو سمعتها ألف مرة لتأثرت بالغ التأثير، قال هذا الصحابي الجليل: والله ما أحب أن أكون في أهلي وولدي ( وأنا سأشرح هذه المقولة بالمقاييس المعاصرة، بيت فخم أربعمئة متر، زوجتك بأبهى زينة، أولادك أمامك، بيت فيه كل الأجهزة الكهربائية، عدة سيارات، تجارة رابحة، دخل فلكي، زهور، أطعمة، أشربة، نزهات ) والله ما أحب أن أكون في أهلي وولدي وعندي عافية الدنيا ونعيمها، نعيمها الترف، ويصاب رسول الله بشوكة. فقال أبو سفيان: ما رأيت أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمداً.
هو مستغنٍ عن أتباع مقصرين، عن أتباع طلقوا سنته، مستغنٍ عن أتباع همهم دنياهم، مستغنٍ عن أتباع لا شأن لهم عند الله وعند الناس، من نحن ؟ هل يرتقي إذا عظمناه ؟ نحن بحاجة إليه، هو مستغنٍ عن تعظيمنا، وعن تبجيلنا، وعن أن نحتفل بذكراه.
زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين :
ولكن أيها الأخوة الكرام، حقيقة والله ما من خلية في جسمي، وما من قطرة في دمي إلا تؤمن بها أشد الإيمان، إياك أن تظن أن هذا الإنسان العظيم هو سيد الخلق وحبيب الحق أتى إلى الدنيا، وعلّم الناس في عصره وانتهت مهمته، ما لم يكن رسول الله بيننا على المجاز طبعاً، وما لم تكن سنته منهجاً لنا، فلا شأن لنا عند الله، ولا وعداً من وعود الله نستحق، والدليل الآية الكريمة:
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾
( سورة الأنفال الآية: 33 )
الآية واضحة جداً في حياة النبي، لكن ما معنى الآية بعد وفاته ؟ قال علماء التفسير: يعني ما دامت سنة النبي عليه الصلاة والسلام، ما دام ورعه، واستقامته، وحبه، وإنصافه، مطبقاً فينا، لو أن قوى الأرض اجتمعت علينا لن تستطيع أن تنال منا، أما وقد نالت منا (خمس دول إسلامية محتلة) فنحن قطعاً لسنا مطبقين سنته، لأن وعود الله يقينية، وقوعها بلا حدود، يعني زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين.
من طبق سنة النبي العدنان مستحيل أن يعذبه الله تعالى :
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ ﴾: أخوانا المتخصصون باللغة العربية صيغة وما كان أشد صيغة في اللغة العربية في النفي هذا اسمه نفي الشأن، شخص لو سأل آخر هل أنت جائع ؟ يقول: لا، لا سمح الله ولا قدر أنت إنسان مؤمن ورع أمين صادق مستقيم، لو سألك سائل لا يعرفك إطلاقاً هل أنت سارق ؟ هل يمكن أن تقول له لا ؟ مستحيل تقول له: كلا ما كنت لأسرق، يعني هذا ليس من شأني، ولا من طبيعتي، ولا أفعله، ولا أقره، ولا أرضى به، ولا أحترم فاعله، ولا يخطر في بالي، عدّ بعض علماء اللغة اثني عشر فعلاً تنفى بهذه الصيغة ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ ﴾. لذلك حينما قال الله عز وجل:
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾
( سورة الأنفال الآية: 33 )
يعني مستحيل وألف ألف مستحيل أن نعذب ونحن نطبق سنة النبي عليه الصلاة والسلام، مستحيل، والله أيها الأخوة، حديث شريف:
(( لن تغلب أمتي من اثني عشر ألفاً من قلة ))
[ الجامع الصغير ]
يقول لك: نحن مليار وخمسمئة مليون، معنا ثروات الأرض، موقع استراتيجي، عندنا النفط، والفوسفات، والذهب، واليورانيوم، والمعادن، والألماس، عندنا كل الثروات، نحتل أهم موقع في الأرض ونحن كثر مليار وخمسمئة مليون، وديننا واحد، وأمتنا واحدة، وقرآننا واحد:
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾
( سورة الأنفال الآية: 33 )
أما وقد عذبنا، وقد تفرقنا، وقد نال العدو منا، فنحن قطعاً ليس فينا النبي بالمعنى الدقيق لهذه الآية، ليس في بيوتنا، ليس في متاجرنا، ليس في أسواقنا، ليس في أفراحنا، ليس في أتراحنا، ليس في كسبنا للمال، ليس في إنفاق المال، يعني مصمم أزياء يهودي في فرنسا يتحكم في لباس نساء المسلمين، الثياب الفاضحة، الثياب المثيرة للشهوات، يكفي أن مصمم أزياء في فرنسا يصمم نموذجاً من الأزياء ترى إلا من رحم ربي هناك استثناء، أما الأغلبية الساحقة، الخط العريض ينصاع لهذا التقليد، إذاً هو ليس فينا:
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾
( سورة الأنفال الآية: 33 )
هو ليس بحاجة إلينا، ولا إلى احتفالاتنا، ولا إلى تعظيمنا، ولا إلى تقديرنا، ولكننا نحن في أمس الحاجة إليه.
لقطات وومضات سريعة ما لم تطبق لن نقطف من الدين شيئاً :
اخترت لكم لقطات وومضات سريعة هذه ما لم تطبق لن نقطف من الدين شيئاً، يعني حينما قال النبي عليه الصلاة والسلام وهو مع أصحابه، أرادوا أن يعالجوا شاة، فقال أحدهم: عليّ ذبحها، وقال الثاني: عليّ سلخها، وقال الثالث: عليّ طبخها، فقال عليه الصلاة والسلام: وعليّ جمع الحطب، قالوا: نكفيك ذلك، قال: أعلم أنكم تكفونني، ولكن الله يكره أن يرى عبده متميزاً على أقرانه.
ففي أية لحظة ترفض فيها أن تتميز على أخوانك أنت واحد منهم، تكون قد طبقت سنة رسول الله، أيها الأخوة، دققوا أي إنسان يرى له ما ليس لغيره عنصري، أو يرى على غيره ما ليس عليه عنصري، قد يكون الزوج عنصرياً، وقد يكون الأب عنصرياً، الأب الذي لا يرضى أن تعامل ابنته في بيت أهل زوجها كما يعامل زوجة ابنه عنده أب عنصري، لا وزن له عند الله، أيها الأخوة الكرام، العنصرية تكاد تغطي كل سلوك المسلمين، قال لي شخص مرة عندي موظف صغير يتيم لكن فهيم جداً و ذكي، فطلب مني ساعة قبل نهاية الدوام ليغادر المحل ليلتحق بمدرسة ليلية ليأخذ شهادة، قال لي: هو يتيم ما سمحت له إذا تعلم أخسره، هذا الإنسان نفسه دفع لابنه ثلاثة ملايين ليرة دروس خاصة ليكون ابنه طبيباً، هذا اليتيم لا تسمح له أن يأخذ كفاءة حتى لا يتعلم ويتركك، أما ابنك تريده طبيباً.
هذا عنصري، ولا أكتمكم أن حق الفيتو عنصري، العالم يقوم ولا يقعد من أجل دولة إسلامية تحاول امتلاك مفاعل نووي سلمي لماذا ؟ عنصريون، ما دام في عنصرية أعمال العنف لا تقف، يوجد بالعالم ظلم شديد:
(( تمتلئ الأرض ظلماً وعدواناً حتى يأتي أخي عيسى فيملؤها قسطاً وعدلاً ))
[ ابن ماجه عن عبد الله بلفظ قريب منه ]
يوم يذوب قلب المؤمن في جوفه مما يرى، ولا يستطيع أن يغير، يعتقل رئيس جمهورية أما الذي قتل مليون قتيل في العراق وشرد خمسة ملايين وعطب مليوناً، يُكرم، الذي قتل في غزة آلاف مؤلفة، وهدم عشرين ألف بيت لا يحاسب ؟ هذا عالم ؟ أنا لا أدخل في السياسة إطلاقاً، لكن إذا أردتم أن تحاسبوا هذا حاسبوا هذا أيضاً، هناك عنصرية في العالم لا تحتمل، ما لم نخلع الغرب من أقدامنا الطريق إلى الله ليس سالكاً، يأتي رئيس أمريكي ليزورنا ضمن برنامج زيارته زيارة أسرة الأسير الإسرائيلي في المقاومة الفلسطينية وغاب عنه أنه يوجد أحد عشر ألفاً وثمانمئة أسير فلسطيني عند اليهود ما خطر في باله يزور أسرة واحدة للتوازن فقط، عنصريون، ما لم نخلعهم من حساباتنا لن نصل إلى الله، ما لم نعتز بديننا، بأمتنا، بتاريخنا، نحن أمة متحضرة بهذا الدين، ولكن الحقيقة المرة لسنا متطورين لأننا ضعاف، هم أمة متطورون أشد التطور ولكنهم ليسوا متحضرين متوحشين، هذا اليقين الذي يملأ جوانحك يجعلك تعتز بالله.
على المؤمن اتخاذ النبي الكريم قدوة له في كل أعماله و أفعاله :
أيها الأخوة، ولكن الله يكره أن يرى عبده متميزاً على أقرانه، أن يرى لنفسه ما ليس لهم، أو أن يرى عليهم ما ليس عليه، أوضح مثل دخل أعرابي لا يعرف النبي عليه الصلاة والسلام صورة إلى مجلس رسول الله، نظر في الجالسين، قال: أيّكم محمد ؟ والله يكتب عنها ألف صفحة هذه، لا يوجد تميز أبداً لا بالثياب ولا بالمكان ولا بالكرسي ؟ أبداً واحد من أصحابه.
يا من جئت الحياة فأعطيت ولم تأخذ، يا من قدست الوجود كله، ورعيت قضية الإنسان، يا من زكيت سيادة العقل، ونهنهت غريزة القطيع، يا من هيأك تفوقك لتكون واحداً فوق الجميع، فعشت واحداً بين الجميع، يا من كانت الرحمة مهجتك، والعدل شريعتك، والحب فطرتك، والسمو حرفتك، ومشكلات الناس عبادتك.
لك رسالة ؟ إذاً أنت من أتباع النبي عليه الصلاة والسلام، ليس لك رسالة لا تنتمي إليه إطلاقاً، عقب مجيء الوحي والشدة التي ذاقها النبي، فقام ليبدأ بالدعوة، السيدة خديجة زوجة كاملة طلبت منه أن يأخذ قسطاً من الراحة، ماذا قال لها ؟ انقضى عهد النوم يا خديجة. أنت في وقت في حياتك يكفي راحة، لأعمل شيئاً للأمة، لأخدم الأمة، لأتعلم، حتى أنمي قدراتي لنستغني بها عن خبرات الأجانب، خطر في بالك تعمل هكذا ؟ انقضى عهد النوم يا خديجة، أيها الأخوة، الحقيقة المرة أنا أراها أفضل ألف مرة من الوهم المريح ما لم تتخذ رسول الله مثلاً أعلى لك والدليل:
﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ (21) ﴾
( سورة الأحزاب)
لو تعمل زينة، تحضر أرقى فرقة نشيد، توزع أثمن حلويات لم تحتفل بذكرى المولد، يكفي أن تأخذ من أخلاقه خلقاً، أن تطبقه في بيتك، في عملك، يعني النبي عليه الصلاة والسلام وجد تمرة على السرير، قال: يا عائشة لولا أنني أخشى أنها من تمر الصدقة لأكلتها، اشتهى أن يأكلها لكنه خاف أن تكون قد وقعت من طبق للصدقة.
من هان أمر الله عليه هان على الله :
الآن كله حلال يسمونه شاطراً، الذي ماله حرام يسمونه شاطراً، والبنت المتفلتة، سبور، والمنافق لبق، القيم تبدلت:
(( كيف بكم إذا لم تأمروا بالمعروف، ولم تنهوا عن المنكر ؟ قالوا: أو كائن ذلك يا رسول الله ؟ قال: وأشد منه سيكون، قالوا: وما أشد منه ؟ قال: كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر))
[ ابن أبي الدنيا وأبو يعلى الموصلي في مسنده عن أبي أمامة بسند فيه ضعف ].
يعني إذا امتنع الشاب أن يدخل على العرس وفيه مئات النساء الكاسيات العاريات في أبهى زينة خوفاً من الله يتهم أنه أعور، أو به عاهة بدنية، ويحاربه أمه المتحجبة وأبوه وأهله.
(( كيف بكم إذا لم تأمروا بالمعروف، ولم تنهوا عن المنكر ؟ قالوا: أو كائن ذلك يا رسول الله ؟ قال: وأشد منه سيكون، قالوا: وما أشد منه ؟ قال: كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر، ونهيتم عن المعروف، قالوا: أو كائن ذلك يا رسول الله ؟ قال: وأشد منه سيكون، قالوا: وما أشد منه ؟ قال: كيف بكم إذا أصبح المعروف منكراً المنكر معروفاً ؟ ))
[ ابن أبي الدنيا وأبو يعلى الموصلي في مسنده عن أبي أمامة بسند فيه ضعف ]
يعني يكفي أن تكون غنياً ولو من مال حرام فأنت مُعظم عند الناس، ويكفي أن تكون فقيراً بسبب استقامتك فلا شأن لك عند الناس، هذا المجتمع لا وزن له عند الله، لذلك هان أمر الله على الناس فهانوا على الله.



مفهوم المواطنة والتعايش السلمي أرقى مفهوم :
أيها الأخوة الكرام، لما النبي عليه الصلاة والسلام قال الحقيقة هذا الموضوع طويل جداً ) أهل يثرب أمة واحدة. من في يثرب ؟ يوجد بيثرب وثنيون، يهود، نصارى، أعراب، مسلمون، مهاجرون، كيف يقول النبي عليه الصلاة والسلام: أهل يثرب أمة واحدة ؟ هذا أرقى مفهوم، الآن مفهوم المواطنة والتعايش السلمي، أنت ساكن في مدينة إذا فيها جفاف يمس هذا الجفاف جميع أهلها، هناك قواسم مشتركة، مصالح مشتركة، تحديات مشتركة، أنت إنسان مؤمن خير، عندك إنسانية هذا المفهوم مرفوض، الآن هناك تقسيمات، هناك حروب، وهناك سفك دماء لأسباب تاريخية، أخوانا الكرام لما النبي عليه الصلاة والسلام ينهى عن أن تفتح مكة بالقتال ويبلغه أن أحد قادتها سفك بعض الدماء فيغضب أشد الغضب ويقول: أراجعه أحد ؟ قالوا نعم، قال من ؟ قالوا: حذيفة، فقال الحمد لله، علامة حمد النبي عليه الصلاة والسلام ربه على أنه ربى أصحاباً لا يطأطئون رؤوسهم، ربى أصحاباً أحراراً، ربى أصحاباً لا تأخذهم بالله لومة لائم، ربى أصحاباً لا يخنعون و لا يتضعضعون، ربى أصحاباً أحراراً، يجب أن تكون حراً لا تنطق بالباطل، يعني معقول إنسان أنا لا أسميه ولا أسمي منصبه، في بلاد أخرى يقول عن هذه المظاهرات في بلاد الأرض التي تستنكر جرائم الصهيونية في غزة غوغائية وفوضوية وأصحابها لا عقل لهم، معقول ؟ أخوانا الكرام لما الإنسان ينسى ربه ينطق بالباطل.
أيها الأخوة، قال أراجعه أحد ؟ قالوا نعم، قال الحمد لله.
أخلاق النبي الكريم :
النبي عليه الصلاة والسلام حينما التقى مع الأنصار دققوا بعد معركة حنين، دانت له الجزيرة العربية من أقصاها إلى أقصاها، يعني بمقياس القوة أعلى درجة في القوة بلغها النبي عليه الصلاة والسلام بعد فتح مكة، وانتصاره في معركة حنين النهائي، بالأول هناك انتصار مضعضع:
﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً ﴾
( سورة التوبة الآية: 25 )
بعد أن دانت له الجزيرة بأكملها بلغه أن بعض الأنصار غاضبون، أنا أقول لكم هذه الكلمة بمنطق الأقوياء يلغي وجودهم، بمنطق الأقوياء يسحقهم، بمنطق الأقوياء يعاتبهم أشد المعاتبة لصالحه، بمنطق الأقوياء يهملهم، بين أن ينهي حياتهم وبين أن يهملهم، ماذا فعل النبي عليه الصلاة والسلام ؟ ذَكَّرَهُم بفضلهم عليه، قال: لو شئتم لقلتم فلصدقتم، ولصدِّقتم به، أتيتنا مكذباً فصدقناك، وطريداً فآويناك، وعائلاً فأغنيناك، ذَكَّرَهُم بفضلهم عليه، أنت عندك جرأة تكون قوياً جداً وهناك إنسان كان سبب قوتك والآن ضعيف أمامك وقدم لك نصيحة عندك جرأة تقول له أنت مفضل عليّ، عندك هذه الجرأة ؟ والله لا يفعلها واحد من مليون، الآن هو قوي يسحق من حوله.
لو شئتم لقلتم فلصدقتم، ولصدِّقتم به، أتيتنا مكذباً فصدقناك، وطريداً فآويناك، وعائلاً فأغنيناك، يا معشر الأنصار، ألم تكونوا ضلالاً فهداكم الله بي ـ لم يقل لهم: فهديتكم ـ أرأيت إلى هذا التوحيد ؟!، يعني أيها الأخوة، أتمنى عليكم وأنا واثق مما أقول كل هذه الاحتفالات زينات وأعلام وأناشيد ويوزع الملبس، ما لم نأخذ سيرته نطبقها بنداً بنداً والله هذا الاحتفال لا يقدم ولا يؤخر يضاف إلى الفلكلور، يضاف إلى أشياء تقليدية ألفها الناس.
رحمة النبي عليه الصلاة و السلام بالكبير و الصغير :
طفل إلى جانبه، بحسب تعليماته يجب أن تقدم له الضيافة بعد رسول الله الذي على يمينه سيدنا الصديق، قال يا غلام أتأذن لي أن أعطي الأشياخ قبلك ؟ قال له: لا . والله ما سمعتها بحياتي، طفل صغير إلى جانب سيد الأنبياء يستأذنه ؟ أنت عندك إمكان تستأذن ابنك ؟ تحترمه، يحس بقيمته، بشخصيته، تعلمنا بالجامعة احترام شخصية الطفل أحد أكبر أسباب نجاح تربيته، يشعر أنه كبير، أتأذن لي ؟ يا أخوان أتمنى عليكم أن تقرؤوا كل يوم سيرته، كتاب سيرة معتمد، اقرأ لأولادك صفحتين وعلق عليهم، لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال:
(( أدبوا أولادكم على ثلاث خصال على حب نبيكم))
[ أخرجه الطبراني عن علي]
أولادنا يقدرون لاعبي الكرة، والمغنيات الأحياء منهم والأموات، أنك يا مولانا سميع مجيب الدعوات، عوض أن يقدر ابنك المغني ولاعب الكرة، يقدر سيد الخلق و حبيب الحق، فكرت بابنك ؟
السيدة عائشة رضي الله عنها، كانت تسأل النبي عليه الصلاة والسلام: كيف حبك لي ؟ فيجيبها ويقول: " كعقدة الحبل "، الآن تجد شاباً يتزوج فتاة جميلة جداً، يبحث لها عن مئة عيب، يسفهها، يسخر من أمها، يرتكب حماقات تهدد سعادته الزوجية، قال: كعقدة الحبل، تسأله من حين لآخر كيف العقدة ؟ يقول على حالها. يزداد حبي لك كزوج ناجح، معلم ناجح:
(( علموا ولا تعنفوا فإن المعلم خير من المعنف ))
[أخرجه البيهقي عن أبي هريرة ]
كن رقيق علم ولا تعنف، لا تضرب ابنك إطلاقاً، من أطاع عصاك فقد عصاك،
قربه منك وحاول أن يحبك، عندما يحبك يخاف أن تحزن منه، حقدوا الآن على رئيس دولة عربية إسلامية، هذا المنهج يطبق على الذي قتل مليون قتيل في العراق، الذي أعاق مليون معاق، الذي شرد خمسة ملايين، الذي ذبح الأطفال والنساء في غزة، هذا القانون مطبق على هؤلاء ؟ إذاً هذه حضارة تحت قدمك، عنصريون قلها بأعلى كلمة.

(( وَأيْمُ اللَّهِ لَوْ أنَّ فاطمةَ بنْتَ محمدٍ سَرَقَت لقطعتُ يَدَهَا ))
[ متفق عليه عن عائشة أم المؤمنين ]
على الجميع، الأمة لا تتقدم إلا إذا طبقت الإجراءات على الجميع:
(( إنَّما أَهلك الذين قبلكم: أنَّهمْ كانوا إذا سَرقَ فيهم الشَّريفُ تَرَكُوه، وإذا سَرَقَ فيهم الضعيف أقاموا عليه الحدّ. وَأيْمُ اللَّهِ لَوْ أنَّ فاطمةَ بنْتَ محمدٍ سَرَقَت لقطعتُ يَدَهَا ))
[ متفق عليه عن عائشة أم المؤمنين ]
رحمته عليه الصلاة و السلام بالحيوان :
أيها الأخوة الكرام، رحمته بالحيوان:
رأى جملاً فلما اقترب النبي عليه الصلاة والسلام منه حن، بكى، فتقدم منه النبي ومسح زفريه، وقال من صاحب هذا الجمل ؟ قالوا: فتى من الأنصار، قال ائتوني به، لما جاء هذا الفتى، قال يا فتى ألا تتقي الله بهذه البهيمة التي ملكك الله إياها ؟ فإنه شكا إلي أنك تجيعه وتؤدبه، والله مرة بأسواق دمشق بائع دجاج أمامه وعاء فيه ماء يغلي ذبح الدجاجة وثانية واحدة و غمسها بهذا الماء، ليسهل نتف ريشها، وحش، النبي عليه الصلاة والسلام رفض أن تذبح شاة أمام أختها، قال: هلا حجبتها عن أختها أتريد أن تميتها مرتين ؟
علة المسلم أن يطبق الإسلام كما جاء به النبي العدنان من دون تطرف لا يمنة ولا يسرة :
أيها الأخوة الكرام، لن ننتفع بهذه الذكرى إلا إذا قرأنا سنة النبي، من الآن اشتروا كتاباً محترماً، واقرؤوا كل يوم شيء من هذه السيرة وطبقوها، تكون احتفلت بذكرى المولد، أما هذه الزينات، والأناشيد الصاخبة، وتوزيع الملبس لا يقدم ولا يؤخر، والطرف الآخر يعني يرى أن الاحتفال محرم، فإذا شخص اشترى ملبساً، قال يجوز أبيعه ؟ أخذه من أجل ذكرى المولد، يا سيدي هل يجوز بيعه ؟ هذا بالمقابل هذه أمة متطرفة، بين أن يحتفلون شكلاً، وفي غير بلاد هناك معاصٍ وآثام، نساء ورجال ورقص وأشياء لا يعلمها إلا الله، الذين رفضوا الاحتفال معهم حق أحياناً من كثرة المعاصي والآثام التي ترتكب في هذه الاحتفالات، نحن أمة يجب أن تطبق الإسلام كما جاء به النبي العدنان من دون تطرف لا يمنة ولا يسرة.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم، فيا فوز المستغفرين أستغفر الله.
* * *



الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب الخلق العظم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
جلوس النبي الكريم مع أصحابه و سؤاله عن أحب الأشياء إليهم :
يعني شيء يقرب من ذكرى المولد، جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه رضي الله عنهم وسألهم وبدأ بأبي بكر ماذا تحب من الدنيا ؟ فقال يا أبا بكر ماذا تحب في الدنيا ؟ فقال رضي الله عنه: أحب من الدنيا ثلاثة، الجلوس بين يديك، والنظر إليك، وإنفاق مالي عليك، وأنت يا عمر ؟ قال: أحب ثلاثة آمر بالمعروف ولو كان سراً، وأنهى عن المنكر ولو كان جهراً، وأن أقول الحق ولو كان مراً، أحياناً تتمنى ألا تقول كلمة مع قوي ينطق بشيء خلاف الحق، هل عندك الجرأة أن تقول الحق ولو كان مراً ؟ وأن تنهى عن المنكر ولو كان جهراً ؟ وأن تأمر بالمعروف ولو كان سراً ؟ وأنت يا عثمان ؟ قال أحب إطعام الطعام، وإفشاء السلام، والصلاة بالليل والناس نيام، وأنت يا علي ؟ قال أحب ثلاثة إكرام الضيف، والصوم بالصيف، وضرب العدو بالسيف، قال وأنت يا أبا ذر ؟ هذه فيها حرج، قال: أحب في الدنيا ثلاثة الجوع و المرض والموت ، طبعاً سأمهد لكم بقبولها.
الحياة الحرية و الصحة ثلاثة أشياء لا تقدر بثمن :
أحد علماء دمشق الأجلاء توفي رحمه الله كان يأخذ أخوانه أول يوم العيد إلى المقابر من أجل أن يعرفوا نعمة الحياة، أنت حي تستطيع أن تتصدق، تستطيع أن تطلب العلم، تستطيع أن تربي أولادك، أنت إذا ذهبت إلى المقابر عرفت نعمة الحياة، الفرصة مفتوحة، فرص الاستقامة قائمة، التوبة قائمة، السعادة قائمة، يأخذ أخوانه أول يوم إلى المقابر ليعرفوا نعمة الحياة، وفي اليوم الثاني يأخذهم إلى المستشفيات، فشل كلوي، ورم خبيث في الرئة، أعوذ بالله خثرة في الدماغ، ليعرفوا نعمة الصحة، مرة شخص والله يا أخوان أعرفه يقيناً عندما كانت الأمور بسيطة جداً يعيش الإنسان بخمسمئة ليرة، كل صفقة بالملايين، مرة قال لي لا يعاش بهذه البلد، غيّر سحنة وجهه، سوق مسموم، يكفي الإنسان خمسمئة في الشهر يعيش حياة معقولة جداً، وعنده كل شهر صفقة بمليونين أو ثلاثة، لا يعاش في هذا البلد، فمرض فزرته، بسبب القرابة ، قال لي: والله إذا الله عافى إنساناً يكفيه في الشهر ألف ليرة، ذات الوضع، اليوم الثاني ليعرف أخوانه نعمة الصحة، بقي اليوم الثالث إلى السجون ليعرفوا قيمة الحرية، إذاعة بحث لا يوجد عليك، أحببت أن تسافر إلى بيروت، إلى مصر، إلى أي مكان، فأنت في ثلاث نعم، نعمة أنك حي، ونعمة أنك صحيح، ونعمة أنك حر.
كل إنسان ينبغي أن يحب في الدنيا شيئاً :
هذا سيدنا أبو ذر قال: أحب في الدنيا الجوع ليرق قلبي، إذا شخص ما جاع أبداً لا يعرف قيمة الجوع، بنت أحد ملوك فرنسا هناك ثورة، قالت: ما الموضوع ؟ قالوا لا يوجد خبز، قالت يأكلوا كاتو، ما ذاق طعم الجوع أبداً وأقول لك إذا إنسان ربي في حياة بسيطة، أو حياته بدأت بمتاعب، من نعمة الله عليه، النعمة غالية عليه، قال: وأحب المرض ليخف ذنبي، المرض يقرب من الله عز وجل، وأحب الموت لألقى ربي، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: حبب إليّ من دنياكم ثلاثة، الطيب، والنساء، لكن بشكل دقيق جداً معنى النساء، أن هذه المرأة مباركة تنجب لك ولداً ينفع الناس من بعدك، يؤكد هذا المعنى كلام سيدنا عمر: والله أقوم إلى زوجتي وما لي من شهوة إلا ابتغاء ولد صالح ينفع الناس من بعدي.
الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة .
(( أرحنا بها يا بلال ))
[ أبو داود عن سالم بن أبي الجعد ]
وأنت بلا مجاملة، وكن صادقاً مع نفسك، وكن جريئاً وبينك وبين نفسك أنت إذا صليت هل ترتاح بها أم ترتاح منها ؟ يقول: أوينا العشاء، وحين تنزل جبريل عليه السلام وأقرأهم السلام وقال: وانأ أحب من دنياكم ثلاثة تبليغ الرسالة وأداء الأمانة وحب المساكين، ثم صعد إلى السماء وقال: الله عز وجل يقرئكم السلام ويقول: إنه يحب من دنياكم ثلاث لساناً ذاكراً وقلبا خاشعاً وجسداً على البلاء صابراً.
طبعاً أنا أخذتها على سرعة ما تأكدت من مدى صحتها، لكن لا يوجد أحكام شرعية لا تقدم ولا تؤخر، لكن نتعلم أن كل إنسان ينبغي أن يحب في الدنيا شيئاً وقل لي ما الذي تحب أقل لك من أنت.

الدعاء :
اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق، ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك و نتوب إليك، اللهم اهدنا لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام، وأعز المسلمين، انصر المسلمين في كل مكان، وفي شتى بقاع الأرض يا رب العالمين، اللهم أرنا قدرتك بأعدائك يا أكرم الأكرمين.
والحمد لله رب العالمين





   
قديم 2014-01-14, 05:44 رقم المشاركة : 10
بالتوفيق
مشرف منتدى التعليم الثانوي التأهيلي
 
الصورة الرمزية بالتوفيق

 

إحصائية العضو







بالتوفيق غير متواجد حالياً


وسام الرتبة الثانية  في مسابقة القرآن الكريم

المرتبة الأولى في مسابقة صور وألغاز

وسام المرتبة الأولى للمسابقة الرمضانية الكبرى 2015

بالتوفيق

افتراضي رد: ذكرى المولد النبوي الشريف: اجتهادات و فتاوى أخرى


بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد :

فيقول الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر الأسبق-رحمه الله-ردا على سؤال مماثل :
الاحتفال بالمولد النبوي سُنَّة حسنة من السُّنن التي أشار إليها الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقوله: "ومَنْ سنَّ سُنَّة حسنة فله أجرُها وأجرُ مَنْ عَمِل بها، ومَنْ سنَّ سُنَّةً سيئة فعليه وِزْرُها ووِزْرُ مَنْ عَمِل بها"، وذلك لأنَّ له أصولًا ترشد إليه وأدلة صحيحة تسوق إليه، استنبط العلماء منها وجه مشروعيته. ومن هذه الأدلة ما يأتي:

1. سئل ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن صوم الاثنين فقال: "فيه وُلِدْتُ، وفيه أُنْزِل عليَّ". رواه مسلم ، فجعل ولادته في يوم الاثنين سببًا في صومه .

2. سئل ابن حجر عن هذا المولد فكان مما قال : "وقد ظهر لي تخريجها على أصل ثابت وهو ما يثبت في الصحيحين من أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قدم المدينة فوجد اليهود يصومون عاشوراء فسألهم فقالوا: هو يوم أغرق اللهُ فيه فرعونَ ونجَّي موسي، فنحن نصومه شكرًا لله تعالى. فيستفاد منه فعل الشكر لله على ما مَنَّ به في يوم من إسداء نعمة أو دفع نقمة، ويُعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة" .

والشكر لله يحصل على أنواع العبادة كالسجود والصيام والصدقة والتلاوة ـ وأيُّ نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبي نبي الرحمة في ذلك اليوم.

أما التاريخ الذي ابتدء به هذا الاحتفال فقد قال السيوطي:
إن أول من أحدث فعل ذلك صاحب إربل الملك المظفر أبو سعيد كوكبري بن زيد الدين علي ابن بكتين، أحد الملوك الأمجاد والكبراء والأجداد، وكان له آثار حسنة، وهو الذي عمر الجامع المظفري بسفح قيسون، وكان ذلك في القرن السابع.
ولا يعني ترك السلف لهذا العمل الصالح مخالفتَه للشرع؛ لأن السلف الصالح كان عندهم من اليقظة الدينية وحبِّ النبي الكريم ما يُغنيهم عن التذكير بيوم مولده للاحتفال.

وقد كانت الموالد كلها فيما مضى من نشأتها طاعة لله ـ عزَّ وجلّ ـ القصد منها الطعام وذكر الله ـ عزَّ وجلَّ ـ وتعريف المسلمين بفضائل نبيهم ـ صلى الله عليه وسلم ـ وحثهم على متابعته، أمَّا ما يحدث في الموالد اليوم مما ينافى الاحتفال بهذه الذكرى مِنْ لَهْوٍ واختلاط النساء بالرجال، وانتشار المفاسد والموبقات، والإقبال على المحرمات ، وصرف عن طاعة الله، وطاعة رسوله ومقارفة للمعاصي إلا قليلًا من المحافظين على حرمات دينهم، فلم يكن له وجود فيما مضى، والموالد بحاجة إلى رعاية وتقويمٍ وفرض عقوبات على كل مستهتر بدينه لا يرعى لله ولا لرسوله حرمة .

ومما ينبغي التنبيه إليه أن الاحتفال بمولد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ينبغي أن يكون باستعراض سُنَّته، والتذكير بدعوته، والاسترشاد بِهَديه، وأن يكون بالإكثار من العبادة والذكر والصدقة في سبيل الله .
والله أعلم .





   
موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are معطلة


مــــواقـــع صـــديــقــة مــــواقـــع مـــهــــمــــة خـــدمـــــات مـــهـــمـــة
إديــكـبـريــس تربويات
منتديات نوادي صحيفة الشرق التربوي
منتديات ملتقى الأجيال منتديات كاري كوم
مجلة المدرس شبكة مدارس المغرب
كراسات تربوية منتديات دفاتر حرة
وزارة التربية الوطنية مصلحة الموارد البشرية
المجلس الأعلى للتعليم الأقسام التحضيرية للمدارس العليا
مؤسسة محمد السادس لأسرة التعليم التضامن الجامعي المغربي
الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي التعاضدية العامة للتربية الوطنية
اطلع على وضعيتك الإدارية
احسب راتبك الشهري
احسب راتبك التقاعدي
وضعية ملفاتك لدى CNOPS
اطلع على نتائج الحركة الإنتقالية

منتديات الأستاذ

الساعة الآن 15:34 لوحة المفاتيح العربية Profvb en Alexa Profvb en Twitter Profvb en FaceBook xhtml validator css validator

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML
جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd