الأموّي .. رئيس الـ"كدش" الأبدي وعاشقُ الصِدامات السياسيّة

هسبريس - إسماعيل عزام
الثلاثاء 03 دجنبر 2013 - 19:03
ما الذي يؤدي بمنخرطين في واحدة من أكبر النقابات المغربية، إلى اختيار نوبير الأموي مرة جديدة على رأسهم حتى ولو كان الأمر يتعلق بالمرة الخامسة على التوالي؟ وما الذي يدفع بثاني أقدم مركزية نقابية مغربية إلى صنع رئيسها الأبدي الذي لم يتزحزح من منصبه منذ 35 سنة؟ هل يتعلق الأمر بلوبيات تشجع الرفيق "بوسبْردِيلة"؟ أم هو عجز من "الكدش" على إنجاب رجل بحجمه؟

إذن، فقد اختارت الكونفدرالية الديمقراطية للشغل الأموي رئيسا قديما/جديدا، لتمنحه استمرارية أثارت الكثير من الجدل بين مشيد ومعارض. وربما قدر الرجل أن يستمر في شغل الرأي العام حتى وهو يصل إلى سن 78، السن الذي جعل بعض أقرانه اليسارين واليمينيين، يعتزلون السياسة والنضال وما يأتي منهما، وينشغلون إما بالتقرب إلى الله أو سرد تجاربهم في توثيق أهم محطات المغرب الحديث. إذن، فالأموي من طينة أخرى، وربما قد يتوفاه الموت ذات يوم، وهو في تجمّع مع أفراد نقابته، للتداول حول واقع الطبقة الشغيلة.

الْمزابي أو العْرُوبي الذي وُلد سنة 1936 في الشاوية، انخرط في الصِدام على عدة جبهات، منها حتى ما هو عائلي، عندما دخل غمار معركة تغيير اسمه العائلي من "ميّة" إلى الأموي، وعندما أصر على تسجيل أبناءه بأسماء ثورية منها ما يعود إلى أمريكا اللاتينية كغيفارا، وما يعود إلى الامتداد العربي كمعاوية، وكذلك ما يلتصق بالمغرب كالمهدي، في إحالة إلى صديقه المهدي بنبركة.

قد يكون عادياً أن نسمع عن "الملكية البرلمانية" في السنوات الأخيرة من فاعلين سياسيين ونقابيين دون أن يتعرضوا للاعتقال والسجن، إلا أن الأمر كان مخالفاً تماما للأموي عندما طالب في حوار له مع جريدة إلباييس الإسبانية سنة 92 تطبيق هذا النوع من الحكم بالمغرب، فكانت النتيجة الإدانة بسنتين نافذتين، ولو أن التهمة كانت القذف في حق الحكومة. وقد يتذكر الوزير الحالي محمد الوفا ومعه القيادي الاتحادي محمد اليازغي، كيف تسبب الأموي في تأجيل فكرة التناوب التوافقي سنة 92، عندما أوقف عربة التوافق مع الدولة بمبرر غياب عبد الرحمن اليوسفي عن الاجتماعات السرية. وقد يتذكر الاتحاديون كذلك، كيف خرج من حزبهم ذات يوم من سنة 2001، غَضباً من التوافق الذي رأى ابن الشاوية أنه أساء لصورة حزب الوردة، ليساهم في تأسيس حزبٍ جديدٍ اسمه المؤتمر الوطني الاتحادي.

عناده ظهر مكبراً، منذ انخراطه في حزب الاستقلال سنة 52، ثم دخوله في إطار الكفاح المسلح لإبعاد فرنسا عن المغرب، لم يهنأ له بال وهو يلتحق بسلك التعليم إلا وأن يكون فاعلاً في إطار الاتحاد المغربي للشغل حيث ظهرت مواجهته مع الدولة، بعدما قاد حملة لإرجاع بعض التلاميذ المطرودين، زاد من نيران هذه المواجهة، مقاطعته أول دستور في مغرب ما بعد الاستقلال، رفقة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، الحزب الذي انتمى إليه بعد الانشقاق التاريخي المعروف عن حزب علال الفاسي.

عاشق الانشقاقات بامتياز، انشق سنة 78 عن الاتحاد المغربي للشغل رفقة الكثير من رفاقه ممّن اختاروا تأسيس الكونفدرالية الديمقراطية للشغل كمركزية جديدة تزاحم نقابة المحجوب بن الصديق. ليتم انتخاب ""المزابي" على رأس التنظيم الجديد بفضل قوة شخصيته ودفاعه المستميت عن العمال البسطاء، وبعدها بثلاث سنوات، كانت المواجهة الأخطر مع الدولة، عندما أعلنت نقابته رفقة بعض الإطارات السياسية، عن الإضراب العام بسبب الزيادات في الأسعار، لتكون الحصيلة، تدخلاً عنيفاً من السلطة خلّف مئات القتلى والجرحى، وإغلاق مقرات النقابة الحديثة العهد، وكذلك اعتقال الأموي لسنتين دون محاكمة، في حدثٍ وصفه وزير الداخلية الأسبق إدريس البصري بانتفاضة الكوميرا.

يقول عنه صديقه عبد الإله الحضري في اتصال مع هسبريس:" الأموي إنسان صادق في نضاله من أجل المغاربة، لم يكن أبدا رجلا خبزياً ولا بالمُنصاع لِما تريده الدولة، كان يرى في كرامة العامل المغربي الأولوية، فلم ترعبه السجون ولا المعتقلات. قد نتفق وقد نختلف في اختياره مرة أخرى على رأس الكدش..وقد اختلفت معه بشكل جذري عندما اختار مغادرة سفينة حزب الاتحاد الاشتراكي..لكن الرجل يبقى ذو مبادئ حقيقية بعيداً عن المكاسب الشخصية".

كتب عنه الصحافي عبد العزيز كوكاس ذات مرة: "هو المناضل النقابي الذي دفع لتقبض الطبقة العاملة أجرة نضالها عوض أن ينوب عنها السياسي، وهو الفارس الذي ظل يفاجئ الكثيرين من المحيطين به فبالأحرى الأعداء، وهو المسلم والغيفاري والقومي...ولأنه ظل يفضل العزلة دوما، فقد دفعه جنونه في الكثير من الأحيان ليخلط أوراق الأصدقاء والأعداء، كمن يركب مزاجه في السياسة.. من تأسيس حزب إلى إخراج النقابة من جلباب حزب".

لذلك، يبقى من حسن حظ تلميذه السابق عبد الإله بنكيران، أن الأموي وصل سناً لم تعد تسمح له بالاستمرار في نفس النسق النقابي الذي كان عليه في السابق، فحتى تصريحاته الأخيرة التي يهاجم فيها زيادات الحكومة لا تصل إلى قوة خرجاته خلال العقود السابقة، وإلا فتعنيف الأساتذة والأطباء والحركات السياسية والاجتماعية أمام البرلمان، لم يكن ليمر مرور الكرام على "مول السبرديلة" الذي تعض عليه نقابته بالنواجذ حتى ولو كلّفها الأمر تهمة الدكتاتورية وإنتاج السلطوية.