الرئيسية | الصحيفة | خدمات الإستضافة | مركز الملفات | الحركة الانتقالية | قوانين المنتدى | أعلن لدينا | اتصل بنا |

أفراح بن جدي - 0528861033 voiture d'occasion au Maroc
educpress
للتوصل بجديد الموقع أدخل بريدك الإلكتروني ثم فعل اشتراكك من علبة رسائلك :

فعاليات صيف 2011 على منتديات الأستاذ : مسابقة استوقفتني آية | ورشة : نحو مفهوم أمثل للزواج

العودة   منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد > منتديات التواصل العام > منتدى النقاش والحوار الهادف



إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 2013-11-14, 23:03 رقم المشاركة : 6
express-1
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية express-1

 

إحصائية العضو








express-1 غير متواجد حالياً


وسام التميز لشهر مارس 2012

افتراضي رد: فصل المقال ما بين الدارجة والفصحى والأمازيغية من اتصال وانفصال


إن الخلاصة هي أن هذا الاتجاه بقدر ما يؤكد على أهمية اعتماد اللغة العربية الفصحى في تحقيق التنمية والوحدة المفترضة لأمة عربية خالصة، بقدر ما يمعن في التنكر لأي تعدد أو خصوصية ثقافية أو لسانية أو حضارية داخل هذا الفضاء الجغرافي الذي يُسمى مجازاً "العالم العربي" (على حد تعبير الشاعر نزار قباني)؛ إنه يدعي أن الفصحى لغة لأزيد من 350 مليون عربي دون أن يأخذ بعين الاعتبار أن هذا الرقم لا يتقن أصحابهُ كلهم هذه اللغة الفصحى، وأن ملايين منهم في شمال إفريقيا وفي الشرق العربي لا يتكلمون هذه اللغة التي ينافحون عنها، بل ويرفضون أن يُعتَبروا عرباً؛ إنه اتجاهٌ، على عكس الأول، المدافع عن الدارجة، لا يعتبرُ الحضارة المغربية خلاصة لتفاعل تاريخي بين جميع الثقافات والحضارات التي تعايشت في هذه الرقعة منذ آلاف السنين؛ بل إنه ينفيها، جملة وتفصيلاً، ويقف فقط عند لحظة العروبة بوصفها لحظة فوقية تجبُّ كل ما قبلها؛ فهي، أي هذه اللحظة، لا تُحيلُ فقط على انتماءٍ عربي إسلامي وقومي جاء من مكان وزمن آخر، ولكنها لا تعترف أيضاً بأي خصوصية محلية التي تُرادف التشتت.



ويبقى مع ذلك أن الاتجاهين معاً يتفقان ضمنياً على أن الأمازيغية تشكل مرحلة تاريخية انتهت، مما يعني وجوب البحث، بالنسبة لهما، عن صياغة جديدة للهوية الوطنية؛ وذلك إما من خلال الدفاع عن الانتماء العروبي-الإسلامي المشترك (القوميون والوطنيون الأوائل والإسلاميون) الذي يجعلنا أمة كبيرة قادرة على قتال العالم والانتصار عليه، أو من خلال الدفاع عن الانتماء إلى مفهوم "تمغربيت" (الوطنيون الجدد) الذي يُمكننا من التعايش مع هذا العالم والاستفادة من ثرائه. وإن محاولة لتبيُّن بعض ملامح هذا المنطق كما يتم تقديمه لنا نجده لا يخرج عموماً عن الحجج التالية:

  • إن اللغة الأمازيغية وثقافتها قد أصبحتا تُشكلان جزءاً من ماض انتهى إما باندماجه في هذه الطاحونة الهوياتية التي أصبحت تعبر عنها الدارجة المغربية، ويحددها مفهوم "تمغربيت"؛ أو بموته الرمزي لما انتصرت العروبة وساد الإسلامُ أرض "البربر" وانتشرت العربيةُ في أوساطهم وأصبحت هي لغتهم القومية ولغة دينهم الذي قضى على أعرافهم ووثنيتهم وجاهليتهم؛
  • إن ما تبقى من هذه اللغة ومن هذه الثقافة سيكون مصيرهُ، بكل تأكيد، هو الاندثار، غير المأسوف عليه، على المديين القريب والمتوسط، نظراً لتراجع أعداد الناطقين بها أولاً؛ ونظراً لتحولها، ثانياً، بحكم انتشار العربية، إلى لغات الأقليات، وإلى تراث هامشي؛ وعليه، فإن المنطق والصراحة تفرض على المغاربة الأمازيغ التحلي بالواقعية والشجاعة والتخلي عما تبقى من هذه اللغة السائرة إلى الموت وتبني لغات وطنية أكثر انتشاراً، ولها وزن رمزي واقتصادي في عالم الوطنية والعوربة والعولمة؛
  • إن تبني اللغة الأمازيغية بالشكل الذي هي عليه، أي بوصفها جزراً لغوية ضعيفة وغير ذات ماض حضاري ولا تراث مكتوب ولم تتم معيرتُها لقرون طويلة ولا أنتجت لغة وسيطة على غرار الدارجة المغربية يجعلها في مصاف اللغات "المتخلفة" ولا تخرج عن الاستعمال البسيط الذي يعوق أي أمل في التفاتهم عبر-وطني؛ وعليه فإن المطالبة بمأسستها والتدريس بها غير ممكن لأن تأهيلها يتطلب ميزانيات لا تقدر عليها الدولة المغربية (موقف الاتجاهين معاً)؛
  • إنه في حالة تبني اللغة الأمازيغية أو تنويعاتها سيجعلنا أمام واقع إتني ولساني تصادمي بين مكوناتنا الوطنية، وسيجعل الأمة المغربية التي عرّبها الإسلام، أو عربتها القومية العربية، أو عربتها إيديولوجية "تمغربيت"، مهددة في كيانها الهوياتي العربي الموحّد، كما سيفتح الأبواب مشرعة للتشتت ولدعاوي الانفصال. وعليه، فإنه للخروج من هذا المأزق يجب تبني إما اللغة العربية الفصيحة الضامنة للوحدة العربية ("العروبة الثقيلة") وإما تبني اللغة العربية الدارجة الضامنة للوحدة الوطنية (العروبة الخفيفة")؛
  • إن اللغة الأمازيغية بالإضافة إلى كونها لا تحيل على رمزية المقدس فإنها تحيل، بامتياز، على المدنس: فهي ما تبقى من لغات الجاهلية (بالنسبة للإسلاميين)، وهي ما تبقى من لغات الاستعمار (بالنسبة للوطنيين والقوميين ومعهم الإسلاميون)، وهي ما تبقى من شتات لغة متشظية ومتخلفة، وغير قابلة للمأسسة، متناً ووضعاً، بالنسبة للمتبنين لمفهوم "تمغربيت" (الوطنيون الجدد، والفرنكفونيون، ومعهم أيضاً القوميون والإسلاميون)؛
  • إن تبني اللغة الأمازيغية سيجعل اللغة العربية الفصحى تدخل في منافسة معها (؟؟؟) مما سيؤدي إلى إضعافها، وإلى فسح المجال أمام لغة المستعمر (الفرنسية) الذي سيقضي على اللغتين معاً، ولذلك فإن المدافعين عن الأمازيغية ما هم في الحقيقة إلا فرانكوفونيين يدافعون عن الفرنسية، مثلهم مثل المدرّجين، ضداً على العربية الحقيقة (موقف العروبيين والإسلاميين)؛



وعلى العموم فإن الاتجاهين (الدّارج والقومي-الإسلامي) يتجهان معاً، كما نرى، نحو ما يمكن تسميتُه بـ"الانسجامية" الوطنية القائمة على لغة العروبة. ولذلك فإن هناك اتفاقاً ضمنياً بينهما على التضحية باللغة الأمازيغية وثقافتها بالشكل الذي تُصبح فيه إما جزءاً من "العروبة الخفيفة" أو خطأً تاريخياً يجب تصحيحُه بالاستعاضة عنها بـ"العروبة الثقيلة". صحيحٌ أننا أصبحنا نلاحظ مؤخراً بعض الأصوات الإسلامية ومعها بعض الأصوات القومية اللبيرالية (وهي قليلة جداً) تدعو إلى إعادة النظر في مفهوم الهوية التقليدي الذي طُرح منذ الاستقلال، وذلك باستدماج البعد الأمازيغي داخلها، إلا أن هذه الأصوات، للأسف، لم تتحول إلى تيار فكري أو سياسي داخل الأنظمة الحزبية والجمعوية والنخبوية لهذين الاتجاهين؛ وهو ما يجعلها عملياً منخرطة في نفس المشروع الهوياتي القديم الذي يعتبر الهوية المغربية عربية-إسلامية، ولا تأتي الأمازيغية إلا لتضيف إليها بعض الغنى الذي يجب أن لا يتناقض مع إسلامهم وقوميتهم أو مع ما يعتبرونه هويتهم الأصلية والأساسية.

ج-الاتجاه الأمازيغي –الحقوقي والوطني:

وهو اتجاهٌ يمكن اعتبارُه امتداداً للحركات الثورية التي كانت سائدة في أوساط المقاومة الشعبية بالبوادي المغربية؛ ويتميزُ هذا الاتجاه بكونه لم يكن، في البداية، يحمل أي مشروع إيديولوجي محدد عن مفهوم الهوية المغربية التي ستحملها الدولة الحديثة بعد الاستقلال؛ فقد كان مشروعه الأساسي هو حمل البندقية لطرد الاستعمار كما أن مفهومه عن الهوية الوطنية لم يكن ناضجاً بما يكفي نظراً لعدم استفادة النخب القروية من التعليم الذي وفرته الحماية في المدن أو وفرته أقطاب البورجوازية المدينية بالمدارس الحرة؛ إذ من المعلوم أن فرنسا وفرت تعليماً عصرياً ببعض الحواضر المغربية أمكن من تدريس اللغة العربية وتخريج عدد مهم من النخب المدينية ذات التكوين الجيد في اللغة الفرنسية، كما أن نخب الحركة الوطنية قد مكنت، من جهة ثانية، من تخريج عدد مهم من النخب المثقفة ذات التكوين الجيد في اللغة العربية وعلومها؛ ومع انتشار إيديولوجية القومية العربية والأفكار السلفية التي كان مصدرها الشرق العربي، وجدت هذه النخب الجديدة المتعددة المشارب الفكرية والسياسية نفسها أمام سؤال الهوية ونموذج الدولة المغربية الحديثة، مما جعلها تتبنى العروبة والإسلام بوصفهما انتماءً هوياتياً لدولة الاستقلال واللغةَ الفرنسية بوصفها انفتاحاً لهذه الهوية على الحضارة الغربية وعلى ما أنتجته وتنتجه من علوم وتكنولوجيا. هكذا، إذن، تكون هذه النخب قد حددت نموذج الدولة الذي تريده، وسدت جميع الأبواب في وجه أي نقاش في موضوع الأمازيغية إلى الدرجة التي تَحوّل فيها ما يُسمى بـ "الظهير البربري"، في الكتب المدرسية وفي الإعلام الوطني والملتقيات الحزبية والفكرية، إلى تُهمة جاهزة تُرفعُ في وجه كل من أراد أن يعيد طرح النقاش على أسس جديدة.

وعلى العموم فإن هذا التوجه الإقصائي للدولة في تحديد مفهوم الهوية الوطنية كانت له انعكاسات خطيرةٌ على أشكال التدبير المحلي؛ إذ في حمأة التأكيد على عروبة الهوية وتلبيس مفهوم الوحدة الوطنية لباس الوحدة العربية بمضامينها الدينية والقومية، أخذت النخبُ الجهوية تتململُ بعد أن لاحظت أن هذه الوحدة لا تمس فقط أشكالها الثقافية والأعراف التي تعتمدها لتنظيم المجتمع، ولكن أصبحت تمس أيضاً أشكال تدبير شؤونها المحلية عن طريق فرض مسؤولين مركزيين لا علاقة لهم بالمنطقة؛ لقد كانت هذه ضربة قاسية ليس فقط للنخب المحلية التي وجدت نفسها على الهامش ولكن أيضاً ضربةً قاسية لِما ظلت تحملهُ هذه النخب من قيم جماعية تتحدد بها هوية الجماعة. إن منطق الدولة كان يذهب في اتجاه تكسير الولاءات المحلية وأنماط التسيير القائم على الأعراف التي تتأسس عليها الهوية المحلية؛ في حين أن منطق النخب المحلية كان يذهب في اتجاه أن تُعزز الدولةُ هذه الولاءات للتمكين أكثر للهويات التقليدية. ونظراً إلى أن هذه النخب لم تكن ذات تكوين عال لكي تعيد النظر في المقومات التي تقوم عليها هوياتها في علاقتها بمشروع الهوية الوطنية، ونظراً كذلك إلى أن السلطة الجديدة وما يحيطُ بها من نخبٍ اقتصادية وسياسية كانت تستعجل تحطيم هذه الولاءات بهدف الاستيلاء على مصادر خيرات الجهات من أراضِ وغابات ومعادن إلخ، ثم نظراً أيضاً إلى أن السياق التاريخي القومي كان يضغطُ لصالح عروبة الشرق، فإن الدولة سرعان ما همشت هذه النخب، بل وصفّت جسدياً بعضها الآخر، وفرضت عليها مفاهيمها الخاصة التي أنضجتها الإيديولوجية العربية-الإسلامية؛ وموازاة مع ذلك عملت بجدّ على محو أي أثرٍ يُبرز مشروعية هذه الهويات على المستويين الأكاديمي والإيديولوجي؛ فأغلقت كل المعاهد والمدارس التي أنشأها الاستعمار الفرنسي لتدريس الأمازيغية والتوثيق لها علمياً، بل وغيبت كل تلك الوثائق التي تم إنتاجها لعقود طويلة.





    رد مع اقتباس
قديم 2013-11-14, 23:04 رقم المشاركة : 7
express-1
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية express-1

 

إحصائية العضو








express-1 غير متواجد حالياً


وسام التميز لشهر مارس 2012

افتراضي رد: فصل المقال ما بين الدارجة والفصحى والأمازيغية من اتصال وانفصال


وأمام هذا الواقع الجديد لم يكن أمام هذه النخب المحلية، وهي الحديثة العهد بحمل السلاح ضد الاستعمارين الفرنسي والإسباني، سوى أن تنتفض؛ هكذا، إذن، ستندلع سنة 1956 أحداث الأطلس المتوسط مع عدي أوبيهي ثم تليها أحداث سنة 1958 بالريف مع محمد سلام أمزيان؛ وقد كان الشعار الذي ظل يحملُه المنتفضون هو: "يحيى محمد الخامس، يسقط حزب الاستقلال أوْ لا لِحكم "لَفْواسَة""؛ وهو شعار يُعبر بالضبط عن مفهوم لهويةٍ مُختزلة في نوع التنابذ الطائفي القائم على نفس التصور التقليدي الذي كان سائداً في المجتمع المغربي القبَلي قبل الحماية؛ بمعنى أن هذه النخبة، رغم أن بعض قياداتها كانت واعية بالرهانات السياسية للحاكمين الجدد، فإن غالبية المنتمين إلى هذه النخبة ومعها الشرائح الاجتماعية، قد أوَّلت القرارات السياسية للحاكمين الجدد باعتبارها فرضاً لمركزية "عروبية" و"طائفية" ("لفواسة" و"حزب الاستقلال" في مقابل القبائل الأمازيغية)، وفي نفس الوقت لم تتمكن من بناء تصور حداثي للهوية يتلاءم مع وضع الدولة الجديدة ويقف ندّاً أمام التصور الشرقاني؛ ولذلك سنرى أن بعضها سيبقى، في مراحل لاحقة، ملتزماً بإعادة إنتاج نفس التصورات التقليدية خلال تدافعاته الانتخابية، إما دفاعاً عن العرش الذي كان يُعتبرُ فوق الانتماءات الإتنية (الشرف)، أو للحصول على مقعد ما في البرلمان، في الوقت الذي سيُعلنُ البعض الآخر حربهُ ضد الدولة المركزية (المخزن) بتبنّيه لنفس الإيديولوجية القومية أو الإسلام السياسي اللتين شكلتا الملاذ الوحيد لمواصلة المقاومة.

لم تستطع، إذن، النخبُ التقليدية الأمازيغية أن تؤسس لهذا المفهوم الجديد عن الهوية المغربية في تعدد مكوناتها؛ ولذلك كان لابد من الانتظار إلى أن تتشكل نخبٌ جديدة في مغرب الاستقلال. وهي النخب التي استفادت من التعليم الوطني بشقيه العربي والفرنسي. صحيحٌ أننا نجد بذوراً لهذا التصور عن الهوية لدى بعض هذه النخب التي اكتوت بنار التسلط الاستعماري أمثال البطل محمد بن عبد الكريم الخطابي الذي لم يكتف فقط بتدريس اللغة الأمازيغية بمدينة مليلية بل كان يُشجع الريفيين أيضاً على الكتابة بها؛ وأمثال لحسن اليوسي ومبارك البكاي اللذين فضلا الاشتغال من داخل المخزن لإيقاف بعض الاختيارات السياسية لحزب الاستقلال؛ أو كذلك المحجوبي أحرضان الذي عبر، منذ البداية، عن موقفه من الهوية المغربية وتأكيده على انتمائه الأمازيغي؛ أو كذلك النخبُ الاقتصادية السوسية التي أعلنت موقفها من النخب الاقتصادية والسياسية والفكرية الفاسية المنتمية لحزب الاستقلال بإعلان انخراطها، في مرحلة محددة، في الحزب الثوري المعارض للمخزن آنذاك وهو حزب unefp إلخ؛ إن كل هذه النخب التي عارض بعضُها المخزن أو وقف بعضُها الآخر إلى جانب القصر ضداً على توجه سياسي حزبي معيّن، ظلت، للأسف، مستَغْرقَةً بشكل كلي في الصراعات السياسية المؤثّثة بالتنابذات الطائفية؛ ولذلك فهي لم تتمكن أبداً من بناء تصور واضح عن نموذجها الجديد للهوية المغربية؛ صحيحٌ أنها أوقفت زحف العروبة الانقلابية البعثية التي وجدت لها مرتعاً في سوريا ومصر واليمن وليبيا والجزائر إلخ ولكنها لم تنجز مشروعاً فكرياً وإيديولوجياً قادراً على مواجهة المشروع الفكري والإيديولوجي الهوياتي الذي تبنته القوى العروبية والإسلامية.

ويمكن أن نعتبر محمد شفيق، المديرُ السابق للمدرسة المولوية والعميد السابق للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية والعضو الحالي بأكاديمية المملكة المغربية، أحد المثقفين الأمازيغيين الذين انتبهوا مبكراً إلى هذا "العجز" الذي تعيشه الهوية المغربية على مستوى بناء مفهوم هوياتي جامع للاعتراف بالخصوصيات والمكونات المحلية؛ ولذلك عمل على الكتابة في هذا الموضوع وعلى إثارة الانتباه إلى ضرورة الاعتراف بالأمازيغية في إطار وحدة وطنية قوامها التعدد والتنوع؛ لقد شرع في كتابة سلسلة من المقالات حول الدلالات العميقة للأمازيغية في بناء الهوية المغربية، وذلك منذ سنة 1967 بمجلة آفاق؛ كما أنه أصدر كتابين الأول سنة 1972 بعنوان "أفكار متخلفة" والثاني سنة 1974 بعنوان "ما يقوله المؤذن"، حيث حاول فيهما أن يدحض تلك المواقف العروبية والإسلامية التي كانت تربط الإسلام بالقومية العربية، وتنفي عن المغرب عمقه الأمازيغي؛ وموازاة مع ذلك حاول أن يؤثر على بعض منظري الإسلام السياسي من أمثال عبد السلام ياسين فراسلَه ودخل معه في حوار فكري عميق حول الإسلام والهوية مما نتج عنه أن أصدر هذا الأخير كل المحاورات التي جرت بينهما في كتاب بعنوان "حوار مع صديق أمازيغي" سنة 1997؛ ونظراً إلى الخلافات التي انفجرت أيضاً، في مجلس حكومي، بين الوزيرين المحجوبي أحرضان، من حزب الحركة الشعبية، ومحمد الدويري، من حزب الاستقلال، حول القضية الأمازيغية وإشكالية الهوية بالمغرب، فإن المرحوم الحسن الثاني سيكلف محمد شفيق بإنجاز أول تقرير مفصل عن الموضوع، وسيقدمه إلى الحكومة للنظر في إمكانية تدريس الأمازيغية؛ إن هذا الرجل الذي فهِمَ باكراً أن التصور التقليدي عن الهوية والقائم على التنابذ الطائفي لم يعُد قادراً على الحفاظ على مكونات الانتماء المغربي، بل وقد يسيءُ إليها في سياق إيديولوجي يدعو، بشكل قسري، إلى تذويب الشعوب والثقافات في بوتقة الأمة العابرة للحدود الوطنية، قد جعله ينصرف جزئياً عن النضال السياسي ويُكرسُ كل وقته للعمل الأكاديمي القائم على التعريف بالحضارة الأمازيغية، إما في إطار أكاديمية المملكة أو في إطار تأليفه لعدد مهم من المؤلفات في مجال التاريخ (1989) أو في مجال تعليم اللغة الأمازيغية (1991) أو كذلك في مجال اللغة خاصة عمله الجبار الذي أسفر عن إصدار معجم عربي-أمازيغي ما بين سنة 1990 وسنة 2000.

وهنا لابد من الإشارة إلى أنه بالإضافة إلى هذا العمل الأكاديمي الذي كان يقوم به محمد شفيق (ونخبٌ أمازيغية شابة أخرى تخرجت حديثاً من الجامعات المغربية والأجنبية)، كانت الساحة الثقافية المغربية قد بدأت تعرف، منذ الستينات، تحولات عميقة في الوعي الهوياتي الأمازيغي؛ ذلك لأن النخب الأمازيغية التي استفادت من التعليم الوطني وبدأت تجد لها مواقع أقدام داخل المدن المغربية أخذت شيئاً فشيئاً تبتعد عن الطروحات القومية والطروحات الوطنية العروبية أو الإسلامية التي كانت سائدة في جميع الأوساط المثقفة، وأخذت تنأى بنفسها عن هذه الطروحات الإقصائية من خلال تأسيس جمعيات ثقافية، كجمعية البحث والتبادل الثقافي التي تأسست سنة 1967 بمدينة الرباط، وجمعية الانطلاقة الثقافية التي تأسست سنة 1978 بمدينة الناظور والجمعية الجديدة للثقافة والفنون الشعبية التي تأسست في نفس السنة بالرباط والتي ستُعرفُ لاحقاً باسم جمعية "تاماينوت" ثم جمعية الجامعة الصيفية التي تأسست سنة 1980 بمدينة أكادير بعد أحداث "الربيع الأمازيغي" التي اندلعت بمنطقة القبائل بالجزائر إلخ. وفي نفس الوقت ستعرف الساحة المغربية آنذاك نقاشاً فكرياً مهماً شارك فيه مؤسسو هذه الجمعيات من أمثال إبراهيم أخياط وأحمد بوكوس ومرزوق الورياشي ومحمد مستاوي وحسن إيد بلقاسم إلخ بالإضافة إلى أساتذة جامعيين وفاعلين جمعويين آخرين من أمثال محمد الشامي وعبد الله بونفور أحمد أكواو والمرحوم قاضي قدور والمرحوم علي صدقي أزايكو إلخ. وقد تميز هذا النقاش -لأول مرة- بكونه لم يعُد يمتح من سجلات الفكر الهوياتي التقليدي الذي كان سائداً إلى حدود أواخر الخمسينات؛ بل أصبح يمتح من معينين: معين البحث الأكاديمي الذي أنجزه بعض هؤلاء الشباب بمناقشتهم لأطاريحهم الجامعية في موضوعات تتعلق باللغة الأمازيغية أو بالتاريخ أو بالأدب أو بالسوسيولوجيا والأنتروبولوجيا إلخ؛ فقد رجع العديد منهم مسلحين بمعارف أساسية ومتينة لمناقضة كل الأطاريح الإيديولوجية التي كانت تُعتمد من أجل التأكيد على الهوية العربية –الإسلامية للمغاربة ونفي العمق الأمازيغي عنها؛ وأما المعين الثاني فهو معين المرجعيات الحقوقية العالمية التي ساهم الأمازيغ بشكل كبير في نشرها داخل الأوساط الطلابية والحزبية والدعوية والحقوقية إلخ؛ إذ استناداً إلى مفاهيم التعدد والتنوع وتكافؤ الفرص والحق في التعليم والإعلام باللغة الأم والدفاع عن النفس بها داخل المحاكم إلخ أصبح الخطاب الأمازيغي خطاباً مؤسساً لمفهوم جديد للهوية المغربية القائمة على احترام الخصوصيات وتنميتها في إطار هوية جامعة هي الهوية المغربية. وبطبيعة الحال فإن هذا النقاش لم يسلم من تدخلات خطيرة ضد أقطاب هذا التوجه الجديد، إذ تم، مثلاً، اعتقال علي صدقي أزايكو (الكاتب العام للجمعية الثقافية أمازيغ) مع أوزين أحرضان بعد أن نشر الأولُ مقالاً، في مجلة هذا الأخير، عن دخول العرب إلى شمال إفريقيا؛ كما تم اعتقال المحامي حسن إيد بلقاسم لمجرّد أن علق لوحة على باب مكتبه وعليها كتابة تيفيناغ؛ هذا بالإضافة إلى محاولة اغتيال إبراهيم أخياط (يُنظر تفاصيل ذلك في كتابه "النهضة الأمازيغية") واختفاء بوجمعة الهباز بشكل غامض منذ سنة 1981.





    رد مع اقتباس
قديم 2013-11-14, 23:05 رقم المشاركة : 8
express-1
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية express-1

 

إحصائية العضو








express-1 غير متواجد حالياً


وسام التميز لشهر مارس 2012

افتراضي رد: فصل المقال ما بين الدارجة والفصحى والأمازيغية من اتصال وانفصال


ومع ذلك فإنه لم يكن لهذه التدخلات لتوقف المطالب الثقافية للأمازيغ، بل إنها أصبحت تتخذ لها أشكالاً جديدة من التنظير والتنظيم والتي منها الإعلان عن "ميثاق أكادير" (1991) الذي أكد على مفهوم "التنوع في الوحدة"؛ بل والذي اعتُبر بمثابة الميلاد الرسمي للحركة الثقافية الأمازيغية؛ ثم إصدار "بيان الاعتراف بأمازيغية المغرب" (2000) الذي لم يطالب فقط بترسيم اللغة الأمازيغية، بل ربط بين الاعتراف بالهوية المغربية وبالحقوق اللغوية والثقافية وبين الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للأمازيغ؛ وأمام التجربة التي أخذ يراكمها الفاعلون في هذا المجال أخذت الحركة تتخذ لها شكل تنسيقيات وطنية أو كونفدراليات جهوية بل وانتقلت منذ سنة 1994 لتُصبح ذات تنظيمي عالمي.

والذي يهمّنا من كل هذا هو أن أقطاب هذه الحركة يُعتبرون اليوم من أكثر النخب استيعاباً لمفاهيم حقوق الإنسان ومن أكثرهم استيعاباً للثقافتين العربية والغربية؛ إذ بالرغم من كونهم ينتمون في غالبيتهم إلى أسر متواضعة حضرية وقروية، بل وبالرغم من كونهم يشكلون نتاجاً للمدرسة المغربية الوطنية التي أرادت تعريبهم، فإن أغلبهم يتقن، على الأقل، اللغتين العربية والفرنسية زيادة على لغتهم الأمازيغية، بل وأحياناً يتقنون معها لغات أخرى كالإنجليزية والإسبانية بحكم التخصص أو بحكم الجهات التي ينتمون إليها. ونتيجة لتكوينهم هذا ثم لتأثرهم بمفاهيم التعدد وانخراط الكثير منهم في الدفاع عن القضايا الحقوقية فإنهم أنتجوا أدبيات نضالية تتسم بالكثير من العقلانية والتوازن والشمولية والنسبية؛ إن مواقفهم الفكرية والمطلبية لم تكن أبداً إقصائية كما دأبت على فعل ذلك، مثلا، الاتجاهات ذات التوجه القومي والإسلام السياسي ومؤخراً الاتجاه التكنو-وطني اللبيرالي؛ فكل مطالبهم التي عبروا عنها من خلال وثائقهم الرسمية منذ الستينيات إلى اليوم تتميزُ بتركيزها على مفاهيم التعدد بوصفها خاصية مغربية تمتد بجذورها في أعماق تاريخ شمال إفريقيا؛ ولذلك فإنهم بقدر ما اعتبروا كل الدعوات الداعية إلى لغة واحدة أو ثقافة واحدة دخيلة على الفكر المغربي المتميز تاريخياً بالتسامح والانفتاح على الآخر، بقدر ما دعوا إلى احترام التعدد اللساني الوطني بتنوعه، أي الأمازيغي والدارج والعربي الكلاسيكي إلى جانب اللغات الأجنبية الأخرى التي أصبحت تُشكلُ بدورها جزءاً من هويتنا وكياننا الإنساني؛ وعلى هذا الأساس فإن اختراعهم لمفهوم "تمغربيت" لم يكن بقصد تذويب مكون أو مكونات في مكون آخر للحصول على هذه الواحدية الهوياتية التي يُطالبُ بها المدرّجون، ولا كانوا يقصدون بها إقصاء اللغة العربية الفصحى لفتح الأبواب مُشرعة أمام الفرنسية أو الإنجليزية؛ إن ما يقصدونه بـ "تمغربيت" هو هذه الروح المتسامحة التي تُمكننا من أن نعترف بكل خصوصياتنا وبكل مصادرها دون تذويب ولا إقصاء. وإذا كانوا قد اتخذوا مواقف مناهضة للعروبة بمفهوميها الديني والقومي فإنهم لم يكونوا يقصدون بذلك تلك العروبة كما يعيشها العرب في أوطانهم، والتي انفتحوا عليها وأغنت ثقافتهم المحلية، بل قصدوا بذلك العروبة الإيديولوجية التي أُريدَ بها استبدالُ وضع هوياتي قائم لشعب بوضْعٍ هوياتي آخر لشعب آخر؛ وعلى هذا الأساس فإنهم:

  • لم يعتبروا اللغة العربية الفصيحة أجنبية عن بلد مثل المغرب؛ بل اعتبروها دائماً إحدى اللغات التي لعبت دوراً مهماً في الإحالة على المرجعية الدينية للمغاربة المسلمين وفي ممارسة طقوسهم الدينية بكل حرية؛ وهو ما يعني أن هذه اللغة لم تفشل تاريخياً في لعب دورها الذي أُنيط بها والذي بسببه تبناها الأمازيغ منذ قرون؛ إلا أنهم اعتبروا أن فشلها تحقق فقط في اللحظة التي أُريدَ لها أن تضطلع بدورِ آخر؛ أي عندما تمّ تحويلُها من لغة المرجعية الدينية إلى لغة الهوية المغربية المعادية لخصوصياتها المحلية؛
  • لم يُحملوا هذه اللغة الفصيحة أي مسؤولية عن المآزق الهوياتية والثقافية والتربوية التي وقع فيها المغربُ منذ الاستقلال إلخ بل حمّلوا المسؤولية للنخب القومية والإسلامية المسيطرة التي منحت لغة القرآن وظائف ليست بوظائفها الأصلية وجعلت منها لغة لتبرير العروبة الإيديولوجية والإسلام السياسي وفرضها قسراً دون اعتبار للواقع اللساني والثقافي المغربي؛
  • لم يتخذوا أي موقف رسمي معادٍ لهذه اللغة الفصيحة؛ بل طالبوا في وثائقهم أن تحظى أيضاً بنفس المكانة التي أرادوها ويريدونها للغة والثقافة الأمازيغيتين؛ فقد طالبوا، مثلاً، في العديد من بياناتهم ورسائلهم إلى الجهات العليا أن تكون هذه اللغة رسمية إلى جانب اللغة الأمازيغية؛ وهذا كله دفاعاً عن مفاهيم التعدد والتنوع التي يومنون بها؛
  • اعتبروا أن الهوية المغربية لا تجد عمقها في مكون واحد دون الآخر، بل تجده في كل مكوناتها اللسانية والثقافية دون تمييز؛ فهذه الهوية هي نسيج لتفاعل حضاري عريق بين جميع هذه المكونات التي تُحدد بالضبط مفهوم المواطنة الحقة القائمة على مفهوم "تمغربيت" الحقة؛ ولذلك فهم لم يفاضلوا بين هذه المكونات، ولم يدعوا إلى إقصاء إحداها لصالح الأخرى بل اعتبروا دائماً أن لكل مكون وظائف خاصة وأساسية يجب أن يقوم بها؛
  • انطلقوا من منطلقات حداثية وتنموية لمأسسة الأمازيغية؛ وبذلك تمكنوا من القطع بشكل أساسي مع كل التصورات التقليدية والعرقية للهوية والقائمة إما على التنابذ الطائفي أو على الادعاء بالانتماء إلى حضارة وجنس أفضل وأسمى وعابر للقارات؛ وعلى هذا الأساس فإنهم اعتبروا الاهتمام بالأمازيغية لغة وثقافة إنما هو اهتمام بالمواطن المغربي سواء من أجل تجويد تكوينه في المدرسة المغربية (التعليم باللغة الأم) أو من أجل تسريع وتيرة محو الأمية أو لتحقيق مردودية اقتصادية واجتماعية أفضل أو بهدف تحقيق العدالة في المحاكم المغربية والقضاء على البيروقراطية الإدارية، أو أيضاً من أجل التربية على مفاهيم حقوق الإنسان وقيم الاعتدال والتسامح والمواطنة واحترام الآخر إلخ.



وعلى هذا الأساس فإن الحركة الأمازيغية بشقيها الثقافي والسياسي وكذلك الأكاديمي والحقوقي تكون قد قدّمت نموذجاً لمفهوم الهوية المتسامح والمتعايش والقائم على احترام كل مكوناتها الوطنية دون تمييز؛ ولكن يبقى مع ذلك يجب أن ننتبه إلى أن المرتكزات الفكرية والحقوقية التي تعتمدها الحركة الثقافية الأمازيغية للدفاع عن قيم التعدد والتنوع، ومن ضمنها الدفاع عن العربية الفصيحة والدارجة، ليست هي نفسها لدى الاتجاه التكنو-وطني اللبيرالي ولدى الاتجاه القومي الإسلامي؛ ذلك لأنه في الوقت الذي:



1- يؤكد فيه الاتجاه التكنو- وطني اللبيرالي على نفس المفاهيم الحقوقية والحجج العلمية التي كرّستها الحركة الثقافية الأمازيغية منذ أكثر من خمس عقود، للدفاع عن الدارجة المغربية بوصفها لغة المستقبل، نراهُ لا يفعل، للأسف، نفس الشيء عندما يتعلّق الأمرُ باللغة الأمازيغية وثقافتها؛ إنه، على العكس من ذلك، ينحو في اتجاه أن يتبنّى نفس إيديولوجية العروبة الإقصائية؛ والخطيرُ في هذا الطرح هو أن هذه العروبة المقترحة تحت مفهوم "تمغربيت" لن تكون موجهةً ضد اللغة الفرنسية بل أساساً ضد اللغة الأمازيغية؛ وذلك لاعتبارين اثنين على الأقل:

- أولاً: لأن الدارجة المغربية هي الأكثر انتشاراً والأكثر تمركُزاً في المدن المغربية بحكم الواقع التاريخي الذي فرضتْه سياسات التعريب التي مارستها الحكومات العربية المتوالية منذ الاستقلال إلى اليوم؛ فهذه اللغة التي استفادت من وضعيتها الشبه-رسمية لتُستعمل بشكل مكثف في الإعلام وفي العديد من المجالات والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية (أحمد بوكوس، 2013)، قد أصبحت الأكثر تهديداً للغة الأمازيغية لمزاحمتها لها في جميع الاستعمالات التواصلية غير الشكلية ولاكتساحها لأغلب الحواضر المغربية؛ فهي، إذا استعرنا تعبير جان لوي كالفي، وهو يتحدث عن لغات المدن الكبرى، قلنا أن هذه اللغة قد تحولت إلى مطحنة كبرى لطحن جميع التنويعات الأمازيغية والدوارج القروية من أجل تأكيد مفهوم "تمغربيت" الإقصائي؛ وأما في حالة اعتمادها كلغة رسمية ومؤسساتية لجميع المغاربة، ودون أن تؤخذ احتياطات مأسسة الأمازيغية بالشكل المطلوب، فإن القضاء عليها سيكون مبْرَماً وسريعاً جداً.

- ثانياً: لأن الدارجة المغربية بحكم التغيُّرات التي مستها على مستوى المعجم والبنيات النحوية والصرفية والدلالية إلخ قد أصبحت تتجه لأن تكون امتداداً للغة العربية الفصيحة الوسطى التي بدأت في التشكّل منذ بدايات القرن العشرين بسبب انتشار التعليم وتكاثف وسائل الإعلام العابرة للدول والقارات إلخ؛ فبعد أن كانت الدوارج المغربية في القرن التاسع عشر غير متواصلة ولا يتحقق بها التفاهم ما بين دكالي وتطواني مثلاً- كما يذهب إلى ذلك محمد شفيق- أصبحت اليوم، بسبب تدخل العربية الفصيحة، هي اللغة اللانكوا-فرانكا المغربية، أي اللغة العَبْرية التي يتحقق بها التواصل على الصعيد الوطني بين أغلب المواطنين المغاربة، بل وتُحقق تواصلاً مهماً بين مختلف العربيات سواء على صعيد شمال إفريقيا أو على صعيد الشرق العربي؛ إن هذه الدارجة التي كانت إلى حدود الخمسينات من القرن الماضي جزراً معزولة وأقربُ إلى الأمازيغية في معجمها وطريقة نطقها بل وتعكس نفس القواعد لهذه الأخيرة ونفس البنيات البلاغية قد أخذت تنهلُ بشكل لم يسبق له مثيل من عربية المدرسة والإعلام العربي المكثف مما أدى ويؤدي إلى تقريب الشقة بينها؛ وهو أمرٌ لن ينتهيَ فقط في المستقبل القريب إلى بناء لغة وطنية ممعيرة متجهة نحو التعابير الفرنسية، كما يعتقد المدرِّجون، بل سينتهي كذلك إلى بناء نموذج لغوي عربي عابر للدول الوطنية؛ وهو ما يعني مرّة أخرى أن الدارجة المغربية المعبرة عن خصوصية "تمغربيت"، ستنتهي على المديين المتوسط والبعيد بأن تجد نفسها في أحضان العروبة الثقيلة التي يُريدُ المُدرّجون اليوم التنصُّل منها؛ وبتعبيرِ أوضح إن اعتماد الدارجة المغربية رسمياً لن يؤدي إلا إلى تطويرها في اتجاه النموذج اللساني الذي يُقدمهُ لنا المشارقة؛ ولكن بعد ماذا؟ بعد أن تكون هذه الدارجة الممأسسة قد أدّت عملها التّصفوي على أحسن وجه فيما يخصّ القضاء على اللغة الأمازيغية.








آخر تعديل express-1 يوم 2013-11-14 في 23:08.
    رد مع اقتباس
قديم 2013-11-14, 23:07 رقم المشاركة : 9
express-1
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية express-1

 

إحصائية العضو








express-1 غير متواجد حالياً


وسام التميز لشهر مارس 2012

افتراضي رد: فصل المقال ما بين الدارجة والفصحى والأمازيغية من اتصال وانفصال


- تدَّعي النخبُ الوطنية والقومية والسلفية أن اللغة العربية الفصيحة التي تريدُ أن تفرضها على كل المغاربة هي لغة القرآن، نجدها على العكس من ذلك تعمل من أجل إبعاد هذه اللغة عن منابعها اللسانية الأصيلة وتقريبها من اللغات الغربية التي أصبحت تشكل بالنسبة لها النموذج المحتذى؛ وبهذا فهي تمارسُ تغليطاً خطيراً على المغاربة؛ إن هذه اللغة المفروضة هي:

- على غرار الدارجة المغربية في طريق تغيير بنياتها النحوية وأشكال تعبيرها وقواعد اشتغالها كما كان يطالبُ بذلك منذ القرن الثامن عشر مسيحيو الشرق العربي، بل وكما أعاد ترديد ذلك وطنيونا وقوميونا ومفكرونا المغاربة في القرن العشرين (علال الفاسي، محمد عابد الجابري، عبد القادر الفاسي الفهري إلخ)؛ إذ باسم عصرنتها وإخراجها من أسْمال أساليبها العتيقة وجعلها قابلة لكي تُعبر عن العلوم الحديثة تمت الدعوة إلى التخلي عن أبواب النحو المعقّدة فيها، وتجديد معجمها واستعارة المصطلحات وأشكال التعبير من اللغات الكبرى كالفرنسية والإنجليزية؛ بل وكذلك التقريب بينها وبين الدوارج والعاميات العربية بما يجعل منها لغة الحياة اليومية للمواطنين؛ وبطبيعة الحال فإن هذه الدعوات قد وجدت لها من يُنفذها على مستوى السياسات التربوية والإعلامية والإدارية إلخ على صعيد كل الدول التي تنتمي إلى إطار ما يُسمى بـ "الجامعة العربية"، وهو ما أدى في الأخير إلى أن تتشكّلَ لغة عربية يطلق عليها اللسانيون اسم اللغة الفصحى الوسيطة؛ أي تلك اللغة التي أخذت تبتعدُ عن اللغة الكلاسيكية التي أُنزِلَ بها القرآن، وتتجه إلى بناء نموذجها الخاص والذي اعتبرَه عبد السلام ياسين نموذجاً لقيطاً يفتقد إلى الروح الإسلامية.

- على غرار اللغة الفرنسية والإنجليزية في طريق تغيير وظائفها التقليدية من حيث الإحالة على مرجعيات القرآن الأساسية واستبدالها بالوظائف اللائكية من حيث إرادة الإحالة على التقانة ومفاهيم العلمنة إلخ. وهو ما يعني أن هذه اللغة التي تُفرضُ باسم الدين لا يُراد لها –في العمق- أن تحيل على هذا الدين، بل يرادُ لها أن تضطلع بوظائف التحديث. فلأنها أصبحت لغة التنمية والتحديث ولم تعُد لغة الدين العتيقة كان لابُدّ من تغيير أشكالها وقواعدها النحوية لكي تضطلع بهذا الدور الجديد.



وينتج عن هذا، أن دعوة التعريب هي دعوة مغلوطة ومضللة؛ مغلوطة لكونها دعوة إيديولوجية تستعملُ الدين والتراث العربي الأصيل من أجل تحقيق هدف تعريب المجتمع وعلمنته بلغة جاءت في الأصل لتحمل مضامين القرآن؛ ومضللة من حيث كونها تُضلل الأمازيغ عن لغتهم الأصلية التي يُفترَضُ أن يحققوا بها التحديث لأنفسهم. ولكونها دعوة إيديولوجية وتقترح نموذجاً عن دولة حديثة تتبنى الهوية العربية، فإن الأمازيغ في هذه الحالة، ومعهم كل الشعوب الإسلامية غير العربية ذات الوضع الأقلياتي، سيكونون غير معنيين بهذه الدعوة، أو على الأقل مدعوين بدورهم لاتخاذ القرار في اللغة الفصيحة التي يريدون تبنيها: لغة فصحى تتجه إلى أن تأخذ مكان لغتهم وتحملَ إليهم مضامين التحديث أم لغة فصحى تبناها أجدادُهم ولعبت دوراً مهماً في الإحالة على مرجعيتهم الدينية؟؛ أو تبنيهما معاً لكن في بشرط أن تكون لغتهم الأمازيغية هي الأساس في تحقيق التنمية والتحديث.



  • 6. خلاصة القول الأخيرة:

وجهان لعملة واحدة: تعريب المغرب وتسريع الانتهاء من الهوية الأمازيغية المزعجة

سواء تعلق الأمر باللغة العربية الفصيحة، أو بالدارجة المغربية، فإن مشاريع التكنو- وطنيين اللبيراليين ومشاريع العروبيين الإسلاميين تتجه جميعها نحو بناء مجتمع انسجامي تختفي فيه الأمازيغية؛ وبالرغم من أن الاتجاهين يختلفان من حيث المستوى اللساني الذي يريدان فرضه، ومن خلاله القيم التي يريدان بثها في المجتمع، فإنهما ينهلان معاً من نفس النموذج اليعقوبي الفرنسي ومن نفس النموذج اليعقوبي العروبي القائم على "تصفية" الخصوصيات. إن النخب القومية والإسلامية التي بنت خطابها الإيديولوجي على مفهوم لغة القرآن ستُحوّلُ هذه اللغة إلى حصان طروادة، كما يقول جاك بيرك، لتأكيد قيم التغريب؛ إذ في حمأة البحث عن عربية تعيدُ الأمجاد الغابرة وينحاز مرجعها القيمي إلى قيم الغرب تمت التضحية بلغة الفقهاء التقليديين، وتمت مقاومة كل مطلب لساني هوياتي غير عربي؛ وإذا كان التاريخ اللساني بشمال إفريقيا قد أكد لنا أن لغة القرآن لم يسبق لها أن مارست منعاً للغات الأم، لكونها كانت ذات وظيفة دينية بالأساس، أو كما يعبر عن ذلك هنري كوبار، ذات وظيفة ميتية، فإن السياسة اللسانية الجديدة التي غيرت الوظيفة الأصلية لهذه اللغة، قد جعلتها تمارس وظيفتين. فهي، من جهة، منعت وتمنع اللغة الأمازيغية من النمو والتطور، بله ومن الحياة، لكونها ظلت مقصية من المنظومة الإعلامية والتربوية والإدارية؛ وهي، من جهة ثانية، أصبحت تشكل خزاناً لإغناء الدوارج المغربية والاتجاه بها نحو الانتشار أكثر فأكثر بل ومطاردة الأمازيغية بشكل مثير ومن جميع فضاءاتها ومجالاتها التقليدية. هكذا، إذن، ستأتي دعوة مؤسسة زاكورة للتربية لكي تواصل بشكل أسرع ما ابتدأته السياسة اللسانية والهوياتية للآباء الوطنيين؛ ستأتي، كي تعطي السلاح الأنجع للقضاء نهائياً على هذه الأمازيغية المزعجة بعدما تفضّلَ آباؤهم بتدميرها وخلخلة الأسس الاجتماعية والثقافية التي تقوم عليها.





    رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are معطلة


مــــواقـــع صـــديــقــة مــــواقـــع مـــهــــمــــة خـــدمـــــات مـــهـــمـــة
إديــكـبـريــس تربويات
منتديات نوادي صحيفة الشرق التربوي
منتديات ملتقى الأجيال منتديات كاري كوم
مجلة المدرس شبكة مدارس المغرب
كراسات تربوية منتديات دفاتر حرة
وزارة التربية الوطنية مصلحة الموارد البشرية
المجلس الأعلى للتعليم الأقسام التحضيرية للمدارس العليا
مؤسسة محمد السادس لأسرة التعليم التضامن الجامعي المغربي
الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي التعاضدية العامة للتربية الوطنية
اطلع على وضعيتك الإدارية
احسب راتبك الشهري
احسب راتبك التقاعدي
وضعية ملفاتك لدى CNOPS
اطلع على نتائج الحركة الإنتقالية

منتديات الأستاذ

الساعة الآن 23:22 لوحة المفاتيح العربية Profvb en Alexa Profvb en Twitter Profvb en FaceBook xhtml validator css validator

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML
جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd