2013-11-14, 23:05
|
رقم المشاركة : 8 |
إحصائية
العضو | | | رد: فصل المقال ما بين الدارجة والفصحى والأمازيغية من اتصال وانفصال | ومع ذلك فإنه لم يكن لهذه التدخلات لتوقف المطالب الثقافية للأمازيغ، بل إنها أصبحت تتخذ لها أشكالاً جديدة من التنظير والتنظيم والتي منها الإعلان عن "ميثاق أكادير" (1991) الذي أكد على مفهوم "التنوع في الوحدة"؛ بل والذي اعتُبر بمثابة الميلاد الرسمي للحركة الثقافية الأمازيغية؛ ثم إصدار "بيان الاعتراف بأمازيغية المغرب" (2000) الذي لم يطالب فقط بترسيم اللغة الأمازيغية، بل ربط بين الاعتراف بالهوية المغربية وبالحقوق اللغوية والثقافية وبين الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للأمازيغ؛ وأمام التجربة التي أخذ يراكمها الفاعلون في هذا المجال أخذت الحركة تتخذ لها شكل تنسيقيات وطنية أو كونفدراليات جهوية بل وانتقلت منذ سنة 1994 لتُصبح ذات تنظيمي عالمي. والذي يهمّنا من كل هذا هو أن أقطاب هذه الحركة يُعتبرون اليوم من أكثر النخب استيعاباً لمفاهيم حقوق الإنسان ومن أكثرهم استيعاباً للثقافتين العربية والغربية؛ إذ بالرغم من كونهم ينتمون في غالبيتهم إلى أسر متواضعة حضرية وقروية، بل وبالرغم من كونهم يشكلون نتاجاً للمدرسة المغربية الوطنية التي أرادت تعريبهم، فإن أغلبهم يتقن، على الأقل، اللغتين العربية والفرنسية زيادة على لغتهم الأمازيغية، بل وأحياناً يتقنون معها لغات أخرى كالإنجليزية والإسبانية بحكم التخصص أو بحكم الجهات التي ينتمون إليها. ونتيجة لتكوينهم هذا ثم لتأثرهم بمفاهيم التعدد وانخراط الكثير منهم في الدفاع عن القضايا الحقوقية فإنهم أنتجوا أدبيات نضالية تتسم بالكثير من العقلانية والتوازن والشمولية والنسبية؛ إن مواقفهم الفكرية والمطلبية لم تكن أبداً إقصائية كما دأبت على فعل ذلك، مثلا، الاتجاهات ذات التوجه القومي والإسلام السياسي ومؤخراً الاتجاه التكنو-وطني اللبيرالي؛ فكل مطالبهم التي عبروا عنها من خلال وثائقهم الرسمية منذ الستينيات إلى اليوم تتميزُ بتركيزها على مفاهيم التعدد بوصفها خاصية مغربية تمتد بجذورها في أعماق تاريخ شمال إفريقيا؛ ولذلك فإنهم بقدر ما اعتبروا كل الدعوات الداعية إلى لغة واحدة أو ثقافة واحدة دخيلة على الفكر المغربي المتميز تاريخياً بالتسامح والانفتاح على الآخر، بقدر ما دعوا إلى احترام التعدد اللساني الوطني بتنوعه، أي الأمازيغي والدارج والعربي الكلاسيكي إلى جانب اللغات الأجنبية الأخرى التي أصبحت تُشكلُ بدورها جزءاً من هويتنا وكياننا الإنساني؛ وعلى هذا الأساس فإن اختراعهم لمفهوم "تمغربيت" لم يكن بقصد تذويب مكون أو مكونات في مكون آخر للحصول على هذه الواحدية الهوياتية التي يُطالبُ بها المدرّجون، ولا كانوا يقصدون بها إقصاء اللغة العربية الفصحى لفتح الأبواب مُشرعة أمام الفرنسية أو الإنجليزية؛ إن ما يقصدونه بـ "تمغربيت" هو هذه الروح المتسامحة التي تُمكننا من أن نعترف بكل خصوصياتنا وبكل مصادرها دون تذويب ولا إقصاء. وإذا كانوا قد اتخذوا مواقف مناهضة للعروبة بمفهوميها الديني والقومي فإنهم لم يكونوا يقصدون بذلك تلك العروبة كما يعيشها العرب في أوطانهم، والتي انفتحوا عليها وأغنت ثقافتهم المحلية، بل قصدوا بذلك العروبة الإيديولوجية التي أُريدَ بها استبدالُ وضع هوياتي قائم لشعب بوضْعٍ هوياتي آخر لشعب آخر؛ وعلى هذا الأساس فإنهم: - لم يعتبروا اللغة العربية الفصيحة أجنبية عن بلد مثل المغرب؛ بل اعتبروها دائماً إحدى اللغات التي لعبت دوراً مهماً في الإحالة على المرجعية الدينية للمغاربة المسلمين وفي ممارسة طقوسهم الدينية بكل حرية؛ وهو ما يعني أن هذه اللغة لم تفشل تاريخياً في لعب دورها الذي أُنيط بها والذي بسببه تبناها الأمازيغ منذ قرون؛ إلا أنهم اعتبروا أن فشلها تحقق فقط في اللحظة التي أُريدَ لها أن تضطلع بدورِ آخر؛ أي عندما تمّ تحويلُها من لغة المرجعية الدينية إلى لغة الهوية المغربية المعادية لخصوصياتها المحلية؛
- لم يُحملوا هذه اللغة الفصيحة أي مسؤولية عن المآزق الهوياتية والثقافية والتربوية التي وقع فيها المغربُ منذ الاستقلال إلخ بل حمّلوا المسؤولية للنخب القومية والإسلامية المسيطرة التي منحت لغة القرآن وظائف ليست بوظائفها الأصلية وجعلت منها لغة لتبرير العروبة الإيديولوجية والإسلام السياسي وفرضها قسراً دون اعتبار للواقع اللساني والثقافي المغربي؛
- لم يتخذوا أي موقف رسمي معادٍ لهذه اللغة الفصيحة؛ بل طالبوا في وثائقهم أن تحظى أيضاً بنفس المكانة التي أرادوها ويريدونها للغة والثقافة الأمازيغيتين؛ فقد طالبوا، مثلاً، في العديد من بياناتهم ورسائلهم إلى الجهات العليا أن تكون هذه اللغة رسمية إلى جانب اللغة الأمازيغية؛ وهذا كله دفاعاً عن مفاهيم التعدد والتنوع التي يومنون بها؛
- اعتبروا أن الهوية المغربية لا تجد عمقها في مكون واحد دون الآخر، بل تجده في كل مكوناتها اللسانية والثقافية دون تمييز؛ فهذه الهوية هي نسيج لتفاعل حضاري عريق بين جميع هذه المكونات التي تُحدد بالضبط مفهوم المواطنة الحقة القائمة على مفهوم "تمغربيت" الحقة؛ ولذلك فهم لم يفاضلوا بين هذه المكونات، ولم يدعوا إلى إقصاء إحداها لصالح الأخرى بل اعتبروا دائماً أن لكل مكون وظائف خاصة وأساسية يجب أن يقوم بها؛
- انطلقوا من منطلقات حداثية وتنموية لمأسسة الأمازيغية؛ وبذلك تمكنوا من القطع بشكل أساسي مع كل التصورات التقليدية والعرقية للهوية والقائمة إما على التنابذ الطائفي أو على الادعاء بالانتماء إلى حضارة وجنس أفضل وأسمى وعابر للقارات؛ وعلى هذا الأساس فإنهم اعتبروا الاهتمام بالأمازيغية لغة وثقافة إنما هو اهتمام بالمواطن المغربي سواء من أجل تجويد تكوينه في المدرسة المغربية (التعليم باللغة الأم) أو من أجل تسريع وتيرة محو الأمية أو لتحقيق مردودية اقتصادية واجتماعية أفضل أو بهدف تحقيق العدالة في المحاكم المغربية والقضاء على البيروقراطية الإدارية، أو أيضاً من أجل التربية على مفاهيم حقوق الإنسان وقيم الاعتدال والتسامح والمواطنة واحترام الآخر إلخ.
وعلى هذا الأساس فإن الحركة الأمازيغية بشقيها الثقافي والسياسي وكذلك الأكاديمي والحقوقي تكون قد قدّمت نموذجاً لمفهوم الهوية المتسامح والمتعايش والقائم على احترام كل مكوناتها الوطنية دون تمييز؛ ولكن يبقى مع ذلك يجب أن ننتبه إلى أن المرتكزات الفكرية والحقوقية التي تعتمدها الحركة الثقافية الأمازيغية للدفاع عن قيم التعدد والتنوع، ومن ضمنها الدفاع عن العربية الفصيحة والدارجة، ليست هي نفسها لدى الاتجاه التكنو-وطني اللبيرالي ولدى الاتجاه القومي الإسلامي؛ ذلك لأنه في الوقت الذي: 1- يؤكد فيه الاتجاه التكنو- وطني اللبيرالي على نفس المفاهيم الحقوقية والحجج العلمية التي كرّستها الحركة الثقافية الأمازيغية منذ أكثر من خمس عقود، للدفاع عن الدارجة المغربية بوصفها لغة المستقبل، نراهُ لا يفعل، للأسف، نفس الشيء عندما يتعلّق الأمرُ باللغة الأمازيغية وثقافتها؛ إنه، على العكس من ذلك، ينحو في اتجاه أن يتبنّى نفس إيديولوجية العروبة الإقصائية؛ والخطيرُ في هذا الطرح هو أن هذه العروبة المقترحة تحت مفهوم "تمغربيت" لن تكون موجهةً ضد اللغة الفرنسية بل أساساً ضد اللغة الأمازيغية؛ وذلك لاعتبارين اثنين على الأقل: - أولاً: لأن الدارجة المغربية هي الأكثر انتشاراً والأكثر تمركُزاً في المدن المغربية بحكم الواقع التاريخي الذي فرضتْه سياسات التعريب التي مارستها الحكومات العربية المتوالية منذ الاستقلال إلى اليوم؛ فهذه اللغة التي استفادت من وضعيتها الشبه-رسمية لتُستعمل بشكل مكثف في الإعلام وفي العديد من المجالات والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية (أحمد بوكوس، 2013)، قد أصبحت الأكثر تهديداً للغة الأمازيغية لمزاحمتها لها في جميع الاستعمالات التواصلية غير الشكلية ولاكتساحها لأغلب الحواضر المغربية؛ فهي، إذا استعرنا تعبير جان لوي كالفي، وهو يتحدث عن لغات المدن الكبرى، قلنا أن هذه اللغة قد تحولت إلى مطحنة كبرى لطحن جميع التنويعات الأمازيغية والدوارج القروية من أجل تأكيد مفهوم "تمغربيت" الإقصائي؛ وأما في حالة اعتمادها كلغة رسمية ومؤسساتية لجميع المغاربة، ودون أن تؤخذ احتياطات مأسسة الأمازيغية بالشكل المطلوب، فإن القضاء عليها سيكون مبْرَماً وسريعاً جداً. - ثانياً: لأن الدارجة المغربية بحكم التغيُّرات التي مستها على مستوى المعجم والبنيات النحوية والصرفية والدلالية إلخ قد أصبحت تتجه لأن تكون امتداداً للغة العربية الفصيحة الوسطى التي بدأت في التشكّل منذ بدايات القرن العشرين بسبب انتشار التعليم وتكاثف وسائل الإعلام العابرة للدول والقارات إلخ؛ فبعد أن كانت الدوارج المغربية في القرن التاسع عشر غير متواصلة ولا يتحقق بها التفاهم ما بين دكالي وتطواني مثلاً- كما يذهب إلى ذلك محمد شفيق- أصبحت اليوم، بسبب تدخل العربية الفصيحة، هي اللغة اللانكوا-فرانكا المغربية، أي اللغة العَبْرية التي يتحقق بها التواصل على الصعيد الوطني بين أغلب المواطنين المغاربة، بل وتُحقق تواصلاً مهماً بين مختلف العربيات سواء على صعيد شمال إفريقيا أو على صعيد الشرق العربي؛ إن هذه الدارجة التي كانت إلى حدود الخمسينات من القرن الماضي جزراً معزولة وأقربُ إلى الأمازيغية في معجمها وطريقة نطقها بل وتعكس نفس القواعد لهذه الأخيرة ونفس البنيات البلاغية قد أخذت تنهلُ بشكل لم يسبق له مثيل من عربية المدرسة والإعلام العربي المكثف مما أدى ويؤدي إلى تقريب الشقة بينها؛ وهو أمرٌ لن ينتهيَ فقط في المستقبل القريب إلى بناء لغة وطنية ممعيرة متجهة نحو التعابير الفرنسية، كما يعتقد المدرِّجون، بل سينتهي كذلك إلى بناء نموذج لغوي عربي عابر للدول الوطنية؛ وهو ما يعني مرّة أخرى أن الدارجة المغربية المعبرة عن خصوصية "تمغربيت"، ستنتهي على المديين المتوسط والبعيد بأن تجد نفسها في أحضان العروبة الثقيلة التي يُريدُ المُدرّجون اليوم التنصُّل منها؛ وبتعبيرِ أوضح إن اعتماد الدارجة المغربية رسمياً لن يؤدي إلا إلى تطويرها في اتجاه النموذج اللساني الذي يُقدمهُ لنا المشارقة؛ ولكن بعد ماذا؟ بعد أن تكون هذه الدارجة الممأسسة قد أدّت عملها التّصفوي على أحسن وجه فيما يخصّ القضاء على اللغة الأمازيغية. | آخر تعديل express-1 يوم 2013-11-14 في 23:08. |
| |