2013-07-25, 15:34
|
رقم المشاركة : 1 |
إحصائية
العضو | | | فضل الاجتماع وخطر الاختلاف | فضل الاجتماع وخطر الاختلاف {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَاتَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102] {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًاوَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1] {يَا أَيُّهَاالَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْأَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70-71]. أهبط الله تعالى الأبوين عليهما السلام إلى الأرض، وسخر لهما ولذريتهما ما في سمائهاوبرها وبحرها {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة:29] وفي الآية الأخرى {وَسَخَّرَ لَكُمْمَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} [الجاثية:13] واستخلف سبحانه وتعالى بني آدم في الأرض، يسكنونها ويعمرونها ويحكمونها، وكل ما علىالأرض من مخلوقات فهو مسخر لهم، يتصرفون فيه، ولا يتصرف هو فيهم مهما عظم حجمه،ومهما كانت قوته{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الأَرْضِ} [الأنعام:165] وفي أخرى{هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الأَرْضِ} [فاطر:39]. بل كان الاستخلاف لبني آدم في الأرض هو الغايةمن خلق البشر؛ ليقيموا دين الله تعالى في الأرض؛ كما جاء ذلك منصوصا عليه في القرآن {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة:30]. ولما كان البشر يسكنون الأرض وهم حكامها، والمتصرفون فيها بأمر الله تعالى وحكمته؛ كان الإصلاح فيها يأتي من قبلهم،كما أن الإفساد فيها لا يكون إلا بأيديهم، وكل المخلوقات الأخرى على الأرض وإن كانت أكثر من البشر، وكثير منها أكبر منهم وأقوى؛ فإنها لا تملك إصلاحا في الأرض ولافسادا؛ ولذلك خوطب البشر بالإصلاح، ونهوا عن الفساد، ولم يخاطب غيرهم بذلك {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا} [الأعراف:56] {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ} [محمد:22] وقال الملائكة لربهم سبحانه وتعالى لماأخبرهم باستخلاف البشر في الأرض{أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُفِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة:30]. ومن سنن الله تعالى في عباده أن المصلحين والمفسدين من البشر يبقون إلى آخر الزمان،ويوجدون في كل مكان، ويقع بينهم الصراع على الأرض، فالمصلحون يريدون صلاحها، والمفسدوني سعون في فسادها؛ وذلك ليتحقق الاستخلاف، وتظهر حكمة الله تعالى في ابتلاءالعباد. ومنذ أن بعث الله تعالى نبيه محمدا عليه الصلاة والسلام فإن أمته استلمت قيادة الصلاح والإصلاح في الأرض بما أُنزل عليها من الكتاب والحكمة، وبما حظيت به من شرف الإمامة والخيرية، التي من لوازمها السعي بالصلاح والإصلاح، والنهي عن الفساد والإفساد، ومعونة المصلحين، والأخذ على أيدي المفسدين{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بالله} [آلعمران:110]. ومن لوازم قيام هذه الأمة المباركة بمهمة الإصلاح في الأرض التي كلفت بها: أن يكون أفرادها متآلفين متحابين، معتصمين بحبل الله جميعا، متواصين بالحق والعدل، متعاونين على البر والتقوى، متناهين عن الإثم والعدوان، وأيّ شرخ بين أفرادها فإنه يُشغلهم بأنفسهم عن إصلاح غيرهم، ويعطل مهمتهم، ويسلبهم رسالتهم العظيمة، ووظيفتهم الجليلة. إن الفرقة والاختلاف داءان يُقعدان بالأفراد والأمم عن الإصلاح والبناء، ويمكنان للهدم والفساد، ويسببان ظلمة القلوب،وفساد الألسن، والطعن في الناس، وقد يؤديان إلى الاحتراب والتقاتل. وما أُصيب بنو إسرائيل بالنقص والخذلان، وحاق بهم الذل والهوان، وحقت عليهم اللعنة - رغم أن النبوة كانت فيهم، وقد فضلوا على العالمين - إلا بسبب اختلافهم على أنبيائهم،واتباع أهوائهم، وأدى بهم ذلك إلى الفرقة والعداوة والبغضاء فيما بينهم، يقول الله تعالى في شأن اليهود{وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ العَدَاوَةَوَالبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ} [المائدة:64] وفي شأن النصارى قال سبحانه{وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَامِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ العَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ} [المائدة:14]. لقد قص الله تعالى علينا ما وقعت فيه بنو إسرائيل من الفرقةوالاختلاف والعداوة والبغضاء؛ لئلا نسير سيرتهم، ولكي نحذر مسلكهم وطريقتهم، فنعتصمبحبل الله تعالى جميعا ولا نتفرق {وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَااخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ العِلْمُ} [يونس:93] وفي الآية الأخرى {وَآَتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُواإِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ العِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ} [الجاثية:17]. وبلغ بهم اختلافهم وفرقتهم مبلغ الشقاق والعناد والقتال؛كما في قول الله تعالى{ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ نَزَّلَ الكِتَابَ بِالحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} [البقرة:176]. لقد نهانا ربنا جل جلاله أن نكون كما كانت بنوإسرائيل فرقة واختلافا وتباغضا وتناحرا؛ لئلا نضل كما ضلوا، ونزيغ كما زاغوا{وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَاجَاءَهُمُ البَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران:105] وفي الآية الأخرى{وَلَا تَكُونُوا مِنَ المُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْفَرِحُونَ} [الرُّوم:32]. إنه طريق واحد هو الصراط المستقيم الذي أمرنا الله تعالى بسلوكه، وهو طريق الأنبياء كلهم، من سلكه أنجى نفسه، وسعى بالصلاح في أمته، ومن حاد عنه فقد فرَّق دينه، وأوبق نفسه، وجنى على أمته. ولما أمر الله تعالى بسلوك هذا الطريق الأوحد نهى عن الطرق الأخرى التي ينتج عنها التفرق والاختلاف{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام:153] وفي الآية الأخرى{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشُّورى:13]. ومع هذا التحذير العظيم من التفرق والاختلاف الذي أبدى فيه القرآن وأعاد فإن أمةالإسلام وإن كانت معصومة من الإجماع على ضلالة، فإنها ليست معصومة من التفرق والاختلاف، الذي سببه البدع والضلالات، واتباع الهوى، وتعطيل السنن، والغروربالدنيا وزخارفها؛ ولذلك أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن هذه الأمة ستفترق علىثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، وهذه الواحدة هي من سلكت سبيل المرسلين، والفرق الباقية الهالكة هي التي ابتدعت في الدين. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: والبدعة مقرونة بالفرقةكما أن السنة مقرونة بالجماعة، فيقال: أهل السنة والجماعة كما يقال: أهل البدعةوالفرقة. وقد يبلغ التفرق بالأمة مبلغ الاحتراب والاقتتال، فيفني بعضهم بعضا، ويقتلون أنفسهم ويتركون أعداءهم؛ كما وقع ذلك في كثير من دول الإسلاموتاريخهم، ولا يزال يقع إلى يومنا هذا، وهو كما جاء في حديث ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه تبارك وتعالى أنه قال: (يا محمد، إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة، وأن لا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بأقطارها، حتى يكون بعضهم يهلك بعضا، ويسبي بعضهم بعضا) وفي حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها) رواهمامسلم. وإذا كان التفرق والاختلاف واقعا في الأمة لا محالة، وهو من قدر الله تعالى الذي قدره عليها، فليس معنى ذلك أن يستسلم أفراد الأمة لهذا القدر، ولا أن يحتجوا به على تفرقهم واختلافهم؛ لأن الله تعالى وإنْ قدر ذلك بحكمته فقد أمرناسبحانه بالاجتماع، ونهانا عن الفرقة{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِجَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:103] وفيأخرى {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال:46] وروىأبو هريرة رضي الله عنه فقال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يرضى لكمث لاثا..... يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله تعالى أمركم....) رواه أحمد وصححه ابن حبان. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: والاجتماع والائتلاف من أعظم الأمور التي أوجبها الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم.... وهذا الأصل العظيم وهو الاعتصام بحبل الله جميعا وأن لا يتفرق هو من أعظم أصول الإسلام، ومماعظمت وصية الله تعالى به في كتابه، ومما عظم ذمه لمن تركه من أهل الكتاب وغيرهم،ومما عظمت به وصية النبي صلى الله عليه وسلم في مواطن عامة وخاصة. فحري بكل مخلص لربه، متبع للسنة، ناصح للأمة: أن يسعى في كل طريق صحيح يجمع كلمة المسلمين على الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، وأن يجتنب كل طريق يؤدي إلى الشقاق والفرقة والاختلاف، ولو سعى كل مسلم في بيان الحق، والنصح للخلق، بحسب استطاعته لتقاربت كثير من القلوب المتباعدة، ولأزيل كثير من الاختلاف والشقاق الذي يوجب العداوة والبغضاء بين الناس، وحسب كل مسلم أن يعلم أن الله تعالى قد حصرالأخوة في الإيمان فقال سبحانه {إِنَّمَاالمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوااللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات:10] واتباع السنة، والتجرد للحق،والبعد عن الهوى، هو سبب الاجتماع والألفة، كما أن الابتداع في الدين، والميل إلى الهوى، والغرور بالدنيا هو سبب التفرق والاختلاف. نعوذ بالله تعالى من الهوىوالردى، ونسأله الموافاة على الإيمان والسنة، آمين يا رب العالمين الشيخ د. إبراهيم بن محمدالحقيل :: مع بعض التصرف | : منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد https://www.profvb.com/vb/showthread.php?p=667259 |
| |