منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد

منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد (https://www.profvb.com/vb/)
-   المواضيع التربوية (https://www.profvb.com/vb/f300.html)
-   -   التربية الوالدية رهان مجتمعي (https://www.profvb.com/vb/t123563.html)

abo fatima 2013-06-29 12:06

التربية الوالدية رهان مجتمعي
 
التربية الوالدية رهان مجتمعي

صحيفة الأستاذ الجمعة 28 يونيو 2013


حميد بن خيبش
إن استعادة دور الأسرة في التربية ينبغي أن يشكل اليوم هاجسا مركزيا , يفرضه الارتباط الحتمي بين التربية و كافة المشاريع النهضوية و تجارب التحديث في العالم العربي .ولعل أول ما يجدر التصدي له هو تصحيح المفاهيم الخاطئة حول التربية الوالدية , والتي تقف عند حدود تأثيث فضاء الطفل بالمستلزمات المادية التي تهيء له شروط تعلم جيد . أو تعويده على الامتثال لمنظومة القيم و الأعراف دون إبداء عناية كافية بخصائص هذه المرحلة و متطلباتها النفسية و الاجتماعية .
ينشأ التفاعل بين الطفل ووالديه في فترة مبكرة , فمنذ الأيام الأولى من حياة المولود يكون قادرا على التحدث مع أمه و أبيه من خلال ما يسميه عالم النفس الإنجليزي دافيد لويس ” اللغة السرية” , ويقصد تلك اللغة الصامتة التي تتوجه إلى العيون و ليس الآذان , أي الاتصال غير الشفهي و الذي يكون على قدر من الكمال و الرهافة مما يجعل الطفل قادرا على التعبير عن أدق معاني المشاعر (1). و المفروض أن يكون لدى الأم على الخصوص قدرة على تفكيك رموزه و تعابيره حتى يسود بينهما قدر من التوافق و الانسجام الذي يجعلها قادرة على الاستجابة لمتطلباته .كما يُبدي الطفل في سنواته الأولى حساسية شديدة تجاه الإشارات الجسدية للوالدين , كنبرة الصوت و الإيماءات و التوترات العضلية ,مما يجعله معرضا لاضطرابات عميقة تؤثر على نموه النفسي و الحركي .
هذا التفاعل الذي يشبهه “مونتانيه” بشوط كرة طائرة حقيقي يدوربين الطفل و أمه وأبيه , يُحيلنا على الأهمية التي يكتسيها دور الوالدين في توفير ظروف التنشئة السليمة , و إشباع حاجة الطفل للحب و الرعاية و الثقة و التقدير الاجتماعي . وهو ما يفرض بالضرورة إلمامهما بخصائصه النمائية و دوافعه و حاجاته الداخلية . يقول الباحث عبد التواب يوسف ” إن الطفل ليس دمية و لاتسلية , بل هو حياة كاملة , حياة خاصة .., كيان و إنسان , و ليس الآباء و المعلمون كل شيء في الأمر , حيث للطفل شخصيته , ثم المجتمع , ثم القيم التربوية و الأخلاقية التي تسود , و بالتالي فنحن في حاجة ماسة إلى الدراسة و البحث , وهذا يقودنا بلا شك إلى معرفة النظريات التربوية و تطبيقاتها لكي ينمو الأبناء على أسس قويمة ” (2) .
لقد كان الإسلام سباقا إلى الحث على تحقيق الوالدية الفاعلة , و تحميل الآباء مسؤولية النمو السوي و غرس المباديء الإسلامية في نفوس الصغار بدءا بالبناء العقدي الذي نص عليه الحديث الشريف ” ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ” (3) وصولا إلى الحث على تعليمهم المهارات الرياضية كالسباحة و الرماية و ركوب الخيل ! بمعنى أن التصور الإسلامي للتربية يضع الاتجاهات الوالدية في صلب انشغاله , و يُغذيها بكم هائل من التوجيهات و التطبيقات التي تضمن تمتين البناء الأسري.
وهو ما تنبه العلماء و المربون الأوائل , فأغنوا المكتبة التربوية الإسلامية برسائل و مصنفات تخاطب الوالدين و تحدد مسؤوليتهما بدقة فيما يتعلق بالتنشئة و تمرير القيم و التصورات السليمة. ولعل من أشهر ما ورد في هذا الباب رسالة ” لفتة الكبد إلى نصيحة الولد ” للإمام أبي الفرج بن الجوزي , و التي ضَمنها توجيهات و نصائح قيمة لابنه الذي رأى منه توانيا عن الجد في طلب العلم و اشتغالا باللهو و مصاحبة المفسدين . فأضاءت تلك الرسالة في الحقيقة جوانب عدة يجدر بالوالدين التفطن لها , ومنها البُعد الوقائي و الحلول الاستباقية للمشاكل التي ينجم عنها انفراط عقد التربية السليمة ! (4)
إن ما تضج به المجتمعات المسلمة اليوم من اتجاهات والدية خاطئة لا يُمكن رده إلى غياب نموذج سلف أو تعاليم دينية موجهة , بل هو محصلة التغيرات المتسارعة التي يشهدها العالم , وما تولد عنها من تغيرفي النسق القيمي للأفراد و صعوبة في التكيف مع الأنساق البديلة التي تعرض الهوية و المعتقد للتلاشي و الذوبان !
أدرك الوالدان أنهما يواجهان تحديات العولمة , و ثورة إعلامية و تكنولوجية غير مسبوقة , تتسم بالإثارة و الجذب و الإغراء . فتباينت الاتجاهات الوالدية بين :
أسلوب قمعي تسلطي , يبالغ في حماية الطفل و التشديد على مراقبته و ضبطه .
و آخر يُبالغ في تدليله و التساهل معه , و ترك الحبل على الغارب بزعم التكيف الإيجابي .
و ثالث يُفرط في توجيهه , و تحديد المسار الذي يتوجب عليه اتباعه خطوة بخطوة , دون مراعاة لميوله و استعداداته و رغباته . و بذلك أصبحت التربية الوالدية طرفا في المشكلة بدل أن تكون طرفا في الحل , و أسهمت في الرفع من وتيرة الاضطرابات النفسية التي تغذي اليوم سائر أشكال التمرد و العنف و ضعف الانتماء الاجتماعي .

إن تحقيق تربية والدية فاعلة يفرض التصدي لجملة من العوائق أهمها الأمية , و تدني الأوضاع المعيشية و ضعف الكفاءة البيداغوجية التي تُمكن الوالدين من مواجهة المتغيرات , وتأمين علاقات نفسية إيجابية . كما يفرض , بحسب الدكتور حسن شحاتة , مشاركة ثلاثية بين الوالدين و الإعلام و المدرسة , وضم سنوات رعاية الطفولة المبكرة إلى التعليم العام , حتى يتم استثمارها وفق المباديء و المفاهيم التربوية المعاصرة (5).
يتطلب الأمر إذن صيغا جديدة , و منظورا متكاملا يضعها في صلب الانشغال العام , لا باعتبارها شريكا في العملية التربوية فحسب , بل صمام أمان في عالم متغير
!


الساعة الآن 19:42

جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd