رفيق الطائرة - منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد

2013-04-05, 23:00

رقم المشاركة : 1

ام ادريس

مراقبة عامة

إحصائية العضو

ام ادريس غير متواجد حالياً

رفيق الطائرة

كان ياماكان في قديم الزمان، كنت على متن طائرة للخطوط الجوية القطرية...
والطائرة مكتظة عن آخرها، و كان كرسيَّ على الرواق، وبمحاذاتي على الجهة الأخرى رجل... (تعرف ذلك الاحساس الذي يغمرك فجأة بعدم الارتياح من الشخص الذي يجلس بجانبك، من دون أن تنظر إليه، فقط مجرد وجوده مزعج ويبعث طاقة سلبية في المكان؟ فقط أقول، هذا الاحساس في الغالب لايكذب.. والدليل آت)، رفعت بصري إليه بعد نصف ساعة تقريباً، وقلت في نفسي: "مانعرف فين شايفة هاد السنطيحة؟!"

نعم أتصرف بخشونة أحيانا ولا أخفي امتعاضي من بعض الأصناف البشرية، ولا أتصنع المواقف وأعترف أن عندي مشاكل حقيقية في تقبل الآخر، ارتحتم؟

على الهامش، ربما قد لا تحبذون قراءة الأطفال لهذا المقال، فهو يضم بعض المشاهد الغير "مؤدبة"، ولكن قبل أن تفكروا في ذلك، وإن كنتم مهتمين جداً بما يطلع عليه أبناؤكم، فبادروا إلى إلقاء أجهزة التلفاز في بيوتكم من النافذة، بالنسبة للأشخاص الذين يسكنون في الطابق الثاني فما فوق، وبالنسبة للفئات الأخرى، يمكننا أن نتحدث عن طريقة ملائمة للتخلص من شاشاتكم.

المهم وحتى لا يضيع حبل التفكير ونضطر إلى شراء حبل جديد، الرجل لم يتوقف عن التقلب في الكرسي، وزع الابتسامات والتحيات بلغات العالم على كل المضيفات التي مررن من جانبه وشوش إحداهن فنظرت إليه بامتعاض ( بحالي زعما) وقالت: ليس الآن، بقي ينظر إلى الخلف باستمرار.. وفجأة انفرجت أساريره، والتفت أنا (يا لفضولي) لأرى السبب، فإذا بسيدة قادمة من الخلف تلوح له بكلتي يديها..

قام من مكانه ورحب بها على الطريقة الفرنسية ( قبلة على الخد الأيمن والأخرى على الأيسر ومصافحة حارة وقهقهات) ثم وقفا يتبادلان أطراف حديث جله باللغة الفرنسية أيضاً، وتبين لي من حديثهما أنهما ذاهبان إلى نفس المكان، مؤتمر من مؤتمرات حقوق الانسان، هي تمثل بلدها (تونس إذا لم تخني الذاكرة) وهو يمثلنا معشر قراء هذه الأسطر.. أجل يمثلنا نحن المغاربة!

تحدثا مطولا عن المتخلفات من أمثالي اللواتي يرتدين أغطية للرأس وملابس مهلهلة، تحدثا أيضاً عن الاسلاميين الظلاميين الذين يريدون أن يسيطروا على السلطة باسم الدين، (وكأن الدين ديالهم، قال الأخ المناضل)، وتبادلا الإطراء عن كونهما من النخب، وكيف أن النخب هي التي تؤطر المجتمع وتعبر عن تطلعاته، ولم تفتهما الفرصة على التأكيد على الحريات الشخصية ونبذ القيود التي تفرض على الانسان باسم الدين ... الى غير ذلك من العبارات الشهيرة، جميع مشكلاتهما ارتبطت بشكل أو بآخر بالدين، وهما القادمان من بلاد يمثل المسلمون فيها ما يتجاوز الـ 99 بالمئة.

وقفت المضيفة على رأس الممر بعربتها، معلنة وقت تقديم أولى وجبات الضيافة، وانصرفت الضيفة إلى مقعدها في الخلف، وفرك صاحبنا يديه مستعداً .. "الآن يا فلان" – مع أني عرفت اسمه وجلكم ستعرفونه إذا قلته، وأحتفظ به لنفسي في الوقت الحالي ( ماقادة على صداع)_
يتعلق الأمر بتشكيلة من المشروبات التي يقدمها الطاقم، وحين كنت أمد يدي لاستلام كأس من عصير البرتقال المعلب المليئ بجميع أنواع المواد الملونة والحافظة والمنكهات الصناعية التي تجعله أقرب لدواء منه إلى عصير، ورغم ذلك فسآخذه لأنني عملت شهوراً عديدة من أجل توفير ثمن هذه الرحلة ولن يأخذوا مني حقي في استهلاك العصير غير الصالح للشرب وإن اقتضى الأمر سكبه من النافذة التي لا تفتح (التقط أنفاسي هنا)،كان أخونا يسأل عن طلبه، و حين التفت مرة اخرى وجدتها تضع على طاولته علبة من البيرة!

هكذا ابتدأ صاحبنا مشوار السبع ساعات، التي لم يدع فيها فرصة تفوته ليطلب جميع انواع الخمور المتوفرة على متن الطائرة، (الأولى للأمانة والصدق في النقل فإنه لم يستطع الحصول على تلك المتوفرة في الدرجة) وكان يتعمد سؤال مضيفات مختلفات، يدعي لهذه أنه طلب مشروباً لم يصله ويخفي الزجاجات والعلب الفارغة تحت مقعده أو في جيب المقعد أمامه..

أزكمت أنفي الرائحة، وكرهت نفسي والطائرة والمكان وهذا المخلوق الذي جاء يدعي أنه ينافح عن حقوق الانسان، وهو يتخلى عن آدميته في كل مرة يسيل فيها لعابه أمام الزجاجات الملونة، أردت أن أقف وأقول له بأنك لا تمثلني، وأنك وماتدعي أنك تدافع عنه لايعنيني، وأنه ربما عليه أن يفكر في الدفاع عن النساء اللواتي يتعرضن للضرب أو الاعتداء من قبل السكارى المخمورين والمخدرين، وأن يتبنى قضايا المبتورة أعضاؤهم أو المقعدين المشلولين بسبب حوادث دهس أو صدم أبطالها مخمورون، وعن نسبة الهدر المدرسي لدى الأطفال الذين يتعرضون للتعنيف من قبل الآباء السكارى والذين يغادرون بيوتهم ويذهبون في كل صوب شَذَرَ مَذَر، وكيف تضيع مقدرات الأسر أو تنتهي حياة هؤلاء أنفسهم بطرق بشعة فيها لمن يعتبر صادمات العِبَر.

أردت أيضاً أن أسأله هل تدفع له جمعيته مصاريف الرحلة لكي (يضرب الطاسة) أم لأغراض أخرى؟

لم أقل له شيئاً، لأنني أحسست أنه ربما فارق الطائرة إلى سماء أعلى، أو إلى أسفل، لاأدري بالضبط! (وا الحيحة)
وخطر ببالي الكثير، لكن أيضا خطر ببالي كيف انتهى بنا المطاف بأن يمثلنا مثل هؤلاء الذين يرطنون بلغة مستعمرنا في المحافل الدولية؟
وخطر ببالي أيضاً أن الأخ يمارس حريته الشخصية، و(انتي مالك)؟ يستطيع أن يشرب ما يشاء، حتى إنه لم يدفع ثمن التذكرة من جيبه..
بقلم :خولة بوخيمة

: منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد https://www.profvb.com/vb/showthread.php?p=636192

التوقيع


	للتوصل بجديد الموقع أدخل بريدك الإلكتروني ثم فعل اشتراكك من علبة رسائلك :